آراء

رشيد الخيُّون: «خنجر أبي لؤلؤة» ذو الرَّأسين مداليات في أعناق الصِّبيان!

لاحظتُ صبياناً وشباناً يضعون في أعناقهم «خنجرَ أبي لؤلؤة» ذا الرَّأسين أو الشَّفرتين(الطَّبري، تاريخ الأمم والملوك)؛ عوذهم به آباؤهم وأمهاتم؛ وهي واحدة مِن الأكاذيب والجهالات المقصودة؛ على أنه «سيفُ ذي الفقار»؛ فمِن المغرضات أنّ يصبح خنجرُ قاتل عمر بن الخطاب سيفاً بيد علىِّ بن طالب؛ في مصورات أحفاد الغلاة؛ كي يظهر أنَّ علياً قد قتل عُمرَ. أقول: إلى أين تذهبون برقاب وعقول صبيانكم وشبابكم، وأنتم تعوذونهم بطائفية متوحشة، ألا شاهت الوجوه والعقول.

جاء ذِكر «سَيْف ذي الفَقار»، في كتب التَّاريخ كافة، أنه غنيمة مِن معركة «بدر» (2هـ)، صار للنبي، ثم أهدي لعليٍّ، وظل يتداول بين أجيال العلويين، فصار لحفيد الحسن بن عليٍّ، محمَّد النَّفس الزَّكية (قُتل: 145هـ)، ثم استأثر به العباسيون، وآخر أخباره كان عند هارون الرَّشيد (تـ:193هـ) (الطَّبري، نفسه)، وضاع ليظهر مركباً عليه خنجر أبي لؤلؤة «ذور الرَّأسين».

إنَّ صورةَ سَيف ذي الفَقَار، المنتشرة في تماثيل ومصورات ومداليات، تُخالف الوصف الذي اِتَّفق عليه المؤرخون الأوائل. كان محلى بثماني عشرة فقرة، ولم يتحدث أحدٌ عن شفرتين في طرفه، ومعلوم أنَّ الفترة الصَّفوية رتبت وقائع وأحداث فيها الغلو والتَّطرف، فغُلَّف سَيف ذي الفَقار بخنجر أبي لؤلؤة (قُتل 23هـ) قاتل عمر بن الخطاب(23هـ).

هُدم المقام الذي كان يسمَّى بقبر أبي لؤلؤة، أو «بابا شجاع» تمجيداً له، عام 2007، والذي شُيد بمدينة كاشان الإيرانية، مِن قِبل أسرة عظيمي، التي أدعت الانتماء له (جميل، مقال قبر أبي لؤلؤة في المدينة أم كاشان؟!). فأبو لؤلؤة قُتل بالمدينة، بعد ساعة مِن طعنه لعمرَ، فكيف يظهر قبره بكاشان؟!

لقد كثر التَّهادي بسيف ذي الفَقار، وأُقيم له نصب تذكاريَّة، وصار مداليات في الأعناق، ولا بد مِن التَّصحيح للخيال المشوه، فهذا ليس سيف الرَّسول الذي أهداه لعليٍّ، وربَّما لم يعرف المتهادون، والدَّاعون إلى قيام النُّصب التذكارية لذلك السَّيْف هذه الحقيقة. لكنَّ القضيةَ أخذت تُعلن، والمجتمعات المختلطة لم ينقصها مثل هذا الخراب، وقد دخل مجال الفن.

إنه تحوير غير محايد، فهناك تحوير قصص لأغراض شتى لا تكون مؤذية، لكنَّ مثل هذا التحوير مقصود بلؤم، حفر شكله في العقول، والمزَوّرون يعرفون أنه إهانة لعلي بن أبي طالب أنّ يظهر متوشحاً خنجر أبي لؤلؤة. أقول: رفقاُ بصبيانكم وأنتم تقلدونهم وتعوذونهم بكذبةٍ؛ مفطرة في الإيذاء.

عندما يزوُّر التّاريخ يتحول إلى قناعات راسخة؛ مع أنه مِن خَيال المزوُّرين، تزور الأضرحة، وتُعطى أسماء غير أسمائها، فالدَّفين قد يكون عدو مَن عُرف به الضّريح، وتزور الحيطان والوقائع، وكلّ شيء قابل للتزوير، لكنْ حذاري مِن المؤذيات منها، فلكثرة تعبئتها في العقول تصبح حقائقَ، تظهر في المواسم.

 فلتكرارها مثلاً رسخت قولة «يا أهل العراق يا أهل الشّقائق والنّفاق»، لعليّ بن أبي طالب(اغتيل: 40هـ)، وهي قولة عبد الله بن الزّبير(قُتل: 73هـ)، فهناك مَن رماها تشفياً بالعراق وأهله، لتبقى طعنةً مدى التّاريخ، فنسبتها لقائلها ابن الزُّبير لا تبدو مؤثرة طاعنة؛ لذا نُسبت لإمامٍ وخليفة وهو عليّ بن أبي طالب، فأهل العِراق كافة كانوا علويين، وأهل الشّام كافة كانوا أمويين في الاِنتماء.

جاء نص العبارة على لسان ابن الزّبير، عندما ورده خبر مقتل أخيه مصعب بالعِراق: «وَأما الَّذِي أفرحنا فَعلمنَا أَنَّ قَتله شَهَادَة، وَأَن ذَلِك لنا وَله فِيهِ الْخيرَة، أَلا وَإِن أهل الْعرَاق أهل الشِّقاق والنِّفاق؛ باعوه بِأَقَلّ ثمن كَانُوا يأخذونه مِنْهُ، إِنَّا وَالله مَا نموت إِلَّا قصعاً بِالرِّمَاحِ وَتَحْت ظلال السُّيوف» (ابن قُتيبة، عيون الأخبار، القلعي، تهذيب الرِّياسة وترتيب السّياسة).

ربّما عبر معروف الرُّصافي(تـ: 1945) عمَّا قصدنا، مع اختلاف الغرض: «لُقنْتُ في عصر الشَّبابِ حقائقاً/ في الدِّين تقصرُ دونها الأفهامُ/ ثم انقضى عصر الشَّباب وطيشه/ فإذا الحقائقُ كلُّها أوهامُ»(الدِّيوان 1959). إذا أدرك ذلك الرُّصافيّ الفرد، فمِن العادة تثبت المزورات في المجتمعات ثبوت أنياب الوحش في الفريسة؛ وكم يبدو الأطفال والصّبيان، وهم يعلقون خنجر أبي لؤلؤة تعويذةً في رقابهم، فرائس لمَن زوَّر واستبدل خنجر أبي لؤلؤة بسّيف عليٍّ؛ وهذا على ما يبدو يتم تعليمه داخل مدارس أحزاب دينية موغلة بطائفيتها.

***

د. رشيد الخيُّون

في المثقف اليوم