أقلام حرة

أقلام حرة

لكي نمتلك القوة الإقتصادية الحقيقية وليس التوهم بأن النفط والتفاعلات الريعية الخالية من الإنتاجية المستدامة تمثل الإقتصاد القوي.

يجب أن يكون في البلاد من النخيل ضعف أعداد المواطنين أو أكثر، ومن المواشي كذلك، وأي خلل في هذا التناسب الإقتصادي الحيوي، يعني ضعفا وجوعا وفقرا.

القوة الحقيقية إقتصادية ومنها تولد القوى الأخرى، فالضعف الإقتصادي يعني الضعف في كل شيئ، ومن يهمل بلده ومواطنيه، يُنظر إليه بإستصغار من قبل الآخرين.

الذين يعادون النخيل ويكرهون اللون الأخضر، وينتقمون من الحيوانات بأنواعها، هم أعداء أوطانهم ومعتقداتهم التي تدعو إلى الرحمة والألفة الإنسانية.

الدول الأوربية وغيرها من الدول المتمكنة إقتصاديا، من أولوياتها الثروات الزراعية والحيوانية، ولا تسمح بالنيل منهما أو إلحاق أي ضرر بهما، فهي تعلم أن الكرامة والعزة تتحقان بتحرر الرؤوس من قبضة البطون، ولا بد من الطعام الوفير قبل التفكير بأي شيئ، فالطعام أولا وما بعده تهون الأمور، أما إذا تعذر الطعام فتبعاته موت عميم.

الخطط الإقتصادية من ضرورات السيادة والقوة والتقدم والأمن والسلامة المجتمعية والإستقرار الوطني، والرفاهية والسعادة الإجتماعية.

فهل لدينا خطط إقتصادية نافعة؟

إذا جاعت بطون الخلق فيها

فلا أملٌ ولا عملٌ يقيها

توحشت الرؤوس بلا طعامٍ

وأولعت السلوك بما يليها

شرور من مجاعاتٍ أفاضت

تفاقم فعلها نقما يفيها

***

د. صادق السامرائي

تكسير الأجنحة من المعيقات الحياتية التي تستبد بسجن الحرية الانفرادي. فحين تتكاثف على الذات مساحات من مطارح المشاكل المتفحمة والضغوطات المتوالية، الكل يبدأ في البحث عن المكنسة السحرية للتخفيف من حواجز الرؤية الثانية ولو بزاوية منغلقة. الجميع مرَّ بتجارب قد تكون مفرحة، وقد يتخللها القهر النفسي والمعنوي، فيما الذاكرة فقد تخزن الألم والمآسي أكثر من لحظات البهجة والنشوة العابرة.

كيف لنا التحرر من رواسب الذكريات الحارقة، وإنعاش الذاكرة الفرحة؟ سؤال ليس بالسهل الإجابة عنه، لعدة اعتبارات تتحد وتوزع بين القدرة على التحمل، وبين الوصول إلى المحطة الأخيرة (أنا عَيِيتْ). من ذاكرة الفصل الدراسي كنا نتعلم من الخطأ، ومن التكرار الذي لا ينتهي، كنا نضع (منشفة) على أوراقنا المحررة بريشة المداد المائي، كي لا تتلطخ تلك الورقة البيضاء، وننال قسطا من تزكية عذاب العقاب.

من ذاكرة الفصل الدراسي، كنا نستعمل (الممسحة) على ألواحنا الحجرية، والماء على والصلصال على ألواح العود بالمساجد. من ذاكرة عمرنا الصغير في الفصل الدراسي ما بعد الاستقلال، لم يكن قلم (بلانكو)، بل كانت الممحاة لا تفارق مقلماتنا، مادامت هي المنقذ في التصحيح وحتى (التزوير) والنقل بالغش. ممحاة ذكية تتحدى قلم الرصاص، حتى أن صناعه، ركبوا علية عمامة من الممحاة، لأن رأينا في تلك المرحلة كان يعايش زمن (الجمر والرصاص ومسح الذاكرة العصية بممسحة التحكم !!!).

فوارق الزمن ووضعياته تتغير، فلم تعد تلك الممسحة ولا الممحاة ولا حتى المكنسة من تنقية المكان، ومن إنعاش ذاكرتنا الخيرة بالانتشاء، والتخلص من رواسب الزمن واللواحق العالقة. كنا في الزمن (الحديدي) بالصدأ (لا الذهبي) بعيدين كل البعد عن الدعم النفسي والتربوي وحتى الاجتماعي منه، فالدولة كانت متغولة، ولا تنشأ على قواعد الدولة الاجتماعية. عايشنا الألم والقهر والضغط وسلطة (العصا لمن يعصى !!!) وحتى اليوم لم ندرك من ذاك الذي كان يخاف من عصياننا وثورتنا الفاتنة !!!

من زمن الممحاة والممسحة والمكنسة السحرية نستعطف الدعم والمؤازرة. دعم نريد منه التخلص من الآهات الحزينة بالمسح والتطهر منها كليا. ممسحة تكنس كل العلاقات النفعية الانتفاعية، وتخلصنا من عدة وجوه وأصنام مرت بحياتنا بغثة لكنها تركت أثرا مملا وحزينا. مكنسة نريد التخلص من خلالها على ممرات غير سوية، ومتاريس أفزعت وضعياتنا، وفرملة مساراتنا الحياتية بدون أكياس أمان من الجروح الذاتية والمتخلفة بالاندمال عبر الزمن الذي يحتك ويولد حرارة الألم.

هي الحقيقة التي قد تخرجك وتخرجني من علبة الصندوق، ومن التفكير الدائري بالهوس. حقيقة فسح المجال للممحاة من تقليم الألم والفواجع، من نفض غبار التقادم على وجوه عالقة بحياتنا،  وبلا مناولة تبادلية، من كسب خيار المزامنة والمكانية، والعودة  لما تبقى من أيام الحياة المعدودات حسابيا بالراحة، وبلا استرجاع من صور قاتمة تحكم مستقبلنا وتصنع حاضرنا بالإكراه.

***

محسن الأكرمين

عام 2020 خاضت الاوساط الثقافية والاكاديمية في فرنسا معركة حول قبر الشاعر آرثر رامبو حيث وجه عدد كبير من المثقفين الفرنسيين عريضة تدعو الرئيس الفرنسى ماكرون ان ينقل جثمان الشاعر آرثر رامبو الى مقبرة العظماء "البانثيون " الى جوار عظماء فرنسا امثال روسو وفولتير وزولا وهوغو.. وقد كان الامر سيصبح مرحبا به من عشاق الشاعر رامبو لولا ان اصحاب العريضة طالبوا بنقل رفات الشاعر فيرلين ايضا ليدفن مع رامبو في مقبرة العظماء.. وهو الامر الذي اثار حفيظة عشاق شاعر فرنسا المتمرد الذين اعتبروا ان هذا الطلب هو مخالف لتجربة وحياة الشاعر رامبو الذي كان متمردا ضد المؤسسات الرسمية، لكن الاعتراض الاكبر جاء من عائلة رامبو حيث قالت إحدى حفيداته المتحدرة من شقيقه فريديرك، "إذا أدخل رفات رامبو وفيرلين إلى البانتيون معاً فالعالم سيفكر فوراً بمثليتهما". واعبترت أن هذه العلاقة الملتبسة لم تدم إلا بضع سنوات في مطلع فتوة رامبو.

 فيما طرح بيان الجماعات المناصرة لرامبو قضية العلاقة بين الشاعرين، فرامبو لم يكن مثيلياً طوال حياته حسب رايهم، وعلاقته بفيرلين يصفها فيرلين نفسه بـ"الحلم السىء" ، ومعروف أن فيرلين كان متزوجاً وكانت له مغامرات عشقية مع نساء كتب عنهنّ قصائد. أما رامبو فعاش مغامرة مع امرأتين فى عدن إحداهما حبشية وكاد أن يتزوجها. وقال البيان: "أيها الرئيس المنتبه للرموز، لا ترتكب هذه الزلة، لا تقتلع رامبو من أرضه الأم. دع رامبو الذى نادى بـ"الحرية الحرة" يرقد بهدوء بين أهله. وأورد البيان أن شاعراً واحداً كبيراً يرقد حتى الآن في " البانتيون " هو فيكتور هيغو من أصل 78 شخصية تستحق الدخول إليه، وإذا أرادت الدولة أن تصحح هذا النسيان فعليها أن تدفن هناك رفات شخصيات كبيرة مثل بودلير وجان راسين وموليير ولا فونتين وسان جون بيرس وسواهم. أما إدخال شاعرين معاً وليس شاعراً واحداً أي "ثنائياً مثلياً" ضمناً، فهذا ما لا يبدو بريئاً. فهل يدخلان لإبداعهما الشعري أم لعلاقتهما؟ ورأى البيان أن الجمع بين الاسمين هنا هو تبسيط ثقافي وخطأ كبير فيه إساءة لرمز ثقافي قاد حركة التمرد في الثقافة الفرنسية.

وبسبب هذه الضجة اصدرت صحيفة اللوموند عدد خاص عن شاعر الحرية كما اسمته وقد لخص لنا الاستاذ هاشم صالح في مقال له نشر في احد كتبه محتويات العدد الذي شارك فيه كبار نقاد فرنسا، ويعلق المفكر السوري هاشم صالح على هذا التكريم قائلا: ينبغي أن يقرأ رامبو أولئك الذين جرحتهم الحياة أو أولئك الذين لا يستطيعون التأقلم مع الحياة. هناك مسافة، هوة سحيقة، تفصل بينهم وبين الحياة. لهؤلاء، ولهم وحدهم، كتب رامبو. " ويضيف صالح: ". رامبو دعا، كما نعلم، إلى خلخلة جميع الحواس، وإلى الانخراط في كل التجارب الحياتية البوهيمية والهيجانية الجنونية ".

يرثي هاشم صالح لحال الثقافة العربية التي يراد لها ان تخوض حروب الطوائف بدلا من حروب التنوير، ويشير صالح إلى ان ثقافة الغرب غير معنية بسلوك الأديب وانما بانتاجه الثقافي ويضرب مثلا عن فكتور هيجو الذي عاش 83 سنة، وكان في سنواته الاخيرة يطارد الفتيات الصغيرات. وينغمس في سهرات ماجنةً دون كلل أو ملل حتى ان زوجة ابنه شارل المدعوة «أليس» كانت تنهره وتوبخه بسبب هذا التهافت المخجل على الجنس، وكانت تصرخ في وجهه: اخجل على حالك !، ومع ذلك عندما مات توقف قلب فرنسا عن الخفقان ونزل الملايين إلى الشوارع وتعطلت البلاد كلياً. ومشى رئيس الجمهورية في جنازته وكبار الشخصيات.

***

علي حسين

 

ما أسهل الكتابة في عصر النشر السريع وغياب المصحح اللغوي والنحوي، مما يستوجب الردع الأخلاقي والقيمي واللغوي الذاتي، فالكاتب رقيب قلمه، وعليه أن يشعر بمسؤولية الكلمة ودورها في الحياة، فالإنسان كلمة.

المسهبون لا يعني أنهم يكتبون، وإنما يعبثون بالكلمات ويؤذون الكتابة ويجهضون رسالتها ويبعدون القارئ، ويقللون من قيمة ودور القلم في الحياة.

فأجيال القرن الحادي والعشرين ما عندهم الصبر الكافي لقراءة ثلاث صفحات أو أكثر، فهم ترعرعوا في ضيافة الصورة والصوت والدفق المتسارع للمعلومات، فواحدهم أعرف من مئات الأشخاص الذين عاشوا قبل قرون.

فالصور بأنواعها أطاحت بالمكتوب، والمسموع تغلب على المقروء، والهاتف النقال إمتلك الإنتباه، وإستحوذ على عقول الناس، وصارت العيون مرهونة بالنظر إلى شاشته الصغيرة، التي منحتهم فرص التفاعل مع الدنيا بسرعة خاطفة.

في هذا المحتدم المعلوماتي المتأجج، كيف على الكتابة أن تكون؟

هل بالركض على السطور وإطلاق العنان للكلمات المتوافدة دون منهج أو ضابط، يساهم في توضيح وتقديم الفكرة بأسلوب ممتع ومفيد.

هناك مدرستان إحداهما غثيثة وقد سارت على خطاها الأجيال، وأخرى محببة ذات آليات مبسطة ومركزة وتستعمل المفردات الواضحة وتميل إلى المباشرة وتبسيط المكتوب ليكون يسيرا على الفهم والتمثل والإنهضام.

إن الخروج من آبار القرن العشرين، والتحرك على ضفاف القرن الحادي والعشرين يتطلب جهدا ووعيا، وقدرات إدراكية ومعرفية ذات قيمة وتأثير في الوسط الذي تتفاعل معه.

فنحن لم ندرس كيف نكتب، كما هو الحال في الدول المتقدمة، فلا توجد حصص دراسية بهذا العنوان، وكل منا يكتب على شاكلته.

المطلوب دراسة فن الكتابة في المراحل الإبتدائية، وبآليات معاصرة ومبدعة، وعندها سيكون للكلمة معناها ودورها وللكتابة قيمتها وتأثيرها.

فهل نحن أمة تكتب ولا تقرأ، وتتكلم ولا تعمل؟!!

كلمات قد أضاعتْ رشدها

وتواصتْ بغثيث حفها

وبإسهابٍ ثقيلٍ أبحرتْ

نهَرتْ كلَّ حَصيفٍ ودّها

كلماتٌ غامضاتٌ أومأتْ

برموزٍ لاتجاري ضنّها

***

د. صادق السامرائي

22\4\2025

في التسعينيات وبعد تحويل وزارة التخطيط الى هيئة التخطيط، دعانا رئيس الهيئة حينها الى اجتماع. وكان موضوع الاجتماع هو اطلاعنا على خبر عظيم، انه النية بترشيح رئيس الجمهورية لنيل جائزة نوبل في الاقتصاد !!

نعم هكذا وبكل بساطة..

السبب هو انجازه العظيم عندما اقترح ان يدفع كل مواطن يراجع اي دائرة مبلغ مئة دينار قبل السماح له بالدخول لانجاز معاملته..

قال السيد رئيس الهيئة ان ذلك الاجراء غيّر وضع موازنة الدولة من العجز الى الفائض وهو انجاز غير مسبوق يستحق جائزة نوبل في الاقتصاد...

مع ان الراتب في تلك الفترة كانت ثلاثة آلاف دينار او أقل..

حيث كان راتبي ثلاثة آلاف دينار مع خدمتي وشهادتي ووظيفتي..

اي ان أجري اليومي كان مئة دينار فقط...

ان الانسان ليصاب بالحيرة من الجهل والسذاجة التي تحكم عقول بعض الناس.  

كيف يدفع الشخص مئة دينار مع ان أجره مئة دينار؟؟؟

ثم ان منح نوبل او الترشيح لها لايتم بهذه الطريقة، اي ان تُرسل دولة ما رسالة الى لجنة نوبل لترشيح رئيسها...

لجنة نوبل غير حكومية وهي تدرس التاريخ العلمي للمرشحين

والذين قد ترشحهم جامعات كبرى او مراكز ابحاث مهمة.

بعضهم بدأ نشاطه العلمي في عمر الثلاثينيات وحصل على نوبل في عمر السبعينيات ...

يبدو ان الجهل مركب اضافة الى تملق الرئيس والنفاق السياسي..

الجهل العلمي الذي لم يستطع ادراك ان مقترح الضريبة آنف الذكر هو أمر مخزي ويدعو الى الشعور بالخجل لانه ضريبة على شعب معوز وجائع ومحاصر وانه نوع من الأتاوات القسرية التي تنم عن انفصال الحاكم عن الواقع..

اضافة الى الوجه الآخر للجهل وهو جهل قواعد الترشيح لجائزة نوبل...

ثم ان هذه الضريبة تعرضت الى سوء تطبيق اضاف لها بعداً سيئاً آخر، حيث أخذوا يطالبون حتى الشخص الذي يحضر اجتماعاً في احدى الدوائر بان يدفعها مع انه ليس مراجعاً.

(وقد حصل الأمر معي عندما ذهبت الى وزارة الصناعة لحضور اجتماع لجنة في مكتب الوكيل ولكن احد موظفي الاستعلامات وكان يرتدي اللون الزيتوني، طالبني بدفع الضريبة وعندما اخبرته بأني عضو لجنة لدراسة مشروع يخص وزارتكم، كرر مطالبته بالدفع واتهمني بمعارضة قرارات الرئاسة..

عندها قررت عدم حضور الاجتماع وعدم الدفع.. اتصل بي احد المدراء العامين معتذراً من سلوك ذلك الرجل ذو الزي الزيتوني سيء الصيت وقال انه رجل ريفي من حواشي بغداد ويريد أن يثبت انه مخلص للدولة اكثر من اهل تكريت).

في البلدان العاقلة لايتم فرض اي ضريبة او رسوم الا بعد دراسة اثارها على الافراد والمجتمع والاقتصاد والنمو وكذلك أثرها على الاستقرار السياسي والأمني..

لذلك كله نرى ان معظم الدول الكبرى تواجه عجزاً في الموازنة ولكنها تلجأ الى الاقتراض بدل فرض الضرائب لانها تعلم عواقب ذلك على الاوضاع الاقتصادية.. فرض ضريبة بائسة على الناس ليس عملاً اعجازياً او علمياً عظيماً..

***

د. صلاح حزام

في طريقٍ ممتد بين ملبورن وسيدني، وفي لحظةٍ من صمت السفر المليء بالتأمل، استوقفتنا تلة ترفل بالخضرة، متناثرة الأشجار، كأنها لوحة زاهية سكبتها يد فنان لا مرئي. تطلع إليها صديقي بدهشة قائلاً:” لا بد أن مزارعًا ماهرًا هندس هذا الجمال بعناية. “ لكنّ ما أحاط بها من عشوائية أنيقة، وهمسات الطبيعة الخفية، كان يوحي بأن ما نراه ليس إلا نسيجًا من الصدفة، نسجته الرياح والمطر والزمن، بعيدًا عن يد بشرية موجهة.

من تلك اللحظة، انبثق سؤال ظل يلازمني: هل نشكّل نحن مسارات حياتنا بإرادة حرة، أم أننا محض انعكاس لما يُحيط بنا من ظروف، وما يتخللنا من رواسب بيئية وتاريخية؟

انفتح النقاش بيني وبين صاحبي، فجادلت بأن معظم قراراتنا ليست قراراتنا في الحقيقة، بل هي تفاعلات تلقائية مع السياق، خُدع نسير في دهاليزها، نعتقد أنها اختيارات، وهي ليست إلا استجابات. وفي النهاية، حين نعود بذاكرتنا إلى ما ظننّاه خيارًا، نجد أنه شبيه بمنتج خرج من مصنع... له شكلٌ محكم، لكن ملامح التصميم جاءت من خارجه، لا من ذاته.

تذكرت في تلك اللحظة مسار حياة شقيقي أحمد، في العراق خلال ثمانينات القرن الماضي. لقد كان سليل مرحلة مضطربة، سكنت فيها السياسة في تفاصيل المعيشة، وتسللت إلى الذاكرة والعاطفة. عواصف تلك المرحلة حملته صغيرًا إلى حيث لم يخطط. مضى كما يمضي زورق في نهر مضطرب، يحاول بين الفينة والأخرى أن يُعدّل اتجاهه، لكن التيار كان دائمًا أقوى من المجداف.

البيئة تُنقش فينا قبل أن نملك قلماً نخطّ به مصيرنا

قبل أن يبلغ العاشرة، كانت روح أحمد تتشكل مثل الطين بين أيدي من حوله. في بيت الأسرة، غُرست فيه القيم الأولى. وفي المدرسة، تلقى بذور المعرفة. لكن التأثير الأعمق تسلل من مكان آخر... من عمه الذي خاض غمار السياسة في وجه نظام البعث، ومن صحبته إلى النجف وكربلاء وبغداد وسامراء، ومن حديث المناهضين للاستبداد والطغيان الحاكم انذاك وهم يهمسون عن الحرية والمساواة والعدالة.

في تلك الرحلات، التقى أحمد مثله الأعلى. لم يختره، بل اختير له. لم يكن يملك نضجًا يدرك به أبعاد ما يسمع، لكن الكلمات كانت كالنقش في حجر طري، تترك أثرًا لا يُمحى. تشكلت رؤيته للعالم، للخير والشر، للعدو والصديق، ولم يكن قد أكمل عقده الأول.

وهكذا، دون إرادة واعية، تسرّب القدر إلى داخله.

بدء في الثالثة عشرة، حُكم على أحمد بالسجن أكثر من أحد عشر عامًا، لا لأنه اختار مصيره، بل لأن المثل الأعلى الذي تشرّبه صبيًا ساقه إلى حيث لا رجعة. كانت قراراته انعكاسًا لقرارات اتُّخذت حوله، لا فيه. وهل يُطالب طفل لم يبلغ الرشد أن يتحمّل وزر اختيارات لم يخترها؟

في ذلك الزمن، لم تكن الأسرة مجرّد أم وأب، بل امتدت لتصبح قبيلة من القيم والرؤى، تصنع الطفل كما يُنحت تمثال من كتلة صخر. الكلمات التي سمعها، الوجوه التي رآها، الأحاديث التي دارت من حوله، كلها شاركت في تشكيل ملامحه النفسية والفكرية، دون أن يسأل: هل هذا أنا؟ أم هذا ما يريدونه لي أن أكون؟

وما بين الاختيار والتسيير، نُساق نحن بأحلامٍ ليست من صنعنا.

من هنا ينبثق السؤال المحوري: إلى أي مدى نملك حرية الإرادة، حقًا؟ حين ننظر في أعماقنا، نجد أن كثيرًا مما نظنه نحن هو في الواقع طبقات من مؤثرات سابقة: أسرة، ثقافة، تجربة، تعليم، ألم، وفرح... تتراكم فينا قبل أن نعي أنفسنا. وحين تبدأ إرادتنا بالتشكل، تكون تلك المؤثرات قد وضعت معالم الطريق.

لكن لا شك أن الوعي، حين ينضج، يمنحنا فرصة لإعادة النظر، لتفكيك ما غُرس فينا، وربما، لصنع مسارات مختلفة. ومع ذلك، تبقى البذرة الأولى، تظل حاضرة كظل طويل، لا نراه دائمًا، لكنه يسير معنا حيث نمضي.

إن قصة أحمد ليست استثناء، بل مرآة لأسئلة أكبر.هي تذكير بأن الإنسان كائن هشّ في مراحله الأولى، تكتبه البيئة كما تكتب الطبيعة خطوط التلال. وفي فهم هذا التداخل العميق بين الإرادة والظرف، تكمن بدايات الحكمة. فربما، حين نفهم هذه الجدلية، نستطيع أن نهيئ بيئات أكثر رحمة، أكثر مساواة وحرية، أكثر إنصافًا... لمن سيأتون بعدنا.

***

حميد علي القحطاني

ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: واحد يعشق الأحزاب ويهيم غراماً بزعمائها الذين انتفخت جيبوبهم وأرصدتهم بعد عام 2003، وآخر يعشق العراق ويرفض أن يُدجّن، ويحتقر الطائفية المهيمنة على مقدّرات البلاد. وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى بالأغلبية الصامتة التي تذهب للانتخابات ليس حبّاً بفلان أو كرهاً لعلّان، لكنها تخاف على رزق أطفالها الذي يتحكم به ساسة العراق الجديد، الذين يتناسلون يوماً بعد آخر، في ألوان جديدة وطبعات أخيرة، ليس آخرها بالطبع بعض النواب الذين يتقافزون في الفضائيات، يشتمون هذه الدولة، ويسخرون من تلك الدولة، ويهددون ترامب بالاعتقال إذا ما فكر يوما ان يخطوا بقدمه الى ارض وادي الرافدين، يصولون ويجولون بين الفضائيات، من دون أن يسألهم أحد ماذا تريدون ؟ او يحاسبهم القانون على ما يرتكبونه من اساءات بحق العراق. سيتّهمني البعض بـ"العبط"، فهل يجرؤ أحد مهما علا شأنه أن يسأل هؤلاء السياسيين ومعهم جوقة النواب: ماذا تفعلون؟ سيُتّهم بالخيانة حتماً، وسيوضع اسمه على قائمة "أبناء السفارات" ويلصق به لقب "جوكر"، أليست أحزابنا العتيدة، كانت قد قررت قبل سنوات وفي لحظة تاريخية مهمة أن رفع اعلام الاحزاب بديلاً عن العلم العراقي يمكن أن يؤسس لعراق تعددي؟ وأن العناية بـ"بوتكس" عالية نصيف هي التي ستحمل السرور والحبور إلى هذه البلاد؟!..

للاسف تكررت في الأيام الأخيرة ظاهرة لا وجود لها إلا في هذه البلاد المغرقة في الخطابات والشعارات، تتلخص بمحاولة البعض أن يطمس العلم العراقي، ويفضل عليه اعلام لمؤسسات امنية او لاحزاب تعتاش على ثروات هذا البلد.

من المؤكد أنّ كثيراً من العراقيين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون كل يوم أمماً وشعوباً كثيرة تتحرك لتعديل أوضاعها، إنّ ما يفرقنا عن هذه الأمم التي تسعى دوماً إلى تصحيح أوضاعها المتردية أنهم يملكون قوى سياسية حيّة وفاعلة للتغيير.

الذين يقلبون في صفحات الطائفية ويصرون على اثارة الفتن واشعال الحرائق، لا يريدون أن يلتفتوا لقضية مهمة جداً، لكي تحترمك الامم الاخرى، عليك ان تحترم راية بلدك، وان لا تجعل بلادك تعيش تحت ظلال رايات متعددة وولاءات منحازة.

كان من الممكن التغاضي عن مهازل من عيّنة "خواشيك" وائل عبد اللطيف، وتظاهرات نواب الصدفة، وتظاهرات رفض القمة، لولا أن هناك من تعامل مع الموضوع بكثيرٍ من الاستخفاف بعقول الناس، وتصوير الأمر وكأنّ الدول التي ستحضر القمة تريد ان تسرق العراق. من حق الجميع ان يناقش في اهمية القمة او عدم اهميتها، لكن ليس من حق احد الاستخفاف بمكانة العراق، والسخرية منه لانه قرر استضافة القمة العربية ولهذا حين تخرج علينا جهة سياسية لها نواب ومناصب وامتيازات وهي تصر على الاساءة للعراق، فمن حقنا أن نسألها: ما الغاية من هذه الالعاب البهلوانية؟.

***

علي حسين

 

خذلتني النخبة التي ظننتها ذات يوم عماد التغيير، فإذا بهم عشّاق "اللقطة"، أسرى "ثقافة الفرجة"، يبيعون الكلمات في أسواق الشهرة، ويتقدّمون الصفوف لا لأنهم أهلها، بل لأن الكاميرا كانت هناك. خذلتني التجربة، وأخجلني أن أعرض ما تبقّى من وجعي في مجتمعٍ أصمّ، لا يسمع سوى صدى صوته، يصفّق لمن يصرخ أكثر لا لمن يصدق أكثر.

كنت أظن أننا نحمل معًا القضية ذاتها، فإذا بنا نبيعها عند أوّل صعودٍ، أو نُسكتها إذا تعارضت مع المصلحة أو الأنا. كلّما نظرت حولي، وجدت البطولة مجرّد استعراض، والشعارات تُغنّى ولا تُمارس. كم من مرّةٍ حاولتُ أن أصرخ، أن أُشير إلى الخراب، فوجدتني كمن يتحدّث إلى الطرشان في ميدان صاخب، يضحكون، يلتقطون صورة، ثمّ يمضون.

خذلتني "النخبة" كما خذل الزمن رجالاً صدقوا، وسقطوا دون أن يصفّق لهم أحد. لكنّني تذكّرت "صفعة الأم"، لا تلك التي توجع، بل التي توقظ. تذكّرت كيف يمكن ليدٍ واحدةٍ أن تُعيد إنسانًا من حافة الانهيار، وتمنعه من السقوط في العدم. هناك، في الزنزانة أو الحفرة أو قاع النفس، لا تنفع الكتب ولا الخطب، بل يدٌ تقول لك: انهض، لست وحدك، ولا يليق بك الانكسار.

أنا كاتب في قرية، أعيش على هامش المدن وأسواق العواصم، لا أملك سوى الكلمات سلاحًا، والدفاتر وطنًا، ومع ذلك صرخت... لا من أجل مجدي، بل لأجل من غرقوا في الصمت. لكن لم أجد من يُنصت، لم أجد سوى صدى صوتي يرتدّ إليّ في بلاد الطرشان. كتبت عن الخبز، والظلم، وعن أرملة تنتظر معاشًا، وعن طفلٍ لا يجد دواء، وعن وطنٍ يُباع بالتقسيط، لكن الردّ كان التجاهل أو التشكيك أو الابتسامة الباردة.

تعلمت من السجناء الحقيقيين، لا أولئك الذين يدّعون الاعتقال على "تويتر"، كيف يُبنى العقل ليصمد أمام التعذيب، وكيف تُقاوم الهزيمة بالشعر والصمت، لا بالشعارات الفارغة. رأيت كيف يمكن لإنسانٍ أن يكون رئيسًا بلا قصر، وبطلًا بلا موكب، وناجيًا بلا حقد.

الصفعة ليست إهانة، بل امتحان. والنخبة ليست من يصرخ في المنصّات، بل من يهمس في الخفاء ليصنع شيئًا. والحرية، ليست أن تقول ما تشاء، بل أن تبقى وفيًا لما كنت تؤمن به حين كنت وحيدًا.

اليوم، حين يسألني أحدهم: لماذا لا تنتقم..؟ أقول: لأنّني أرفض أن أبقى سجينًا للخذلان. وحين يسألون: لماذا لم تتسلّق مثلهم..؟ أقول: لأنّني ما زلت أؤمن أنّ الطين أطهر من الذهب إذا التصق به ضمير.

سأمضي، وقد لا أملك شيئًا سوى ظلّ هذه الصفعة، وصفاء هذا الحزن، وذاك الصوت الخافت في داخلي: "لن يأخذوا مني ما لا أمنحه".،،!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث

ان الدين موضوع مهم جدا في حياة الإنسان فقد أخذ حيزا واسعا  من الدلالات للوصول إلى مفهوم الدين واشتقاقاته ومنها التدين وعندما نقرأ في القرآن الكريم (ان الدين عند الله الإسلام) ونحن نعرف أن كلمة الإسلام هي مفهوم شامل لكل فرد في هذا العالم حيث أن كل الرسل والنبيين يؤكدون على الإسلام أي الخضوع والتوجه والعبادة للإله الواحد هو الله تعالى لا شريك له وليس له كفوا أحد وأن الله قد أختار من بين خلقه في هذا الكون الواسع المعروف والغير معروف (الإنسان) ليكون خليفة في الأرض وجعل من ذريته خلفا بعد خلف حتى قيام الساعة ولم يتركهم هملا بدون رعاية أو توجيه في هذه الحياة الدنيا وهي الاختبار الحقيقي والفتنة الكبرى لغرض أعداده إلى الحياة الأبدية فقد بعث فيهم الأنبياء والرسل بتعاليم وشرائع ومنهاج وأسس وثوابت لغرض العيش وتنظيم حياتهم وسلوكيات وممارسات متعددة للوصول إلى مراد الله تعالى لهذا الإنسان المختار بدقة وعناية ألاهية لمنحه حياة حرة كريمة منظمة ومن هذه المقدمة البسيطة نستطيع منها الانطلاق إلى محاولة معرفة معنى (الدين) وبما أننا مسلمون من أتباع النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه علينا أن نأخذ مفهوم ديننا من الكتاب المرسل إلينا من الله تعالى القرآن الكريم لهذا نستعرض من خلاله معنى كلمة الدين وكيف استعملها وطرحها بدقة حسب ما وردت فيه فأن كلمة الدين تعتبر كلمة واسعة المعنى ومفهوم مطاط بمعانيها الكثيرة في حياتنا اليومية منها .

1-  الاعتقاد والسلوك والالتزام بمبادئ وأفكار معينة بعينها كمنهج اعتقادي طوعي وفكري حر كما قال الله تعالى (أن الدين عند الله الإسلام) عمران 19 و(لكم دينكم ولي دين) الكافرون 6 .

2-  الخضوع والطاعة كما قال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك الدين القيم) البينة 5 .

3-  وقد جاءت كلمة الدين بمفهوم السلطة والمُلك والسلطان كما ذُكرت (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) يوسف 76 .

4-  وقد جاءت بمعنى القانون والشريعة والسنن التي تنظم الحياة الأسرية والمجتمع والفرد على مختلف أنواعه وجنسه كسلوك يومي من قبل المشرع الأول الخالق لهذه البشرية في كل زمان ومكان (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) الشورى 13 .

5-  وكذلك الجزاء والعقاب المطلق لله تعالى خالق الخلق المتفرد بالوحدانية بهذه العقوبات في الآخرة حصرا من دون غيره من العباد على أفعاله ومعتقداته .

6-  ومنها الطاعة والإدارة والهيمنة والقدرة المطلقة على الخلائق والسموات والأرض والكون جميعا كما قال تعالى (وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون) النحل 52 .

أذن أن الدين بمفهوم القرآن يعني (الملك-السلطان-الجزاء-السلوك والمبادئ-الحُكم-القانون-الخضوع-الطاعة –العمل الصالح –الإيمان بالله وحده) أن هذه المفاهيم تعبر عن التعاليم المقدسة الصادرة من مصدر واحد هو الله تعالى للعمل بها من قبل الإنسان وهي مفاهيم وقيم اجتماعية تصب في بودقة واحدة تسمى (الدين) وهي ممارسات فردية وجماعية في حياته اليومية للوصول إلى درجة الكمال الأخلاقي المراد له أن هذه السلوكيات الفكرية والعملية للفرد هي السبيل الوحيد للوصول إلى عبادة الله تعالى بالإضافة إلى الشعائر التعبدية الأخرى بعيدا عن الرهبانية والتعصب والاعتكاف عن البشر والمجتمع والابتعاد عن خدمة المجتمع وإصلاحه وتحضره وهي (الصلاة – الصوم – الزكاة – الحج) كلها تؤدي إلى العدالة والمساواة وحفظ الإنسان من إتباع الشهوات والزلات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلون) النحل 97 وكذلك (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء 124 فأن العمل الصالح والإيمان بالله والعلاقات المثمرة بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تبني المجتمع عبر عنها القرآن وأوجزها بالآيتين (أن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئة من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة: 62

***

ضياء محسن الاسدي

لكل إبداع قاعدة معرفية ينطلق منها، والقول بأن الإبداع نشاط مجرد ومتفرد هذيان وثريد حول صحون الخيبات.

فما هي القاعدة المعرفية لإبداعنا؟

هل نصنع ونزرع ونبني ونتطور؟

هل للمواطن قيمة ودور؟

ما هي ملاحمنا الحضارية التي تولّد الإبداع الأصيل؟

إبداعهم إنطلاقات حية واعدة بالجديد المتفاعل مع زمانه ومكانه، وإبداعاتنا فراغية وهمية خلبية الملامح والخصائل والمميزات.

فلماذا ندّعي الإبداع ونخادع أنفسنا؟

الإبداع الحقيقي أن تتحول الأفكار إلى كينونات فاعلة في الحياة.

لازلنا نتحدث عن النظرية والتطبيق والتراث والمعاصرة وأزمات عقلنا، ونتمنطق بأننا نبدع، وننشر كلاما غامضا إنكساري الملامح والتصورات.

الإبداع توثب له أركانه وأبجدياته العملية المؤثرة في مسيرة الأجيال، والآخذة بهم إلى فضاءت المعالي والإبتكار المبين.

عطاءاتهم متجددة، وأكثرنا مندس في حفر الأجداث، وينبش مدافن الغابرات، ويقتدي بالأموات، ويخادع نفسه بأنه يمارس الحياة.

الإبداع بذور أفكار تنبت في ثرى الأحياء، وتكون أشجارا وغابات ومروج رقاء، فهل تفتحت أفكارنا، وتأصلت معطياتنا العصماء؟

أجيالنا وكأنها تطارد خيوط دخان، وتتعلل بما وردها من حكايات وتخيلات عن حالات لا وجود لها في زمانها ومكانها، فحلقت في فضاءات أبعد مما تتصوره الألباب.

حرروا الأفهام من قيد البطونِ

وابصروها إنها قرب العيونِ

كجياعٍ ما صنعنا ما أردنا

وانتهينا في متاهات الظنونِ

قولنا الإبداع فينا لا يُضاهى

هل عشقنا بعض أنواع الجنونِ؟

***

د. صادق السامرائي

الخيال من وجهة نظرنا هو القدرة علي التجريد، او التصور وإعادة تشكيل الأشياء ذهنياً اولاً ثم محاولة تطبيقها علي ارض الواقع بصورة جديدة.

هل الخيال كائن حي؟ نعم

قال الفيلسوف وعالم الفيزياء ألبرت أينشتاين بأن المنطق يُنقلنا من الألف إلي الياء، بينما الخيال يُنقلنا إلي اي مكان، فذلك يدل علي حيوية وأهمية الخيال، فقوة الخيال تجعله قادراً علي تغيير الواقع، فقد وُهب الإنسان الخيال، لكي يقوم بتطوير حياته، فلا أجد حرجاً عندما نقول بان كل نتاج الإنسان من الفكر والعلم والتكنولوچيا، كله مردود إلي خيال الإنسان، فهو ينبوع الإبداع الذي لا يجف أبداً.

الخيال كائن حي يعيش مع الإنسان، هو عالم الممكنات، أليس السفر عبر الفضاء، كان مادة خام لأفلام الخيال العلمي، وقصص الخيال، والآن أصبح واقعاً ملموساً، أليست فكرة الطيران أيضاً كانت في حيز الخيال، رغم المحاولات الفاشلة الأولي في تحقيقها، فقد مات “فرانز ريتشليت”محاولاً الطيران من أعلي برج إيفل عن طريق بذلة طيران من صنعه، وعباس بن فرناس أول من حاول الطيران بالتاريخ رغم إصابته ببعض الجروح في محاولته الطيران بالقرب من قصر الرصافة بقرطبة الاندلس، فكانت موضع إلهام للمخترعين فيما بعد، وقد تم التحقيق بالفعل، وأصبح الإنسان يطير ويجول العالم.

الخيال لصيق بالإنسان، ومن وجهة نظرنا المادة الخام للخيال هو واقع الإنسان، عندما تبدأ الحاجة يبدأ الإختراع، ولن يتم الإختراع إلا بهذا الوسيط الجمالي وهو الخيال.

كل إبداع جديد يولد من رحم الخيال، فهو الأرض الخصبة للإنسان، يزرع أحلاماً يريد تحقيقها، وبالإصرار والمحاولة الدائمة يحصد آمالاً ويحقق كل شيء كان يعتقد انها مستحيلاً، وحتي كلمة مستحيل بالأنجليزية Impossibile منقسمة إلي شقين I,m possible يعني انا ممكن، كما قال دكتور /إبراهيم الفقي.

كذلك الخيال فهو عالم الممكن، كل ما يتصوره العقل البشري، فهو قيد التحقيق ولكن في حدود مهاراته وإمكانياته، لانه لايزال هناك أفكار محصورة داخل بوتقة الخيال كالسفر عبر الزمن مثلاً.

ولكن هذا لا يمنعنا من القول بأن الخيال كائن حي يعيش معنا في أدق تفاصيل حياتنا، فهذا المنزل كان رسمة في مخيلة المهندس تم تحقيقها بالتعاون مع العمال والبنائين، وتلك السيارة قبل تكوينها كان صورة في عقل المصمم إلي ان تم صنعها بوسائل التصنيع الحديثة التي هي الأخري من وحي خيال الفنيين والتقنيين.

سيظل الخيال كائن حي قريناً بالإنسان يسد إحتياجته بطريقة تليق به، يغير به حياته إلي الأفضل.

***

محمد ابو العباس الدسوقي

أمة فيها رموز معرفية ساطعة، لها دورها الثقافي وقدرتها الإبداعية المتميزة، وتصف الأمة بالإنحطاط وهي فيها.

لا يُعرف كيف تتجرأ على هذا القول، وهي رموز منوّرة تتباهى بها الأمة وتتفاخر وتتألق.

فكيف يُفسَر هذا السلوك أو الشعور السلبي تجاهها، وكأنها حالة خيالية متصورة، وليست مجموع أفرادها ومجتمعاتها المتفاعلة.

هذه الحالة تقدم صورة جلية عن مدى تأثير الحرب النفسية الغاشمة القاسية الضارية على وجودها، فلكثرة القول بالسلب عن أحوالها، صار من العسير على نخبها رؤية الصورة بوضوح، وتسيَّد الوهم بأنها خامدة مقعدة، لا قيمة ولا دور لها، ولو إختفت لن تتأثر الدنيا، وكأنها دعوات للإعداد لمحقها بضربة نووية هائلة.

فالثقافة المعادية لوجودها تنتشر، ويساهم فيها أبناؤها من جميع دولها.

الأمة فيها جامعات ومراكز علمية وبحثية وقدرات معرفية وحضارية هائلة، ولا نعرف سوى الكتابة بمداد السوء عنها، ونعزز ذلك بفعاليات مأساوية متوجة بدين.

فالأمم يتحقق قتلها بالإجهاز على نخبها وتحويلهم إلى أدوات للتعبير عن إرادات الطامعين فيها.

إذا قلنا أن الأمة بخير لا يعني إغفال ما تعانيه، بل تسليط الأضواء على الإيجابي فيها لكي يتنامى ويتطور ويمحق ما هو مضاد لخطوها إلى الأمام.

إنها ليست نظرة خيالية، أو تصورات طوباوية، بل جد وإجتهاد للإنتقال إلى مدارات الصيرورة المتوافقة مع جوهرها الحضاري الإبداعي الأصيل.

فالقول بذلك ليس من باب النظر بعين واحدة، وتجاهل الواقع والقفز فوقه، وإنما ناجم من رؤية شاملة وعميقة وإطلاع واسع على مسيرتها وتراثها، وما فيها من طاقات وقدرات كغيرها من الأمم الأخرى.

وبما أن عددها السكاني في تزايد، فأن إحتمالات إنجابها للأفذاذ النوابغ سيتزايد، وهذا يعني أن أجيالها واعدة وليست قاعدة.

وعلة الأمة أنها ما تولاها صفوتها وأكفاؤها، وأذعنت للمُسخرين لتنفيذ أجندات الآخرين.

ولهذا فأن القول بأن الأمة "منحطة" إعتداء سافر على وجودها وقيمها ومعاني كينونتها الكبرى، ورسالتها الحضارية الإنسانية الساطعة.

فهل لنا أن نكتب بمداد جوهر أمتنا؟!!

أمةٌ تبقى وتحيا حرةً

باقتدارٍ تتسامى عِزةً

كونها كونٌ فسيحٌ مطلقٌ

برسالٍ سوف تمضي قدوةً

أمةٌ شادت صروحا أشرقت

بعصورٍ وأقادت ثورةً

***

د. صادق السامرائي

لو كنت أجيد صنعة الشعر لنعيت موخيكا بـ: موخيكا مات ...مثلما فعل أحمد فؤاد نجم، فموخيكا وجيفارا كلاهما كان استثناءً وكلاهما ينتمي الى أمريكا اللاتينية وكلاهما بات أيقونة ليس لليسار فقط بل لكل النفوس المتعطشة للحرية والعدالة الاجتماعية...

لكني لست شاعراً واحمد فؤاد نجم مات وعريان مات وإلا لأنابا عنا وسارعا الى نعي موخيكا... لقد مات الشعراء وأجدبت دنيا الشعر...

موخيكا...أفقر رئيس في العالم، حكم بلاده الأرغواي وكانت فاتحة أعماله إنه حول القصر الرئاسي الى ميتم للأطفال وسكن في بيته المتواضع في مزرعة خارج العاصمة، وفعل مثلما فعل علي فلم يقرب قصر "الخبال"، وعاش بـ 10% من راتبه في حين خصص الـ 90% للجمعيات الخيرية، وركب الفوكس واكن موديل 1987 ولم يسمح لنفسه بالمواكب الجرارة وهو بذلك تماها مع سلوك علي الذي توهم به أحد متسوقة الكوفة من الأعراب فظنه حمالاً وطلب منه حمل متاعه في حين أنه كان يحمل رتبة أمير المؤمنين ...

لكن موخيكا أبطل مفعول قاعدة تنسب لعلي أشك في صحة نسبتها إليه تقول": لا تطلب الخير من بطونٍ جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باقٍ، بل اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق."

 فتلك القاعدة إن لم يكن منشأها وعاظ السلاطين ويقصد منها احتكار أمر الأمة بالأغنياء وأبناء الذوات دون غيرهم واقصاء الفقراء عن الأمر، فإنها إن كانت قاعدة فالقاعدة تحتمل الاستثناء، وقد أثبت موخيكا أنها لا تصح على الجميع، وكأني به يخاطب علياً من مسافة بعيدة قائلا: لا يا صديقي فأنت من عائلة يشار اليها بالبنان وكان بإمكانك أن تجني من وراء ذلك ماجناه رفاقك من ثروة لكنك لم تفعل، والآن أنظر: أنا نشأت من عائلة متواضعة فأبي كان مربي ماشية وأمي عاملة بستنه ومات أبي وعمري ست سنوات فقط ومن يومها عملت بصفة عامل زراعة وبيع الزهور لأساعد في إعالة عائلتي، لكني عندما صرت رئيساً ركلت مثلك قصر الخبال وعافت نفسي مثل نفسك ركوب المواكب والأرتال...أنت يا صديقي تتكلم عن القاعدة وليس عن الاستثناء وانت وأنا استثناء...

والدليل. دونك أتباعك... فقد ولدوا وفي أفواههم ملاعق من فضة جنوها من استغلال أبناء جلدتهم، أو مما فائت الحقوق الشرعية به عليهم من حرام فكبرت كروشهم واحمرّت خدودهم. مع ذلك فإنهم عندما بلغوا السلطة رتعوا رتع الجمال في أكداس العاقول والحلفاء، وساحوا فيها كما يفعل الجاموس في هور الغموكَه...وأطبقوا عليها كما تطبق الضواري ومجموعات الضباع الجائعة على جيف النطيحة والفطيسه...

لو علق معشار عبقك في رئاتهم عندما يمسحون شفاههم يلثمون ضريحك لكان الأمر في ربوعك غير ما نرى ونسمع لكنهم يا صديقي احتضنوا الذهب وأشاحوا عما في داخله فبئس التجارة تجارتهم، وبئس المصير... 

 "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مصلحون ألا إِنَّهُم هم المفسدون"، أصحاب الكروش المتهدلة والمؤخرات السائحه ...مناعيل الوالدين.

***

د. موسى فرج

قد لا نجد فَرقا نيرا بالتمايز بين البلاهة والتفاهة، غير أن البلاهة تُفكر في المتاهات الدائرية المغلقة، بينما التفاهة تعتبر كبنية من إنتاج تشويشات (اللافكر)، والمنحدر من (مُوضة) الخروج عن الثقافة المألوفة. أشباح جدد من جيل (كهنة المعابد)، يفقهون فقه البلاهة في قياس أحكام القيمة، ويوزعون صكوك الغفران، وحتى التخويف من نار الفتنة !!! ويجعلون من (الفوضى المعرفية) مسوغا آليا لترويض الكذب كي يظهر بأنه يوازي الحق والحقيقة !!! إنه وجه شبح الافتراء، كي يصبح أمام أعين (سدنة المعبد السياسي) حقيقة من ألسن أكلت (الشوك)، وعند عوام القوم (تمساح البحيرة)، وعند مستهلكي أخبار الشارع (الفايسبوك) من (عفاريت) الإغواء، ونشر عدوى (الحقد الاجتماعي / التباغض السياسي وحتى الهوياتي منه...).

مأساة جديدة تُضاف بقوة في عصر الذكاء والحكامة، تجعل من البلاهة تفكر بفكر الوصولية والانتهازية وتماثل:(الإنسان الذي يحمل نسخة استنباط عند العالم (إيفان بافلوف/Ivan Pavlov/ المثير والاستجابة) عند بطون كلاب وقطط البلاهة الخنوعة، و(المذلولة) في تبعيتها الانتهازية).

هنا رأي لا بد من الإشارة إليه، أن من بين (صعاليك) البلاهة الجدد بالتخصيص لا التعويم، من يقدم نفسه على أنه من صنف الخبراء الأشداء على العلم والفكر، أو من أصناف السياسيين والحقوقيين والإعلاميين... والمدونين... والمؤثرين... يسوقون بأنهم يمتلكون رصيدا متحركا من الاستهبال و(تبنيج) الآخر، في حين تتخلف عنهم الأجزاء الرزينة من فكر الثقة والمصداقية.

نوعية جديدة من طينة البلاهة (الاستهبال)، يستهدفون أجزاء من المجتمع، كي لا يميز بين رواد التفاهة الأوائل (الصعاليك)، وجيل من البلاهة الجدد (الوصوليون والانتهازيون المنبطحون بالهرولة) نحو المنافع الذاتية!!! ومن سوء التنبيهات اللازمة، أنهم يتصنعون المفهومية العقيمة، وينقبون عن الدرهم الذي قتل (الحلاج) تأففا، للاسترزاق وقضاء مآربهم الأخرى.

 ومن سوء حسهم بعظمتهم في فقه التفاهة والبلاهة، أنهم باتوا يُصدقون (بعضهم البعض)، وحتى البعض من التعاليق التي تدون بألسن التماسيح الماكرة (وَلاَحِسِي الأحذية). يعيشون في أنفة من نرجسياتهم، وينصبون أنفسهم أوصياء (العفة) على المجتمع ، وحتى على السياسيين (المارقين) في الرأي والرفض، وعدم ركوب أمواج الصمت.

إن مسألة التفاهة عامة، تُوازي في التصنيف العالمي البُلهاء بالقصد والدلالة. وقد تزيد البلاهة عندهم من نسبة تدفق(الأدرينالين) والخوف الأبدي، وكأنهم (أَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة/ قرآن كريم/ سورة الحاقة) تسقط من عروشها المصداقية والجدية. إن الحكمة عند عُصبة التفاهة (الجدد) تتمثل في نشر الفُرقة (الخَواضْ)، وإحداث شرخ داخل المكون الواحد ورمي نبال الرمح (المسحور) بالنقد المبتذل على كل من يسفه أقوالهم !!!

التجربة في باب البلاهة وما جاورها من التفاهة والبهتان، تأتينا من تتبع تلك السجالات العقيمة، والمتدنية بالركاكة والتسفيه والدونية. من تم نستوثق أن البعض يعشق النهل من التفاهة إلى درجة أنه بات متخصصا في إنتاج علاماته الحصرية في (البلاهة)، وغياب الفطنة والحكامة والنضج العلمي والأكاديمي. التجربة تعلمنا، أن البلاهة متضمنة لعناصر متنوعة من الاستهبال (الفنتازيا) غير المألوفة، وتتأسس على زوبعة من الفوضى الأشد مكرا، وانتهاكا لدولة الحق والقانون.

***

محسن الأكرمين

يوم أمس نشرت مواقع إخبارية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي خبرا يثير البهجة والفخر بالإنسان العراقي.. الخبر يقول ان الطبيب العراقي انور نوري حافظ أجرى خلال عشرة أشهر ما يقارب 500 عملية جراحية معقدة في الدماغ دون مقابل. وكنت قبل أيام شاهدت على موقع اليوتيوب حوارا قصيرا مع هذا الإنسان فوجدته عملة نادرة في زمن "صبيان السياسة" ومهرجي الفضائيات.. الطبيب الذي أحيل على التقاعد يرفض أن يتقاضى أجرا على عمليات معقدة، وهو يبرر ذلك، ويقول مبتسما ان العراق أعطاني الكثير، وعليَّ أن أرد جزءاً من الدين إليه.

فيما مقابل هذه الصورة المشرقة شاهدنا، وسمعنا المحلل السياسي وصاحب مركز للبحوث باسم "ألوان"، يرفض أن يطلق اسم الخليج العربي، ويتهم الذين يتحدثون عن العرب بأنهم يرفعون شعارات بعثية.. تخيل جنابك، يقبض راتب أستاذ جامعي، ويعمل مستشارا في مجلس النواب، والدولة العراقية منحته سيارة حديثة وحمايات تسهر على راحته، لكنه يرفض الانتماء إلى هذا البلد.

سيقول البعض هل يستوي هنا من يقدم صورة مؤثرة وزاهية عن العراق، بآخر يستخدم مهارات زائفة في خداع الناس وتضليلهم؟، هنا نحن أمام نموذج يشحذ همم الناس، وآخر يسخر منهم. الأول مثل انور حافظ وأستاذه العبقري سعد الوتري اللذان كان بإمكانهما أن يعيشا، ويتمتعا بأرقى دول العالم، وهما الجراحان الماهران، لكنهما فضلا صالة العمليات في مستشفى بغدادي، بينما الثاني مثل محللنا صاحب مركز ألوان، نجده كل يوم يلبس ثوبا بلون جديد، الهدف منه الحصول على الامتيازات والعطايا.

ونحن نقرأ سيرة الطبيب انور حافظ، نتحسر على زمن يحكمه أمراء الطوائف ومراهقو السياسة، زمن أصبح فيه كل شيء سهلا، المال العام أصبح خاصاً، والمنصب لا يسعى إليه من خلال الاجتهاد والعمل والخبرة، بل الوسيلة إليه هي التزوير والانتهازية والمحسوبية.

ربما سيسخر البعض مني ويقول: يا رجل لماذا لا تتوقف عن متابعة يوميّات "كثيري الفتن" ألا تشعر بالملل؟ سؤال أراه وجيهاً مئة بالمئة، ومطلوب من "جنابي" أن يكون جوابه أكثر وجاهة، فأنا ياسادتي الأعزّاء، مجرّد مواطن عراقي مغلوب على أمره، لا أجيد غير مهنة الكتابة، أبحث عن دولة قابلة للتطور في وطن قابل للحياة. عدالة اجتماعية وتوازن في الخير والمحبة، لا في الشعارات الطائفية، وتقلبات نواب الصدفة. فالحقيقة المؤكدة أن العراق أكبر من كل الذين يريدون تقزيمه وإهانة تاريخه، حين يربطون مستقبله بمصالح بلدان الجوار.

أعتقد أننا اليوم بأمس الحاجة اليوم إلى نموذج الدكتور انور حافظ، ربما يستطيع إخراج العديد من ساستنا ومسؤولينا من أزمة قصر النظر، ويشير لهم الى ان المواطنة لا تعني الحصول على " المالات " فقط مثلما آخبرنا العلامة محمود المشهداني .

***

علي حسين

هل أصبح فنانو مصر دمى متحركة في سوق "الموضة" العالمية، يغيرون جلودهم مع كل نسمة غربية عابرة؟ أم أننا أمام تمرد مفتعل على هويتنا، يلبس ثوب "الحرية الشخصية" بينما جذوره اغتراب عن تراب الوطن؟! 

لم تعد المسألة مجرد "حلق أذن" أو "ملابس صارخة"، بل هي زلزال يهز أركان مفهوم الفن الرجولي الذي صنعه عمالقة مثل يحيى شاهين وفريد شوقي، الذين جسدوا الرجولة بكرامة الوقفة، لا بتهافت المظهر. أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا مرايا لوجدان الشعب، لا نوافذ مكسورة تطل على قيم مستوردة!

يدعي البعض أن ارتداء الرجل للحلق أو الملابس الأنثوية هو "حق شخصي"، وكأننا نعيش في جزيرة منعزلة! أينشتاين قال: "الحرية ولدت مقيدة"، فكيف بفنان يمتلك أعين الملايين؟! إن اختيار النجم أن يكون دمية في كرنفال الموضة الغربية ليس حرية، بل استلاب يبيع الهوية بثمن صورة سيلفي. 

أما آن الأوان أن نسأل: لماذا يتحول الفنانون فجأة إلى سفراء لـ"ثقافة الاستهلاك" الغربية، بينما مهمتهم صناعة فن يعبر عن روح شعب له ألف عام من التاريخ؟! هل رأيتم فريد الأطرش أو عمر الشريف يلهثون وراء "موضة" تتعارض مع وقارهم؟ 

فنانون.. أم مهرجو السيرك؟ 

الخطير في الأمر ليس تغيير المظهر، بل تحويل الفن إلى ساحة لـ"العبث بالذات"، وكأننا في سباق لتقليد كل ما يصلنا من وراء البحر! حين يرتدي الفنان حلق الأنف أو الأذن، فإنه لا يموضع نفسه فحسب، بل يدفع آلاف الشباب إلى حافة الانهيار الثقافي، ظنا منهم أن "التمرد" يقاس بغرابة الزي! 

أليست مصر التي أنجبت طه حسين وأم كلثوم أولى بأن تحمي فنها من أن يصير مسخًا؟ أم أننا صرنا نستورد حتى مفاهيم الرجولة من على منصات "إنستجرام"؟! 

العبث بالذات.. أم العبث بالوطن؟

لا يخطئ من يرى في هذه الظاهرة رائحة استعمار جديد، يغزونا بـ"ثقافة الفرجة" بدلًا من المدافع. الغرب يبيع لنا سمه في علب ملونة باسم الحرية، ونحن نهتف: "اشربني"! 

أما آن للفنان أن يتذكر أنه ابن النيل، لا ابن "نيويورك"؟ أن يدرك أن الرجولة ليست قماشًا يخاط على المقاس، بل شرف يحمله في قلبه قبل مظهره. 

هل ننتظر حلق السرة؟! 

إذا كان هذا هو "الفن الجديد"، فليعلم أصحابه أن الشعب المصري، الذي حفظ ترانيم الثورة والمقاومة، لن يقبل أن يستبدل فن الكرامة بفن "الكاريوكي الثقافي". 

فليحذر الفنان أن يتحول من نجم في سماء الوطن، إلى شهاب ينطفئ في سماء الغرب. ولتذكر الأجيال أن مصر العظيمة تبنى برجال يرفعون رؤوسهم مع الشمس، لا بمن ينحنون لريح الموضة العابرة! 

كفى استهانة بذوق الشعب! فالفن الحقيقي لا يقاس بغرابة الإكسسوارات، بل بعمق الرسالة، وصدق الهوية.

الانحدار إلى الحضيض...!" 

إذا كان سقوط الأمم يقاس بقدر ما تسمح به من انتهاك لكرامتها، فمصيرنا—يا سادة—أن ندرس في كتب التاريخ تحت باب: "شعوب أحرقت تروسخها بأيديها"! فما كان من محمد رمضان إلا حلقة في سلسلة العار التي صرنا نتبارى في صنعها، وكأن الوطن صار مهرجاناً مفتوحاً للانبطاح! 

أتعرفون ما الفرق بين "الخول" قديماً و"الخول" حديثاً؟ الأوائل كن ضحايا نظام ذكوري قاس، فنفين إلى الصحراء كي لا يشوهن صورة "الدولة الحديثة"، أما اليوم، فـ"الخول" الجدد يصعدون على أكتاف الإعلام، ويرقصون على أنقاض هيبة الوطن، بدعم من نخبة تعتبر الهوية المصرية "برانداً" يعبأ في زجاجات العهر! 

لن أذكركم بأن الجنيه المصري—الذي داس عليه رمضان—يحمل صورة كليوباترا، ملكة لم تسكن قصورها الذهبية، بل خرجت تموت بلسعة أفعى كي لا تركع لروما! لكن رموزنا اليوم صارت أضحوكة: كليوباترا ترقص على الدولار، والعلم يهان في حفلات من يبيعون أوطانهم بقطع نقود! 

أَما آن لكم أن تفهموا؟! حين يلقى القبض على شاب لأنه "حرق علم إسرائيل" على فيسبوك، بينما يكافأ من يدوس على علم مصر في الواقع، فاعلموا أن البلاد صارت تحاكي بها المثل الشعبي: "اللي إيده في المية مش زي اللي إيده في النار"! الفرق أن أيدينا—يا ناس—مغموسة في الوحل! 

التاريخ يضحك علينا ساخراً: محمد علي باشا الذي طرد الراقصات خشية على "الأخلاق"، لو عاد اليوم لرأى أن "الأخلاق" صارت تدار بميزانية وزارة الثقافة، وأن "الفن" صار سجالاً بين رقابة خائرة وفنانين محتالين! حتى أحمد شوقي—أمير الشعراء—الذي كتب: "مصر أم الدنيا وسفر الخلود"، لو سمع أغنية لرمضان لكتب: "مصر أم المهرجانات ومزبلة الوجود"! 

السؤال المفزع: من يربح من تحويل الوطن إلى ساحة سيرك؟! هل هم أصحاب رؤوس الأموال الذين يستثمرون في " ترويج الانحطاط "؟ أم الساسة الذين يحتاجون شعباً مستلهماً بالتفاهة كي ينسى حقوقه؟ أم أننا نحن—الشعب—الذي صرنا نقايض كرامتَنا بتذكرة دخول حفلة هابطة؟! 

في النهاية لا تعتقدوا أن العار يموت بصمت! التاريخ يكتب الآن فصلاً جديداً عن أمة كانت عظيمة، فإذا بها تسقط نفسها بسكينة من يغرسون السكين في ظهرها. فإما أن نستفيق ونرجم كل من يتاجر بدماء الأجداد، أو ننتظر حتى تتحول رموزنا إلى "ميمات" ساخرة تباع في سوق النت...

***

د. عبد السلام فاروق

مدينة (الديوانية) نهرٌ دافق بالحب والعطاء، فهي الرَحمْ الخصب الذي انجب أسماءً صارت رموزاً تملأ فضاء العراق ألقاً وابداعاً، فمن بيوتاتها الفقيرة خرجت أغنياء الفكر والأدب والسياسة والفن، ومن أزقة احيائها الشعبية الوعرة والمظلمة تدفقت حزم النور لتخط على جدرانها المتهالكة شعارات الفقراء المطالبة بالخبز والحرية، ومن احدى بيوتاتها الفقيرة في محلة (الجديدة) الشعبية يخرج صبي لا يتذكر بعد عقود من الكدح والمثابرة والمعاناة، وبعد طواف قاسٍ في الدنيا لا يتذكر انه تناول في طفولته وجبة فطور الصباح قبل ذهابه الى المدرسة غير قطعة خبز منقوعة بالقليل من الشاي، هذا الصبي وهو في مرحلة الابتدائية آمن بالمستقبل وأيقن ان العمل شرف، فكان يتأبط الكتب صباحا وعند عودته من المدرسة يعمل في نقل الطابوق لعمال البناء، لم ينكفأ ولم ييأس من هكذا بداية وطفولة قاسية، انما اتخذ من الكتاب انيسا، فمدّ جسور المحبة مع الكتب وشرع ببناء شخصيته الثقافية وقد ساعده على ذلك عمله في مكتبة السيد هاشم المكصوصي، تمضي الأيام واذا به يصبح عسكرياً متطوعا في تجنيد البصرة ومفصول لاحقا بتهمة الانتماء للفكر اليساري والحكم عليه بسنة سجن عام 1968، وخلال فترة الفصل يعود الى عامل بناء في جسر الديوانية الجديد ثم عامل في سينما الجمهورية، وبسبب مضايقات أجهزة الأمن ولتربيته الوطنية وافكاره اليسارية المناهضة للدكتاتورية وأعداء الحرية يضطر الى الهرب خارج العراق ليرتبط بمنظمات العمل الفدائي الفلسطيني حيث يقضي في صفوفها خمس سنوات قاسية تحدث عن صعوباتها في كتابه (الارض والسلاح والانسان) . يعود بعدها الى العراق ليعمل كاتبا في محكمة تحقيق الديوانية ومواصلا دراسته المسائية في كلية القانون ـ الجامعة المستنصرية ـ ليتخرج منها ويتعين محققا عدليا . ثم الاستقالة والعمل محاميا بعدها الاختبار في المعهد القضائي وقاضيا ورئيسا لمحكمة الأحداث .

أية ارادة استثنائية هذه التي اسمها (زهير كاظم عبود)، وأي اصرار نبيل وجهاد واثق من المستقبل تمتلك هذه الروح التي صارت فيما بعد علما وقلما منتجا في ميدان السياسة والقانون وشؤون الأقليات، وحين نستعرض سيرة هذا الانسان فأننا نشعر بالفخر فهو قامة وقيمة ابداعية قدمت للثقافة العراقية انجازا مهما وطيبا تمثل بعدد من المؤلفات التي قاربت الثلاثين كتابا في حقول انسانية متعددة، ومناضلا افنى شبابه وسخر قلمه لنصرة المظلومين والكادحين وهو ما تؤكده سيرته ومؤلفاته التي كان فيهما مناصرا صادقا للأقليات المضطهدة في العراق، كما يستحق الاحتفاء بسيرته كونه مثالا للإرادة الصلبة التي قاومت بصبر وعزيمة ظروف الفقر والحرمان والملاحقات واستطاعت في النهاية ان تخرج من هذه المواجهة منتصرة مرفوعة الرأس من خلال نجاحها المعروف في ميادين القضاء والكتابة والعلاقات العامة، و " زهير كاظم عبود " ظل مخلصا لمبادئه الوطنية وافكاره اليسارية التي تربى عليها، فلم يتنكر لمن تعلم منهم القيم، فكتب عن الكادح عبدالله حلواص والمناضل كيطان ساجت والمربي مهدي الزيادي مثلما كتب عن رموز المدينة الثقافية، كزار حنتوش، علي الشباني، عزيز السماوي واخرين، وحتى ظرفاء المدينة فقد خصهم بمحبته فتناول سيرتهم باحترام وتقدير في العديد من كتاباته وأحاديثه، أما عن نصرته لقضايا الاقليات فقد أصدر عنها ثمانية كتب  تناولت الشبك والايزيدية كشف فيها عن صداقته مع شيوخ وابناء هذه الأقليات والتي مهدت له التعرف عن قرب على الكثير من خفايا هاتين الديانتين حيث زار مناطقهم ومعابدهم وعاش جانبا من طقوسهم الدينية مما صحح في كتاباته الكثير من المعلومات التي جاءت مغلوطة عن هاتين الديانتين، كما لا نغفل جهوده في شرح وتوضيح مواد الدستور التي لم تأت منسجمة مع طبيعة المجتمع العراقي ولم تكن ملبية لطموحاته والتي تسببت في خلق الكثير من الأزمات السياسية والمجتمعية، سيرة الكاتب والقاضي " زهير كاظم عبود " تمثل كفاح انسان تحمل الكثير من الدروس التي تستحق التعلم منها والاقتداء بها.

***

ثامر الحاج امين

برؤية نقدية واستقرائية يشير الكاتب "محمد عابد الجابري" الى ثلاثة محددات حكمت العقل السياسي العربي هي (القبيلة والغنيمة والعقيدة) وان الصراع على السلطة الذي يشهده المجتمع العربي من خلال هذه الآليات، والصراع الذي يدور في الساحة السياسية العراقية حول السلطة لا يبتعد في طبيعته عن الاليات التي أشار اليها الجابري، فالسياسي العراقي يحسب السلطة غنيمة لا يجوز التفريط بها وبامتيازاتها المغرية، لذا هو لا يتورع عن سلوك أي طريق شائن يوصله اليها بما فيه خداع الجماهير بالشعارات والتلفع برداء الدين والعدالة وكذلك الاستهانة بعقول الشعب حتى ان احد الكتاب يصف العقل السياسي العراقي (انه عقل مراوغ ؛ يتذرع باﻷهداف العامة كي يصل الى اهدافه الخاصة) وهذا ما تمارسه معظم الطبقة السياسية خلال مهمتها التشريعية والتنفيذية، فوزير عراقي سابق يتظاهر بالفضيلة وعمق الايمان ولا يرى في شخصية " اينشتاين " أهلا لتسلم اية وظيفة عراقية كون الأخير لا يؤدي فريضة الصلاة، ومسؤول أخر يرى ان معيار رفاهية العراقيين هو ما متوفر في بيوتهم من اجهزة التلفاز والموبايل وليس في مستوى الخدمات التي يفترض ان يجدها المواطن في مؤسسات الدولة الصحية والتعليمية وكذلك في نسبة انخفاض الأمية والبطالة والفقر والجريمة، ورجل دين سياسي وفي بلد نفطي يطلب من الشعب التوقف عن تناول النستلة لاتها ليست من الضرورات ويمكن للمواطن عند الصيام عن النستلة وغيرها ان يدخّر قسما كبيرا من دخله الشهري، والمصيبة الاخرى في رجل دين أخر يتقاضى راتبا من الدولة ـ وربما أكثر من راتب ــ ودخله الشهري يصل الى عشرات الملايين من الدنانير ويعمل على تسكين الموطن الفقير ويدعوه الى الصبر فـ (الناس فقراء في الدنيا لا يهم)، مسؤول رفيع يوصف بالزعيم يعترف بالفشل في ادارة الدولة ولكنه يخوض اشرس المعارك ضد خصومه من أجل البقاء في السلطة، وزعيم اخر يعترف بضغوطاته على القضاء وهذا يعد حنث في اليمين كما يخالف مبدأ استقلالية القضاء ولكنه مازال زعيما يتحكم في شكل الحكومة وتوجهاتها، والمهزلة التي ليس لها نظير في كل انظمة العالم ان مسؤولاً يعترف وفي وسائل الاعلام ان مهمته هي (تفليش العراق) ومع ذلك مازال يدير أرفع مؤسسة في الدولة، كما ان وزير كهرباء سابق يوعد العراقيين بانه سوف يبدد ظلام العراق بنعمة الكهرباء والفائض منها سوف يصدره الى الخارج وقد مضى اكثر من عقد من الزمن على وعده والعراقي مازال يعاني من شحة الكهرباء، أي مهازل تعيشها الدولة العراقية في ظل ساسة استغلت الدين والسلاح والعشائرية والدعم الاجنبي للبقاء جاثمة على صدور العراقيين، واي مستقبل مخيف ينتظر العراق في ظل هكذا عقول قاصرة ومتخلفة واي استخفاف بعقول العراقيين تمارسها هذه الطبقة السياسية، ويبدو وللأسف ان تجربة اكثر من عقدين من الزمن غير كافية للعراقيين لكشف ما يدور من خداع وتلاعب بعقولهم، يقولون ان الرفاهية تهذّب اخلاق الانسان وكنا ننتظر من المسؤول ان يكون أرقى المهذبين  باعتباره اكثر من ينعم بالرفاهية لكن الأمر عندنا مختلف فالثروة والجاه الزائف يدفع بصاحبه الى المزيد من الاستهتار بمقدرات الشعب والاستخفاف بعقوله .. يقول الكاتب المصري الساخر جلال عامر  (أصبحت مهمة المواطن صعبة، فعليه أن يحافظ على حياته من " البلطجية " وأن يحافظ على عقله من  "السياسيين") .

***

ثامر الحاج امين

كان ينبغي أن يكون موضوع المقال لهذا اليوم عن القمة العربية التي يرفض بعض النواب والمسؤولين أن تعقد في بغداد، وحجتهم أن المبالغ التي تُصرف على القمة، كان على الحكومة أن توجهها لخدمة الشعب . وسأصدق هذا القول، وأصفق له لو أن المنادين بهم يسهموا في نهب أموال هذا الشعب، وفي الإصرار على جعل العراق " محلك سر " . تعقد القمم واللقاءات في معظم بلدان العالم، وقد نشاهد تظاهرات تندد بالحروب أو احتجاجات من أجل المناخ، لكننا أول مرة نشاهد نواباً ومسؤولين يحتجون على عقد قمة في بغداد. وكنّا جميعاً أنتم وجنابي قد عشنا مع قمة عام 2012، وشاهدنا كيف أن الجميع كان يصفق لها، ويتحدث عن الإنجازات الكبيرة التي حققها رئيس الوزراء آنذاك السيد نوري المالكي.

إياك عزيزي القارئ أن تظنّ أنّ "جنابي" يهدف إلى السخرية من قادة البلاد الأشاوس، فالديمقراطية العراقية تقضي بأن يبقى المواطن العراقي أسيراً لأمزجة الزعماء الكبار، فيما كل الساسة شركاء، يضمن كلّ منهم مصالح الآخر، حامياً لفساده، مترفّقاً بزميله الذي يتقاسم معه الكعكة العراقية في السرّاء والضرّاء. ولهذا كان لا بد من أن يخرج علينا السيد نوري المالكي ليشيد بالتظاهرات، ويحذر من الطائفية، ويطالبنا بأن نستمر في إنجاز المشروع الوطني الذي بدأه سيادته عام 2006، الذي لم تسمح له الإمبريالية أن يواصل إكماله.

هذه هي النتيجة، لا حدود للسخرية من المواطن العراقي، ولهذا عندما يقول السيد المالكي إن المندسين أرادوا الشر بهذا البلد، دون أن يشير بإصبعه إلى قتلة الشباب في بغداد والبصرة والناصرية والنجف وكربلاء، فلا ينبغي أن نصاب بالدهشة، وعينا أن نتوقع خبرا يقول أصحابه إن السيد المالكي يقول إن الإطار تورط باختيار محمد شياع السوداني لأنهم اكتشف أنه طامع بكرسي رئاسة الوزراء .ستتذكر حتما المعلقة التي ألقاها علينا نوري المالكي نفسه قبل سنوات قليلة عندما اُخْتِير محمد شياع السوداني نفسه للجلوس على كرسي رئاسة الوزراء على المتظاهر أن يتلقى الرصاص وقذائف الغاز باعتبارهما هدايا من الحكومة! .

ليس أمامك عزيزي القارئ، سوى أن تصدّق رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، خصوصاً عندما يصرف وقته الثمين هذه الأيام على إطلاق التوجيهات والخطابات، يوماً ليسخر من الحكومة، ويوماً من أجل الإسراع بإنجاز " تبليط " هو الانتخابات على أن يكون ضمن الموصفات التي يرغب فيها المالكي حصراً.

للأسف يعاني كثير من العاملين في شؤون السياسة في بلاد الرافديين من حالة المراهقة السياسية، فالذين صفقوا لقمة بغداد عام 2012، تجدهم الآن يطالبون بإلغاء قمة 2025 ، والسبب معروف جدا، لأن الزعيم منزعج جداً.. جداً.

***

علي حسين

يحصل في كثير من الاحيان الخلط بين معنى القوى البشرية man power  وقوة العمل labour force.  مع انهما تختلفان تماماً.

القوى البشرية تعني مجموع السكان ضمن سن العمل (بين الحد الادنى من العمر الذي يسمح له بالعمل، ١٥ سنة، مثلاً. والحد الاقصى من العمر الذي لا يسمح له بالعمل بعدها، اي يتقاعد ، ٦٥ سنة مثلاً).

ويطرح من هذا المجموع الاشخاص الذين لا يستطيعون العمل مطلقاً بسبب المرض او الاعاقة اللتان تمنعان من العمل. وتشمل هذه الاحصائية كلا الجنسين.

اما قوة العمل فهي تعني مجموع الاشخاص العاملين فعلاً او الباحثين عن عمل بشكل جاد (هنالك معايير وضعتها منظمة العمل الدولية للحكم على جدّية الشخص في البحث عن عمل).

وبالتالي فأن هذه الاحصائية لا تشمل الاشخاص الذين هم في سن العمل ولكنهم لا يرغبون في العمل لاسباب مختلفة. اي ان تعريف البطالة هنا لا يشمل كل الاشخاص غير العاملين. وبالتالي فأن الالتزام بهذا التعريف للعاطلين عن العمل قد يغير نسبة البطالة في البلد باتجاه الانخفاض..

لذلك فأن مكاتب الاحصاء في الدول المتقدمة تربط دفع معونة البطالة للافراد بحضورهم الى مكاتب التشغيل وتسجيل انفسهم كباحثين عن عمل وقبولهم بفرص العمل التي تعرض عليهم..

القوى العاملة man power تمثل الخزين الوطني من البشر القادرين على العمل سواء في النشاطات الاقتصادية او العسكرية او اثناء الكوارث والطواريء...

انها لا تتطابق ابداً مع قوة العمل لان هناك في كل مجتمع نسبة من القوى العاملة القادرة على العمل لا ترغب في العمل، مثل النساء في كثير من المجتمعات المحافظة او بسبب عدم الحاجة المادية او عدم امتلاك المهارات والأمية او الاعتماد على معونات آخرين كأفراد العائلة الخ..

وحتى في القاموس العسكري يجري التمييز بين كلمات  Power وforce. حيث يقال military force. ويقال newclear power .  في الاولى تستخدم عبارة force لأن القوة العسكرية التقليدية قابلة للاستخدام فوراً عند حصول نزاع، اما في الثانية فتستخدم كلمة power لانه السلاح النووي لا يمكن استخدامه فور حصول نزاع وانما هو يستخدم للردع باعتباره قوة متاحة وكامنة يمكن استخدامها في حالات استثنائية.

***

د. صلاح حزام

وأنا أبحث عن الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة قرأت خبراً مثيراً يقول ان الملياردير بيل غيتس تعهد بالتبرع بكل ثروته الشخصية خلال العقدين القادمين. وقال إن الناس الأشد فقرا بالعالم سيحصلون على نحو 200 مليار دولار عبر مؤسسته الخيرية. واضاف بيل غيتس: " لا يزال هناك القليل من المال المُخصّص للأطفال، وجزء منه، كما تعلمون، لن أضطر إلى إنفاقه على استهلاكي الشخصي" .

ولمن لا يعرف السيد بيل غيتس عملاق البرمجيات فان ثروته تبلغ 168 مليار دولار، بدأ في تكوينها منذ كان شاباً عندما اسس شركة "مايكروسوفت"، ، ثم تقدّم في مشاريعه الناجحة . ورغم بلوغه السبعين عاماً إلا أن بيل غيتس ماض في التبرع بكامل ثروته إلى المؤسسات الخيرية التي تعنى بتطوير التعليم والصحة، حيث اطلق دعوة تحت عنوان "التعهد بالعطاء" التي طالبت المليارديرات الأمريكيين بأن يتبرعوا بنصف ثرواتهم للأعمال الإنسانية والخيرية.. وهي بالتأكيد نسخة طبق الأصل من حملة مليارديريينا الجدد "التعهد بالنهب" حيث استطاع مسؤولونا "الأكارم" وبنجاح منقطع النظير تحويل ثروات البلاد إلى جيوبهم الخاصة .

طبعاً، هناك فرق بين ثروة الأمريكي غيتس التي يتبرع بها وبين ثروات أغنيائنا الجدد الذين ينمون بها اقتصاد الدول التي يحملون جنسياتها من خلال حسابات سرية لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، فالمليارات التي تبرع بها غيتس جاءته من استثمارات ومشاريع أقامها في بلدانه درت عليه الثروة، أما ثروات " دراويشنا " فقد جاءت من خطب رنانة ومناورة وانتهازية وفساد مالي، وشعارات طائفية.. ولهذا نحن نظلم أنفسنا إذا حاولنا أن نلبس ثوباً ليس ثوبنا، أو أن نحاول تقليد الامريكان " الكفرة " أو غيرهم، فنحن أمة علمت الناس القراءة والكتابة والفروسية وأيضا كيف يُنتهب مال المدارس والكهرباء والصحة والحصة التموينية في وضح النهار.

لا أتصور أن عاقلاً واحداً يمكن أن يطلب من أثريائنا الجدد أن يتبرعوا بجزء من غنائمهم للفقراء، أو أن يقرروا إنشاء صندوق لدعم الايتام .. فكيف تطلب من صاحب الثروة "الملفلفة" أن يفعل خيراً؟.. وكيف تطلب من مسؤول استغل وظيفته لمنفعته الشخصية أن يوقف مالاً من أجل أبناء جلدته؟!

ولهذا، نحن العراقيون نعرف جيداً غرض السيد بيل غيتس من تبرعه بهذه المليارات، إنها يا أعزائي مجرد رشوة انتخابية فهو يحلم في أن يصبح مثل سياسيينا، الذين لا يعرفون الطريق إلى الناس إلا أيام الانتخابات.

اللهم أنزل علينا رحمتك وعطفك واعفنا من أشباه بيل غيتس، واجعلنا من المتيمين بحب محمود المشهداني صاحب نظرية المالات والحاج ابراهيم الجعفري، الذي زودنا بالحكمة بديلاً للتنمية والاستثمار وبغرائب القول بديلاً للصناعة والتعليم .

***

علي حسين

skit under naglarna”

كما يقال إذا تكرر حوادث التاريخ يوم ما فإنها تتكرر مهزلة ساخرة كوميدية. قبل حوالي أربعون عاما وجدت زوجتي نفسها مع طفلين صغيرين في مطار بوخارست المسماة (اوتوپين) في رحلة لجوء إلى السويد لتلتحق بي بعد ان كنت قد عانيت الانتظار سنتين من الانتظار في معسكرات اللاجئين.

كانت رومانيا آنذاك تحت حكمً النظام الشيوعي وتحت سلطة الدكتاتور (نيكولاي شاوشيسكو) والذي كان قد امر رجال امنه والضباط في المطار تفتيش المغادرين من المطار ومصادرة كل مقتنياتهم من نقود وجواهر وكل ذو قيمة من مقتنيات الشخصية ناهيك عن الإهانات التي كانت توجه للقلة ممن تمكنوا من الحصول على جواز سفر لمغادرة البلاد بطريقة رسمية وكان الزواج من الأجنبي احدىً تلك الطرق. وشاءت الصدف ان تكون ابنتي الصغيرة ذو الثلاث سنوات ان تكون هناك أقراط ذهبية معلقة في أذنيها أهدتها والدتي لها حين ولدت وأرسلتها من بغداد (صوغه) فما كان من رجال الشرطة في المطار إلا أن ينزعوا عنها أقراطها ويصادروها وهي تبكي وكانوا قد صادروا شقتنا في العاصمة وجميع مقتنيات العائلة التي كنت قد جمعتها خلال سنوات دراستي العالية في رومانيا وتركوا فقط الملابس وبعض الكتب معهم. طبعا حين وصلوا إلى السويد كان أول شيء اشتريت لها أقراط الذهب ووضعها في شحمةً آذنيها كي أعيد لها الفرحة.1448 school

رغم ان المصطلح السويدي (skit under naglarna”) الذي بدأت به حديثي يستعمل صوريا ولا تعني كل كلمة بمعناها منفردة، بل في سياق الجملة وفي علم النفس والتغير يستعمل المصطلح لمعالجة الخصام وعدم التفاهم بين الأطراف والغوص في جذور الأساسية لأسباب الخصام ومعالجتها من الجذور. بصورة عامة نحن قد نستعمل المصطلح لأشياء وأمور ليس لها قيمة وتافهة كذلك وربما جاءت من تقيم الناس العاملين والفلاحين لوجود بعض السواد تحت أظافر أيديهم. المهم ان الموضوع لا يستأهل وتافه، ولكن في السياسة مهمة إذا وصلت حالة الدول أن تبدّا بمراقبة مواطنيها وتفتش حتى تحت أظافرهم.

كلنا نتذكر حين كنا صغارا في المدرسة قبل اكثر من نصف قرن كان هناك اصطفاف صباحي وفيها نمد أيادينا إلى الأمام (الصورة) كي يقوم المعلم المار من أمام صفوف التلاميذ من روية الأظافر وان كل واحد منا له منشفة صغيرة نظيفة يمسكها بيده.

هكذا اصبح حال الدنيا اليوم يفتشون حتى في المطارات عن كل شيء وحتى "الأوساخ تحت الأظافر".

***

السويد

 2025

تقول الحكاية أن حسن تقدم للزواج من فاطمة. ولمّا كان الزفاف أوصتها خالاتها ألا ترد عليه بأية كلمة إلا إذا قال لها: " أمك الشمس وأبوك القمر وخالاتك الكواكب".

 في ليلة العرس حاول حسن أن يكلمها ويلاطفها وهي لا ترد، فظن أن السبب هو خجلها. ومرت الأيام وفاطمة لا تكلمه بشيء حتى ملّ منها. وفي يوم قرّر أن يُغضبها عسى أن تتكلم فأخبرها أنه دعا إلى منزله عشرين ضيفا، وأن عليها أن تُعد الغذاء لهم وإلا فهي طالق.. ثم خرج.

كانت خالات فاطمة قد جهّزنها بصحون وأطباق سحرية، فطلبت منها أن تخرج من الرفوف، وتملأ المائدة بأشهى الطعام. وفي وقت الغذاء جاء حسن وضيوفه، ففوجئ بالمائدة الفاخرة، وانتابه شك في الأمر.

بعد مضي أسابيع طلب منها إعداد وليمة أخرى واختبأ في ركن بالبيت، فشاهدها وهي تأمر الأطباق بإعداد المائدة، ثم وقع طبق على الأرض فقال: وحياة أمك الشمس وأبيك القمر سامحيني، فردّت عليه: سامحتك.

عندئذ عرف حسن سر كلام زوجته، فقال لها: وحياة أمك الشمس وأبيك القمر ردي عليّ وكلّميني، فكلّمته، وعاشا معا في سرور وسعادة.

كل امرأة هي فاطمة؛ لها أسرارها ومفاتيحها، ولها سلطتها الناعمة على آدم ليظل طفلا بين يديها. إن عاملها بقسوة ضربت بينها وبينه بسور من الصمت والغموض، وإن عاملها باللطف والرقة فتحت له أبواب جنتها ليسكن إليها ويسكن معها.

لكن يبقى السؤال المحير الذي تتوقف عليه السعادة وطمأنينة العيش: هل نفهم المرأة حقا؟ هل نعرفها حق المعرفة؟ من هي المرأة، وما هي خصائصها؟ هل هي مخلوق ناقص لأنها لم تُخلق من تراب مثل آدم؟ أم خُلقت من الضلع لتكون مصدر حنان للرجل، كما تحنو الأضلاع على الصدر وتحمي القلب؟

في أمريكا تحمل الأعاصير والزوابع والقنابل أسماء نساء.. كارولينا.. كاترينا.. ويلما.. كاميلا وغيرها. فهل المرأة خطيرة إلى هذا الحد، أم أن العلماء وخبراء الأرصاد يُعبرون عن تعاستهم الزوجية بتأنيث وسائل الخراب والدمار؟

أكيد أن المرأة ليست مصدرا لهذا الشر كله، فكل حياة جديدة تنشأ في رحمها، ويكبر الوليد في حضنها ليرضع من صدر الأمومة حليب العطف والحنان. وعندما يصير رجلا تبدأ رحلة البحث عن الزوجة؛ وهنا تصير المرأة لغزا وقضية، وتتدخل العادات وتقاليد الأسر لتجعل من الزواج إما راحة وسكينة، وإما رحلة من المشاكل والمتاعب التي تنتهي بالطلاق.

نعود إلى السؤال الأول: من هي المرأة؟ لأن الإجابة عنه تحدد شكل العلاقة معها، خاصة داخل مؤسسة الزواج. فكلما فهمنا المرأة وخصائصها استطعنا أن نتقبل قائمة الاختلافات التي تُميزها عن الرجل، وأدركنا أن سر السعادة الزوجية أن تُقدر عطاءها، وتحترم تميزها، وتمنحها دفء المشاعر حتى لو رددنا ما قاله حسن: أمك الشمس.. وأبوك القمر.. وخالاتك الكواكب!

كي نجيب عن سؤال: من هي المرأة؟ لا بأس أن نلقي نظرة على حضورها في تاريخ حضاراتنا القديمة؛ في مصر والعراق والشام، ونرى كيف كان الرجل يعامل المرأة وما هي مكانتها في المجتمع.

أول شيء يثير انتباهنا أن المرأة كانت مقدسة، والسبب أن الرجل وجد نفسه أمام مخلوق يشبهه، لكن يمتاز عنه بخواص الحمل والولادة والرضاعة والأمومة. هذه القدرة العجيبة للأنثى دفعته لأن يعبدها لأنها مصدر الخصب والعطاء، فظهرت تماثيل عشتار، والعُزى، وإيزيس، وفينوس في المعابد. بل كان الإنسان يعتقد بأن الكواكب بنات الأرض، أنجبتهن من زواجها بالقمر، فكانت كل عناصر الطبيعة تعكس إيمانه بأن المرأة هي المسؤولة عن الخلق وصناعة الحياة من عدم.

واستمر هذا التقدير بشكل آخر حين تولت بعض النساء مهام الحُكم، فظهرت ملكات وحاكمات كبلقيس وزنوبيا وكيلوبترا. وفي الجزيرة العربية كانوا يعتقدون أن المرأة هي التي تُحدد صفات الطفل ومكانته بين قومه، فكان الرجل إذا أراد أن يفتخر يقول: أنا ابن الحُرة!

إن ما يحتاجه الرجل اليوم ليس أن يعبدها بل أن يفهم عالمها حتى يكسب ثقتها؛ لهذا عندما بحث بيير داكو في سيكولوجية أعماق المرأة وجد أن أقصى ما تطمح إليه هو الاستقرار العاطفي، وأن تكون علاقتها مع الآخر، خاصة الزوج، مبنية على الرعاية والاحترام، والتعامل مع مصاعب الحياة بهدوء وصبر. وهي تُعبر عن حاجتها لهذا الاستقرار في اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية، ومشاركة كل شيء مع الزوج. للأسف لا يُقدر آدم هذا السلوك ويعتبره ثرثرة وتدخل في شؤونه، ولا يفهم أن الدافع هو حرصها على الاستقرار، فهي تكره الغموض والأسرار.

في كوريا يُرددون وصفا جميلا لعلاقة آدم بضلعه، فالرجل يولد من المرأة كما يولد الملح من الماء. لذا عندما يقترب منها بالزواج تمتصه ثانية كما يحدث للملح في الماء، وهذا تفسير للخوف الذي ينتاب بعض الشباب في بداية العلاقة الزوجية؛ فآدم يحس أن للمرأة قوة غامضة تدفعه للابتعاد أو الحذر، لكن الحقيقة أنها تريد أن تقترب منه، أن تتحدث إليه وتعبر عن شعورها واهتمامها. هذا هو أسلوبها في الشعور بالذات وتفريغ شحنات الأحداث اليومية، وليس مجرد ثرثرة كما يشكو أغلب الرجال.

إن العالم في تصورها هو اتصال دائم، واستمرار في خلق جو من المحبة والوئام. ووسيلتها المفضلة في ذلك هي الكلمات. وبلغة الأرقام فإن الدراسات العلمية توصلت إلى أن عدد الكلمات التي تنطق بها المرأة في اليوم الواحد تبلغ 20 ألف كلمة مقابل 7 آلاف كلمة للرجل؛ موهبة نحتاج لتقديرها كما ينصح بذلك أخصائيو علم النفس والاستشارات الاجتماعية. إنها تحس بالضيق، أو يزعجها شعورها المستمر بالمسؤولية.. تبحث عن التعاطف والمساندة. وفي الحياة الزوجية يكون دور الشريك أن يتفهم حالتها، ويساعدها بالتقرب الوجداني والمودة وليس بتقديم الحلول. إنها تحتاج فقط إنسانا ينصت إليها لتشعر بالراحة.

وأما أسلوب تفكير المرأة فهو مختلف قطعا عن الرجل؛ كل منهما يستعمل نظارة مغايرة ليرى العالم. فالرجل يتميز تفكيره عادة بالتركيز وربط الأمور ببعضها، بينما تنظر المرأة للعالم من زاوية التوسع. عندما تفكر في موضوع ما فهي ترسم أولا صورة واضحة عنه، ثم تبدأ باكتشاف الأجزاء المتعلقة به وربطها ببعض.

إن من مفاتيح المرأة طبيعتها التوسعية، وهو أسلوب وحاجة نفسية يجب أن يفهمها آدم ويتقبلها لأنها تكون أحيانا سبب لبعض المشاكل التي تطرأ على الحياة الزوجية. فمثلا لو أثرنا مسألة التسوق فإن الرجل يميل إلى التركيز وإنجاز المهام بسرعة، لذا لو دخل إلى السوق سيلتقط الحاجة ويخرج بسرعة. أما التسوق عند المرأة فهو متعة واكتشاف لكل المعروضات، وإن هي اتبعت أسلوب الرجل ستشعر بالتعب وتتأذى حالتها النفسية. ولهذا فهم يضعون المقاعد في محلات التسوق الكبرى خصيصا للرجال، لأن الأبحاث السيكولوجية أكدت أنهم لا يتمكنون من مسايرة أسلوبها التوسعي أكثر من نصف ساعة ثم يبدأون بالتضايق.

ويقودنا الفكر التوسعي لضلع آدم إلى الحديث عن اهتماماتها ونظرتها للحياة. فالمرأة عادة تهتم بتطوير العلاقات الاجتماعية وإشباع رغبتها في الحوار، وعالمها هو عالم الحب والعواطف الجياشة، لأن كيانها يتحقق من خلال المشاركة في الحياة. وهي تملك حاسة توقع احتياج الآخرين للمساعدة فتقدم المشورة والاقتراحات كدليل على الاهتمام والرعاية. وللأسف بعض الأزواج يعتبرون هذا الأمر تدخلا أو فضولا أو إهانة لهم. في حين أنه جزء من طبيعة المرأة واهتمامها. فبينما يميل الرجل إلى الكفاح وتحقيق النتائج، تميل هي إلى تنمية المشاعر الإيجابية.

إن حاجة المرأة للمشاركة الوجدانية والمساندة هو أحد مفاتيح شخصيتها، وفيه يتجلى ضعفها وسرعة تقبلها للتحليلات الخاطئة. فهي تشعر بالسعادة حين تسارع لتلبية حاجة الآخرين، لكنها بعد فترة من العطاء تتوقع منهم نفس الشيء. وحين لا ينتبه أحد لذلك تقرر إغلاق الأبواب، وتتوقف عن الطلب، وربما تفكر في إنهاء العلاقة.

يقول المثل العربي: لو كان الرجل نهرا لكانت المرأة جسره..

وفي ألمانيا يرددون أن البيت لا يُؤَسس على الأرض بل على المرأة..

وتستمر المرأة في عطائها واختلافها.. وحاجتها لأن يفهم آدم ضلعه حتى تكتمل صورته ووجوده.. ويقطعا معا تذكرة إياب إلى جنة الخُلد. 

***

حميد بن خيبش

"كن ابن من شئت واكتسب أدبًا، يُغنيك محموده عن النسب."

في زمن ما بعد الحداثة والعولمة، نعاني من ضمور حاد في المنظومة الأخلاقية، وانحسار كبير في الذوق والوعي الإنساني. هذا التراجع المفرط خلّف فئةً مغتربة عن المجتمع، تعيش في عوالمها الخاصة، تعاني من صعوبة التجانس مع السطحية المقيتة التي باتت سائدة.

تجاهد هذه الفئة في صناعة الأثر وإضفاء قيمة على الوجود، لكنها قابعة في عزلتها، كفراشة في شرنقتها، تودّ التحرر والانطلاق نحو النور، ولو كان الثمن حياتها. غير أن التسافل والانحدار المحيط يقف حاجزًا بينها وبين النور، فتخشى أن تُستهلك قبل أن تبلغه.

الناس على السطح كالسُكارى:

منهم من يبدو ثملًا حزينًا، ومنهم من ينتشي بنشوة زائفة، غافلًا عن خطورتها على مسار وجوده ودوره ومسؤوليته. باطنه يئن من الاغتراب والخواء، لكنه يستمر في الدوران، كما لو كان آلة بلا وعي.

لم يعد الكثير من الناس "أنسًا" حقيقيًا، فلا روح تُلامس، ولا قلب ينبض بحضورهم. أحاديثهم مستهلكة، سطحية، مجرد ضجيج يلبّي حاجة بيولوجية للكلام.

يُفرطون في الاستهلاك حتى في اللغة، ويشحّ فيهم الإنتاج والأثر الحقيقي. يتزاحمون في ميادين النجاح الوهمي، ويُفتنون بنتائج بلا جذور، بلا مرجعية، بلا هدف يسمو أو ضابط يوجّه.

كثيرون يتضخم فيهم الأنا، لمجرد سلطة امتلكوها أو مال جمعوه أو علم ظنّوا أنهم اشتروه، فيرفعون أنفسهم فوق خلق الله، وقد غاب عنهم أن التمايز عند الله لا يكون إلا بـ"قلبٍ سليم".

كثيرون أُمّيون في معرفة أنفسهم، غافلون عن سطوة رغباتهم التي تحركهم كيف شاءت. لم يميّزوا بين حاجات البقاء التي لا تنتهي، ورغبات النفس التي لا تُعد، وبين الرقي والسمو بالنفس.

لم يدركوا أن مصادر القوة والثقة الحقيقية، إنما تنبع من تزكية النفس، من الارتقاء بها، من معرفتها والعودة إلى حقيقتها.

لم يعوا أن الرحلة مؤقتة، وأن الموت والرحيل مصيرٌ محتوم، وأن كل نفس نأخذه هو خطوة نقطعها نحو هذا المصير.

فمن يعيد للأدب والأخلاق والذوق اعتبارهم؟

وهل يكون الإنسان إنسانًا حقًا بلا أخلاق أو أدب أو ذوق؟

وهل يُعدّ المثقف مثقفًا بلا وعي وتواضع فطري، وقلب مفتوح بالمحبة، وعينٍ تُبصر الجمال من الداخل لا من الخارج؟

ليتذكر الجميع أن الثقافة لا تنفصل عن التواضع، وأن الإنسان لا يُقاس بعلمه ولا بماله ولا بجاهه، بل بذوقه، وعمق إنسانيته، وصفاء قلبه.

***

د. حميدة القحطاني

 

حين كنا صغارا في أولى مراحلنا التعليمية ننظر للمعلم وكأنه آلهة لا يصيبها ضرر ولا تخطأ، وكبرنا وعرفنا أنه بشر يتألم ويقلق من الاختبارات مثلنا، وسمعنا التربوي وهو يشرح أساليب التعامل السليمة فنردد بدواخلنا هنيئا لأبنائه، ونحن لا نعلم بأنهم قد يتعرضون مثل ما نتعرض له، واتسعت أفاقنا، فإذا بنا نبهر بالحقوقي وهو يدافع عن المرأة بكل ما أوتي من فصاحة لسان وبيان قلم، ولا نعلم ماتخبئه المنازل خلف الأبواب، وتضطرنا انتكاسة صحية فنكون بين يدي جراح عظيم وطبيب ماهر ونخاله بعيد كل البعد عما يصيبنا .

كل منا يشعر تحت وطاة الضغط والخوف والقلق أنه الوحيد فيما يشعر، وأن لا أحد قادر على استشعار الوجع الذي يحمله بين جوانحه، تأخذنا الروايات والقصص، حيث نرانا إحدى أبطالها، فيخف الشعور بالغربة وإن كان في مخيلة أحدهم .

وإذا كنا نتوقع من المرض الجسدي أن يصيب طبيب بنفس تخصصه، فقد لانعي أن الطبيب النفسي يحتاج لطبيب، وياخذ أدوية الاكتئاب، والمعالج النفسي أو السلوكي بحاجة لأخصائي يستمع له ويساعده .

طيلة الفلم الوثائقي ستاتز الذي شد كل جوارحي لعدة أيام، كنت أردد (فوق كل ذي علم عليم) مهما عرفنا واكتسبنا من معارف وأدوات، نبقى في بحر المعرفة نتلاطم نحتاج إلى من يساعدنا في الوصول لشاطئ الأمان، ولا عيب في ذلك .

الفلم رائع ياخذك بحوار عميق وممتع بين الممثل جونا هيل وطبيبه النفسي ستاتز، يستعرض فيه أدواته العلاجية الغير تقليدية والتي استخدمها الطبيب معه ومع غيره ليضع الفائدة بأيدي آلاف البشر والذين قد يكونون بأمس الحاجة لاستشارة طبيب نفسي ولكن مازال الطب النفسي في نظر الكثير منا مخجل، ومن الصعب أن يعترف المرء أنه بحاجة لمساعدة نفسية رغم زيادة الوعي التي نجدها في الأجيال الشابة .

لنقر في أعماقنا أننا كلنا وفي هذه اللحظة معرضون لنفس المخاطر والمشاكل والهموم لا أحد مستثنى مادمنا بشر، الممثل وهو المريض الذي جاء طالبا المساعدة من الطبيب من حالة كان الطبيب نفسه يعاني منها .

المعلم هو معلم وتلميذ في نفس الوقت، والطبيب يعالج ويحتاج لطبيب يعالجه في نفس الوقت، حتى المعلم الروحي هو مرشد لتلميذ، وتلميذ لشيخ آخر فوق كل علم عليم .

الجميل بالفلم الرابطة القوية والامتنان بين الممثل والذي نجح وتجاوز أزماته بفضل مساعدة الطبيب، ويتمنى أن ينشر للجميع أدوات طبيبه لتعم الفائدة، والطبيب الذي مارس الفلم وبطله الممثل دور المعالج له فساعده على تجاوز بعض مشاكله التي كان عالق بها.

تذكرت المثل القائل (باب النجار مخلوع)، فبعض الأمثلة دروس عميقة.

***

منى الصالح

لندن ٢٠٢٥

 

مجتمعات الكلام عظامية المنطلقات ومعبّأة بالأساطير والأوهام، بينما مجتمعات القوة والإقتدار كلامها يُخبر عن عمل مُنجز وفعلٍ دائبٍ أبرز.

العظاميون يخوضون في الغابرات ويستحضرون ما ضمته الأجداث، ويتفاخرون بالماضيات، وهم عن حاضرهم ساهون، وبالكلمات يتلهون، وفي ضعفهم وتبعيتهم يتمرغون.

القوي فيهم مَن إعتمد على غاصبٍ أثيم، وتربّع على عرشٍ سقيم، يدّعي ما يدّعيه ويوهم ما حوله بما ليس فيه.

والأمم التي لا تجيد غير إنتاج الكلام، أضاعت قيمة الكلمة ودورها في الحياة، فالجميع يجيدون الكلام والتفاعل مع الأيام بما يسمونه إبداع.

وتراهم لا يتفاخرون بالعلم والفكر والإنجازات المادية المعاصرة، بل بالشعر والشعراء، ويحسبون أنهم أقوياء بالشعر وحسب، فما قيمة آلاف الشعراء أمام مخترع مبدع في الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا المعاصرة؟

إن بعض المجتمعات إنحرفت في سلوكها وأجادت الإنقطاع عن عصرها، وتوهمت القوة في الشعر، والتصديح الفارغ الصارخ فوق المنابر.

كما أن الرموز المنبرية هي الأخرى تتوهم بأن خطبها التعسفية التعبوية إنجازها الأعظم، وقدرتها على تحويل المستمعين إلى تابعين مستعبدين بإسم خرافات وأضاليل يسمونها كما يشاؤون.

فكيف يمكن لمجتمعات الكلام أن لا تُضام في عصرنا التكنولوجي الدفاق، الذي تتسابق فيه العقول للإتيان بجديد متميز مؤثر في مسيرة الحياة؟

عليها أن تستفيق من غفلتها، وترى النور ببصيرة الألباب، وتفتح الأبواب، وترنو إلى حاضرها ومستقبلها بعيون العزم والإقدام، فقد "بلغ السيل الزبى"، وتناهبتها الوحوش المفترسة، وهي المسطولة بخمور البهتان المعتقة، القاضية بالنيل من قيمة البشر، ومصادرة حريته وكرامته، وتحويله إلى محكوم بالسمع والطاعة، والتبعية والخنوع المطلق للمتسلطين على مصيره المجهول.

فهل من فعل يتكلم وإنجاز به الإنسان فخور؟!!

و"ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" النحل: 32

بعلمٍ جاد أبناء الزمان

وطافوا فوق شاسعة المكان

عقولٌ في تطلعها لمجدٍ

بدائعها منوِّرة الأماني

كلامٌ في رباها صوت فعلٍ

وإنجازٌ لسامقة التفاني

***

د. صادق السامرائي

 

إن الجديدَ في دنيا الأفكارِ غالبًا ما يكونُ كالغريبِ في ديارٍ ألفت الهدوء، فحين يطرحُ مفكرٌ أو مصلحٌ فكرته تُقابله المجتمعات أول ما تُقابلُه بريبة وخوفٍ ومقاومة حتى وإن حملت فكرته بين طياتها الخير والحلّ والفلاح ذلك لأن النفسَ بطبعِها تستريحُ لما عرفت، وتخافُ مما تجهل. وتلك ظاهرةٌ مُتشعبةُ الأبعادِ عميقةُ الجذورِ، ترجعُ إلى طبيعة الإنسان نفسًا واجتماعًا ووجودًا، بل وحتى من منطلقِ تطوره التاريخي.

أما الجذورُ النفسية، فهي ضاربةٌ في أعماق النفسِ البشرية تُحركها نوازع شتى منها نفورٌ أصيلٌ من الخسارة، حيثُ يخشى الإنسانُ فقدانَ ما اعتاده من وقتٍ وجهدٍ ومالٍ ومكانةٍ، والخوفُ من الخسارة غالبًا أشد وقعًا في النفس من لذة الربح. وتُضافُ إلى ذلك تحيزاتٌ معرفيةٌ عديدة، منها تفضيلُ الوضعِ الراهنِ، والإحجامُ عن التجديدِ، حتى لو بدا أن الجديد أوفر خيرًا وأجزل نفعًا. كذلك يسعى الإنسان دائمًا لتأكيد معتقداته القائمة فيبحث عما يثبتها ويُغفل كلَّ ما يهددها، ويستريحُ إلى المألوفِ لأنه يمنحه شعورًا بالأمان والراحة. ويزيد من هذا النفور حاجة الإنسان إلى اليقينِ والسيطرةِ على عالمه، والجديد بطبيعته غامضٌ، مُبهمُ النتائج، ما يُثيرُ قلقًا داخليًا عميقًا ويولد خوفًا فطريًا من المجهول.

وعلى الجانبِ الاجتماعيّ، فإن مقاومةَ الجديدِ تزدادُ حدةً وتأثيرا بفعل الضغوط الاجتماعية ورغبة الإنسانِ في الامتثال لمحيطه، خشية أن يلقى النبذ أو النقد أو التهميش. فالإنسانُ بطبيعته يقلد ويقتدي بمن يثقُ بهم ويعتبرهم قدوةً أو مرجعيةً، ويقاومُ الجديدَ خشيةَ أن يتعارض مع هويته الجماعية وتقاليده الراسخة، ما يُهددُ إحساسه بالانتماء والأمان الجماعي.

وإذا ذهبنا أعمقَ قليلًا، وجدنا أن جذورًا وجودية تُحركُ النفوسَ في اتجاه الرفض والمقاومة، فالإنسانُ يخشى التغييرَ لأنه يُذّكرُه بهشاشتهِ أمام العالم، ويثير فيه قلقًا وجوديًا مرتبطًا بانتهاءِ المألوفِ وبدايةِ ما لا يُمكن التنبؤ به. والجديدُ بهذا المعنى، هو تهديدٌ ضمنيٌّ لبقاءِ الذات وإشارةٌ إلى ضرورة تعلمِ مهارات جديدة، قد تبرز نقاط الضعفِ في شخصية الفرد أو المجتمع.

ومن منظورٍ تطوري، يبدو الحذرُ من الجديد استراتيجيةَ بقاءٍ ناجعةً قديمة فقد علّم التاريخ البشر أن المجهولَ قد يكونُ خطرًا وأن التريث والحذر في التعامل مع كل جديد يُمثل آلية دفاعٍ غُرست عميقًا في جينات البشر منذ قديم الزمان.

ومن شواهد التاريخِ ما يؤكد ذلك، فقد قاوم الإنسانُ اختراعاتٍ عظيمةً مثل الطباعة، والسيارات، والتلفزيون؛ ورُفضت نظريات علمية كبرى مثل نظريات كوبرنيكوس وغاليليو، وأُعيقت حركاتُ التغييرِ الكبرى كالحقوق المدنيةِ بسبب مخاوفَ من زعزعةِ البنى الاجتماعية القائمة. وهذا المشهدُ يتكررُ اليوم مع مقاومةِ كثيرٍ من الناس للتقنيات الرقمية الحديثة والأفكار الاجتماعية والسياسية الطموحة.

وليس الدين بمعزلٍ عن هذا؛ فقد رفض أهل مكة في بادئ الأمر دعوة النبي محمد (ص)، تمسكًا بما ألِفوا عليه آباءهم، وخوفًا من فقدان مصالحهم، كما أوضحت آيات القرآن الكريم هذه الحقيقة النفسية والاجتماعية البالغة العمق.

وخلاصةُ القولِ، إن مقاومةَ الجديدِ ظاهرةٌ إنسانيةٌ طبيعيةٌ متجذرةٌ في النفس والاجتماع والوجود والتاريخ التطوري، وفهمُ هذه الجذورِ هو مفتاحُ التعامل الواعي مع التغيير وهو طريقُ التشجيعِ الحكيمِ على قبولِ الجديدِ وعلى تطويعِ المقاومةِ لتكونَ دافعًا للنمو والتطورِ بدلًا من أن تكون حاجزًا وعائقًا.

***

حميد علي القحطاني - أستراليا

 

آدم وما أنجبه مع حواء كما ترسخ في الوعي الجمعي، مخلوقات كغيرها مجبولة من ماء وتراب، ولا فرق في جوهر سلوكها، لأنه مرهون بالنفس المشبعة بطبائع التراب، والمهيمنة على إستجاباته كأي حيوان أخر مهما صغر أو كبر، فالمخلوقات ذات جهاز حيوي متشابه ويتباين في درجات تعقيده وتأثيره.

لكل مخلوق لغته وأبجدياته الصوتية والحركية، وكذلك البشر تفوق على غيره من المخلوقات بأبجديات الكلام، وحرية اليدين وتفاعلهما مع دماغ فيه مهارات التعبير العقلي، وإستحضار الأفكار المحلقة في فضاءات وجوده.

والإنسان صفة لا تنطبق على كل البشر، ومن الصعب أن يبلغها ويتمثلها ويعيش فيها، لأنها تعني الإنتصار على النفس الأمارة بالسوء، وهذه مكابدة قاسية ومجالدة لا يطيقها إلا ذوي العزم العنيد.

فالإنسان كائن عاقل من نوع البشر، متميز بالقدرة على الكلام والتفكير والإبداع، وإجتماعي الطباع، يعيش في مجتمعات يحقق فيها الطمأنينة والأمان، والرحمة وإحترام حقوق الغير من المخلوقات من أبناء نوعه والأنواع الأخرى، فلكل مخلوق حق الحياة.

الرسالات بأنواعها جاهدت لنقل البشر إلى مرتبة الإنسان، وباءت بفشلها الواضح، فتأسد البشر وأطلق ما فيه من شرور، فإستعرت الحروب وعم الفقر والإملاق، وسوء الحال والمصير، فسفك الدماء إدمان البشر المنفلت الرغبات والنزعات والمكبل بالعدوانية والبغضاء، والتصارع مع غيره  المعبأ بالوجيع والساعي للإنتقام والوعيد.

فالأرض يسعى فوقها بشرٌ مثل باقي المخلوقات المتصارعة بلا هوادة، وتتحكم به النفس الأمارة بالسوء، وتغتال إنسانيته، وتحولها إلى عنوان للضعف والهوان، ولا يمكن لقوة سواء كانت أخلاقية، قانونية، عسكرية أن تردعها أو تهذيها، لأنها ذات طاقات مدوية.

إن الجهاد الأعظم يتلخص في القدرة على الإنتقال من قيعان البشرية إلى فضاءات الإنسانية، التي هي غاية وجودنا، وعلى كاهلها رسالات الأديان والدنيا.

فالمسافة بين البشرية والإنسانية شاسعة، والتفاعلات السائدة بشرية صرفة، والقليل فيه شيئ من نفحات الإنسانية، وإن الأرض مسرح بشري ربما يرفع بعض ممثليه رايات الإنسانية للخداع والتضليل.

فهل أنضجت الأديان إنسانيتنا، أم تحولت إلى مطية لبشريتنا؟!!

بشرٌ فيها تلاحى وافترى

وبنفسٍ إستقادت إنبرى

كل إنسانٍ طريدٍ خائبٍ

هكذا الدنيا عليها ما جرى

أين إنسان مسارٍ واضحٍ

ورغوبٍ في دجاها لا يرى

***

د. صادق السامرائي

من المحبط أن يهدر الإنسان طاقته في ركن ضئيل من الأرض، معتقدًا أنه وجد المتعة المطلقة، ليجد نفسه أسيرًا لفخ مميت، يحاصره في جزيرة خالية من الحياة وسط محيط هائج —هناك، حيث الصمت يلتهم الأصوات، يشعر أن صراخه لا يجد من يسمعه، سوى نبضات قلبه المرتعشة، ولكن وسط العتمة، يدرك أن الصمت ليس موتًا، بل بداية لصوت داخلي كان مخفيًا تحت ضجيج العالم.

يواجه المرء لحظات من الوحدة تقذف به في مستنقع الصمت، لكنه يبدأ في ملاحظة تفاصيل لم يكن يراها من قبل —خيوط النور التي تتخلل عبر النافذة، همسات الرياح التي تحمل معها رسائل غير منطوقة، والزهرة الصغيرة التي تنبت بشجاعة في شق صخري. ربما ليست العزلة سجنًا دائمًا، بل فرصة للإنصات لما كانت الحياة تخفيه عنه. 

إن خداع النفس بأحلام مظلمة لا يقود سوى إلى طريق مسدود، لكن حتى في ذلك الطريق، يمكن أن يولد إدراك جديد -أن الألم ليس نهاية بل نقطة انطلاق، وأن في أشد لحظات الانكسار قد يزهر شيء لم يكن بالحسبان. وإن كسا الحزن السماء رماديًا، فإن قدرتها على المطر تظل كامنة، تنتظر لحظة انطلاقها، وربما تكون تلك الدموع بذورًا لربيع جديد. 

حين يتسلل الخوف من الوحدة، يشعر المرء أن كل شيء يضيق عليه، لكن مع الزمن، يبدأ في فك قيود العزلة شيئًا فشيئًا. يدرك أن هناك حرية كامنة في أن يكون وحيدًا دون أن يكون ضائعًا، وأن الصمت ليس عدوًا بل مساحة يتشكل فيها صوته الحقيقي. هذه العزلة التي بدت قاتمة في البداية قد تتحول إلى مختبر للأفكار، إلى مكان يولد فيه الإبداع كما يفعل الفنانون والكتاب.

إن الهروب من الواقع ليس نهاية، بل بحث عن معنى، عن تفاصيل لم تكن واضحة في حياة مزدحمة. وربما يكون المعنى في البساطة، في فنجان قهوة في صباح هادئ، في التأمل الذي يُخرج الأفكار من قلب السكون. إن الحقيقة ليست في الأشياء وحدها، بل في نظرة الإنسان إليها، في قدرته على إعادة تفسير عالمه حتى وسط العزلة.

المجتمعات الشرقية، رغم تقاليدها الصارمة، تحمل في جوفها قصصًا عن الأمل المخفي في كلمات الأجداد. بين جدران العزلة، هناك دائمًا نافذة يمكن أن تفتح، وحديث يمكن أن يُقال، حتى لو كان همسًا في قلب الليل.

غالبًا ما تدفع الوحدة والعزلة الإنسان إلى استعادة الذكريات البدائية ولحظات الاحتياج، إذ تختلف الطبيعة البشرية في فهم جوهر الحياة. فالإنسانية لا تحتاج إلى زخرفة أو تزيين، ولا ينبغي لها أن تُختزل في الاستسلام والإذلال طلبًا للعون. فحينما يكون الاحتياج حقيقيًا، تمتد الأيادي بفطرة العاطفة الإنسانية التي تتفاعل في بوتقة التضامن، حيث تتجلى القوة في التراحم وليس في الانكسار.

الحياة مسرحية كبرى، يتحرك فيها الجميع وفق أدوارٍ مرسومة بعناية، يختارها مخرج خفيّ لتناسب نفوسهم وصورتهم الظاهرة، فتبدو المشاهد أمام الجمهور حقيقةً لا يُشكَّك فيها. لكن حين يخرج أحدهم عن النص، يجد نفسه غريبًا في فضاء مجهول، يبحث عن زاوية يحتمي بها، ربما ليعيد كتابة دوره بعيدًا عن أعين المتفرجين.

الوحدة ليست دائمًا لعنة، والعزلة ليست دائمًا نهاية. ففي قلبها، قد يكون هناك نور ينتظر أن يكتشفه من يبحث عنه.

***

كفاح الزهاوي

لم أكن أعرف عنه غير أنه كان وزيرًا للإرشاد عام 1960 في حكومة عبد الكريم قاسم، وأنه من البصرة...

في عام 1961، رأيت "رسول" الذي يعاون أخاه في محلّه المجاور لدكان أبي، والذي كان متقدمًا عليَّ في العمر والمرحلة الدّراسية، فقد كان في مرحلة الثانوية في حين كنت في الابتدائية، يفتح مظروفًا كبيرًا ويسحب منه عددًا من المجلات والكرّاسات بطباعة ملونة وأنيقة أتاح لي تقليبها، ولمّا سألته منبهرًا: كيف حصلت عليها...؟ أخرج قلمًا وورقة وكتب عليها، ومن ثم قلب الورقة، فكتب على ظهرها أيضًا، وسلّمني الورقة قائلًا: أحضر ورقة وانقل عليها هذه الرسالة، ثم اكتب اسمك وعنوانك، ومن ثم ضعها في مظروف واكتب عليه هذا العنوان الذي بظهر هذه الورقة، واذهب للبريد، والْصق عليه طابعًا، وضع الظرف في الصندوق الموجود في دائرة البريد...

فعلت كما قال حرفيًا، ولأنَّ موزع البريد يمرّ على دكان والدي ليسلمني رسائل واردة لأشخاص من معارفنا أو زبائن لأبي اتّخذوا من دكان أبي عنوانًا بريديًا لهم، فقد كنت هذه المرة أنتظر قدوم موزع البريد بشغف لعلّ وعسى، وبعد حوالي عشرة أيام أقبل "أبو علاء" على عجل كعادته، لكنه هذه المرة بدلًا من أنْ يسلمني مما يحمله في يده من رسائل مدّ يده في خرجه ليسلمني مظروفًا أسمرًا كبيرًا في غاية الأناقة، مكتوب عليه اسمي.!، وحرصًا مني على سلامة المظروف لم أفضه تمزيقًا بل عمدت إلى قلم رصاص وأدخلته في زاوية فتحة المظروف، وحركته بصورة لولبية وفتحته لأستل محتوياته على عجل: أعداد من مجلة العراق الجديد، وفيها صور الزعيم ملونة، كراس عن إنجازات ثورة 14 تموز الخالدة، بريشة رسام الكاريكاتير غازي، حيث تطالعك إحدى رسوماته التي يظهر فيها الزعيم وهو يمسك السيف بكلتا يديه، يقطع أخطبوطًا يمثل كتلة الإسترليني، وأخرى وهو يقطع أخطبوطًا مشابهًا يمثل حلف بغداد، وثالثة وهو ممسك بمشعل ويوقد شعلة نصب الجندي المجهول، في حين كان الكراس الآخر يتضمن رسومات الرسام غازي المتنوعة، والتي كان يتخذ من الأغاني والأمثال الشعبية مواضيع لها، ومن بين تلك الرسومات ما زالت إحدى رسوماته عالقة في ذاكرتي، حيث رسم ثورًا كبيرًا برأس رجل دين يعتمر عمامة، وكتب تحتها: (هذا ما يقوله الشيوعيون عن المراجع العظام ...!)، وهي سقطة يراد منها التحريض ضد الشيوعيين العراقيين في حينه.

عندما رآني والدي وأنا أقلب المطبوعات متباهيًا، والمظروف الأسمر الكبير معها، سألني مستغربًا: شنو هاي ومنين أجت..؟ قلت بغرور: من الحكومة...! قال باستغراب مصحوبًا بالزهو: من الحكومة...؟ قلت بتبجح: إي ودولياها الحكومة ...فتمتم قائلًا:

"البين طكَها وطكَ رجلها ..سكاربيل يطكَ حجلها"، وضعت المظروف الكبير أمام عينيه وقلت بحدة: وهذا اسمي مكتوب.. تفحص الكتابة على الظرف متتبعًا سبابتي، وقال: نعم هذا اسمي، فهو يعرف رسمة حروف اسمه رغم أنه لا يقرأ ويكتب، فازداد إعجابه بما بلغته من مقام وربّت على كتفي، وهو يقول: انسى موضوع الـ سكاربيل، قلت له: أتذكرها.. وسرحت مستحضرًا شريطًا من الذكريات مازال طازجًا، فقد كان -رحمه الله- رغم هجرته من القرية إلى أطرف المدينة، فإنه لم يقطع صلته بحياته السابقة، وكان يحتفظ في سنواته الأولى بعد هجرته من مرابع صباه بفرسه وبندقيته ويتلقط أخبار المناسبات التي تحصل في القرية؛ كالأعراس والختان، فيعلق البندقية في كتفه ويعتلي ظهر فرسه متوجهًا إليها لإدامة الصلة، وفي الوقت ذاته ليعرض منجزه متباهيًا بانتقاله إلى المدينة، وأنه بات حضريًا مختلفًا عنهم، أما عني، فقد كنت أتعلق به ليصحبني معه وهو لا يمانع، ولكن سرج الفرس لا يسع أكثر من الفارس، فكان يردفني خلفه وخارج السرج، وكانت تحتي "عليجة" الشعير الفارغة المصنوعة من شعر الماعز الخشن التي يملأها المضيفون شعيرًا، ويعلقونها برأس الفرس بعد وصول الضيف باعتبار أنّ ذلك من مكملات الضيافة..

وللفرس سرعات أربع مثل كَير السيارة تسمى عندهم:

كداده: تقابل المسار في الفصحى، وهي المشي على أربع، فتسمع حوافرها بإيقاع 1، 2، 3، 4.

أما السرعة الثانية: فهي التهنجل وتقابل الخبب في الفصحى، وهي المشي بضربتين ارتفاعًا وانخفاضًا، بحيث تسمع حوافر الفرس 1، 2.

أما السرعة الثالثة: فهي "الهذابة"، وتقابلها مفردة العدو في الفصحى.

في حين أنَّ السرعة القصوى "تغربل أو غربال"، وهي تقابل العدو السريع في الفصحى.

كانت محنتي التي لا يعلم بها أحد غيري سوى الله وأمي هي مع السرعة الثانية "التهنجل" أو الخبب أو نمرة 2، والتي لا بُدَّ من المرور بها عند تخفيض السرعة من نمرة 3 إلى نمرة 1، والفارس لا يشعر بها؛ لأنه يجلس على السرج الجلدي الناعم ويضع أرجله في الركاب، فيكون ثقله على الركاب وليس السرج، ومنه جاء قولهم: فلان حاط رجليه بالركاب، يقصدون مسيطر على الأمر، في حين أنا أفترش عليجة شعر الماعز الخشنة، ولا ركاب أضع فيه أقدامي فارتفع بجسمي عن خشونتها، ومما يزيد الطين بله أنّ دشداشتي ترتفع عن أفخاذي أثناء خبب الفرس أو هنجلتها أو قل حركتها صعودًا ونزولًا بشكل لولبي، فتكون المواجهة بين جلد فخذيَّ الذي ما زالت طراوة الطفولة فيه وبين نسيج العلجية الخشن ... أعضُّ على النواجذ من شدة الألم، ولكني لا أصرح بذلك لأبي خشية حرماني من متعة السفر معه. ولكن في الليل عندما أعود لحضن أمي وبعد متعة السفر أدفع الثمن غاليًا عندما تتهيج "الصلوخ"- نحن في العراق نتصرف بمخارج الحروف تماشياً مع شدة الحالة فنقول الحر يصلخ صلخ في حين أن اهل الشام يقولون يسلخ سلخ ..ونقول عن الحر أيضاً أنه: يصمط صمط في حين أنهم يقولون: يسمد سمد ... - ، وهي آثار احتكاك جلدي بنسيج العليجة الخشن متسببًا بما يشبه التقرحات فأشعر وكأنّ أشواكًا أو قل إبرًا تنهش جلدي... فتعمد أمي إلى العجين لتستخدمه كمراهم لامتصاص الألم لكني لا أفصح عن السبب، لا عن هنجلة الفرس ولا عن خشونة العليجة التي كانت ليفة الحمامات التركية أنعم منها بكثير، وعندما تسألني أمي عن حالي أقول بثقة: زين ... حرصًا على استمرار صحبتي لأبي في سفراته.

في إحدى سفراتي مع أبي كانت المناسبة المقصودة احتفالًا بزواج أحد الأقارب، وكان أبوه ثريًا يملك بضع مئات من رؤوس الغنم... فكان أنْ اشترى من ضمن جهاز العروس حذاءً نسائيًا ذا كعب، وكان وقتها الحذاء غير مألوف للمرأة في الريف، فكيف إذا كان بكعب ...! وكانوا يسمونه وقتئذ: سكاربيل...

وصل موكب الزفة إلى الديار، والعروس المسكينة تمسكها اثنتان من صويحباتها من كتفيها، وثالثة تمسك ظهرها، فالأرض إنْ كانت رخوة غاص كعب الحذاء فيها، وإنْ كانت صلبة التوى كاحلها، وفي الحالين تتعثر وتسقط بين الفينة والفينة ...وعندما استقبلتها نساء القرية من أهل العريس بالزغاريد والملبس، هالهن ما شاهدن واشتعلت الغيرة في صدورهن، فهي تلبس سكاربيل وفوقه حجل الفضة الذي تزن الفردة منه كغم ونصف على أقل تقدير "المرأة العراقية اختصها الله بجمال الساقين حتى قيل فيها: "حجازية العينين مكية الحشا عراقية الأطراف رومية الكفل تهامية الأبدان عبسية اللمى خزاعية الأسنان درية القبل ولي ولها في الناس قولاً وسمعة..." وتبعاً لذلك اهتمت العراقية بساقيها حتى انها اتخذت في الريف حجل فضه ناقص الاستدارة ينتهي بثومتين على شكل بقلاوه لكنه ثقيل جداً ، وفي اطراف المدن اتخذت من الخلخال كامل الاستدارة الذي يفتح مثل جسر لندن وبقفل حلزوني عليه عران يشبه ذاك الذي يضعونه الكابوي في امريكا في مؤخرة احذيتهم أيام زمان فيصدر أثناء مشيهن رنه ، أما عندما تدخل المدن فتتحول الفضة الى ذهب ولكن بوزن أقل ورشاقة أكبر " ، نعود لحجل العروس ابو ثومه الذي دفع مناسيب الغيرة عند مستقبلات العروس إلى أقصى مدياتها وتحولت الغيرة حنقًا وحسدًا عبّرن عنه بأهزوجتهن المرتجزة وهن يتحلقن حولها:

البين طكَها وطكَ رجلها، سكاربيل يطكَ حجلها...!!

ولأني أعرف مغزى تمتمة أبي المشوبة بالإعجاب عندما قال تلك الأهزوجة، قدّرت أنه لم يقدر مقامي حق قدره عندما أخبرته أنّ الحكومة أرسلت لي المظروف الأسمر الكبير، وفيه تلك المطبوعات، ولكي أنبئه الخبر اليقين، فقد أحضرت ورقة بيضاء، وكتبت رسالة إلى الحكومة بالتفضل لتزويدي بمطبوعاتهم، ولكن هذه المرة لم أذيل الرسالة باسمي بل انتحلت اسم ماجد الحصونه " لا يوجد شخص أعرفه بهذا الاسم"، ولم أتخذ من دكان أبي عنوانًا بريديًا بل كتبت تحت كلمة العنوان: السماوة – دكان فليح هداد، مجاور سوكَ الكَصاصيب، ومنه ليد ماجد الحصونه...وضعت الرسالة في ظرف وكتبت عليه عنوان الحكومة، وعلى الظهر عنوان المرسل، واتجهت إلى دكان جارنا في الجانب المقابل، وقلت لصاحبه: عمي أبو شاكر أكو رجال يمي كتبت له رسالة لابنه، وما يريد أبوي يشوف جواب ابنه لأن بيها فلوس، كَال سوي عنوانها على عمك أبو شاكر.. إذا اجتك رسالة باسم ماجد الحصونه كَلي... قال أبو شاكر: صار... ومنه انطلقت للبريد، واشتريت طابع أبو عشر فلوس ولزكَته بلساني على الظرف، وأسقطت الظرف في صندوق البريد ...ورا أسبوعين ناداني عمي أبو شاكر وسلمني المظروف الأسمر الكبير لإيصاله إلى ماجد الحصونه الذي هو أنا...!

لم يطل الأمر على تلك المنجزات إلا أشهر، فقد حصل انقلاب 8 شباط 1963 على الزعيم فانقطعت الرسائل التي تصلني من الحكومة، وجف ضرع وزارة الإرشاد التي كان يديرها فيصل السامر صاحب ثورة الزنج عني، وبات مَن يجدون عنده العراق الجديد أو كراسات غازي الرسام يخشى على نفسه، وبدلًا من ذلك باتت الحكومة تنشر كراسات بائسة تندد بالزعيم من بينها صورة لمغسلة عليها صابونة ومنشفة مكتوب تحتها: يا جماهير شعبنا المناضل ..انظروا العطور الباريسية على مغسلة عدو الكريم وقاسم العراق الذي يدعي بأنه لا يملك غير قميصه...! لكن الصورة لا تظهر غير صابونة وخاولي...

ولم يمر الشهر التاسع على حكم قطعان الحرس القومي حتى فاجأتنا إذاعة بغداد صبيحة 18 تشرين الثاني 1963 بنشيد: الله الله الله أكبر.. الله فوق كيد المعتدي... وهو يعلن سقوط الحرس القومي وحكم البعث... وعلى أثر ذلك انتشر في الأسواق كتاب "المنحرفون" الذي يوثق جرائم الحرس القومي وحزب البعث في العراق الذي سارعت لاقتنائه حال نزوله الأسواق، ونقدت بائع الصحف درهمًا ثمنًا له...

وضعت المنحرفون أمامي أقلبه، وكأني أثأر من 8 شباط والحرس القومي وقتلة الزعيم، قرأته بتفحص وهو يكاد أنْ يكون سجلًا تفصيليًا لجرائم الحرس القومي في استباحتهم لكرامة وحياة العراقيين، ومن بين الأسماء التي بقيت محفورة في ذاكرتي أحمد أبو الجبن الذي ورد اسمه كثيرًا في كتاب المنحرفون، حتى أني استغربت كيف لشخص يبيع الجبن أنْ تكون له مثل تلك السطوة ظنًا مني أنّ بائع الجبن مهنة وليس لقبًا..!

وكان للرسام غازي نصيبه أيضًا من السجون والتعذيب والتهميش أثر انقلاب 8 شباط 1963، فاختفى الرجل واختفت رسوماته حتى توفي في عام 1999 رحمه الله.

طيلة تلك الأعوام بقي اسم الدكتور فيصل السامر صاحب وزارة الإرشاد في حكومة عبد الكريم قاسم طيفًا يمر في مخيلتي، فقد كانت وزارته تلبي طلباتي، وإن كان بعضها تحت أسماء منتحلة، وتصلني مطبوعاتهم المجانية بظروف سمراء كبيرة وأنيقة تحفل بالموضوعات الراقية وبطباعة جميلة.

وعندما بدأ الحصار يضيّق الخناق على رقاب العراقيين ويجبرهم على بيع كتبهم لشراء أرغفة الخبز بثمنها، كنت مارًّا يومًا على مكتبات شارع المتنبي تجول عيني بين رفوفها المقفرة إلا من كتب ميشيل عفلق وإلياس فرح ومهاويل الحزب، وبينما أنا على تلك الحال وجدت أحدهم يفترش بضعة كتب مستعملة وقديمة تعافها الأنفس، جلست القرفصاء أنبش فيها فوجدت من بينها كتاب: ثورة الزنج للدكتور فيصل السامر، وقد تم تمزيق الزاوية العليا من الصفحة الأولى التي تلي الغلاف وهو المكان الذي اعتاد الناس أنْ يكتبوا فيه عبارة: من كتب فلان الفلاني...سارعت بخطف الكتاب وكأنّ شخصًا آخر يحاول أنْ يسبقني إليه وتأبطته بعد دفع ثمنه، وعندما بلغت بيتي كنت محتفيًا بصاحب الكتاب قبل الكتاب لسابق فضله، وقرأته بعمق فوجدت الرجل كان محايدًا وعلميًا ومنصفًا، فقبل ذلك كنت أسمع في الريف أنهم إذا أرادوا شتم شخص أو مجموعة أو وصمه بسوء الخلق قالوا عنه: زط... وفلان زط ابن زط

يتبع ج2

***

د. موسى فرج

.......................

ملاحظه: على أثر نشري للجزء الأول من هذه المقالة في التواصل الاجتماعي تواصلت معي الأستاذة ياسمين فيصل السامر وهي كريمة أستاذنا دكتور فيصل السامر معربة عن شكرها للكتابة عن والدها، فكتبت لها:

عزيزتي الأستاذة ياسمين: راح انشر الجزء الثاني بس اريد منك خدمه آنا اعرف الأمور العامه عن الدكتور والدك .. لكن ردت أعرف من حضرتچ أحواله يوم كان بعمري من چنت أروح ويا أبوي على الفرس، طبعا متعرفيها لأن بوكتها أنت ما جايه للدنيا بس حتما بطفولتچ رحتي لعمامچ شلون شفتيهم ...؟ عدهم خيل لو مطايا ...؟ حتى أعرف همين تنصلخ أفخاذه مثلي يوم كان بعمري وقت ذاك...؟ وقريتهم وين بالبصره ، حتى اعرف النسوان عدهم يلبسن حجل ابو الثومه مثل البقلاوه لو أبو الطبكَه كامل الاستداره اللي ينقفل بـ عران..؟ حتى نسوي المقاله ثلاثيه مو جزئين...احترامي ومحبتي الدائمه

 

العين البشرية عندما تراقب الأشياء على اختلافها فإنها تغير في خصائصها وتقلل من تأثيرها، ولا يختلف في ذلك كونها فوتونات أو إلكترونات أو ذرات، أو حتى كتلة من مادة، وما سبق يؤكد كلام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من أن العين حق تأخذ حقها من الحجر، وبالتالي فالقول إن الشخص معيون أو محسود لا يدخل في دائرة الأساطير أو الهلاوس مثلما يعتقد بعض المشككين، والصحيح أنه ينطوي على حقائق متماسكة من الناحية العلمية، وثبت بالتجربة أن مراقبة الشخص لأي شيء تحرفه عن مساره، وهو المبدأ الذي تسير عليه (ميكانيكا الكم)، ومعه نظريات حديثة، تعتقد بقدرة الناس على تغيير مسار النجوم بمجرد مراقبتها لا أكثر

العين والحسد موجودان في كل الثقافات والمعتقدات، ورفضها وقبولها يتفاوت بين الناس، وأحياناً في الثقافة الواحدة، وبخلاف المعروف عنهما في الإسلام، فإنهما يعتبران من الخطايا السبع المميتة في الديانة المسيحية، والشاعر والفيلسوف الإيطالي (دانتي اليغيري) قام في القرن الرابع عشر الميلادي بكتابة ثلاثية شعرية عن الخطايا التي تؤدي بالشخص إلى الجحيم، ومن بينها الحسد، وذكر أن العقوبة التي تقع على الحسدة تتمثل في خياطة أعينهم بخيوط حديدية، وأنهم يرتدون ملابس ممزقة، ويسيرون بخطوات متثاقلة نحو الفردوس أو الجنة

كتب الفقيه الإسلامي أبو الليث السمرقندي في مؤلفه (تنبيه الغافلين) أن الحاسد تصله عقوبات قبل وصول حسده إلى المحسود، وأنها تظهر في شكل غم لا ينقطع، ومصيبة لا يؤجر عليها، ومذمة لا يحمد عليها، وفي سخط الله عليه، وإغلاق باب التوفيق أمامه، كما أن التحصين ضد العين عند المسلمين تصرف شائع؛ فبدلًا من التعبير بالإعجاب المباشر بطفل جميل مثلاً، من المعتاد قول " ماشاءالله" وهذا يعني "هذه إرادة الله" أو ذكر اسم الله على الشيء أو الشخص الذي تعبر عن إعجابك به. وقد كان هناك إيمان كبير بالعين الحسودة في الديانات القديمة منذ الأزل، وقد كان يتم استخدام التعاويذ والطلاسم كوسيلة للحماية من العين آنذاك. و بالرغم من غياب مفهوم اللعنة الحاصلة من خلال التحديق غائبة إلى حد كبير في شرق آسيا ومجتمعات جنوب شرق آسيا، فإن لعنة يوزوق تَستثنى في الفلبين. وحيث أن ذوي العيون الفاتحة في إقليم إيجة والمناطق الأخرى نادروا الوجود نسبيآ،

وعلماء النفس والفلاسفة ينظرون إلى المسألة بذات الطريقة، ولكنهم يستخدمون مصطلحاتهم الخاصة كالإحباط والقلق والاكتئاب والشعور بالدونية وفقدان الثقة، ومعها الإحساس بالتوتر المستمر عالم النفس (ريتشارد سميث) طور مقياسًا للحسد أسماه (مقياس سميث للحسد)، ووضع فيه ثمانية أبعاد تضمنت: الشعور بالدونية، والعداء، والاستياء، والرغبة في الإضرار، والمقارنة الاجتماعية، والشعور بالعدالة، والاستياء من الذات، والرغبة في تحسينها ,, سيغموند فرويد، تعامل مع الحسد بوصفه جزءا من علم النفس البشري، ولكنه أحاله إلى الأمور الجنسية، كعادته في تفسير السلوكيات الإنسانية، وخرج بما أسماه (حسد المنطقة الخاصة بالرجل)، فهو يرى أن الحسد مسألة عضوية تولد مع المرأة، في صورة اعتراض على عدم اكتمالها، وامتلاكها لعضو تناسلي خارجي يماثل ما عند الرجل، ورأيه وجد معارضة واسعة، وفي رأي أرسطو الحسد غير ملموس في العالم المادي، ولكنه يوصل إلى الأفعال السيئة الملموسة، كالعنصرية وجرائم الكراهية والتآمر على الناجحين

العجيب أن بعض المختصين يرى أن الأشياء الجافة وغير الرطبة معرضة للحسد، وأنه من المهم جعل كل ما يهم الشخص في حالة رطبة، وهذا الكلام موجود في الرقية الشرعية الإسلامية، وفي دولة أرمينيا، حيث يقوم الناس بالبصق على كل من يشعرون بالحب أو الحسد نحوهم، وفي المقابل، قدم العالم (روبرت شيلدرك) وجهة نظر مختلفة حول العين والحسد، وفي رأيه، الكائنات الحية إجمالاً محاطة بطاقة كهرومغناطيسية تحميها من الحساد وسهام العين، ولكنها لا تنجح إلا في الحالات البسيطة، كالإعجاب والتعلق الخفيف، أما إذا زادت الحالة عن هذا الحد فإنها تحدث عند الشخص تكيفا نفسيا وعقليا، يجعله قادراً على التركيز العالي في الشيء محل الإعجاب، وبصورة تعطيه طاقة نفس حركية، يمكنها اختراق الطاقة الكهرومغناطيسية، ما يؤثر سلباً في الشخص المستهدف، وقد يأتي التأثير في صورة تعب أو مرض وربما تسبب في الوفاة

تشهد كمية الأدلة الأثرية والأدبية على أن الاعتقاد بالعين الحسودة في منطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقي انتشر من آلاف السنين بدءا من هسيود، كاليماخوس، أفلاطون، ديودوروس سيكولوس، ثيوكريتوس، بلوتارخ، هيليودورس، بليني الأكبر وألوس قاليوس. وفي كتاب «الإغريق والحسد» (1978) أشار المؤلف بيتر والكوت إلى أكثر من مائة من أعمال هؤلاء المؤلفين والتي تتحدث عن العين الحسودة. كما أن دراسة هذه المصادر الموثقة من أجل الكتابة عن هذه العين لا يؤدي إلا إلى رؤية جزئية للموضوع، سواء كانت تمثل الفلولكلورية، اللاهوتية، الطراز التقليدي أو الأنثروبولوجية المتبعة لفهم عين الشيطان. في حين إتجه هذه المناهج المختلفة إلى التزود بمراجع شبيهة، تقدم كل منها استخدامات مختلفة لعين الحسد ويستند الخوف من هذه العين على الاعتقاد بأن بعض الأشخاص تتميز نظرة أعينهم بالقدرة على إصابة الآخرين أو حتى قتلهم بقصد أو بغير قصد.

يستند الإيمان بالعين الحسودة خلال العصور القديمة على الأدلة من المصادر الأثرية مثل: أرستوفان وأثينايس وبلاترش وهيلودرس. وقد ذكر تفسير بلاترش العلمي أن العين كانت المصدر الرئيسي إن لم تكن الوحيدة للأشعة المميتة التي تنطلق كالأسهم المسمومة من عين الحاسد. فقد كان هذا التفسير العلمي للعين الحسودة شائعًا في الفترة اليونانية-الرومانية. وقد تعامل مع ظاهرة العين الحسودة كمصدر للتعجب وسبب في التشكيك لا يمكن تفسيره. وقد تعدد الإيمان بالعين الحسودة خلال العصور القديمة في مختلف المناطق والفترات. فلم يكن حجم الخوف من العين متساويًا في كل زوايا الإمبراطورية الرومانية. كانت هناك مناطق حيث يشعر الناس فيها بخوف أكثر تجاه خطورة العين. وفي الأيام الرومانية لم يكن الأفراد وحدهم هم من يستطيعون الإصابة بالعين، وإنما القبائل ككل، ولا سيما قبائل بونتوس وسيثيا. وقد كان سحر فالس الذي يطلق عليه مسمى فاسينوم باللاتينية، والذي يعني «إلقاء السحر»، يستخدم ضد عين الحسود. يُعتقد أن انتشار الإيمان بالعين نحو الشرق كان بسبب إمبراطورية الاسكندر الأكبر، الذي نشر هذا الاعتقاد بالإضافة إلى أفكار يونانية أخرى عبر إمبراطوريته

يعتبر الإيمان بالعين الحسودة شائعاً بشكل قوي في الشرق الأوسط خاصة منطقة اسيا الوسطى وجنوب اسيا وشرقها حيث يعتقد أن أصحاب العيون الخضراء والزرقاء لديهم القدرة على التسبب للآخرين بالعين بقصد أو بدونه. ومن المحتمل ظهور هذا الإيمان لدى مختلف الثقافات الغير معتادة على العين الحسودة كما في أوروبا الشمالية، حيث تفرض ضريبة محلية ضد تجاوز المدح أو التحديق في الأطفال. لذلك تستخدم التمائم ضد عين الحسود في اليونان وتركيا على شكل عين زرقاء. ويعتبر مصطلح «الحسد» عند أولئك الذين لا يؤمنون بالعين حرفيًا، وذلك يرجع إما بسبب الثقافة التي نشأوا فيها أو لعدم إيمانهم بمثل هذه الأشياء ببساطة، يعني أن تحدق في الشخص بنظرة غضب واشمئزاز.

***

نهاد الحديثي

القوى المتمكنة تتسابق على العناصر النادرة، والبحث عنها من أحد أسباب تنافسها على إحتلال القمر، والكواكب الأخرى، لأن فيها عناصر نادرة في الأرض، وضرورية للصناعات الإليكترونية وما يتصل بها من أجهزة وأشباه موصلات ذات قدرات على لوي أعناق الأقوياء.

ففي الجدول الدوري لمندليف (1834 - 1907) هناك عناصر متوفرة وأخرى نادرة، وبتقدم الإبتكارات وما جاء به القرن الحادي والعشرون من معطيات إختراعية، صار للعناصر النادرة دورها الأكبر والضروري للإنتاج والتميز.

الرقائق الموصلة وغيرها هي قلب التكنلوجيا الإليكترونية، وبدونها تتعطل المصانع العملاقة الفاعلة في حياتنا، والتي تعتمد على العناصر النادرة، ولهذا تتنافس عليها الدول المعنية بالقوة والإقتدار.

ويبدو أن العناصر النادرة تكتسب أهميتها وقيمتها، كلما تطورت الصناعات التكنولوجية والإبتكارات المتنامية من قبل العقول الفاعلة في تغيير الحياة.

وكم غنية بها أراضي دول الأمة، وهي لا تعرفها ولا تدري كيف تستثمرها، فلا بد للآخرين أن يدلونا على ما عندنا، كما حصل لآثارنا ونفطنا وغيره من المعادن الكامنة في ترابنا.

هكذا تفكر الدول القوية، ونحن منشغلون بالغابرات، فأمواتنا أحياء، وأحياؤنا أموات، ونتغنى بما فات وما مات، ونتوهم بأن أجدادنا ملائكة وليسوا بشرا قد مات.

تقدم أيها الجيل الجديدُ

وساهم أنت مغوارٌ فريدُ

بعلمٍ سابقت أمٌّ عصورا

وفاقت عندما شاء المُريدُ

رؤاها في حجاها إستقرّت

فأوقدها عليمٌ أو رشيدُ

***

د. صادق السامرائي

إنهم يرون أن حدوث المادة بإرادة خالق، وبوجوده المطلق في الكون ومنفصل عنه ومدبر له، فكل ما يحصل يكون بسببه، وما يجري بأمره، ويمكن أن يكون العالم بغير الصورة المصور بها الآن بقدرة الخالق.

كل شيئ من عند الخالق، وبأمره فهو المطلق التصرف بكل شيئ.

هذا جوهر منطلقاتهم، ومنطقهم الذي يقتربون به من الحياة وما يتصل بالإنسان، ومعناه على العقل أن ينتفي، فلا يحق له أن يسأل أو يفكر، فهو لا يحتاج إلى ذلك، فالأجوبة جاهزة ومكررة وقائمة منذ الأزل.

لماذا السؤال والجواب واحد على جميع الأسئلة مهما تنوعت أو تعقدت.

نعم الجواب واحد فالخالق واحد ومطلق التصرف وكل ما يجري بأمره وقدرته، ولكن كيف يجري، ألا يحق للمخلوق النسبي الوجود أن يكتشف قوانين الله التي يسيّر بها هذا الكون العظيم؟

فالبشرية تدرك وجود قوة مطلقة تدبر الكون، ورغم نسبيتها تبحث في قوانين المطلق، وقد أنجزت إكتشافات متقدمة في مختلف العلوم، أوصلتها إلى بناء حضارة غير مسبوقة.

هذا الموقف يتناقض مع ما في الكتاب من آيات تحث على التدبر والتفكر وإعمال العقل وإستعماله في التفاعل مع البيئة بمداراتها المتنوعة.

يتفكرون، يتعقلون، يتدبرون، يتبصرون، وأمثالها من الكلمات الكثيرة في الكتاب التي تتعارض مع تعطيل العقل، فكيف توصلوا إلى هذا الإقتراب؟

يبدو أن الدوافع ذات بعد سياسي ونفعي، فهم وعلى مر العصور لهم علاقة وثيقة بكراسي التسلط على الناس، ويمكنهم التحكم بهم بتعطيل عقولهم وتجهيلهم وتبهيمهم، ويبدو أنهم قد قاموا يهذا الدور على أحسن وجه، مما تسبب بمتوالية من الأجيال الراكعة تحت أقدام السلاطين والحكام.

والمؤرخون يزيدون الطين بلة، عندما يقولون بأن التخلف والأمية سببه كذا وكذا من أسباب الإسقاط على الغير والتبرير لقدوات التجهيل والإستعباد للبشر.

ففي سلوكهم تتجلى النفعية ويبدون كالمجاميع التي أحاطت الكراسي وتنعمت بعطاءاتها، وأذعنت لمظالمها ومساراتها، فلا يوجد سلوك قام به حاكم أو سلطان إلا ووراءه فتاوى وعاظ الكراسي والمتاجرين بدين.

فالدين تجارة رابحة منذ الأزل، وعبر الحضارات كل حاكم يحكم بقوة دين، ووفقا لما تقدم، فأن معطيات العصر لا تتفق وهذه الرؤية الإنجمادية التحنيطية التي تقر بالشلل والخمود.

ويبدو أن ما أصاب الأمة من رقود سببه العمل الجاد على عزل العقل عن الحياة وزيادة مساحة التجهيل والأمية، والتمحور حول ما يطلقه الحافون من حول الكراسي كالجراد الذي لا يرحم.

رؤوسٌ ذاتُ عقلٍ مستباحٍ

وإمعانٍ بتابعة الرواح

ترى أدري لواحدها تجلت

وتحسب غيرها إبن الجُناح

فصن عقلا وفكّر أنت حرٌّ

فعقل المرء منطلق النجاح

***

د. صادق السامرائي

 

صحيح إن السيف أقدم أسلحة الحروب بين البشر، والذي تطور اليوم إلى أسلحة أوتوماتيكية، وصولاً للأسلحة الذرية، وهناك أخرى سرية لا يعلم بها إلا الله والقائمين عليها، ولكن لم تتمكن، ولم تصل إلى مديات سلاح القلم، فهي محدودة الميدان من حيث المساحة، فالحروب التقليدية، كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب العراقية الإيرانية، وغيرها، حدثت بأماكن محددة، وسلاحها يُصيب الأبدان، والمنشأت المادية، ولكن سلاح القلم لاحدود جغرافية له، فهو يستطيع الوصول إلى كل جهات الأرض الأربعة، وأنه يُصيب العقول دون الأبدان، وهنا تكمن خطورة هذا السلاح، فالأول يحتل بقعة من الأرض ويستولي على ثروات محدودة، وسلاح القلم يحتل عقول، ويكتسح حضارات، ويسلب أرادات . أستراتيجية سلاح القلم أخطر من كل الأسلحة، وأمضاها، وأقل جعجعة، وأرخص تكلفة، وأوقع ضرراً بالخصم، وهذا هو السر في بناء الأمبراطوريات الأعلامية في عالم اليوم من قِبل الدول الأمبريالية، بالتحالف غير المقدس مع إسرائيل وأساطين المال من اليهود، الذين يسعون من خلاله إلى تحقيق ماعجز السلاح التقليدي من تحقيقه، الذي يتمثل بالهدف الأستراتيجي لهم، وهو السيطرة على العالم، وقد أثبتت الأيام والتجارب، وما سُوق من أفكار، وما عُرض من مؤلفات، وما قُدم من مقابلات، وأفلام ومسلسلات، وما يُروج له على صفحات التواصل الأجتماعي، ما يجعلني شخصياً لا أستبعد إن هناك مراكز فكرية عالمية سرية، تنتج أفكار، تسعى من خلالها للتشكيك بالرموز العظيمة، وأظهارها بمظهر القبح تارة، والتهتك تارة أخرى، وذلك لما لهذه الرموز من تأثير على الفكر والسلوك العام، فمثلاً جوز الغربيون على أنبياء اليهود والنصارى شرب الخمر، والأتيان بالفاحشة، والكثير من السلوكيات المشينة، وأسفارهم مليئة بذلك، فنرى بالكتب والدراسات التي قُدمت بعصر التنوير، وحتى بالسنوات القريبة الماضية، التي تعرضت لحياة الأنبياء، وعملت على الحط من منزلتهم، والأستهزاء بهم، وخاصة عن طريق الأفلام، وكيف أنبياء بني إسرائيل يعاشرون الجميلات من النساء، ويحتسون الخمرة، كما صوروهم بأنهم كانوا يتجرؤون على الذات إلهية، وهذا الأسلوب هو من سوغ للألحاد في أوربا، كأداة من أدواة تسويقه للمجتمع، لتحاشي صدمة وردود فعل هذه المجتمعات المتدينة، وأقناعها بأن أنبياءهم هم أول من تعاملوا مع الرب بطريقة خشنة، وبعيدة عن الآداب العالية والتقديس والتبجيل، فما المانع أن نحذوا حذوهم، وهذا بطبيعة الحال سوف يجعل المجتمع يتقبل أسلوبهم الخشن في معاملتهم للرموز الدينية، وبالتالي لا غضاضة من التعامل مع هذه المقدسات بنفس أسلوب من سبقهم من أنبياء، بأعتبارهم أسوة لأتباعهم، وهذا ما أغرى الكثير من الأفراد من التهاون في فعل الذنوب، و هَون عليهم اقتحام الموبقات والجرائم، وهذا ماحصل للمجتمع الغربي، وكيف تشبع بالفساد الأخلاقي، متعذرين بأن أنبياءهم قد سبقوهم بشرب الخمر وممارسة الرذيلة الجنسية، ونستطيع ان نذكر بعضها، فقد ورد في الكتاب المقدس طبعة دار المشرق (وأبتدأ نوح يحرث الأرض وغرس كرماً وشرب الخمر فسكر وتكشف داخل خبائه) أما ما نقلوه عن إبراهيم أنه سلم زوجته ساره إلى فرعون، وقال له أنها أخته، وقد أعطى فرعون لإبراهيم قدراً من البهائم والأنعام مقابلها) أي أنهم أظهروا نبيهم بمقام القواد، أما تصويرهم للوط، فهو الأدهى والأمر، فقالوا أن بناته الأثنان قد أشربوه الخمرة ومارس الجنس معهما فولدتا منه وهؤلاء الأبناء غير الشرعيين، هم أصل الموئابيين والعموريين، وهكذا مع بقية أنبيائهم، فهل يُعقل إن من أرسلهم الله لنشر الفضيلة، أن يسلكوا هذا السلوك المشين، هذا التصدير الذي صدروه للمجتمع الأوربي كان أهم أسباب أفساده، والآن تُصدر لنا هذه الأفكار عبر تصوير النبي محمد ص بانه كان يشرب الخمرة، وهناك من يصوره زير نساء، وهناك من يصوره أرهابي، وكانت أحدى هذه المحاولات، ماقام به الكاتب الهندي الأصل والبريطاني الجنسية سلمان رشدي في تأليف كتابه آيات شيطانية والذي يظهر النبي محمد ص بصور تحاول الحط من شخصيته كنبي ورسول، وأنه شخصية غير معصومة، ونرجسية، وشبقه، كل ذلك من أجل تحطيم هذا الرمز الأخلاقي العظيم، لكي يهون على الشعوب المسلمة أقتراف الموبقات بدعوى أن الرسول فعلها وهو نبي، فكيف وأنتم الناس العاديين لا تعملوها، يتوخون من ذلك أفساد المجتمع، وتحطيم القيم، وعلى نظرية، إذا فِسدَ العالِم فسد العالَم، لذلك نرى الكثير من وسائل الأعلام المختلفة وعلى لسان أبناء المسلمين من مقدمي البرامج والمفكرين منهم، والكتاب، هم من يقومون بهذا الدور لدفع الشبه عن المراكز الغربية التي تدفع بهذا الأتجاه، وبرنامج مختلف عليه الذي تقدمه قناة الحرة واحد من هذه البرامج التي تعمل بهذا المسار، والذي يقدمه إبراهيم عيسى المصري. إنها حرب الأعلام، كوسيلة من وسائل الحرب الناعمة، كمقدمة لأحتلال بلادنا، والسيطرة على شعوبنا، عن طريق قتل كل القيم التي تعارض التطبيع، والأحتلال والخنوع، والقبول بهوية غير الإسلام، كتمهيد لسيطرة اليهود على العالم، وكنتيجة لهذه الهجمة الشرسة، والأعلام الممنهج والمكثف، ساهم في ظهور ظاهرة الألحاد، وموجة التشكيك، وتعرض المنظومة الأخلاقية للأهتزاز في العالم العربي والأسلامي، والأخطر هناك توجه يسير بالتوازي مع هذا التوجه في ضرب ثوابت الأمة، هو الدفع بالأجيال الجديدة من الشباب للقبول بالأمر الواقع الذي تفرضه الأمبريالية الأمريكية، ومن وراءها إسرائيل، وذلك بقبول فكرة التطبيع مع إسرائيل، وأن مجتمع الأستهلاك الذي فرضوه على شعوبنا، هو النظام الأمثل، وبوابة نظام الرفاهية لهذه الشعوب، ليجعلوا منها شعوب خاوية كسولة، لاتقوى على مقاومة ظلم، ولا رد عدوان، والذي بعد فوات الأوان تصحوا هذه الشعوب على واقع هزيل يسيطر عليه رأس المال الذي تديره الدول الرأسمالية وأساطين المال من اليهود، وتفقد هذه الشعوب استقلال بلادها، وتُسلب ثرواتها، وينتهي أبناءها عبيد بيد أرباب المال اليهود، وحلفاءهم الغربيين، وتسود حضارة الكابوي الأمريكي، مقابل أضمحلال حضارات الشرق، ومنها حضارة الإسلام .

***

أياد الزهيري

 

عادة ما يحلم الشاب قبل الزواج بحياة زوجية خالية من الضغوط والتوتر. يتخيل أنه في نهاية كل يوم سيعود من العمل لتستقبله زوجته على الباب بحرارة، ويدخل البيت فيجده مرتبا ونظيفا، وتدعوه الزوجة للاسترخاء لحين تحضير وجبة العشاء.

وعلى العشاء يدور حوار ممتع وبدون خلافات، ثم تتمشى الأسرة قليلا في الحديقة المجاورة قبل أن يخلد الجميع لنوم عميق. قد يبدو هذا الوصف مضحكا اليوم لدى بعض الأزواج، لكن إن لم يكن هذا ما يحدث حقا في بيوتكم، فإن زواجكم يواجه مشاكل خطيرة. هذا ما يؤكده ويلارد. إف.هارلي عالم النفس وخبير العلاقات الزوجية.

في وقت مضى كانت المرأة تتولى مسؤوليات البيت ورعاية الأطفال، بينما يهتم الرجل بضمان دخل مادي للأسرة. أما اليوم فيزداد عدد النساء العاملات خارج البيت. أمام هذا الوضع صار من الواجب على الزوجين أن يتشاركا في أعمال المنزل. إلا أن هذه المسؤولية تبدأ برغبة متبادلة بينهما، ثم تنتهي بأن تتحمل الزوجة كل أعباء البيت، خاصة بعد أن تضع طفلها الأول. وهنا تبدأ الخلافات والمشاكل التي تدفع بالزوج لأن يقضي أطول فترة خارج البيت.

ما هي إذن أهم الأسباب التي يُرشحها الأزواج كمبرر لقضاء وقت أطول خارج البيت؟

يشكل الطفل حديث الولادة عبئا بالنسبة لبعض الآباء؛ فرغم أنهم لا يُخفون سعادتهم بقدوم أول مولود، إلا أنهم لا يتحملون صراخه المستمر وإزعاجه خاصة بالليل. وفي دراسة نشرها موقع ديلي ميل يخسر الآباء حوالي 2.9 ساعة من النوم كل ليلة، أي ما يعادل 44 يوما من ساعات نومهم المعتادة خلال العام الأول للطفل. وينضاف إلى ذلك حالة البرود في العلاقة العاطفية التي تحدث بعد الولادة، حيث تحتاج المرأة إلى "هدنة" تجعلها أقل إقبالا على العلاقة العاطفية مع الزوج، فيفسر الأمر على أنه نوع من الرفض يدفعه للانسحاب.

السبب الثاني هو الوضع المالي المريح؛ فالأزواج الذي يكسبون أقل هم الأكثر استعدادا للبقاء بالبيت ومساعدة الزوجات في الأعمال المنزلية، مقارنة بالأزواج الأعلى دخلا أو الأثرياء. ويرجع ذلك بحسب دراسة أجراها باحثون بجامعة أوريك البريطانية إلى أن موقف الأزواج من المساواة يعتمد على مقدار ما يكسبون. فرغم أن زوجاتهم بحاجة إلى مساعدة إلا أنهم يكتفون بتوفير المال اللازم لمصروفات البيت.

أما السبب الثالث فهو صمت الأزواج، وعدم الاهتمام بتطوير مواضيع مشتركة عاطفية أو ثقافية أو اجتماعية بين الطرفين، إما بسبب فارق السن أو اختلاف العادات؛ وأحيانا نتيجة الزواج التقليدي. وهذا النوع من الصمت تعتبره مجلة (بونته) الألمانية آفة العصر، لأنه يقف خلف 79% من حالات الانفصال، حيث بينت دراسة منشورة بالمجلة أن الأزواج يتبادلون الحديث مع زوجاتهم لمدة 28 دقيقة في الأسبوع، حتى ولو لم يكن هناك خلاف. وأجريت الدراسة من خلال تثبيت ميكروفونات صغيرة في لباس مئة زوج لتسجيل الحوار الذي يدور بين الزوجين خلال أسبوع، مع حذف الأصوات غير المفهومة والكلام الذي لا صلة له بالحوار. وخلصت إلى أن الأزواج الصامتين هم في العادة ثرثارون خارج البيت، بل إن بعض الزوجات فوجئن بمهارة أزواجهن في إدارة النقاش، وسعة ثقافتهم المعرفية في الأماكن العامة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي!

حين تتزايد عوامل التشتيت والشكوى من المهام غير المكتملة داخل البيت فإن أغلب الأزواج يبحثون عن قسط من الراحة خارجه. وتفعل الزوجات نفس الشيء حين يقضين وقتا أطول في فضاءات عامة، تسمح بخلق صداقات مع نساء أخريات، كمراكز التسوق وصالات التجميل وغيرها. وهنا يقتحم الجليد عش الزوجية، وتبدأ جدرانه بالتصدع، وسقفه بالانهيار.

كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الرجال. وكان يتعبد لله تعالى بمشاركة زوجاته أعمال البيت. ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج).

 من قيمنا الإسلامية الجميلة أن يكون للزوج لمسة داخل بيته، فمساعدة الزوجة في رفع الأثاث أو غسل الصحون أو إخراج القمامة من البيت هي لغة حب ثانية؛ لكن يحتاج الأمر إلى تفاهم وأسلوب ذكي. يقترح ويلارد هارلي أربع خطوات لتصبح أعباء المنزل متعة مشتركة بين الزوجين وتساهم في البقاء بالبيت:

الخطوة الأولى أن الزوجين يضعان قائمة بكل مسؤوليات البيت، وبعد كل مدة تتم إضافة مهام جديدة إذا لزم الأمر.

والخطوة الثانية أن يختار كل واحد منهما المهام التي يفضل أداءها، أو تلك التي يستمتع بها.

والخطوة الثالثة إذا بقيت مهام من القائمة لم يخترها أحد الزوجين، فالواجب هنا تغليب مصلحة الأسرة وأداء مهام إضافية لأنها مهمة حتى وإن لم تكن ممتعة.

أما الخطوة الأخيرة فهي أنك ترتقي بأداء المهمة إلى مستوى بنك الحب. تقوم بها لأنك تحب الطرف الآخر وتهتم بمشاعره، فيصير القيام بأعباء البيت كأنك تودع رصيد في بنك الحب.

أما قدوم طفل فهو ثمرة سعادة زوجية، وطموح لاستقرار وبناء أسرة. وهذه مسؤولية الزوجين معا. الصغير بحاجة إلى جو من المشاعر الإيجابية، والدردشة المفعمة بالدفء بين الأبوين. أما حين يتحول البيت إلى فندق صامت فهذا يعرقل النمو النفسي للطفل ويحد من نشاطه الإبداعي. تقول دراسة أجراها باحثون بجامعة الشمال الغربي الأمريكية أن نسبة إصابة الأطفال بالاكتئاب تصل إلى 30 بالمئة نتيجة وجودهم في بيئة صامتة، لا يوجد بها ضجيج ولا ثرثرة.

وحتى يستعيد البيت دوره القديم في الارتباط الوثيق، والاجتماع حول سفرة الطعام، والدردشة والمناقشات، فعلى الزوجة أن تصبح صديقة لزوجها. أن تمنحه حرية واستقلالية وتتوقف عن توجيه التعليمات والنصائح. حين يشعر الزوج أنه تحت دائرة مراقبة وليس على حريته يلجأ إلى عالم الأصدقاء، لأنه بحاجة إلى مساحة يفكر فيها دون قيود أو تدخل. تنصح ميغان ويكس، خبيرة العلاقات الإنسانية الزوجة: " دعيه يخطئ وأعطيه مساحته، فكثرة توجيه التعليمات تجعله يشعر بعدم الأهمية، وتكرار اللوم يجعله يبتعد".

 ومن طبيعة الرجل أنه بحاجة إلى الاستقلال، والانسحاب مؤقتا ثم العودة. وهي دورة عاطفية لابد أن تفهمها المرأة حتى لا تتسبب في مشاكل تُعمق هذا الابتعاد، ويتحول إلى هروب من البيت. يقول جون غراي في كتابه (آدم من المريخ وحواء من الزهرة):" يُشَبه الرجل بشريط من المطاط: عندما تسحبه بعيدا فإن يبتعد إلى أقصى ما يمكنه، ثم يرتد مرة أخرى باندفاع. وهذا الأمر ليس اختيارا بل هو شعور غريزي، ولا يعرف الرجل كيف يفسره. لذا تخلق المرأة أحيانا مشكلة مما يُعزز رغبته بالهروب.

إن إبعاد الملل عن عش الزوجية مسؤولية مشتركة بين الزوجين. ويحتاج الأمر لأفكار جميلة تشجع على متعة البقاء بالبيت، كتحضير سهرة لطيفة، والاهتمام بالمظهر، وتجهيز عشاء رومانسي تحت إضاءة خفيفة، يتذكر به الزوجان لحظات السعادة الأولى.

 تصرفات بسيطة لكنها تجدد الحياة الزوجية، وتعزز الشعور بالمكان. وبمناسبة المكان فإن البعض يعتقد أنه كلما كانت مساحة المنزل كبيرة سيكون أفضل للأسرة، لكن الدراسات التي أجراها بعض خبراء التصميم الداخلي للمنازل تؤكد أن إحساس الفرد بالمكان هو الأهم. حين يربطك بالبيت شعور بالسعادة والقرب والانسجام فإن العلاقات داخله تصبح أهم من توسيع المكان.

بسبب التنشئة الخاطئة يعتقد الرجل أن بقاءه بالبيت فترة طويلة لا يليق برجولته. وفي الشام يطلقون اسم "البيتوتي" على الزوج الذي يفضل مكوثه بالمنزل مع زوجته. لكن أمثال هؤلاء في مملكة الحيوان هم آباء رائعون بالفعل، فرغم الظروف القاسية التي يواجهها طائر البطريق إلا أنه يتقاسم مع أنثاه رعاية البيض: تضع الأنثى بيضة واحدة ثم تُسلمها للذكر الذي يعتني بها لفترة قد تبلغ أربعة أشهر؛ يُبقيها على قدميه أو ينام فوقها ليحميها من برودة الثلج، ويصوم حتى عودة الأم لتغذية البيض الفاقس. وفي مناطق تبلغ فيها البرودة مستويات قياسية، يتمتع البطريق بعمر طويل، ورابطة زوجية هي الأكثر دهشة في عالم الحيوان.

وتبقى المحبة مفتاح البيوت السعيدة، وستارا شفافا يحجب عن ساكنيها الهموم. يقول جبران خليل جبران: إذا أشارت إليكم المحبة فاتبعوها، وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، وإذا خاطبتكم فصدقوها. المحبة لا تعطي إلا من ذاتها، ولا تأخذ إلا من ذاتها!

***

حميد بن خيبش

لا يمكن لاي جهة ان تكسر أنف الدينار العراقي

بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية وفي عام ١٩٨٩ تحديداً، كنت مدعواً لالقاء محاضرة في جمعية الاقتصاديين العراقيين. كان الموضوع حول السياسات الاقتصادية المطلوبة لمرحلة ما بعد الحرب..

اتذكر بأني اقترحت اعادة النظر بسعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار لانه مُبالغ فيه ويشجع على استهلاك السلع المستوردة ويعيق تصدير المنتجات العراقية الى الدول الاخرى.

وبعد انتهاء المحاضرة ونزولي من المنصة جاء رجل محترم وشكرني على المحاضرة.. قدم نفسه باعتباره مسؤولاً في احدى المؤسسات اضافة لكونه عضو قيادة شعبة في الحزب.

لكنه قال لي: اسمح لي اختلف معك دكتور وارجو ان ماتزعل.

قلت له تفضل:

قال الرجل بانفعال واضح: لن نسمح لاي جهة واي شخص واي قوة ان تكسر أنف الدينار العراقي عن طريق تخفيض قيمته كما اقترحت حضرتك!!

الدينار خشمه عالي ويبقى عالي ...

ايقنت انه لا جدوى من محاولة شرح الموضوع لهذا الشخص.

فقلت له نعم يجب ان يبقى خشمه عالي..

انه لم يكن موقف شخصي من ذلك الرجل بل انه موقف يرد باشكال مختلفة على لسان المسؤولين الذين رفضوا العديد من الاقتراحات من وزارة التخطيط لتعديل سعر الصرف ..

تذكرت حينها قولاً ورد على لسان احد الخبراء المصريين وهو الدكتور محمود الأمام، حيث قال:

ان الخطة في دولنا هي عبارة عن مهرجان سياسي احتفالي ينتهي العمل بها بعد اطلاقها مباشرة. وان صياغة اهداف عملية التنمية هي عبارة عن فروسية جاهلية ومكابرة بدوية ...

***

د. صلاح حزام

لقد وردت في القرآن الكريم كلمتان هما (البشر – الإنسان) أو كلاهما في كثير من الآيات وبأسلوب بلاغي رائع ومتعدد الأغراض كل حسب موقعه يعطي معنا لوروده فقد ذُكرت كلمة البشر حوالي (23) مرة والملفت للنظر أن هذا العدد يساوي عدد الكروموسومات الجينية للنطفة التي تحمل كل الصفات  الوراثية للبشر أما الإنسان ذُكر حوالي (43) مرة أما كلاهما بلغ حوالي (14) مرة حيث جاءت كلمة البشر من الجذر اللغوي (بَشَرَ) أي الجسد المادي الحسي أو الملمس الخارجي (الجلد) الخالي من الشعر الطويل أو الوبر أو الصوف أو الفرو ومن هنا على المؤمن المتدبر في عظمة الخالق الله تعالى وآياته أن يحاول دراسة وفهم هاتين الكلمتين تفصيلا وبداية علينا التعرف على البشر أولا على أنه مخلوق مع باقي خلق الله عاش على الأرض يختلف عن الحيوانات وباقي الكائنات ذو مظهر وشكل معين أفضل وحُسُن هيئة من تراب وماء كما قال تعالى (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم أذا أنتم بشر تنتشرون) الروم 20 وكذلك (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) وهذا دليل على أن البشر خُلق من ماء وتراب وهما عنصران مهمان للطبيعة (وهو الذي أنبتكم من الأرض نباتا) نوح 17 وهو أول كائن يسكن الأرض خلقه من الماء كسائر المخلوقات ثم بدأ يمشي على رجلين شبه منتصب واستعان باليدين في بعض الأحيان وعند الحاجة إليها وحسب طبيعة معيشته وبيئته ونظامه الغذائي لمدة قاربت (1,7) مليار سنة (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا) فاطر 11 ومن البشر هذا أراد الله تعالى أن يكون له خليفة في الأرض من سلالة البشر أكثر تطورا ومدنية وعقلانية وتفكيرا ليكون ملائما للعيش في زمن التطورات الجديدة على الأرض ليستلم مهمة مسئولية يُكلف بها في المستقبل وأكثر تطورا في الشكل والفهم والمواصفات البدنية لإخراجه من الحياة البهيمية الفوضوية لبناء الأرض وأعمارها والاستفادة من خيراتها ويكون أكثر ألفة وأُنسا مع الطبيعة وأقرانه من جنسه ومخلوقات الأرض والكون ولهذا سمي بـ(الإنسان) وأودع فيه العقل السليم والفطرة السليمة النقية وعلمه ما لم يعلم وقابل على التطور والتكييف قابل على حمل الرسالات الإلهية والشرائع والسنن التي تُنظم حياته وسير الكون وأخذ الله تعالى منه العهد والميثاق ومن ذريته لعبادة الله وحده لا يُشرك به أحدا وأعمار الأرض على أساس الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية لكن هذا الإنسان لم يكن جدير بهذه المسئولية فكان الخطاب الإلهي له أكثر قسوة وذما وتوعده بأقسى العقوبات بعدما سار في طريق العصيان والتمرد والظلم بإرادته وأكثر الفساد حيث وصفه الله بصفات منها (الفجور –القنوط- اليأس – أكثر جدلا – ختار – كفور – ناكرا للجميل – جزوع – قتورا – جهولا – محب للشهوات) وقد وصف في الآيات التالية :

- (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسن المآب) آل عمران 14

- أخذ الله تعالى من الإنسان العهد والمواثيق لعبادته وحده لا شريك له ومن ذريته (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلا شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الأعراف 172

- (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) النحل 4

- (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) الحجر 26

وخلاصة القول من بعد ما تقدم أود طرح رأي الشخصي والله أعلم عنده علم الغيب عندما خلق الله تعالى الكون من العدم بكلمة (كن فيكون) دفعة واحدة بما يسمى بالانفجار الكوني العظيم كما قال تعالى (أولم يرى الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) الأنبياء 30 فقد أوجد الله الكون دفعة واحدة مرتبا كاملا كما هو عليه الآن حتى قيام الساعة بدقة متناهية وكل شيء خلقه بقدر وموزون لا تبديل لخلق الله لكن الإنسان بمواصفاته الحالية وبرمجته بهذا النظام والشكل قد يكون مشتقا من نسخته الأصلية البشر بمراحل جديدة وبفواصل زمنية عبر عنها القرآن الكريم ب (ثم) وبخارطة جينية متطورة عن البشر بكثير من الصفات الجديدة لذا نرى الآن الطفرات الجديدة للإنسان لتركيبته المتجددة في الإدراك والتغيرات الجسدية والشكل التي تظهر على الساحة العالمية لبعض الدول المتقدمة في العلم والتكنولوجيا في إيجاد بدائل ونسخ مشابهة للإنسان بدقة عالية لها القدرة أكثر منه وقابل للمزيد من التطور وهذا يوصلنا لرأي مفاده أن الإنسان المختلف عن البشر ما هو إلا صناعة خارجية أكثر تطورا وتقدما من الكائن البشري أستغل منه العقل والخارطة الجينية للنطفة وبعلم وقدرة الله على صناعته كما أخبرنا الله في القرآن عن عيسى بن مريم صلوات الله عليه أن يخلق من الطين كهيئة الطير بأذن الله والنبي نوح عليه أفضل الصلوات صناعة للسفينة بأمر وأشراف مباشر منه إذ قال (وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا أنهم مغرقون) هود 37 والدليل الآخر على ذلك عالم الروبورتات التي تمتاز بالدقة المتناهية في الوصول لشكل وعمل الإنسان والتفكير وقد نجد في المستقبل البعيد عن مخلوقات إنسانية وخلق ونشأت جيل جديد من شبه إنسان قادرا عن التكيف مع المجتمع والكائنات المعروفة والغير معروف لنا ويبقى الله تعالى هو أحسن الخالقين ولا منكرا لذات الله تعالى).

***

ضياء محسن الاسدي

 

"إن السلاح جميع الناس تحمله...وليس كل ذوات المخلب السبع"

الإتحاد الأوربي يسعى لتخصيص أكثر من (800) مليار يورو للتسليح، ومعظم ميزانيات الدول فيها نسبة كبيرة للتسليح، ومصانع الأسلحة لا تتوقف، وأسواقها تتنامى، فالحروب قائمة، والدول صاحبة الثروات الطبيعية تستنزف أموالها بشراء الأسلحة المنتهية الصلاحية بالنسبة للمنتحين لها، والعالم يمتلك ما يفني المخلوقات فوق التراب وتحته وما في المياه.

الأسلحة المعاصرة باهظة التكاليف وذات تدمير عنيف، وهدفها قتل الأبرياء والخراب الشديد، فكم قتلت وستقتل من البشر المصفد بالحرمان من أبسط حقوق الإنسان.

الأقوياء ينتجون السلاح والضعفاء يشترونه لقتل بعضهم، والأقوياء يصولون ويجولون في سوح المرهونين بسلاح الآخرين.

ترى لماذا البشر لا يشعر بالأمان ويريد المزيد من الأسلحة؟

إنها العدوانية الفاعلة في دنياه، والشرور الساطية على وعيه ونفسه الأمّارة بالمساوئ، التي ترغمه على إتخاذ الحيطة والحذر والتمتع بالدمار والخراب وسفك الدماء وتناثر أشلاء الأبرياء، فالقتل شحنة إحساس بالحياة لا مثيل لها.

البشر مخلوق ظالم عجزت النداءات الإصلاحية بأنواعها عن تهذيب سلوكه، وتحويله إلى إنسان، وفي أكثر الأحيان المخلوقات الأخرى أعلى مقاما في سلوكها منه.

"والظلم من شيم النفوس فإن تجد... ذاعفةٍ فلعلةٍ لا يظلم"

تسلّحت البرايا ضد بعضٍ

وأطلقت الشرور على مناها

سلاحٌ نحو حادية الرزايا

يكلفها كما شاءت خطاها

فما ربحت تجارتها وخابت

فألغت حلمها ورعت أذاها

***

د. صادق السامرائي

تأملات في عشق الاستبداد ومهابة الحرية

ليس غريباً، بل قد يكون متوقَّعاً في مجتمعات طبعها الخوف وسادها القهر، أن ترى شعوباً وأفراداً يرضخون للظلم، ويُذعنون للاستبداد، ويُسلّمون أعناقهم للطغيان، تفضيلاً لذلك على خوض غمار الكفاح من أجل حقوقهم المشروعة وحرياتهم الإنسانية. فالكفاح، في نظر هؤلاء، مكلفٌ لا بالجهد فحسب، بل بالنفس والطمأنينة والأمن، لذلك لم تكن الجموع يوماً هي من تصنع التغيير، بل دائماً قلّة، قلّة ترفض أن تكتفي بالأنين، وتختار بدلاً منه أن تصرخ، أن تقاوم، أن تُشعل الشموع في وجه ظلمات القهر، سواء أتى هذا القهر من احتلال غاشم، أو من سلطان جائر، أو من تقاليد وأعراف تشبه السجون بأقفالها الحديدية.

وقد رأينا بأم أعيننا مثالاً جليّاً في العراق بعد سقوط الطاغية في 2003، إذ تمنّى كثير من الناس- ويا للمفارقة- عودة القبضة الحديدية، وتشوّقوا إلى سطوة الجلاد أكثر من شغفهم بتذوّق طعم الحرية! أهو الخوف من الحرية؟ أهو الفزع من المسؤولية الملازمة لها؟ أهو تربية القهر التي تجعل التمرّد على الطغيان يبدو كفرًا، والحرية نفسها تبدو جريمة؟

شاهدت اليوم مقطعاً مصوّراً لمراهق عراقي يحاول الانتحار من على أحد جسور الديوانية. سبب بسيط ظاهرياً: أزمة حب. لكن ما شدّني لم يكن الفعل، بل ردود الأفعال. قرأت التعليقات، فوجدت أكثر من ثمانمائة تعليق، جلّها يدعو إلى ضرب المراهق، إلى تأديبه بعنف، إلى تربيته من جديد بالسوط والعقاب، كما لو أن القسوة علاج للضياع، أو أن الإهانة تبني إنساناً.

قلّة نادرة هي من كتبت بتفهم، بمحاولة تأمل، بتساؤل عن السبب وراء الانتحار، لا في الموقف العاطفي العابر، بل في التربية، في البيئة، في ثقافة لا تسمح للهشاشة أن تظهر، ولا للضعف أن يُفهم، ولا للألم أن يُسمع. ثقافة ترى في الانهيار ضعفًا أخلاقيًا لا إنسانيًا، وتظن أن الصرامة تبني النفس، بينما تهدمها من الداخل دون أن تدري.

”يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنكُمْ، وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا“... فهل نؤمن بضعفنا كبشر؟ أم نخاف أن نُبصر في المرآة وجهاً هشاً فنغطيه بغلاف من قسوة تربّينا عليها وورثناها دون مساءلة؟

السؤال الأعمق هو: هل يخشى الناس أن يُعيدوا النظر في طريقة عيشهم؟ أن يتأملوا ثقافتهم وعاداتهم؟ أن يتوسّعوا في مساحة الحرية داخل ذواتهم ومجتمعاتهم؟ حتى وإن قادتهم هذه الحرية إلى حياة أسهل، ألين، أكثر انسجاماً مع الرفق والعقل؟

نيوتن رأى التفاحة تسقط مراراً، ككلّ الناس. لكنه، في لحظة تأمل واحدة، صرخ: وجدتها! لا لأنه رأى ما لم يره غيره، بل لأنه فكّر كما لم يفكر غيره. التأمل-لا المشاهدة - هو مفتاح الإدراك.

وإن لم يتربَّ النشء على قواعد إنسانية تجعل من التفكير فريضة، ومن الحرية قيمة، ومن المسؤولية شرفاً، فإنهم سيظلون يحنّون إلى قسوة المستبد، ويهابون نور العقل، ويركعون لصنم الطغيان.

وعلى المربّين، والأهل، والمهتمين بالشأن التربوي أن يعوا أن أدوات تشكيل الوعي اليوم لم تعد كما كانت. فلم تعد الخطبة والموعظة والصف المدرسي تكفي، بل العالم كلّه صار يربّي أبناءنا: الإنترنت، الإعلام، التفاعل اللحظي على المنصات.

إن المغبون حقاً هو من لا يُراجع نمط عيشه كل يوم، ولا ينقّح عاداته، ولا يحرّر نفسه من تقاليد لا تصلح إلا للقيود. فالعيش المتأمل هو العيش الرفيع، والمجتمع الذي يُدمن النقد الذاتي هو المجتمع الذي يرتقي.

***

حميد علي القحطاني

 

حين تجد الفلسفة طريقها إلى النفس، فإنها تنفذ إليها من أسمى مفردات الوجود: الروح. يتبعها بعد ذلك العقل، ثم القلب، ليجد الإنسان نفسه أمام مسؤولية كبرى تفرض عليه أن يفي بحقيقة وجوده الكوني.

وهذه الحقيقة هي الخلود ذاته؛ إذ إن حاجات الجسد تتلاشى، ليبقى هرم العقل ناصعًا شامخًا على مر السنين.

لهذا، لا تقف الفلسفة عند حدود السلطة الوجودية المرتبطة بعالم المادة، بل تتجاوزها إلى ما وراءها، لتلج عالم المثال، حيث يتحول الإنسان إلى نموذج يُحتذى بعد موته، فيرتقي إلى عالم الخلود، الذي ابتدأ منه، وإليه يعود.

***

عقيل العبود

في المثقف اليوم