أقلام حرة

أقلام حرة

لكل مدينة في الدنيا مؤرخون من أبنائها، يدوّنون ماضيها وحاضرها، ومدن الأمة معظمها بلا مؤرخين متخصصين بشؤونها، وهذه ظاهرة مدمرة للانتماء، ولاغية للإرادة الحضارية والمعرفية، فالذي لا يعرف مدينته يجهل وطنه.

في بلادنا مدن أسهمت في مسيرة الإنسانية، ولا تحفل بمؤرخين لها من أبنائها، كالبصرة والكوفة وسامراء والنجف وبغداد.

سيقول قائل ما هذا الكلام، أن المدن التي أشرت إليها كُتب عنها الكثير، والسؤال، هل يوجد فيها أعلام متخصصون بتأريخها الغابر والمعاصر، كما في مدينة الموصل – على سبيل المثال-

الموصل مدينة عريقة فيها مواطنون ينتمون إليها بصدق، وأوجدت مؤرخين بارعين ومتميزين، لا مثيل لهم في مدننا الأخرى.

ومدينة تأريخية كسامراء لا يوجد فيها مؤرخون معاصرون يكتبون بعمق ودراية وبحث علمي مستفيض.

وعلى شاكلتها مدن البلاد التي فيها لمسات الحضارات القديمة الأصيلة.

المطلوب من الأجيال الحالية أن تركز على مدنها، وتستثمر طاقاتها فيها لكي تكون بها، وتتطور بهم، ومن أهم الخطوات أن ينتشر الوعي في مجتمع المدينة عن تأريخ مدينتهم ودورها الحضاري والإنساني، وما عليها أن تتطلع به وتكون متألقة برسالتها، وأبنائها الغيارى على مسيرتها المتوثبة نحو العلاء.

فأين ثقافة المدينة ووعي تأريخها؟.

***

د. صادق السامرائي

يخبرنا التأريخ بأن تقسيم الأمة إلى دول بعد سقوط الدولة العثمانية، كان مثلبة ستراتيجية، تم التشافي منها بتأهيل الكراسي وتدمير الدولة، فالذين حكموها كانوا رجال كراسي لا رجال دولة. وهذا يفسر الإنحطاط المُستدام، وتداعيات التبعية والإنهزام.

بعض دول الأمة حظيت برجال دولة ومعظمها كان قادتها ينتمون للكراسي ويهملون البلاد والعباد، خصوصا أنظمة الحكم الإنقلابية والعسكرية، التي توطنت الكراسي وتخلت عن الوطن والمواطنين، فالذي يعنيها البقاء في كرسي السلطة أطول مدة ممكنة.

وهذه الظاهرة مستفحلة ومتكررة، ولا تزال ترقد على صدر الأمة، وتدمر وجودها، وتمنعها من إستنشاق هواء العصر والتطلع إلى مستقبل زاهر، وتفاعل إيجابي ظافر بين دولها، لأنها في حقيقتها ليست دولا وإنما كراسي.

فهل وجدتم أن الكراسي تتآلف؟

الكراسي تتعادى وتتماحق وتتآمر على بعضها، وتتسبب بنزاعات وصراعات ومغامرات لا تحمد عواقبها، فما يعنيها وجودها في سدة الحكم، وليصيب المواطن ما يصيبه، فهو العدو الأول والطامع بالكرسي دوما.

الأمة تمثل (22) كرسي، وعندما تفتش عن دولها المرهونة بالكراسي، تجدها هباءً منثورا، وعصفا مأكولا، وأدوات بيد الطامعين الساعين للإفتراس الشديد.

الكراسي لا تنفع البلاد والعباد، لغوصها في الأنانية، وتدثرها بالمخاوف والشكوك والظن المتحفز بالسوء، فإستجاباتها تكون عدوانية وإنفعالية ذات إنعكاسية شرسة، ينجم عنها تفاعلات تدميرية قاسية، لجوهر القيادة وذات الحكم، ولهذا فأنها تنهار بعد فترة وجيزة مهما تمادت في جبروتها، وتوهمت بقوتها وقدرتها على لوي أعناق الرجال وخلع أكتافهم.

فالكراسي ضد الشعب ولهذا تتهاوى، ما دامت بلا سند شعبي، وهي كالبالونات الفارغة المحلقة في فضاءات الهذيان، ويمكن تفجيرها عندما يحين الأوان.

الشعب مع رجال الدولة وضد رجال الكراسي، وهذه محنة أمة في دولها، التي تسلطت عليها الكراسي وجردتها من ملامحها الوطنية والحضارية المعاصرة.

فهل لنا أن نبني دولنا، ونتحرر من قبضة الكراسي القاسية؟!!

***

د. صادق السامرائي

ارتبط تاريخ نقابة المحاميين العراقيين ارتباطاً قوياً بأسماء كبار رجال القانون، فكان اول من جلس على رئاسة كرسي النقابة ناجي السويدي الذي جاء من رئاسة الوزراء الى نقابة المحاميين، وعندما نقلب كتابات مؤرخ العراق الاكبر عبد الرزاق الحسني سنقرأ في سيرة السويدي رفضه اثناء توليه رئاسة الوزراء ان يعين شقيقه عارف السويدي رئيسا لمحكمة التمييز، خوفا من اتهامه بمحاباة شقيقه.

ربما سيبتسم القارئ الكريم ابتسامة ساخرة من هذا الاستذكار ونحن نعيش في زمن العوائل السياسية التي تحارب حتى اخر لحظة من اجل امتيازات الاقارب والاحباب، وقد احتفلنا في اليومين الاخيرين بعودة " الشبل " يزن الى حضن " الأسد " مشعان، بريئا منعما، وقد يتصور البعض أنني أنوي إعادة البلاد إلى أيام الملكية . كلا. ياسادة، فانا كمواطن احاول أنأ وأستذكر ما مر من احداث في هذه البلاد العجيبة التي يريد لها البعض ان تبقى اسيرة المحاصصة وخطابات التخوين وقرارت مطاردة الاصوات التي ترفض التدجين . ولهذا تجدني اضرب اخماساً في اسداس وانا اقرأ القرار" الثوري " الذي اصدرته نقابة المحاميين العراقيين والمتضمن رفع اسم المحامية زينب جواد من جدول المحاميين، والسبب كما يقول كتاب النقابة ان هذه المحامية خالفت " قواعد السلوك المهني للنقابة "، طبعا لا أحد يعرف ما هي قواعد السلوك المهني التي تتبعها النقابة، وهل يحق لها ان تتجسس على مكالمات شخصية بين المحاميين؟ .

سيقول البعض يا رجل هل استمعت الى تسجيل المكالمة الذي تبرعت الجيوش الالكترونية بنشره والخوض في اخلاق السيدة زينب جواد ؟، واقول هل يحق لنا ان نحاسب الناس على مكالمات شخصية لا علاقة لها بالعمل او السياسة او مصالح العباد ؟. واذا كنا نحسب على الناس مكالماتهم الهاتفية، لماذا لم نحاسب النائب محسن المندلاوي عندما وقف فوق منصة مجلس النواب وكان يتولى منصب رئيس البرلمان بالوكالة، واطلق آنذاك سيلاً من الشتائم والكلمات الفاحشة بحق احد النواب؟، واعتقد ان السيدة نقيبة المحاميين شاهدت اللقاء التلفزيزني للنائبة حنان الفتلاوي والذي قالت فيه ان احد قيادات ائتلاف ادارة الدولة رفض وجود نساء داخل الائتلاف والسبب كما اخبرتنا النائبة ان القيادي يريد ان يبقى القادة لوحدهم " يسولفون ويفشرون " .

طبعا لا أحد يستطيع أن يصادر حرية البعض في الدفاع عن قيم المجتمع، او ضوابط المهنة كما سماها كتاب نقابة المحاميين، كما لا يحق لأحد أن يسأل السيدة نقيبة المحاميين لماذا تأخذ موقفا مساندا لتعديل قانون الاحوال الشخصية، وتطارد كل محامي يرفض هذه التعديلات التي تسيء للمرأة العراقية؟.

***

علي حسين

 

المواطنة هي علاقة مقدسة بين الفرد والوطن، وطالما هي مقدسة فيجب ان يسودها الصدق في التبادل وان لا تكون مجرد شعارات فحسب، بل انتماء وجداني للوطن ومشاركة جدية في بنائه والدفاع عن استقلاله وصيانة مصالحه، وهذا لا يتحقق عن طريق اطلاق الشعارات المنافقة والاستعراضات الفارغة انما يتم من خلال العمل الجاد والمخلص في الحفاظ على سيادته واستقلاله والوقوف بوجه كل المحاولات الرامية الى استباحته وتخريبه، كما ان المواطنة هي المشاركة الفاعلة في البناء والتنمية، فهناك من يجسد المواطنة من خلال العمل على تقديم كل ما يرفع من شأن الوطن وتقدمه لا ان يجعل منه ساحة للقتل والتخريب ونهب المال العام، في زياراتنا لعدد من الدول لمسنا المواطنة تجسدها ممارسات يومية عابرة تتمثل في حرص المواطن على نظافة بلاده والحفاظ على المرافق العامة والالتزام بالمواعيد والصدق في التعامل وهو ما حفزني للخوض في هذا الموضوع، ففي العاصمة الأرمينية  (يريفان ) هناك مبادرة تجسد صورة جميلة للمواطنة الحقة، ففي واحدة من ساحاتها الرئيسية هي "ساحة الجمهورية " التي تعد الفضاء المدني الأهم في العاصمة وواحدة من أبرز معالم هذه المدينة الساحرة بطبيعتها الجميلة حيث تجد عندها الماء والخضرة والوجه الحسن، وبالقرب من هذه الساحة التي صارت قبلة السائحين ينبسط بارك جميل هو هدية من مواطنين ارمنييين مغتربين هما الأخوان (ميكائيل وكارين فارتانيان) قدما هذا البارك هدية بمناسبة مرور 2800 عام على تأسيس مدينة (يريفان) وقد تم افتتاحه في 10 مايس من العام 2019، ضم البارك 250 شجرة من 70 نوع و2800 رأس نافورة وسبعة تماثيل برونزية ــ تمثل تقاليد الشعب ــ وسبع زوالي من الحجر الكرانيت تتوسطها خارطة يريفان من الحجر الكوارتز، كما تعهد الأخوان برعاية وترميم البارك لمدة 99 عاما بكلفة 2 مليون دولار . وهذا الانجاز لم يكن دعاية انتخابية ذلك ان الأخوين لم يكونا من السياسيين وانهما يعيشان خارج بلادهم أرمينيا وما دفعهم لهذه المبادرة حسهم الوطني العالي وارتباطهم الصادق بأرضهم، هذه المبادرة قد تكون نادرة ولكن عندنا في العراق كان الزعيم عبد الكريم قاسم سباقا في تجسيد المواطنة الحقة فقد أعطى للوطن من ماله الخاص ولم يأخذ مقابل عطاءه وذلك عندما قام بالتيرع ببيت والده في مدينة (الصويرة) وشيد على ارضه ثانوية للبنات ماتزال قائمة تحكي قصة مسؤول أعطى ولم يأخذ، وشتان ما بينه وبين المسؤولين الذين تقاضوا الأموال الطائلة هم وعائلاتهم مقابل ما اسموها بـ (الخدمة الجهادية) .

***

ثامر الحاج امين

 

ما قدمته نخب الأمة لم يصنع حياةً، بل كرّس واقعا سقيما وأسهم بتثمير الأوجاع وتراكم التداعيات وتواصل الويلات، والعلة تكمن في التنظير الفارغ والإستنزال لأفكار خيالية لا رصيد لها في الواقع المعاش.

فما هي الحلول التي إستحضرتها الأقلام المفكرة؟

الأفكار خائبة مصفوفة والمشاريع معصوفة مرفوفة، يعشعش في طيات كتبها الظلام ويدثرها النسيان، وتجد بين آونة وأخرى مَن يقلب صفحاتها ويضيف عليها ما يزايد الأحزان ويعبّد دروب الخسران.

هل شاركوا في القضاء على الفقر وتدارسوا آليات التحرر من قيده الثقيل؟

هل إبتكروا ما يمنع الجوع؟

هل خلّصوا المجتمعات من الجهل والأمية؟

هل قدموا حلولا ذات قيمة لمحاربة البطالة؟

هذه الأركان الأساسية لصناعة الحياة مغفولة، وما يهم أن يكتبوا عن موضوعات ممعنة بالغموض والرمزية، ليعززوا التجهيل والتدمير المجتمعي.

حتى الشعراء ما عاد لهم دور إستنهاضي يقظوي، وساروا في طريق التعقيد والتنفير من أسباب الحياة الحرة الكريمة، فما يكتبونه لا يُقرأ ولا يُفهم، ولا يُعطي أُكله المفيد.

مفكرونا وكتابنا كأنهم يناهضون الحياة ويهللون للموت، فيبدعون بالرثائيات وتسطير البكائيات التي تخاطب العواطف وتخمّد العقول، وتتجاهل المعقول.

إن صناعة الحياة بحاجة لهذه المرتكزات الأربعة، وعلى الحكومات أن تعمل بنشاط ومثابرة للوقاية من مآلاتها الأليمة، القاضية بالضياع والإنصياع للإنهيارات ومناهضة المعاني الراعية للإنطلاق الممهور بالعطاء، والحريص على المصلحة العامة وبناء الوطن الحر السعيد.

فنجاح أي حكومة مرهون بقدرتها على وضع الحلول المناسبة لمواجهة المركزات الآنفة، وبدونها لا قيمة لحكومة تتناول رموزها خطابات نظرية فارغة.

فهل توجد قدرة على التعامل العلمي مع الواقع؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

من حقي ان افرح بتقليد المفكر الدكتور عبد الحسين شعبان قلادة الابداع التي خصصها رئيس مجموعة الاعلام المستقل الاستاذ سعد البزاز للمبدعين العراقيين ، فهو استحقاق وتكريم للفكر التنويري الذي انتهجه د. شعبان طوال اكثر من نصف قرن وعبر ما يزيد عن 80 كتابا في الفكر والادب والشعر والتاريخ والسياسة، فمرحى للمكرم وللمُكرم.

 لعل في وصف الاستاذ البزاز، المفكر شعبان بالقول أنه: (يستحق التكريم والاشادة لأنه صبور وعراقي مخلص ومبدع جدير بالتقدير) الكثير من المعاني، ابرزها إن تكريم المبدعين الأحياء يعد نبراساً ودافعا قويا لمزيد من الانتاج و العطاء ليكون قدوة لغيره، كما ان تسليط ضوء التكريم للمبدع وهو على قيد الحياة يعد مسلكاً حضارياً راقياً، ووقفة نبل ووفاء.

كان حفل التكريم الذي جرى الخميس المنصرم في اربيل، وسط جو من الفرح والالق وبحضور عربي وعراقي كبير، حيث زينت قلادة الابداع صدر د. شعبان، التي وضعها نيابة عن الاستاذ البزاز، الدكتور احمد عبد المجيد رئيس تحرير صحيفة " الزمان " طبعة بغداد.

من خلال متابعاتي للعطاء الفكري الذي فاض به د. شعبان لمستُ بأن تأكيده المستمر في كتاباته، وكتبه على ان الثقافة الوطنية التنويرية؛ تعني الانخراط في زمن الحداثة وعدم التخلي عن النقد لكل ما يسلب الانسان حريته وكرامته، ومعنى هذا أن كل ما انتجه من كتابات فكرية وبحثية كانت هي الاكثر تعبيراً عن التحرر والتطور الرامي الى ترسيخ المعرفة النيرة، وتعزيز قيم المواطنة والديمقراطية، والدفاع عن العقل، ومواجهة العنف والارهاب، والغلو الديني، والتوظيف السياسي للدين.

ان دول العالم المتحضر تعتز بأصحاب الإسهامات الأدبية والثقافية والفكرية والإعلامية والعلمية، وترعاها وتحتويها وتحتضنها، لأنها ثروة ثمينة ربما لا تتكرر؛ ووجودها يغني ويثري ويعطي سمعةً للبلد الذي تنتمي إليه أو تعيش على أرضه، فليس غريباً ولا مفاجئاً أن يجد أهلُ الفكر والإبداع الرعايةَ والتكريم في بلاد الخير والإنسانية والعطاء، والتي راكمت رصيدَها الإنساني ووصل عطاؤها إلى أقصى بقاع المعمورة، ما جعلها تحظى بتقدير واحترام كل شعوب العالَم.

 انا مع فكرة التكريم، والاحتفاء بالمبدعين، فهم منارة لصوت العقل وللثقافة الإنسانية.

***

زيد الحلي

 

بعض دول العالم ترى أن حماية شعبها وارضها ومصالحها لا يتم إلا من خلال تحقيق المجال الحيوي في خارج رقعتها الإقليمية، وهذه الدول قليلة جداً ومعروفة يؤشر تاريخها احداث لها نتائج معروفة.

فما هو مفهوم المجال الحيوي وما علاقته بأمن الدولة؟ وهل هناك من حدود تفصل بين مفهوم المجال الحيوي ومفهوم أمن الدولة؟

المجال الحيوي - هو شعور قيادة دولة ما بضرورة السيطرة على الجوار والهيمنة على الاراضي والموارد من اجل تحقيق أمنها القومي- كوكل-.

إذاً، أن تحقيق الأمن تربطه تلك الدولة بالمجال الحيوي أي أن أمنها القومي لن يتحقق إلا بالسيطرة على المجال الحيوي.. ويعد هذا المفهو معضلة في علم السياسة الإستراتيجية.. فلماذا تؤمن دولة ما بهذا المفهوم؟ هل انها مهددة بالاجتياح؟ وهل هي تستشعر خطراً وشيكا أو داهماً أو متوقعاً؟ فإذا لم يكن هناك من خطر يهددها فلماذا تتبنى في عقيدتها القتالية هذا المفهوم؟ ألى يعني ان العكس هو الصحيح، أي انها تعكس الخوف من تهديد الخارج لتقوم هي بالزحف والسيطرة على المحيط الخارجي، وهي إستراتيجية تؤكد على نقل الفعل الحربي الى خارج اراضيها بدواعي تجنب الحرب؟ فإذا لم يكن هناك ما يهدد أمن دولة ما فما الحاجة إلى هذا المفهوم؟ فالكيان الصهيوني لا يهدده احد ومع ذلك يتبنى مشروع توسعي من النيل الى الفرات، وكذلك دولة ما يتضمن برنامجها السياسي مفهوم المجال الحيوي ومع ذلك لا يهددها أحد لا من جيرانها ولا من غيرهم.

فالمشاريع تتصادم، والمصالح هي الأخرى تتصادم، عندئذ تبرز مسألة الأمن ويظهر مفهوم المجال الحيوي لدى البعض في استراتيجتهم ذات الأبعاد التوسعية بمدلول استخدام القوة.

فالمجال الحيوي ليس طبيعيا ولا مثاليا إنما صيغة إستعمارية لا أحد يتقبلها بل يقاومها بكل الوسائل والامكانات المتاحة والممكنة.

والتساؤل هنا هل خلقت الدولة لتكون إستعمارية؟ وهل مسموح لدولة كبيرة ان تتدخل في شؤون دولة صغيرة وهل ان دولة كبيرة وفقيرة مسموح لها ان تتدخل في شؤون دولة صغيرة وغنية، على اساس مفهوم المجال الحيوي.؟

***

د. جودت صالح

21/12/2024

بابك الخرمي (798 - 838) ميلادية، يدين بالمزدكية، ومؤسس الحركة الخرمية، ويقال أنها أول حركة شيوعية في تأريخ الإسلام لأنها تشجع المشاعية، أعدم في سامراء على يد المعتصم بالله سنة 223 هجرية، بعد إخماد ثورته التي ظهرت في زمن المأمون (198 - 218) هجرية، سنة 201 هجرية بعد مصرع أبو مسلم الخراساني وإستمرت أكثر من عشرين سنة، وقتلت ما يزيد عن ربع مليون مسلم، وعجز المأمون عن إخمادها.

وفي زمن المعتصم (218 -227) هجرية، (833 - 842) ميلادية، قاد الأفشين (حيدر بن كاوس) حملته ضده مع القائد (بغا)، فدحره سنة 222 هجرية، 837 ميلادية  في أذربيجان، ولديه تمثال فيها، وقبض عليه وجيئ به إلى المعتصم، وصلب في سامراء، بعد تعذيبه وتقطيع أوصاله والتحقيق القاسي معه.

وعلى الأرجح مدفون في مدينة سامراء، ولا يُعرف مكان قبره، ولا توجد دراسات وبحوث آثارية ذات قيمة معرفية عن فترة ومكان مكوثه في المدينة، والتي إستمرت لبضعة أشهر أو أسابيع على ما يبدو قبل قتله.

هذه الحركة تخبرنا بأن إتساع الدولة يتسبب بثورات وتوجهات لتأسيس الحكومات في ربوعها المترامية، وذلك ما جرى للدولة العباسية.

كما تشير إلى أن البشر ميال للإتباع حالما تظهر قوة لها القدرة على السيطرة والمجابهة، فينضوي تحت لوائها بنزعة قطيعية عارمة.

أضف إلى ذلك، الإندفاع نحو الخرافات والأساطير، وتسويغ نزعات النفس الأمارة بالسوء لتحقيق الرغبات المطمورة والمفلوتة، التي تجد لها ما يمكّنها من الوصول إلى ذروة مبتغاها.

وتأتي التأويلات والإدعاءات الفادحة من ذوي التأثير والكارزما الجذابة للآخرين، من أصحاب الظن بالسوء وإمتلاك اليقين.

والحركة تعطي مثلا على أن البشر يمكن برمجته وتوظيفه لصالح فكرة ما يموت في سبيلها، وكأنها الأفيون الذي سرى في عروقه وأجهز على دماغه، وكذلك تتشكل الأحزاب والمجاميع والفئات، ويموت البشر بالمفرد والجملة في متاهات التصورات المحسوبة على أنها تمثل الحقيقة المطلقة المنشودة، وتلغي أي رأي لا يتطابق معها، فالبشر كأنه ميال للتحجر والتقوقع في متاريس صلدة، يفنى في ظلماتها، ولا يرغب بالنظر إلى أنوار الحياة الساطعة.

فهل إنتهت أساليب وآليات التخرّم والإنشطار في دنيانا الحافلة بالصراعات الدامية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا يمكن الجزم بأن المنطقي يجب أن يكون صحيحا، بل لكل منطق عناصره المكانية والزمانية، ولا يوجد منطقي مطلق الصوابية. فلماذا ننخدع بما هو منطقي؟

المنطق نسبي الإستنتاج والخلاصات، والعقل مهما توهمنا فهو محدود القدرات، وبحاجة لمجاهدة قاسية للإرتقاء إلى بعض المدارات الإدراكية، والتواصل مع الوعي الكوني الفاعل في الوجود المتسع الأبعاد.

يتحدثون عن المنطق، وعن إعمال العقل في كذا وكذا، والنتيجة معطيات متباينة كأنها بصمات الأصابع العقلية، المعبرة عن كينونتها الذاتية، وتفاعلاتها ذات الطاقات المنحسرة.

يفكرون وكل على طاقته، ويتمنطقون وفقا لمفردات مكونات أدمغتهم، والناتج الإجمالي لن يكون مطلقا، أو رأيا فصلا في الأمور والتحديات.

علينا أن نتفاعل لكي نقترب من الصواب، فالعقول المتفردة قاصرة ومحاصرة في ظلمات الجمجمة التي تحتويها.

ويبدو أن المجتمعات الواعية أدركت حقيقة التفاعلات العقلية، وأهميتها في وضع الأجوبة الصالحة لولادات ذات قيمة حضارية إنسانية واعدة بالمزيد من المعطيات المشرقة.

والمجتمعات المغفلة تميل إلى التفرد والشخصنة فتميت الأجيال بفرد مستبد متسلط.

فالقول بإمتلاك ما هو مطلق هراء مبين، فلا توجد فكرة مطلقة، أو معتقد يمتلك صحيح الأجوبة عن كل شيئ، فالبشر مخلوق محدود القدرات، ومُستعبد بالأفكار التي تتفاعل وتتخلق في بودقة الأيام، فتنجب ما لا يخطر على بال، ولا يتسعه الخيال.

الأبواب والنوافذ يجب أن تفتح ليدخل الهواء النقي، القادر على تحفيزنا للإتيان بما ينفع ويساهم في تصنيع المفيد.

أما التخندق في الرؤى والتصورات فهو الإعدام الظالم للأفكار القادرة على صناعة الأفضل.

فهل سندرك أحجامنا ومحدودية إقتدارنا الفردي؟!!

"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

بعد السلام، هل نتعظُ بعد كل ما حدث بنا من مآسي، أم ننتظر يوم القيامة لنعترف بأننا أخطأنا بحق الوطن، وبحق أنفسنا؟

هل نعيد حساباتنا، أم أن الاعتراف بالخطأ ليس من شيمنا أبدا؟

كنا ننكر الواقع، ونتدعي التميز، ولكن الكارثة سقطت فوق رؤوسنا، فهل نصدق الواقعة، أم نمعن بالسير نحو الهاوية الأخيرة بمن بقي منا، من مثقوبي الرؤوس، ومسمولي العيون، وفاقدي السمع والبصر، والعاطلين عن العقل، العاطلين عن القلب.

هل أيقنا بأننا لم نقم دولا، ولا بنينا مجتمعات، وأننا ما زلنا حتى الساعة نصفق للأقوى، ونسحق الضعيف بلا رحمة، وأننا حتى السُّكر وبعد ألف كأس لا نريد الاستفاقة من الكارثة؟

هل نتخلى أخيرا عن عبادة الأصنام، الدين الوحيد الراسخ بلا نفاق في مورثاتنا منذ الجاهلية الأولى، هل نكفُّ عن الادعاء بحرية تأييد حاكم لا نملك خيار الاعتراض على أي أمر يصدره، ولا نملك أصلا إلا حرية التعبير في التهليل له وذبح الأبناء على عتباته ليرضى؟

هل نعترف بأننا طائفيون عند اللزوم، وعنصريون متى شئنا، واقليميون حين تخمش أظافرنا، وقُطريون يوم يأمر هذا أو ذاك، ولكننا عاجزون أن نرجع إنسانيين كما يجب أن نكون؟

ندَّعي الفضائل كلها، صحة الفكر والمعتقد والدين، فإن كنا واثقين إلى هذا الحدِّ فلمَ نخاف النقاش ونغلق أبوابه بالإرهاب الفكري دوما، وبالسكين وحتى المدفع إن لزم الأمر؟

إلى أين نمضي، ونحن نستيقظ كل يوم، وقبل أن تطأ أقدامنا الأرض نحلم بعيون مفتوحة أنَّ بلادنا صارت غير البلاد وعباد الله في هذه الأرض أصبحوا لا يشبهون أنفسهم بالأمس، وحين نجرجر أرجلنا على أرض الواقع ندرك أن لا شيء، لا شيء قد تغيَّر إلا إلى الأسوأ.

في السياسة، نحن اقصائيون، في العمل، نحن متكبرون، نصبح سادة أي مهنة لا نتقنها، نتعالى على من يعمل، وحين يبلغ الفشل مداه نتقاعد، ونورث ذات المهنة لأبنائنا.

عندما نخسر في أي مواجهة للمرة الألف، لا نراجع ولو لمرة يتيمة أفعالنا، ونضع اللوم على الغير.

***

فراس ميهوب

24/05/2021

 

قرأت قولا مفاده أن العرب إنشغلوا في سؤال "كيف ننهض" وتعددت أجوبتهم وعبرت عن العلة والعاهة المستديمة.

والواقع أن العرب بنخبهم المفكرة إنشغلوا بسؤال: " لماذا لم ننهض"، وغاصوا في تبريرات وتأويلات لا قيمة لها، ولا أثر سوى الترسيخ وإستلطاف ما هو قائم، وخلاصتها أو إستنتاجها " أن ليس في الإمكان خير مما كان"، وهذه رؤية عطلت الجهود الإبداعية في مجتمعات الأمة.

لو أن النخب فعلا تساءلت " كيف ننهض"، لوضعت الخرائط اللازمة لتأمين مسيرة النهوض المعبرة عن جوهر الأمة.

لا يوجد في كتابات المفكرين على مدى القرن العشرين كلمة "كيف"، بل أن كلمة "لماذا" هي السائدة والمحركة لمشاريعهم، وهم في حقيقتهم نباشون قبور لا مفكرون.

وبسبب ذلك إستنقعت الأمة وما تحرر من ويلاتها المأساوية إلا مَن رحم ربي!!

المفكرون يرسخون ولا يعالجون، ويؤكدون الأحوال، ويخشون التقرب من أنظمة الحكم وإنتقاد الحكام، فالعلة في الرأس المنخور بالخطايا والآثام.

هل يوجد رأس عزيز كريم يحكم بلاده في دول الأمة؟

الرؤوس أعداء أبدانها!!

نعم مشكلة الأمة في رؤوسها الخانعة التابعة المعطلة للعقول والمؤكدة للتجهيل والتعضيل، وإستنزاف الطاقات وتبديدها بإلهاء المواطنين بالركض المرهق وراء توفير لقمة العيش.

ولهذا فكلمة " لماذا"، تفتح للنخب مساحات أوسع للكتابة والهذربة، بينما كلمة " كيف" تتطلب إعمالا مخلصا صادقا للعقل، ووضع الخرائط العملية للوصول إلى أهداف معلومة.

فالنخب أذيال الرؤوس المألوسة، وأبواق الكراسي المحروسة، ومنهجهم تبريري لتسويغ الجرائم وتأمين الفساد، والإمتهان والإستبداد!!

فأين " كيف" يا أمة " لماذا"؟!!

***

د. صادق السامرائي

كعادتي كل صباح اقرأ عمود الكاتب الصحفي سمير عطا الله في الشرق الأوسط، وهو يجمع بين السياسة والأدب والفلسفة، وفي عموده قبل يومين تناول موضوعة القادة الذين يتوهون ان عقولهم ارقى واهم من عقول مواطنيهم، هؤلاء الذين امتلأت بهم حياتنا يصدرون لنا خطبا فارغة ولهم مدرسة واحدة يحددها سمير عطا الله بانها " مدرسة السطوة "، وهؤلاء يوهمون شعوبهم بانهم " أعظم الأدمغة " في البلاد.

في موسوعته الشهيرة " صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية " يكتب المؤرخ إدوارد غيبون انه كلما عاد قائد من قواد الامبراطورية الرومانية منتصرا في الحروب وهرعت الناس لاستقباله، يتقدم الجموع الخطيب والفيلسوف سينيكا ليقول له بصوت واضح: تذكّر أنك بشر.

تسقط الدول والانظمة حين يختلّ فيها ميزان العدالة، فالقانون في الأمم المتحضرة هو عنوان التوازن في العلاقة بين الحاكم والناس، فالـمالك الدائم للبلاد هو المواطن، أما المسؤول فهو صاحب وظيفة ذات مسؤولية محددة وواضحة هي: الحماية من الخلل في كل أبواب العمل، في العدل أولًا، وفي معيشة الناس ثانيًا، لأنّ بهذين العدلين وحدهما تستقيم العلاقة بين المسؤول والمواطن.

كان الإمام علي اثناء توليه الخلافة يتفقد الناس في الأسواق فشاهد ذات يوم تاجراً يهودياً يبيع درعاً حربياً، نظر الإمام إلى الدرع جيداً، تعرف عليه، هو درعه الذي فقد منه في إحدى المعارك، ولم يجده بعدها أبداً، قال لليهودي: هذا الدرع درعي. رد اليهودي: لا ليس لك، وإذا أردت أن تشتريه فاشتره. وعندما اصر الخليفة ان الدرع ملكه طلب التاجر أن يحتكما إلى القضاء، وفي دار القضاء أمر القاضي شريح، الخليفة أن يقف إلى جانب خصمه وقال له: ما هي قضيتك ؟. قال الامام: ان هذا الدرع سقط مني يوما. رد اليهودي: لا، هذا الدرع أنا اشتريته، وأريد أن أبيعه. قال القاضي: يا أمير المؤمنين، أعندك من يشهد لك. قال الامام: نعم، عندي ولدي الحسن. رد القاضي: لا نقبل شهادة الولد لأبيه، هل عندك شاهد آخر؟ قال: لا. قرر القاضي ان الدرع ملك للتاجر اليهودي. انتهت الحكاية وذهب القاضي الى بيته آمنا، فيما التاجر لم يصدق ان خصمه خليفة للمسلمين، وان القاضي يحكم له وليس لصالح الخليفة.

كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم الحروب والمقابر الجماعية، وبلغت أثمان القادة العباقرة مئات الآلاف من الضحايا، فإذا بهم يجدون أن الوطن يختطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد وان عقولهم " توزن بالذهب

***

علي حسين

لعبة جهنمية ومعادلة فنائية ذات عناصر معروفة تدخل في تفاعلات طرفيها؟

فلكي تقضي على الأكثرية بواسطة الأقلية، عليك أن تحدث إنشقاقا في صفوف الأكثرية، وتساند الأقلية وتقويها بما تستطيعه، وتطلق الصراع المستدام بينهما.

أقلية تتقوى وأكثرية تتلوى!!

والسلوك قديم ومتعارف عليه، وبموجبه سقطت أمم وحضارات، وتمكنت منها قوى أخرى.

ولا يوجد في التأريخ إنهيار كبير بدون دور المعادلة في تداعياته وغيابه.

ويبدو أن لعبة الأقلية والأكثرية تطورت في مجتمعاتنا، التي راحت تأكل بعضها، وتتماحق، خصوصا بعد أن تم حقن الدين في أوردتها، فاندحر الوطن، وإنمحقت المواطنة، والإنتماء للوطن تحول إلى سبة، وعلى الناس أن تكون في كينونات متناحرة.

فصار إبن الدين الواحد يقتل إبن دينه، ويرى أن ما يقوم به من طقوس الدين، وبرهان على درجة إيمانه العالية.

وبموجب الخطة وإملاءاتها التوحشية، تحقق إطلاق النوازع العدوانية، وتعزيز التصرفات الغابية، وتمويت الضمائر، ونفي الأعراف والتقاليد والقيم والأخلاق والمعايير، وتحولت التفاعلات بين البشر إلى صراعات إفنائية تذهب الأبرياء ضحايا لها، وقد تتحول الأيام إلى معلسة.

فالخطف والتغييب حالات عادية، والتبعية والخنوع دليل على الإيمان والتعبير الأصدق عن الدين.

وتلك مصيبة أمة بدين، ومنهج أعداء الأمة والدين.

فهل إستيقظ المغفلون؟!!

ومتى سنتحرر من قبضة اللعبة، وننتمي لوطن يعصمنا من الضياع؟!!

فالكرامة للمواطن في وطنه!!

***

د. صادق السامرائي

12\9\2024

كان القاص السوري زكريا تامر رئيسا لتحرير مجلة المعرفة السورية عندما قرر نشر مقطتفات من كتاب رائد التنوير السوري عبد الرحمن الكواكبي " طبائع الاستبداد " كافتتاحية عدد نيسان عام 1980 في ذكرى تأسيس حزب البعث، ليفقد بسبب هذه الجرأة وظيفته، ويقرر مغادرة سوريا.

منذ ايام اقرأ في قصص زكريا تامر، بعد ما حدث في سوريا خلال الايام الماضية وما ش، واكتشاف السوريين ان الاسد الذي ظل يزأر في وجههم ما يقارب الربع قرن، تحول في ليلة وضحاها الى فأر مذعور، ترك الخطابات الطويلة جانبا وقرر ان يحمل معه ملايين الدولارات واكوام مكدسة من الذهب.

أعدت قراءة زكريا تامر، لكي أعرف إلى أي مدى لم نعرف هذه الجمهوريات التي صدعتنا بخطب البطولة ومقاومة المحتل وتحرير اخر شبر من فلسطين. سيد القصة السورية الذي قرر ان يترك مهنة الحدادة ليكتب قصصا تحمل روح التمرد والحزن، مستخدما مطرقة الكتابة في فضح " الاستبداد ". في مجموعته القصصية الشهيرة " النمور في اليوم العاشر" يقدم لنا حكاية النمور التي روضها سجانها حتى صارت تأكل العشب وتقلد صوت الحمير، وتموء كالقطط، " في اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: كل، قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم.. قال المروض: منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش.. ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً. وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة ".

من هذا القفص الذي تحول الى مدينة، والنمور الى شعوب جائعة تهتف في الساحات والشوارع، كان زكريا تامر يطلق شعلة التمرد ضد الاستبداد، مؤمنا ان المروضين عابرين، بينما النمور – الشعوب - هي الباقية. ظلت قصصه حادة لكنها انيسة لوحدتنا، مؤلمة لكن فيها اشياء من ضوء الحرية، وفي الوقت الذي قررفيه الكثير من المثقفين والكتاب ان يعقدوا مصالحة مع المروضين والسجانين، نجد زكريا تامر يتمرد على القفص ويواصل ملاحقة المروضين في كل قصة ينشرها

عندما كتب السوري عبدالرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» عام 1902 لم يكن بإمكانه تخيل أن الاستبداد الذي شخصه سيصبح آفة الآفات في الجمهوريات العربية وان كتابه سيقى يثير ريبة وقلق المستبدين، كما حصل مع زكريا تامر الذي كتب قبل اعوام من منفاه :" إن النمور الحقيقية في أقفاصها تنتظر مقدم لحظة غضب تفترس فيها مروضيها ".

***

علي حسين

 

الغطاء النباتي الشجري كان يكسي الارض، فالارض غابة، وهي مسرح بيئي وفطري للحيوان والقطعان ثم الانسان، وهي مسقط رأس الجميع، عليها ومنها خرج وخاف وتقاتل وعبث وتلذذ وتمرد وتجبر، الانسان، ملكها الذي اصابته لوثة جنون العظمة فتكبر عليها ومازال يهددها وهي تذرف الدموع، كأنها دموع الوداع!

 تطور شرائع البشر يعكس مديات الرقي الذي توصلوا اليه في تأطير وتنظيم علاقاتهم في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن معتقداتهم وانظمة الإدارة بينهم، والفرق بين ماهو شفاهي وعرفي وتلقائي، في الجماعات البشرية البدائية، وبين المدون والمتشعب والسائد في دول المدن او إمبراطوريات العالم الاقدم، كالفرق النوعي، بين مجتمعات الدولة واللادولة، لأن الظهور التاريخي للقوانين والشرائع الفوقية هي احدى تجليات الدولة التي تحكم اقليم المدينة، ومن ثم الدولة العابرة، للمدن، والاقاليم، او ما نصطلح عليه حاليا بالامبراطوريات الاولى، وهو فرق بالكيف لا بالكم، من البسيط الى المركب، والى مضاعف التركيب،  فالمعقد، الى المحوسب، بين الملكية المشاعة، الى الملكية الخاصة، من مجتمعات خالية من التمايزات الاجتماعية، الى مجتمعات الفوارق المقننة، من مجتمعات الجمع والصيد، الى مجتمعات الزراعة، التي قيدت الحرية بكفالة فائض المنتوج المنتظر، من مجتمعات الامومة الى مجتمعات الابوة، الى مجتمعات الانفلات الكلي!

شريعة الإفتراس من الارض الى السماء:

اذا كانت السماء هي دار الالهة والارض دار البشر والعالم السفلي دار الموتى، فأن الغابة هي دار الحكم والتحكم عاش فيها الانسان ما قبل الاول مثل اقرانه الدواب معيشة الافتراس ثم ارتقى بدرجاته حتى اصبح ملكا له، ملكا للغابة، طامعا بإفتراس الكون ليعلن نفسه امبراطورا إلهي، فغريزة الافتراس تسري في عروقه، دائمة التوارث وهي ديدنه حتى وهو في اوج إنسانيته العاقلة،  ومايزال يخوض معارك جديدة من الافتراس المتدحرج من الخشن الى الناعم الفنائي، وفي كل الارجاء حتى يكتشف يوما حقيقته بنفسه ويعيد انتاج ذاته خارج الغابة القابعة في ذاته او يفجر المعبد بما فيه بقصد او دونه لتعود دورة الغابة البرية لدورتها من جديد!

منذ ما قبل شريعة حامورابي وبعدها، وحتى بعد شريعة الامم المتحدة مازالت شريعة الغاب هي السائدة، فمازال اقوياء البشر، يفترسون الحيوان، ويعذبوه ليأكلوه، ويبضعوه، حتى إنقرضت بعض انواعه، اقوياء البشر يفترسون الشجر والحجر، والضعفاء من بني البشر، يكاد ينقرض نسلهم، كما حصل مع الهنود الحمر، وتم اصطياد العبيد من افريقيا صيد البهائم، حروب يقتل فيها عشرات الملايين، وبأسلحة خيالية، تتندر على النبال والسيوف والمنجنيق، بقنبلة  واحدة يقتل عشرات وربما مئات الالوف، كما في هيروشيما ونكزاكي، الدول كالقبائل تتقاتل على العشب والماء، بحروب برية وبحرية وجوية، بيولوجية وكيميائية ونووية وفضائية، امبراطوريات تتسيد بالقوة التي يضاعفها الذكاء الاصطناعي فاتح الابواب الجديدة لتصدير شريعة الغاب للعوالم الاخرى، شعراء القبيلة يفاخرون بأمجادها، وابواق الدول وإعلامها ومؤسساتها الخبيثة واقمار تجسسها وبثها المسموع والمرئي والافتراضي يغسل الادمغة ويقلب الحقائق، ويشكك البشر بانفسهم، وببعضهم البعض، للامبراطوريات دعاتها وعرافيها وعرابوها ومفكريها ومهندسيها يتفنون في شحن البشر وبرمجتهم على الخنوع للعبودية الجديدة، انت حر في غابتهم كن ما تريد ان تكون قل ما تريد ان تقول انت حر بنفسك ولنفسك لكنك يجب ان لا تقف بوجه المقدسات، آليات سوقهم، ونخاسة بنوكهم وقدسية ملكيتهم مهما اتخمت ومهما جاع وقتل بسببها من المفلسين، وحقهم في التسيد على التاريخ لانهم من يقرره وليس غيرهم، انت حر مادمت لا تخرج عن نصوصهم، انت حر مادمت عبدا لحريتهم في تقرير مصير الارض والسماء !

البشر يحاكون نزلاء الغابة:

 في كليلة ودمنة، كتب بيدبا رسائل على شكل نصائح ضد الطغيان على ألسنة الحيوان للملك دبشليم الذي ظلم وطغى بعد ان مكنه الاهالي من السلطة عندما ثاروا على وكيل الاسكندر الكبير " المقدوني – ذي القرنين "، وهي ليست مجرد حكايات خرافية للتشبه او حالات تقمص لضرورات التورية والتشويق، لان جوهر الفكرة من اساسها لا يخلو من تطابق صفات حيونات الغابة مع صفات البشر، المكر، والحكمة، والغباء، والقوة المفترسة، والجبن، والوفاء، والطبع والتطبع، والغرائزية، بما فيها صلة الرحم، فالحيوان كالانسان يفترس من غيرعائلته، وهو تراحمي مع من هم من نسله، المشكلة في البشر انهم مستعدون لافتراس بعضهم، وفي حالات من بني جلدتهم، فكل الصفات المتفرقة للحيوانات تجتمع في بني البشر، وليس مصادفة ان يستنطق تلك الصفات ويوظفها لخدمة المهتمين باصطياد السطة والاعيب الحفاظ عليها، ميكافيللي، في كتابه الامير، حيث ينحو الى غايات إشباع غريزة الافتراس، افتراس السلطة، وبكل الصفات التي وردت في سيناريو بنات آوى في كليلة ودمنة !

حزبا الحمار والفيل في غابة بلا أشجار:

اختيار الحزبين المتناوبين على حكم اقوى قوة في غابة العالم لرمزي، الحمار والفيل، هو إنتماء الى ذات النزل، الذي نزل به ميكافيللي في فلسفة افتراس السلطة، وليست اي سلطة انها مطلقة العنان، حول العالم، لتشق طريقها عاليا، لحكم السماء، فحرب النجوم كانت بشارة رونالد ريغان للعالم، يرهب بها منافسه السوفيتي، الذي مات بالسكتة القلبية، لكن الذي خلف ما مات، ترثه روسيا ويظهر بوتين باحثا عن الثأر، وما كان من حزبي الحمار والفيل، إلا الركون لمحاصرته، وعلى نار هادئة، يطبخان، ما يريدانه من عشاء اخير للمتطلع الروسي ومن بعده الصيني، وربما تـأتي المفاجئة، بغداء قالب للموازين، من يدري، فالغابة مليئة باسرار لا تخلو من العجائبية، وفي سيرك حزبي الحمار والفيل، لإختيار رئيس جديد، تحتدم المنافسة بين تقاليد الدولة العميقة والمتطيرين من نمطيتها نحو إفتراس لا نمطي للسلطة، تتجسد فيه ملامح السمسرة الفجة والترف الشعبوي، ومهما يكن من أمر، فالرئيس الجديد ان كان من رمز الحماراوالفيل سوف لن يكون مختلفا إلا في لغة وتكتيكات تحقيق مشروع الافتراس القادم !

ترامب يهيج فيل الغابة:

بعد إمتطاء ترامب لفيل الدولة الغابة، يعلن وبكل غرور اختصار الطريق نحو شرعنة، شرعة الغاب، لا للارض، وبشرها فقط، وإنما الى حيث تصل مراكب الفيل الفضائية لكواكب المجموعة الشمسية، الى حيث لا حدود متخيلة لهوس الافتراس !

***

جمال محمد تقي

تكاد تكون العملية التعليمية في العراق تلفظ أنفاسها الأخيرة في ظل التدهور الحاصل في مفاصلها المتعددة يرافقه هذا التدني في المستوى التعليمي للطلاب في كافة مراحله الدراسية نتيجة الممارسات الخاطئة من قبل المؤسسات التربوية والتعليمية والتخبط في قراراتها ومناهجها والمتتبع لهذه المسيرة يكاد أن يجزم بأنها مقصودة التوجه والأغراض في سبيل إنهاء هذا الجيل من التعليم والتربية لإشاعة الجهل والأمية يقابلها عدم وجود الحلول الجذرية للارتقاء بهذا الصرح العظيم الذي ارتقى إلى أعلى السلالم العلمية والنجاح وتخرج من بين يديه الكثير من الفطاحل العلمية والأدبية الذين ما زالت بصمتهم الواضحة قائمة لحد الآن فقد خرجت الحلول من بين يدي الدولة والمؤسسات التربوية وأصبحت بيد من المحسوبين عليها وعلى مرافق وزارة التربية الغير كفؤت وفي كل سنة نرى التعليم ينهار وتسقط لبنه الأساسية من جداره الصلب الرصين بمعاول المتنفذين والفاشلين والنفعيين الذين يقودون مشروع الهدم والتدمير للعملية التربوية والتعليمية في العراق لكن لنا بصيصا من الأمل في الكوادر المتبقية من الجيل الوسطي من الرعيل الأول للأساتذة الذين نتوسم بهم الخير والمنعة والضمير والحرص على العملية التربوية والواجب الوطني وأن نضع أصبعنا على الجرح المتقرح والظواهر السلبية التي ساهمت في تردي واقع التعليم وبكل جرأة وثقة معولين على الخيرين من المتصدين للعملية التربوية وأن نشخص هذه الظواهر والسلبيات عسى أن نلمس آذان صاغية لتسمع وترى وتعمل على تصحيح مسيرة التعليم التي تسير إلى الوراء والابتعاد عن التطور والتقدم والنهضة الحاصلة في البلدان المجاورة في أقل تقدير بعد ما وصل بنا الحال أن نرى مدى تنازل المستوى التعليمي لأبنائنا التلاميذ وانهيار قدراتهم العلمية والمعاناة الكبيرة للأسرة والمجتمع وفقدان الجيل القادم من أيدينا والكثير منا يقف وقفة المتفرج الحائر بسبب تهميش العقول المفكرة ذات المعرفة والخبرة التعليمية .

وإذا أردنا أن نطرح بعض المعوقات والسلبيات التي أدت إلى تهاوي مستوى التعليم في العراق فأنها كالآتي:-

  أولا: عدم وجود التنسيق بين إدارات المدارس ووزارة التربية وهذا التباين بين أعداد المعلمين في كل مدرسة يسبب أرباك في العمل التدريسي وضعف الأداء لديهم قد يوجد الضغط على بعض المعلمين في أداء مهامهم .

ثانيا: زيادة وتضخم في أعداد الطلبة في الصف الواحد يسبب في عرقلة إيصال المعلومة لدى الطالب من قبل المدرس أو المعلم لقلة المدارس الحكومية ضمن الرقعة الجغرافية الواحدة .

ثالثا: وجود طبقة من المعلمين والمدرسين الغير مؤهلين في العمل التدريسي لعدم وجود الكفاءة والحرص في العمل وهذه الشريحة تزداد في كل موسم دراسي لعدم وجود الرقابة عليها والمسائلة القانونية من قبل الوزارة وإدارة المدارس .

رابعا: الزيادة المهولة والملفتة للنظر لأعداد المدارس الأهلية والمعاهد التدريسية خارج نطاق التربية ساهم في الهجرة للمعلمين وقلة الرغبة في المدارس الحكومية للتدريس للمغريات المادية والمعنوية للمعاهد حيث سبب قلة في العطاء العملي والعلمي للمعلم في نطاق المدارس الحكومية .

خامسا: اعتماد المناهج الدراسية المكثفة والغير مقنعة وغير ملائمة لعقلية الطالب وخصوصا في المراحل الدراسية الأولية من عمر الطالب وإرهاقه بالمعلومات العلمية البعيدة عن المنطق وموضوعات التربية .

سادسا: الغياب الكامل لصفوف ومناهج التربية الرياضية والترفيهية والتربية الأسرية والوطنية والأخلاقية في المراحل الدراسية يسبب ضغطا شديدا على عقل وفكر الطلبة يجعل من الطالب أن يكون خاملا عقليا وبدنيا وذهنيا.

سابعا: ظهور ظاهرة جديدة من قبل المعلمين بعلم وأمام نظر إدارة المدارس بالاعتماد على الأسرة بدلا من المدرسة والصف لإيصال المعلومة للطالب.

ثامنا: عدم وجود تقارب نفسي بين الطالب والمعلم بل أصبح المعلم بدون شخصية مؤثرة في حياة الطالب ونفسيته وعقله وتصرفاته.

تاسعا: اعتماد أكثر الكوادر التدريسية على مواقع التواصل الاجتماعي (الوات ساب والتليكرام) للتواصل مع الطالب وأولياء الأمور لإيصال الواجبات المدرسية اليومية وأكثرها في أوقات متأخرة من اليوم وخصوصا في المراحل الأولية للطالب.

وكثيرا من السلبيات التي لم نستطيع أن نذكرها لكثرتها فعليه يجب على وزارة التربية وإدارة المدارس الالتفات إليها حرصا منا ومنهم على الطالب والجيل قبل فوات الأوان ونخسر شريحة مهمة وفي غاية الأهمية من شرائح المجتمع التي تعد الركيزة المهمة في بناء المجتمع والأسرة.

***

ضياء محسن الاسدي

التنوير مصطلح يُقال أنه من مخلفات القرن الثامن عشر، وربما هو من منطلقات العصر العباسي الذهبي الذي بدأ في القرن الثاني الهجري، لكننا لا نزال نردده في واقعنا الثقافي وكأننا نأتي بجديد، ونغفل أنه إنتهى إلى غياهب كان، وتجاوزته الدنيا إلى المعارف العلمية والقدرات الإبتكارية الغير مسبوقة، وبتسارع مطلق، فتباغتنا بمخترعات تغير أساليب تواصلنا وآليات حياتنا.

وبسبب التمسك الجامد بما لا يتوافق وعصرنا، ما إستطاعت النخب أن تساهم في بناء الحاضر الجميل  والمستقبل المتطلع للأمام والأعلى.

وبرغم النشاطات الدائبة لرموز الأمة في محاولاتهم التنويرية، إلا أنهم عجزوا عن وضعها على سكة التقدم والرقاء، لأنهم أغفلوا كيفيات تأهيل الأجيال لتصل إلى أهدافها، وتحقق مطالبها المشروعة في الحياة الحرة الكريمة.

فمجتمعاتنا منوّرة أكثر من التنويريين أنفسهم، غير أنها ليست مؤهلة لترجمة أفكارها، وتعبيد طرقات مسيرتها بما يوصلها إلى ما تريد.

فالمطلوب التأهيل وليس التنوير!!

مجتمعاتنا غرقى في التنوير للحد الذي أخذت تلفظ أنفاسها، وتريد التعلق بقشة لتنقذها من الغرق المبيد.

فلماذا لا نعلمهم العوم بدلا من اللوم، ونمارس معهم مهارات السباحة الكفيلة بإيصالهم إلى الضفة الأخرى، بدلا من إلقاء الخطب الوعظية، وتأليف الكتب المزدحمة بالأفكار التعجيزية، والمشاريع المصابة بالسكتة الحضارية، ولأعلامها عشرات الكتب المرفوفة في أدراج النسيان.

الكل يتحدث عن الشعوب وبأنها السبب، والحقيقة العيب في نخبها، فهي التي تقودها إلى ما تريد، وما تجيده النخب التنظير والتأويل والتعليل والتفسير، وتحسب أنها تقود التغيير، وهي التي دون أن تدري تساهم بالتدمير.

فعندما تتغير النخب يتغير الشعب، فالجماعة بحاجة لقائد، وأنى يكون تكون، فروح الجماعة طاغية، وأصوات القيادة عاتية، فهل لنا بقائد رشيد؟!!

وهل نخبنا مؤهلة للحياة المعاصرة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

قرأنا في أخبار البلدان التي يديرها بشر، وليس قادة مكلفين شرعيا بإذلال الناس، ان الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية قررت عزل رئيس الجمهورية يون سوك. ماذا فعل هذا المجرم ليستحق الطرد؟ لقد قرر ذات يوم، اعلان الاحكام العرفية، لكنه تراجع عن القرار بعد ساعات عندما وصلت اخبار غضب البرلمان ومعه الحزب الذي ينتمي اليه.. لم تتوقف الاخبار في كوريا الجنوبية، وزير الدفاع يعتذر ويحاول الانتحار، الجهات المسؤولة توجه تهمة التمرد الى الرئيس وتمنعه من السفر، الرئيس يقول نادما انه سيبذل كل ما في وسعه لخدمة بلاده حتى اللحظة الأخيرة، شاكرا جميع من وجه له انتقادات.

بماذا يذكرك هذا المشهد عزيزي المواطن العراقي؟. بالتأكيد بقرار السيد نوري المالكي عام 2010 بالانقلاب على الانتخابات التي خسرها، واصراره على مواصلة الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء لولاية ثانية وكان يطمح بالثالثة.. وسيذكرك بالتأكيد بما فعله عادل عبد المهدي بحق شباب تشرين، وخروجه من الازمة " مثل الشعرة من العجين "، بل تحول بعدها الى مصلح وطني.

مع الأحكام التي أصدرها القضاء الكوري، تذكّر عزيزي القارئ البراءة المباركة التي صدرت بحق "المؤمن" فلاح السوداني الذي لفلف أموال الحصة التموينية، وتذكر أيضا حالة الخجل التي أصابت القوى السياسية وهي ترى الوزير ملاس عبد الكريم ينهب وزارة التجارة دون أن يقترب منه أحد لأنه ينتمي إلى عائلة دينية، وتذكر أكثر ما فعله أيهم السامرائي مع اموال الكهرباء، ولا أريد منك بالتاكيد أن تتذكر الحيتان الكبيرة التي لهفت عشرات المليارات، فهي فوق القانون والمحاسبة.

دائما وأنا أتابع ما يجري في بلاد العجائب، العراق، أسال ما سرّ بلدان مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان.. وكنت كعادتي اتابع كل ما ينشر عن هذه البلدان، فوجدت ان في كوريا الجنوبية لا يسمح لرئيس الوزراء بأداء القسم أمام الجمعية الوطنية مالم يقدّم كشفاً بأسماء أبرز مستشاريه.

يكتب الروائي ماريو فارغاس يوسا قائلا "إن بلدان العالم بدأت تشفى من تخلفها عندما تخلت عن فكرة الزعيم الخطيب"، لكننا يا سيدي صاحب الرواية الشهيرة "حفلة التيس"، لا نزال نعيش في ظل ساسة رافعين شعار "وحدي وليذهب الجميع الى الطوفان" مجبولون على كره بلادهم، يعيش الشعب معهم على الهامش، أكثر من ثمانمائة شاب قتلوا بدم بارد لم يجدوا حتى اللحظة أي مسؤول يقف منتظرا أمام بيوت أهاليهم ليواسيهم، أو يمد يده إليهم. تقوم تجارب الحكومات الناجحة على الصدق والمشاعر الإنسانية. فيما تعيش حكوماتنا على اعلان انزعاجها من المواطن.

***

علي حسين

 

يُقال أن الوليد بن عبد الملك بن مروان (86 - 96) هجرية، كان لحّانا، قال على المنبر النبوي " يا أهلُ المدينة"، وقرأ ذات مرة " يا ليتُها كانت القاضية " فعابوا عليه ذلك وألصقت به تهمة "لا يحسن النحو" منذ بداياته.

وبرغم إنجازاته وفتوحاته، بقيت وصمة عدم تمكنه من النحو تلاحقه، وذلك لوجود علماء غيارى على لغة الضاد وحماة أشداء للغة القرآن، فمن لا يحسن النحو فيه عيب كبير برأسه.

واليوم لا يوجد في دول الأمة حاكم يجيد النحو، فما أكثر أخطائهم النحوية في خطاباتهم وأحاديثهم، مما يبرهن على مدى القصور العقلي الذي يعانونه.

وينتفي مَن ينتقدهم ويبصرهم ويعلمهم لأنه سيكون من المجرمين، ولو ألحن حاكم في أية دولة أجنبية بكلامه، لثارت عليه أقلام الصحفيين، ولتم التشهير به في وسائل الإعلام.

أما في دولنا، فالجميع يصفقون ويهللون ويطيعون ويعممون العثرات، ويدمرون جوهر اللغة وروح الدين.

وبعدها يتساءلون لماذا اللغة العربية في محنة، وقادة مجتمعاتها من أجهل الجاهلين بها.

المجتمعات بحاجة إلى قدوات بها تقتدي، وتلك حقيقة فاعلة في مسيرة الحياة، التي يصنعها الأفراد وتتبعهم الجماهير، فروح القطيع تسري في الوعي الجمعي، وهم بحاجة إلى مَن يأخذ بأيديهم ويوفر أدواتهم ويرسم لهم خارطة الطريق.

"إذا كان ربُّ البيت بالدف ضاربا (مولعا)...فشيمة أهل البيت كلهم الرقص"

و"إذا كان رب البيت بالنحو جاهلا...فشيمة أهل البيت كلهم الخطلُ"

فلماذا نعتب على الناس، ونخبها فيها من التقصير ما يؤذي الأجيال، لأنها تقدم القدوة السيئة القاضية بالعدوان على اللغة العربية، وإهمال قيمتها ودورها الحضاري وتراثها المعرفي الوهاج.

وشتان بين الغيرة اللغوية قبل عدة قرون، وغيرتنا عليها اليوم!!

وأنى نكون تكون لغتنا!!

و"الكلام صفة المتكلم"!!

***

د. صادق السامرائي

من الواضح أن معظم الأطباء عندما يتسنمون مناصب حكومية يضرون البلاد والعباد، وشذ عنهم الطبيب الماليزي (مهاتير محمد)، (10\6\1925)، ولا يوجد في دول الأمة طبيب غيره تسنم السلطة وجاء بعمل نافع، بل معظمهم قاموا بأوجع السلوكيات، ولا تزال الشواهد قائمة في بعض دولها.

ودولنا التي تولى السلطة فيها أطباء هي سوريا والعراق، وتأملوا أحوالهما.

لا يوجد تفسير مقنع لسلوك السياسي الطبيب من أبناء الأمة، فهل كونه طبيب يمنحه الحق ليرى أنه على صواب فيما يقوم به؟

ليس الأمر بواضح، لكن الطبيب الجالس على كرسي السلطة في دولنا، يعبّر عن العدوانية بأقسى صورها، ويؤكد سلوك الإنتقام المرعب الفظيع، فأعمال الأطباء في الحكم يندى لها جبين الطب كمهنة إنسانية رحيمة.

في سوريا بدأت رحلة الأطباء مع الكراسي منذ ستينيات القرن العشرين، وذات يوم أحاط ببرجينيف رئيس جمهورية ورئيس وزراء ووزير خارجية  جميعهم أطباء، فقال لهم ما معناه : يبدو أن سوريا مريضة لهذا الحد ليحكمها ثلاثة أطباء!!

وهم نور الدين الأتاسي رئيسا، يوسف زعين رئيس وزراء، إبراهيم ماخوس وزير خارجية، وفي العراق عزت مصطفى، وفي لبنان عبد المجيد الرافعي، ومن الأردن منيف الرزاز، وبعد الثورة التونسية تولى رئاستها طبيب، وغيرهم الكثيرون الذين أصابوا دولهم بمقتل!!

ومنذ 2003 تولى بعض الأطباء في العراق مناصب وما أفلحوا، وقبلهم عدد من الأطباء في الحكومات السابقة، وما أضافوا عملا رحيما أصيلا لأبناء بلدهم.

ولا يزال الكثير من الأطباء العرب يميلون للعمل السلطوي، وكأن فيهم نوازع دفينة للتسلط على الآخرين وإمتهانهم، فلا يوجد طبيب في دولنا أتى برؤية وطنية إنسانية ذات قيمة حضارية معاصرة، بل يتحول أخيارهم إلى أشرار، وتستحيل رحمتهم إلى إنتقام مبيد.

وبعد 8\12\2024 ظهر سلوك طبيب كان يحكم دولة عربية لفترة طويلة، وما يتمتع به، ويصنعه من ويلات لأبناء شعبه، وفظاعة القسوة التي يسلطها على المعارضين لنهجه التدميري الفتاك.

تلك ظاهرة فاعلة في دول الأمة تنم عن مطمورات سلوكية خطيرة!!

و"مَن لا يَرحم لا يُرحم"!!

***

د. صادق السامرائي

 

السياحة والتلوث ضدان لا يجتمعان أبدا، وأينما وجدت آثار ومسببات التلوث بأنواعه، انحسرت الأنشطة والفعاليات السياحية، خصوصا لو ارتبطت بالمناطق المتسمة بالحساسية والهشاشة البيئية، مثل الشواطئ والجزر المرجانية والمحميات الطبيعية المتميزة. حيث تأتي نظافة وجودة الموارد والمقومات الطبيعية المتوافرة فيها، مثل المياه والمناخ والأرض في مقدمة المغريات (المشوقات) التي تستأثر باهتمام السواح، خصوصا في ظل انتشار الثقافة البيئية والوعي بأهمية التنوع الحيوي (البيولوجي) وظهور وانتشار أنماط سياحية جديدة، مرتبطة بالبيئة الطبيعية ومنسجمة مع الاستدامة البيئية على نحو واسع، مثل السياحة الصديقة للبيئة والسياحة الناعمة والسياحة الخضراء والسياحة المناصرة للبيئة وغيرها. وبإمكاننا أن نسوق هنا الكثير من الأمثلة على الكيفيات التي أثر بها التلوث على السياحة سلبا بصورة مؤقتة أو دائمية، وعلى نحو خفيف أو عميق، وفقا لطبيعة التلوث ومصدره، ومدى انتشاره ومستواه وغيرها من العوامل. ليشكل بذلك أحد أهم المخاطر والتحديات التي تعيشها صناعة السياحة والسفر على النطاق العالمي، وعلى المستوى الوطني للكثير من الدول، متقدمة كانت أو نامية. ففي تونس مثلا شكلت سحب الغازات السامة الناجمة عن المعامل والمصانع المرتبطة بالنشاطات النفطية والصناعات الكيمياوية والواقعة على بعد (2) كلم تقريبا من مركز (قابس) أهم عامل لتراجع النشاطات السياحية في الولاية المذكورة، خصوصا تلك المرتبطة بالمنطقة الساحلية في خليج قابس، مثل السياحة والصيد وركوب الزوارق الصغيرة، فشهدت في السنوات الأخيرة تراجعا واضحا في أعداد السياح، وتعثر السياحة الداخلية في المنطقة على نحو بين. أما في المغرب فكانت القاذورات والأوساخ المرماة من قبل السفن التي تستخدم الممرات المائية المرتبطة ببحيرة (نعيلة) المعتبرة محمية طبيعية منذ عام 2006، والمشمولة بالاتفاقية الدولية للأراضي والمناطق الرطبة (اتفاقية رامسار الموقعة في ايران عام 1971 والمنفذة اعتبارا من 21 كانون الأول 1975)، وبقايا ومخلفات السكان من أهم مسببات تلوثها، ودفع السواح إلى الاحجام عن زيارتها كما كانوا يفعلون في السابق، رغبة منهم في التمتع بالغطاء النباتي والتنوع الاحيائي التي كانت تتمتع بها. كذلك الأمر في شواطئ طنجة المغربية (بلايا، وادليان، الزاهارا، الدالية، لابلايا بلانكا، الديكي، سيدي قنقوش، المريسات، القصر الصغير) التي انحسرت فيها السياحة الساحلية على نحو ملحوظ بسبب التلوث. وانتشار بقعة الزيت من (الجونة) إلى (سهب حشيش) من شواطئ الغردقة المصرية عام 2010 المعروفة باستقدامها لأعداد كبيرة من السياح فشكلت بذلك تهديدا جديا للموسم السياحي في تلك السنة. أما في المملكة العربية السعودية فقد حرم التلوث الناجم عن تسرب مواد كيمياوية إلى متنزه وطني كبير في الطائف في عام 2012 آلاف الزوار والسياح من متعة زيارة هذا المتنزه الحيوي الذي له رواده من الأسر القاطنة في المدينة وغيرهم. وفي عام 2009 تضررت البيئة البحرية والشعاب المرجانية على سواحل مدغشقر جراء تسرب زيت الوقود ومياه الصرف الصحي من سفينة تركية محطمة لتؤثر سلبا على مجمل النشاطات في المنطقة، وبالذات برنامج السياحة والاصطياف.  كما تأثرت المنتجعات السياحية الشاطئية في منتجع (تاونغا) السياحي النيوزيلندي وغيره بنفس الطريقة بعد تحطم سفينة (ريتا) بالشعاب المرجانية على الساحل الشرقي ل (نورث آيلاند) في عام 2011. وتأثرت الحياة على شاطئ العقة وشاطئ منطقة البدية حول الفجيرة بالامارات العربية المتحدة والسياحة على وجه الخصوص إثر انتشار بقعة نفطية في عام 2011. وأمثلة غيرها كثيرة.

***

بنيامين يوخنا دانيال

.....................

* عن (السياحة والتلوث: مقالات) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2013.

 

شيده الوليد بن عبد الملك بن مروان (86 - 96) سنة 87 هجرية، والجامع الكبير في سامراء بناه المتوكل (232 - 247). الفرق بينهما أكثر من (100) سنة، وهو الصرح الباقي وجامع سامراء إنتهى منذ إنتهاء المدينة كعاصمة للدولة العباسية سنة 279 هجرية.

لماذا بقي الجامع الأموي وتدمر جامع سامراء الكبير وما بقيت منه إلا المئذنة الملوية والأسوار؟

البعض سيقول أنه مبني من الحجر، والجامع الكبير من الطابوق، والحقيقة يوجد في الأندلس جوامع مبنية بالطابوق أقدم منه ولا تزال محافظة على روعتها المعمارية.

الطامة الكبرى، أن لغز خراب معالم سامراء العمرانية بدأ بعد مقتل المتوكل مباشرة، ومضى بوتيرة متصاعدة حتى إنتقال العاصمة إلى بغداد في 279 هجرية، وقد وثّق خرابها الشاعر إبن المعتز المولود فيها، والذي ترعرع في قصورها.

فالأرجح أن الخلفاء بعد المتوكل لهم إسهاماتهم في التخريب، كما فعل المنتصر بالله بتخريب قصر الجعفري، وكذلك الأتراك أنفسهم الذين كانوا يخربون منشآت قادتهم عندما ينقضون عليهم ويجردونهم من كل شيئ.

إضافة إلى أهالي المنطقة والقادمين إليها من القرى والأماكن المحيطة بها، إذ دب النهب الفظيع للمدينة بعد مغادرتها وإلغائها كعاصمة للدولة العباسية.

فمما يثير الألم والحسرة، أن تجد جوامع أقدم من الجامع الكبير في سامراء، لا تزال قائمة في بلاد الأندلس، وهي مبنية من الطابوق وليس الحجر.

فهل أن سلوك التدمير عامل مهم في ثقافتنا الجمعية؟

وهل نحسب ما يتصل بالدولة مرهون بشخوصها، فننتقم منه وكأننا ننتقم منهم؟

وكأنه تماثيلهم التي علينا إزالتها؟

كل رأي ممكن، والخراب واحد!!

***

د. صادق السامرائي

 

يشير مفهوم المدينة إلى مساحة أكبر من القرية وتتميز بوجود مجتمع حضري متطور، من جهة أخرى، فإن الكثافة السكانية وحجم المساحة ليست معايير كافية لتمييز المدن عن القرى من وجهة نظر وظيفية.

على سبيل المثال، يعتبر تقسيم العمل أحد العوامل المميزة التي تفصل بين العواصم والقرى الصغيرة. ويرتبط مفهوم "القرية" و"المدينة" بوصف الحياة الريفية والحضرية على التوالي، ويستخدم مصطلح "المدينة" لوصف العيش في بيئة حضرية، ويتباين الفرق بين الاثنين من خلال عدد الأشخاص الذين يعيشون في بيئة حضرية.

وتكون القرى أصغر من المدن. وعلى العكس، تتميز القرى بنمو سريع للموارد الطبيعية مقارنة بالمدن، بينما تتميز المدن باستغلال كامل للعناصر البيئية الطبيعية في عملية التحضر.

ومن المعروف أن أهل القرى يفضلون حياة الخشونة والتعب والعنف، ويتجاهلون حياة الرخاء والسلام والتنمية.

بعد عام /2003، تم السماح لسكان القرى والأرياف بالسكن في العاصمة بغداد والأنتقال بين المدن العراقية بما فيها أقليم كردستان العراق شبه المستقل عن العراق، فاستوطنت الغالبية الفقيرة منهم الأراضي الحكومية المخصصة في الأصل للمساحات الخضراء أو لبناء المدارس أو المعسكرات والدوائر الحكومية المنحلة، والتي أطلق عليها اسم "حواسم".

 توجهت مجموعات أخرى من النازحين إلى أطراف المدن بحثًا عن فرص أفضل للعيش وللهروب من البيئات الريفية القاسية التي تضررت بسبب تجاهل التنمية في عهد النظام السابق، مما أجبرهم على ترك الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك والطيور المهاجرة، والتوجه نحو الوظائف الحكومية المدنية والعسكرية.

وخلافًا لما حدث في أوروبا، حيث انتقل الناس تدريجيًا من الريف إلى المدن بسبب انخفاض الحاجة إلى العمل في الريف وازدهار الاقتصاد الحضري، فإن النازحين في هذه الحالة لم ينتقلوا بشكل تدريجي، بل كان الانتقال سريعًا وغير مخطط له.

كما أن أولئك الذين انتقلوا إلى أطراف المدن أحضروا معهم قيمًا تقليدية أضعفت القيم الحضرية التي كانت موجودة مسبقًا واستبدلتها، مما زاد من التعقيدات. وأصبح الوضع أكثر تعقيدًا عندما وصل سكان الريف إلى مناصب السلطة في العاصمة بغداد وإدارة المحافظات، تحت مظلة البرلمان المنتخب والسلطات التنفيذية ومجالس المحافظات.

في أوقات الأزمات، تتطلب قوة سكان الريف كل قيم الريف ومشاعره المتعصبة، ويحيط بهم السكان القبليون والمحليون ويتجاهلون كافة مسؤوليات المدينة ويضيع حلم التنمية.

ويعاني سكان الريف من الطرق والمصانع ذات الأداء الضعيف (على الرغم من الدعاية الحكومية، فإن معظم المصانع الريفية غير مربحة وعديمة الفائدة، وتعتمد على مساعدات الدولة، أو تحاول المنافسة في السوق من خلال منع الواردات من المنتجات المماثلة، حتى لو ادعى بعض الناس ذلك).

من العوامل التي شجعتهم على ذلك هو الانتخاب المباشر للمحافظ وبعض أعضاء مجلس المحافظة منهم، مما زاد الطين بلة، حيث انتشر العنف داخل المدينة وتضاءلت روابط المحبة والسلام والثقافة المجتمعية، بالإضافة إلى انتشار المخدرات.

كما أن أصحاب السلطة الريفية هؤلاء يتلقون دعمًا كبيرًا من أهل المدينة الذين ينتمون إلى كتلهم السياسية أو الحزبية، رغم أن معظمهم لا يتجاوزون كونهم مجموعة من الحاصلين على شهادات دراسية في العلوم الدينية ومن عديمي الخبرة والفائدة.

ونتيجة لذلك، انتشر العنف والجريمة المنظمة في المدينة، وتضررت الثقافة وانخفض مستوى التعليم وتدهور الذوق العام، كما انتشرت الأسلحة والإطلاق العشوائي للرصاص، وأصبح امتلاك السلاح غير المرخص شائعًا، حتى أن محاولة مصادرة الأسلحة منهم تتعارض مع عقلية القرويين العراقيين الذين يرون في ذلك خوفًا واستسلامًا، آذ يعتبرون أن امتلاك السلاح يؤكد وجودهم في المدينة. وهكذا، يسعون إلى السيطرة على المدينة والسلطة ويشترون كل شيء من خلالها.

وفي الوقت الحاضر، معظم سائقي العربات الصغيرة (تكتك) في مدينتي هم من أبناء الريف، فإذا طلبت من أحدهم أن يوصلك إلى مكان ما، فإنه يقول لك: "أرشدني إليه".

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

عندما تغلي النفوس تتعطل الرؤوس، هكذا يبرهن لنا السلوك البشري، وحينما تحدث الثورات والتغيرات الدراماتيكية، تنطلق السلوكيات المتوافقة مع ما تأجج في الأعماق، وما تعتق فيها من دمامل وأقياح، فيكون السلوك متوجا بالعماء، ومعبرا عن تفاعلات شديدة الغباء.

ولا يختلف الناس في ذلك أيا كانوا، فالنفس البشرية واحدة وتحكمها ذات القوانين.

ولا يوجد مجتمع في الدنيا لم تحصل فيه سلوكيات التعبير عن الغليان النفسي.

أدرسوا مجتمعات الدنيا بأسرها، وستكتشفون ذات السلوك بتعبيرات مختلفة عن النفس وهي في أعلى درجات غليانها، وفقدانها لبوصلة الرشاد.

ولهذا ستأتيك الأخبار عن أحداث وتصرفات تتعجب منها، وأنت في واقع نفسي آخر، بينما هي كالبلسم للنفوس المقهورة المسحوقة المعذبة.

فلا تستغرب مما لم يكن بالحسبان، فالنفوس المتأججة، تنبثق فيها أمّارات سوء لا تعد ولا تحصى، ويعجز الخيال عن تصورها.

ولا يمكن القول بأن الهدوء والرحمة والسكينة سترافق نوازعها المفلوتة، ولا توجد قوة قادرة على ردعها، فهي كالقِدر الذي يفور وعليه أن يسكب ما فيه على الموقد.

وهكذا فأن أي حدث كبير يحتاج إلى وقت يتناسب طرديا مع معاناة أصحابه، لكي يستفيق المظلومون وتهدأ إرادة الإنتقام النابضة فيهم، ويستشعرون بأنهم إستوفوا حقوقهم النفسية والإعتبارية، وعندها سيواجهون أحوالهم بتصور جديد.

فالقول بالسلاسة والهدوء والحفاظ على السلامة العامة، أشبه بالهذيان والطرح الساذج الحصول.

فدع النيران تتأجج حتى تلتهم حطبها وتستحيل رمادا وعصفا مأكولا!!

***

د-صادق السامرائي

 

نصدّق السيد نوري المالكي الذي اخبرنا عام 2009 ان النظام السوري كان يرسل المفخخات الى العراق، ام السيد نوري المالكي الذي اعلن عام 2012 انه مستعد للدفاع عن النظام السوري؟.. قبل 15 عاما تقدم السيد نوري المالكي وكان آنذاك رئيسا للوزراء بشكوى ضد دمشق لدورها في التفجيرات التي كانت تعصف بالعراق وتذبح ابناءه.. في ذلك الوقت ايضا وصف بشار الاسد اتهامات المالكي " بانها " غير اخلاقية".عام 2012 ايضا سيخرج علينا السفير السوري في العراق نواف الفارس وقد اعلن انشقاقه عن النظام السوري ليخبرنا بالصوت والصورة: " ان بشار الأسد كان يرسل المفخخات إلى العراق" وقال: "إني شخصيا ألوم رئيس الحكومة العراقية – ويقصد السيد نوري المالكي - على موقفه الذي يناقض الحقيقة، فهو يعلم جيدا ما فعله بشار الأسد به وبكل العراقيين ". وقد كان السفير أدرى بشعاب النظام السوري وموقفه من التغيير في العراق، فكيف تسنى للسيد نوري المالكي ان يعلن بان العراق لن يسمح بسقوط النظام السوري، وأين الحرص على دماء العراقيين؟.

للأسف في كل المرات التي تفتح فيها الجهات الحكومية الملف السوري كان التناقض علامة بارزة في بياناتهم وخطاباتهم، ولا أريد ان اذكر القارئ بأنني في هذا الزاوية اعدت اكثر من مرة عبارة للمالكي قالها ايام ولايته الاولى ندد فيها بنظام بشار الأسد وحمله مسؤولية التدهور الأمني في العراق، ولكن هذا الموقف سرعان ما تغير وأصبح بشار الأسد الحارس الأمين لبوابة العراق ولابد من إطلاق صيحات النجدة من اجل أن ينتبه الضمير الإنساني ليقدم العون إلى هذا الرئيس الوديع والمسالم.

ولان المشهد لابد أن يظل مضحكا ومبكيا فنحن نتذكر ان السيد المالكي قال في حوار تلفزيوني عام 2021 انه اخبر الرئيس الامريكي أوباما عام 2012 بانه لن يسمح بسقوط نظام بشار الاسد، وانه اذا اضطر سيأخذ الجيش العراقي للدفاع عن النظام السوري.. وعاد لنا نفس النغمة قبل ايام مطالبا بتدخل العراق لحماية النظام السوري.. هل استمر السيد المالكي على موقفه.. لا ياعزيزي القارئ، فما ان اعلنت وسائل الاعلام عن هروب بشار الاسد وطلبه اللجوء كتب السيد نوري المالكي في تدوينة على منصة "إكس": "نحترم إرادة الشعب السوري الشقيق في إجراء التغيير ".

إياك عزيزي القارئ أن تظنّ أنّ "جنابي" يهدف إلى لوم السيد نوري المالكي، فالديمقراطية العراقية تقضي بأن يبقى المواطن العراقي متفرجاً، فمرة عليه ان يصدق المالكي وما قاله يوم الرابع من كانون الاول عام 2024، وان يبتسم وهو يقرا تدوينة السيد المالكي التي كتبها بعد ان اخبروه ان الاسد " طار".

***

علي حسين

 

الدنيا تغيرت وإنتقلت إلى مراحل غير مسبوقة، فبعد أن سيطر السيف والسهم والرمح على مسيرتها التصارعية، إكتشفت البارود وإستعملته لأغراض العدوان على بعضها.

وربما تغفل البشرية أن الأسلحة المبتكرة لا تزال دون ما فعلته الأسلحة القديمة من قتل فظيع، فجز الأعناق كان سلوكا معتادا ويشير إلى الغدر والنصر.

الأسلحة القديمة كانت تقتل مئات الآلاف ولكن بوقت أطول مما تفعله الأسلحة الحديثة.

عتادنا وأسلحتنا المعاصرة تقتل عشرات الآلاف في لمح البصر، وهذا يتناسب مع زيادة النفوس فوق التراب، فالأرض لم يسبق لها أن حملت على ظهرها أكثر من ثمانية بلايين، ففي مطلع القرن العشرين المشحون بحربين عالميتين، لم يتجاوز العدد ثلاثة بلايين، وحاضرا الأعداد في تزايد متسارع وكل يوم يُضاف للبرايا عشرات الآلاف من المواليد الجديدة، ومهما إشتد المحق والإفناء فقدرات الإنجاب تتنامى.

ومن هنا فالمقاومة بالسلاح ما عادت مجدية، لأن الخسائر ستكون فادحة على جميع الأطراف، فلا نفع للكثرة ولا للعضلات والمواجهات البدنية.

التكنولوجيا تنتصر وتتفوق على كل شيئ مولودٍ من رحم القديم حتى أسلحة الحرب العالمية الثانية، ما عادت ذات جدوى.

بل أن أسلحة العقد الأخير من القرن العشرين أضحت عديمة الصلاحية.

المطلوب مواجهات عقلية، ذات مفردات تكنولوجية، وبدونها فالهزيمة حتمية، لأي طرف يتوهم أن البندقية تحسم المواقف، وتعلن الوصول إلى تحقيق هدف ما.

