أقلام حرة

ناجي ظاهر: خطرات في التفاعلات والتعقيبات

يكشف تفاعل الواحد منا نحن القراء مع ما يقرأه ويدفعه للتعقيب عليه، عن العديد من الأمور، التي سنتعرض لها فيما يلي، فالمرء لا يتفاعل في العادة إلا مع ما يفهمه أولّا وما يثيره ثانيًا وما يهمه ثالثًا. أقول هذا وأنا أفكّر في تلك المواد التي تمر دون أن يقرأها أحد، او بالأحرى دون أن تجد رد الفعل المرجو والمنشود من صاحبها على الأقل، ولنبدأ من النهاية.

*لنبدأ من الامر او السبب الثالث المذكور وهو ما يهم القارئ: لا شك في ان الانفجار المعلوماتي الذي ترافق مع انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي تحديدًا، بات يفرض على القارئ ان يختار ما يود قراءته، فنحن عادة ما نقرأ حين دخولنا الى ملكوت هذا الموقع الالكتروني او ذاك، ما نراه مهما بالنسبة لنا، وفي حين انه يوجد هناك من يُفضّل المادة القصيرة ومن لا يهمه طول هذه المدة او قصرها، فانه هناك من لا يهمه هذا الامر ممثلا في القصر والطول، ويتوقّف عند أهمية المادة بالنسبة له. نحن باختصار نتوقف عند ما يهمنا من مواضيع وكثيرا ما نتجاوز سواها متعمّدين او مؤجلين قراءته، اما في العمق فان كل واحد منا انما يتوقف عند ما يهمه ويلفته من المواضيع، فادا كان هذا الموضوع دائرا حول كتاب في موضوع ما او رواية لهذا الكاتب الذي سبق وقرا له، او حتى عن مجموعة قصصية لكاتب سبق وقرا له ولفت اهتمامه، اقبل على قراءة ما كُتب ونشر. بناء على هذا نقول اننا نقرا في العادة ما يهمنا لكن دون ان نتجاهل ان ما يهم الجميع عادة ما يكون معروفا، لهذا اعتقد ان من يريد ان تحظى كتابته بالاهتمام المنشود، ان يحسن اختيار الموضوع الذي سيكتب فيه، وذلك دون ان يتنازل عما يراه متناسبا ومتلائما مع ذائقته الشخصية.

*ما الذي يثير القارئ فيما يكتب وينشر؟.. سؤال جوهري اعتقد انه يقلق كل انسان مفكر ويريد ان يساهم في اثراء الحياة الثقافية عامة والأدبية خاصة، وهنا أحاول ان أدلى برأي اراه خاصا في هذا الموضوع الحسّاس. اعتقد أولا ان ما يثير القارئ عامة هو ان ما يتناوله الكاتب في مطروحة الآني، غير ان التجارب تعلّمنا ان الموضوع وحده لا يمكن ان يكون هو عامل الجذب الأول، وان بدا للوهلة الأولى كذلك، وكما اجمع النقاد الادبيون والثقافيون في اكثر من فترة تاريخية وفي اكثر من كتابة وتصريح، فان الموضوع وحده لا يكفي، فالمواضيع والأفكار عادة ما تكون متوفّرة لدى كل الناس، وان الصياغة والشكل، هما ما يمنحان الموضوع أهميته، بمعنى ان الموضوع قد يكون مُهمًا جدًا غير أن طريقة صياغته قد تكون نيئة وفجة، الامر الذي يدفع القارئ للانصراف عنه قبل الانتهاء من قراءته له. صحيح ان عددا من المنظّرين رفضوا الفصل بين الشكل والمضمون، غير ان تمكن كاتب الموضوع زائد ميوله لا بدّ من ان تمكنه بالتالي من التفاعل المتعمّق، الامر الذي يمنحه تميّزًا لا بدّ له من ان يتمثل بالفرق بين كاتب وآخر، ونحن إذا ما ذكّرنا بأهمية التجربة المتعمّقة فيما نكتبه ونقدّمه لقرائنا، كما يذكر الناقد المبدع ليون ايدل في كتابه عن "القصة السيكولوجية"، بات من الواضح أن ما يثير القارئ في العادة هو الموضوع ذو الشكل المتقن والقائم على تجربة ومعايشة متعمقة للحياة وسابرة لأغوارها السحيقة.

*مع أي من المواد المنشورة يتفاعل القارئ في العادة؟.. سؤال هام جدًا طالما اقلق الكتاب، المتابعين والمهتمين، كما افعل حاليًا، لقد لاحظت من متابعات متواصلة ودائبة لما يُكتب ويُنشر في مواقع الكترونية، لصحف ورقية تحديدًا، ان التعليقات عادة ما تقلّ عما لا يفهمه عامة القراء، لا سيما عما يكتبه وينشره متخصصون او مدعو تخصّص في هذا الموضوع او ذاك، وهنا أتساءل عن علاقة الكاتب بالجمهور، فهل يمكث هذا مقيما في برج تخصصه العاجي؟.. ام يوجد الأسلوب الذي يمكنه من الوصول الى أكبر عدد ممكن من القراء، لا أدعو بهذا لأن يبسّط الكاتب المتخصّص مواضيعه الى درجة التسطيح الفجّ، بقدر ما ادعو الى اخذ من سيقرأ لنا من عامة القارء بعين الاعتبار، وعدم قطع العلاقة معه، ذلك ان من شان هذا القطع ان يعيدنا الى حيث مكثنا قبل الكتابة.. في عالم الغموض والغياب، يزيد في هذه النقطة تعقيدًا ما لاحظناه من متابعات يومية ومتواصلة لما يكتب وينشر يوميًا، ان هناك منشورات تقترب من قارئها وفي المقابل أخرى تبتعد عنه، اما كيف يتجلى هذا القرب وذاك البعد، فانه يتضح في كثرة التعقيبات على موضوع ما وانعدامها في الفراغ الأخير لموضوع ما.

ماذا اريد ان أقول من هذا كله؟.. أريد أن أقول ما سبق وقاله عدد من النقاد، اذكر منهم الناقد المصري المرحوم غالي شكري في كتابه "شعرنا الحديث إلى أين؟". وهو أن الكاتب الشاعر يُفترض ان يحافظ على علاقته بقارئه وألا يقطعها، لأن هذه العلاقة هي ما تُبقى حبل التواصل بين الاثنين، الكاتب الشاعر والقارئ، مشدودا مثل وتر يستقبل اليد العازفة بإبداع لا مثيل له، الى هذا أؤكد أهمية المحافظة على هذه العلاقة بين الاثنين لأن غيابها لا يعني الا دمارها واندثارها ولا مجّانيتها، وهذا ما يرفضه أي انسان عاقل، فكيف يكون الامر اذا كان الحديث يدور حول كاتب مثقف ويريد ان ينير مناطق معتمة في المعرفة الإنسانية وفي عقول المحيطين به ورؤاهم.

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم