أقلام حرة

علي حسين: هناك الكثير منهم!!

في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين الباحث الوسيم والعبقري المتميز، وتضيف: أنهما بعد أن أصبحا صديقين خلال العامين 1943- 1944 ذابت الفوارق بينهما تماماً.

ظلّ كامو يؤمن بأن متعة الحياة هي في تحدي الصعاب، فيما أصرَّ سارتر على أن حرية سيزيف مثل صخرته صماء "لست حراً أبداً إلا في المواقف التي أتخذها".

فأين هي المشكلة.. كان كامو يرى أن الإنسان يشبه سيزيف بطل الأسطورة الإغريقية التي تقول: إن سيزيف محكوم عليه بأن يحمل صخرة كبيرة إلى أعلى قمة جبل حتى إذا كاد يُدرك القمة، تتغلب الصخرة عليه فتخور قواه لتعود الصخرة من جديد إلى السفح، عندها يبدأ سيزيف – الإنسان – رحلة الصعود ثانية وثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية.. إن قيمة الحياة عند كامو هي في رفع الصخرة.

فسيزيف يعلم أنه محكوم عليه، وأن هذا الحكم لا رجعة فيه، ولكنه مع ذلك يرفع الحجر ويلاحقه إذا هوى، إنه يقاوم المستحيل، ويعلم انه يقاوم بلا أمل، ومع ذلك يستمر في مواجهة المستحيل، فيما رؤية سارتر تبدو أكثر ميلاً لمبدأ الاختيار: أنت حــر وإذن فلتختر." سارتر يفتش عن السعادة وكامو مهموم بالعدالة، وكان مأخذ كامو على سارتر أنه يرفض الواقع عبر معادلة "لا ضحايا ولا جلادون".

يكتب سارتر في رده على تمرُّد كامو، هل تعرف ما هو أقسى أنواع الظلم؟ أن تعدو لكي تبقى مكانك.. فعندما تخسر ما أنت فيه تكون قد تخلـَّفت إلى الوراء، والوراء لا حدود له.

ويردّ كامو: "لقد ترعرعنا على قرع طبول الحرب وتابعنا منذ ذلك الحين حكاية القتل والجور والعنف إلا أن التشاؤم الحقيقي كالذي نراه اليوم يكمن في استغلال هذه الوحشية والخزي في قهر الآخرين، لم أكن أنشد غير سبيل واحد لتجاوز العنف بكل أشكاله".

في مدن اللاعدالة والقهر نعيش مع ساسة يحوّلون الحق إلى ضلالة والحياة إلى مهزلة لا تنتهي فصولها حيث تغيب العدالة وتصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة أحلام الناس ومستقبلهم، لتتحول إلى شعارات وخطب .. نستعيد ما جاء في بطون الكتب فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود، وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض، دائماً محمّلين بأطنان من الأكاذيب وأكوام الخطب ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية!

في الصفحة الأخيرة من رواية القدر البشري يكتب اندريه مالرو على لسان بطلها جيسور: "لا بد من تسعة أشهر لصنع إنسان ويكفي يوم واحد لقتله" .ويسأله أندريه جيد لماذا لا يوجد أغبياء في كتبك؟ فيجيب مالرو مبتسماً: " إنني لا أكتب لكي أُثير الملل في النفوس، أما عن البلهاء فهناك الكثيرون منهم في الحياة " .

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم