أقلام حرة

أقلام حرة

علة الأمة في مفكريها، ليزعل مَن يزعل، وليغضب مَن يغضب . الأمة المتهم الأول بقتلها مفكروها!!

ماذا قدم المفكرون؟

جميعهم يطاردون سراب "لماذا"، ويخشون الإقتراب من "كيف"!!

إستمعت لمحاضرات لمفكرين يهدفون إلى التجديد والتغيير، وهم يتحركون في دائرة لماذاوية مفرغة، وفي النهاية ما هي التوصيات العملية القابلة للتنفيذ؟

لا شيئ، لوم وتبرير وتسويغ وترسيخ لما هو قائم، وتعزيز للكائن، لأنه المعبر عن الإمكان الذي لا نستطيع الإتيان بأفضل منه.

المفكرون في مجتمعاتنا "يعيدون ويصقلون"، ويدورون في فلك "لماذا"، ولا يقدمون أسبابا واضحة لتمسكهم بها، وعدم قدرتهم على مغادرة خنادقها الظلماء.

المفكرون يستنسخون، ويستحضرون نظريات الآخرين ويفرضونها على واقع لا يعرفها.

فتحرروا من أصفاد "لماذا"!!

ولا تقدموا لنا مشاريع صامتة مخبوءة في الكتب المرفوفة.

نريد خرائط عمل ذات توصيفات واضحة وآليات تطبيقية متوافقة مع الواقع.

لا نريد معطيات الصوامع والتحليقات في فضاءات الخيال البعيد.

فهل نستطيع التفكبر الواضح، ونمتلك الجرأة لإعمال العقل في صناعة حياتنا المعاصرة؟

لا نريد طروحات نظرية، نريد حلولا تطبيقية!!

و" دليل عقل المرء فعله"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ساد التنوع في أول دولة إسلامية أسسها النبي محمد (ص) في المدينة المنورة، وقد وضع النبي محمد (ص) أسس العلاقات بين طوائف هذا المجتمع الناشئ في وثيقة تسمى (وثيقة المدينة المنورة).

ثم توسعت الدولة الإسلامية في جميع أنحاء الجزيرة العربية في عهد النبوة والخلافة الراشدة، وفي العصور الأموية والعباسية والعثمانية، وفي فترة الحكام غير العرب وخلفائها.

 وهكذا زاد تنوع الأمم في ظل الحكم الإسلامي، أذ دخل الإسلام أناس من مختلف القبائل والشعوب، وخضعت مجموعات كبيرة من ديانات كثيرة معروفة وغير معروفة في شبه الجزيرة العربية لسلطة الخليفة.

ورغم اختلاف العرق واللون واللغة والثقافة والدين بين كل هذه الشعوب، إلا أن الانسجام ساد في علاقاتها مع بعضها البعض ومع الدولة والسلطان، وأصبح هناك توافق وعلاقة جيدة.. ولم يعرف المجتمع الإسلامي مفهوم الأقليات العرقية منذ قرون، باستثناء ما حدث نهاية الدولة العثمانية في 29 أكتوبر 1923.

ولم تتوقف دول العالم الكبرى عن طرح فكرة الأقليات العرقية حتى بعد استعمارها للدول العربية والإسلامية، واستمرت في متابعة المرحلة التالية المتمثلة في إنشاء الدول القومية العلمانية والوطنية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية الخاوية.

وفيما يتعلق بنشوء مفهوم الأقلية، فإن مفهوم الأقلية كمفهوم سياسي وقانوني لم يكن معروفا في المجتمعات الأوروبية قبل ما يسمى (عصر التنوير).

الذي جاء في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ليكمل ما بدأه عصر النهضة في القرنين السابقين، كردة فعل طبيعية للظلم والقهر والاستبداد الذي كانت الشعوب الأوروبية تعاني منه على أيدي السلطة السياسية ممثلة في الملكية، والسلطة الدينية ممثلة في الكنيسة، والسلطة الاقتصادية ممثلة في الإقطاع.

أذ تقوم الحكومة على النظرية الثيوقراطية، التي يحكم فيها الملك أو الحاكم باسم الله والدين، وبحسب هذه النظرية فإن السيادة للملك وليس للشعب، وكان الملك هو الحاكم وحكمه معترف به وهو الذي يضع القوانين ويعطلها ويلغيها.

وعندما تحرر الفكر الغربي من سطوة الكنيسة وبدأ في التمرد على الفكر الكنسي والديني، تبنى نهجا عالميا وجعل من الفرد موضوع اهتمامه، ورغم أن شعارات الثورة الفرنسية كانت ذات طابع عالمي (الحرية والأخوة والمساواة)، إلا أن الفكر الغربي واجه أزمة أيديولوجية.

 وعندما حاول السياسيون تنفيذ هذه الأفكار والخروج من هذه الأزمة من خلال القضاء على النظرية الثيوقراطية، طرح فلاسفة الغرب فكرة الدولة العلمانية.

إن مفهوم الأقليات في الفهم السياسي والقانوني الغربي مفهوم مهم للغاية بالنسبة للمجتمع البشري، فمجرد وجود اختلافات عرقية ودينية ولغوية وثقافية يفترض وجود تنافر وصراع بين الأقليات والأكثريات من جهة، وبين الأقليات من جهة أخرى.

 كما قامت الشيوعية على وجود الصراع بين الطبقات الاجتماعية، وبين العمال وأصحاب العمل، لكن هذه الاختلافات طبيعية في المجتمع وجزء من الصراع الفكري بين الحاكم المستبد والفكر الفلسفي والاقتصادي وإرادة الشعوب الراغبة بالتغيير.

وأما ما وقع من خلافات وصدامات ضد أهل الكتاب وعدم إنصافهم فإن الشعوب بريئة من ذلك، ولم تكن إلا حالات نادرة في التاريخ الإسلامي الممتد عبر ثلاثة عشر قرنا، كما شهد ناس من المنصفين والمستشرقين غير المسلمين بعدل الإسلام وسماحة المسلمين مع غير المسلمين من الرعايا.

وأخيرا نؤكد على حقيقة لا بد من فهمها وإدراكها، وهي أن مشكلة الأقليات هي مشكلة عالمية، وأن علاجها يجب أن يكون عن طريق الدولة العلمانية الديمقراطية، لأنها هي التي ولدتها، وأما بعض الدول العربية والإسلامية التي يراد أن تكتب لها الحياة فهي تخالف ما عليه دول العالم من تطور هائل في مسار الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية.

كما لا يوجد شيء اسمه - الوطن العربي- كما روجت له الأحزاب القومية العربية – الاشتراكية في مطلع ومنتصف القرن العشرين، بل العرب هم أهل الجزيرة العربية فقط.

* مصر: هي خليطٌ من العرب والقبط والأمازيغ والإفاقة وأجناس أخرى.

* المغرب الإسلامي: فإنّه يتكوّن بشكلٍ أساسيّ من الأمازيغ أو البربر ثمّ العرب والإفاقة وأجناس أخرى.

* أهل الشّام: هُم خليطٌ من الآراميّين والسّريان والأنباط والعرب.

* العراق: وهو خليط من السومريين والاكديين والكاشيين والفرس والهنود والإفاقة والترك والكرد والعرب والاذريين والشيشان والالبان والافغان.

فليعلم الجميع أن الحكم العلماني قادم لا محالة ولا نجاه للمسلمين ولا للبشرية كلها من ظلم المتأسلمين الأصوليين، وحينها سيعلم غير المسلمين أن الخير كل الخير هو في العيش في ظل دولة ديمقراطية عادلة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالوطنية وحسن السلوك.

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

قالوا له ستقتحم ديارنا الدبابات، فقال لهم: نرميها بحفنة تراب!!

وأصيب الآلاف وسمعنا مَن ينادي: لا تخافوا ولا ترتعبوا سننتصر عليهم!!

ترى هل يكفي الإيمان لمواجهة الإقتدار التكنولوجي، والتطورات البرمجية الإليكترونية، وجحافل الطوابير الإنترنيتية؟

نحن في عصر مادي بحت، تسيطر على إيقاعات مسيراته، الثورات الإبتكارية في عوالم خفية، لا تدركها عقول المجتمعات التي لا تزال تطارد خيوط  دخان، وتريد نفخ الروح في أفكار وتصورات الذين تحولوا إلى رميم منذ قرون وقرون.

الحياة معاصَرة ولا يمكنها أن تكون ماضوية، فدوران الأرض يقضي بولادة الجديد، ويأبى إعادة الماضيات، فذلك مخالف لطبائع الأمور.

فالماضي المستحضر بإنفعالية كالركام الذي يدثر عناصر الحياة ويمنعها من التفاعل السليم.

فلماذا تجدنا عندما تداهمنا النكبات، نسير إلى الوراء، ونتعلل بالإيمان، وما عرفناه بسلوكنا، ولا عبرنا عنه في تفاعلاتنا البينية، فما أسرعنا للنيل من بعضنا، وتأمين إيماننا بقتل الذي يخالفنا بأي شيئ.

الإيمان عمل، وأعمالنا لا تعبر عن إيماننا، فكيف نلجأ إلى حالة غير موجودة عندنا؟

الإيمان الموهوم لا ينفع، ومن الواجب أن يكون إيمان بالذات والموضوع، ومبشرا بعطاءات أصيلة على كافة المستويات.

إيمان العقل هو المنصور، وإيمان العواطف والقلوب هو المهزوم والمأزوم؟

فأين عقولنا المؤمنة؟

ولماذا نبقى نتراقص على هامش الحياة، كالطير المذبوح من الألم؟!!

و"لا يكفي أن نؤمن، بل علينا أن نمارس إيماننا"!!

فعلينا بالجد والإجتهاد والتوثب إلى صدق العمل!!

***

د. صادق السامرائي

في مقال سابق نشر بتاريخ 7/9/2024 في صحيفة المثقف الغراء تحت عنوان (حدود الدين وحدود السياسة، إلى أين؟)، تحدثنا عن موضوع حيوي ومهم لتطور البلاد والعباد في الوطن العربي والعالم الاسلامي على حد سواء، وأكدنا على ان للدين حدود ينبغي ان لا تمسها السياسة، والسياسة ينبغي ان لا تحشر نفسها في الدين لكي يتجنب المجتمع ويلات التداخل بين الدين والسياسة التي طالما عانت منه شعوب اخرى في دياناتها، المسيحية مثلا بين طوائفها الكاثوليكية والبروتستانتية والارثدوكسية والتي اسفرت عن مجازر وارهاب وتطرف وتكفير الاخر وفرض الوصاية عليه من طرف على اطراف اخرى واعتماد حالة (ظل الله) على الارض في الحكم والله بريئ من ذلك (وخلقناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).. هذا هو شرع القرآن الكريم في نصه المقدس الذي لا يعلو عليه أي نص دنيوي.

فلماذا الاصرار على حشر السياسة بالدين؟ ولماذا يتعمد رجال دين من كل صنف ولون، اسلاميون و(مسيحيون) و يهود وبوذيون وغيرهم على التعامل بأدوات السياسة التي هي ليست من شأنهم؟

قد يقول البعض (إن الدين سياسة)، وهذا ليس صحيحاً، لأن في هذا تداخل بين المقدسات والمدنسات. والبعض الآخر قد يقول (ان السياسة تقتضي استخدام الدين للوصول الى اهدافها)، وهذا لا يجوز، لان الدين ليس وسيلة للإستخدام في السياسة. ويقول أخرون ان الاحزاب الدينية هي التي تتقصد تطويع الدين في السياسة. وهذا عمل يسيئ الى الدين، لأن وسائل السياسة تلوث النصوص المقدسة، كما أن الدين لا يسيس في التعامل الاجتماعي إنما يلقن بصيغ الإرشاد والمواعظ والدروس الفقهية والشروحات والتفسيرات التوضيحية التي لا تخرج عن نطاق النص، والنص المقدس لا يجوز تعديله او تحريفه.. والفتاوى ليست نصوصاً مقدسة.. النصوص المقدسة منزلة قرأنياً، والفتاوى من صنع البشر، والبشر قد يخطئون ويضخمون ويقزمون ويمكرون ويكابرون.

فالواجب إذن ، ان يكون الدين في نصابه ، وأن تكون السياسة في نصابها ، الدين في أروقة المساجد والمعابد وبيوت الله ، والسياسة في اروقة البرلمانات والمؤسسات وغرف صنع القرارات التي يناور فيها صناعها.. ويكون المجتمع قد تخلص من التداخل وتكون السياسة قد تخلصت من الإزدواجية.. و(التداخل والإزدواجية) يعيقان تطور المجتمع والدولة على حد سواء.. والأصلح موضوعياً وعملياً أن يعظ رجال الدين في المساجد ويحاضر رجال السياسة في المؤسسات.. كل له حقله رجل الدين في الوعظ والارشاء والافتاء ورجل السياسة في بناء الدولة ومؤسساتها وسياساتها الخارجية ويستلهم (روح الدين) في البناء الروحي للمجتمع.. ولا اجتهاد في النصوص المقدسة خوفا من التفسيرات الخاطئة والتحريفات المغرضة.

الإيمان بروح الدين الإسلامي الحنيف هو (الثابت)، الذي يؤكد على العدل والانصاف والمساواة والتكافل الاجتماعي وحرية الرأي والرأي الآخر.. أما السياسة فهي (المتغير) الذي يعول عليها في بناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على مقومات (العصرنات) الأربع 1- التعليم 2- الزراعة 3- الصناعة 4- الإرواء.

الإيمان بروح الدين، يرفض التعصب ويرفض الغلو ويرفض الإكراه ويرفض الإرهاب ويؤكد على العدل والأنصاف.. والايمان بروح السياسة الوطنية، يؤكد على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحرية وعدم الإرتهان للأجنبي وصيانة الإستقلال الوطني. 

الإيمان بروح الدين والإيمان بروح الوطنية هما اللذان يعول عليها في بناء المجتمع والدولة.. فالسياسة الوطنية تستخلص من منهج الدين روحه النبيلة إيماناً عميقاً بأن لا جسد بدون روح ولا روح بدون جسد.!!

والله المستعان

***

د. جودت صالح

19/ 09/2024    

إن اللغط الذي رافق مناقشة تعديل فقرات من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ميلادية والذي مضى عليه أكثر من ستين سنة ولم يُعدل إلا في الآونة الأخيرة وبشكل ملفت للنظر من حيث التوقيت والأسلوب ونوع الفقرات التي يُراد تعديلها حيث سببت كثيرا من المناقشات الجدلية الرافضة والقابلة لها وهذا الدفاع المستميت من قبل كثيرا من رجال الدين والذين لم ينتبهوا إلى خطورة هذه التعديلات الاستفزازية للمجتمع الذي يسير نحو المدنية ومحاولة التعايش مع الواقع الجديد الذي يفرضه التطور الحاصل في العالم والحياة العامة للأمم الأخرى وهذا ما أدلت به الجهات الرافضة لهذه التعديلات فقد سبب هذا المشروع شرخا اجتماعيا في النسيج العراقي ومؤسساته المدنية والأسرة التي ترى من وجهة نظرها أنه مجحف للمرأة والطفولة ومكونات الأسرة العراقية مما دعت إلى ارتفاع الأصوات المدافعة عن حقوق المرأة والطفولة بعد محاولة رجال الدين وبعض مؤسساته السيطرة والهيمنة من جديد على رسم سياسة الدولة والمجتمع التي باتت أفكار هذا التيار بعيدا عن طموحات الشارع العراقي والمجتمع وصعوبات العيش فإذا كانت هذه القرارات من وجهة نظر رجال الدين أنها من الشريعة الإسلامية ومبادئها وقيمها فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز وعلى نبيه الكريم محمدا صلوات الله عليه وسلامه (أحكم بالعدل وأمر بالعرف) وأن الأعراف الاجتماعية لا تبيح لهذا السن الصغير والمحرج الزواج لأسباب عدة منها فسيولوجية ونفسية وعقلية وأخلاقية وليس هناك سند منطقي وتشريعي معتبر لهذه الفئة العمرية من الزواج والتي أثارت الجدل مؤخرا بين أوساط المجتمع العراقي وأما الحضانة للرجل والمرأة فأنها مسألة تُدرس من قبل مختصين واختصاصي القانونيين والاجتماعيين  واساتذة علم النفس والاجتماع يمكن أن يدلوا بدلوهم بهذا الصدد .

أن هذه التعديلات تثير جدلا واسعا في أوساط المجتمع وعدم الإجماع عليها ليس بحاجة للمجتمع العراقي لها أو إلى هكذا قوانين خلافية في الوقت الحالي والتي تزيد من المشاكل بين المجتمع الذي يترنح تحت وطأة السلبيات والمشاكل التي تعصف به أن هذه الآراء يحكم بها العرف ضمن تطورات المجتمع بالإضافة إلى أن المرجعيات الدينية المعتبرة لم تدلوا بآرائها حول هذا الموضوع وتركته للأصحاب الاختصاص ولم ترفضه أو تقبله وتركته للدولة ومؤسساتها المدنية . كان من الأولى على المشرع العراقي المهتم لشؤون المرأة وحقوقها والدين والذي طرح هذا المشرع للمناقشة أن يكون أكثر جرأة واهتماما بالواقع العراقي المتردي كالاهتمام بمكافحة آفة المخدرات التي أصبحت تفتك بالشباب والجيل الجديد أو استيعاب البطالة والخريجين وسحبهم من الشارع أو قوانين لتطوير ورفع مستوى التعليم والتربية أو قوانين مهمة ورادعة للحد من الفساد الأخلاقي والمادي والوظيفي وضرب رؤوس الفاسدين الذين عاثوا في العراق وثرواته وأعطوا شرعية مفهوم الفساد في الدولة العراقية وغيرها من المشاكل التي تعصف بهذا البلد المظلوم وأن تكون القوانين بمستوى التحدي الذي يعانيه الشعب العراقي والمسؤولية تتحملها كافة فئات الشعب وأطيافه وهذا ما يرتجيه المواطن من المشرع العراقي.

***

ضياء محسن الاسدي

 

خبر عاجل: مجلس القضاء الاعلى يساند تعديل قانون الاحوال الشخصية، وليضرب المعترضون رؤوسهم في اقرب حائط .

جاء ذلك، خلال استضافة مجلس القضاء الأعلى، اجتماع مناقشة مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل، بحسب بيان رسمي انه استضاف شخصيات،  وعند النظر  إلى صورة الاجتماع تبين ان هؤلاء الأشخاص هم النواب الذين يصرون على تشريع التعديلات، فيما استثنى الاجتماع النواب الذين اعترضوا على التعديلات، وتأكد لمجلس القضاء ان الاعلام يبالغ في الحملة ضد التعديلات وان الحياة سيكون لونها وردي بعد ان تصدر مدونة الاحكام الشرعية التي ستجعلنا نعيش بهناء وسرور .. و " توته توته خلصت الحتوته " على حد تعبير اخواننا المصريين . هكذا يزف لنا مجلس القضاء البشرى التي حاول الاعداء حجبها عن الناس، فالتعديلات تعتمد على الدستور على حد بيان المجلس الذي يؤكد انه " العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او معتقداتهم او اختيارهم وينظم ذلك بقانون"، وليسمح لي السادة في مجلس القضاء ان اطرح سؤالا: هل العراقيون يتزوجون منذ عقود من دون الالتزام باحوالهم الشخصية؟

منذ سنوات ونحن نعيش فصولا من الجدال حول سيف القانون البتار الذي لم يخش مسؤول، ولا تراجع امام نموذج نور زهير، والجميع ظل يتغنى بقرار الافراج عن نور زهير، من اجل الحفاظ على المال العام، واختال علينا البعض بعبارة ": ليس في الإمكان أحسن مما كان"، ورغم أنّ نور زهير ومن معه لفلفوا ثلاثة مليارات من الدولارات، إلّا أنّ البعض أراد أن يكتب النهاية السعيدة للمسلسل، من اجل تصفير مشاكل البلاد، من اجل ظهور نور زهير جديد .

السادة الذين اعتبروا ان تعديلات قانون الاحوال الشخصية تصب في مصلحة المواطن اتمنى عليهم ان يتحملوا " مواطن مشاغب " مثل جنابي، يبحث عن نسمة عدالة، يتأكد أنّ هذه النسمات حلال على فئة معيّنة، وحرام على البعض، واتمنى عليهم ان يعرفوا ان العدالة تعني حكم القانون، شرط أن يكون عادلا، وحكم القضاء شرط أن يكون نزيهاً، ولعل أفضل ما يفعله القضاء هو ان تكون قراراته لصالح الناس لا لصالح مجلس النواب، لأن أمام القانون يجب ان يكون هناك فرق بين مواطن يطلب العدالة، ومسؤول يضحك من العدالة وقوانينها .

والآن دعونا نتساءل: هل تعديلات قانون الاحوال الشخصية اهم للمواطن؟ أو من محاربة الفساد المالي والاداري والرشوة المنتشرة في معظم مؤسسات الدولة والمخدرات التي تنخر بجسد العراق .. ايها السادة، الناس بحاجة الى قوانين تأخذهم الى المستقبل، وقديما قال المرحوم افلاطون " عندما يصمت القانون تصمت معه حركة الحياة.

***

علي حسين

أنظمة الحكم في دول الأمة، منهج حكمها أنها تبدد طاقات الشعوب المتسلطة عليها، وذلك بالإجتهاد في إبداع الملهيات اللازمة لإشغالها بهموم يومية قاهرة، تمنعها من التأمل والتفكر بحقوقها وما تقوم به الكراسي من مفاسد وإستحواذ على الثروات الوطنية.

فالشعب مشغول ببعضه، ويئن من القوانين المفروضة عليه، القاضية بالقبض على مصيره، وتحجيم دوره، وتحويله إلى موجود بلا قيمة أو معنى، فالشعوب أرقام في عيون الحكام!!

ووفقا لهذا المنطلق، يتحقق إنهاك الشعوب وتفريغها من طاقاتها الإيجابية، وتأجيج الطاقات السلبية فيها، اللازمة لتأمين الإنشغال والتفاعل التصارعي بين أبناء الوطن الواحد.

ومن أفظع أساليب الإلهاء والإستهتار بالوجود الإنساني للشعوب، إستعمال الدين كوسيلة للتدمير الذاتي والموضوعي، والعمل بمعطيات الطائفية والمذهبية المقيتة، وإيهام الناس بأن الصراع ديني، ومن ضرورات التقرب إلى الرب المعبود، وفي جوهره صراع سياسي، وتقاتل على الكراسي والمناصب والأطماع، والقدرة على الإستحواذ الأكبر.

لا يوجد صراع ديني بين أبناء الشعب الواحد، بل يتم توريط الدين كقناع لتمرير نوازع وتطلعات النفس الأمارة بالسوء الفاعلة في الذين دينهم هواهم.

وهكذا صارت التحزبات ذات طابع ديني، والنشاطات القائمة في المجتمع ذات توجهات مذهبية، وآليات تبعية وتقليد للذين يطمعون في البلاد والعباد، ويضعون مصالحهم فوق كل شيئ.

ويبقى المسخَّرون لتمرير أجندات الطامعين، يتحركون على إيقاع أوهامهم، وتصوراتهم التضليلية، وهم كالمنومين السكارى بالبهتان لحد الثمالة والغثيان.

فمتى سيستيقظ أبناء الوطن المبتلى بالمأجورين، والمنفذين لأوامر الآخرين؟

"تنبهوا واستفيقوا أيها العرب

 فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

*

ألفتم الهون حتى صار عندكم

طبعا وبعض طباع المرء مكتسب

*

وما دماؤكم أغلى إذا سفكت

من ماء وجهٍ لهم في الفحش ينسكبُ"!!

***

د. صادق السامرائي

9\6\2024

 

يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذية وتحافظ عليه. لأن الثقافة السياسية للنخب السياسية ذات أثر لا يجوز تجاهله في مرحلة الانتقال إلى الحكومات المتحررة من الدكتاتورية من دون أن يقلل ذلك من أهمية توافق النخب على الالتزام الخيار الأنسب كشرطًا أساسيًا في أوقات الانتقال للخيار وان اي  نقاش حول الثقافة السياسية يكون ناقصاً دون ان يكون للدين دور تقييمي له. وكمصدر للقيم الاساسية فيه، فإن الدين يعتبر مكوّناً هاماً في الثقافة السياسية في كل الازمان وهنا لا اعني ان يكون كل النظام ديني انما  تطبيق المفاهيم الاخلاقية  في الممارسات ولكون ان المغريات في الوقت الحالي تكون الحاجز في الوصول للحكومة الدينية لذا نحتاج الى وقت لتغيير المجتمعات فكريا وثقافيا لمراحل تطبيقاته ولكن يمكن الاعتماد على الركائز الدينية في الاخلاق لادارة الدولة. و الدين يمنح الشرعية ولا يستمدها، فبإمكان القادة الدينيين ان يكونوا حرّاس للثقافة السياسية ومن الواضح يصعب الحديث عن ثقافة سياسية مستقلة نشأت من المجتمع وتجاربه، لتجد تعبيرها من خلال النظام السياسي الذي يمثل قيم هذه الثقافة. في العادة، تُلحق الأنظمة الاستبدادية، خصوصاً الشمولية منها كما في نظام  حسني مبارك في مصر وصدام حسين في العراق أو نظام معمر القذافي في ليبيا او النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي في ظل حكم جوزيف ستالين أوغستو بينوشيه في تشيلي وأفغانستان الحالية وكوريا الشمالية والصين الشعبية وعشرات الدكتاتوريات الاخرى من الحكومات العديدة التي ادارة وتدير المجتمعات بالسلطة الحاكمة بقوة الدعاية الموجهة والسلاح والمركزية التي روجت لأفكار سلطوية تخدم تلك الانظمة الحاكمة وبإمكانات القسر الأمني التي تعاقب على الأفكار الممنوعة والمحرمة المناقضة للنظم السياسية تلك.

بلا شك لا يمكن الانكار من كون ان مثل هذه الحكومات الفردية في  توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة' الديمقراطية ' والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة فيها فتور الايمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة لكون ان الحكومات الديمقراطية الممنهجة فكريا تتطلب منها  ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أي اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الإنسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.

الاتجاه نحو النظام السياسي الحقيقي والذي ينبعث من المصداقية هو الإيمان بضرورة الولاء له والتعلق به والضرورات بالإحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة. كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلي. بالإضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية في الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التي تحددها الدولة.  فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذية المعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

الأديان من الأخطار البشرية، لأنها الأداة اللازمة لتحرير ما تشتهيه النفوس الأمّارة بالسوء، وربما تكون  مخترعات، لأنها ما حققت العدل والحرية والسلامة الإنسانية، ومرّغت أطهر القيم والمعاني في أوحال الهوان والتنكيل.

بإسم الأديان تُرتكب الفواحش وتصبح قوانين الغاب مقدسة، وبإسمها تزداد الجرائم والخطايا والآثام، التي تجد لها منافذ للتوبة والتطهير بفعالية طقوسية مخادعة، فتتنوع أساليبها وغايتها واحدة، وبموجب إرادة الأديان وجوهر منطلقاتها، تكون المجتمعات المبتلاة بما هو ديني في أخفض حالات الإقتدار.

ويحدثنا التأريخ بأحداث عديدة عن كيفيات النيل من الفضيلة وسيادة الرذيلة بإسم الدين.

وعندما يتحول الدين إلى حركات سياسية وأحزاب ومجاميع، فالجرائم تبلغ ذروتها وتحقق أبشع ما يمكن حصوله، فمحاكم التفتيش تحمل أدلة دامغة على ذلك ، والحروب الصليبية والصراعات بإسم الدين بأنواعها.

ولا يمكن تنزيه الدين من الإثم المبين، فالدين يقتل أبناء الدين بإسم الدين، وينشر الفحشاء والمنكر بإسم الدين.

وفي الزمن المعاصر، هناك العديد من الأحزاب المؤدينة، التي نشرت الفساد والظلم والقهر والإمعان بتدمير الأوطان والمواطنين، والتفاخر بالحكم بالحرمان والنهب والسلب ومصادرة حقوق الإنسان.

وفي بعض المجتمعات صار الفساد دستورا ومناهجَ  وقوانين، والنيل من إبن الوطن كطقس عظيم للإيمان القويم.

وهكذا فالأديان توفر للبشر ذرائع لإرتكاب الخطايا بقلب سليم، وكلما إزداد البشر تدينا، صار متوحشا، وتفاعلاته إنعاكسية شرسة كأنه الحيوان الكاسر الذي مرت أمامه فريسة بلا مخالب وأنياب، وتلك حقائق مريرة فاعلة في دنيا البشر، ولا من مفر!!

و"كل ممنوع مرغوب"!!

***

د. صادق السامرائي

 

قبل عشر سنوات، ظهرت منصة Netflix على الساحة، وفي تلك اللحظة، وإن لم ندركها تمامًا في حينها، تغيّرت عاداتنا إلى الأبد. لم يعد فتح كتاب لقضاء المساء ممارسة شائعة كما كانت، بل بدأنا نشهد تراجعًا كبيرًا في هذه العادة. أنا لا أزعم أن عام 2014 كان يعجّ بالقراء كما لو كانوا غالبية سكان العالم، لكن على الأقل كان هناك طيف من الناس ينغمسون في متعة القراءة بانتظام.

والآن، بعد عقد من الزمان، نرى أن هذا الطيف قد انقرض تقريبًا. القليلون فقط من يجدون في قراءة الروايات وسيلة لتمضية الوقت، بينما يفضّل أغلب الناس الانغماس في متعة استهلاك مسلسلات تتراكم في مكتبات منصات البث، المتاحة بلا حدود وفي أي وقت. وكأن Netflix وأمثالها وجهت الضربة القاضية لعادة القراءة التي كانت تحتضر على أي حال.

لسنا بحاجة إلى نظرة عميقة لنرى كيف انتقلنا خلال عقدين من الزمن من حضارة الكلمة إلى حضارة الصورة والصخب. شلالات من الصور والأصوات تحاصر عقولنا في دوامة لا تهدأ. لقد سلبت الشبكات الاجتماعية قدرتنا على التأمل والتفكير العميق، وحولت أدمغتنا إلى أراضٍ محروقة، حيث اندثرت براعة الفكر تحت وطأة الشعارات البسيطة والمبتذلة التي لا تسعى إلى الحوار أو الإقناع، بل تكتفي بترديد الرأي في أبسط صوره.

الشاشات أصبحت مقدساتنا الجديدة، والهواتف المحمولة تمثل ملاذنا. نعيش في حالة تشبّع دائم بالصور والأخبار والقصص التي تمر أمام أعيننا كبرق خاطف، حتى باتت قدرتنا على التركيز لا تتجاوز سوى دقائق معدودة، إن لم تكن ثوانٍ. أصبحنا أسرى الإشعارات، نحول انتباهنا دون تردد لرسائل الواتساب أو مقاطع الفيديو العشوائية التي تثيرنا، كفيديو يروي قصة تزاوج دببتين، قبل أن يتم استبداله بمشهد لرجل يفتح جراد بحر باستخدام لحيته!

Netflix لم تكن سوى تسريع لهذا الانهيار الثقافي، إذ قدّمت بحرًا من المسلسلات بجودة متفاوتة وسعرٍ زهيد، بعضها عظيم، ولكن الأغلبية الساحقة مجرد محتوى ضحل، مصمم ليدمنه العقل دون مقاومة، مُبقيًا إيانا أسرى ليلًا بعد ليل، نلهث وراء قصص جديدة، ونهرب من أنفسنا.

لقد قدّمت Netflix مخرجًا مثاليًا لمن يبحث عن الهروب من ذاته، عن طريق مكتبة لا تنتهي من العروض التي لا تتطلب سوى أريكة ومقدار ضئيل من الانتباه. ولكن هذه الرحلة اليومية في عالم الاستهلاك البصري قضت على قدرتنا على بذل أي جهد فكري. في كل مرة نغيب فيها عن أنفسنا، نصبح كائنات خاوية، أسرى لروايات ركيكة ومكتوبة بسرعة، تجردنا من أي قدرة على النقد أو التعمق.

اليوم، قراءة رواية ليست فقط مسألة وقت، بل هي أيضًا اختبار لقدرتنا على التركيز، على المثابرة التي لم نعد قادرين على استحضارها. فالدماغ أشبه بعضلة، إن عوّدته على استهلاك الصور السطحية، وإن لبّيت رغباته في الهروب المستمر، يصبح عاجزًا أمام تعقيد الجمل الأدبية التي تتطلب وقتًا لكتابتها وذوقًا خاصًا لفهمها. تصبح الرواية كما لو كانت معادلة غامضة أمام عقلٍ تآكل بفعل الاستهلاك المفرط للترفيه السريع.

المشكلة ليست أن الناس توقفوا عن القراءة فقط، بل أنهم لم يعودوا قادرين على القراءة. لقد انهارت قدرتهم على التركيز إلى درجة تجعل القراءة، بما تتطلبه من جهد وانتباه، ضربًا من المستحيل. نحن نغرق في ثقافة "البيتزا"، نستهلك محتويات رخيصة وسريعة يومًا بعد يوم، ومع الوقت، نفقد القدرة على تذوق الأطباق الأكثر تعقيدًا والأكثر قيمة. يصبح الذوق ذاته شيئًا من الماضي، كما لو كنا مبرمجين لاستهلاك البيتزا فقط، دون تمييز.

Netflix ليست سوى "بيتزا هت" للثقافة. شيء ليس جيدًا ولا سيئًا، بل مجرد حل عملي نتبناه حتى لا نضطر إلى التفكير أو بذل الجهد. بالنسبة لكثيرين، هذه هي السعادة المعاصرة: سعادة مبنية على الهروب والابتعاد عن الذات، عن القراءة، وعن التفكير العميق.

***

محمد إبراهيم الزموري

 

دكان: حانوت، متجر

الدول النفطية يمكن تشبيهها بالدكان، فبضاعتها النفط، وما تجنيه منه تحاول أن تستخدمه لتحقيق رغبات الذين حسبوا النفط غنيمتهم، وأبناء البلاد لا حق لهم بثروات أرضهم، فهم أيضا غنائم في عرف المتسلطين عليهم بثروات النفط التي تتوارد إليهم كالسيل العرمرم.

دكان متخوم، وشعب محروم، وأصحاب الدكاكين النفطية عوائل وأنظمة حكم وأحزاب، وكانهم يحكمون آبار نفط، ولا يعنيهم الشعب، بل عليهم أن يقهروه ويذلوه ويبعدوه عن التفكير بالنفط وعائداته.

وأساليبهم معروفة بتوفير الملهيات والصراعات البينية القاضية بتدمير التآلف المجتمعي، وتحويل المواطنين إلى أعداء بعضهم.

الدكاكين الصغيرة تحولت إلى متاجر كبيرة ومولات في زمننا، الذي فيه إستحوذت فئات معدودة على ثروات البلاد والعباد، وصارت تتكرم عليهم بالفتات.

من أعطى القلة صلاحيات سرقة ثروات الشعب؟

هل توجد دولة في الدنيا لديها ثروات محتكرة من قبل بضعة أفراد أو عوائل؟

واقع منطقتنا يؤكد إنحرافات إنسانية، وإستحواذات ذات فساد ومفسدة، لا مثيل لها في تأريخ الأمم والشعوب.

والعجيب أن الناس مذعنة، وترضى بالكفاف، وتهتم بما يعوّق مسيرتها ويبدد قدرتها على التقدم والنماء.

إنه الإنكار الفظيع لحقوق الإنسان، والقبض عليه بالحرمان من أبسط الحاجات، ولوي عنق وجوده بإبتكار الصراعات الداخلية، التي تكبل الناس ببعضهم وتذهب بصيرتهم، وتدفعهم لإستلطاف البؤس والتعود على شظف العيش، والذين في الكراسي يبذخون، وينهبون ويسلبون، ويعيشون كالأباطرة، ويصمّدون أموال الشعب في بنوك الآخرين.

فنعمة النفط تحولت إلى نقمة، وأصبح عدو الأجيال المبين، فبه تستعين دول الأمة على بعضها، وتزيد من أجيج العداء والتلاحي والإنحطاط.

والكراسي ألعوبة عند أسيادها الذين منحوها وكالة السلطة والفساد.

فدام الفقر، وتأسد الأغنياء، فالعيش غاب، ولينتشر الشقاء!!

***

د. صادق السامرائي

 

في عالم السياسة كثيرا ما يتردد مصطلح " الدهاء السياسي " الذي يشير الى الذكاء والحنكة والاتزان في التعامل مع الامور السياسية واتخاذ القرارات في حالة من الهدوء والتروي بعيدا عن حالة الغضب والتهور اللذين يقودان في غالب الأوقات الى التهلكة ودفع الثمن غاليا، ولا نبرأ الدهاء السياسي من المكر والمخاتلة وسعة الحيلة لكنه يختلف عن الانتهازية السياسية التي يمارسها عدد من سياسيي الصدفة الذين يتقافزون من شجرة الى اخرى من أجل الوصول الى الثمرة الأكثر نضجا، حيث أفرزت ساحتنا السياسية انماطا مختلفة وغريبة من الأداء ومنها ان السياسيين مهما اختلفوا فيما بينهم  وكشروا عن عداواتهم وتبادلوا الاتهامات  فانهم سرعان ما يضعون خلافاتهم جانبا ويعودون الى التوحد عندما يشعرون بخطر ما يهدد سلطتهم ويتوحدون امام عدوهم المشترك، فالممارسة السياسية في نظرهم تستدعي الكذب والتخلي عن المُثل والاخلاق من أجل تحقيق المنفعة التي تأتي من وجودهم في السلطة والتي يُطلق عليها اليوم بـ " البراغماتية السياسية " التي تؤكد على ان من يحكم الفعل السياسي هي المصلحة اذ ليس هناك عداوة وصداقة دائمة انما هناك مصلحة دائمة، في حين الدهاء السياسي يعني الفراسة وادراك عواقب الأمور واتخاذ القرار المناسب للخروج من المأزق بأقل الخسائر وكذلك اجادة فن استخدام أوراق القوة، ومن قصص التاريخ الطريفة التي تشير الى الدهاء السياسي هي عندما انشغل عبد الملك بن مروان بمحاربة مصعب بن الزبير، اجتمع وجوه الروم الى ملكهم وقالوا : قد امكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض والرأي ان تغزوهم في بلادهم . فنهاهم عن ذلك وخطّأ رأيهم ودعا بكلبين فأرش بينهما فاقتتلا قتالا شديدا، ثم دعا بثعلب فخّلاه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ماكنا فيه واقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم : هكذا مثلنا ومثلهم، والطريف ان هذه الحكاية لها ما يشبهها في واقعنا المحلي ففي مدينة الديوانية ــ محلة الجديدة الشعبية ــ عاشت عائلة عُرفت بكثرة نزاع ابنائها فيما بينهم وعادة عندما ينشب النزاع يهرع احد الجيران للوقوف بين الأخوة لفض الاشتباك ــ حاجوز ــ لكنهم كانوا يتركون نزاعهم جانبا وينقضّون عليه .

***

ثامر الحاج امين

عندما أسسنا هيئة النزاهة في سنة 2004 وكانت بقيادة القاضي الاستاذ راضي الراضي، وكان حينها عددنا محدوداً لايتجاوز أصابع اليد، وكانت ترشيحاتنا للعمل في الهيئة من القضاء والقضاة ولاعلاقة لها بأي حزب او سلطة ...

كُلفت شخصياً بوضع قانون هيئة النزاهة وانظمة مفوضية النزاهة كما كانت تسمى في بادئ الأمر  ونظام كشف المصالح المالية، بإعتبار ان التشريع من صميم اختصاصي في دراسة الماجستير - جامعة بغداد، حيث كانت رسالتي تتناول معايير تقييم السلوك ومعايير التشريع والحقيقة وليس مدحاً بالذات حضي المشروع بتقدير اساتذة القانون والمنظمات العربية والأجنبية التي اطلعت عليه ومنها جامعة الدول العربية ولحنة القانون السويسرية ....

وبعد ان دقق في مناقشات طويلة في مجلس شورى الدولة في ظروف مراجعات خطيرة في الشارع العراقي انذاك في 2005 ومابعدها، ومن ثم ارسل الى مجلس النواب لتشريعه

ولكن هذا القانون بقى حبيس المناقشات والجدل حتى سنة 2011 !!! وافرغ الكثير من محتواه عند تشريعه من جهات كانت تخشى قوة النزاهة وصلاحياتها التي تشابه في المشروع جميع صلاحيات الهيئات المقارنة عالمياً.

وقبل مناقشة عِلل النزاهة

نرى ماهي فكرة أو عِلة انشاء هيئات مستقلة للنزاهة تقوم بمكافحة الفساد بدلاً من القضاء؟

حسب الأصل ان ملاحقة جرائم الفساد و العقاب عليها  هو من اختصاص القضاء بمعية الإدعاء العام. لكن هذا الإختصاص الأصلي فشل في مواجهة جرائم الفساد في مختلف انحاء العالم لاسباب عديدة منها:

* ان القضاء يعالج الجرائم بمختلف انواعها من الجرائم التافهة الى الجرائم الكبرى وهو مشغول دائماً وليس متفرغاً لقضايا الفساد المتنامية بشكل خطير والتي اخذت تُمارس باساليب وتقنيات حديثة ويمارسها أشخاص متنفذون يمتلكون قدرات عالية من أساليب التحايل على القانون والإفلات من عقابه.

* قيام مافيات الفساد بالترصد للقضاة الى درجة تهديد او اغتيال كل من يفتح قضية فساد وخاصة في ايطاليا والولايات المتحدة وهونك كونك وغيرها من الدول ومنها اغتيال قاض ايطالي شهير هز موضوع اغتياله العالم لقيامه للتحقيق في قضايا فساد*.

* نتيجة للدراسات المتخصصة حول الفساد في الأكاديميات العالمية اصبح علم مكافحة الفساد علماً مستقلاً بذاته ومن ثم لابد ان تتحقق مكافحته على يد خبراء متخصصين من مختلف الإختصاصات العلمية والإنسانية (قانون، هندسة، طب، محاسبيين وتقنيين ....).

* اصبحت الرؤية الدولية ان تكون مكافحة الفساد عمل مؤسساتي (اي لايقوم به قاض منفرد ) بل عمل متكامل يشمل الوقاية من الفساد وملاحقة قضايا الفساد بأستخدام التقنيات الحديثة وكشفها والتحقيق فيها وان يكون عمل هيئة النزاهة بمثابة عمل متنوع قضائي ووقائي واستخباري وتعليمي  ....

* اكدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005 على انشاء هيئات مستقلة بعيدة عن أي نشاط حكومي او حزبي وتعمل وفق قواعد خلاقة وأساليب مبتكرة وقواعد اثبات جديدة بعد فشل الطرق التقليدية في الاثبات لتحصن الفاسدين باساليب الإثبات التقليدية.

* وأكدت على الجهد الإستخباري في ملاحقة الفساد وتبادل المعلومات بين الدول وملاحقة جرائم الفساد دولياً واسترداد اموال الفساد المنقولة عبر القارات.

* كما اكدت بشكل واضح وملفت على ضرورة ان يملأ كل شخص يتولى منصباً عاماً استمارة كشف المصالح المالية ابتداءاً عند توليه المنصب وعند خروجه من المنصب لبيان مدى تنامي امواله خلال فترة خدمته العامة بشكل لايتوافق مع مصدر دخله الاعتيادي.

وحاولنا جهد الإمكان ان يتوافق القانون مع متطلبات الاتفاقية الدولية بكل تفاصيلها ولكن هذا ازعج الكثيرين!!

  ومن ذلك:

ابتداءاً لايشترط ان يكون رئيس الهيئة قاض

والمتعارف عالمياً ان يكون رجل قانون وبعض الهيئات تعتمد محاسبين قانونيين لرئاستها وتعطي لرئيسها صلاحيات رئيس وزراء او وزير كما هو حال السلطات المستقلة في الدولة

ولكن الذي حصل وخلافاً لمشروع قانون الهيئة الاصلي

يتم تعيين قاض من الصنف الاول بدون صلاحيات قضائية حيث رفعت من مشروع القانون !!!! واي قرار يتخذه يجب ان يعرض على قاض تحقيق قد يكون من حديثي التخرج ومن الصنف الرابع للموافقة عليه او رده!!!

وهذا ليس عيباً بحد ذاته ولكنه يؤخر العمل كثيراً وقد يقرر القاضي  عدم اعتماد تحقيقات محققي النزاهة واعادة التحقيق من البداية وهذا من حقه قانوناً.

وهذا في الواقع خلاف مضمون فكرة انشاء هيئات نزاهة مستقلة حيث تمت اعادتنا للمربع القديم اي اختصاص القضاء في مكافحة الفساد  بدلاً من اختصاص هيئة النزاهة وكأنك يابو زيد ماغزيت

* في دورة دورة تدريبة في مصر دهشنا من الوسائل الاستخبارية المتطورة عند دائرة الرقابة الإدارية  مثلاً لديهم مسدس يرمي كاميرة صغيرة من نوافذ البنايات التي تخضع للرقابة ...

 وقد كوفح موضوع استخبارات النزاهة بشدة في مشروع القانون بداعي انكم تحاولون ارجاعنا للماضي وتقاريره وكأن الدول الديمقراطية الكبرى لاتوجد فيها استخبارات ومخابرات وتقارير مع اختلاف الغرض عنها في الدول الدكتاتورية هنه في الدول الديمقراطية!!

* وعندما طالبنا ان لايخضع محققي النزاهة للتفتيش عند زيارة مؤسسات الدولة ليتمكنوا من تسجيل الجرائم ومراقبتها وخاصة الرشوة كانت الاستجابة معاكسة حيت أبلغنا حراس احد الوزارات ان هناك تعليمات مشددة لتفتيش منتسبي النزاهة بشكل خاص ودقيق وسحب اي جهاز يحملونه!!!!

***

فارس حامد عبد الكريم

النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية

..............................

*من ذلك اغتيال القاضي جيوفاني فالكوني (بالإيطالية: Giovanni Falcone)‏ (18 مايو 1939 باليرمو - 23 مايو 1992) قاض إيطالي قضى حياته في محاكمة المافيا الصقلية كوزا نوسترا. اغتالته المافيا مع زوجته و ثلاثة من حراسه في انفجار قنبلة بلغ وزنها 350 كلغ من الديناميت تحت الطريق السريع من مطار بونتا ريسي لباليرمو بالقرب من بلدة كاباتشي.

 

كنت أتجول في معرض لرسومات سلفادور دالي (1904 - 1989)، ومعلوماتي عنه أنه من أعلام المدرسة السريالية، وأستخدم بعضا من رسوماته في أحاديثي عن السلوك البشري، وإكتسفت إهتمامه برسم الزهور والنباتات ومزجها مع الجسم الآدمي خصوصا المرأة.

وإستوقفتني جدارية كبيرة تمثل العلاقة بين السماء والأرض، وكأنها تختصر قصة الأديان، ففيها نبي أو رسول يتلقى ما يتلقاه من ربه، ويكون له أتباع يبدأون بأربعة ثم يتضاعف العدد، وكلما تكاثروا مالوا لقتال بعضهم، فتقول اللوحة أن ما جاء من السماء تسبب بتقاتلات لا تنتهي.

فهل أن الأديان من مسببات سفك الدماء؟

"...أ تجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء..."!!

المتابع لمسيرات البشرية فوق التراب، يجد أن معظم صراعاتها كانت لأسباب دينية، فالأديان تتقاتل، وأبناء الدين الواحد يتقاتلون ، فلا يوجد دين يخلو من الصراعات الداخلية والخارجية.

إنه سؤال محير، وسيقول الكثيرون أن العيب ليس في الأديان بل في البشر، الذي يؤمن بها ويسعى في سبيلها وفقا لتأويلاته، وظنونه بأن ما يقوم به يرضي ربه ويأخذه إلى عوالم السعادة الأبدية.

فهل أن الأديان وسائل للتعبير عن عيوب البشر؟

إن أفظع الجرائم ترتكب عندما تأخذ طابعا دينيا، لأن المجرم سيتحرر من المسؤولية، ويحسب ما يقوم به طقسا دينيا، وهو ينفذ ما يؤمر به أو يمليه عليه دينه، فيحرر ضميره من الرقابة والمساءلة.

الذين يعترضون على هذا الكلام، ربما سيعجزون عن الإتيان بدليل، يفند الفكرة التي وضعها سلفادور دالي بلوحته.

قد يقول قائل أن الإختلاف نعمة، غير أن الواقع يؤكد أنه نقمة، فالبشر فيه من العدوانية ما تنوء من حمله الجبال، ويبدو أن الإديان تفجر العدوانية الكامنة فيه، وتمنحها جواز التعبير عن توحشها بسلوكه المشين.

ولا ينفع مع البشر القول: "ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"َ!!

إنهالت الأسئلة أمام اللوحة الجدارية، والأجوبة مرعبة!!

فلماذا هي أديان وأديان؟

وما الحكمة من العدوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يأتي مصطلح الفزعة على ألسنة الكثيرين كدلالة على الولاء والمساندة سواء كانت تلك المساعدة معنوية أو جسدية، الفزعة في معناها الدارج لا تخضع لمفهومي الحق والباطل، أي إن دوافعها غالباً التعصب لأشخاص نحبهم أو على أقل تقدير تربطنا بهم صلات قرابة أو صداقة. هكذا ببساطة ننحاز لمن نحبّهم ونهرع لمدّ العون لهم، ولأقصى الدرجات التي تعمينا غالباً عن شروط الحكمة. يحصل هذا في مواقف حياتية، مشاكل ومواقف، أزمات ومِحن، فنحن تحرّكنا العواطف أكثر ممّا يفعل العقل، وهذه إحدى مشاكلنا النفسية التي لم تفلح الثقافة -ومهما بلغت مدياتها- في تهذيبها أو ايجاد حلٍ لها، إن (الفزعة) وهذا موضوعي هنا، وجدتْ طريقها إلى عالم الأدب، فبرزت لدينا ظاهرة الفزعة الأدبية، وتكوّنت بيننا طبقة أدباء وجمهور الفزعة، وهي ظاهرة لا تختلف كثيرا عن النوع الأول، فهي لا تعبأ بشروط الفن، واعتبارات النقد الرصين كمعايير لتحليل النصوص. والتفاعل معها والتعاطي مع تفاصيلها، ولا تلتمس الموضوعية في جميع طروحاتها وتقوم على الشللية التي باتت سمةً للأدب.

حضرتُ قبل فترة جلسةً أدبية لأحد الكتاب، وفي حالة لا تتكرر كثيراً وجدتُ القاعة ممتلئة عن آخرها، وكانت جميع الطروحات أو الدراسات أو الآراء النقدية تمجّد بالضيف المدعو، مبتعدةً عن عمق التحليل والموضوعية. عندما سألت الروائي إلى جانبي عن رأيه في الجلسة، قال لي إنها في الحقيقة ليست جلسة، إنما (عرّيس وربعه يزفونه)! مع إنه أبدى إعجابه بالضيف، ككاتب له بصمة جيدة، لكنه أبدى استغرابه من دراسات سطحية قوامها المديح والثناء عوضاً عن الدراسة الرصينة. وفي الحقيقة أن تلك الجلسة وسواها لم تكن سوى فزعة أدبية قام بها أصدقاء لمساندة صديقهم، هذا ينطبق على الحاضرين أيضا، الذين أتوا لمساندة زميلهم ولتكثير العدد. إن الكثيرين ممن يحضرون غير معنيين بما يقال في الجلسات، بل إن بعضهم لا يكترث فيشغل نفسه بهاتفه أو بحديث جانبي مع زميله، كما إن الدراسات هي في الغالب تطييب خاطر لأنها أيضا تقع تحت طائل أدب الفزعة. إن ما يحصل واقعاً، يحصل بذات الطريقة الكترونياً على صفحات الفيسبوك، حيث بسهولة يتم ملاحظة الإنحياز التام للأديب ممن هم حواليه، بصرف النظر عن جودة ما يكتبه وجماله الفني. قد ينظر البعض لهذه الظاهرة بحسن نية ولا مبالاة زاعمين أنها تشجيع معنوي مطلوب، لكنه من منظور فني موضوعي أمر خطير جداً، لأنه يعمل على تزييف الأدب، وخلط المعايير الفنية الجمالية وخلق نماذج أدبية من وهم، وهذا كلّه يسحق الذوق العام ويتسبب في تراجع الأدب، أو انحداره وتحويله إلى مسخ، لن يعترف به العالم من حولنا.

إن رفع الخطاب الأدبي نحو الموضوعية، وتخطي ظاهرة التعصب والانحياز الأدبيين ليس أمراً سهلاً، لأن هذه الظاهرة ترتبط بعوامل نفسية متأصلة، قوامها بيئة اجتماعية ترسخ عادات الإنحياز العاطفي، والحياد عن الموضوعية، ولكي نتخلص من هذه الظاهرة ينبغي ترسيخ مفاهيم علمية رصينة في العملية الثقافية برمتها، وقبل ذلك ينبغي أولاً مواجهة حقيقة أننا لازلنا في مرحلة ما قبل الأدب، وهذا يشبه درجة ما دون الصفر، هذا لا يعني أننا لا نملك أدباء جيدين، بل إن الأدوات تكاد تكون كلّها مكتملة، من أدباء ونقّاد وناشرين ومكتبات وحتى جمهور، لكن هذا يشبه أننا نملك كل مكوّنات طبخة معتبرة، لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة إتقانها.

***

تماضر كريم

توقفت عند الفيديو الذي يظهر فيه شاب يجلس على كرسي، فيما يقوم شخص بقص شعره بماكنة حلاقة، وبين الحين والآخر يوجه له الصفعات، الحلاق الذي قرر أن يتولى منصب القاضي ليحاكم شاباً ربما أخطأ في حق أحد رجال الدين، أراد أن يثبت للمشاهدين أن ماكنته فوق القانون وأن بإمكانه أن يحلق رأس أي شخص، طبعاً من ضمنهم كاتب المقال دون أن يحاسبه أحد، فنحن نعيش في دولة يطلق فيها سراح سارق الثلاثة مليارات دولار، ويكافأ فيها من قرر أن يُطلق سراحه، في الوقت الذي يعاقب فيه مسؤول آخر صرخ " أنقذونا من حيتان الفساد " .. وقبل أن انتهي من مشهد الفيديو المؤلم الذي يقول للعالم إننا دولة بلا قانون، نبهني صديق الى تصريح للنائب رعد الدهلكي نشرته احدى الصحف، يقول فيه إن "رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي هدد بسحب قانون العفو في حال عدم التصويت على الأحوال الشخصية".

كنت أتمنى أن لا أعود إلى الكتابة عن مجلس النواب، لكن ماذا أفعل ياسادة والبعض من أصحاب الكراسي النيابية لا يزالون يصرون على تحويل قبة البرلمان إلى ساحة للنزال، ففي ظاهرة، ربما تنفرد بها بلاد الرافدين، يشن السيد محسن المندلاوي الحرب على النواب الذين يرفضون إقرار تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، ويوجه مدافعه الثقيلة تجاه المعترضين على مناقشة التعديلات، وقبل أن يتهمني السيد محسن المندلاوي بالعمالة للأجنبي وتنفيذي لأجندات مشبوهة، وهي التهمة الجاهزة التي يطاردون بها كل من يعترض على مخططاتهم لتحويل العراق إلى قندهار . أحب أن أنبه "سيادته" إلى أنني كنت وما زلت مع أن يأخذ البرلمان مكانه الحقيقي ويكون صوتاً للشعب، يناقش القوانين التي تهم مستقبل البلاد، ويسعى للسير بالعراقيين إلى الأمام وليس العودة بهم إلى العصور الوسطى.

يدرك السيد القائم بأعمال رئيس البرلمان أن في هذه البلاد لا يوجد مواطن واحد يمكنه الاعتراض على ما يقوله أصحاب الجاه والسلطان، مثلما لا يوجد مواطن يمكنه أن يخرج في تظاهرة تندد بالعبث الذي يجري داخل قبة البرلمان .

لقد بحت أصوات الجميع بأن بقاء العراق واستقراره ليس مرهوناً بقانون الأحوال الشخصية، ولا في جلوس محمود المشهداني على كرسي رئاسة البرلمان، فالناس تدرك جيداً أن هناك سوراً بين أحلام المواطن واحتياجاته وتطلعه الى المستقبل، وبين طموحات النواب وامتيازاتهم، كما أن الناس تدرك أن شؤون البلاد والعباد لا تدار بمبدأ " مشيلي وامشيلك ".

***

علي حسين

 

لكل زمان رحم يلد منه ما يناسبه، بَرَقتْ الفكرة أثناء إستماعي لإحدى أغاني (أم كلثوم)، وأقارن بين تذوقها في حينها واليوم.

وبدى طعمها وأثرها يختلف عما كان  سابقا، والسبب الأساسي دوران الزمن وتراكم السنين عليها، فالأيام كالركام الذي يدثر ما تحته، وكلما تقادم عمر الشيئ إزداد المتراكم عليه، وخفتَ صوته وأثره ومعناه، فلكل زمان  مقتضياته، وكل شيئ مولود من رحم  آنه، ومن الجنون التوهم بأن طعم الأشياء لا يتغير.

الكتابات بأنواعها، لها قيمتها ورونقها وأثرها في حينها، وبعده فأنها تفقد مؤهلات المواكبة  والتفاعل البقائي المفيد.

وهذه الحالة تنطبق على ما يحصل في واقعنا الذي يسعى لإستحضار  ما تقيأته القرون وتضح روح الحياة فيه، وذلك مناهض لإرادة الدوران وقوانين الأرض الأكوان.

فعندما تدوم الحركة، هناك مَن يتخلف ومن ينطلق من محطاتها، ولا يمكن الجمع بين المتأخر والمنطلق لأن المتأخر ستدوسه سنابك المنطلق.

وهكذا فأن مجتمعات الدنيا في إنطلاق دائب وبعض المجتمعات في تدهور غاضب، وبموجب ذلك يعيش الإنكسار والتردي تحت أكوام الركام.

فهل من قدرة على إدراك أسرار الإنطلاق نحو الأمام، وعدم التقهقر والإنهزام!!

"نعيب زماننا والعيب فينا...وما لزماننا عيب سوانا"!!

فهل نعرف زماننا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

للعدو الداخلي اوجه متعددة، وهو سلوك خفي في اغلب حالاته:

*هو الفساد الذي يأكل الاموال العامة ويحرم الناس من حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة ويسرق اسباب صحتهم وتعليمهم ...

*هو المحاصصة التي تبعد الكفاءات وذوي الاختصاص وتقرب الانتهازيين والجهلة والأفاكين

*هو الظلم  الذي ينال من قيم التعايش السلمي ويزرع الاحقاد ويفرق الناس.

*هو المحسوبية والمنسوبية التي تهدر قيم العدالة وتكافؤ الفرص.

*هو انعدام الحياء في اتيان افعال لا اخلاقية تخالف النظام العام والآداب العامة

*هو التفاهة التي تعلو من صغير الشأن وتحط من كبرياء كبير الشأن.

*هو اللاوطنية والعمالة والسمسرة والإستثمار  مع اعداء الوطن والشعب.

*هو الطائفية والقبلية والعنصرية والغرور المجتمعي.

اما العدو الخارجي: فهو في الغالب عدو محدد وواضح للعيان وان اختلفت اساليبه الماكرة

الفرق بين العدو الداخلي والخارجي:

العدو الداخلي يقود إلى تآكل القوى الداخلية ويهدر الثقة والسلم المجتمعي، خلاف العدو الخارجي الذي يحفز كل القوى ويوحد الصفوف في سبيل التقدم والغَلبة ويحرك عجلة التاريخ.

العدو الداخلي يثير المرارة والشعور بالغبن والظلم. فقد ورد في الحكمة المتواترة. ان ما يؤلم الشجرة ليس الفأس، انما يؤلمها حقًّا، أن يد "الفأس" من "خشبها".

بينما يبعث العدو الخارجي كوامن الغيرة الوطنية والشجاعة والوحدة الوطنيّة، كان الرومان يرون ان يكون للأله الحارس (جانوس) وجهين احدهما ينظر للداخل والآخر ينظر للخارج، وبذلك تنتصر الأمة على جميع اعدائها.

***

فارس حامد عبد الكريم

 

غياب الدستور الذي يحدد  ويرسم خارطة القوة ومواقعها الفاعلة في الدولة، أدى إلى تحول الكرسي إلى مطلق الصلاحيات، فهو الدستور والقانون والمالك للبلاد والعباد، مما دفع للإنزلاق إلى قيعان الوجيع والإنهيار.

الدستور الغائب أوجد الحاكم المطلق  والطاغية والدكتاتور والمستبد، وغيرها من الحالات التي فتكت  بذاتها وبموضوعها.

والعجيب في الأمر أن البشر ربما لديه نزعة خنوعية وإستجدائية وإنكسارية، أمام القوة الفاعلة في السلطة

فلكل كرسي متسولين ومتوسلين وشحاذين، يرجون منه الصدقة والمكرمة، التي بها يشعرون بالقرب منه والتقوي به، فيغدق عليهم من أموال الوطن، ويوهمهم بأنها مكرمات من عندياته، ويصدقون ويمتنون ويقبلون الأيادي، ويركعون في حضرة الكريم المطاع المهيب العظيم المنان.

تلك حالة قائمة في العديد من المجتمعات المنكوبة بأنظمة حكمها، وخصوصا التس إستوردت ما تتوهمه بالحرية والديمقراطية، وإذا بها تتهاوى في صراعات بينية أقسى عليها من الإستبداد والطغيان االعدوان على وجودها، لأنها أصبحت ضحية لدائها الخفي الفاعل في نخر وجودها، وإسقاطها في حضيض مكانها وزمانها.

فهل وجدتم تجربة سياسية ناجحة في مجتمعات لا دستورية؟

إن الدول لا تقوم لها قائمة إذا فشلت في رسم معالم عقد إجتماعي يضمن مصالحها ويحافظ على مسيرتها وتفاعل أجيالها بوطنية وأمان.

فلكي تعرفوا مستوى الحياة الديمقراطية في أي مجتمع، إبحثوا عن نسبة السلوكيات الدستورية الفاعلة فيه، فإن غابت فأنه في مأساة، وإن وجدتموها، فهو من المجتمعات التي سيكون لها مستقبل وقدرة على المعاصرة والنماء.

فالدستور يوجه الطاقات الوطنية نحو مصب واحد، ويمنعها من التشرذم والتشظي والإنفلات.

وكل من عليها طاح  في مجتمعات بلا دليل!!

***

د. صادق السامرائي

الواضح أن إنتخابات الآخرين تهمنا أكثر من إنتخاباتنا، فالشعوب تهتم بإنتخاباتها، وتكرس جهودها للحفاظ على نظافتها من التلاعب والغش والفساد، وعندنا كل شيئ مباح ومستلطف، فلكي تفوز في الإنتخابات عليك أن تشتري الأصوات، وتضلل المصوتين لتضمن إستعبادهم.

 وهذا السلوك يشير إلى:

أولا: نحن تابعون

الواقع الأليم يؤكد بأن أنظمة الحكم تابعة، ومرهونة بإرادة الذين منحوها وكالات البقاء في كراسي السلطة، ولابد لكل مسار ونشاط أن يؤدي إلى تلك النتيجة، المؤمّنة لمصالح الطامعين.

ثانيا: الآخرون يهيمنون على مصيرنا

نعم أن الإهتمام الفائق بما يجري في مجتمعات أخرى، يؤكد أنها تفرض سيطرتها علينا، وتهيمن على مقدراتنا وترسم خرائط الأحداث والتطورات في ديارنا، ونحن ننتظر ما سيجري عندهم لأنه سيؤثر على ما عندنا.

ثالثا: فقدان قيمة الإنسان

دولنا لا تعير أهمية للإنسان، وأكثرها تحسبه رقما، ولا يعنيها ما يحتاجه من خدمات، بل ولا تلتفت لتعليمه ورعايته صحيا والحفاظ على أمنه وسلامته، ومعظمها ترى الشعب عدوا لنظام الحكم القائم، ولا تستطيع التفاعل الإيجابي معه، وخطاباتها بغضاوية المعاني والمفردات.

رابعا: إنتخاباتنا لا تحكمنا

الإنتخابات عندنا تختصر بالتصويت المبرمج وفقا لمقتضبات المصالح الإقليمية والدولية، وليس كل مَن سيفوز بالإنتخابات سيشكل حكومة، إذ لا بد من توافق أطراف خارجية وقبولها به، وتأكدها من أنه الضامن لمصالحها، فكيف تسمى إنتخابات؟

خامسا: فقدان الذات والهوية

مجتمعات فقدت ذاتها وهويتها، وأوطان أضاعت علاماتها الفارقة، وأخلاقها وقيمها وأعرافها، وصارت سوحا للمتاجرين بالساميات، والمجاهدين في سبيل خدمة تطلعات أولياء أمورهم.

وبسبب ذلك، راحت تبحث عما فقدته عند غيرها، وترى أن ما يصيبه سيصيبها.

***

د. صادق السامرائي

 

عندما يغيب العدل يعم الإضطراب، فالحياة الخالية من العدالة الإجتماعية بأنواعها، تتحول إلى مأساة سقرية، وغاب يأكل القوي فيه الضعيف.

فلكي تقيّم وضع أي مجتمع، عليك أن تبحث عن مواطن العدل فيه.

مجتمعاتنا تستلطف الظلم وترى في العدل ضعفا، ولهذا فأنها تؤهل الظالمين ليكونوا في سدة الحكم، ومنذ تأسيس دولنا والظالمون قادتنا، وبسببهم تحولت دولنا إلى أقبية قهر وهوان، وتنامت فيها القوى الطاردة للأذكياء، والراعية للأغبياء، وأضحى التجهيل عماد الحكم.

العدالة مطلب أزلي كلما إقتربت منها المجتمعات تكون في أحسن أحوالها، وإذا إبتعدت عنها يعمها الفساد والجور الأليم.

والأمة لم تحقق كينونتها السامية وتعبر عن جوهرها الحضاري السامق، إلا حينما كان العدل قائدها والمعبر الأصدق عن رسالتها.

والعدل قتل عددا من قادتها منذ خطوها في ربوع الدولة والسيادة، وبسطها النفوذ على بقاع الدنيا الشاسعة.

فالعدل قتل عُمَرين، ومن أقوالهم ، وهذا لعمر بن الخطاب: " إجعلوا الناس عندكم في الحق سواء"، وعندما طلبوا من عمر بن عبد العزيز تقويم التمرد بالسوط قال: "كذبتم فإنه يقومها العدل والحق"!!

وفي القرآن: " وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقِسط (عدل)، إن الله يحب المقسطين"

ومن الواضح " لن تكون عادلا ما لم تكن إنسانا"

وقالت العرب: "العدل أساس الملك"، و"عدل قائم، خير من عطاء دائم"

فهل لدينا أنظمة حكم عادلة؟

ولماذا صار العدل ضعفا، والجور قوةً، والبشر  "نار وقطن"؟!!

فلن يستقيم نظام حكم عندما يغيب العدل، ويحضر الظلم والإمتهان، وجبروت السلطان!!

***

د. صادق السامرائي

 

السائد في الخطابات والكتابات كلمة "السابق"، هذه الشماعة التي صرنا نعلق عليها عجزنا وإخفاقاتنا في كافة المجالات.

كلمة لا تغادر أفواه الكراسي، وتتردد في المحافل والمنابر والمواقع، ووسائل الإعلام بأنواعها، وما غادرتنا، بل صارت تجتذب قرونا وربما ملايين السنين، بل وما قبل بدء التأريخ.

فكأننا أمة تحكمها الأجداث، وتجد تبريراتها المريحة للضمير في الغابرات، ويساهم مفكروها ونخبها بتضليل الأجيال وإيهامهم، بأن ليس في الإمكان خير مما هو كائن، بسبب ما كان.

العجيب أن "كان" تتسيد علينا، وتمنعنا من إستحضار فعل مضارع واحد.

أستمع لحوارات متنوعة، وتتكرر فيها كلمة "سابق"، ولا يوجد إكتراث لكلمة "لاحق"، فالسابق هو القائد والسائد، وما هو قائم من إنتاج ما سبق، وإياك أن ترى غير ذلك، فهل وجدتم مجتمعات تتفاعل بهذه العقلية الإنقراضية؟

يذكر أحدهم أنه قابل السفير الفيتنامي وراح يتحدث معه عن الحرب مع أمريكا، فأجابه، إن فيتنام ليست في حرب، إنها تعمل من أجل مستقبلها الأفضل، فتأملوا حالها اليوم، وأنظروا ما وصلت إليه اليابان، والكوريتان، فأين مجتمعاتنا من أحوال غيرنا الذين أصابهم أضعاف ما أصابنا من الويلات.

المجتمعات التي حاربتها القوى الكبرى، خرجت من حروبها بإرادة أقوى وقدرات أكبر، وإنطلقت في مسيرة التقدم والنماء، إلا مجتمعاتنا، فأنها تندحر في سلوكيات النواح والتفاعلات الإنكسارية الإحباطية المريرة، وتتفنن باللطم على الوجوه والصدور.

علينا أن نشيّع "السابق" إلى مثواه، ونتعامل مع الأيام التي نحن فيها ونعيشها بكامل وعينا وطاقاتنا الكامنة فينا، فالمجتمعات التي تقدمت ليست خير منا، لكنها تمسكت بإرادتها وتوثبت إلى الأمام الفسيح، فتطورت وتنامت أجيالها وبراعمها الواعدة بالقدرة على صناعة الحياة.

إنها مجتمعات لا تحشر الحياة في الدين، فالحياة العزيزة الكريمة حق الجميع، والدين حق مَن يشاء وكما يشاء.

فهل للإنسان قيمة في ديارنا؟!!

وهل نعرف الصراط المستقيم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

إذا خير الناس بين سيئين، اختاروا الأقل سوءاً إذا كان الأمر ضروراياً في معنى المصالح العليا وليس المصالح الفردية.

" كابالا هاريس" ودونالد ترامب" هما في موضع الاختيار، فأيهما الأقل سوءاً في خضم معمعات الاعلام والسياسة ومنصات التواصل في الداخل الامريكي وخارجه؟ هل سيكون في صيغة مقارنات جامدة أو مفاضلات فارغة أم أن الحديث سيتم في صلب الأقل سوءاً وليس ذلك مدعاة للتحيز.

(ترامب) لديه تجربة رئاسية، لسنا بصدد تقييمها، و(كابالا هاريس) لا تملك أية تجربة في القيادة. و(ترامب) رجل اقتصاد معروف في تعاملاته العالمية من خلال المصارف والبنوك والبورصات ولديه معرفة بشؤون الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الخارجي، فيما تجهل (كابالا) هذا الملف المهم والخطير كلياً وإدارة الإقتصاد تحتاج الى خبرة واسعة وممارسة ميدانية يتعذر على هاريس إكتسابها.

(هاريس) مختصة في المرافعات القضائية والدعاوى والمحاكم، وهذا الحقل بعيد جداً عن السياسة والاقتصاد وإدارتهما الإستراتيجية.

(ترمب) تحالفاته لا تقارن بتحالفات (هاريس) التي التحمت بكيان (أوباما) ووزير خارجيته (جون كيري) اللذان يرتبطان بإيران، وهما معاً ورطا السياسة الخارجية الامريكية في تحالفات لا تخدم المصلحة العليا للشعب الأمريكي. و(هاريس) تسعى، إذا ما فازت بالإنتخابات الرئاسية، إلى عودة منهج (باراك أوباما) لإحياء عهوده وبرامجه التي وضعت المنطقة على شفير الحرب والإضطرابات الأمنية وإستنزاف الموارد. ولا يخالجها أدنى شك في وضع المنطقة العربية بين حفرتين حفرة (التطبيع) وحفرة (الترهيب)، ولا شك في ان ما بين الحفرتين قنوات واتفاقات.

المنطقة العربية، وخاصة المشرق والخليج العربي، اكثر تأثراً بالحفرتين وخيارات التعامل معهما في ظروف الترغيب والترهيب.. هاتان الحفرتان سياساتهما موجهتان، وفي إطارهما يتم اللعب الدولي الأمريكي والأوربي وغيرهما فضلاً عن جر الصين أو التصدي لزحفها التجاري والمساومة على القواسم المشتركه.

(ترمب) يلعب في الاقتصاد ويتعامل بالسياسات التي تحقق لبلاده المنفعة. و(هاريس) تلعب مع منهج غيرها ولا تملك ما يميزها فهي بالتالي تابع لباراك أوباما.. والتابع لا يعرف سوى التنفيذ اما الرأس فهو يعرف كيف يخطط للمنطقة ويمزق أوصالها عن طريق التحالف مع اعدائها التاريخيين.. فمن هو الأقل سوءاً..؟!

***

د. جودت صالح

12 / ايلول 2024

من المعروف أن الرأي وحرية التعبير والنقد لا يتقبلها إلا العقل الواعي المعزز بثقافة عالية وروح رياضية طيبة، اما الشخص الهمجي الغارق في البداوة فلا يمكن له حتى تقبل النصيحة ناهيك عن تقبل النقد، لذلك قالت الحكماء:

لا تنصح جاهلا لانه سيعاديك بل انصح حكيما فانه سيقدر لك ذلك

وهذه ازمة راح ضحيتها الالاف من شهداء القلم والإعلام في الدول الدكتاتورية الدموية وعاني منها العراقيون بعد سقوط الملكية ايما معاناة.

ومن طريف مايذكر ان المجلات والصحف اللبنانية كانت تنشر كاريكاتور صباحي ينتقد الرئيس وأركان وزارته ومسؤولي الدولة حتى جاء رئيس وزراء عصبي المزاج يرعد ويزبد عن قراءة تلك الانتقادات فنصحه المستشارين ان يأتي لمقر رئاسة الوزراء قبل الدوام بساعة ليقرأ الصحف ويستشيط غضباً  وحتى يحل موعد الدوام سوف يكون قد هدأ ومن ثم يعدل عن تبليغ الأجهزة الامنية عن ملاحقة الصحفيين ورسامي الكاركاتير او المطالبة بإغلاق الصحف …ونجحت الخطة.

ويرى المختصون في مجال الحقوق والحريات انها في الواقع تقسم إلى قمسين رئيسيين هما المساواة المدنية والحرية:

المساواة أمام القانون

المساواة أمام القضاء

المساواة في تولي الوظائف العامة

المساواة في الضرائب

أما الحرية الفردية فهي تشمل

الحرية الشخصية

حرية التملك

حرية السكن وصمان حرمته

حرية العمل والتجارة والصناعة

حرية العقيدة والديانة

حرية الاجتماع

حرية الصحافة وإبداء الرأي وتوجيه النقد للمصلحة العامة،

حرية تكوين الجمعيات

حرية التعليم

ويلاحظ إن بعض الحريات لها مضمون مادي ومعنوي في آن واحد مثل حق الأمن.

***

فارس حامد عبد الكريم

يُقال أن بغداد حكمها (149) حاكم منذ تأسيسها قبل أكثر من (1295) عام، منهم (36) حاكم عباسي، و(22) حاكم عثماني، وتوزع الباقون بين البويهيين والسلجوقيين والمغول، ودولتي الخروف الأسود والأبيض والمماليك وغيرهم. (د. صباح الناهي)

وفي القرن العشرين، حكمها البريطاني مود، ومن ثم ثلاثة ملوك وبعدهم خمسة رؤساء جمهورية، وحاكم أمريكي، ومنذ أكثر من عشرين سنة تحت الحكم الإيراني والأمريكي بالوكالة.

كلهم ذهبوا وسيذهبون، وبغداد باقية، فمؤسسها أبو جعفر المنصور (95 - 158) هجرية،  كانت لديه رؤية كونية عميقة، فجعلها مدورة، تأكيدا على خلودها فالذي يدور أبدي التفاعلات.

وما يحصل في بغداد لن يدوم، وبما أن أصحاب الكراسي يجهلون التأريخ ويتمترسون في قمقم الأضاليل، وينفذون ما يؤمرون به، فأنهم إلى زوال مشين.

فبغداد لا تحمي مَن يعاديها ويغدر بوجودها، ويتجاهل قيمتها الحضارية ودورها في صناعة المجد الإنساني الذي نتمتع بمعطياته المعاصرة.

أنظروا الذين نابزوا بغداد العداء، ماذا جرى لهم، وكيف كان مصيرهم؟

بغداد كائن حي متصل بقلب أمه الأرض، ولها علاقات كونية مطلقة، ولديها إرادة أقوى من التابعين والخانعين والموالين لأعدائها الطامعين بخرابها وتدمير هويتها وكيانها الثقافي المديد.

بغداد تمر بمرحلة عاشت أقسى منها في سابق العصور، ولن تحيد عن مسارها الحضاري وعطائها الإنساني البعيد.

كانت فاجعة بغداد العظمى في القرن العشرين بالإجهاز على حكمها الملكي الدستوري بدموية مرعبة، وإيهام العسكر بأنهم القادة الأفذاذ، وهم لا يعرفون في السياسة شيئا، فصار واحدهم القائد الأوحد وأكثر، وتمكنوا من خداع الناس، بآليات إعلامية ودعائية مبرمجة من أعداء الوطن والشعب، ومعظمهم إنتهوا إلى مصير مشؤوم، وأكل قادة الإنقلابات المتوالية بعضهم بعضا، وأوصلوا بلاد الرافدين إلى ما هي عليه الآن، كدمية وغنيمة للأغراب والتابعين لكل شيطان رجيم.

ولن تغفر بغداد لمن يؤذيها، ويكون مع أعدائها عليها، فإحترموا بغداد وأعرفوها، ولا تكونوا من الجاهلين بذاتها وموضوعها، فبغداد شمس الدنيا ومنارها الوهاج.

وتحية للمتنبي الذي قال ذات يوم:

"بغداد أنت دواء القلب من عجز.. بغداد أنت هلال الأشهر الحرم

بغداد أنت هوى العصفور مهجته.. كالريح تعزف ألوانا من الحلم"

***

د. صادق السامرائي

 

تغيب قصائد الفخر عند شعرائنا، وعندما تواجههم، يكون الجواب، واقعنا لا يوجد فيه ما يدعو للفخر، فهو يزدحم بالهزائم والإنكسارات والنكسات والنكبات، والتصارعات البينية، ولا يليق به غير الرثاء والتباكي على الغابرات.

فهل أن الدموع تصنع الحياة؟

معظم الكتابات المنشورة وعلى مدى عقود متعاقبة، مكتوبة بمداد الدموع، ويفوح اليأس من عباراتها، ويتصاعد الأنين من سطورها، وكأن كاتبها في مأزق الإنطمار في أقبية الوجيع المرعبة.

فهل تنفعنا هذه الكتابات؟

المجتمعات تبنيها الكلمة الطيبة وتمحقها الكلمة الخبيثة، ويبدو أن أقلام الخبائث أكثر من أقلام الطيبات، مما يشير إلى أن المجتمع بحاجة لمداخلات علاجية.

لماذا الكتابة بمداد السوء والبغضاء؟

هل أنها تقيحات دمامل نفسية كامنة فينا؟

و"تفاءلوا بالخير تجدوه"!!

فأين إرادة التفاؤل؟

من واجب الأقلام تسليط الأضواء على الإيجابيات وتنميتها، والمساهمة ببناء النفوس المقتدرة المتفائلة المؤمنة بقدراتها على صناعة الحاضر والمستقبل، بدلا من الندب والرثاء والتشكي المشين.

فهل يصح التمسك بالقول:

"ولا تعجبوا أن القوافي حزينة...فكل بلادي في ثياب حداد"!!

***

د. صادق السامرائي

 

التدريسي النموذجي هو الشخص الذي يكرس حياته للدراسة والبحث والتعليم في مجاله المعرفي. يتميز بعدة صفات، منها الفضول العلمي، حيث لديه رغبة مستمرة في التعلم واكتشاف الجديد، والتحليل النقدي، اذ يكون قادرا على تحليل المعلومات بشكل نقدي وتقديم رؤى جديدة. ويلتزم التدريسي النموذجي بالبحث الحقيقي ويتحاشى الافتراس والتزوير ويرفض الممارسات غير السليمة في جامعته، فيشارك في الابحاث العلمية التي تهم مجتمعه وينشر نتائجها في مجلات علمية حقيقية ومحكمة. بالاضافة الى ذلك، يساهم في تعليم وتوجيه الطلاب والباحثين الجدد باخلاص وبالتزام قوي تجاه مهنته وطلابه، وتقديم محتوى تعليمي غني ومفيد، ويهتم بمشاكل الطلاب ويسعى لحلها، ويعمل على دعمهم اكاديميا ونفسيا، ويتكيف مع احتياجات الطلاب المختلفة ويستخدم اساليب تدريس متنوعة لتلبية هذه الاحتياجات، ويحافظ على تواصل مستمرمع زملائه لضمان بيئة تعليمية متكاملة. يسعى دائما لتطوير مهاراته ومعرفته من خلال المشاركة في دورات تدريبية وقراءة الابحاث الحديثة. يتحلى بالاخلاق الحميدة والصدق والتواضع، ويلتزم باعلى معايير الاخلاقيات في البحث والتعليم، مما يجعله نموذجا يحتذى به. يشجع الطلاب على التفوق والابداع من خلال تعزيز حب التعلم لديهم، ويسعى دائما لتوسيع حدود المعرفة والمساهمة في تقدم المجتمع من خلال التعليم والبحث.

هل تتصف بهذه الخصائص كتدريسي؟ اذا كان الجواب بنعم، اذن، عليك ان ترفع راسك فخرا بنفسك.

***

ا.د. محمد الربيعي

مؤلم أن ترنو إلى مئات الكتب المحشوة بالأفكار، وهي مرفوفة صامتة متكومة كأنها الركام.

كتب من إنتاج أجيال متعاقبة في القرن العشرين، وضع فيها مفكرون عديدون أفكارهم المبثوثة في مشاريع، كل منهم يرى أن مشروعه هو البلسم المشافي للأمة مما هي عليه من سوء حال ومآل، وما أثرت أفكارهم، بل إنضوت في كتب خرساء، وصارت المسافة بعيدة بينها والأجيال المعاصرة، بعد أن هيمنت وسائل التواصل الحديثة.

مفكرونا ومنذ نهاية القرن التاسع عشر يشتركون بأنهم قاموا بدور الصدى لما جرى في أوربا، وما وجدنا فيهم مَن تفاعل مع الواقع وإستولده أفكارا ذات قيمة عملية وقوة تأثير وتغيير.

وهذا يعني أن مجتمعاتنا لم تمارس الحياة في مكانها وزمانها، وتحقق تقهقرها وإندحارها في الغابرات، تعويضا عن مراوحتها المأساوية في أوحال الفراغ، والتدحرج في وديان التبعية والدونية وفقدان الثقة بالقدرة على صناعة الحياة الحرة الكريمة.

فهل وجدتم أفكارا مستحضرة من عوالم الآخرين تصلح لمكان وزمان مغايرين؟

أوربا أفكارها تراكمية وأنجبتها تفاعلات متصلة، فكانت ذات قيمة عملية في ديارها، أما أن نستجلبها ونفرضها على واقع آخر، ففي ذلك عدوان وإضطراب مدمر وخطير.