المناورات العقلية والحكمة والوطنية والحلم عناصر مهمة وفاعلة في التواصل مع دول الدنيا وقواها بقدراتها المتنوعة.

فالحكم ليس سلوك مافيات وعصابات ونهب وسلب وفساد وفئويات وعشائريات، إنه تعبير عن إرادة وطنية حرة وإلتزام بمصالح البلاد والعباد، والعمل الجاد على صيانتها من أي سوء.

فهل لدينا عقول قيادية بحجم أوطانها، ومستوعبة لتأريخها ومسيرتها عبر العصور؟!!

***

د. صادق السامرائي

تعزو بعض الدول أسباب رفضها لضريبة الكربون المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على شركات الطيران التي تستخدم طائراتها المطارات الأوروبية في الدول ال (27) منذ كانون الثاني 2012 إلى احتمال مساس قرار فرضه بقواعد التنافس بين شركات الطيران العاملة في قطاع النقل الجوي، مع إمكانية تقويض الجهود الحثيثة المبذولة في سبيل تنمية وتطوير صناعة الطيران التي تعاني من المشاكل والتحديات لأكثر من سبب. ناهيك عن تسببه بزيادة نفقات الرحلات، لتنعكس بالنتيجة على سعر تذكرة الطيران بحسب البيان المشترك الصادر عن (29) دولة معنية من أصل (33) دولة شاركت في اجتماع (موسكو / روسيا الاتحادية) في 21 شباط 2012. وهي زيادة قدرتها (مؤسسة الطيران الأوروبية) وقتها بنحو (10) يورو لكل تذكرة طيران. فقد بادرت (50) شركة طيران مختلفة إلى رفع أسعار تذاكر السفر على خطوطها بمقدار (2.5) – (5) دولارات حال تنفيذ القرار. اما الخطوط الجوية الاسترالية (كانتاس) وشركة طيران منخفض التكاليف (جيت ستار) التابعة لها فقد رفعت أسعار تذاكر الذهاب على خطوطها حينها بمقدار (32) دولارا اعتبارا من 15 شباط 2012 لنفس السبب، بالإضافة إلى زيادة أسعار الوقود (14 في المائة عام 2011)، وفرض ضريبة مشابهة اعتبارا من تموز 2012 وفقا لقرار صدر عن البرلمان الأسترالي في 8 تشرين الثاني 2011 شاملا (500) شركة عاملة في مجالات الطيران والتعدين والصلب. كذلك فعلت شركة الطيران الوطنية الإماراتية (الاتحاد للطيران) التي اضافت وقتها (3) دولارات إلى تذاكرها واعتبارا من آذار من عام 2013. ومن الدول المعترضة على قرار فرض ضريبة الكربون على الطائرات الملوثة جمهورية الصين الشعبية التي هددت علنا باتباع سياسة المعاملة بالمثل لمواجهة هذا القرار. كذلك فعلت الهند. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد بادر مجلس النواب فيها إلى تبني مشروع قانون يمنع شركات الطيران الوطنية من الأعتراف بالقانون الأوروبي، وبما يمنع من أي التزام مالي تجاهه الآن وفي المستقبل على اعتبار ان قرار فرض ضريبة الكربون قد صدر عن الاتحاد الأوروبي على نحو أحادي، ودون تمريره بالقنوات القانونية والأدارية الدولية اللازمة، وبخلاف مضمون (ميثاق شيكاغو) وقواعد القانون الدولي. وكانت (الجمعية الأمريكية للنقل الجوي) و(يونايتد كونتينينتال) و(امريكان ايرلاينز) قد طعنت بالقانون امام محكمة العدل الأوروبية في حينه، ولكن دون نتيجة. أما فيما يخص موقف (الاتحاد الدولي للنقل الجوي) (اياتا) فقد نبه في 12 / 2 / 2012 من مغبة حدوث حرب تجارية فعلية بين الأطراف المعنية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها صناعة الطيران، واقترح على الطرف الأوروبي صرف النظر عن برنامجه (نظام تبادل الأنبعاث)، ليصار إلى الدخول في مفاوضات جدية مع الدول التي تمثل الجانب الآخر، وتحت مظلة (المنظمة الدولية للطيران المدني) (ايكاو)، وبما يفضي إلى لاتفاق عالمي بديل ومقبول للقرار الأوروبي، يكون أكثر فعالية في موضوع الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، ولكن دون جدوى.

***

بنيامين يوخنا دانيال

..........................

* عن (السياحة والبيئة: مقالات) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2013.

 

انقلبت الدنيا ولم تستقيم الحياة في دولة كوريا الجنوبية لأن الرئيس أعلن الأحكام العرفية لحماية البلاد، وألغيت بتصويت من البرلمان بعد بضعة ساعات.

الرئيس لم يقتل أحدا، ولم يطلق رصاصة واحدة، لكنه إرتكب جريمة لا تغتفر بتهديده للنظام الديمقراطي، فتعالت صيحات إدانته وضرورة تنحيه.

رئيس في إحدى الدول الإقليمية قدم إنجازات كبيرة لمواطنيه وفاز بالإنتخابات بنسبة 52%، وآخر في دولنا يقتل عشرات الآلاف ويدمر البلاد ويشرد العباد ويفوز بالإنتخابات بنسبة 99% وأكثر!!

فكيف نقارن بين هذه الشعوب؟

أين العلة؟

هل في الجهل والأمية، والتضليل والبهتان والأدينة، والإمعان في إستحضار الأموات والأخذ بثارات الأجداث؟

كيف يمكن تفسير وإستيعاب هذين السلوكين؟

إنها حقائق مريرة دامغة تفعل فعلها في واقعنا وتميز بين المعاصر والغابر، بين مَن يعيش في زمانه ومكانه والذي يتوطن الظلمات، ويرى أن الذي فات ما مات.

دول تتقدم وأخرى تتقهقر والسبب في شعوبها، التي تقرر مصيرها وتداهن حكامها وتنتخب جلاديها، وتذعن لنداءات المتاجرين بها، والمخادعين الساعين لتدميرها، لتأمين تطلعات أمّارات السوء الفاعلة فيهم، والقاضية بتعزيز تمتعهم وإستحواذهم وقتلهم لشعوبهم، وتدميرهم لوجودها الوطني، فالوطن في عرفهم غنيمة مؤنفلة.

أين الديمقراطية؟

إنها تصريحات وخطابات المنابر المرائية المتخمة المرفهة، التي تبيع بضاعتها الفاسدة للمحرومين والمستعبدين في بلدانهم، والمرهونين بالخوف والرعب والموت المتوحش الفظيع، والخطف والتغييب والإغتيال والتعذيب؟

تلك شعوب ونحن أرقام بلا قيمة ولا حقوق!!

فهل سنستيقظ وسيرعوي الحكام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

ماذا تسمي رجل دين، يحمل الجنسية العراقية، ويتقاضى اموالا من العراق، يخرج من على شاشة احدى الفضائيات ليقول بكل اريحية ان العراق غير مهم بالنسبة له، مثل اهمية ايران؟. وعندما يقول له مقدم البرنامج: انت عراقي وتعيش في العراق، يتحول الشيخ مصطفى الانصاري الى مؤرخ يحاول منافسة المرحوم عبد الرزاق الحسني، فيقول: العراق مشروع بريطاني استعماري. ستقول: ايها الكاتب المُتعب، هل توجد كلمة في القاموس افضل من كلمة " كاره للعراق "، لماذا؟ لأن هذا الشيخ لم يدرك جيدا أن عليه ان يذهب اولا الى احدى المكتبات ويقرأ تاريخ بلاد الرافدين. ولكن لاننا نعيش في ظل جمهورية كارهي العراق لم نعد نضع فوارق بين الوطنية والعمالة.

هذا العراق الذي بني بمشقة رجال كبار من أجل أن يكون جرمًا مضيئًا في مدار الأُمم، اليوم نجد من يخرج على الفضائيات ليقول ان بلاد الرافدين لا قيمة لها، بل وتراه يتمنى أن تختفي هذه البلاد في يوم وليلة.

أحزاب وتجمعات تسخر من الوطنية وتعتبرها عارًا، فيما يتنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الأول يشرّع قوانين للتقليل من شأن المرأة في المجتمع، والثاني يبتسم في الفضائيات وهو يخبرنا ان همه الاول ان تعيش دول الجوار برفاهية.

منذ ايام والمواطن العراقي مشغول البال باحوال جارته سوريا، فما يجري على حدود العراق يهم جميع العراقيين، إلا السادة في مجلس النواب الذين لا يزالون مصرين على تصويت " السلة الواحدة "، فلا يمكن العيش بامان وقانون الاحوال الشخصية لم يصوت عليه، ولا احد يريد ان يقول لهذا البرلمان الظريف ان المنطقة تمر بظرف عصيب، وكان الاولى عقد جلسة طارئة لمناقشة الاحداث التي تسارعت من حولنا.

ماذا تشعر عزيزي القارئ وأنت تسمع كلام الشيخ الانصاري ومطالبته بان يموت شباب العراق دفاعا عن دول الجوار ؟، وماذا تقول لمجلس نواب يرفع شعار " الطائفية أولا ". أنا شعرت بانقباض، فما يزال بعض النواب ومعهم بعض الخطباء يصرون على ان يفرضوا سطوتهم على المواطن. ولهذا عزيزي ستحتار مثلي ولا يمكنك أن تعرف من هو الوطني في العراق ؟ ومع من، ولا لماذا، ولا إلى متى؟ في أميركا ودول اوروبا " الكافرة " تتم محاسبة اكبر مسؤول عندما يتلفظ بكلمة جارحة عن بلاده. لكننا في بلاد الرافدين نعرف جيدا ان لا احد سيقول للشيخ الانصاري: لماذا قلت هذا الكلام؟.

***

علي حسين

 

التام: الكامل الذي لا نقص فيه.

دوران الأرض يفرض النقصان ويمنع التمام، لأن في ذلك إعادة تصنيع وتوزيع وإبتداء تفاعلات جديدة، فلكل شيئ مهما تسامق تصيبه إنحدارات تأخذه إلى مبتدأ إنطلاقه وسعيه فوق التراب.

فلا يوجد عطاء تام، أيا كان نوعه، ولا مخلوق تام، بل هو في أحسن ما يبدو عليه من تقويم.

 "لكل شيئ إذا ما تم نقصان... فلا يغر بطيب العيش إنسان"!!

ومن التمام التمتمة، وهي مصدر تمتم، وتعني التلكؤ في إخراج الحروف من مخارجها، أو ثقل التاء على لسان المتكلم، والمُعَجَل في كلامه فلا يُفهَم ما يقول.

الحياة لا تتوافق مع التام، بل أنها في نقصان وإهتراء دائب، فالدوران يأكل جرف الوجود تحت الشمس ويعيد ترتيب العناصر في مركّبات تعاصر وقتها.

وبما أن التغيير سنّة كونية أزلية أبدية، فالكلام عن التمام أشبه بالهذيان، وكأنه مطاردة لسراب، فالوهم يوحي بالتمام، والعقل السليم، يدرك النقصان المقيم، وعلى الخلائق أن تكافح وتمضي أعمارها في الوصول إلى غاية ما، في وعيها المحدود ربما تمثل التمام.

والبشر على سبيل المثال، يرى أنه في بداية المشوار وقد أشرف على الختام، لأن المرام بعيد، والحقيقة الدامغة أن الموت أكيد، والرحيل أبيد.

حتى الحيوان يشعر بأن وجوده مؤقت، ورحلته ذات نهاية، ومصيره سيكون وجبة للتراب، ومدسوسا بأروقة الغياب.

التمام مؤقت ومرهون بالنقصان كما يخبرنا القمر في رحلته بين الهلال والبدر، وهو يقدم لنا دروسا وشواهدا، ولا نتعلم منها لتعودنا عليها!!

فلنسير على سكة الجد والإجتهاد، والإبداع المتواصل نحو التمام النسبي، الذي نترجاه ونطمح لبلوغه في عصره، وبأجيال حاضره وبراعم مستقبله الواعدة.

فهل لدينا القدرة على بلوغ المرام؟!!

***

د. صادق السامرائي

الكذب بضاعة سهلة الترويج، وينتشر بين الناس كالنار بالهشيم، ومَن يكذب وبتكرارية عالية يصبح من الصادقين، ولا يستطيع أحد تفنيد أكاذيبه.

من عجائب النفس أنها تهلل للكذب وتنساق له باندفاعية عارمة، ومن الصعب إقناعها بأنه باطل، خصوصا عندما تمارسه وسائل الإعلام وفقا لآليات الحروب النفسية وغسيل الأدمغة.

ولكي تكون متسلطا ناجحا عليك إتقان مهارات الكذب!!

"كذب المصفط أحسن من صدك المخربط"!!

وما أكثر الأكاذيب المنمقة المنتصرة على الحالات الصادقة.

فالكذّابون يقودون، ويستحوذون على حقوق الآخرين، لقدرتهم على تخديرهم وتغفيلهم، وحشو أدمغتهم بالأوهام والأضاليل، ويترعون كؤوس غثيانهم بالبهتان.

الصدق غائب والكذب سائد، و"الحبل عالجرار"!!

وما يحصل في بعض المجتمعات، أن الكذابين يتولون مناصب الإستبداد والفساد، ويسوقون المواطنين بأكاذيبهم إلى حيث يريدون.

يقولون أن السياسي الناجح كذاب ماهر، والكذب أفيون الشعوب، وشبكة صيدها وأخذها إلى أتون الويلات ومهاوي التداعيات، فالصدق مذموم ، والكذب معصوم، واكذب واكذب حتى يصدق الناس، وتصدّق نفسك.

وعلى هذا المنوال، تكون الأقلام الكاذبة ذات رواجية عالية، ومقبولية بين القراء، في العديد من المجتمعات، فالأجيال تغرق في كذبة تلو كذبة، وما عرفت الصدق إلا عندما لا تنفعها كل تميمةٍ

فهل صدقت الأقلام، وتنزه الإعلام؟!!

و"من يكذب يسرق"!!

و"الدنيا صاعد نازل"!!

***

د. صادق السامرائي

لا أدري لماذا افتتحت الصباح بحوار مع مجنون، كان ينتظرني ليبثني ما يجول في أروقة أوهامه وفضاءات هذياناته.

قال: كنت أنتظرك

قلت: خيرا

قال: دعنا نجلس

قلت: هيا بنا

قال: وجدتها

قلت: ما هي

قال: التأريخ سيحضر

قلت: ماذا تقصد

قال: سنعرف الصدق من الكذب

قلت: كيف

قال: سنصنع أجهزة تستحضر الحياة في أفلام

قلت: لا أفهم

قال: التأريخ ليس صادقا، وسنتوصل إلى استحضار أي فترة زمنية من عمر البشرية

قلت: أوضح أكثر

قال: ليس بعيدا بأننا سنصنع أجهزة مثل الهاتف النقال تضع فيها المكان والزمان المطلوب وستشاهد ما جرى فيه مصورا.

قلت: هذا مستحيل

قال: لا يضيع شيء يحصل فوق التراب، كلها موثقة ومصورة، الأفلام جاهزة

وأضاف: سينكشف الغطاء، وتتعرى الأحداث، وسنجد البراهين الدامغة عن كل ما جرى، إنها لحاصلة في هذا القرن!!

احترت بما طرحه المجنون، وتساءلت: هل أن الجديد الأصيل من فيض الجنون؟

***

د. صادق السامرائي

 

وفق ما درسناه في كتب الجغرافية ان اسم بلاد الشام يطلق على سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وفي نفس الوقت فإن بلاد الشام هي أيضاً اسم دمشق عاصمة بلاد الشام.

 تمتدّ بلاد الشام على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، وتتوسّط ثلاث قارات، هي: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وقد وُضِّحت حدودها قديماً، إذ يحدّها البحر الأبيض المتوسّط من الغرب، ومصر وصحراء سيناء من الجنوب، أمّا من الشرق فتحدّها البادية التي تمتدّ من آيلة إلى الفرات.

وقد تميّزت البلاد بالموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي كان له دور كبير في عدم استقرار المنطقة، وذلك نتيجة تعاقب العديد من الحضارات عليها، بالإضافة إلى مساهمته في ازدهار اقتصادها، نظراً لارتباطها بطرق مواصلات مع مختلف الدول المجاورة.

وكما يقول الشيخ علي الكوراني

(هناك العديد من الأحاديث عن الشام وأحداثها وشخصيات قبل وبعد فترة الظهور المقدس، محورها الأساسي هو - الحركة السفيانية - التي تحكم الشام ووحدتها، والتي ستلعب جيوشها دوراً واسعاً لتقريب الظهور المقدس للإمام المهدي، وأيضاً بعد القضاء على العدو في الشام، يبدأ السفياني قتال الأتراك في معركة قلقيسية، ثم يدخل العراق.

كما أنه يلعب دوراً في الحجاز، حيث تحاول حكومة الحجاز القضاء على حركته، لكن المعجزة الموعودة ستحدث لجيشه في طريق مدينة مكة المكرمة.

أعظم معارك السفياني هي معركة فتح فلسطين. ويتم ذلك بأمر المهدي، وخلف السفياني اليهود والروم، وينتهي بهزيمته وقتله وفتح فلسطين ودخول القدس).

ونناقش هذه الأحداث بمزيد من التفصيل أدناه:

1- وجود حرب أهلية شاملة بين المسلمين، وسيطرة الروم والأتراك (ربما يعني الغربيين والروس).

2- وجود صراعات متوطنة في بلاد الشام تسبب الشقاق والضعف والضائقة الاقتصادية بين أهلها.

3- الصراع بين المجموعتين الرئيسيتين المعارضة المسلحة وقسد في بلاد الشام.

4- حدوث زلزال في دمشق يؤدى إلى تدمير الجزء الغربي من الجامع وجزء من ضواحيه.

5- الصراع على السلطة في الشام بين زعماء العقبة الثلاثة، الجيش الأحمر، والسفياني، وغلبة السفياني وسيطرته على سوريا والأردن، وتوحيد المنطقة تحت حكمه.

6- تقدم الجيوش الأجنبية إلى بلاد الشام.

ويقال إن ظهور اليماني الموعود يشبه ظهور السفياني أو أي شخص مقرب منه، والظهور اللاحق للزعيم الإيراني الخراساني.

كل تلك الأحداث سوف تجري في بلاد الشام قريبا، ويؤكدها المتنبيء العراقي اللبناني الجنسية (أبو علي الشيباني) ايضاً في طروحاته الغيبية.

فعلاقة رجل الدين بالواقع التاريخي متفاوتة فأحيانا يتفاعل مع واقعه ويتأثر به ويؤثّر فيه، واحياناَ يتجاهله، فيبدو اجتهاده مجردا عن الزمان والمكان وكأنه وحي مقدس، لا يجوز المساس به مثل إجماعهم على القرشية.

 ويأتي اجتهاد الفقيه عقب الأحداث التي تجري فيها وبعد أن يقُّتل عشرات الألوف من الناس، يظهر الفقيه ليكيَّف الواقع المأساوي ويجعله متسقا مع ما يدور على الساحة، مثل استيلاء جبهة تحرير الشام على الأراضي السورية، وفيها أستولى الأمير (محمد الجولاني) بالقوة على بعض المحافظات السورية، فهو عند جمهور بعض فقهاء السنة صحيح، لا تختلف عن إمارة الاستكفاء التي تكون برضا الشعب، وإن كانت في الواقع ليست باختياره، إلاّ أنّهم أدخلوها في التفويض والنيابة عن الإمام، علتهم خوف الوقوع في الفتنة والاقتتال الداخلي.

ويأتي الفقيه الشيعي متمثلاً بالكوراني وزملائه الأخرين ليقول: أن تلك الأحداث متواتره عن طريق أهل بيت النبوة، ولابد من أن تحدث لأن راويها إمام معصوم لا ينطق عن الهوا، وأثناء تلك الأحداث يظهر منقذ البشرية ومعه 313 شخص ليقضي على الجولاني ورفاقه الأخرين وكل المتمردين الذي أسقطوا النظام السوري وأسقطوا بقية بلدان بلاد الشام، أذ يقوم هذا المخلص أيضاً بتحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويحرر القدس ويقضي على أسرائيل وحلفائها من العرب والأوربيين.

وهكذا تبنى أسوار حول علاقة الدين بالتاريخ، فلا يستطيع أحد غير رجال الدين الولوج إليها، ويفهم إرث رجال الدين للأنبياء على أنه إرث في سلطة سياسية، والأولى أن تقف عند حدود الموعظة والتبليغ مع الالتزام بتمييز المقطوع ثبوتا ودلالة عما يحتمل أوجها من الاجتهادات والأحكام، والتزام الصمت عن الإدلاء برأي في دائرة المباح والجائز؛ لأنّ الله سكت عنه، فليس في حاجة إلى نطق فقيه باختيار.

إنّ إقحام الإسلامية والشرعية في صراعات على السلطة السياسية، لنقول بأن كلا الطرفين المتنازعين لم يخرجا عن الشرع، لسنا بحاجة إليه إذا أعدنا الدولة إلى سياقاتها التاريخية، وفصلنا بين الدولة والدين وفعل المسلمين البشري وبين إسلام الوحي.

 ولو نزعنا القداسة عن دولة الخلافة والمتمردين عليها لاستراح الفقيه من ملاحقة السلطة والمعرضين لها.. وتحررت العقول من طروحات الفكر الديني الموروث من عفن التاريخ.. وكفانا الله شرور السلطات المستبدة والمعارضة المسلحة.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

باحث وأعلامي

يعاتبني بعض الاصدقاء على اصراري الكتابة عن البرلمان، وكنت اقول : يا سادة لن اتوقف عن الكتابة عن برلمان " هذا لك وهذا لي "، فكيف لكاتب عمود يومي يعيش في أزهى عصور الرفاهية والعدالة الاجتماعية، وبلاده على قائمة البلدان الأكثر تطوراً، أن يخالف ضميره ولا يذكر منجزات مجلس النواب في بيع المناصب وتشجيع المحاصصة لكنني اليوم وجدت أن حدثا ثقافيا مهما هو معرض العراق الدولي للكتاب سيجعلني انسى مؤقتا الانجازات التاريخية لبرلماننا العزيز.

فأنا أنتمي إلى قوم لا يمكنهم تخيل عالم لم تظهر فيه الكتب، التي سطرها مجموعة من الأحـرار علموا البشرية قيمة وأهمية الحياة، لكني بالأمس وأنا أتصفح مواقع الصحف ووكالات الأنباء شعرت بأنّ كاتباً مثل حالي لا يمكن له أن يترك حفلات صـواريخ الكاتيوشا التي تقع على رؤوس العراقيين، ويذهب ليحدّث القرّاء عن أفلاطون الذي ظل يصر على أن تعاسة البلدان لا يمكن أن تزول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة التعلم. "إن طلب العلم شرط لمن يتقلد زمام الحكـم، والسبب هو ما يتميز به الحـاكم المتعلم من حكـمة وصدق".

أنظر إلى الكتب التي غصت بها قاعة معرض العراق الدولي للكتاب، وأسرح مع بغداد التي تنتظر عرسها الثقافي مع الكتاب، المدينة الجميلة أيام كان فيها مصطفى جواد يعلّم العراقيين معنى الشغف باللغة، فيما علي الوردي مصرّ على أن يواجه المجتمع بحقيقته، في الوقت الذي يسطر فيه الجواهري المعلقات في حب الوطن. تلك كانت بغداد الكرملي وجواد علي ونازك الملائكة والزهاوي وجماعة بغداد وهي تحتضن جواد سليم ومحمد غني حكمت وفائق حسن، فيما اليوم تغزوها أسراب جراد الجـاهلين الذين يرون فيها خزينة ينهبـونها في وضح النهار.

دائماً كنت أسأل نفسي: ترى كيف سيكون شكل العالم لو لم يكتب فيه ديكنز روايته "الآمال العظيمة"، ولم يحول فيه المتنبي الشعر إلى نصوص في الحِكَم، ولم يعلمنا عمر بن أبي ربيعة أن مديح النساء أبقى أثراً من مديح كل الحكـام؟، هل يمكن أن نتخيل بريطانيا من دون سؤال هاملت الأزلي: أكون أو لا أكون، ماذا يبقى من انقلابات أمريكـا اللاتينية غير ذكرى حكايات يوسا، وساماراغو، وإيزابيل أللندي ومعلمها ماركيز؟، ماذا يبقى من أميركا لو لم يكتب لها همنغواي "الشيخ والبحر"؟ .

أعطتنا الكتب المتعة ونورت عقولنا. وحولت لنا الأرض إلى قرية واحدة قبل أن يكتشف الأمر منظرو العولمة، كتب زودنا أصحابها بالحكـمة ومؤرخون حفظوا لنا حكايات التاريخ وعبره، وشعراء صنعوا لنا أحلاماً وآمالاً وعوالم جميلة، كتب ندين لها بجمال الحياة، لولاها لكنا نرى بغداد مجرد دار للسكنى وليست قصيدة رائعة للمتنبي، ونرى العيون الجميلة ولا ندرك أنها تقتـلننا لأن في طرفها حَوراً.

***

علي حسين

 

أمة منشغلة بالأنساب، وعائدية فلان إلى نسل فلان وعلان، دون أدلة موضوعية وبراهين واضحة، وفي زمن التعرف على النسب بواسطة (دي أن أي)، فقدت هذه الإدعاءات قيمتها ومصداقيتها، وعليها أن تأتينا ببرهان يقين.

ثم حتى إذا تبين أنها تنتسب لهذا أو لغيره، فما قيمة ذلك، والمدعي عاطل عن المساهمة بإثراء الحياة وتنويرها بالإبداع والإبتكار والإضافات الأصيلة.

"ليس الفتى من قال كان أبي...إن الفتى من قال ها أنا ذا"

أبناء البلاد كلهم يدّعون بأنهم سادة، ويريدون عبيدا خدما لهم، ولكونهم سادوا فعليهم أن يتسلطنوا في الكراسي ويؤسسوا للدواوين، لترعاها القوى التي وجدت في ذلك وسيلة سهلة للقبض على مصير المواطنين، ولهذا تجد تشجيعا غير مسبوق لهكذا إدعاءات بائسة، خسرانية المعطيات.

ومما لا يقبله العقل، أن بضعة أفراد من نسل فرد، وعبر أقل من خمسين جيل، أصبحوا بالملايين، وكأنهم لم يتعرضوا للأوبئة والحروب وغيرها من المبيدات، التي كانت تقضي على عشرات الآلاف في برهة من الزمن.

العجيب في الأمر أن مجتمعاتنا تتميز بهذا السلوك المفقود في معظم مجتمعات الدنيا وخصوصا المتقدمة منها، وإذا ذكرت نسبك لأحدهم فأنه يبدو نوع من السذاجة ويواجَه بالإهمال.

أحدهم قال أنه من نسل فلان فأثار موجة ضحك لدى الآخرين، فهم ينظرون إليه ولا يعنيهم من أين أتى.

مسيرة الأحداث والوقائع البشرية في أزمانها، تؤكد أن المتبقي أقل من المتوفي بكثير، خصوصا عندما يرتبط الموضوع بشخص واحد دون غيره، ناهيك عن ربط الحالة بالرجل فقط.

أين نسل الخلفاء والقادة والعلماء والفقهاء وأبناء الذين صنعوا أحداث التاريخ بأنواعها؟

ما هي الإثباتات والشواهد على أنهم من نسل أولئك؟

علينا أن نعتمد الأساليب العلمية ونذهب إلى السيد (دي أن أي)، وعندها يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومن الأرجح فينا خليط من عدة أقوام بسبب التمازج المتواصل والحروب المتكررة، وما أكثر أبناء الجواري في ديارنا.

فهل يوجد نسب أصيل عندنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الإيديولوجيا بشكل أكثر تحديدًا هي أي نظام من الأفكار يُستخدم لتبرير استبداد جماعة أو فئة ما على جماعة أو فئة أخرى، مع تزويد هذا الاستبداد بشرعية معينة. العقل الإيديولوجي قادر على تبرير الأمور لإثبات صحتها، وما نحتاجه هو عقل موضوعي بدلاً من عقل إيديولوجي.

العقل الموضوعي يحركه الأسباب الأخلاقية التي تحكم جميع أفعال الإنسان، بينما العقل الإيديولوجي يستخدم السرقة والقتل لإيجاد أسباب لهذه الأفعال أحياناً .. إن السرقة والقتل، وبالتالي العديد من الفعاليات الرديئة، سيتم القضاء عليها إذا وُجد سبب يبررها، خاصة إذا كانت هذه الأفعال مقدسة وكانت الطروحات التاريخية المصطنعة في نظر البعض تدخلهم جنات تجري من تحتها.

نعم، أصبح العديد من المتدينين في الواقع أشخاصًا مسالمين لأنهم تمكنوا من رفض العديد من المعتقدات واستطاعوا فرض ثقافتهم الإنسانية على المعتقدات التاريخية - التلقينية، كما بقي الإيمان بالديانات الأخرى لأنهم وجدوا في هذه الديانات استقرارًا نفسيًا وروحيًا وتفسيرًا للمجهول.

ومع ذلك، كانت هناك مجموعة أخرى تولت كل هذه الأفعال وبدأت بتطبيقها على الواقع، مما أدى إلى أعمال سرقة ونهب وقتل بشعة، شهدها العراق خلال تسعينيات القرن الماضي وما بعد عام/ 2003، وقاموا حرفيًا بوضع أفكار ومفاهيم ومعتقدات تتوافق مع أفعالهم في الميدان وجعلها موضع التنفيذ، على الرغم من أن الأغلبية من المواطنين شعروا أن هذه الأفعال لا تتفق مع الضمير الأخلاقي السليم.

من ناحية أخرى، وجد السلفيون المتطرفون مبررًا لأفعالهم أيضاً ، وبالتالي كان السلفيون المتطرفون التجسيد الحقيقي للمعتقدات المنصوص عليها في طروحات السلف الصالح، الذي يأمنون. وسوريا اليوم أنموذج حي لما يفعله السفهاء من الفصائل الأرهابية المجرمة التي يطلق عليها البعض بـ (الفصائل المسلحة).

ما دفعني لكتابة هذه الكلمات هو انتشار السرادق التي تقدم الشاي والماء للمارة في مدينتي، وعندما سألت عن سبب بناء هذه السرادق، أجابتني مواقع التواصل الاجتماعي بأن هذا اليوم الخميس الموافق 5 كانون الأول 2024 ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام (الرواية الثالثة).

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

 

الرسالة التي وصلت من فيديو فوضى مجلس النواب، تقول بوضوح ان على الشعب أن يكون "خيال مآته" لا يحق له الاعتراض على القوانين، وليس من حقه معرفة ما يجري في الغرف السرية لرؤساء الكتل. من يشاهد الفيديو جيدا ويسمع تصريحات ما يسمى بنواب الشعب يكتشف أننا تجاوزنا المراحل الكوميدية والتراجيدية ودخلنا إلى مشاهد السخرية التي تتيح للنواب المقايضة على مطالب الناس ومستقبل ابنائهم .

عندما يصر محمود المشهداني ان يرفع شعار " صوتلي وصوتلك " فانه يذكرنا بما قاله ذات يوم من على احدى الفضائيات: " نحن لا يهمنا من يصبح وزيرا او رئيسا للوزراء، .. اللي ما ينطينا ما لاتنا نزعل عليه، واللي ينطينا نرضى عليه، ومراح نفكر بأن هذا مسؤول مهني لو مو مهني، يشتغل زين لو ما يشتغل زين، هاي مسألة ما تهمنا، المهم ينطينا المالات ".

عندما ازاحت امريكا وليس احزاب السلطة نظام صدام، كانت الناس تأمل بقيام عهد جديد تكون فيه الكلمة الاولى للمواطن، ولم تكن الناس تتوقع ان تتحول التجربة الديمقراطية الى مزاد تعرض فيه القوانين والمناصب، بالأمس شاهدنا وسمعنا نوابا همهم الاول اقرار قوانين ترسخ الطائفية والمحسوبية والانتهازية، وشاهدنا كيف يتم تسخيف قبة البرلمان، وليخبرنا النواب بصريح العبارة ان هناك واقعا على الشعب ان يتقبله راضخا، هذا الواقع يقول احزاب وتكتلات سياسية تمثل طوائفها ولا علاقة لها بالوطن، واصوات نواب كأنها صدى للعصور الوسطى، ومناخ تغلبه المنفعة، وقوافل سياسية متجهة الى الماضي وتكره المستقبل، ونواب يدافعون عن سلامة دول الجوار اما امن الوطن وسلامه فيأتي بالدرجة الثالثة . وبعد ان كان المواطن يأمل باقامة الدولة المدنية، اصبح العراق اقرب الى الدولة القبلية .

يتحدّث معظم السادة النواب، عن الوطنية، وهذه مسألة بحاجة إلى تحليل من خبراء علم النفس. لا يوجد شيء واحد أكثر بشاعة من اللعب على القوانين سوى الفساد، لذلك هناك قاعدة واحدة للوطنية، إما اقرار قوانين لمصلحة الناس وتنمية البلد والاتجاه به الى المستقبل، وإما الانحياز للطائفة والعشيرة ونهب اموال الدولة باعتبارها مالا مشاع بالجملة. وهناك شرط واحد للعمل السياسي الحقيقي، هو الإيمان بالوطن، وهذه قضايا لا تقبل استثناءات.

ليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها البرلمان بامتحان السياسة، فهو يفعلها في كل مرة يتم فيه تغليب مصلحة الاحزاب على مصلحة البلاد . وايضا ليست المرة الاولى التي نشاهد فيها هذه الفيديوهات الفضائحية، ولن تكون المرة الاخيرة التي نجد فيها مجلس النواب بعيد كل البعد عن هموم الانسان العراقي .. ثمة ازمة وطنية في دهاليز السياسة العراقية.

***

علي حسين

 

حدثت الثورة الفرنسية عام /1789، وتم استئصال الدين من فرنسا، وفصله عن الحياة اليومية واقتصاره على الكنيسة، كذلك بدأت بفصل السياسة عن الدين، وبين الدين والأخلاق والاقتصاد والعلوم والفن والحكومة، تم فصلهم عن الحياة اليومية وفصلوا جميع جوانب الحياة.

ولا تكتفي – العلمانية الأوربية – اليوم بفصل هذه القضايا عن الدين، بل تعتبر أن الدين مبني على أساطير وأوهام وخرافات، يستغله الكهنة وصغار رجال الدين، ويعارض التقدم والتجديد والحضارة.

وهكذا أنشأت الثورة الفرنسية عنصراً علمانياً في الحضارة الغربية، والذي أصبح رصيدها الأساسي وتجلى في محورها الفكري الرئيسي، «العلمانية». وهذا هو العداء للدين، ومحاربة الدين، وتقييد الدين، وحصر الدين في الكنيسة وعدم التأثير أو التدخل في كل أمور الحياة الأخرى، مثل الاقتصاد والعلم والأسرة والمجتمع وغيرها.

وبعد ذلك، انتشرت وتجذّرت مبادئ الثورة الفرنسية المتمثلة في فصل الدين عن السياسة، وحصر الدين في الكنيسة وعدم التدخل في شؤون المجتمع، انتشرت العلمانية في جميع أنحاء أوروبا خلال الفترة القصيرة للثورة الفرنسية.

هذه الثورة التي مر عليها 235 عام غيرت أوربا والكثير من دول العالم وجعلت من أوربا مركز أشعاع فكري حتى يومنا هذا.

ومن خلال مسيرة حياتنا الطويلة نجد في عالمنا العربي والإسلامي الكثير من رجال الدين يتدخلون في السياسة واقتصاد البلد ومسيرته الاجتماعية والثقافية، وقد سرق البعض منهم أموال الشعب وهرب بها الى الدول العلمانية ليترفه بها هو عائلته الكريمة.

وبما إن كافة العلوم بما فيها علوم الاقتصاد والعلوم الاجتماعية لها نظرية تسمى "الإنتاج البشري" التي يتم طرحها لتفسير وتحليل ووضع الحلول للمشكلات التي تدخل في نطاق اختصاصها.. لكن هذه النظريات ليست «ثابتة» بل «متحركة» نتيجة تطور العقل البشري عبر الأجيال، ولذلك تعقد "مؤتمرات" كل عام أو كل بضع سنوات لمناقشتها وإضافة تطورات جديدة.

"لكن" عندما يتعلق الأمر بأمور الإسلام، فهو "ثابت وغير قابل للتغيير"، ورجال ديننا البارزون يعتقدون أننا يجب أن نعيش كما عاش أسلافنا الصالحون، ونفكر كما كانوا يعتقدون، ويريدوننا أن نعمل كما كانوا يعملون.. لذا، ما لم تحدث معجزة، فإننا نقف على موقفنا ونعلم أننا سنبقى على هذه الحالة إلى يوم القيامة!.

لاحظ أن الله قد جعل كتابه الكريم "يُفسَّر من جيل إلى جيل" ولا يعلم تأويله إلا الله". ولذلك، فإن جميع تفسيراتنا للآيات القرآنية يجب أن تكون "متغيرة جيليا" ونسبية في المعنى.. فالصلاحية تعتمد على تطور العقل البشري.

ونتيجة لكل ما قلته أعلاه، أعتقد أن غالبية المسلمين لا يعرفون الدين كما أراد الله، وللأسف فإن القائمين على الدين، الذين نسميهم "أهل الدين والعلماء"، يسعون لتحقيق أهدافهم الخاصة، ويغيرون بوصلة المجتمع حسب اتجاههم ونواياهم، ولكن أغلبهم بعيد كل البعد عن معنى رسالة الله، ولذلك يصبح الدين معتمداً على قصص وأساطير رجال الدين، ويُترك كتاب الله على الرف.

فمتى تحدث فينا ثورة فرنسية ولكن بطراز وطني أصيل تبعد هؤلاء من التدخل بالسياسة وأمور الاقتصاد، وتعيدهم الى مرجعيتهم الدينية التي ولدوا فيها، بعد أن فروا منها والتحقوا بدهاليز السلطات الثلاث؟.

وتحاسب (نور زهير جاسم المظفر) رجل الأعمال العراقي، ورئيس شركة المبدعون وشركة القانت للخدمات النفطية، والمتهم الرئيسي بقضية سرقة الأمانات الضريبية المعروفة بـ " سرقة القرن " ورفاقه المشاركون!.

يحكى ان غاندي كان يجري بسرعة للحاق بقطار

وقد بدا القطار بالسير.

وعند صعود القطار سقطت من قدمه احد فردتي حذائه.

فما كان منه الا خلع الفردة الثانية.

وبسرعة رماها بقرب الفردة الاولى على طريق القطار.

فتعجب اصدقاؤه !.

وسألوه: ما حملك على ما فعلت؟ لماذا رميت فردة الحذاء الاخرى؟.

فرد غاندي: أحببت للفقير الذي يجد الحذاء ان يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفده، ولن استفد انا منها أيضا.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

باحث وكاتب

الديمقراطية لكي تتحقق يجب أن تتوفر ثلاثة شروط، وهي الإقتصاد والخدمات والأمن، وبدونها لا يصح الكلام عن الديمقراطية.

البعض يحسبها تصويتا في صناديق الإقتراع، مما يؤكد الجهل المطلق بمعناها.

لو أخذنا أية دولة ديمقراطية متقدمة لوجدناها قوية إقتصاديا وعسكريا وأمنيا وتوفر الخدمات لأبنائها، وتؤثر هذه العوامل في قرارات الناخبين، وما عداه لا قيمة له ولا معنى، فهم ينتخبون مَن يجدون فيه الكفاءة لتحقيق مصالحهم.

فالإقتصاد المعاصر القوي الذي يطعم مَن جوع ويؤمّن من الفاقة والعوز من أساسيات الديمقراطية، والأمن يحتاج للقوة بأنواعها من عسكرية وقانونية ومؤسساتية، والضرورات الأخرى أن تتوفر الخدمات اللازمة للحياة السعيدة.

فهل توجد بعض هذه الشروط في الديار المدّعية بالديمقراطية؟

أين الإقتصاد الناجح والأمن والخدمات؟

لا بد من الفهم الواعي لمعنى الديمقراطية، فهي ليست كلاما وشعارات وأصابع ملونة، إنها منظومة عمل وإنجازات وجد وإجتهاد، وتفاعلات إيجابية بين البلاد والعباد ومنظوماته الإدارية.

الديمقراطية منهاج إقتصادي خدمي أمني قبل كل شيئ، وليست نظاما سياسيا كما يتوهم الجاهلون بها.

لكي نتحدث عنها، لا بد من بناء إقتصاد قوي، وفرض سلطة القانون، والعناية بالخدمات بأنواعها، ليشعر المواطن بقيمته وأهميته وتتنامى مشاعره الوطنية، فيشعر بالمسؤولية والإنتماء لبلده.

أما سلوكيات الخراب والدمار والفئويات والمناطقيات والعشائريات وتقديس الأموات، ومناهضة الأحياء، وإنكار العصر، وإستحضار الغوابر والأجداث فذلك دمقراطية، أي الحكم بسفك الدماء.

فهل لنا أن نستعيد رشدنا ونعرف الديمقراطية لنتنعم بمعطياتها؟!!

***

د. صادق السامرائي

لي صاحب جمعتني به مجالس متعددة، حتى مللت مُجالسته، فتوقّفتُ عنها وتوقّفتْ عنّي، وكانت قطيعة لا بُدّ منها تداخلت فيها العديد من الأسباب، وكان احد هذه الأسباب تقديسه الإلهي لاسمين، أحدهما في عالم الادب والآخر في عالم الموسيقى، وكان هذا الصاحب ما إن تتردّد كلمة أدب أو ثقافة بيننا حتى يُعرّج على ذكر مُقدّسه الادبي ذاك، وكأنما هو الواحد والوحيد في العالم، بل كأنما النساء توقّفن عن الحمل والانجاب بعد وضع أمه له. مثل هذا كان يحصل عندما كنّا نأتي على ذكر الفن والموسيقى، وكان يزيد في تقديسه ذاك، فيتناول مِزهرَه المركون منذ أيام عاد، ويأخذ في العزف عليه عزفًا بدائيًا مليئًا بالنشاز وبالخروج عن الإيقاع الموسيقى السليم الذي عادة ما تألفه الاذن المُدربة بالفطرة والسماع.

ما إن كانت تقع الواقعة مع هذا الصاحب، وأنا اتعمّد ذكر كلمة صاحب بدل صديق، سواء كان في مجال الادب والثقافة أو الموسيقى، وأستمع إلى موسيقى ذاك الصاحب المشروخة، حتى كنت أنبري له ناقدًا موضحًا الفرق بين المَحبة وبين التقديس، ففي حين أنه من حق كلّ انسان أن يُحب وأن يكره، كون الواحد منّا حرًّا بمشاعره واحاسيسه، ليس مِن حقّه أن يفرض ذوقه الشخصي، في هذه الحالة غير المدرب أيضًا، على سواه من الناس والمُجالسين، وقد تحملت ذلك الصاحب فترة مِنَ الزمن، إلا أنني فضّلتُ الابتعاد عنه جرّاء محدوديته الفكرية وأسباب أخرى لا مجال وليس من الضروري ذكرها هنا.

اننا عادة ما نلتقي بمثل هذا الصاحب المُشار إليه، في هذا المجلس أو ذاك المحفل الادبي، وعادةً ما يكون مَن نلتقي به هذا، إنسانًا محدودًا وغير متخصّص لا في الادب ولا في الموسيقى وانما هو إنسان عاديّ، وربّما أقلّ قليلًا مِن الانسان العادي، أقول مثل هذا الكلام لأنني أفرّق بين رأي المُثقّف النموذجي والمُثقف العادي وفق تعبير الكاتب الإيطالي البارز اومبرتو ايكو، صاحب اسم الوردة وتمييزه بين هذين. فشتان بين رأي ذاك وذا، وهذا موضوع آخر بالطبع.

بالعودة إلى موضوع حديثنا، المَيل والمحبة من ناحية والتقديس من أخرى، متوقّفين عند التقديس الممجوج، الذي يدُل على محدودية ثقافية ومعرفية، أضيف، انه يوجد في بلادنا وفي عالمنا العربي المُحيط بنا، الملايين مِن أمثال ذاك الغضيب، صاحبي المُنوّه إليه، ولم يتوقّف ما نقوله عن هذا، على عامة الناس وانما تعداه إلى علية القوم الثقافية، إلى النقّاد والكتّاب وقبلهم إلى المؤسسة الثقافة للأسف.

محمود درويش، من بلادنا، نجيب محفوظ، مِن مصر، نزار قباني من سوريا ولبنان، هذه الأسماء باتت منذ سنوات بعيدة أسماء مقدسة، تُذكّر بالأبقار الهندية، وذات صورة تعلو على النقد وتصل حدّ القداسة والطوطمية الأدبية، فنجوم هؤلاء طغت على كلّ النجوم، فبدت كما قال النابغة الذبياني مُبالغًا ومتملّقًا ممدوحه، المُنذر بن النعمان، واصفًا إياه بأنه كأنه شمس والملوك كواكب، شمس إذا طلعت لم يبدُ منهن واحد. المقصود بقية الملوك المُشبّهين بالكواكب.

يقف وراء ظاهرة التقديس هذه، في رأيي أكثر مِن سبب، منها ظهور هؤلاء الطاغي بعد دعم مؤسسات سياسية واجتماعية لهم لأمور في نفسها، ومنها توفر الشروط الملائمة سواء كان من توقيت مؤات ومناسب، أو دور نشر قديرة ومتمكّنة، ولا أنفي بالطبع اجتهادهم الشخصي، الذي عادةً ما اتصف في بداياته كلّ ترويج بالمبادرات الشخصية الذاتية، وكي لا أكون مُجحفًا ولوّ حتى بيني وبين نفسي، بإمكاني القول عن هؤلاء إنهم بذلوا كلّ ما يُمكن لإنسان ان يبذله مِن أجل التجويد في الابداع وبالتالي الوصول إلى ما أرادوا أن يصلوا إليه مِن مكانٍ ومكانةٍ.

أما أولئك المقدسون، لاحظوا أنني ابتدأت اتنازل عن كلمة الميّالين والمحبين، فإن مشكلتهم أكبر أوسع وأعم، فهذه المُشكلة تتضمّن في داخلها العديدَ مِن المشاكل، أشير فيما يلي إلى بعضٍ منها، فنحنُ عندما ننتقل إلى التقديس الشخصي لهذا المبدع أو ذاك، وهذا الكلام يشملُ المبدعين المُقدّسين المذكورين آنفًا، إنما نقوم بالعديد من التجنّيات، المُوبقات والمكاره الثقافية، فنحن بتقديسِنا هذا لهم، نُمارس أقسى وأتفه ما يُمكن أن يقوم به إنسان.

فنحن بهذا نقول دون ان نقول: إن العالم توقّف عند هذا الشخص أو ذاك وإن هذا الشخص بلغ ذُروةً عاليةً سامقةً مِنَ الصعب، وربّما مِن المُستحيل، كما يتجلّي من ظاهرة التقديس، أن تُولد البلاد أو الام التي أنجبت هؤلاء مواليد ومبدعين مُستقبليين مثلهم. أما ما يُثير في الامر هو التناسي المقصود حينًا وغيره آخر، أن الحياة ولّادة، وأنه لا يوجد مُبدع إلا وأتى بعده مُبدع آخر مُستحق، إذا لم يتفوّق في إنتاجه بإمكاننا ان نقول انه يوازي آخرين يقفون في القمم السامقة.

لقد شغلت هذه الظاهرة عددًا مِن النُقاد والمُفكرين العرب، فرأينا منهم (رجاء النقاش)، مَن يكتب مقالة يضع لها عنوانًا لافتًا هو " هل يصبح نجيب محفوظ عقبة في تطور الرواية العربية؟، كما رأينا مَن يتوقّف عند نزار قباني أو محمود درويش رائيًا في كلّ منهما صوتًا طاغيًا ولا يُمكن تجاوزه ابداعيًا، وقد المحت إلى هؤلاء بتحفّظ كبير، لأنهم لم يروا للأسف أيضًا غير قباني ودرويش!!.

هذه الظاهرة المُريعة التي يمكن وصفها بأنها ظاهرة إيجابية في ظاهرها، كونها تسلّط الأضواء على مَن يستحق، ما هي الا ظاهرة تدميرية، لا تستفز المبدعين الآخرين فحسب، وإنما هي تزرع الحسرةَ في قلوبهم وأرواحهم المُرهفة، وهي في أبسط ما تؤدي إليه، تؤدي إلى منح القلة وحرمان الكثرة. إنها ظاهرةٌ بدائيةٌ، اعتقد أن الشعوب المُتقدمة قد تجاوزتها منذ آماد بعيدة، إنها باختصار ظاهرة تُشبه وتُذكّر بظاهرة الطوطم، والطوطم لمن لا يعرف هو أي كيان يُمثّل دورَ الرمز للعيلة والقبيلة، وأحيانا يُقّدس باعتباره المؤسس أو الحامي الذي لا حامي سواه!.

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم