آراء

عبد الأمير الركابي: هل العراق موشك على الفناء؟ (1)

وصلت اسباب الافنائية المسلطة على الكينونه العراقية اخيرا، درجة من الفعالية والحضور ماعاد ممكنا معها استبعاد احتمالية الانتقال لعالم الفنائية المنتظرة ومنها التحولية، والحكم لهذه الجهه قائم على متابعه اليات التاريخ  العراقي الحديث خلال مايزيد على القرن، عندما حلت التوهمية التغلبية الغربية المقترنه بالانقلاب الالي، احتلالا مباشرا عسكريا، واخر مفهوميا كيانيا، ابتداء من الحملة  العسكرية البريطانيه عام  1914والصاعدة من الفاو جنوبا نحو عاصمة الامبراطورية المنهاره، ومركز البرانيه الشرقية التناوبيه الحالة على المكان من عام 1258 مع  احتلالها على يد هولاكو، مع ما قد ارساه الضابط الانكليزي الملحق بالحملة البريطانيه فليب ويرلند من مرويه تشكلية "عراقية حديثة" مفتعلة، تصف التشكل العراقي الحديث استعماريا، بما يخالف واقع الحال الحاصل من جهه، ويناقض وينفي الحقيقة التاريخيه للمكان  كليا، ماقد اوجد بالقوة منظومه عملية ومنظورية افنائية، هي نوع استثنائي لاشبيه له من اشكال الهيمنه التي تستدعي، لابل تشترط الغاء الآخر.

وثمة عامل رئيسي استنداليه مشروع البرانيه الحداثية الاستعمارية، تاتى من عدم اكتمال التشكل العراقي الحديث المبتديء في ارض سومر التاريخيه من القرن السادس عشر، حين عادت الاليات التاريخيه للمكان للانبعاث في دورة ثالثة، بعد الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك" عام 1530 كحقبة اولى تاسيسية قبلية الطابع، اعقبتها الثانيه الانتظارية النجفية التي حلت محل الاولى بعد القرن السابع عشر، وصولا الى القرن العشرين، عندما تبدلت اللوحه ولم يعد التشكل الحديث يواجه صيغ البرانيه المتعاقبة على عاصمة الدورة الثانيه المنهارة، بصيغتها الشرقية اليدوية، في وقت انقلبت حالة البرانيه مدار الاصطراع التشكلي الحديث الصاعد من الجنوب، كما هو القانون التاريخي للتشكل العراقي، لتغدو مع حضور الانكليز، توهمية آلية، وليصبح التشكل الذاتي الحالي، الثالث تاريخيا من حينه، محكوما للاشتراطات الانقلابيه التاريخيه الحديثة الحالة على المعمورة .

وليس الحديث عن "الفناء" على خطورة التعبير، خارج عن تاريخ او خاصيات الموضع الذي نتحدث عنه فالفنائية لازمت التشكل التاريخي  لنوع الكيانيه المتعدية للكيانيه  الرافدينيه، فكانت تختم دورات التشكل التاريخي، بحيث يغيب وينقطع الفعل التاريخي في هذا الموضع من المعمورة، وهو ماقد حصل ابان حالتين شهيرتين من دون تعيين او تمييز لطبيعتهما ومايدلان عليه، والمقصود ماكان وقع ابان انهيار بابل واختفائها من الوجود بعد موقعها العالمي (1)، عام 539 ، ثم مع انهيار بغداد عاصمة الدورة الثانيه الامبراطورية عام 1258 بعد خمسه قرون من الحضور العالمي القمة والفعالية النوعية الانقلابيه، والظاهرة المشار اليها لاوجود لها في مايعرف بالمنظور او الادبيات، وما معتبر من قبيل البحوث التاريخيه، لافي الماضي ولا الحاضر المجافي جمله وتفصلا لصالح النموذجية الارضوية الاوربيه، الامر الذي كان ومايزال حصه هذا الموقع من العالم، لتجاوز بنيته وآلياته المجتمعية الكونية مامتاح ومتوفر للعقل البشري من طاقة وقدرة على الادراك، ماقد حكم ارض مابين النهرين تاريخيا، بان تظل تعيش تاريخها بلا ادراك للذاتيه والنطق بها، ومن ثم بلا وعي بالحقيقة المجتمعية الشاملة مثلها مثل بقية اصقاع العالم.

وتكمن هنا مسالة هي الاهم بما يخص علاقة الكائن البشري بوجوده و بحقيقته المجتمعية الغائبة والمطموسة لاسباب موضوعيه، اساسها خضوع البنيه المجتمعية، ومن ثم العقلية لاشتراطات اليدوية الجسدية باعتبارها النمطية والنموذجيه المفردة الاحادية الابدية، علما بان المجتمعات ومايتصل بها من بنية وكينونه تنشا في موضع البدء التبلوري مزدوجة، قاعدتها الببيئة النهرية في منطقة الشرق المتوسطي، الاولى ارضوية جسدوية نموذجية  هي الشكل الاني اليدوي الغالب،، وتقوم في ارض النيل حيث التوافقية الانتاجية البيئية، وحيث  محور العملية " النيل" متوافق مع الجهد البشري الانتاجي، يفيض باتفاق مع الدورة الزراعية، والمكان محمي شرقا وغربا بالصحراء، وشمالا بالبحر، مايجعل  المجتمع متجسد في الدولة  والكيان/ الوطني، وفي الفرعون الاله، حيث التكراريه الاجترارية، والمرحله الوحيدة الاولى  والاخيرة، والسكونيه النمطية، يقابلها ويتقدم عليها زمنيا بعض الشي، نمط اخر لا كياني، يتشكل ضمن اشتراطات الطرد البيئي، حيث النهرين العاتيين المدمرين المخالفين للدورة الزراعية، وفيضانهما المباغت الذي يجعل الحياة والعملية الانتاجية اقرب للحرب، وللعيش على حافة الفناء، معززة بجمله من العوامل المناخية والطبيعية المجافيه التي تحفز على الارتقاء خارج الارض ومنظورها السكوني، نحوالعالم الاخر كموضع سكن، تزداد اسباب تكريسه بفعل المحيط الجغرافي البشري المتلائم مع اشتراطات ومايعزز  الفنائية الاولى البيئية الانتاجية المخيمه، مع الانفتاح من الجهات الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، حيث الجبال الجرداء والصحارى، سيولا بشرية طامحه للسيطرة ولاجبار ارض الخصب الجنوبية ابتداء من سومر اصل اللاارضوية المجتمعية الممتنعه على الخضوع  الذي دونه الفناء، بايه صيغة كانت، كينونه وبنية.

ان تاريخ وكينونة الموضع المتعارف عليه بالعراق هو "تاريخ الفنائية التحولية"،  الصيغة الاساس المجتمعية الملغاة من الوعي لصالح الصيغة الثباتيه التابيدية الارضوية،  ونموذجها الكلاسيكي الاصل النيلي المتوافق عيشا ووعيا مع الطور اليدوي من التاريخ المجتمعي الاعقالي، ومن ثم وبناء عليه، النمط او النوع الغالب ابتداء وعلى مدى التاريخ اليدوي من التاريخ البشري، وابسط مايترتب على مامذكور الانتباه الى كون الظاهرة المجتمعية بالاصل وساعة التبلور، ثنائية كينونه ونوعا، وليست احادية كما هو سائر وراسخ في الوعي البشري اليدوي ومتبقياته الراهنه، وبالذات منها توهمياته الكبرى المواكبه يدويا للانقلاب الالي المصنعي كما عرف مع الحداثة الغربية ماقبل الادراكية للانقلابية الالية التكنولوجية، ومنطوياتها وحقيقتها التحولية.

وليس من السهل على الاطلاق تحدي المروية الاحادية عن المجتمعات وتاريخها ونوع اصطراعيتها التاريخيه، والديناميات الفاعلة في سيرورتها، والاغراض الكامنه خلف وجودها ومنتهياتها، مع ثقل الاعتياد الطويل والرسوخ المعزز بالمتغيرات الاخيرة، ومن ذلك وفي صدارته على سبيل المثال، "جريمه" كبرى من نوع  احالة عملية الانقلاب الالية الى القرن السادس عشر، والى ارض سومر التاريخيه البدئية، وماقد حدث فيها من انبعاث لاارضوي راهن ثالث، واعتباره هو المؤشر على طبيعة ونوع  الانقلابيه الالية التكنولوجية، ولحظة الانتقال المجتمعي البشري من اليدوية التاريخيه الجسدية الاولى، الى العقلية، لامن اليدوية الى الاليه كما اشاع الغرب، وكما استمر الاعتقاد ساريا الى الان.

ـ يتبع ـ

***

عبد الأمير الركابي

في المثقف اليوم