وهكذا فمجتمعاتنا تعيش في مراحل تشويش وتيهان، مما وفر الظروف المواتية للمفترسين للنيل منها والإستحواذ على مصائرها.

فهل أن مفكرينا يفكرون؟

السلوك الصدوي لا يدل على تفكير أصيل، بل يشير لمحاولات تقليد، ذات درجة عالية من الفشل والخياب، وهذا ما جرى في واقعنا على مدى القرن العشرين.

فهل من ولادات فكرية من رحم واقع مجتمعاتنا، لنكون ونستعيد جوهرنا الحضاري؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

ارسل لي أحد الاصدقاء مقالة الكاتب التشيكي/ الامريكي فلتشيك والتي يتحدث فيها عن سقوط الاتحاد السوفيتي وكيف انه يتألم ويأسف لانه كان في وقتها سعيداً بسقوط الاتحاد السوفيتي ويصف ذلك السقوط بانه نتيجة مؤامرة الغرب وخداع الشعوب السوفيتية، لقد قرأتها ونشأت لدي بعض التعليقات السريعة:

- في العام ١٩٧٥ انعقد مؤتمر الامن والسلم الاوربيين في هلسنكي، وفيه أُجبِرَ الاتحاد السوفيتي على قبول شرطين هما: فتح باب الهجرة لليهود السوفيت والثاني هو ايقاف التشويش على اذاعات اوربا الحرة والتي كانت تبث للشعوب السوفيتية ولشعوب اوربا الشرقية لتأليبهم على النظام الشيوعي.

السؤال هو لماذا وافق الاتحاد السوفيتي على تلك الشروط؟

الجواب هو، لانه كان بحاجة ماسة الى الحبوب كالحنطة والذرة الصفراء والصويا لاطعام الناس ولتربية الحيوانات للحصول على اللحوم.

الولايات المتحدة ارادت اذلال وابتزاز السوفيت ومنعت حلفائها من بيع الحبوب للسوفيت مثل كندا واستراليا ..

ازالة التشويش عن تلك الاذاعة سمح بتدفق الدعاية المضادة التي يتحدث عنها فليتشك !!

السبب الاساسي كان ضعف الانتاجية وقلة الكفاءة في ادارة الموارد الهائلة للاتحاد السوفيتي..

الآن تعتبر روسيا اكبر منتج للحنطة في العالم مع انها اقل مساحة من الاتحاد السوفيتي بسبب التوسع في البحوث الزراعية وتطوير سلالات تعيش في الاراضي الباردة الشاسعة.

متوسط نصيب الفرد من الناتج في الاتحاد السوفيتي كان بضعة مئات من الدولارات شأنه شأن الدول النامية الفقيرة. والسبب تراجع التنمية وعدم جدوى معظم المشاريع الحكومية التي كانت بمثابة عبء على الموازنة بدل ان تكون عوناً لها..

فلتشيك يتحدث الآن وربما تجاوز السبعين من العمر، وبذلك تغيرت حاجاته واصبحت مختلفة عن حاجاته ورغباته وهو شاب في مقتبل العمر. لذلك أخذ يشعر بالحنين الى ماكان متوفراً في زمن الاتحاد السوفيتي من وسائل الهدوء والبساطة في العيش والشعور بالسلام. لكن حاجات الشباب تتعدى ذلك وهي ليست ناتجة عن دعاية مضادة او خديعة سياسية.

النظام الشيوعي كرس جهوده للجانب العسكري واهمل الجوانب الخاصة بالاستهلاك المدني.

والا هل يعقل ان يصنع النظام اقوى الطائرات المقاتلة والصواريخ التي تذهب الى الفضاء ويعجز عن صنع سيارة فاخرة او ثلاجة او جهاز فيديو ؟؟

الغرب كان يتآمر ضد السوفيت ولكن السوفيت سقطوا بسبب اخطاء داخلية كبيرة سهّلت مهمة الغرب..

لقد اهملوا الحساب الاقتصادي واعتبروه جزء من الفكر الرأسمالي الامبريالي وحاربوا الاقتصاديين الذين كانوا يدعون للاصلاح الاقتصادي وهرب الكثير منهم الى الدول الغربية..

الاتحاد السوفيتي كان امبراطورية عظيمة ولايجوز القول انها سقطت بفعل مؤامرة او بسبب خيانة احد القادة مثل غورباتشوف. يجب البحث عن الاخطاء في داخل النظام نفسه سواء من الناحية النظرية او من ناحية التطبيق والممارسات..مع عدم اهمال العوامل الخارجية التي تستغل اخطاء ذلك النظام. حتى الافراد الشيوعيون السوفييت يتحدثون عن اخطاء النظام. ولكن البعض لازال يصر على تقديس ذلك النظام وتنزيهه عن الاخطاء.

***

د. صلاح حزام

يكتفي البعض بالقول ان الحرب سياسة، ويقر البعض الآخر بأن الحرب من صنع السياسة، ولا حرب من دون سياسة، والسياسة تصنع السلام، والسلام قاعدة عامة والحرب هي الإستثناء، والحرب تشعلها السياسة وتطفيها.

والشروع في الحرب له شروطه كما إيقافها له شروطه ايضا .. وأحد شروط الحرب الإستعداد لها في التخطيط والتعبئة المادية والبشرية وضمان الموارد وتأمين التحالفات السياسية وتأمين خطوط التراجع والتقدم والنصر بأقل الكلف.

ومن الغباء الدخول في الحرب دون تخطيط، والتخطيط الشامل والكامل يتمثل بتحديد الهدف من الحرب ومتى تتوقف وموارد استمرارها وعثرات توقفها وتراجعها وضمان الحفاض على تعبئتها البشرية وصلاتها وتحالفاتها السياسية والعسكرية والمالية وضمان عدم تهديد السلم الإجتماعي والاقتصادي وضمان النصر بصياغة السلام القائم على التفوق وعدم الخرق .

الحرب تشترط تعويض الخسائر المادية والبشرية إذا ما استمرت وتغيرت موازين القوى على مستوى القوة وعلى مستوى تحالفات القوى.

وهدف الحرب إما أن يكون من أجل تحرير الوطن والخلاص من الهيمنة، ولهذا الهدف شروط متشعبه سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وإجتماعياً محلياً وإقليمياً ودوليا . وأي خلل في إحدى هذه الشروط يكرس نتائج ربما تكون كارثية على هدف الحرب وهو الحرير، وإما أن يكون هدف الحرب مناورة سياسية أو مشاغلة إعلامية من أجل الإرباك والتشويش وخلط الأوراق، ولهذا الهدف نتائجه ايضا.

ومن أهم ركائز الحرب هي معرفة الخصم وقوة الخصم وتحالفات الخصم في ميزان تعادل القوى، ومن غير هذه المعرفة يمسي هدف الحرب كارثياً أيضا.

وحسابات الصراع تكون عادة ذات طابع إستراتيجي، وليس طابعها إعلامي، وإن ترجيح الحسابات الإعلامية والآيديولوجية على الحسابات الإستراتيجية، يُعَدُ كارثة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية من الصعب إصلاحها أو ترميمها بعقد أو أكثر من السنين، فالصراع الاعلامي هو جزء من تخطيط الصراع الإستراتيجي وليس العكس. كما أن التفريط بزمن الصراع له تبعاته ونتائجه الوخيمة.

وكل ذلك يدخل في حسابات الصراع ، فهل تنطبق هذه الشروط على الصراعات الحيوية والمصيرية في المنطقة ومنها غزة مثلاً؟!

***

د. جودت صالح

7 / 9 / 2024

ينبع نهر دجلة من جبال طوروس في تركيا، ويبلغ طوله حوالي 1718 كيلومتراً، ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ حوالي 1400 كيلو متر.. يعبر النهر الحدود السورية التركية ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كلم تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور ويصب في النهاية في الخليج العربي.. يتفرع دجلة إلى فرعين عند مدينة الكوت العراقية هما نهر الغراف والدجيل.

ويعد نهر الفرات، الذي ينبع من جبال طوروس أيضاَ، ثاني أكبر نهر في الجزيرة العربية بعد نهر النيل، ويبلغ طوله 2940 كيلومتر ومعدل تدفقه 356 مترً مكعبً في الثانية ، موزّع بين كلٍّ من (تركيا وسوريا والعراق )، أمّا نصيب تركيا منه فيقدّر حوالي 1176 كيلو متراً، أما في سوريا فيقدّر تقريباً طول الفرات بحوالي 610 كيلو متراً، في الوقت الّذي يقدّر فيه طوله في العراق بحوالي 1160 كيلو متراً.

بعد أن يتدفق عبر شمال شرق سوريا، يتدفق نهر الفرات إلى العراق وينضم إلى نهر دجلة بالقرب من مدينة القرنة ليشكل نهر شط العرب الذي يبلغ طوله 180 كيلومترًا، والذي يتدفق بعد ذلك إلى الخليج العربي.214 Iraq rivers

وبين هذين النهرين وعلى ضفتيهما قامت أولى الحضارات الإنسانية كما نعرفها اليوم: الحضارة السومرية، والأكادية، والبابلية، والآشورية، والكلدانية.

كانت القرى المسورة موجودة في هذه المنطقة منذ الألفية السادسة قبل الميلاد، وبحلول الألفية الرابعة قبل الميلاد، أصبحت هذه القرى مدنًا وممالك، واخترعت الكتابة المسمارية، وتطورت علوم الطب والفلك والرياضيات، وتم إصدار القوانين، وازدهر الفن بجميع أنواعه، وظهرت كلمة "بلاد ما بين النهرين". وقد صيغت مرادفا لعبارة "نهضة الحضارة"

وفي السنوات الأخيرة، شهدت شبكات الأنهار وروافد نهري دجلة والفرات نقصا غير مسبوق في المياه.

أذ تعتمد دول مثل تركيا على بناء السدود على نطاق واسع لتوفير المياه للزراعة والطاقة الكهرومائية، لكن بناء السدود يؤدي إلى تفاقم المشاكل القائمة الناجمة عن تغير المناخ، وتكافح الدول المجاورة من أجل التغلب على الآثار .

وقد واجه العراق أزمات حادة في مختلف أنحاء البلاد في السنوات الأخيرة، خاصة بسبب بناء (سد إليس ) التركي على الروافد العليا لنهر دجلة، فضلا عن السدود التركية الأخرى المبنية على روافد أصغر حجما هي الأكثر تضررا نقص المياه.215 Iraq rivers

وندرج ادناه لائحة الانهار التي قطعتها ايران عن العراق وغيرت مسارها لتجعلها داخل إيران فقط!:-

1- نهر الوند: المار عبر مدينة خانقين محافظة ديالى.

2- نهر الزاب الصغير:  في محافظة السليمانية.

3- نهر كارون: ينبع من مرتفعات ” بختياري ” الإيرانية، ويصب في شط العرب في محافظة البصرة عند ميناء “خرمشهر ” المحمرة.

4- نهر دويريج: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويدخل الحدود العراقية قرب ” مخفر الفكة ” العراقي في محافظة ميسان، ثم يتجه غرباً ويصب في ” هور المشرح" .

5- نهر كرخة: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويصب في ” هور الحويزة" المشترك بين العراق وأيران ضمن محافظتي البصرة وميسان .

6- نهر الطيب: ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل الأراضي العراقية في منطقة ” جمشة ليلة ” في محافظة ميسان التي تبعد عن المخفر الحدودي بنحو 2 كم من ناحية الشمال، ثم يسير النهر بمحاذاة الحدود لمسافة 2 كم تقريب .

7- نهر كنجان جم: غيرت مسار هذا النهر الذي كان ينبع من مرتفعات ” بشتكوه ” الإيرانية ويجري باتجاه الجنوب الغربي نحو العراق .

8- نهر وادي كنكير: بلغ تصريف النهر عند الحدود العراقية قرب قضاء مندلي في محافظة ديالى.

9- نهر قره تو: يدخل الحدود العراقية عند قرية ” طنكي حمام ” بعد اجتيازه مناطق سهلية إيرانية وتصب به عدة روافد صغيرة بعد دخوله. الأراضي العراقية .

10- نهر هركينه: يعتبر النهر وروافده، الخط الحدودي الفاصل بين ” بناوه سوته ” و (هركينه ” العراقية و ” بايوه ” و ” باشماق ” الإيرانية)

11- نهر زرين جوي الكبير: يروي الأراضي الواقعة على جانبي حدود البلدين لمسافة2كم.

وسط ذلك، فإن الوضع المائي في العراق، تحول من مرحلة الأزمة إلى مرحلة المعضلة المائية، كما يرى خبراء البيئة .

ومن المعروف للمختصين بهذا المجال أن الأهوار العراقية تستمد المياه من نهري دجلة والفرات وتوفر موطنًا طبيعيًا للأسماك والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى مناظرها الخلابة وجمال طبيعتها، تعتبر تلك الأراضي الرطبة نقطة استراحة وعبور لآلاف الطيور المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا، ما يجعلها من أشهر الوجهات السياحية في العراق.

ويقول خبراء البيئة إن المخاطر التي تجتاح الأراضي الرطبة حاليا لا تشمل فقط تدمير واحدة من أعظم المعالم الطبيعية القديمة في العراق واختلال التوازن البيئي في مناطق واسعة من البلاد.

ولكن أيضا التهديد الذي يواجه سكان الأراضي الرطبة نتيجة هجرة أعداد كبيرة من الأشخاص إلى المدن والمناطق العراقية.

ويتسبب الأمر بضغوط كبيرة ديمغرافيا واقتصاديا وخدميا على المدن والبلدات والقرى، التي يقصدها سكان الأهوار، إذ يعتمدون غالبا على مياه الأهوار لرعي وسقي جواميسهم وصيد السمك والزراعة وخاصة زراعة الأرز .

***

شاكر عبد موسى/العراق

.......................

المصادر

* كتاب .. أهوار جنوب العراق أرضاً وسكاناً / حسين الزيادي/ دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع- بغداد 2019.

* سعاد حسن الجوهري/ جريدة الصباح العدد5280 السبت 6 كانون الاول/ 2021

* صحيفة المثقف / زلزال تركيا وانهيار الدولة/ جواد السعيد العبادي 22 شباط 2023.

* موقع للعلم/ مقالة بقلم الكاتبة المصرية رحمة ضياء/ كيف أسهمت الحروب والتغيرات المناخية في شح المياه بالعراق/ 30  يونيو 2019.

الكتابة رسالة حق وصدق ومبدأ وإيمان ومواجهة حامية بين الباطل، وما يتصل به من سلوكيات خبيثة تصيب المجتمع بآقات الفساد المتنوعة.

"...يكتب بالسكين"!!

نعم إن الكتابة المعاصرة بحاجة لمداد النار، والأقلام فوهات بنادق، وصواريخ ومسيرات، والكلمات قنابل نووية، لكي تزعزع سكون الحياة، وتطلق الطاقات من دياجير القنوط.

الكتابات المنافقة المرائية المداهنة تساهم في صناعة المآسي!!

فهل لدينا كُتاب، وعندهم أقلام، تواجه الأصنام، وتوقظ الحكام؟

ما نكتبه من وحي الهراء، ويذهب هباء، لأنه مستنزل من آفاق الصوامع العلوية، التي نعتصم بها خوفا من مواجهة واقع يصفعنا بتحدياته المتنامية المسعورة بالويلات.

الكراسي في أنظمة حكمنا لا تسمع ولا تقرأ، وما تقوم به تنفيذ أوامر وإنجاز أجندات، ولا يعنيها ما يجول في أعماق المواطن، وما يحتاجه المجتمع من خدمات، ولا تعمل على تأمين حقوق المواطنين.

فلماذا نكتب؟

نعم إن الكلمة ذات تأثير، لكنها عندما تكون القوة التكنولوجية الفائقة ذات سلطان مطلق، تصبح الكلمات بلا دور وقدرة على التغيير، وتبدو الأقلام وكأنها تكتب على وجه الماء.

ومن الواضح في مسيرة الأمة أن أقلامها تنشطر إلى نصفين، بعضها مع الكراسي وأخرى ضدها، والتي معها تنتصر وتكون ذات تسويقية عالية وتأثير كبير، فما أكثر الأقلام المرتزقة في مجتمعاتنا، وهي بلا قيم وضوابط، وهمها أن تزيد من عطاياها وكيف تملأ جيوبها.

هذه الأقلام المخزية بأنواعها لها دورها في توجيه أنظار السلطات وتغفيل المجتمعات وتجهيلها.

الكتابة الحية الصادقة تدفع ثمن ولا تكسب ثمنا، وكم من الأصوات الحقيقية التي نطقت بلسان الحقيقة تكومت في نطع، بعد أن جز أعناقها السياف الذي أمره السلطان، الموجه من قبل أصحاب الرأي المتطرف الشنان.

فهل سنكتب بالسكين، أم نبقى نكتب بمداد الخوف والغموض والإدغام، والتنادي بإستلطاف الظلم والظلام؟!!

وهل عندنا أفكار صالحة للحياة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كتب الأستاذ فيصل حسون مقالاً بعنوان "نقابة الصحفيين وصورة الرئيس"، وهو منشور في كتابه (1). وفيصل حسون من مواليد بغداد 1922م، كتب ونشر في الصحف مبكراً منذ عام 1937م، وانتُخب نقيباً للصحفيين العراقيين في 1964 و 1965 و 1966م (2).

يروي فيصل حسون بأن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف قد قَدّمَ له مقالاً ممهوراً بتوقيعه لنشره في "صحيفة الجمهورية" بمناسبة الذكرى السنوية السادسة لثورة 14 تموز. وقد اكتشف حسون بأن رئيس ديوان الرئاسة الدكتور محمد بديع شريف قد أعد ذلك المقال ومقالاً مماثلاً آخر ليُنشر في صحيفة "الثورة العربية" التي تقرر أن يصدر عددها الأول في 14 تموز 1964م باعتبارها لسان الاتحاد الاشتراكي العربي.

يقول:

ولأن دار الجمهورية للطباعة والنشر التي كنت أديرها الى جانب رئاستي لتحرير الصحف التي تصدر عنها، قد وفقت أخيراً الى طبع الصورة الرسمية لرئيس الجمهورية المشير عبد السلام عارف بالألوان وببزة السهرة العسكرية لتوزع تلك الصورة على الدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، فإن عبد السلام عارف من فرط اعجابه بالصورة ولأنه يحب الدعاية لنفسه، قال لي: أقترح عليك أن تُوزّع الصورة بمثابة هدية للقراء مع عدد صحيفة الجمهورية الذي سيصدر صبيحة 14 تموز، ولا شك أن هذا الاجراء سيرفع من مبيع الصحيفة في ذلك اليوم. قلت: انني لا أسمح لنفسي بالإقدام على هذه الخطوة لأنها تسبب لدار الجمهورية خسارة جسيمة! قال: كيف وأنت ستبيع أكثر من نسخ الجريدة؟

بَيّنَ بعدها فيصل حسون للرئيس عارف الخسارة التي ستُمنى بها دار الجمهورية، ليقول: وهكذا تراني لا أسمح بتبديد أموال الدار على نحو لا أحقق به كسباً أو مصلحة جدية!

سكت الرئيس عارف على مضض أمام إصرار فيصل حسون، وقد أوعز عارف لسكرتيره الصحفي أحمد عبد الحسو بأن يطلب من دار الجمهورية تزويد القصر الجمهوري بالمزيد من نسخ الصورة الرسمية والعكوف على طبع آلاف أخرى منها.

وقد بلغ عدد الصور التي زودت دار الجمهورية القصر الجمهوري بها ثلاثين ألف صورة. يقول فيصل حسون:

ومع ان قيمتها لم تصل الى ألف دينار فإن ديوان الرئاسة لم يف بوعده ولم يدفع لنا شيئاً.

يروي فيصل حسون مفارقة من مفارقات صورة رئيس الجمهورية عبد السلام عارف:

إنني في إحدى أمسيات كانون الأول 1965، وبعد وفاة الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت، كنت أزور الأخ عبد الرحمن الأرحيم في منزله، وقد رنّ جرس الباب الخارجي، وعندما فتحه صاحب الدار ولج الباب بسرعة الرئيس عبد السلام عارف وهو صديق حميم وقديم لعبد الرحمن الأرحيم، وقد دخلا غرفة الاستقبال التي كنت جالساً فيها، وقال عبد السلام أنه كان ماراً من أمام الدار فقرر أن يفاجىء عبد الرحمن بالزيارة، بينما صرف سكرتيره الرائد عبد الله مجيد بسيارته وطلب أن يعود اليه لاصطحابه بعد أربعين دقيقة. وقد تبادلنا التحية وهممت بالانصراف لئلا يكون في وجودي حرج لهما اذا ما أرادا ان يتبادلا حديثاً خاصاً، لكنهما رفضا أن أبرح الدار وطلبا ان ابقى معهما.

يُكمل حسون:

انطلق عبد السلام يتكلم في موضوعات شتى، وكان من بين ما تكلم فيه وفاة أمير الكويت وقرار الأمير الجديد صباح السالم بخفض مرتبه السنوي من عشرة ملايين دينار الى ثمانية ملايين دينار. وقد ركّز عبد السلام على ضخامة هذا المبلغ الذي لا يكاد مرتب رئيس الجمهورية العراقية يمثل شيئاً مذكوراً بالقياس إليه، وبانتقالة مفاجئة اتبع عبد السلام حديثه عن ملايين الدنانير الكويتية بالقول: وفيصل حسون يطالبني بقيمة الصور التي طبعها لرئيس الجمهورية!!

يعقّب حسون:

وبُهت للمفاجأة، وقبل أن أتمالك نفسي لأقول: وهل أنا أطالب بهذه القيمة لحسابي، غمزني الأخ عبد الرحمن بأن أنسى الموضوع، وقد فعلت ونهضت بعد قليل من مقعدي مستأذناً للتوجه الى منزلي حيث آن لي الذهاب!!

أقول:

لا زلنا في سياق "الحرية" التي منحها ساسة "العراق الملكي" للوزراء وغيرهم. أليست قصة صورة عبد السلام عارف ـ كما أثبتنا عن الوزير أحمد الحبوبي في مقالنا السابق ـ دليلاً على أن هذه "الحرية" ليست حكراً على العهد الملكي؟ وأنها موجودة أيضاً في "العراق الجمهوري"؟! وإلا فماذا نُسمي ما حدث بين نقيب الصحفيين فيصل حسون وبين "الدكتاتور" عبد السلام عارف؟!

***

بقلم: معاذ محمد رمضان - باحث في تاريخ العراق المعاصر

....................

الحواشي:

1ـ فيصل حسون: شهادات في هوامش التاريخ، تقديم: نجدة فتحي صفوة، دار الوراق بيروت ط1 2001 ص370 الى 374

2ـ المصدر السابق ص399

منذ زمن ليس ببعيد تنامت في أسواقنا ظاهرة مؤسفة تتمثل في غياب قواعد السلوك الاخلاقي في ممارسة النشاط التجاري وذلك نتيجة غياب الرقابة الرسمية وركض الباعة وراء الربح السريع بعيدا عن الأمانة والأخلاق الواجب مراعاتهما في هذا الميدان ومنها ضرورة  المعاملة الحسنة مع الآخر واحترام حقه وذوقه وكذلك اتباع الشفافية والابتعاد عن الغش والتدليس في عملية البيع والشراء، فالغالبية من العاملين في اسواقنا للأسف لا يدركون ان المعاملة الطيبة مع الزبون جواز مرور الى قلبه وجيبه وكسبه زبونا دائما، حيث تكفي زيارة واحدة الى سوق الخضار على وجه التحديد لترى العجب في سلوك العاملين فيه، ففي هذا الميدان تتجسد امامك كل اشكال الغش المفضوح ومنها اخفاء العيب في السلعة المباعة وعرض النموذج الجيد وبيع الرديء ــ معتبرين ذلك شطارة ــ، كما ليس لك الحق في الانتقاء واختيار الأفضل من البضاعة المعروضة والويل لك اذا اعترضت على قطعة تالفة يدسها لك البائع ضمن الكمية التي يختارها لك بنفسه اضافة الى رفع اسعار السلع في اوقات الشحة والمناسبات والسرقة في الميزان المعروفة بها شريحة من الباعة، كل هذا الغش والغبن يمارسان بحقك وانت صاغر ومستسلم من أجل ان لا تدخل مع البائع في مشكلة، ولمن عاش حقبة السبعينات وما قبلها  يقر إن هذه الظاهرة طارئة على اسواقنا فأكيد يتذكر كيف كان للمشتري الحق في تذوق المادة الطازجة قبل شراءها وبعد ذلك من حقه ان ينتقي منها الأفضل ويختار ما يعجبه  وأيضا من حقه ارجاعها او استبدالها في حال وجدها مخالفة لضوابط وشروط الاتفاق، والذي حفزني الاشارة الى هذه الظاهرة هو ما قرأته عن سلوك اليابانيين في المطاعم فهم يتناول طعامهم على انغام الموسيقى الهادئة واصحاب المطعم يتعاملون مع الزبون ويستقبلونه بأرق العبارات الجميلة المهذبة الى درجة ان بعض المطاعم اليابانية تضع على الطاولة ورقة صغيرة مكتوبا عليها: نشكرك على حضورك ونرجو ان كان هناك أي تقصير ان تدلنا عليه لكي نتلافاه في المرة القادمة .

 يا ترى اين نحن من هذا الذكاء ومن هذه الاخلاق ومن هذا التعامل الانساني والحضاري؟.

***

ثامر الحاج امين

السياسة عالم شاسع واسع وعميق في معطياته، كما هو الدين تماماً في معطياته ايضا. إلا أن السياسة تتسم بالتقلبات والتحولات والمناورات و(التدليس والتغليس) فضلاً عن اهداف البناء والتأسيس على قواعد التغيير والشروع في تغيير الواقع نحو الأفضل، وفيها شيئاً من تقلبات الكذب والنفاق كلما تطلب الأمر ذلك.

أما الدين فهو منهج فرضه الدستور على الأمة وهو القرآن الكريم .. منهج ليس فيه (تدليس وتغليس) ولا كذب ولا نفاق أو دجل، ومثل هذا المنهج يتسم بالقدسية، والقدسية هنا لا احد يستطيع تلويثها بالسياسة التي تتسم بكل ما تقدم.

كما أنه من الصعب تقبل حشر السياسة بالدين حيث يمتزج (التدنيس بالتقديس).. فهل يقبل رجل الدين بأن (يدنس) الدين بالسياسة التي يشوب بعض جوانبها المناورات والمساومات وبعض النفاق والكذب؟ وهل يقبل رجل الدين أن تكون قدسية الدين مرتعاً (للتدنيس)؟ فماذا يقال إذا ما أدخل رجل الدين أنفه بالسياسة، وأدخل رجل السياسة أنفه بالدين وتبادلا الأدوار؟ وماذا يصبح الدين؟ وماذا تصبح السياسة على مسرح الأحداث أمام الناس؟

كانت اوربا قد عانت من هذه المعضلة وتحملت إشكالياتها طوال عقود وعقود أنتجت حروب وحروب.. وبالتالي استقر التفاهم على فصل الدين عن السياسة والبدء في التنمية وبناء الدولة المدنية الحديثة وأن تكون مهمة رجال الدين في الكنيسة يوعضون بالناس بأصول الدين والموعضة الحسنة ولا يخلطون ذلك بالسياسة التي هي من واجبات السلطات المدنية التي تعمل في الإدارة السياسية، الأمر الذي ادى الى نجاح تلك الدول في تطورها وتنميتها وإزدهارها ورقيها.. فيما بات رجال الدين يرشدون الناس في دور العبادة، إلى الطريق الحق بالنزاهة والصدق والرحمة والمساواة والتكافل الاجتماعي، بدون احزاب دينية سياسية .. فإذا دخلت السياسة بالدين خربته، وإذا دخل الدين بالسياسة خربتها ايضاً .. لأن الدين لا يسيس اطلاقاً.

***

د. جودت صالح

7 / 9 / 2024

النسيان ظاهرة تعصف بأرجاء مجتمعات الأمة، وتتفاوت نسبته بين دولة وأخرى، وأكثرها نسيانا، مجتمعات بلاد الرافدين، التي تذل رموزها، وتنتقم من قادتها، وتهدم ولا تبني، ولاحقها يمحق ما شيده سابقها، فما فيها مرتبط بالكرسي، فهو الميزان الذي بموجبه يكون تقيم الأشياء وردها إلى أصلها.

فلا قيمة لأي شيئ، وكلها نابعة من سلوكيات "ذهب مع الريح"!!

يسألني صديق : لماذا لا نذّكر برموزنا المعرفية، وقادة مسيراتنا، بعكس ما يحصل في بلادٍ أخرى؟

لا أعرف الجواب، لكنها من طبائعنا، أننا لا نتباهى ببعضنا، ونحسب القوة في القضاء على منافسينا، لا التنافس معهم للإتيان بالأفضل، وقائد تصرفاتنا " فحل التوت في البستان هيبة"، وهذا يحتم القضاء على كل مماثل أو لديه القدرة على أن يكون أفضل.

سلوك ينخر وجودنا من أعلاه إلى أسفله، وما وجدنا تفاعلا جماعيا بين العقول، أو بين أصحاب الكراسي، فالجميع يردد " وما إجتمعت بأذوادٍ فحول"!!

ولا فرق  بين ما تقوم به ذكور الحيوانات في الغاب، وما يجري في مرابع بعض المجتمعات، التي تدفعها  غرائز ورغبات مطمورة يتم تغليفها بما يساهم بتسويقها وتأمين تنفيذها بغرائبية غير مسبوقة.

تساءلت عن العديد من المثقفين والعلماء والمجديدين، وما وجدت إلا القليل النادر منهم مَن إستطعنا أن نحافط عليه في ذاكرة الأجيال.

ويبقى السؤال الصعب: لماذا نهمل بعضنا؟

والجواب كمطاردة السراب!!

***

د. صادق السامرائي

 

في هذا المكان كتبت عن ظاهرة مركز الرافدين وعن صاحبه زيد الطالقاني .. وقد كنت اشاهد مجموعة اطلق عليهم زورا لقب مثقف يشاركون في فعاليات مركز الرافدين، والبعض منهم اصبح من اعضاء الهيئة الادارية للمركز، وتجده يجلس مسترخيا والابتسامة ترتسم على وجهه ينظر باعجاب الى زيد الطالقاني وهو يستقبل السفراء وكبار المسؤولين .

هذا المثقف المزيف نفسه ستجده في جلسات " الانس " الليلية يتحدث بحسرة والم عن الفساد وضرورة التغيير، وما ان تشرق شمس الصباح حتى يرتدي بدلته ليذهب مطمئنا  للعمل في مكتب الحلبوسي او مكتب عمار الحكيم او اي مكتب من المكاتب التي توفر له مالاً وعلاقات وسهرات ليلية .. هذا المثقف المزيف اصيب بالخرس بعد ان تعرض زيد الطالقاني للملاحقة القانونية ..وتوارى عن الانظار وهو يشاهد الطالقاني يُساق الى السجن ، بل ان البعض منهم اخذ يبحث عن ممول جديد ليطوي صفحة مركز الرافدين  ويتهيأ لفتح صفحة جديدة .

في كتابه الشهير  "المثقفون المزيفون" – ترجمة روز مخلوف -  يقدم لنا المفكر باسكال بونيفاس، قسمين من المثقفين، الأول: يسميهم المثقفين المزيِفين وهم الذين  يمارسون تضليلا متعمدا، ويصفهم بأنهم يلجأون إلى حجج هم أنفسهم لا يصدقونها. والقسم الثاني: ويعتبرهم أسوأ من الفريق الأول، فهم المثقفون الذين يعتنقون مواقف وفقا لمصالحهم الشخصية. والى هذا الصنف ينتمي الذين صمتوا وهم يشاهدون ما جرى لزيد الطالقاني .

اكتب هذا الكلام الذي ربما يزعج البعض، لكننا ياسادة نشاهد ونقرأ كيف يساهم " المثقف المزيف " بإشعال نيران التعصب واشاعة الرثاثة عندما يصفق ويروج لاعمال ثقافية اوفنية او منتديات لا تنتمي للثقافة او الفن بصلة، لمجرد انها تداعب حواسه الطائفية او غرائزه المالية، فنجده يرفع شعار ان هذه الاعمال تشبهنا، وهي بالحقيقة تشبهه لانها مزيفة مثله .

يضع إدوارد سعيد يده على رسالة المثقف الأساسية، حيث يطاليب في كتابه " خيانة المثقفين " بان يمارس المثقف دوره الحقيقي في الدفاع عن قدسية الحياة، وعن القيم التي تجمع الناس. رسالة المثقف عند ادورد سعيد هي رسالة انسانية، غايتها الاساسية الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته واستقلاله، بل تصل حتى للدفاع  عن حرية من يختلف معه في الرأي، وفق لمقولة فولتير الشهيرة : قد أختلف معك في الرأي، ولكنني أبذل كل ما في وسعي للدفاع عن حريتك، ولو كلفني ذلك حياتي .

***

علي حسين

 

رغم كثرة الفشل، وتزايد الفساد والمفسدين، ورغم كثرة الفضائح السياسية وتعددها والوانها، مازال المسؤول العراقي لا يفهم معنى الاستقالة، أن الوزير السياسي هو المسؤول عن كل ما يجري في وزارته، ولا يتهرب من المسؤولية لأي سبب كان، وعند حصول خطأ ما في حدود سلطاته فيجب عليه هو، وليس غيره، أن يتحمل المسؤولية السياسية والأدبية ويقدّم استقالته من منصبه، فهذه ضريبة أن تكون وزيراً سياسياً، أن كلمة السر في الموضوع كله هي المسؤولية.

إذن المسؤولية السياسية ليست سهلة، والمنصب ليس تشريفاً، والتعهدات التي يطلقها المسؤول حين تسلمه المنصب ليست مجرد كلمات مستهلكة ينساها بعد حين، أن الكلمة مسؤولية، وهذه الكلمة هي سبب استقالة (يوكيو هاتوياما) رئيس وزراء اليابان (حزيران 2010) لأنه لم يستطع الإيفاء بالعهد الذي قطعه للناخبين بنقل قاعدة أمريكية في جزيرة (أوكيناوا) من مدينة (جينوان) إلى منطقة (هينوكو)، رغم أنه لم يستلم منصبه إلا قبل (9) أشهر فقط! (تذكروا معي الكمْ الهائل من الوعود التي أطلقتها النخبة الحاكمة ولم تلتزم بها، والمفارقة أن الشعب أول من نساها ولم يحاسبهم عليها، بل أعاد انتخابهم مرة أخرى.

المسؤولية السياسية ونتيجتها الإستقالة في غاية الأهمية وتضع المسؤول الأول على المحك دائماً، وتعتبر أنه المسؤول عن كل ما يجري في حدود سلطاته، وهي ثقافة سادت في الكثير من المجتمعات ولكنها غائبة عن مجتمعنا العراقي، فمن النادر أستقالة مسؤول بسبب خطأ وقع في القطاع المؤتمن عليه، رغم كثرة التجاوزات والأخطاء والفساد، فالمسؤول الأعلى يرى الكارثة تحدث ويعرف تماماً أنها من ضمن اختصاصه، وهي نتيجة فساد أو سوء تخطيط أو إهمال، ومع ذلك لا يتحمل المسؤولية بل يتجاهل الكارثة أو يبررها، وفي أحيان كثيرة يتم تحميل المسؤولية إلى صغار الموظفين ليكونوا كبش الفداء لأخطاء المسؤول الكبير، مواقف لا نراها إلا في بلاد سادت مجتمعاتها قيم الحرية، والانتخابات الحرة، وثقافة المحاسبة، وعدم السكوت على الخطأ، ولفظ المسيء، عن طريق حجب الثقة عنه واساقاطه في أول فرصة تمُكن المواطن من أداء دوره الذي يراه واجباً يجب القيام به، وليس ترفاً من أمور الحياة الخاصة، أمثلة كثيرة يمكن ذكرها بدأ من الزعيم الفرنسي ديغول القائد المظفر الذي حقق الاستقلال لبلده لكنه يستقيل، رغم التأيد الشعبي له، لأنه رآه ليس بالتأيد الكاف الذي يستحقه، فقال كلمته المشهورة " أنا ذاهب الى بيتي اذا ما احتجتموني تعلمون أين تجدوني،، رئيس الوزراء الياباني رغم فوزه وهو في قمة انجازاته يتقدم بالاستقالة ويختار التنحي لأنه يرى ضعف بهمته وتراجع بنشاطه فيقول "إن اضطراري الى العمل بجدية أكبر جعلني أشعر بالقلق لأنني لم أعد أستطيع ذلكولنا أن تتصور زعيم عندنا أو أنصاف زعماء بل على مستويات أقل بكثير ولم يكن وصولهم لمناصبهم أصلا شرعيا عن طريق الانتخابات ولم يكن لهم أي نجاح أو أنجاز وهم يدافعون وبل ويقاتلون من أجل البقاء بمناصبهم.

ثقافة الاستقالة هذه لم تأت من فراغ أو كرم وتفضل من المستقيلين، بل هي قيم وعرف وأخلاق غير مكتوبة من العقد الاجتماعي بين شرائح المجتمع  تحميها المواقف الشعبية التي تلقظ كل فاسد وترفض كل مسيئ له، ثقافة الاستقالة تجذرت عند تلك الشعوب منذ عقود بعيدة، جعلت كثير من المسؤولين يستقيلون ويخرجون من الحياة السياسية لأسباب تراها شعوبنا تافهة وثانوية وشيء من الترف السياسي أو النرجسية والمثالية الزائدة بينما هي عندهم خطوط حمراء لا يجوز تخطيها وقيم لا يمكن التساهل بها، عندما يتخلى المجتمع عن المحاسبة، وتسكت النخب عن المسائلة والنقد والصدح بالرأي، لن تسود مثل هذه الثقافة في مجتماعتنا العربية، وسيظل المخطئ والمسيئ والفاشل يجد من يرقع له سقطاته ويبرر له اساءاته ويجُمل له انحرافاته، المشكلة ليست هنا، بل بمن يدافعون عن هؤلاء وينافحون عنهم من حملة أقلام وكتاب وأعلاميين وأصحاب رأي وتأثير على المجتمع من النخب وأهل الحل والعقد، وتمتد المصيبة لتشمل الشعوب الغير آبهة بما يدور حولها ولا تتاونى عن التصفيق والتهليل، هذه الظاهرة الفاسدة حالة الشعوب المقهورة ومنها شعبنا التي لا تجد حيلة للانعتاق منها.

في ظل النظام السياسي الحالي، رشاوي وسرقات القرن وغيرها واختلاس اموال الشعب وشبكات تنصت وفوضى سياسية في كل الارجاء، ومسؤولين لايجدون حرج بالبقاء بالسلطة والاستمرار بالحكم بدون أي شعور بالأثم وعذاب للضمير، واسباب كثيرة وراء هذه الظاهرة السلبية من التشبث بالمركز والمنصب ورفض ثقافة الاستقالة، من أهمها مزايا المنصب المادية والمعنوية والتشريفية، واعتبار المنصب مكسب وليس مغرم، وضعف الشفافية وعدم وجود الجهة الرقابية والجهة التي تحاسب على التقصير والفشل، ناهيك عن عدم وجود معايير الوصول لهذا المنصب الذي عادة لا يكون عن طريق الانتخابات الحرة، بل عن طرق اخرى مخلة بالعدالة والمساوة وتساوي الفرص وبيعدة عن المعايير المحددة الواضحة

***

نهاد الحديثي

 

بعد ثورة /يوليو 1952//حدث إنقلاب في النظام الاجتماعي في مصر، وبدأ يتخلص من العبودية القهرية، في قريتنا كان ناظر الخاصة الملكية هو {الحاكم بأمر الله في القرية} يأمر بترد هذا المزارع من الأرض، واعطاء أرض لهذا، ويأمر شيخ الخفراء بِجِلدِ هذَا بِالكربُوجِ السوداني، وكان ناظر الخاصة الملكية له نفوذ وحاشية اختاروا التقرب له ليكونوا تحت مظلتة، انتهي هذا العصر مع قيام ثورة يوليو، وبعد الثورة ظلت حفنة تبحث عن مظلة من اصحاب السلطة والجاه والنفوذ والسلطة، تتقرب للنظام الجديد وللنظم المتعاقبة، تحت مظلتهم كحماية لهم، رغم معاملتهم مثل العبيد او كما يطلق عليهم علماء الاجتماع (العبيد التطوعي) وحدث طفرة اقتصادية بعد حرب اكتوبر من الهجرة وانتعشت عائلات اقْتِصَادِيًّا كانت تعيش تحت خط الفقر، ولكن شعروا بعقدة النقص والدونية فبحثوا عن شخصية اعتبارية من رجال السلطة، ليكونوا لهم عبيد"توابع " ولا يخجلون أنهم توابع لفلان،، ويظهر طائفه منهم فترة الانتخابات، ولكن بصورة مودرن حديث، يحملون لهم الهدايا والتقرب لهم، ويعملون لهم خدم، ويكونوا سعداء لآن الباشا، لعنهم بأقذر الشتائم، ويسبحون اطراف النهار وآنا الليل، بالباشا وبطولاته الوهميه، عندما تم توجية سؤال لمحررة العبيد في امريكا "هاريت تويمان " ماهو اصعب شيء في تحرير 700 //من العبيد قالت إقناع العبيد أنهم عبيد، العبارة نفسها بتعبير اخر قالها الفيلسوف الفرنسي// جيل دولوز:

" القناع موت آخر بطيء".

أصعب معركة يمكن أن يخوضها إنسان عندما يحاول إعادة شخص ما، الى صورته الحقيقية التي نساها، ووجهه الضائع، وصار القناع وجهًا ستكون الخاسر الوحيد أنت لآن الآخر ليس عنده ما يخسره بعد ان خسر حياة كاملة.،، وقبل الإذلال والمهانة ستجد نفسك أمام دفاع مستميت ومع الوقت تكتشف أنك تدافع عن إيمانك العميق في أن هذا الوجه ليس قنَاعًا،  بل حالة انكار،  خاصة اذا قطع هذا الوجه شوْطًا طَوِيلًا فِي الإِذْلَالِ والآقنعة وتحول الى كائن وهمي لا وجود له حتى في نظر نفسه لذلك يخلق شخصية ولغة لكل شخص ولكل موقف:

كيف يمكن اعادة كائن هارب من نفسه الى نفسه..؟

"إن الإنسان

"المُذِلِّ " يَحسُدُكَ عليَّ وضعكَ وحُريتُكَ، لذلك لا يستطيع قطع الطريق، عَائِدًا، إِلى مَا قبْلَ الإِذلَالِ هُناكَ،  اشياء كثيرة تحطمت في طريق الإذلال وتحولت الى قواعد حياة وعادة وروتين بل الى مبادئ ومن الصعب العودة الى ما قبل.لكي يقطع مسافة العودة قبل الإذلال عليه أن يحطم في طريقه كثِيرًا من الأحلام والصور والقناعات والآمال والآوهام الزائفة ومن ذاته المصنّعة،

والقناعات الوهمية أخطر من الشر بل مصدر للشر لأنه لا يصدر من قناعات صافية وحقيقية وعميقة لذلك الشر سطحي وغبي أَيْضًا، يقول الكاتب (اورويل) عنهم، إن

الذين يقطعون طريق العودة، مستنزفين بلا أهداف، يحتاجون الى وقت وطاقة أكبر بكثير من نقطة البداية وهذا ليس مُتَاحًا دَائِمًا وفي حالات يتحول الذُّلْ الى نمط حياة في مناخ متقبل، في هذه الرحلة العمرية من حياتي في الحياة، قابلتُ الكَثير من الأقنعة والقليل مِن الوجوه الكُلحَةُ التي سَئِمْنَا مِنهَا وخجلْنَا مِنْ تصرُّفاتِهِمْ من ضياع الحياء لديهم من حياة الذُّلِّ التطوُّعِيِّ" للباشوات الجُدُدُ، كان العرب القدماء ينصحون بـعدم مُؤانسةُ" الذلِيلُ" لَا تُمازِحُهُ وَلَا تُؤانِسُهُ لِأَنهُ مُبرمَج عَلَى الإِذلَالِ وَلَا يَحتَرِمُ مَنْ يَحترِمُهُ بَلْ يَنتقمُ مِنْهُ للتعويض عن النقص في الشخصية عَارٌ مُعتَقٌ لكِنهُ يَحترِمُ احتِرَامًاً مبنِيًّا علَى الخَوفِ كُلُّ مَنْ يَحتقِرُهُ.

الذَّلِيلِ لَا يتسامح ولا يحب ولا يحترم الآصحاء لآنه يكره نفسه ويحتقرها ولآنه يريد ان يعيش دونيته بسرية تامة بلا وجه نقيض نقي يذكره بعاره المقنّع بل يقترب من النموذج نفسه المقنّع لتبادل شبيه الرخيص والمنافق.الحوار بينهم حوار أقنعة لآن القناع يخلق هوية مشتركة كما تحدث بين اللصوص ومخلوقات القاع الاسفل والقراصنة والنصابين وباعة الجسد والخ.

تاريخ القناع يعود الى زمن الوثنيات والاساطير ثم الاحتفالات الطقسية وانتقل الى المسرح ثم صار بديلاً في عالم اليوم عن الوجه:

" خجلتُ من نَفسي عِندما أدركتُ، أنّ الحياة حفلةٌ تنكرية، وأنا حضرتُها بوجهي الحقيقي في مسقط رأسي والبيئه التي أعيش داخلها "  لكن ليس كل انسان تعرض للإذلال والمهانة عَاجِزًا عن الخروج من المتاهة، لو كان هناك وعي المتاهة، واذا لم تتحول المتاهة النفسية الى اجترار وقواعد بل والى قيم ونمط حياة، لأن بعض الاشخاص في أسوأ وأحلك الظروف تبقى فيهم مصدات وقائية ومبادئ صلبة تقاوم الانحلال والمضي في الطريق، وفي اشتباك داخلي صامت بين المحيط وبين الذات الملغية وبين القناع، وفي هذا الصراع إما أن يمرض أو يُجن لكنه لا ينحط لأن قيمه وأخلاقه الطبيعية وتربيته تقف حاجزًا وقائِيًّا ضدَّ الضحالَةِ الأخلاقية والأقنعة رغم الإنهاك النفسي والتعب والوحدة الروحية، هم لايشعُرُون أَنَّ أبنائهُمْ سَوفَ يَرِثُوا عَارَ الإِذلَالِ أَنَّ أبائهُمْ كَانُوا عَبِيدَ تطوُّعِي، وأنةُ وُلِدَ مِنْ رَحِمِ تَجرِبةِ الوجعِ المُطهرَةِ مِنْ جَدِيدٍ والتاريخ أثبت إن هذا الصنف خلقوا حياتهم من جديد وخلقوا لنا أيضًا المثال على اننا يمكن العودة الى بداية الطريق بل والى طرق جديدة وان الحياة ليست نسخة واحدة.

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

من الملاحظات المؤلمة، أن تشاهد العديد من المشاركات على صفحات التواصل الإجتماعي بأنواعها، لأصدقاء ومعارف، ويأتيك بعد حين بنعيهم!!

بغتةَ أخذت تنهال أخبار أحد الزملاء و بعد أيام، يردني خبر وفاته، وتكررت الحالة مع أكثر من زميل وصديق ومَن أعرفهم، حتى أصبحت أخشى من متابعة صفحات الفيس بوك وأخواته.

زميل بدأ يلقي أحاديثا مسجلة في موضوعات إختصاصه، وكانت أسبوعية وأحيانا يومية، وبعدها أسمع  نبأ وفاته.

وزميل آخر راح ينشر ما يقوم به، وتردني منه صور عن نشاطاته العلمية، وما أنجزه، وأنا في خضم متابعته، وإذا بخبر وفاته يباغتني.

وأحد الكتاب الذين أتابعهم، تواصلت منشوراته بكثافة، ثم إنقطع فجأة، وإذا بخبر وفاته يتصدر بعض الصفحات.

وشخص أعرفه، وصديقي يحدثني عنه، كلما تهاتفنا، وبدأ يجري العديد من اللقاءات مع محطات تلفازية، ويلقي الأحاديث عن الواقع وما سيحصل، ويبث أفكاره، لكن خبر وفاته كان سبّاقا.

ومن الذين أعرفهم، كان له باع طويل في التحليلات وإبداء الآراء عن الأحداث الجارية في الدنيا، وله مئات الآلاف من المتابعين، لكنه توقف، وجاءني نبأ وفاته، لأنه يعاني من مرض عضال.

ومؤلف آخر ومجتهد في الدفاع عن لغة الضاد، إزداد نشاطه في طبع كتبه، وحاول أن يطبع كل شهر كتاب، وما هي إلا بضعة أشهر، حتى يظهر الإعلان عن وفاته!!

هذه ظاهرة سلوكية، برزت بسبب وسائل التفاعلات الإجتماعية الجديدة، وما أكثر محطات (اليو تيوب) التي يبث منها أصحابها، ما يتصورون بأنه سيخلدهم في الدنيا الفانية حتما.

الزمن المعاصر تساوت فيه (الكرعة وأم الشعر)، فلن ينفع التأبد فوق التراب أي نشاط وتعبير عن المحتوى، فالدنيا تدور بسرعة وتتطلع للأمام ولا يعنيها ما وراء الظهور.

وهكذا فالخشية ترافقني عندما أتصفح ما تحمله صفحات التواصل لأن الأشخاص ينعون أنفسهم، وكأن واحدهم، مالك بن الريب الذي نعى نفسه بقصيدته المعروفة!!

ولا شيئ يبقى فوق أرض تدور، فهي أعظم خلاط كوني، تمزج العناصر وتستولدها الجديد!!

فارحموا أنفسكم يا أولوا الألباب!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم