قضايا

شيماء هماوندي: الاستشارة الفلسفية.. مشروع لتطويع الفلسفة بوصفها أسلوب حياة

إن الإستشارة الفلسفية بصيغتها المعاصرة هي تطويع النظريات والمناهج الفلسفية، لمعالجة مشكلات الإنسان والمجتمع المعاصرة، وهي مد يد العون للإنسان المعاصر لتجاوز مشكلاته الفكرية وأزماته الوجودية التي لايستطيع حلها بمفرده،  فيلجا الى مستشار فلسفي ذو خبرة في الفلسفة، ليساعده في إيجاد الحلول المناسبة لها، وهو ممارسة فلسفية تقدم للأفراد والجماعات والمؤسسات والشركات، وإن الإستعانة بالإستشارة الفلسفية هو تحول نحو الحكمة وإرتباطها بالمعنى، والتوجه المستقبلي، ورؤى الحياة، ونطاق الأفكار أو القناعات، وهدف هذا التحول هو مساعدة الإنسان على تطبيق الرؤى  التي يكتسبها عن نفسه  بشكل عملي على الصورة الشاملة لحياته، لدمج كل الرؤى في نظرة متماسكة وعملية للحياة،  تساعده في في تجاوز مشكلاته وعدم الوقوع فيها من جديد، وهي ليست علاحأ للمرضى بل هي علاج للإصحاء الذين يعانون من مشكلات حياتية، فإذا كان جذر مشكلتك فلسفيًا، فلن يمنحك أي دواء في صيدلية راحة دائمة، فالشفاء يتطلب تغيير العالم الخارجي وإطار المعنى، بالإضافة إلى تفسير الأحداث، ويتطلب الشفاء أكثر من مجرد الإنصات والتحدث بتعاطف (التعبير اللفظي)، بل يتضمن أيضًا تغييرات نموذجية وتنمية موقف فلسفي عملي تجاه وضع الإنسان، فبدلًا من الخوض في سؤال: كيف تشعر؟ تطرح الاستشارة الفلسفية الأسئلة التالية: ما هو إطارك لحياة ذات معنى؟ ما المعنى أو الهدف أو القيمة المُتضمنة؟ ما الذي يدفعك لاتخاذ قرار بشأن اتجاه محدد للغاية أو هدف محدد؟ كيف تتخيل النتيجة المحتملة وما هي الخيارات الواقعية؟ ما هي العوامل التي تمنعك من التصرف وفقًا للهدف النهائي؟ ما الذي ترجوه؟، ولا يمكن فصل كل هذه الأسئلة عن سياقها الفلسفي، الذي تحدده مخططات التفسير وأنماط التفكير المختلفة، إن نماذج الإستشارة الفلسفية وطرق الإرشاد الفلسفي المختلفة والمتنوعة، هدفها تطويع الفلسفة لتصبح إسلوب حياة، يساهم في حياة أفضل ويسعى الى وصول الإنسان المعاصر الى الهدوء والسكينة، ويقدم له العون لإكمال حياته والمضي قدماً وتجاوز الأزمات.

يمكن وصف الاستشارة الفلسفية بأنها إهتمام بتعزيز رفاهية الإنسان، وهي تفسير و استقصاء فلسفي ومتسامٍ في نظرية الشخص أو نموذجه أو رؤيته للعالم، وتحديدًا إيجاد حلول للمشكلات الفكرية، والمعاناة الإنسانية وفي هذا يأتي توجهّ الاستشارة الفلسفية بوصفها أسلوبًا لمساعدة الناس على العيش والنظر إلى العالم بواقعية أكثر، ويهدف إلى الجمع بين تطوير إسلوب حياة الشخص بالفعل، وبين طرق الحياة الفلسفية التي يمكن ان يسترشد بها لعلاج ازماته في المجتمع المعاصر من جهة أخرى، جيث إن أهمية الاستشارة الفلسفية  تكمن في الرعاية والعون الذي تستطيع أن تقدمه للإنسان في تجاوز أزماته الفكرية والوجودية، أي  أنها  تساعد الشخص على التدريب على طرق العيش السعيد وهي (النهج المتفائل)، الذي يمنح خيارات لغرس أملٍ حيّ في حياة واقعية من وجهةٍ نظر فلسفية.

إن الإرشاد الفلسفي،  يدعو الى تغيير الإفكار السلبية للإنسان، وتغيير نظرته للحياة، من خلال التركيز على الجوانب الإيجابية، وتطويرها، فهو يدعو الى تغيير الأفكار النمطية، وتحفيز التفكير النقدي الإبداعي، وهو الأسلوب الذي يُفسر به المرء تحديات الحياة  التي يعاني منها ويحاول مواجهتها والتغلب عليها، وفي هذا الصدد يستكشف الإرشاد الفلسفي فن عيش الحياة اليومية بسلام وطمأنينة، واتخاذ القرارات الحكيمة، إن الإرشاد الفلسفي تطبيق عملي لما كان في معظمه مسعى أكاديمي، ورعاية وعلاج لمشكلات الإنسان والمجتمع بطريقة فلسفية معاصرة تهدف إلى التعامل مع ما يُهم الناس فعليًا في حياتهم اليومية، وإعادة ترسيخ النظريات الفلسفية  كأداة مفيدة لممارسة فلسفية أسمى، وهي  فن عيش الحياة بحكمة وإتقان.

***

شيماء هماوندي - أستاذة الفلسفة والعلاج الفلسفي

أربيل/ جامعة صلاح الدين/ كلية الآداب/ قسم الفلسفة

في المثقف اليوم