أقلام حرة
عبد الخالق الفلاح: القلم.. الرمز الخالد في التاريخ

ان الذي ترك لنا تراثًا ضخمًا من التاريخ والدين والأدب والثقافة وله دور كبير في تنوير العقول والأفكار هو القلم الصادق الذي يمثل الشراع الابدي وله دورًا أساسيًا في عملية البناء، سواء كان ذلك في البناء المادي أو المعنوي، في البناء المادي، لتسجيل الأفكار والتخطيط للمستقبل، مما يسهل عملية التنفيذ ويضمن الدقة. أما في البناء المعنوي، للتعبير عن الأفكار والرؤى، وكتابة النصوص التي تشكل أساسًا للمعرفة والثقافة، وتساهم هذه المعرفيات في تطور المجتمعات، وهو الوسيلة الفكرية للتنفس، يخرجها من ظلمات الخواطر الصامتة إلى نور الكلمات المضيئة، وهنا تبدأ مرحلة أخرى من الترويض وبها كتبت على مر القرون و تكتب العشرات بل الألوف والملايين من الدواوين الشعرية والروايات ومجلدات ضخمة عن تاريخ الحضارة البشرية والملاحم الأسطورية والتفاسير. إن إنجازات القلم الكبيرة والرائعة تدفعنا لمعرفة ما قيل عنه في التراث العربي وفي الكتابات المعاصرة.
روت كتب التفسير عدداً كبيراً من الأحاديث التي تبين أن القلم هو أول مخلوقات الله، والمنقول عن النبي' ص' «إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال اكتب ما يكون، أو ما هو كائن من عمل أو رزق أو أثر أو أجل، فكتب ذلك إلى يوم القيامة'.
فنجد علمًا خاصًا بتواريخ البلدان للدفاع عنها وإبراز قيمتها، بذكر رجالها ومفاخرها ورموزها، وما قدمته من العلوم للإنسانية، ولكل بلد مؤلفاته التاريخية التي تمثل ماضيه وليرتبط بحاضرة، مما يعبر عن ضرورة أداء القلم دوره في خدمة الوطن في كل زمان ومكان، نجد أن للقلم سحره وبيانه وألقه في تسطير أروع الأبيات وأجمل الروايات وأبدع المسرحيات وسجله سجل خالد عبر العصور والدهور.
ان الذي لا يمكن فصلهما هو السيف والقلم السلاحان المتلازمان لكل ذي سلطان، بهما تقام الدول، وتمهد سبل الحكم والرياسة، وتفرض النظم والقوانين، وتبنى الدول والمجتمعات. فالسيف رمز القوة والعزة والإباء، والقلم رمز العلم والثقافة والحضارة. قد يتقدم أحدهما على الآخر في فترة من الفترات، نتيجة لطبيعة المرحلة التي تمر بها الدولة، ولكنهما في النهاية سلاحان وأدان لا غنى عن أحدهما للسلطان في كل زمان ومكان.
أجل إنه القلم تلك الوسيلة العظيمة، التي أقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم، ' ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿۱﴾'سورة القلم ولا يقسم ربنا إلا على عظيم، وهل هناك من أحد ان يشك في عظمة القلم ومدى تأثيره ومنفعته ومقاصده ودوره؟! ناهيك بذلك القلم الذي يتحرك في سبيل الوطن، للذود والدفاع عنه عنه و ليست مهمة مقتصرة على البندقية والدبابة والأرواح والأجساد و والطائرة واسلحة الموت الجديدة التي دخلت الميادين فقط، فلطالما كانت الأقلام والكلمات رماحًا وأسنة يتقي بها الوطن شر الأعداء،
في هذا المجال ' يرى ابن خلدون أنّ السيف والقلم سلاحانِ يُكمّلُ كلٌّ منهما الآخرَ ولا يستغني عنه، لكنّ الاهمية تختلفُ باختلافِ الأزمنة، فيرى أنّ السّيفَ هو الاهم في مرحلتينِ من مراحل تاريخِ الدّول، ففي مرحلةِ النشوءِ والتّكوين وكذلكَ في مرحلةِ الشّيخوخةِ لا بدّ من القوّةِ لإثباتِ هيبتِها وتثبيتِ أركانِها، خشيةَ التّصدُّعِ والانهيارِ، يقولُ ابنُ خلدون: 'إلّا أنّ الحاجةَ في أوّلِ الدّولة إلى السّيفِ ما دام أهلُها في تمهيدِ أمرِهم أشدَّ من الحاجةِ إلى القلم.. وكذلك في آخرِ الدّولة حيثُ تضعفُ عصبيّتُها كما ذكرْناه.. فيكونُ للسّيفِ مزيّةٌ على القلمِ في الحالتينِ ويكونُ أربابُ السّيف حينئذٍ أوسعَ جاهاً و أكثرَ نعمةً.' أقوَى دليلٍ جاء به المتنبّي، ولم يتركْ للخصمِ شاهداً يستدلُّ به في تقدُّمِ القلمِ على السّيفِ:
حَتّى رَجَعتُ وَأَقلامي قَوائِلُ لي
المَجدُ لِلسَيفِ لَيسَ المَجدُ لِلقَلَمِ
اِكتُب بِنا أَبَـــداً بَعــدَ الكِتابِ بِهِ
فَإِنَّما نَحـــنُ لِلأَسيافِ كَالخَدَمِ
ويتعاظمُ دورُ القلمِ في تعزيزِ وتجميلِ هيبةِ الدّول وبيانِ خصالِها والمباهاةِ بها أمام العالمِ، مع بقاءِ السّيفِ في حالةِ الأهبة والاستعدادِ للنّوائبِ والمخاطرِ المفاجئة: 'وأمّا في وسطِ الدّول> فيستَغني صاحبُها بعضَ الشّيء عن السّيفِ
وبها تكتب العشرات بل الآلاف والملايين من الدواوين الشعرية والروايات ومجلدات ضخمة عن تاريخ الحضارة البشرية والملاحم الأسطورية. إن إنجازات القلم الكبيرة والرائعة تدفعنا لمعرفة ما قيل عنه في التراث العربي وفي الكتابات المعاصرة.
روت كتب الحديث والتفسير عدداً كبيراً من الأحاديث التي تبين أن القلم هو أول مخلوقات الله، والمنقول عن النبي' ص' «إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال اكتب ما يكون، أو ما هو كائن من عمل أو رزق أو أثر أو أجل، فكتب ذلك إلى يوم القيامة».
***
عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي