آراء

قاسم حسين صالح: عبد الكريم قاسم قدوة الأخلاق والنزاهة الذي نفتقده

قل ما شئت عن عبد الكريم قاسم.. قل عنه انه عقلية عسكرية يعوزه النضج السياسي، ولك ان تدين شنّه الحرب على الكرد عام (61)، واستئثاره بالسلطة، ومعاداته لقوى عروبية وتقدمية، وما حدث من مجازر في الموصل، واصطناعه حزبا شيوعيا بديلا للحزب الشيوعي العراقي الذي عاداه رغم انه ناصره حتى في يوم الانقلاب عليه (8 شباط 1963). ولك ان تحمّله ايضا مأساة ما حصل لأفراد العائلة المالكة، وتصف حركته بأنها كانت انقلابا وضعت العراق على سكة الأنقلابات. ولك ايضا أن تتغاضى عن انصافه الفقراء واطلاقه سراح المسجونين السياسيين وعودة المنفيين وفي مقدمتهم الملا مصطفى البرزاني الذي استقبله اهل البصرة بالأهازيج.. ولكن، حتى أبغض اعدائه، لا يمكنهم أن يتهموا الرجل بالفساد والمحاصصة والطائفية والمحسوبية والمنسوبية.. وتردي الأخلاق، مع أن قادة النظام الحالي رجال دين، وان رسالة النبي محمد كانت اخلاقية بالدرجة الاساسية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وأن عليهم ان يقتدوا بمن خصه الله سبحانه بقوله(وانك لعلى خلق عظيم).. فيما عبد الكريم قاسم ليس له اهتمامات بالدين، فلم يطل لحية وما لبس عمامة.

 يعيش براتبه، ويسكن غرفة!

  اصبح قاسم الرجل الأول في الدولة العراقية، ومع ذلك فانه ظل يتقاضى نفس راتبه العسكري. ولهذا لم يجرؤ في زمانه وزير او وكيله او مدير عام على اختلاس او قبول رشوة او التحايل على مقاولة. وما كان اهله او اقرباؤه يحظون بامتيازات، فشقيقه الأصغر كان نائب ضابط في الجيش العراقي، وبقي بتلك الرتبة طيلة مدة حكم أخيه. وما كان للرجل قصر او بيت لرئيس الجمهورية، بل كان ينام على سرير عادي بغرفة في وزارة الدفاع، فيما حكّام الخضراء منحوا انفسهم رواتب وامتيازات هي الأعلى في العالم!و يسكنون في قصور مرفهة.. مبردة، وسبعة مدن عراقية سجلت في يوم (11 تموز 2024) درجات الحرارة الأعلى في العالم.. وملايينها بدون كهرباء.. والماء شحيحا، وتراهم في نفاقهم القبيح والمفضوح يظهرون للناس يبكون على الحسين، الذي لو خرج الآن طالبا اصلاح الكهرباء، لاعترضوه وخيروه بين ان يرجع من حيث اتى او القتال!

 أبو الفقراء    

 كان قاسم يعيش هموم الناس الفقراء، وكان من اروع انجازاته أن بنى مدينة الثورة(الصدر حاليا) لساكني الصرائف في منطقة الشاكرية، ومدنا اخرى في البصرة واكثر من 400 مدينة جديدة وعشرات المشاريع الاروائية، ولهذا منحه العراقيون لقب(ابو الفقراء).. فيما حكّام الخضراء حولوا الوطن خرابا، وافقروا 11 مليون و400 ألف عراقي بحسب وزير التخطيط في (2020)، وسرقوا 840 مليار دولارا بحسب (بومبيو)، وأن ما فيهم نظيف يد بشهادة مشعان الجبوري:(لابو عكال ولا ابو عمامه ولا الافندي ولا لجنة النزاهة كلنا نبوك من القمة للقاعده) واهازيج المتظاهرين في ساحات التحرير(باسم الدين باكونه الحراميه، الله واكبر يا علي الأحزاب باكونه) ووصف المرجعية الدينية لهم بانهم في الفساد.. حيتان!.

 والحقيقة التي تسكن اعماق قلوب حكّام الخضراء أنهم يكرهون عبد الكريم قاسم، لأنهم يعرفون أن العراقيين يقارنون بينهم وبينه فيعتبرون عبد الكريم انموذج الحاكم القدوة من حيث نزاهته فيما هم فعلوا من القبائح ما يجعلهم صغارا امام فضائله. ويعرفون انه لو سئل اي عراقي غير طائفي عن رأيه فيه وفيهم سيجيب بسطر يغني عن مقال: (لأن سمو اخلاقه ونزاهته وخدمته لشعبه.. تفضح فسادهم وانحطاط اخلاقهم وما سببوه للناس من بؤس وفواجع). وما يوجعهم أكثر انهم يعرفون ان عبد الكريم قاسم باق في قلوب العراقيين رغم تلك السنين، فيما لن يبقى لهم ذكر، وبينهم من سيلعنون بعد مماتهم.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

14 تموز 2024

 

في المثقف اليوم