آراء
كريم المظفر: لماذا لم يودع الصينيون بلينكن؟!!
تختلف اشكال الإهانة بالضيوف الغير المرحب بهم مع أي شخص أو بلد، بمقدار الذنب الذي اقترفه الضيف تجاه مضيفه، وتخيل حجم الذنوب التي اقترفها وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن، أو بلاده تجاه الصين، سواء خلال زيارته لها او قبلها، حتى تتخذ بكين موقفا متشددا حياله، ولم ترسل أي مسؤول صيني رفيع المستوى الى المطار لتوديع ضيفها الأمريكي .
ومثل هذه الخطوة تجاه الوزير الأمريكي، بالطبع تركت انطباعا مؤكدا، بأن مباحثات المسئول الأمريكي خلال زيارته للصين التي استمرت ليومين، ولقاءاته مع المسئولين فيها مع نظيره الصيني وانغ يي، وكذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ، لم تنال رضى المضيفين، وبالتالي فشل بلينكن في الحصول على ما جاء به، وهنا قد يتولد سؤالا لدى المراقبين، لماذا انتهت أهم المفاوضات بالنسبة لواشنطن بالفشل أساساً؟ ماذا طلب بلينكن من الصين فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا - وما هي المشاكل التي تمنع الولايات المتحدة من الضغط على الصين؟
وعشية زيارة أنتوني بلينكن للصين يومي 24 و26 أبريل/نيسان، استمرت واشنطن في الإدلاء بتصريحات حول ما يثير غضب الجانب الأمريكي في سلوك الصين وكيف تنوي الولايات المتحدة التعامل معه، ولكن مع بدء اللقاء المباشر في بكين بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره الصيني وانغ يي، بدا أن الجانبين قد تبادلا الأدوار، فقد أسمع الوزير وانغ، في افتتاح المفاوضات في مقر إقامة دياويوتاي، ضيفه مالا يتمناه، وقال مخاطبا له " لا تزال العوامل السلبية في العلاقات تتزايد"، ثم انتقل بعد ذلك إلى الاتهامات، وإن حقوق التنمية المشروعة للصين يتم قمعها بشكل غير معقول، وتتعرض مصالح بلاده الأساسية للتحدي، وقال بحزم "يجب على الولايات المتحدة ألا تتدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتقمع تنمية الصين، وتتجاوز الخطوط الحمراء عندما يتعلق الأمر بسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية".
ونتيجة لذلك توصل الطرفان وفقا لوزارة الخارجية الصينية، إلى توافق على خمس نقاط، ويشمل ذلك الالتزام بالعمل الجاد لتحسين العلاقات، ومواصلة التواصل وإجراء المناقشات والحوارات حول مختلف القضايا، وتوسيع التبادلات الثقافية وتعزيز العلاقات بين المبعوثين الخاصين للبلدين، وهذه تعابير دبلوماسية " ملطفة " تؤكد ان الجانبين واشنطن وبكين، لم تتفقا على أي شيء جدي، لأنه أولاً وقبل كل شيء، الولايات المتحدة ليست في مزاج يسمح لها بالتفاوض مع الصين، كما ان المشكلة الرئيسية في العلاقات الصينية الأمريكية، وبحسب صحيفة غلوبال تايمز الصينية، هي أن الولايات المتحدة لا تزال لديها فكرة خاطئة عن الصين وكتبت: "إنهم ينظرون إليه كمنافس وعدو، وليس شريكًا".
كما أن الصين ووفقا للمراقبين، عرضت مسارا مختلفا، واقترحت أن يكون الاحترام المتبادل والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين هي المبادئ الثلاثة الشاملة، وقال شي جين بينغ، "هذه دروس مستفادة من الماضي وإرشادات للمستقبل"، وأوضح أنه بخلاف ذلك لن ينجح شيء، لأن الولايات المتحدة والصين "يمكنهما التحرك بثبات في الاتجاه الصحيح، أي إلى الأمام، أو العودة إلى دوامة العلاقات الهابطة"، حتى أنه أظهر ذلك قليلاً - من خلال اختبار صاروخ باليستي قبل وقت قصير من الزيارة .
ومثل هذه الإشارات لا يقرأها الامريكيون، فهم ببساطة لا يستطيعون التعامل مع الصين بشكل مختلف، وهم لا يعرفون كيف، وإذا حكمنا من خلال إصرار الإدارة الحالية على قضية الحفاظ على عالم أحادي القطب، فإنهم لا يريدون أن يفعلوا ذلك، وهم ينظرون إلى الصين باعتبارها منافساً يحتاج إلى احتوائه وترويضه، وفي الواقع، جاء بلينكن إلى الصين بالتهديدات على وجه التحديد، ووجه تحذيرًا خطيرًا آخر إلى بكين، وكرر تهديد وزيرة الخزانة جانيت يلين الخطير السابق مؤخراً، وهو فرض عقوبات اقتصادية ومالية جديدة، إذا لم تتخلص بكين من “القوة الفائضة” التي تزيح الولايات المتحدة، من مكانتها المهيمنة في الصناعة والتكنولوجيا والتجارة.
وكذلك طالب بلينكن، بكين بالتوقف عن مساعدة موسكو، وقال "إننا نرى الصين تتقاسم الأدوات الآلية وأشباه الموصلات وغيرها من العناصر ذات الاستخدام المزدوج التي ساعدت روسيا على إعادة بناء قاعدتها الصناعية الدفاعية"، ووفقا له، فإن مثل هذه التصرفات من جانب بكين تؤدي إلى تهديدات "لأوكرانيا وللسلام والأمن الدوليين على حد سواء"، والغريب انه لم يُذكر بالضبط ما أجابه الرئيس شي، ولكن بعد اجتماع مع نظراءه الصينيين، قال وزير الخارجية إنه "إذا لم تتخذ بكين إجراءات لحل هذه المشكلة، فإن واشنطن ستفعل ذلك"، فقد فرضت بلاده بالفعل عقوبات على أكثر من 100 شركة صينية - من خلال ضوابط التصدير وما إلى ذلك، كما كان من قبل، " ونحن مستعدون لاتخاذ إجراءات إضافية، وقد أوضحت ذلك بشكل واضح في الاجتماعات ”، ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يحدث أي شيء من هذا، وقد ذكرت بكين مرارا وتكرارا أن القضية الأوكرانية لا ينبغي أن تصبح مشكلة بين بكين وواشنطن، وأوصت الأمريكيين "بعدم تشويه سمعة العلاقات الطبيعية بين الصين وروسيا أو إثارة مواجهة بين الكتلة، ناهيك عن التشهير وجعل الصين كبش فداء"
واستنادًا إلى كلام وزير الخارجية، فإن الولايات المتحدة والصين لم تتفقا أيضًا على هذه القضية، ومن هنا يمكن الاستنتاج، أن بكين لن تحل "مشكلة" دعم روسيا، وبالتالي وكما لخص عالم الصينيات الروسي نيكولاي فافيلوف "فقد انحدر بلينكن علنًا إلى حالة هستيرية"، وأشار الى انه يمكن تفسير فشل المفاوضات، من بين أمور أخرى، بشخصية وزير الخارجية، فزيارات بلينكن مبالغ فيها، وهو " مفاوض ضعيف، وكل نوابه في شؤون الصين هم مفاوضون ضعفاء بنفس القدر "، وإنهم لا يعرفون كيفية الضغط على الصين، وليس لديهم تعليمات واضحة ولا يفهمون المنطقة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن الفشل يمكن تفسيره بجوانب أخرى من العلاقات الصينية الأمريكية.
ويبدو أن الخلفية التهديدية للزيارة، كان ينبغي أن تكون في صالح بلينكن، فقد أصدرت الولايات المتحدة للتو قوانين لمساعدة تايوان، وإمكانية حظر شبكة تيك توك الصينية (إذا لم يبيعها الصينيون لشركة غربية)، وبطبيعة الحال، فإن الصين متهمة ببيع الفنتانيل، وهي مادة اصطناعية تستخدم في إنتاج المخدرات، لعصابات المخدرات المكسيكية، ولكن في طريقها إلى تنفيذ التهديدات،ـ بما في ذلك العقوبات ضد الصين، الا ان الولايات المتحدة تواجه ثلاث مشاكل على الأقل، أولها ً، يشكل تهديد الصين بعقوبات اقتصادية خطراً على الولايات المتحدة نفسها، فإن اقتصاد البلدين متشابك بشكل وثيق، والصين هي صاحبة أكبر أصول الديون الأميركية، وإن محاولات بدء حروب تجارية مع بكين عادة ما تؤدي فقط إلى مشاكل، وليس إلى حلول.
وثانيا، من غير المربح للغاية أن يواجه بايدن مشاكل اقتصادية في الأشهر الستة المقبلة - عندما تجري الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة، وتظهر استطلاعات الرأي أن المرشحين الجمهوري والديمقراطي متقاربان، وأن الناخبين الأميركيين يركزون دائماً في المقام الأول على الاقتصاد في تفضيلاتهم الانتخابية، وإذا حدثت أزمة اقتصادية في الولايات المتحدة بسبب قطع العلاقات مع الصين، فلن يغفر الناخب لبايدن على ذلك، في الواقع، ليس لدى الجانب الصيني أي فكرة عما إذا كانت الإدارة الحالية ستبقى في السلطة خلال الأشهر الستة سيئة السمعة.
اما ثالثًا، فأن الرفيق شي ينظر إلى كل من بلينكن وبايدن على أنهما بطة عرجاء، ومن غير المجدي إبرام أي اتفاقيات طويلة الأمد معهم، وعلى العكس، على سبيل المثال، فان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعيد انتخابه للتو لفترة ولاية أخرى ومن المقرر أن يسافر قريبا إلى بكين في زيارة لها، وبالتالي سيكون من السذاجة أن تأمل واشنطن في الحصول على فهم كامل من جانب بكين لقضية علاقتها مع موسكو، وكذلك لحل المشاكل الملحة الأخرى في العلاقات الثنائية، علاوة على ذلك، بدا الخطاب الترحيبي الذي ألقاه وزير الخارجية الصيني وانغ يي للسيد بلينكن أشبه بتوبيخ قاس، ومع ذلك، وعلى خلفية سلسلة كاملة من الإجراءات المناهضة للصين، والتي يبدو أن الولايات المتحدة قد وقتتها على وجه التحديد، لتتزامن مع زيارة وزير الخارجية، كانت هذه النتيجة متوقعة تماما، وبالتالي غادر بلينكن الصين يتيما، ولم يودع أي من المسؤولين المحليين وزير الخارجية - فقط السفير الأمريكي نيكولاس بيرنز، بابتسامة قسرية، صافح رئيسه على درجات سلم الطائرة.
***
بقلم الدكتور كريم المظفر