أقلام حرة

صادق السامرائي: الخيال والخبال!!

الخبال: إختلال العقل

الخيال: إحدى قوى العقل التي يتخيل بها الأشياء.

الجنون فنون، وربما الإبداع جنون، والعقول التي إخترعت عبرت عن خبلها، وتواصلت مع أفكارها وحررتها من كونها المتصور وألقت بها متحركة فوق التراب، ومسيّرةً للبشر عبر الأجيال.

لو قال الأخوان رايت بأنهما سيطيران بالدراجة الهوائية، لأجزم المستمع إليهما بأنهما مجنونان.

ولو واجهنا أصحاب المخترعات العولمية عند بداياتهم، لرأينا أن ما يذهبون إليه نوع من الخبال، لكنهم تفاعلوا مع أفكارهم، وأصبحت الناس رهينة لمبتكراتهم.

ذات يوم جاءتني إمرأة مع إبنها الشاب مدعية بأنه مجنون، وتقول: هذا المجنون يخترع أشياء لا تخطر على بال.

وعندما سألته عما يفعله، تبين بأنه لديه قدرات فائقة على معرفة أي خلل يصيب المكائن في المعامل والمصانع، ويبتكر قطع غيار لتصليحها.

ولديه مشاريع لتصنيع مكائن وآلات متنوعة الأغراض.

إحترت في أمره وما تدّعيه أمه!!

لو كان في مجتمع آخر لأعطى للحياة ما يعجز عن وصفه الخيال، لكنه في مجتمعنا من المجانين.

وفي مدينتنا كان أحدهم من المخترعين الأفذاذ، ويصفونه بالمجنون، وهو مبدع خلاق ومبتكر متميز، وتم نسيانه ومنعه من العطاء.

وعند الإطلاع على تراث الأمة العلمي، تظهر قدرات أبنائها وما إبتكروه وتوصلوا إليه من المخترعات الأصيلة، التي أذهلت الناس في زمانها، ولعدم توفر قدرات الإنتاج الوفير بالجملة، كانت بالمفرد النادر، وضاعت مع توالي النواكب والخطوب والزمن الغضوب.

فالأجيال تحمل موروثات الإبداع الفائق الأثيل، وتحتاج إلى بيئة صالحة لتنطلق براعمها الواعدة.

فهل لنا أن نؤمن بقدراتنا ونتواصل مع أجدادنا؟!!

أفكارنا تسحقنا، أيامنا تلعننا، ما عندنا يرهقنا، حياتنا في جهلنا، نطيعها أوهامنا، وندّعي بأننا، نوابغٌ في عصرنا، وإننا نمشي على رؤوسنا، صولاتنا تحجرنا، وبعضنا يأكلنا، جديدنا جنوننا!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم