أقلام حرة

أقلام حرة

الاوضاع العامة تشيرالى متغيرات على المسرح السياسي الدولي، الأمر الذي يستدعي تحديد هذه المتغيرات وتحليل أبعادها ومضامينها ومدى اقترابها او إبتعادها عن الأحداث التي تجري في ساحات الصراع في المنطقة وخاصة الملفات المهمة فيها .

 وقد أجمع كل من (أميركا وإسرائيل وأوربا) على قرار ينفذه الكيان الصهيوني في اطار استراتيجية متوسطة المدى تعني بمنطقة الشرق الأوسط التي تمتد من حافات المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي وتضم كل من تركيا وايران .

ويعد هذا الإجماع والهدف الذي تم تحديده، بعد طوفان الأقصى، ضرب مراكز القوة في المنطقة إثر حدث 7 اكتوبر الماضي، الذي كان لتأمين نظام الحكم في طهران من الإنهيار .. وذلك في معادلة غير محسوبة العواقب أو أن حساباتها غير دقيقة وربما مخترقة في شكل توريط افضى بتدمير القوة في جنوب لبنان وتدمير القوة في جبال صعدة وجزيرة حنيش اليمنيتين ووضع القوة المسلحة في العراق أمام حالة الردع القصوى .. الأمر الذي جعل المنطقة تواجه متغيرات متفق عليها أميركيا وأوربياً وإسرائيلياً ومحلياً عربياً تشدد على أهمية وضع مقيدات وضوابط (جيو- استراتيجية) تمنع التمدد او التوسع وتمنع الخرق وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة الغنية بالنفط .

وأحد اهم الخيارات الأستراتيجية ضبط عناصر القوة النووية الاقليمية في المنطقة، ومعالجة أدوات الخرق المضادة على وفق نظرية (الرأس والأطراف) وأيهما الأولي..؟ وقد اتضح أن هذه الاستراتيجية قد نفذت أولاً بالأطراف، حيث الحزب الأسلامي في لبنان والحزب الحوثي في اليمن والتنظيمات الإسلامية العراقية المسلحة تحت الضغط .. ومن المحتمل انتقال هذه النظرية من الأطراف إلى الرأس في حال الإنتهاء من المرحلة الأولى لهذه النظرية والتوجه لإجهاض الخط العسكري النووي السري جنوب بحر قزوين، شريطة انهاء حالة التمدد خارج حدود (الجغرافيا – السياسية) لدول المنطقة وعدم تهديد مركز المصالح الدولية المشتركة فيها والإلتزام بالتراجع خلف الحدودها الاقليمية المرسومة والإلتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى .

فهل ان هذه الإستراتيجية كفيلة بأن تضع قواعد جديدة للتعامل تتضمن قيود صارمة تمنع الإخلال بنصوصها وتمنع التسلل عبر مختلف الأدوات غير المبررة من اجل زعزعة الأمن الاجتماعي والاضطراب السياسي ونهب الموارد؟

المعادلة الإستراتيجية الجدبدة هذه لها ابعاد لا تتحمل التجزئة كما إنها لا تتحمل السلوك الإنتقائي ..!!

***

د. جودت صالح

12/10/2024 

 

رفضت هان كانغ، أول كورية تفوز بجائزة نوبل للادب، عقد مؤتمر صحفي، مشيرة إلى المآسي العالمية الناجمة عن الحرب بين أوكرانيا وروسيا والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ونقل والدها الروائي هان سونغ وون، البالغ من العمر 85 عامًا، رسالتها خلال مؤتمر صحفي حيث قائلا:"  قالت لي (هان) مع تصاعد حدة الحرب وقتل الناس كل يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمرا صحفيا؟ مؤكدة إنها لن تعقد مؤتمرا صحفيا".. وكان والدها قد صرح للصحفيين بانه لم يستطع تصديق الخبر في البداية، وعندما اتصلت به احدى الصحف قال للمراسل:" يبدو ان بعض الاخبار الكاذبة بدأت تضللكم "

وكان هان سونغ قد نصح ابنته بعد اعلان فوزها بالجائزة باختيار دار نشر لعقد مؤتمر صحفي،  في البداية وافقت وقالت له إنها سوف "تجرب الأمر"، ولكنها غيرت رأيها فيما بعد ..كما نصحت هان كانغ والدها بعدم إقامة مأدبة احتفالية في المدرسة الأدبية.

وكان الاب يخطط  لإقامة حفل في مسقط راس ابنته لكن الفائزة بنوبل طلبت منه ألا فعل ذلك. وقالت: "من فضلك لا تحتفل بينما تشهد هذه الأحداث المأساوية. لم تمنحني الأكاديمية السويدية هذه الجائزة للاستمتاع بها، بل لكي أحافظ على صفاء ذهني".

وكانت هان كانغ قد اعربت عن دهشتها بعد تلقيها خبر فوزها بالجائزة، وقال لابنها يبدو ان الامر مجرد خدعة . لكنها بعد ان تلقت مكالمة سكرتير جائزة نوبل قالت:" أنا مندهشة للغاية وأشعر بالفخر الشديد.. لذا آمل أن تكون هذه الأخبار سارة لقراء الأدب الكورى وأصدقائى وكتابى". واضافت:" عندما انتهت المكالمة الهاتفية مع سكرتير الجائزة، استعدت إحساسي بالواقع ببطء وبدأت أشعر بالامتتنان  "

واستقبل الكوريون الخبر بفرحة عارمة فى الشوارع بحسب تقارير إخبارية كورية، وبعد اعلان الخبر امتدت طوابير الزبائن خارج متاجر الكتب، وقالت أكبر سلسلة متاجر كتب في كوريا الجنوبية  إن المخزون من رواينها نفذ على الفور، كما ارتفعت مبيعات أعمالها  الروائية فى المكتبات الإلكترونية فى كوريا الجنوبية، حيث تم بيع أكثر من 130 ألف نسخة فى أقل من يوم واحد على منصتين رئيسيتين. وأفاد مركز "كيوبو" للكتب وموقع "يس 24" بان جميع جميع كتبها بيعت بشكل فوري، ولا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق الطلب المسبق.

***

علي حسين

 

البشر جميعهم، كلٌ ينظر الى الاشياء والاحوال من زاويته الخاصة .. والزوايا الخاصة لا تعد ولا تحصى، تتضارب وتتقاطع وتتساوى وتتصارع وتهادن وتعايش، وكل منها يشعر ويعلن انه الأمثل والأحسن والأقوى والأجدر والأجمل.. ومن هذا الزخم الهائج تنز الفوضى والصراعات وتحتدم الاضداد.

هل كل ذلك بسبب الدين كما يقول البعض؟ أم بسبب نوازع البشر ورؤيتهم للاشياء والاحوال من زواياهم الخاصة، ولا من يضبط إيقاع الرؤى لمنع الصراع من أن يبلغ مستوى العنف.

في الدين ضوابط اقوى من ضوابط الدنيا ومع ذلك يستمر الاحتدام وتستمر النوازع تحصد الشر اعتمادا على تلك الرؤى المنبثقة من تلك الزوايا الضيقة التي مبعثها البشر.

يقولون لولا الدين او الاديان لما كان هناك صراع بين البشر؟ فهو، في زعمهم سبب التطرف والعنف والتعصب، تحت ذريعة حماية أو الاحتماء بقدسية النص الالهي، وكأن الله سبحانه قد وزع تفويضاً على رجال الدين لكي يكونوا ظلا له على الارض و يعملوا كوكلاء، والاخرون تابعون صاغرون لا يمتلكون (الحقيقة) ولا يحق لهم الاعتراض، بل عليهم الطاعة وتقبيل ايادي الذين يفتون .

سبب الصراع والعنف لا يكمن في الدين، إنما في مدركات العقل البشري ونوازعهم الانانية والتفردية المتسلطة وإذا ما تم تشذيب هذه النوازع تتلاشى تقريبا تلك (المماحكات) والإحتكاكات والصراعات التي تظهر بهذا الشكل أو ذاك تبعاً لصرامة الموضوع أو الحدث.

فهل يستطيع الانسان ان يتخلى عن الايمان بالافكار والمعتقدات ..؟ فمن الصعب الإعتقاد بذلك طالما أن الكائن يحتاج إلى (أمل) للوصول إلى هدف قد يكون في صيغة معتقد .. فمن حق الكائن ان يعتقد بما يشاء ومن حقه أن يؤمن ايضا .. ففي الهند طوائف تعبد البقر وطوائف تعبد الفئران وطوائف تعبد فرج المرأة .. ومنهم من يتبارك بشرب بول البقر والإبل ، وهناك من كان يعبد الشمس والقمر والرياح في الزمن السحيق، وهناك من يؤله الإنسان ويعتقد بأنه إبن الله، وهناك من يرى الامام ظل الله على الارض وهناك من يرجح الإمامة ويرجح الاولياء الصالحين على الانبياء المرسلين، في ذكره وقيامه وجلوسه وترحاله والنبي موحى له من الله سبحانه، والأولياء والصالحون ليس موحى لهم . هم اولياء وليسوا انبياء ، هنا الفرق الذي يكرس الخلط الذي بدوره ينشأ الخطأ . الله يختار انبياءه ولا يختار اولياءه،  وهذه حقيقة جازمة لا غبار عليها ولا تشكل أية إساءه لا للأولياء  ولا للدين .

 الله والدين والسياسة.. هل من ترابط؟

التفكير السليم والمنطق العقلي يؤكد على ان الله سبحانه وتعالى مكانته في علاه خالق الكون .. وان الله لا يمتلك احزاباً سياسية ينشر من خلالها آياته ورحمته واحسانه وعدله على الناس .. فلماذا تأسست (احزاب الله) إذن؟ ومن اسسها؟ وهل كان ذلك بتفويض من الله؟ هل قال الله لعباده اسسوا لي احزابا على الأرض؟

كيف نضع اصبعنا على الاشكالية؟

هل الدين او الاديان هي سبب الصراعات الجوهرية أم أن الرؤى الضيقة القاصرة المعقدة للبشر هي السبب الجوهري للصراعات؟ وهل ان الاديان التي جاء بها الله سبحانه لكي يتصارع بسببها البشر وتسفك الدماء؟ أم جاء الدين او الاديان من اجل الهداية والرحمة والانصاف والعدل والمساواة بين البشر؟

اذن اين يكمن السبب؟ من الذي يبدأ ويباشر بالصراع والتناحر وارتكاب الأثم والفساد هل الدين أم الأنسان؟

- الأنسان قد يغالي ويكابر ويكذب وينافق.. أما الدين فلا يرتكب الإثم والفساد والكذب والنفاق.

- الأنسان قد يفتي ويزعم انه ظل الله على الارض، وان الله أوكله روحياً ومادياً ليحكم البشر بأسم الله، فهو (روح الله) و (وكيل الله) .. ولكن البشر، يأكلون ويشربون ويتغوطون ويتناسلون.. فكيف للإنسان أن يكون روح الله ووكيل الله ؟ وهل يحتاج الله إلى وكيل ينوب عنه ليحكم بغرائزه ويقود البشر كما يريد؟

- القدسية في الكتب السماوية التي انزلها الله سبجانه على انبيائه الكرام وخاتمتها القرآن الكريم المنزل على النبي الكريم محمد (ص).

فالبشر ليسوا مقدسين، قد يكونوا صالحين في تفكيرهم وسلوكهم ونتائج أعمالهم يسمونهم مصلحون ومفكرون وعلماء وناسكون في الصوامع والكنائس والجوامع، ولكنهم غير مقدسين لكونهم بشر، والبشري ليس مقدساً إلا الذي يوحى له حصراً وهو النبي .

- في ظل الرسالة النبوية الشريفة كان النبي الكريم يجمع بين سلطتين (دينية ودنيوية)، وحين توفاه الله لم تعد هنالك سلطة دينية، إنما دنيوية ممثلة بسلطة الإدارة وهي سلطة سياسية انتجت بعد الوفاة صراعات على الحكم وإدعاءات بالأحقية وكلها رغبات (دنيوية- سياسية) ما تزال الشعوب تعاني من ويلاتها لحد الآن، عدى بعض الدول التي: فصلت الدين عن السياسة وإستخلصت روح الدين وهي (العدالة والإنصاف والمساواة في الحقوق والواجبات) وطبقتها في تشريعاتها الادارية والمدنية واكدت على السيادة والاستقلال الوطني وتمسكت بمبدا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واتخذت مسار عدم الانحياز لأية قوة دولية أو إقليمية. وباشرت بالتنمية المستدامة ونوعت مصادر الاقتصاد والتسلح وطبقت مبدأ المعاملة بالمثل.

- المبدأ الأول لتطور الدولة هو فصل الدين عن السياسة،  إذ لا يجوز لرجل الدين ان يقحم الدين في السياسة ولا يجوز لرجل السياسة ان يستخدم الدين اداة في السياسة.

- المبدأ الاول لتطور المجتمع هو فصل الدين عن السياسة.

- عمل رجل الدين في اروقة المساجد والجوامع والمعابد .. وعمل رجل السياسة في اروقة مؤسسات الدولة السياسية كالبرلمانات والرئاسات والوزارات .

هذا هو الطريق الأمثل لنجاة الدين ونجاة الدولة من التداخل والتفسخ .. فالدولة الدينية لا تعيش طويلا  بسبب احتكار السلطة وتكفيرالآخر والتسلط والتحكم .. والدولة السياسية لا تعمر طويلا إذا ما ابتعدت عن توفير حاجات الشعب ومتطلباته الاساسية (الغذاء والدواء  والأمن والأمان والحياة الحرة الكريمة).. وتعد هذه المتطلبات المحك الذي يبقي أو يزيل الحكومات في أية دولة، وهو في حقيقته قانون واقعي - اجتماعي يتسم بالتوازن، حتى إذا وفرت الحكومات الغذاء والدواء وأخلت بالأمن والأمان أو بالحرية والاستقلال الوطني، فإن بقاء هذه الحكومات غير مضمون، ولا يعمر طويلا.

العالم يخلو تقريباً من حكومات دينية وذلك بحكم الواقع السياسي الدولي والظروف الموضوعية التي لا تسمح بذلك. فيما تمارس حكومة دولة سياسات استراتيجية وتعلن نفسها دولة دينية .. ومن هذه الزاوية تنشأ (الإزدواجية) في النظرية والتطبيق .. فلا هي دولة دينية ولا هي حكومة سياسية .. الأمر الذي يجعل التعامل معها أمراً معقداً وفي غاية الصعوبة، كما انها تبقى مصدرا للإرباك وتشويش قواعد التعامل السياسي والدبلوماسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي في محيطها القريب والبعيد.

والتساؤل هنا ما هو مستقبل دولة الازدواج في المنطقة؟ هل تبقى على حالها كما هي تريد او كما يراد لها ان تبقى؟

هي طبعاً تريد ان تبقى وتستمر .. ولكن المتغيرات تشير إلى ان إزدواجية الدولة الدينية من الصعب تقبلها في محيطها السياسي القريب ولا البعيد بحكم تغير الظروف الموضوعية التي لن تعد تسمح .!!

***

د. جودت صالح

7 / 10 / 2024

 

الكلمة نور، والفكرة نور، تصنعان فضاءات أنوار في عبارات ذات حضور.

الكلمة الطيبة صدقة، والفكرة الراجحة بركة، والقول الصادق منار، والرأي الصائب مسار.

ما أغلى الكلمة، تحمل فكرة، تبني أجيال عطاء، تنبت براعم نماء.

نحن بلغتنا، وما يفرقنا عن مخلوقات الدنيا، لساننا الذي نتخاطب به، ونعبر عما يعترينا، ونبوح لأنفسنا ولمعيتنا، ونحوّلها لأبجديات نخط بها إبداعاتنا.

ونسعى بسفينة اللغة، نبحر في فضاءات الوجود، نطارد خيط حقيقة، وسراب دراية، وضباب معرفة، وهشيم يقين.

النور الساطع مجهول، الحندس الداجي المشؤوم معلوم، الناس ترحب بالأكاذيب والأضاليل والبهتان، وتخشى قول الحق، وتعادي الصادقين، فالكذب مشروع حياة أمين.

الغيب قائدنا، وأدعياء الدراية به، يتبعهم الجاهلون، ويحف بهم المغفلون، البائسون اليائسون المضمخون بالقنوط.

علاّم الغيوب واحد، ومن البشر ألف واحد وواحد.

الأنوار تعمي العيون، وتبلد البصائر، وتزعزع النفوس، وترتج لها الأرواح، وترتعب القلوب.

كنت أبحث عن حبة نور في بيدر عتمة، وعن يدٍ بيضاء تخرج من جيب الظلمة، لكن الأرض أجّت، والنيران على رؤوس الأعلام حطت، فغصتُ في رمال الغيبوبة، أطارد ذاتي المسلوبة.

بدأت الأيام كمشعل أمل، وعزم واعد، وإشراقٍ فياض لا يعرف الغروب، فدحرجها الدوران على سفوح المجهول، فأوت في كهف مغفول.

تأملتُ النور الباهر، والإبداع الزاهر، وارتويت من حُلمٍ عامر، وحلقت في أكوانٍ إلى العروش تسافر، فرأيت ما رأيت، وانكشف غطاء البصر، وتاه النظر!!

وقال الإبداع إلى أين المفر!!

فلماذا غابت المحبة وعمّ الخصام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في التاريخ الإسلامي تعتبر نكبة البرامكة أشهر وأعظم وأشّد النكبات التي طالت أناس وشخصيات كانوا مقربين جدا من الخليفة، ومُدللين في البلاط الحاكم، فكانوا يأمرون وينهون ويُستشارون في كل أمور مهمة تخصُ الدولة ويشاركون الخليفة في مجالس لهوه وأدبه ! ..

وإن اختلف المؤرخون في القديم أو في عصرنا الحديث حول تحديد أسباب نكبة البرامكة المفاجئة، والعنيفة، غير أن الراجح أن أسبابها سياسية ذات علاقة بالتجاذب العربي الفارسي في ظل الخلافة العباسية في سنينها الأولى تحت حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد...

وبعد قرون من تلك النكبة، وبعد أحداث جسام ودمار تعرضتْ له بغداد حدثت نكبة أخرى تساويها وتماثلها، وان كانت في بلاد فارس في ظل حكم المغول، لكنها طالت أيضا أناس وأفراد كانوا مقربين جدا وذوي نفوذ في البلاط الحاكم!..

والضحية كان شخصيةً فذّة اسمه شمس الدين الجويني، وهو رجل دولة كبير خدم المغول الايليخانيين في فارس، منذ فترة حكم هولاكو خان، ثم ابنه أباقا خان فحفيده أرغون خان، ووزّر لهم على مدى تسعة وعشرون عاما، وكان الوزير الأعظم والشخص الأول في دولة المغول الايليخانيين ...

وبسبب الصراعات السياسية داخل البيت الحاكم والوشاية والحسد ناله الشرر المتطاير من تلك الصراعات الدامية فقضى عليه ..

وقف شمس الدين الجويني مع أحمد تكودار ضد أرغون بن أخيه أباقا خان، غير أن أرغون استطاع هزيمة أحمد تكودار و القضاء عليه، فقرب من وقفوا معه وأبعد من وقفوا مع عدوه، بل وانتقم منهم ـ، وكان من بينهم شمس الدين الجويني الذي ألصقت له تهم كثيرة، فلم يستطع الدفاع عن نفسه اذ حاصره التآمر والحسد ..

قٌتل هو، وأولاده وأحفاده وأخوته ....

***

عبد القادر رالة

الإدْلاء من دلو، وكل يدلو بدلوه ليغرف من بئر الويلات، ويسكبه في نهر الحياة الصاخب، فتختلط الأشياء وتضيع الملامح، وتنطمس العلامات الفارقة، ويشرب التراب عصير الملمات.

يكتبون، وعلى المنابر يصدحون، ويقولون ما يقولون، ولن يدوم إلا ما ينفع الناس وتأنس به الأرض، وغيره يذهب جفاءً.

فلماذا التأوف والتأفف من سيل المنشورات الدافق، دع الزهور تتفتح، والقادرة على بث عطرها ستبقى، والتي تذبل وتذوي ريحها ستندثر، فتلك طبيعة الأشياء وديدن الدوران والإنطلاق.

الأيام "تغربلنا"، وتعرينا، فلا خوف من المكتوب والمنطوق، فالزمان حَكم عادل، وغرابيل العصور تعزل الغث عن السمين، والباقيات أقل من الذاهبات، فالكثرة توجد القلة المتميزة، وكلما زاد العطاء برزت الطاقات الأصيلة القادرة على الحياة.

أتعجب من الذين ينزعجون من كثرة الإبداع وتنوعه، مهما كانت مستوياته، وكأنهم ينحسرون في زوايا حادة، ويحسبون كل شيئ يجب أن يكون جيدا، وهذا منافي لطبيعة الأمور، فنهر الحياة ليس زلالا صافيا، بل تختلط فيه الأشياء وتتمازج، ويشذبها الجريان.

المكتوب والمنطوق يعبّر عن المطمورات الفاعلة في النفوس، ويتعرى أمام شمس الألباب فيعرف مصيره ويستيقظ من غفلته وأفونه، وما أكثر الذين إستعادوا رشدهم بعد أن فقؤا دماملهم المتقيحة في دنياهم، فالدمامل لا بد لها أن تنفجر ليستريح صاحبها من ندسات أوجاعها.

فاطلق ما عندك ولا تتردد، وضعه تحت أضواء الآخرين، لتكتشف الخطأ من الصواب.

فهل لديك الجرأة على إندلاق ما فيك؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

.. وانا احضر مناقشة رسالة زميلنا الاثير الاستاذ شاكر حامد الخاصة بالمراسل الحربي، التي شهدتها قاعة الادريسي بكلية الآداب في بغداد الاثنين ٧ / ١٠ الحالي بحضور نخبوي كبير، خرجت بنتيجة ان هذا النوع من العمل الاعلامي، هو الأهم في مسيرة الاعلام   حيث يتطلب من المراسل الحربي الكفء، معرفة جيدة بالقوانين والمواثيق الدولية، وطبيعة الصراع في المناطق الساخنة التي ينقل احداثها، وقدرة على تحمل المشاهد الدموية التي تكثر فيها، واطلاع مسبق على حيثيات ظروف التحديات المتقابلة بين اطراف النزاع ..

لقد حملت رسالة الاستاذ شاكر حامد عنوانا عميقا في معناه هو (الوعي المهني وعلاقته بدافع الانجاز لدى المراسل الحربي) وقد دافع عن طروحات ما جاءت به رسالته بشجاعة الواثق من نفسه، فقد جمع في مضمون الرسالة تجربته  الشخصية المعاشة في التغطيات التي قام بيها بوصفه اعلاميا متميزا في الاعلام العراقي والعربي والعالمي ..     

 الرسالة اخذت الجانب النفسي في عمل المراسل الحربي، وبذلك يمكن القول انها اول رسالة اكاديمية عن المراسل الحربي تقدم في علم النفس، وقد حصلت على الامتياز أثر المناقشة العلمية  التي قامت بها لجنة المناقشة  المكونة من : ا. د خليل ابراهيم رسول  وأ.م . د كمال محمد سرحان عضوا ومشرفا و أ. د طه جزاع  وأ.م. د عباس حنون الاسدي ..

إن المراسلين الحربيين يرون أن من واجبهم الاقتراب من  الساحات الساخنة، لنقل ما يجري بها للعالم من خلال شاشات التلفزة  او التوثيق السينمائي، في جانبيها الإيجابي الخاص بتضحيات الجنود والمدافعين عن الإنسان والوطن، أو الجانب السلبي الذي يتعلق بالانتهاكات التي تطال المدنيين، رغم أن بعضهم  ليسوا من أطراف النزاع..

لقد اشار الزميل شاكر حامد، في رسالته المهمة الى شروط ينبغي تواجدها  في المراسل الحربي ، منها أن يكون محترفاً في مهارات العمل الاعلامي، وعلى دراية بمتطلباته على المستوى الشخصي" النفسي" والمستوى المجتمعي، ومحب  لدوره الاعلامي، فالمراسل الحربي يضحي بوقته وسلامته وأمنه أكثر من غيره ؛ فهو اعلامي جسور، يخوض الصعاب بتجرد ومهنية، وينطلق في عمله الصعب والخطير  برصانة وأمانة، معتمدا في نجاحه على المصداقية والموضوعية، فعبرهما يستطيع إيصال المادة الخبرية بصيغة يمكن الوثوق بصحتها وتصديقها، بعيدا عن الإثارة المصطنعة، انطلاقا من رؤيته بأن الاعلام رسالة مقدسة..

ان ذاكرتي مشبعة بقراءات سابقة، تشير الى اسماء مهمة في حياتنا العربية والعالمية، لشخوص خاضوا مهام المراسل الحربي، ونجحوا فيها، واهم الاسماء في ذاكرتي هي  الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل، الذي عمل مراسلا حربيا لتغطية أشرس معارك الحرب العالمية الثانية  لصحيفة "إيجيبشيان جازيت" في العام 1942.. وكذلك الكاتب الأميركي الشهير "إرنست همنغواي" حيث بدأ مسيرته المهنية بتغطية صحفية من ساحات نزاع في النصف الأول من القرن المنصرم.. وايضا "ونستون تشرشل" الذي قاد بلاده " بريطانيا" أثناء الحرب العالمية الثانية، كان قد عمل أيضا مراسلا حربيا، حيث رافق باعتباره مراسلا حربيا، الحملة المصرية الإنكليزية التي توجهت إلى السودان في أواخر القرن الـ19 للقضاء على الدولة المهدية وإعادة سيطرة مصر على السودان، كما عمل مراسلا حربيا أيضا أثناء حرب "البوير" في جنوب أفريقيا عام 1899..

مبارك لأبي عشتار، منجزه الاكاديمي، متمنيا له دوام السرور والنجاح الدائم .

***

زيد الحلي

دَعَّنيَ المَلَكُ الى بَابِ جَهنَّمَ دَعَّاً، فأستَغثتُ مِنهُ مُتَأوِّهَاً؛ "وَيْلَاهُ". وإذ كانَ مَلَكٌ غَليظَ القَلبِ شَديدَ البَطشِ ذا وَجهٍ قَبيحٍ، وبالشَّرَرِ كانَت تَنفُثُ مُقلتاهُ. فقُلتُ للغَليظِ عندَ عَتَبَةِ بابِها مُتَأفِّفَاً بالوَاهِ والأوَّاهُ؛ "هَلّا سَمَحتَ ليَ أن أسألَ رَبَّكَ سُؤالاً لا ثانيَ لهُ في صَداهُ". وقُبَيلَ أن يَركلَنيَ الملَكُ نَادَانيَ اللهُ؛

"سَلْ يا عَبدي ولَا تَخَفْ فإِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ كلَّ دَبيبٍ في مَمشَاهُ وفي مَسراهُ".

فَصَرَختُ مِن فَوري مُتَرشِّحَ الجِبَاه مُتَكَلِّحَ الشِّفَاه؛

- لمَ خَلَقتَ الشَّرَ يا اللهُ؟

- كي أمُنَّ عَليكَ بالخَيرِ وأنِّيَ أنا العليمُ الحكيمُ اللهُ. أفلم ترَ الى أسى الدَّاءِ وأذاهُ، وكيفَ يَردفُهُ هناءُ الشِّفاءِ وبَهاهُ. وأنّى لكَ أن تشعرَ ببَهجةِ الخيرِ مالم ترَ حَذوَكَ وَهجةً من الشَّرِ في فَناه.

- وهل لمِثلِكَ يا رَبَّاه، حَاجةً في أن يَلتَفَّ لِيَمْنُنَ على مَخلوقٍ مثليَ واهٍ لَاهٍ في جَفاهُ، وإنَّكَ لأنتَ الرَّبُّ العَليُّ، والمَلِيكُ الغَنيُّ، وأنتَ الإلهُ اللهُ.

- أجل، إنِّيَ أنا اللهُ الغَنِيٌّ عَنِ كلِّ مَوُجُودِ حين نَهارِهِ في مَسعَاه، وحينَ هُجوعِهِ في ليلاه. أمَ حَسِبتَ أنَّ نَقرَاتِ الدِّيكِ التي كنتَ تَسجُدُها لي كانَت تَعَبُّداً و"صَلَاة". أوَلم تَعلمْ أنَّكَ كنتَ مِن قبلُ في جَنَّةٍ لا تَجُوعَ فيها وَلَا تَعْرَىٰ، ولَا تَظْمَأُ وَلَا تَضْحَىٰ من فَلاة. ورُغمَ أنَّكَ كنتَ فيها كائِناً مُخيَّراً غَيرَ مُسَيَّرِ الفِكرِ في خُطَاه. ورَغمَ أنَّكَ فيها كُنتَ بائِناً غيرَ مُكَلَّفٍ بحجٍّ ولا زكاة، ولا صِيامٍ ولا نَقراتِ دَجَاجَةٍ تَحسَبُها صَلاة. ورَغمَ أنَّ الخيرَ كلَّهُ كانَ قد أحاطَ بكَ هنالكَ في فَضاهُ، وما كانَ من شَرٍّ هناكَ قطُّ ولا تَأفُّفَ من نَاه، ولا تأوُّهَ من شاهٍ بآوَّاه. وبالرغمِ من كلِّ أولئكَ فإنِّي ما سَألتُكَ عِبَادةً فيها وإنّيَ الغَنيُّ عن نَقَراتِ دِيَكَةِ يَحسبُونَها صَلاة، وإنَّما نَهيتُكَ عن ثَمَرِ شَجَرةٍ واحدةٍ وتَرَكتُ لكَ ما سواهُ، فارتَكبتَ وما انتَهيتَ وكنتَ فيها غَيرَ مُتناهٍ، فزالَ عَنكَ الرَّخاءُ والاعتِبارُ والجَاهُ.

- إي واللهِ ربَّاهُ، حقَّاً إنَّ الشَّرَ ما كانَ مَخلُوقاً في أوَّلِ جَولَةٍ من جَولتينِ قد خَلَت من حَياة، وأنا ما رأيتُ شرَّاً في أولاهما قطُّ وما لمحتُ خيطاً من أسَاه، ولومَا مَعصِيَتي لمَا هَبَطتُ في إختِبارٍ عَسيرٍ على كثبانِ الشَّرِ ورُباه. وحُقَّ عَليَّ اليومَ أن أنطَّ طَواعِيةً من فوقِ عَتَبَةِ بابِ الجَحيمِ ذا لأكتَويَ بِلظاهُ.

- بلِ استَدِرْ يا عَبدي بِرَحمَتي، وعُدْ الى دَارِ السَّلامِ وسَناهُ، وحَيثُ الجَولَةُ الآخرةُ التي لا جُوعَ فيها وَلَا عَرْيَّ، ولَا ظَمَأَ فيها وَلَا ضَحْواً في فَلاهُ. ارجعْ فادخُلْ دَارَ السَّلام وحيثُ الخيرُ كلُّهُ بكَ سيُحيطُ في رَفاه. وحيثُ لا شَرَّ أبَداً هَهُنا في ثراهُ ولا في فَضاهُ. وحيثُ التَّسبيحُ بحَمدِيَ يكون إلهَاماً ههُنا في هُداه، تَتَوَهَّجُ بهِ الجِباهُ وتَتَلَهَّجُ بهِ الشِّفاهُ. وما مِن هالِكٍ سوفَ يَأكلُ من شَجرةٍ ويَتَخاتَلُ في هَواه، فلا اختِبارَ بعدَ اليومِ من نَقرَاتِ دِيَكةٍ حَسِبتُموها عليَّ صَلاة.

- ما أرحَمكَ رَبَّاهُ! ما أرحَمكَ يا رَبَّاه! ما أرحَمكَ رَبَّاهُ!

ثمَّ التَفتُّ الى الغَليظِ الشَّديدِ فرأيتُهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً من خشيةِ الله، ومُنذهِلاً من رَحمةِ رَبِّيَ الكريمِ سُبحَانهُ وجَلَّ في عُلاهُ. ثُمَّ انقَلبَ وجهُهُ القَبيح الى وجهِ فَجرٍ رَبيعيٍّ في نداهُ، ثُمَّ تَلا الغَليظُ بعدَما عادَ لهُ رباطَ جَأشهِ واستَعادَ قواه، تَلا آيةً كأنّي ما سَمِعتُ بها من قبلُ، فتَلوتُ بَعدَهُ ما تَلاهُ؛

"قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا". آية 77 - سُورَةُ الفُرقَانِ.

***

علي الجنابي

واحد وخمسون عَامًا علي حرب اكتوبر 1973، وعلي أكبر معركة جوية بعد الحرب العالمية الثانية، فوق قريتنا التي استمرت حوالي 55 دقيقة،  وعلي ضرب حقول قريتنا وتفريغ القاذفات والقنابل، وصهاريج وقود الطائرات الإسرائيلية في أراضي (حوض الطويل) كلما اقتربت من المكان والذكري والزمان، وصرخات وعويل النساء والأطفال يوم ان استشهد جارنا احمد البسيوني في الحقل نتيجة قاذفة، ذاكرتي حاضرة تبحث في الآثار عن الذاكرة المفقودة، عن الحب والألم وهي آثار لا ترى لكنها لا تُمحى من الذاكرة..

للآسف أصبحنا أبناء الغيوم العابرة.. وكأننا أمام فيلم" رحلة النسيان"، الريح تمحو آثار حقول القطن.، والأمطار تمحو آثار خطىٰ البشر…

والشمس تمحو آثار الزمن. نحن الذين ولدنا في حقول القطن في يوم مجهول، وسنوات مجهولة، من أمهات بلا شهادات وتاريخ ميلاد، ومن آباء هبطوا من الغيوم، وماتوا دون أن يعرفوا متى عاشوا، هل كانوا أحياء أو موتي علي الأرض.. انطفأوا كنيازك في الظلام، كما سننطفيء يومًا..سكنا في وطن لا نعرف لمن، وحارب الأهل دون أن يعرفوا لماذا…؟ وقتلنا دون ان نعرف السبب وأحببنا ببراءة بلا أهداف..

ومشينا علي جسور النهر والترع والمراوي، كما يمشي الغرباء في الشوارع، وجلدنا بالفلكة في المدارس لأننا حاولنا أن نكون كما نريد لا كما يراد، وسكنا في بيوت من الطوب الاخضر وغرف مجاورة مع حظائر المواشي والطيور..، وخرجنا نهتف ونغني :وطني حبيبي وطني الغالي "وهتفنا خلي السلاح صاحي "

وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة "

” نحن الذين كنا نباع في الصباح وفي المساء من نظام الى آخر كما تباع الأغنام، نحن أبناء الغروب والتراحيل والمعدومين وأبناء العتمة والغياب والصمت نطوف حول شارع داير الناحية، نغني في المساء ونحن أطفال " طفي النور ياولية احنا عساكر دورية، خوفًا. وتحذير من قصف الطائرات لقريتنا التي تقع داخل الحزام الحدودي للقاعدة الجوية، وقواعد للدفعات الجوية والصاروخية عام 1970 ونحن في الصف الاول الإبتدائي بعد غارة وضرب قاعدة للصورايخ في حرب الإستنزاف، نغني وعرفنا القاعدة الصاروخية بين الزمار والمنشية، استيقظنا علي دق شباك حجرتنا جارنا "محمد الغزوازي "ينادي علي أبي " عبد الناصر مات " خرجت قريتنا تودع الزعيم "جمال عبد الناصر" عن بِكرَةِ ابِيهَا..ولم يمضي سنوات كنا نمزق صور الزعيم ناصر..بعد كل إنقلاب في الوطن العربي..في الصباح نعرف ان انقلاباً حدث وقتل رئيس وجاء آخر.. ومناهج جديدة ونشيد وطني جديد وصور في الشوارع وعلي حيطان المنازل وقوانين جديدة، كيف يتوازن ونحن اطفال على قيم ومبادئ وتقاليد ومناهج متغيرة كل مرة…؟

تربينا علي فيلم /الرصاصة مازالت في جيبي / ولكن في عصر المسخ نصحوا محمد افندي أن يضع الرصاصة في مؤخرتة كعلاج جديد للبواسير،، قبل الإفطار كنا نتجمع أمام مسجد الخفاجية في قريتنا كل يوم من شهر رمضان من كل عام،  بعد صلاة العصر، حتي رفع آذان المغرب، علمنا بعد صلاة عصر يوم/ 6 اكتوبر من المرحوم /الأستاذ رياض فهيم/ تجمع الأهالي حول الخبر ونحن أطفال ننتظر صعود الشيخ" محمد عرفة" بالصعود علي سطح المسجد لرفع الآذان للإعلان عن موعد الإفطار في رمضان..وقفنا نسمع من الأستاذ رياض قال :سمعت من نشرة الأخبار أن جيشنا العربي دخل في حرب وصار في أرض أخرى، ونحن اصبحنا جنُوداً ونحن اطفال بدعوة الاحتياط قبل نزع سراويل ملابس المدارس،

لم نكن نعرف لماذا..؟ ثم علمنا ان جيشنا عبر البر الشرقي للقناة ثم سُحق في الحرب وثلث جنودنا لم يعودوا. ومحاصر الجيش الثالث في منطقة "الدفرسوار. ولم نعرف لماذا انتصرنا ولماذا هزمنا، ولا لماذا لم يعد جنودنا ولا أين ذهبوا..،

وطلب منا الذهاب للاحتفال بالهزيمة بثياب النصر…، لم نعرف لماذا حوصرنا في حرب اكتوبر وهل كانت حرب تحرير او حرب تحريك..؟ ولماذا نتساقط في الشوارع من الأمراض بلا دم…؟

حرمنا من الأسئلة ومن الأجوبة، ومن الصمت، ومن الكلام ومن الحلم، ومن النوايا” السيئة” وحتى من الأحلام “المعادية”وتحولت أجسادنا الى حقل للآمراض المتوطنة وحتي من الأحلام …،،

ونتجول في شوارع قريتنا.. كهايكل صامتة رغم ضجيج الفوضي العارمة في الشوارع..،، ثم قالوا لنا “الأعداء قادمون “من خلف الحدود وعلينا الإستعداد لحرب لا نعرف عنها شَيئًا. وأهداف لا نفهمها وأن ندافع عن وطن كنا أطفال فيه بلا كرامة نحن يتامى التاريخ والاوطان والسياسة والأرض والثروة والمستقبل، نحن مثل ركاب قطار مات سائقه ولا ننتظر سوى الإرتطام الأخير، متى يأتي الإرتطام الأخير كي تنتهي هذه الحكاية المملة…؟كنا محرومين من السؤال ومحرومين من الجواب، لأننا قبل زمن الآلات الحديثة، بُرمجنا على الصمت وعلى النسيان، نسيان كل شيء حتى من نكون ولماذا نكون لأننا أشياء، لأن هناك من يفكر ويخطط ويحلم ويتوهم بالإنابة عنا… فخرج الرئيس السادات علي شاشات التلفزة ليعلن للعالم أن حرب اكتوبر أخر الحروب.

نحن الهامش الفائض عن الحاجة والرقم في بلاغات القتلى العسكرية. وفي خطابات الأحزاب وفي احتفالات القادة:” نحن حزب المستضعفين في الأرض “،

لم نسقط في معركة حرية ولم نُقتل ونحن في الطريق الى تاريخ مختلف، ولا ولادة حكاية حياة جديدة تبزغ غَدًا إجتياح بيروت عام 1982 وضرب مفاعل العراق وضرب مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في مذبحة شط الحمامات في تونس،  وكان الغد اسوأ بل قتلنا تحت الأحذية في السراديب وخلف الأسوار العالية.. دون أن يحمل أحدنا سر ثورة في ميادين ديار العرب في خريف ثوراتها.. نحن أبناء الغيوم نجلد كل يوم تحت عصي التاريخ والخطباء والقادة والدول الشقيقة والصديقة، والبعيدة والقريبة والغنية والفقيرة، والأحلام المتفسخة، والشركات الحقيقية والوهمية والبرامج والأوهام والعصابات والمرض، وتمص شرايينا بكامل الصحو والعلنية وأطفالنا يبحثون في ركام المعارك عن دفتر وقلم وفي المزابل عن مستقبل لن نشارك في صنعه وحياة لا علاقة لنا بها، وأرض لم يعد يربطنا بها سوى الحذاء…،

ماذا حدث في خلال نصف قرن من تغيرات منذ حرب اكتوبر …! نعم هناك حدث إنقلاب في المجتمع مجتمع بلا اخلاق ولا قيم.فالأخلاق قبل الحضارة كما تعلمنا، كنا نذهب الى حفل العرس بكل صفاء ونذهب في موكب الجنازات بكل صدق، نتألم مع من في حالة مخاض وولادة متعثرة، ونمشي في جنازات الغرباء باكين حزن الغرباء، نحن الوجع المخفي بالكبرياء والدموع الحبيسة والخوف المزمن.،

من نحن أبناء  الغيوم..؟

في ذكري حرب اكتوبر..ماذا يحدث الآن في {غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان} أين العراق الممزق، أين اليمن السعيد، وليبيا، واين فلسطين ولبنان والسودان حرام والف حرام.، تعيش امة بعد نصف قرن من حرب اكتوبر بلا هوية، تدافع عنها أمة الفرس، فمتي يعلنون المزاد عن بيع كل ديار العرب، مقابل حذاء طفل تحت الانقاض في غزة..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث / مصري

 

يتم تصوير ما تمر به البلاد وتعانيه العباد، وكأنه لم يحصل في الدنيا من قبل، وبأنه نهاية كل شيئ ولا يمكن الخروج منه والإنتصار عليه، فكل السبل مسدودة وعسيرة، وعلينا أن نذعن للمستحيل ونستسلم ونستكين.

بينما المدون في التأريخ من النواكب والمصائب والويلات يفوق ما تمر به البلاد وتعانيه العباد مئات المرات، وتحقق تجاوز تلك الصعاب الهائلات وبناء الحياة.

فالمجتمع يمر بمراحل عسيرة وفترات نكداء، ومظالم وقهر وفساد وإستهتار بالقيم والأخلاق، وتم إستخدام الدين فيها لشتى الأغراض والتطلعات االدنيئة، والنيل من المواطنين وإستعبادهم والمتاجرة بوجودهم.

البلاد والعباد مروا بأصعب مما هو قائم وانتصروا عليه، وحل اليسر بعد العسر الأليم والحكم السقيم.

وبغداد من مدن الدنيا التي تعرضت لأشرس الهجمات في التأريخ القديم والمعاصر، وتمكنت من الخروج من محنتها ومواصلة مسيرتها الحضارية، فمنذ هجوم التتار عليها سنة 656 هجرية، وما قبل ذلك وبعده، ومتواليات الهجمات لا تنقطع عنها، وهي الصابرة المحتسبة المؤمنة بقدرتها على تجاوز الملمات وردم مستنقعات التداعيات، وما حصل فيها منذ بداية القرن الحادي العشرين قد جربته وعانت منه على مر العصور.

إن الأقلام التي تكتب عن الواقع بيأس وقنوط لا تقترب من الحقيقة، وتتمادى في الوهم الداعي إلى السوداوية، والإحباطية والكمون في خنادق التعادي والبغضاء، والتستر في أقبية ظلماء تحجب النظر.

على الأقلام التي تكتب بمداد التحدي والإصرار على التقدم والرقاء، وتجاوز العقبات والإنتصار على كافة أنواع المحبطات، والسلوكيات المنحرفة الفاسدة الخرقاء، فلن يدوم إلا ما ينفع الناس، أما ما يشذ عن القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد فذاهب إلى بئس المصير.

وإن الشمس ستشرق من جديد، والأجيال الواعدة لصاعدة ومنتصرة على كل جبار عتيد!!

***

د. صادق السامرائي

10\1\2022

 

نصوصنا الشعرية مكتوبة بمداد الدموع والدماء، وتغرف من أغادير اللوعة، ونستلطف نيران الأنين، وتتمادى في التشكي والمظلومية والنواحية، وتمعن بالرثاء والتوجع على الأطلال، والتأكيد على أن الذي فات خير مما هو آت.

ما يعجبنا من الشعر الذي يذم الحياة ويتغنى بالفقدان والحنين للماضيات، فالبارحة في أشعارنا سيدة الكلام.

والمعضلة أن الشعر لا يمكن تعريفه بسهولة، فأصبح القول بأن المكتوب شعر يعتمد على الذي دوّن الكلمات كما يرى على أنها شعر، خصوصا في الزمن الذي إختلط فيه حابلها بنابلها، وما عاد الفرق بين النثر والشعر، وكأن الإيقاع لا قيمة له، والوضوح ضعف، والغموض وإضطراب الأفكار أم الشعر وأبوه.

وبموجب ذلك، صارت البوحيات بأنواعها تُنشر على أنها الشعر، فتقيأ ما فيك على السطور وتوهم بأنك تكتب شعرا.

وما دامت الدموع غزيرة والويلات كثيرة، والأحزان وفيرة، والنفوس كسيرة، فاكتب بأبجديات الوجيع ما تسميه شعرا.

كلمات دامعة، وعبارات نادبة، يتصاعد منها التأوه، وتحترق السطور من حسراتها، وكأننا في مسيرات ندب وعويل، ولا نريد الخروج من خنادق المآسي والويلات المتواليات.

فهل أن الشعر لإرساء وجودنا الكسيح؟

لكي نخرج من ظلمات الأيام، علينا أن نوقد مشاعل إرادتنا، ونحمل شموع الأمل، وعزيمة التفاؤل والإصرار على أن نكون ونعاصر، فلنتحرر من المفردات الداعية للإستسلام والقنوط.

فهل نستطيع الكتابة بمداد الحياة الحرة الكريمة؟

وليسمي مَن يكتب، ما يسطره كما يشاء!!

وهل أضحى الشعر هذياننا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يقول اللفيلسوف الأميركي المعاصر، نعوم تشومسكي، وهو المُناهض لسياسة الإدارة الأميركية الخارجية، بأن "المثقّف هو من حَمَلَ الحقيقة في وجه القوّة"، لتربطه بمواقف الكثير من المثقّفين الغربيين والعرب، على خلفيّة الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة في 8 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، والتي أظهرت حَجْماً من التخاذل، وحَجْماً من الثقافة المُعلّبة وفق إرادة السلطات السياسية وروايتها الرسمية؛ وكلّ من حاول الخروج عن هذه الرواية تمّ تكميمه أو تحجيمه وإلغاؤه تماماً,, فلسطين عوّدتنا أن تكشف الأقنعة؛ ليس أقنعة الأعداء، لأنهم مكشوفون أمام الجميع، ولكن أقنعة كثير من المثقّفين الذين دجّلوا على الناس بدجل المعرفة، لكنهم سقطوا بصخب كبير في اختبار الحرب على غزة. فالمعرفة مهما كانت ساطعة الجمال، ومُغرية في بُعدها العقلي، لكنها تصبح دجلاً وشعوذة حينما يحملها مثقّف مُنبطح للمحتل، أو مُلتوٍ تحت رداء سلطة مُطبّعة، أو مُتعاونة، أو جبانة، خوفاً على منصبه أو موقعه، أو حتى منبره المعرفي، أو خوفاً على نمط حياته المُترف، من أن يصبح مظهراً من مظاهر شَظَف الحياة,, والشعوذة الأخرى باسم الثقافة تأتي من مثقّفي البترودولار، خاصة أولئك الذين امتهنوا الثقافة كوظيفة. فبقدَر ما يصنعون ثقافة مُموّلة تفيد مُموّليهم، بقدَر ما ترتفع قيمتهم السوقيّة كسلعة، جعلت منها فلسطين سلعة بخسة تُباع بأزهد الأسعار في سوق النخّاسين,

أما مُثقّفو الفتنة والفرقة، فأولئك الذين امتطوا شعارات دينية ومذهبية، والتي ترى بنظّاراتهم الضيّقة الغبيّة الإقصائية، وكأنّ الله خلقهم وكسر القالب؛ وهم لا يختلفون كثيراً عن الفكرة الصهيونية اليهودية المرتكزة على فكرة "شعب الله المختار"؛ وهؤلاء أشدّ خطراً على الامة من غيرهم، ويتبعهم السذّج البسطاء، وما أكثرهم ,, بالمقابل، يجب على المثقّف (المشتبك) أن يُحقّق أوّلاً عدالته النفسيّة التي تخلق لديه حالة الإنصاف حتى للعدوّ بذاته. فحتى تُحقّق العدالة عليك كمثقّف أن تُنصف عدوّك من نفسك، فتُحقّق الإنصاف النفسي أوّلاً لتستطيع تحقيق العدالة في الخارج؛ فالإنصاف عيْن العدل.

ونتساءل ///

* ما دور المثقف في هذا العالم الذي يتقدم ويشكل تكتلات علمية وفكرية؟ ما قوة المثقف في محاربة الأفكار الدخيلة؟ وأين دوره الفكري في التحليل والقراءة وصناعة الوعي الاجتماعي والثقافي ورسم خارطة المستقبل التي يتمنى أن يكون عليها مجتمعه دون تحيز أو مبالغة بل بآراء مبنية على دراسات ميدانية حقيقية؟ فكيف يمكن أن نغير الواقع دون تحليله وفهمه واستقرائه والوصول للإنسان العادي؟ المثقف قد يكون أستاذاً جامعياً، أو مفكراً، أو باحثاً وغيره، هو حامل شعلة التغيير لقيادة الفكر وبناء الوطن، وعليه أن يتمتع بقدرات تجعله يتواصل مع أفراد المجتمع بطريقة سهلة وحسب مستوياته وقدراتهم الفكرية، وأن يوصل أفكاراً لهم بطريقة بسيطة وجذابة من أجل إحداث التغيير فيهم، فالمثقف لديه رسالة يصنعها وينشرها وهو مؤثر في مجتمعه فهو مرآته. لذلك يجب أن يمارس دوره الحقيقي في صناعة الرأي المحايد حسب خبرته وبعيداً عن المحسوبيات والتحيزات، فلابد أن يكون الواقع السعودي مادة أولية للاشتغال بها وإعادة تشكيل كل ما حولنا، وفهمه بشكل صحيح، فنحن لا نرغب بواقع مزيف، فهذا يعقّد الواقع ولا يساعد على استشراف المستقبل، والقراءات السطحية لا تثمر إلا السطحية، نريد الفعل الفكري للمثقف لا التنديد والشجب والتذمر، نريد مشاريع فكرية تؤسس لواقع قوي واضح وتستشرف المستقبل الذي لا نعلم عنه شيئاً لدينا لننشر الوعي ولنصل للإنسان العادي

* المثقّف في كلّ حالاته، وأينما يكون، في أي جغرافيا، لا بدّ له أن يشتبك مع واقعه المعاصر، ومع تاريخه وهويّته، وأن يكون اشتباكه مؤثّراً في تغيير واقعه للأفضل والأكثر عدلاً. فالمثقّف عين المجتمع الساهرة، وهو من أُسُس الفعل المقاوم بكلّ أشكاله، وهو رأس الاشتباك في ميدان المجتمع، عسكرياً، وثقافياً، وفكرياً، واجتماعياً؛ فهو خادم لهذا المجتمع وليس سيّداً عليه؛ وهو جسْر الوصل بين هموم الناس ومؤسسات السلطة؛ لكنه جسْر وصْل لا جسْر وصولي لمصالحه، بل وصْل لمصالح الناس ووضعها على سكّة العدالة والمعرفة الحقّ. ، ودور المثقف وسط كل هذا يأتي من خلال المساهمة بأفكاره عبر الكتب والبحوث والإبداع لبناء وتنمية الوطن والاستفادة من كل التقنيات الموجودة لتحصين الوطن من الأفكار السامة عن طريق التوجه للشباب لاستثمار إمكاناتهم وأفكارهم من أجل أن يتبنوا مشاريع ثقافية تنويرية تسهم في بناء المجتمع، فالمثقف بعمقه المعرفي ورؤيته لتغيير المجتمع للأفضل بأفكاره وسلوكه يصبح أحد الأعمدة التي يُتكأ عليها للنهوض بالمجتمع.

***

نهاد الحديثي

 

ضلال: باطل، هلاك، غياب، العدول عن الطريق المستقيم عمدا أو سهوا، كثيرا أو قليلا؟

ومن الضلال التضليل أي الخداع  لتبرير أجندات وبرامج خفية، وتأهيل الناس لقبولها أو الرضوخ لها.

وما أكثر المجتمعات التي ينحر وجودها الضلال، وينخر أجيالها المتعاقبة.

ومن أخطر أنواع الضلال، التضليل الديني، الذي بموجبه يتم تجهيل الناس بأمور الدين  الحقيقية والجوهرية، وحشو المعتقد المطلوب في رؤوسهم، ويكون دين أشخاص متاجرين بالساميات والرموز المعروفة.

وعلى هذا المنوال، تنطلق مسيرات التداعيات والتفاعلات السلبية، وتنشأ الصراعات، ويعم التلاحي بين أبناء كل شيئ واحد.

وتستمر أبواق الرذيلة والفساد صدّاحة بخطبها الرامية للإستثمار بالقهر والجور والحرمان وأقسى البلاء.

والناس مطايا المنابر والكراسي وإن غطست بالمآسي، ولديها ميل لتصديق وإتباع الأكاذيب، والتغني بالآوهام وفنتازيا الكلام.

وهذا طبع بشري عجيب، يوفر الأسواق الرائجة للدجل الرهيب.

ولهذا يمكن القول أن الضلال قائد، والتنوير بائد، والحق مطارد، والباطل مسانَد، والعدل فساد، والظلم مراد، والكذب جلاد على العباد ساد.

إعلام مبوّق، يساند الكراسي ويعوّق، والبوق مرزوق، والصادق محروق، الإثم إمام في بلد الأزلام، التابعين القابعين في دارة الإضرام.

فكيف يتحول البشر إلى أرقام؟

ولماذا يلقون في هاوية سقر كأنهم حشر؟

تساؤلات تحير الألباب، وتبحث عن العقل والصواب!!

فهل الشعب أراد الحياة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

تقول كتب التاريخ أن سبب هزيمة القائد الفرنسي الفذّ نابليون بونابرت في واترلو سنة 1815، كان بسبب أن احد ضباطه ضل طريقه إليه لكي يُنجده بالإمدادات العسكرية ..

هل كانت واترلو هي الهزيمة الوحيدة في مسيرة هذا القائد العسكري الذي تتفق كل كتب التاريخ والسير والموسوعات على وصفه بالعبقرية العسكرية العظيمة على مر العصور!

" كانت واترلو الصفحة الأخيرة في كتاب أمجاد نابليون بونابرت القائد العسكري الشهير..كما مثلت النهاية لحقبة من تاريخ أوروبا يمكن تسميتها دون مبالغة حقبة نابليون (أيام هزت العالم وغيرت وجه،  التاريخ،محمود عبد الله، ص 107)..

هُزم نابليون بونابرت سنة 1812 هزيمة نكراء في روسيا بسبب البرد ونقص الإمدادات وأُبيد جيشه بالكامل تقريبا...

و لم تنل تلك الهزيمة من عزيمته إذ استطاع أن ينتصر على التحالف الروسي البروسي البريطاني الاسباني البرتغالي والسويدي والنمساوي في ألمانيا سنة 1813، غير أن هذا التحالف كان مصمما على دحر نابليون نهائيا فاستطاعوا هزيمته، لكنه سرعان ما عاد سنة 1815 أكثر تصميما على إتمام مشاريعه وطموحاته التوسعية...

غير أن معركة واترلو على الأراضي البلجيكية كانت ضربة قاضية له اذ تمكن الدوق البريطاني ولتجتون من أن يدمر الجيش الفرنسي تدميرا كاملا،  واستطاع نابليون من أن يقاوم  ولكن وصول الدعم البروسي الذي كان ينتظره البريطانيون قضى عليه نهائيا، فاستسلم القائد ودخل الحلفاء باريس . وتم نفيه الى جزيرة بعيدا في أعماق المحيط الأطلسي، وعاش هناك حتى وفاته سنة 1821...

" لقد أنهت واترلو طموح نابليون الشخصي في حكم أوروبا، وعززت من وضع بريطانيا الاستعماري " (أيام هزت العالم وغيرت وجه،  التاريخ،، ص 111)..

ولا بد من التذكير أن الجزائر كانت تكاد الممول الوحيد والرئيسي لفرنسا في حروبها النابليونية بالقمح، مما ترتب عليها ديون كبيرة، تنصلت منها وغدرت بالجزائر ...

***

عبد القادر رالة

 

الخرف من الموضوعات الفاعلة في التأريخ، والذي أغفله المؤرخون وما أشاروا للسلامة العقلية للرجل الأول في دول الأمة وإمبراطورياتها عبر مسيرتها. وذلك لأن الخوف الشديد، ودستور السمع والطاعة، وإضفاء القدسية والتبجيل الأعظم على الحاكم أو السلطان، يمنع النظر إليه بعين أخرى.

فكم من الخلفاء والسلاطين والحكام، أودت بهم لوثاتهم العقلية إلى مصير مشؤوم وأصاب مجتمعاتهم بسوء.

وفي عصرنا شواهد على ما أصاب الرؤوساء والحكام  من إضطرابات وتدهور في قدراتهم العقلية، بعض المجتمعات لديها القدرة على تنحيتهم، أو منعهم من تواصل الحكم.

وعندنا ما أن يجلس الشخص على الكرسي الأول، حتى يصبح منزها ومعبرا عن إرادة الرب، وما ينطق عن الهوى، ولا بد من تنفيذ ما يقوله،  فهو الآمر والناهي، وعلى الجميع الإمتثال لأمره.

وعندما تكون السلطة دينية، فالشخص الذي يتقلدها يكتسب صفات تمنع المساءلة والتقييم، ويُحسب أنه العالم العليم، والقائل بالدين القويم، وكأنه ليس من بني البشر، ولم يبلغ من العمر عتيا، بل لا يزال في كامل قواه العقلية، وهذه فرية فظيعة لا تتوافق مع الواقع الفسيولوجي والبايولوجي للبشر، الذي يتآكل دماغه مع تقدم العمر.

فهل يصح في الأفهام أن لا ننظر بعين الريبة، لما يبدو من أدعياء الدين الذين أكلت أدمغتهم السنون؟!!

"ومنهم من يُرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا"

***             

د. صادق السامرائي

 

الذين يقولون، أن الغرباء هم الذين خربوا قصور بني العباس في سامراء، لا يملكون الأدلة  الوافية والبراهين الكافية.

الحقيقة المؤسفة أن بعض سكان المدينة  وما حولها آنذاك، هم الذين نهبوها وأحالوها إلى خراب.

المدينة لايوجد فيها معامل للطابوق ومعظم دورها ومرافقها القديمة مبنية بالطابوق "الفرشي"، مساحته قدم مربع، وهذا الطابوق تم جلبه من قصور بني العباس، حتى أرضيات الدور كانت مغطات بالطابوق الفرشي.

والجريمة العظمى أن سور سامراء  (1785 - 1936)، تم بناؤه من طابوق القصور والجامع الكبير، وللسور قصة طويلة، وإختفى في خمسينيات القرن العشرين.

فكانت حرفة (التفليش) تجري بلا هوادة وبعدوانية وأمية عالية، وما أكثر الوسائط التي ساهمت بنقل الطابوق المخلوع من القصور.

ولإبن المعتز قصائد تصف خرابها في حينها، فهو الشاعر المولود فيها، والذي ترعرع في قصورها.

السور  أتى بالضربة القاضية لمدينة كانت تسر الناظرين، وتنافس قرطبة وغرطانة بروعة عمرانها، ولا تزال لمساتها الجمالية قائمة في العديد من بقاع الدنيا، وأقربها جامع أحمد بن طولون (835 - 884) في مصر.

فلا يمكن بسهولة تفسير بقاء معالم العرب في الأندلس التي بنيت قبل سامراء بقرن ، وغياب المعالم الأساسية لقصور سامراء وعمرانها المتميز في ذلك الزمان.

فلم نعرف عنها سوى ما وصفته بعض قصائد شعرائها وفي مقدمتهم البحتري.

ويبدو أن المدينة صارت تتعرض لإتلاف حضاري مقصود، لمحق ما يشير إلى الخلافة العباسية فيها، وكونها عاصمة لدولة بني العباس لأكثر من نصف قرن.

فهل لنا أن نحافظ على بقايا معالمها التأريخية؟!!

***

د. صادق السامرائي

1\6\2024

 

المشكلة الجوهرية في قراءة التأريخ وكتابته، إعتباره من إنجاز حالات غير بشرية، فتجدنا نخرج رموزه من بشريتهم ونضفي عليهم خصالا وتوصيفات لا تمت بصلة إليهم، فنراهم مقدسين منزهين وأكثر من ملائكة، وهم بشر كأي البشر.

هذا الإقتراب الفنتازي من التأريخ تسبب بتداعيات إندحارية وخيمة، لأنهم بشر ونتصورهم فوق البشر، وما أنجزوه نعجز عنه لأننا بشر!!

الكثير من التأريخ المدون تفوح منه رائحة الإنحيازية والإنفعالية والمدائحية والتبجيلية والتأليهية، والتأكيد على إخراج أصحاب الكراسي من سلوكهم الآدمي وطباعهم المتعارف عليها بين الناس، ووضعهم في صوامع فوقية لا تستطيع عامة الناس الإقتراب منها.

ويتم التركيز على الجنس والبطش، فالقادة ثيران هائجة متوّجة، وأسود لا ترحم، تفتتح يومها بالسيف والنطع، لتنفيذ فتاوى المتاجرين بالدين.

إن القراءة الوهمية للتأريخ لا تجدي نفعا، وتؤدي إلى تداعيات خسرانية، تخوضها الأجيال تلو الأجيال.

عندما نتيقن بأن أجدادنا بشر وليسوا ملائكة، سنتعلم من التأريخ ونتفوق عليهم، لا أن نحسبهم فوق الثريا ونحن تحت الثرى.

معظم الذين دوّنوا التأريخ كانوا يشترون بما يكتبونه العطايا والمكرمات، والتقرب إلى الكرسي النافذ في البلاد، مما يعني أن الشك فيما دونوه وارد، والحقائق مطمورة تحت أكداس الأكاذيب والإفتراءات، والمدائح الطوباوية.

فلابد من قراءة المكتوب بعين الريبة وتمحيص الغث من السمين، فما أكثر الكتابات المنافية لأبسط البديهيات، وكم تكرر أن في قصر السلطان آلاف الجواري، وهو ذو غرف معدودة لا تستوعب بضعة عشرات من الناس.

وتقدم لنا السلطان وكأنه إنسان آلي، لا هم له إلا المواقعة، والإدمان على الملذات، ولا مسؤولية عنده سوى النكاح.

نعم كانوا بشرا، وعاشوا وماتوا كغيرهم في زمانهم، فلماذا الغلو الفاضح فيما وردنا عنهم؟

***

د. صادق السامرائي

لقد مَنَّ الجليلُ ﷻ على النَّاسِ كافَّة بتنزيلِ"كتابٍ مَسطُورٍ"، ليستَعينوا بهِ على قراءة آياتِ هذا الكونِ المَفتوحِ المَحضُور، وأمرَهم أن يَّقرأوا سُطورَ الكتابَ بعَينينِ اثنتينِ وبحبُور، فواحدةٍ تنظرُ على نصِّ حرفٍ مكتوبٍ؛ ﴿السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾، والأخرى تَبصرُ فتَستقرأَ وتفهمَ ﴿كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ف ي آفاق آياتِ قرآنٍ معمورٍ منشور.

ولقد نَأى نبيُّنا محمدُ بن عبدالله ﷺ وأبى حياةً تَعبدُ أصناماُ في فلاةٍ ذاتِ فجور، لمَّا رأى من آياتِ ربِّهِ ﷻ في آلاءِ ذا كونٍ مَفطور، والذي هو قُرۡءَانٌ ناطقٌ مَعمورٌ منشورٌ منثورٌ، فآمن بربِّهِ من قبلِ أن يَنزلَ الأمينُ جبريلُ عليه بكتابٍ مَسطور، وما ذلكَ إلّا لأنهُ ﷺ كانَ يقرأُ قرآنَ الحَياةِ بتفكرٍ دقيقٍ في الصُّدور، وما كانَ يقرأ بنيانَ الفلاةِ بتلقينٍ مَغرُور، مِن والدٍ مَغمورٍ أو من شقيق بسُرور.

ولئن رَعى المرءُ مِنَّا قراءةَ هذا القرآنِ النَّاطقِ المَنشور، مستَعيناً بهذا الكتَابِ المَسطُور، فلن ينعى سوءَ فهمٍ من حرفهِ الى صاحبٍ بالجنبِ هَصور. لا ولن يهرولَ اليهِ يسعى كي يَمدَّهُ بقَولٍ في العِلمِ مُسْتَقصٍ في مشكلٍ كأنَّهُ على الفَهمِ مُستَعصٍ عبرَ الدُّهور، وأعني هنا بمَا جاءَ في آيةِ سورة الحِجْرِ -1؛ ﴿الۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ وَقُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ﴾، وآيةِ سورةِ النمل -1؛ ﴿طسۤ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابࣲ مُّبِینٍ﴾.

ثمَّ إنَّ قلمي ما حَرَّرَ هذي العَبَراتِ إلّا بعدَ أن أحسَّ بعدمِ ارتياحٍ وضيقِ في الشُّعور، فيما جاء في ذا مشكلٍ من تأويلٍ للأولين حَصور، وما كانَ الأمرُ قطُّ بمُشكلٍ حصور، بل لؤلؤٌ لامعٌ دامعٌ جامِعٌ لكنَّهُ منثور، ورُغمَ رحيبِ علِمِ الأولينَ وإتقانهم للصَّنعةِ فما فارقَني ضيقُ الشُّعور، فأسررتُ في نفسي بذرفٍ ضمور.

"إنَّ أيَّ أمرٍ في ذا وجودٍ لا يُحَلُّ بإتقانِ الصَّنعةِ من مُتقنٍ جسور، بمعزلٍ عن حكمةٍ مُبصِرةٍ تقودُ صاحبَها الجَسور، للنَّظرِ بِسُمُوٍّ  مِن عُلُوٍّ الى الأمرِ كلِّلِ بحُضور، ثمَّ يدورُ في الشَّأنِ ثمَّ يَثور. ولو كان الأمرُ يُحَلُّ بإتقانِ الصَّنعةِ من مُتقنٍ لها جسور، لكانَ"الوليدُ بن المغيرة" قد حَلَّ محلَّ "أبي بكر الصديق" الشَّهمِ الغيور، في قُربِهِ من نبيِّنا القَسيمِ الوَسيم سيدِ الأنامِ عبر العُصورﷺ، بل ورُبَما كانَ الوليدُ هو النَّبيُّ الخاتم للدُّهور". لذلكَ ومن نافلةِ التبيانِ لفهمِ الآيتينِ يمكنُ القول بلا ارتياب؛

* إنَّ على المرءِ أن يَعلمَ أنَّ جذرَ"ك ت ب" واشتقاقاتهِ مُقَيَّدٌ بسَطرٍ مكتوبٍ في قرطاسٍ أو سجلٍ أو كتاب، بيدَ أنَّهُ ما كانَ لهُ أن يَحجرَ واسعاً فيظنُّ أنَّ جذرَ "ق ر أ" واشتقاقاتِهِ مُقَيَّدٌ بقراءةِ سطرٍ في كتاب، بل لهُ أن يَقرأ سطرَ الخِطاب، ولهُ أن يستقرأَ آفاقَ الأمورِ، ليعلمَ الآلاءَ كافَّة باستِحباب، سواءٌ أكانت في حَضرٍ وشِعابِ، أم في صحارى وغاب. ومثلما أنَّ هناكَ امرؤٌ عقيمٌ يقرأُ السَّطرَ من وراء رمشِ عينِهِ باضطِراب، ثمَّ سرعانَ ما ينساهُ ثمَّ يكون ما قرأ  كأنَّهُ خبرٌ سمعيٌّ معهودٌ وغابر في الأحقاب، فإنَّ هنالكَ رجلٌ حكيمٌ يقرأُ ذاتِ السطرِ بحضورِ قلبِهِ، ثمَّ يترسَّخُ في فكرهِ ثمَّ يكون ما قرأهُ  كأنَّه نبأٌ مرئيٌّ مشهودٌ وباهر للأعرَاب والأغرَاب.

* إنَّ كلمةَ"الآيات"لا يُقَيَّدُ مفهومُها بمعنى"كلماتٍ" في سورٍ قرآنيةٍ كريمة رضاب، لأنَّها كذلك تعني؛ بَيِّنَاتٍ وعلاماتٍ وبَراهين وحُجَج ودلائِل وشواهد على آلاءِ اللهِ في ذا وجودٍ رحيب آسرٍ خلّاب.

إذاً، واستناداً إلى مَعلومِ أنَّ عبارةَ؛"ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ"في سورة الحِجْر تعني"كلماتِ الكتابِ"، والى مَفهومِ أنَّ عبارةَ؛ "ءَایَـٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ" في سورةِ النَّملِ تعني"بيِّناتِ كون"، سيكونَ مَعنى آيةِ الحجرِ؛ تلكَ كلماتُ الكتابِ (بينَ دَفَّتينِ)، وكونٌ مَفطورٌ مَعمورٌ منشورٌ مقروءٌ مُبين. ويكونَ معنى آيةِ النمل؛ تلكَ بيناتٌ في الكونِ المنشورِ وكلماتُ كتابٍ مبينٍ (بينَ دفتينِ).

ثمَّ تَدَبَّرْ ياذا عزٍّ كيف جاءت ﴿ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ﴾ ردفَ آيةِ الحجرِ، وإذ وصفَ الحقُّ ﷻ الذينَ يقرأونَ كلماتُ "ٱلۡكِتَـٰبِ" لكنهم يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ولا يتبصرون بآفاقِ البيِّناتِ في قُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ أحاطَ بهم، بأنهم أنعامٌ راتعونَ ولا يرفعون رؤوسهم عن العُشبِ. ثمَّ تَفَكَّرْ بسياقَ السُّورةِ وكيفَ جاءَ ليُبرهنَ على أنَّ ﴿سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ هو كِتَابٌ هادٍ مبِینٍ الى كونٍ منظور، و﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾.

ثمَّ تَدَبَّرْ كيفَ جاءَت ﴿هُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ ردفَ آية النَّمل، وكيفَ بَيَّنَ الحقُّﷻ الذين يستقرأونَ بيِّناتِ "ٱلۡقُرۡءَانِ"مستعينين بكلمات "كِتَابࣲ مبِینٍ" أنَّ لهمُ البشرى. ثمَّ تَفَكَّرْ بسياقَ السُّورةِ وكيفَ جاءَ ليَحظَّ على التَفكُّرِ في آفاقِ آلاءِ "قُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ".

ثمَّ تَذَكَّرْ مفردةَ "ٱلۡقُرۡءَانِ"وكيفَ تأخَّرَت عن أختِها"كِتَاب"في سورةِ النَّمل وتقدَّمَت عليها في الحِجْر، وكذا التَّذَكُّرُ يسري في تَعريفِ وتنكيرِ (قرآن) و(كتاب) في الآيتين المباركتين كلتيهما، وكلُّ ألوانِ ذلكَ البيانِ داعِمةُ لما أورَدتُ من مذهبٍ قد ذهبتُ فيه. وثَمَّ مسكُ الختام.

﴿وقُرْآنًا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ﴾، ولم يُنزِلْهُ دُفْعَةً واحِدَةً كي نعلمَ أنَّ علينا أن نقرأهُ بعينينِ، فواحدةٍ تنظرُ على حروفِ ذا كتابٍ مسطورٍ عجيبٍ وبتَؤَدَةٍ وعَلى مَهل، وواحدةٍ تَقرأ آياتِ ذا قرآنٍ مَعمُورٍ رحيبٍ وبسُؤْدةٍ وبصَهل. ومعنى السُؤْدة في لسان العرب يا سادة؛ بقيةٌ من الشَّباب.

هذا، وإن كانَ القلمُ صائباً فيما أطَّ فخَطَّ فللهِ الحمدُ على مَنِّهِ وتوفيقه، وإن كان القلمُ خائباً ونَطَّ فاشتطَّ فمردُّهُ عليَّ واستغفرُ اللهَ عن ذا قلمٍ مُتَهورٍ مَثبور.

***

علي الجنابي

 

أبو العباس (أبو جعفر) أحمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد (229 - 279) هجرية، وتولى الخلافة (23) سنة، (256 - 279)هجرية، وكان عمره (27) سنة حينما أخرجوه من سجن الجوسق وبايعوه خليفة بعد قتل المهتدي بالله.

"إستعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق وصير إبنه جعفر وليا للعهد وولاه مصر والمغرب، ولقبه المفوض إلى الله"

"إنهمك المعتمد باللهو والملذات، وإشتغل عن الرعية، فكرهه الناس وأحبوا أخاه طلحة"

"وفي سنة (269) هجرية إشتد تخيل المعتمد على أخيه الموفق"

وإستفحل الشك بينه وبين أخيه الذي كان قوة الدولة وعمادها، والذي حاول أن يحررها من قبضة الأتراك في سامراء، فأنهكهم بالحروب، وقد كانت بينهما مواجهات سنة (264) هجرية إنتهت بالصلح، لكن المعتمد تمكن منه الشك حتى خرج يريد محاربة أخيه، وهو في عز منازلاته مع أعداء الدولة العباسية والخارجين عليها.

وهنا لابد من وقفة، لأن قراره غير حكيم، وربما يشير إلى أنه يتعاطى الخمر بإستمرار، وأن للخمر تأثير عليه طيلة الوقت، فهو منهمك بالملذات واللهو ولا يعنيه من أمر الرعية سوى أنه الخليفة، الذي يتمتع بما في قصر الخلافة من اللهو والشراب.

وبعد هذا السلوك تحول إلى أسير وهو يصف حاله شعرا فيقول:

أ ليس من العجائب أن مثلي....يرى ما قلّ ممتنعا عليه، وتؤخذ بإسمه الدنيا جميعا ...وما من ذاك شيئ في يديه، إليه تحمل الأموال طرا...ويمنع بعض ما يجبى إليه"!!

"وهو أول خليفة قهر وحجز عليه ووكل به"

وفي سنة (270)هجرية، أعيد إلى سامراء، لكن أمره ضعيف، وتمكن منه فيما بعد أبي العباس إبن الموفق الذي يرى أنه أحق بولاية العهد، فأجبره على أن يخلع إبنه المفوض إلى الله، ويعهد إليه بالخلافة من بعده وسماه المعتضد بالله، وتوفى ربما (مسموما) بعدها بأشهر.

ومن غرائبه أنه بقي في الخلافة (23) سنة، وذلك لأنه ترك أمر الدولة للقادة الأتراك، وإنشغل باللهو والملذات، وعلى الأرجح أنه كان مدمنا على الخمر، لأن معاداته لأخيه الموفق الذي ثبّت أركان الدولة خالية من الحكمة، خصوصا موقفه الأخير الذي قرر بموجبه الخروج لمحاربته والتخلص منه، وهو في ميدان القتال ضد المناوئين للدولة العباسية، مما يشير إلى أن الخمر ربما أخذ مأخذه منه، كما أنه بقي بعد ذلك بلا قدرة على إتخاذ قرار كالمنوَّم، حتى حانت نهايته.

هذه المدة في الخلافة في زمن الفوضى العاصفة في سامراء تدل على أنه كان معزولا، وبعيدا عن إتخاذ أي قرار مهم، فالأمر بيد أخيه الموفق وعند القادة الأتراك القابضين على السلطة، وما هو إلا رمز بإسمه يتم لهم تحقيق ما يريدون.

وما عليه إلا أن يهجع في دار الخلافة وينغمس بلهوه.

ويمكن القول بأنه كان شخصية إذعانية خانعة ومنقطعة عما حولها، وما يهمها إشباع رغباتها الآنية، والتمتع بالخلافة كفرصة للعبث والتفاعل المخمور مع ما لذ وطاب، ومع الجواري والغلمان وحسب.

وقد يقول قائل أن هذا إجحاف بحقه، لكن المدونات التأريخية لا تخبرنا عما هو عزيز وأبي في سلوكه، وأنه كان يريد النيل من أخيه المقاتل المغوار، وإبن أخيه الذي كان يرافق الموفق في مواجهاته مع الأعداء.

أما إنجازاته الأخرى فلا تتجاوز أنه  بنى قصر العاشق أو المعشوق، ليكون محل أنسه ومتعته وغرامياته، ولم يهنأ به طويلا.

فقد عاش كالأسير فيه أو بقربه، وكان موكلا به، وكأنه أمضى معظم خلافته في الإقامة الجبرية!!

وما أغرب المدوّن في كتب التأريخ، وكأن المؤرخين يكتبون بمداد جيوبهم!!

***

د. صادق السامرائي

23\2\2021

 

"ن.. والقلم وما يسطرون".

كتاباتنا تهكمية نواحية حزينة دامعة، تسهب في الرثاء وتعزيز البلاء. ولن تجد في المنشور المسمى إبداعا بأنواعه، ما يبعث الأمل ويحث على صناعة الحياة.

الدراسات، الخطابات، القصائد والمقالات، جميعها تتناوح  على إيقاعات نكبوية، إنكسارية، هزائمية، ولا تجد فيها روح التحدي والمجابهة والإصرار على أن نكون، وننطلق في فضاءات عصر خلاب.

أمثال هذه التوجهات غير موجودة عند أمم الدنيا الأخرى، فهل وجدتم بكائيات، ألمانية، صينية، أو يابانية؟

المجتمعات تتعرض للويلات والتداعيات وتحتلها قِوى وتفعل بها ما تفعله، لكنها لا تستكين وتنطمر في مآسيها، بل تتجاوزها إلى غدٍ ترسمه لأجيالها، وتعبّر عن جوهرها وقوتها وقدرتها على تجاوز المحن والنواكب.

الأمم التي تألقت في عصرنا تعرضت لأشد مما تعرضت له دول الأمة، وعانت القهر والحرمان والإستلاب والإحتلال، ونهضت رغم الداء والأعداء، وتجاوزت القمم الشماء.

ترى لماذا يتم تسويق السوداوية، والعدمية في ديارنا؟

أين إيماننا وثقتنا بأنفسنا وقدراتنا الحضارية؟

هل أنها الإفتراسية الفاعلة فينا؟

لا يمكن الجزم بأيٍّ منها، غير أن السائد يؤكد بأننا نناهض وجودنا، ونجتهد في سلوكيات التدمير الذاتي والموضوعي، وكأننا منومون، ومترنحون في حانات التضليل والغياب المبيد.

فهل من أقلام تكتب بمداد سعيد؟!!

وهل من كلمة طيبة!!

و"القلم شجرة ثمرتها الألفاظ"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ترك بصمة: ترك أثرا.

هوِس بالشيئ: جن عشقا به، والهوس خفة العقل، وهو نوع من الجنون.

الكثيرون ممن إستوعبوا جوهر الحياة، وإستشرفوا الغياب، إنهمكوا بتواصلية ومثابرة لا حدود لها في محاولاتهم لترك بصمة في الأجيال القادمة، فيحزنهم أن يمروا فوق التراب مرور الكرام.

وتجدنا أمام نشاطات الذين يريدون أن يبصموا، أو يتركوا أثرا خالدا في الأرض .

أحد الأصدقاء إتصل بي قائلا: إجتمعت بعائلتي وقلت لهم بأني أديت رسالتي، وبقي علي أن أترك أثرا طيبا كبناء مركز للمعوقين أو مدرسة.

والآخرون يرون أنهم سيخلدون في كتاب، ترى ما فائدة هذه النشاطات بعد أن يموت الأشخاص؟

هل ينفع الأموات الأحياء؟

قد يبدو السؤال غريبا، وستأتي الأجوبة الرافضة والمفندة، لأننا مجتمعات (ما مات ما فات)، لا كما نبهنا إلى ذلك (قس بن ساعدة) المتوفي (600) ميلادية، في خطبته المشهورة، التي قال فيها: "ما مات فات وماهو آتٍ آت...".

فهل إستوعبنا هذه الخطبة التي ترددت في مسامعنا قبل مجيئ الإسلام؟

السؤال لماذا لا نعمل للحاضر، فما قيمة أن نترك أثرا بعد الموت، وما أنجزنا شيئا نافعا في حياتنا؟

هل هي الأنانية؟

هل هي الهروبية واليقظة بعد فوات الأوان؟

ليس من السهل الإجابة، لكنها ظاهرة فاعلة في واقعنا المبتلى بنا، فكأننا المعوقون في حياتنا، والفاعلون في مماتنا!!

وقد قال الشاعر أبو ذؤيب الهذلي: " وإذا المنية أنشبت أظفارها... ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع"!!

فلنعمل لدنيانا كأننا تعيش أبدا!!!

***

د. صادق السامرائي

5\7\2022

 

" ذبيت روحي عالجرش.. وادري الجرش ياذيها، ساعة واكسر المجرشة.. والعن أبو راعيها"

المجرشة قصيدة طويلة  للشاعر الشعبي الملاعبود الكرخي (1861 - 1946)، إستحضرتها، لأننا أصبحنا جريشا  وتنوعت المجارش التي تسحقنا ومنها:

أولا: مجرشة المحاصصة

مفردة مدمرة وضعها الذي كتب الدستور لألف غاية  وغاية في نفس يعقوب، وقبلتها الأطراف المغفلة وصارت طُعما لها، فتناثرت أوصال مجتمع معتصم بحبل الوطن.

ثانيا: مجرشة الطائفية

من أخطر السلوكيات التي عززتها القوى الطامعة بالبلاد والعباد بأنواعها، ووفرت لها الوسائل والعوامل الكفيلة بتطويرها وتحويلها إلى داء وخيم، فأخذت المجتمع إلى ميادين الذل والهوان.

ثالثا: مجرشة المناطقية

القوى المفترسة لوجودنا قسمت البلاد إلى مثلثات ومربعات، وفقا لنوايا سيئة تهدف لإذكاء الصراعات البينية، وتبديد القدرات وإذلال أبناء المجتمع وزرع العداوات بينهم، وتسهيل قتلهم لبعضهم وفقا لمنطلقات آثمة.

رابعا: مجرشة الفساد

إنطلق مشروع الفساد بمؤازرة الطامعين وقطع أشواطا بعيدة، وتحول إلى وباء أصاب البلاد من أعلاها إلى أسفلها، وصارت ثروات المواطنين تغادر الوطن وتحط في المصارف الأجنبية بتسهيلات غير مسبوقة، حتى غدت سرقة المليارات سلوكا مقبولا وربما عاديا.

خامسا: مجرشة التبعية

التبعية صارت أمرا مفروضا بعد أن تمزق المجتمع وتحول إلى كينونات متناحرة، وكل منها تريد مَن يمدها بما يساعدها على السيطرة والبقاء، فـتأمنت مصالح المتبوعين، وتأكدت أدوارهم في تقرير مصير البلاد، والتابعون ينفذون ما يؤمرون به.

سادسا: مجرشة المُلك المشاع

من العجائب السائدة أن ما تحت الأرض وفوقها مجهول الملكية، وهو غنيمة وملك مشاع، يحق لمن هب ودب أن يضع يده عليه ويدّعيه، فلا مالك لثروات البلاد، والشعب أرقام على يسار الرقم المتسلط ولا قيمة له فهو يساوي صفرا.

سابعا: مجرشة اللاوطن

القوى المؤدينة المهيمنة على مقدرات البلاد والعباد، لا تعترف بوطن، وهذا من صلب عقائدها ومنهاج عملها، فالذين يتحدثون عن الوطن والوطنية أن يستوعبوا بواعث السلوك، ولهذا فأن الخطاب الوطني لا وجود له، ويحسب من أدبيات الهذيان.

فهل لدينا القدرة على تحطيم المجرشة، ونلعن أبو راعيها؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الواقع القائم يشير إلى عدم إحترام الوطن، والأنظمة التي لا تحترم أوطانها تهون وتتمرغ بالذل والتبعية والخنوع، وتفقد سيادتها وتكون عالة على أولياء أمرها، الذين تستمد قوتها منهم.

وبعض علامات عدم إحترام الوطن تتلخص بما يلي:

أولا: إهمال النخلة

النخلة عانت الكثير من الشدائد منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وبلغت ذروة العدوان عليها أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، وكم من بساتينها تم تجريفها، وكم أقتلع منها دون أي رأفة أو تفكير.

ثانيا: العدوان على النهر

النهران دجلة والفرات وروافدهما ، أصابهما الإهمال الشديد، وتحولا إلى مكب لمياه الصرف الصحي، وتقبّحت ضفافهما، وتقلصت الملاحة في مياههما.

ثالثا: كراهية الأرض

رغم خصوبة أراضينا، لكنها أصبحت ذات ملوحة عالية، لأن الزراعة ما عادت ذات قيمة، ولابد من التمتع بالمدنية المزيفة، التي أخرجتنا من التفاعلات الضرورية لوجودنا المعافى السليم.

رابعا: الآثار

بلد يمتلك أقدم وأنفس الآثار الحضارية، ولا توجد فيه نشاطات سياحية نافعة للمجتمع، بل أن قيمة الآثار ضاعت وصارت المتاجرة بها حرفة مربحة.

خامسا: البيئة

البيئة بمكوناتها لا تخضع لتنظيم وقوانين تحميها من السلوكيات البشرية الطائشة، ولهذا فقدت بيئتنا الكثير من خواصها وملامحها المميزة.

سادسا: الصحراء

الصحراء ثروة متنوعة الموارد، من العناصر النادرة إلى ما تحويه من فرص إستثمارية لمشاريع عديدة، ونحن نتبرم منها ونحسبها غير ذلك ونعاديها، وما عرفنا كيف نستفيد منها ونحولها لمصدر قوة ورفاه.

سابعا: الشمس

منطقتنا مشمسة، وعلينا أن نتعلم مهارات تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقات كهربائية وغيرها، فلدينا مصادر غنية للطاقة، وهي منطلق الحضارة ومادتها.

ثامنا: الإنسان

قيمة الإنسان تتناسب طرديا مع قيمة الوطن، وعندما يغيب الإنسان ويتحول إلى رقم، وتصادر حقوقه ويفقد الأمن، ويتدثر بالقهر والحرمان، فاقرأ السلام على الوطن.

تاسعا: الزراعة

الزراعة عماد الإقتصاد وأس القوة، فالشعوب التي لا تقدر على إطعام نفسها تتحول إلى عالة، وتفقد قدرات التفاعل الإيجابي مع الحياة، وتنتشر فيها الصراعات البينية الإلهائية.

عاشرا: الصناعة

الوطن الذي لا يصنع يُصرَع، وتدوسه سنابك الدول الصناعية وتنتهك سيادته، وإهمال الصناعة عدوان على الوطن وتدمير لذاته وموضوعه.

حادي عشر: النفط

نعمة وطنية وفيرة تحولت إلى نقمة خطيرة، تبدد فيما يضر ولا ينفع، وتسببت بتفاعلات خسرانية مريرة، توجها الفساد المطلق والإغتنام المنفلت المشاع.

هذه بعض العوامل التي يجب النظر إليها بإخلاص، للتعبير عن إحترام الوطن والحفاظ على عزته وكرامته، وتأمين سيادته ورفعته، وبدونها يتحول إلى زنزانة ضياع.

و" حب الوطن من الإيمان"!!

***

د. صادق السامرائي

يحاول البعض أن يوهم الناس البسطاء، بأن مشاكلهم اليومية لا تتعلق بغياب الخدمات والبطالة، وأن معركتهم الحقيقية ليست مع سراق المال العام، ومروجي الخطب الطائفية، وأن الأزمة العراقية ليست السعي إلى تخريب.. وإنما أزمتنا الحقيقية هي مع برامج فضائية ومحاميات تجرأن واعترضن على تعديل قانون الاحوال الشخصية، بل ذهب الخيال بالبعض الى القول ان سماع الغناء كان وراء ضياع ثروات العراق .

قبل يومين خرج علينا السيد سعد المدرس وهو يوهمنا بانه يلقي خطبة لعدد من الناس، ولانه للاسف غير بارع في اداء هذا الدور فقد وضع وراءه صورة كبيرة لمكتبة وعندما تتفحص الكتب التي فيها ستجدها مكتبة انكليزية قديمة، قد لا يعرف السيد المدرس ان بها كتبا تخالف ما يعتقده من افكار ومقولات جاهزة ظل يرددها في الهواء.

السيد سعد المدرس اراد ان يبرر شتائمه للنساء ووصفهن بالفسق والفجور واهدار دمهن، فاخبرنا ان الشتم مباح في الاسلام، ولا ادري على اي حديث استند المدرس وهناك حديث نبوي شريف يقول: " سباب المسلم فسوق "

تخيل جنابك خطيبا، يحاول ان يخترع حكايات مزيفة من التاريخ واحاديث لا سند لها من اجل ان يبرر ما فعله بحق المحاميتين من شتائم وتحريض على القتل .

وقفت أمام خطبة سعد المدرس هذه التي يلقيها مع نفسه، وتذكرت ما قاله امير المتقين علي بن ابي طالب :" إني أكره لكم أن تكونوا سبابين " .

السيد المدرس يصرخ بصوت عال "الله في الاسلام من معاهدة سيداو " وظل يردد ان احدى المحاميات تريد تطبيق هذه المعاهدة لكي تتمكن من الزواج باربعة رجال في وقت واحد، موهما المستمعين ان المعاهدة التي اصدرتها الامم المتحدة تشجع على الشذوذ والرذيلة، ولانه لا يقرأ فقد فاته ان المعاهدة تريد ترسيخ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بينها وبين الرجل في العمل والقوانين، وكان يمكن للمدرس ان يعترض على المعاهدة بعد ان يقرأ فقراتها، لا ان يخترع فقرات لا علاقة لها بالمعاهدة التي هي عبارة اتفاقية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

للأسف لا ادري لماذا يريد رجل دين مهمته بث الفضيلة واشاعة خطاب المحبة والتسامح، واعلاء شأن القيم الاخلاقية ان يصر في معظم خطبه على ان يشتم الذين يختلفون معه ويحرض عليهم، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف، عندما نستمع الى مثل هذا الخطيب علينا ان نشعر بالخوف على مستقبل البلاد، لان من يقول هذا الكلام اليوم فربما يطالب غدا بتحويله إلى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي.

***

علي حسين

علة الأمة في مفكريها، ليزعل مَن يزعل، وليغضب مَن يغضب . الأمة المتهم الأول بقتلها مفكروها!!

ماذا قدم المفكرون؟

جميعهم يطاردون سراب "لماذا"، ويخشون الإقتراب من "كيف"!!

إستمعت لمحاضرات لمفكرين يهدفون إلى التجديد والتغيير، وهم يتحركون في دائرة لماذاوية مفرغة، وفي النهاية ما هي التوصيات العملية القابلة للتنفيذ؟

لا شيئ، لوم وتبرير وتسويغ وترسيخ لما هو قائم، وتعزيز للكائن، لأنه المعبر عن الإمكان الذي لا نستطيع الإتيان بأفضل منه.

المفكرون في مجتمعاتنا "يعيدون ويصقلون"، ويدورون في فلك "لماذا"، ولا يقدمون أسبابا واضحة لتمسكهم بها، وعدم قدرتهم على مغادرة خنادقها الظلماء.

المفكرون يستنسخون، ويستحضرون نظريات الآخرين ويفرضونها على واقع لا يعرفها.

فتحرروا من أصفاد "لماذا"!!

ولا تقدموا لنا مشاريع صامتة مخبوءة في الكتب المرفوفة.

نريد خرائط عمل ذات توصيفات واضحة وآليات تطبيقية متوافقة مع الواقع.

لا نريد معطيات الصوامع والتحليقات في فضاءات الخيال البعيد.

فهل نستطيع التفكبر الواضح، ونمتلك الجرأة لإعمال العقل في صناعة حياتنا المعاصرة؟

لا نريد طروحات نظرية، نريد حلولا تطبيقية!!

و" دليل عقل المرء فعله"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ساد التنوع في أول دولة إسلامية أسسها النبي محمد (ص) في المدينة المنورة، وقد وضع النبي محمد (ص) أسس العلاقات بين طوائف هذا المجتمع الناشئ في وثيقة تسمى (وثيقة المدينة المنورة).

ثم توسعت الدولة الإسلامية في جميع أنحاء الجزيرة العربية في عهد النبوة والخلافة الراشدة، وفي العصور الأموية والعباسية والعثمانية، وفي فترة الحكام غير العرب وخلفائها.

 وهكذا زاد تنوع الأمم في ظل الحكم الإسلامي، أذ دخل الإسلام أناس من مختلف القبائل والشعوب، وخضعت مجموعات كبيرة من ديانات كثيرة معروفة وغير معروفة في شبه الجزيرة العربية لسلطة الخليفة.

ورغم اختلاف العرق واللون واللغة والثقافة والدين بين كل هذه الشعوب، إلا أن الانسجام ساد في علاقاتها مع بعضها البعض ومع الدولة والسلطان، وأصبح هناك توافق وعلاقة جيدة.. ولم يعرف المجتمع الإسلامي مفهوم الأقليات العرقية منذ قرون، باستثناء ما حدث نهاية الدولة العثمانية في 29 أكتوبر 1923.

ولم تتوقف دول العالم الكبرى عن طرح فكرة الأقليات العرقية حتى بعد استعمارها للدول العربية والإسلامية، واستمرت في متابعة المرحلة التالية المتمثلة في إنشاء الدول القومية العلمانية والوطنية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية الخاوية.

وفيما يتعلق بنشوء مفهوم الأقلية، فإن مفهوم الأقلية كمفهوم سياسي وقانوني لم يكن معروفا في المجتمعات الأوروبية قبل ما يسمى (عصر التنوير).

الذي جاء في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ليكمل ما بدأه عصر النهضة في القرنين السابقين، كردة فعل طبيعية للظلم والقهر والاستبداد الذي كانت الشعوب الأوروبية تعاني منه على أيدي السلطة السياسية ممثلة في الملكية، والسلطة الدينية ممثلة في الكنيسة، والسلطة الاقتصادية ممثلة في الإقطاع.

أذ تقوم الحكومة على النظرية الثيوقراطية، التي يحكم فيها الملك أو الحاكم باسم الله والدين، وبحسب هذه النظرية فإن السيادة للملك وليس للشعب، وكان الملك هو الحاكم وحكمه معترف به وهو الذي يضع القوانين ويعطلها ويلغيها.

وعندما تحرر الفكر الغربي من سطوة الكنيسة وبدأ في التمرد على الفكر الكنسي والديني، تبنى نهجا عالميا وجعل من الفرد موضوع اهتمامه، ورغم أن شعارات الثورة الفرنسية كانت ذات طابع عالمي (الحرية والأخوة والمساواة)، إلا أن الفكر الغربي واجه أزمة أيديولوجية.

 وعندما حاول السياسيون تنفيذ هذه الأفكار والخروج من هذه الأزمة من خلال القضاء على النظرية الثيوقراطية، طرح فلاسفة الغرب فكرة الدولة العلمانية.

إن مفهوم الأقليات في الفهم السياسي والقانوني الغربي مفهوم مهم للغاية بالنسبة للمجتمع البشري، فمجرد وجود اختلافات عرقية ودينية ولغوية وثقافية يفترض وجود تنافر وصراع بين الأقليات والأكثريات من جهة، وبين الأقليات من جهة أخرى.

 كما قامت الشيوعية على وجود الصراع بين الطبقات الاجتماعية، وبين العمال وأصحاب العمل، لكن هذه الاختلافات طبيعية في المجتمع وجزء من الصراع الفكري بين الحاكم المستبد والفكر الفلسفي والاقتصادي وإرادة الشعوب الراغبة بالتغيير.

وأما ما وقع من خلافات وصدامات ضد أهل الكتاب وعدم إنصافهم فإن الشعوب بريئة من ذلك، ولم تكن إلا حالات نادرة في التاريخ الإسلامي الممتد عبر ثلاثة عشر قرنا، كما شهد ناس من المنصفين والمستشرقين غير المسلمين بعدل الإسلام وسماحة المسلمين مع غير المسلمين من الرعايا.

وأخيرا نؤكد على حقيقة لا بد من فهمها وإدراكها، وهي أن مشكلة الأقليات هي مشكلة عالمية، وأن علاجها يجب أن يكون عن طريق الدولة العلمانية الديمقراطية، لأنها هي التي ولدتها، وأما بعض الدول العربية والإسلامية التي يراد أن تكتب لها الحياة فهي تخالف ما عليه دول العالم من تطور هائل في مسار الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية.

كما لا يوجد شيء اسمه - الوطن العربي- كما روجت له الأحزاب القومية العربية – الاشتراكية في مطلع ومنتصف القرن العشرين، بل العرب هم أهل الجزيرة العربية فقط.

* مصر: هي خليطٌ من العرب والقبط والأمازيغ والإفاقة وأجناس أخرى.

* المغرب الإسلامي: فإنّه يتكوّن بشكلٍ أساسيّ من الأمازيغ أو البربر ثمّ العرب والإفاقة وأجناس أخرى.

* أهل الشّام: هُم خليطٌ من الآراميّين والسّريان والأنباط والعرب.

* العراق: وهو خليط من السومريين والاكديين والكاشيين والفرس والهنود والإفاقة والترك والكرد والعرب والاذريين والشيشان والالبان والافغان.

فليعلم الجميع أن الحكم العلماني قادم لا محالة ولا نجاه للمسلمين ولا للبشرية كلها من ظلم المتأسلمين الأصوليين، وحينها سيعلم غير المسلمين أن الخير كل الخير هو في العيش في ظل دولة ديمقراطية عادلة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالوطنية وحسن السلوك.

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

قالوا له ستقتحم ديارنا الدبابات، فقال لهم: نرميها بحفنة تراب!!

وأصيب الآلاف وسمعنا مَن ينادي: لا تخافوا ولا ترتعبوا سننتصر عليهم!!

ترى هل يكفي الإيمان لمواجهة الإقتدار التكنولوجي، والتطورات البرمجية الإليكترونية، وجحافل الطوابير الإنترنيتية؟

نحن في عصر مادي بحت، تسيطر على إيقاعات مسيراته، الثورات الإبتكارية في عوالم خفية، لا تدركها عقول المجتمعات التي لا تزال تطارد خيوط  دخان، وتريد نفخ الروح في أفكار وتصورات الذين تحولوا إلى رميم منذ قرون وقرون.

الحياة معاصَرة ولا يمكنها أن تكون ماضوية، فدوران الأرض يقضي بولادة الجديد، ويأبى إعادة الماضيات، فذلك مخالف لطبائع الأمور.

فالماضي المستحضر بإنفعالية كالركام الذي يدثر عناصر الحياة ويمنعها من التفاعل السليم.

فلماذا تجدنا عندما تداهمنا النكبات، نسير إلى الوراء، ونتعلل بالإيمان، وما عرفناه بسلوكنا، ولا عبرنا عنه في تفاعلاتنا البينية، فما أسرعنا للنيل من بعضنا، وتأمين إيماننا بقتل الذي يخالفنا بأي شيئ.

الإيمان عمل، وأعمالنا لا تعبر عن إيماننا، فكيف نلجأ إلى حالة غير موجودة عندنا؟

الإيمان الموهوم لا ينفع، ومن الواجب أن يكون إيمان بالذات والموضوع، ومبشرا بعطاءات أصيلة على كافة المستويات.

إيمان العقل هو المنصور، وإيمان العواطف والقلوب هو المهزوم والمأزوم؟

فأين عقولنا المؤمنة؟

ولماذا نبقى نتراقص على هامش الحياة، كالطير المذبوح من الألم؟!!

و"لا يكفي أن نؤمن، بل علينا أن نمارس إيماننا"!!

فعلينا بالجد والإجتهاد والتوثب إلى صدق العمل!!

***

د. صادق السامرائي

في مقال سابق نشر بتاريخ 7/9/2024 في صحيفة المثقف الغراء تحت عنوان (حدود الدين وحدود السياسة، إلى أين؟)، تحدثنا عن موضوع حيوي ومهم لتطور البلاد والعباد في الوطن العربي والعالم الاسلامي على حد سواء، وأكدنا على ان للدين حدود ينبغي ان لا تمسها السياسة، والسياسة ينبغي ان لا تحشر نفسها في الدين لكي يتجنب المجتمع ويلات التداخل بين الدين والسياسة التي طالما عانت منه شعوب اخرى في دياناتها، المسيحية مثلا بين طوائفها الكاثوليكية والبروتستانتية والارثدوكسية والتي اسفرت عن مجازر وارهاب وتطرف وتكفير الاخر وفرض الوصاية عليه من طرف على اطراف اخرى واعتماد حالة (ظل الله) على الارض في الحكم والله بريئ من ذلك (وخلقناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).. هذا هو شرع القرآن الكريم في نصه المقدس الذي لا يعلو عليه أي نص دنيوي.

فلماذا الاصرار على حشر السياسة بالدين؟ ولماذا يتعمد رجال دين من كل صنف ولون، اسلاميون و(مسيحيون) و يهود وبوذيون وغيرهم على التعامل بأدوات السياسة التي هي ليست من شأنهم؟

قد يقول البعض (إن الدين سياسة)، وهذا ليس صحيحاً، لأن في هذا تداخل بين المقدسات والمدنسات. والبعض الآخر قد يقول (ان السياسة تقتضي استخدام الدين للوصول الى اهدافها)، وهذا لا يجوز، لان الدين ليس وسيلة للإستخدام في السياسة. ويقول أخرون ان الاحزاب الدينية هي التي تتقصد تطويع الدين في السياسة. وهذا عمل يسيئ الى الدين، لأن وسائل السياسة تلوث النصوص المقدسة، كما أن الدين لا يسيس في التعامل الاجتماعي إنما يلقن بصيغ الإرشاد والمواعظ والدروس الفقهية والشروحات والتفسيرات التوضيحية التي لا تخرج عن نطاق النص، والنص المقدس لا يجوز تعديله او تحريفه.. والفتاوى ليست نصوصاً مقدسة.. النصوص المقدسة منزلة قرأنياً، والفتاوى من صنع البشر، والبشر قد يخطئون ويضخمون ويقزمون ويمكرون ويكابرون.

فالواجب إذن ، ان يكون الدين في نصابه ، وأن تكون السياسة في نصابها ، الدين في أروقة المساجد والمعابد وبيوت الله ، والسياسة في اروقة البرلمانات والمؤسسات وغرف صنع القرارات التي يناور فيها صناعها.. ويكون المجتمع قد تخلص من التداخل وتكون السياسة قد تخلصت من الإزدواجية.. و(التداخل والإزدواجية) يعيقان تطور المجتمع والدولة على حد سواء.. والأصلح موضوعياً وعملياً أن يعظ رجال الدين في المساجد ويحاضر رجال السياسة في المؤسسات.. كل له حقله رجل الدين في الوعظ والارشاء والافتاء ورجل السياسة في بناء الدولة ومؤسساتها وسياساتها الخارجية ويستلهم (روح الدين) في البناء الروحي للمجتمع.. ولا اجتهاد في النصوص المقدسة خوفا من التفسيرات الخاطئة والتحريفات المغرضة.

الإيمان بروح الدين الإسلامي الحنيف هو (الثابت)، الذي يؤكد على العدل والانصاف والمساواة والتكافل الاجتماعي وحرية الرأي والرأي الآخر.. أما السياسة فهي (المتغير) الذي يعول عليها في بناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على مقومات (العصرنات) الأربع 1- التعليم 2- الزراعة 3- الصناعة 4- الإرواء.

الإيمان بروح الدين، يرفض التعصب ويرفض الغلو ويرفض الإكراه ويرفض الإرهاب ويؤكد على العدل والأنصاف.. والايمان بروح السياسة الوطنية، يؤكد على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحرية وعدم الإرتهان للأجنبي وصيانة الإستقلال الوطني. 

الإيمان بروح الدين والإيمان بروح الوطنية هما اللذان يعول عليها في بناء المجتمع والدولة.. فالسياسة الوطنية تستخلص من منهج الدين روحه النبيلة إيماناً عميقاً بأن لا جسد بدون روح ولا روح بدون جسد.!!

والله المستعان

***

د. جودت صالح

19/ 09/2024    

إن اللغط الذي رافق مناقشة تعديل فقرات من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ميلادية والذي مضى عليه أكثر من ستين سنة ولم يُعدل إلا في الآونة الأخيرة وبشكل ملفت للنظر من حيث التوقيت والأسلوب ونوع الفقرات التي يُراد تعديلها حيث سببت كثيرا من المناقشات الجدلية الرافضة والقابلة لها وهذا الدفاع المستميت من قبل كثيرا من رجال الدين والذين لم ينتبهوا إلى خطورة هذه التعديلات الاستفزازية للمجتمع الذي يسير نحو المدنية ومحاولة التعايش مع الواقع الجديد الذي يفرضه التطور الحاصل في العالم والحياة العامة للأمم الأخرى وهذا ما أدلت به الجهات الرافضة لهذه التعديلات فقد سبب هذا المشروع شرخا اجتماعيا في النسيج العراقي ومؤسساته المدنية والأسرة التي ترى من وجهة نظرها أنه مجحف للمرأة والطفولة ومكونات الأسرة العراقية مما دعت إلى ارتفاع الأصوات المدافعة عن حقوق المرأة والطفولة بعد محاولة رجال الدين وبعض مؤسساته السيطرة والهيمنة من جديد على رسم سياسة الدولة والمجتمع التي باتت أفكار هذا التيار بعيدا عن طموحات الشارع العراقي والمجتمع وصعوبات العيش فإذا كانت هذه القرارات من وجهة نظر رجال الدين أنها من الشريعة الإسلامية ومبادئها وقيمها فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز وعلى نبيه الكريم محمدا صلوات الله عليه وسلامه (أحكم بالعدل وأمر بالعرف) وأن الأعراف الاجتماعية لا تبيح لهذا السن الصغير والمحرج الزواج لأسباب عدة منها فسيولوجية ونفسية وعقلية وأخلاقية وليس هناك سند منطقي وتشريعي معتبر لهذه الفئة العمرية من الزواج والتي أثارت الجدل مؤخرا بين أوساط المجتمع العراقي وأما الحضانة للرجل والمرأة فأنها مسألة تُدرس من قبل مختصين واختصاصي القانونيين والاجتماعيين  واساتذة علم النفس والاجتماع يمكن أن يدلوا بدلوهم بهذا الصدد .

أن هذه التعديلات تثير جدلا واسعا في أوساط المجتمع وعدم الإجماع عليها ليس بحاجة للمجتمع العراقي لها أو إلى هكذا قوانين خلافية في الوقت الحالي والتي تزيد من المشاكل بين المجتمع الذي يترنح تحت وطأة السلبيات والمشاكل التي تعصف به أن هذه الآراء يحكم بها العرف ضمن تطورات المجتمع بالإضافة إلى أن المرجعيات الدينية المعتبرة لم تدلوا بآرائها حول هذا الموضوع وتركته للأصحاب الاختصاص ولم ترفضه أو تقبله وتركته للدولة ومؤسساتها المدنية . كان من الأولى على المشرع العراقي المهتم لشؤون المرأة وحقوقها والدين والذي طرح هذا المشرع للمناقشة أن يكون أكثر جرأة واهتماما بالواقع العراقي المتردي كالاهتمام بمكافحة آفة المخدرات التي أصبحت تفتك بالشباب والجيل الجديد أو استيعاب البطالة والخريجين وسحبهم من الشارع أو قوانين لتطوير ورفع مستوى التعليم والتربية أو قوانين مهمة ورادعة للحد من الفساد الأخلاقي والمادي والوظيفي وضرب رؤوس الفاسدين الذين عاثوا في العراق وثرواته وأعطوا شرعية مفهوم الفساد في الدولة العراقية وغيرها من المشاكل التي تعصف بهذا البلد المظلوم وأن تكون القوانين بمستوى التحدي الذي يعانيه الشعب العراقي والمسؤولية تتحملها كافة فئات الشعب وأطيافه وهذا ما يرتجيه المواطن من المشرع العراقي.

***

ضياء محسن الاسدي

 

خبر عاجل: مجلس القضاء الاعلى يساند تعديل قانون الاحوال الشخصية، وليضرب المعترضون رؤوسهم في اقرب حائط .

جاء ذلك، خلال استضافة مجلس القضاء الأعلى، اجتماع مناقشة مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل، بحسب بيان رسمي انه استضاف شخصيات،  وعند النظر  إلى صورة الاجتماع تبين ان هؤلاء الأشخاص هم النواب الذين يصرون على تشريع التعديلات، فيما استثنى الاجتماع النواب الذين اعترضوا على التعديلات، وتأكد لمجلس القضاء ان الاعلام يبالغ في الحملة ضد التعديلات وان الحياة سيكون لونها وردي بعد ان تصدر مدونة الاحكام الشرعية التي ستجعلنا نعيش بهناء وسرور .. و " توته توته خلصت الحتوته " على حد تعبير اخواننا المصريين . هكذا يزف لنا مجلس القضاء البشرى التي حاول الاعداء حجبها عن الناس، فالتعديلات تعتمد على الدستور على حد بيان المجلس الذي يؤكد انه " العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او معتقداتهم او اختيارهم وينظم ذلك بقانون"، وليسمح لي السادة في مجلس القضاء ان اطرح سؤالا: هل العراقيون يتزوجون منذ عقود من دون الالتزام باحوالهم الشخصية؟

منذ سنوات ونحن نعيش فصولا من الجدال حول سيف القانون البتار الذي لم يخش مسؤول، ولا تراجع امام نموذج نور زهير، والجميع ظل يتغنى بقرار الافراج عن نور زهير، من اجل الحفاظ على المال العام، واختال علينا البعض بعبارة ": ليس في الإمكان أحسن مما كان"، ورغم أنّ نور زهير ومن معه لفلفوا ثلاثة مليارات من الدولارات، إلّا أنّ البعض أراد أن يكتب النهاية السعيدة للمسلسل، من اجل تصفير مشاكل البلاد، من اجل ظهور نور زهير جديد .

السادة الذين اعتبروا ان تعديلات قانون الاحوال الشخصية تصب في مصلحة المواطن اتمنى عليهم ان يتحملوا " مواطن مشاغب " مثل جنابي، يبحث عن نسمة عدالة، يتأكد أنّ هذه النسمات حلال على فئة معيّنة، وحرام على البعض، واتمنى عليهم ان يعرفوا ان العدالة تعني حكم القانون، شرط أن يكون عادلا، وحكم القضاء شرط أن يكون نزيهاً، ولعل أفضل ما يفعله القضاء هو ان تكون قراراته لصالح الناس لا لصالح مجلس النواب، لأن أمام القانون يجب ان يكون هناك فرق بين مواطن يطلب العدالة، ومسؤول يضحك من العدالة وقوانينها .

والآن دعونا نتساءل: هل تعديلات قانون الاحوال الشخصية اهم للمواطن؟ أو من محاربة الفساد المالي والاداري والرشوة المنتشرة في معظم مؤسسات الدولة والمخدرات التي تنخر بجسد العراق .. ايها السادة، الناس بحاجة الى قوانين تأخذهم الى المستقبل، وقديما قال المرحوم افلاطون " عندما يصمت القانون تصمت معه حركة الحياة.

***

علي حسين

أنظمة الحكم في دول الأمة، منهج حكمها أنها تبدد طاقات الشعوب المتسلطة عليها، وذلك بالإجتهاد في إبداع الملهيات اللازمة لإشغالها بهموم يومية قاهرة، تمنعها من التأمل والتفكر بحقوقها وما تقوم به الكراسي من مفاسد وإستحواذ على الثروات الوطنية.

فالشعب مشغول ببعضه، ويئن من القوانين المفروضة عليه، القاضية بالقبض على مصيره، وتحجيم دوره، وتحويله إلى موجود بلا قيمة أو معنى، فالشعوب أرقام في عيون الحكام!!

ووفقا لهذا المنطلق، يتحقق إنهاك الشعوب وتفريغها من طاقاتها الإيجابية، وتأجيج الطاقات السلبية فيها، اللازمة لتأمين الإنشغال والتفاعل التصارعي بين أبناء الوطن الواحد.

ومن أفظع أساليب الإلهاء والإستهتار بالوجود الإنساني للشعوب، إستعمال الدين كوسيلة للتدمير الذاتي والموضوعي، والعمل بمعطيات الطائفية والمذهبية المقيتة، وإيهام الناس بأن الصراع ديني، ومن ضرورات التقرب إلى الرب المعبود، وفي جوهره صراع سياسي، وتقاتل على الكراسي والمناصب والأطماع، والقدرة على الإستحواذ الأكبر.

لا يوجد صراع ديني بين أبناء الشعب الواحد، بل يتم توريط الدين كقناع لتمرير نوازع وتطلعات النفس الأمارة بالسوء الفاعلة في الذين دينهم هواهم.

وهكذا صارت التحزبات ذات طابع ديني، والنشاطات القائمة في المجتمع ذات توجهات مذهبية، وآليات تبعية وتقليد للذين يطمعون في البلاد والعباد، ويضعون مصالحهم فوق كل شيئ.

ويبقى المسخَّرون لتمرير أجندات الطامعين، يتحركون على إيقاع أوهامهم، وتصوراتهم التضليلية، وهم كالمنومين السكارى بالبهتان لحد الثمالة والغثيان.

فمتى سيستيقظ أبناء الوطن المبتلى بالمأجورين، والمنفذين لأوامر الآخرين؟

"تنبهوا واستفيقوا أيها العرب

 فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

*

ألفتم الهون حتى صار عندكم

طبعا وبعض طباع المرء مكتسب

*

وما دماؤكم أغلى إذا سفكت

من ماء وجهٍ لهم في الفحش ينسكبُ"!!

***

د. صادق السامرائي

9\6\2024

 

يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذية وتحافظ عليه. لأن الثقافة السياسية للنخب السياسية ذات أثر لا يجوز تجاهله في مرحلة الانتقال إلى الحكومات المتحررة من الدكتاتورية من دون أن يقلل ذلك من أهمية توافق النخب على الالتزام الخيار الأنسب كشرطًا أساسيًا في أوقات الانتقال للخيار وان اي  نقاش حول الثقافة السياسية يكون ناقصاً دون ان يكون للدين دور تقييمي له. وكمصدر للقيم الاساسية فيه، فإن الدين يعتبر مكوّناً هاماً في الثقافة السياسية في كل الازمان وهنا لا اعني ان يكون كل النظام ديني انما  تطبيق المفاهيم الاخلاقية  في الممارسات ولكون ان المغريات في الوقت الحالي تكون الحاجز في الوصول للحكومة الدينية لذا نحتاج الى وقت لتغيير المجتمعات فكريا وثقافيا لمراحل تطبيقاته ولكن يمكن الاعتماد على الركائز الدينية في الاخلاق لادارة الدولة. و الدين يمنح الشرعية ولا يستمدها، فبإمكان القادة الدينيين ان يكونوا حرّاس للثقافة السياسية ومن الواضح يصعب الحديث عن ثقافة سياسية مستقلة نشأت من المجتمع وتجاربه، لتجد تعبيرها من خلال النظام السياسي الذي يمثل قيم هذه الثقافة. في العادة، تُلحق الأنظمة الاستبدادية، خصوصاً الشمولية منها كما في نظام  حسني مبارك في مصر وصدام حسين في العراق أو نظام معمر القذافي في ليبيا او النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي في ظل حكم جوزيف ستالين أوغستو بينوشيه في تشيلي وأفغانستان الحالية وكوريا الشمالية والصين الشعبية وعشرات الدكتاتوريات الاخرى من الحكومات العديدة التي ادارة وتدير المجتمعات بالسلطة الحاكمة بقوة الدعاية الموجهة والسلاح والمركزية التي روجت لأفكار سلطوية تخدم تلك الانظمة الحاكمة وبإمكانات القسر الأمني التي تعاقب على الأفكار الممنوعة والمحرمة المناقضة للنظم السياسية تلك.

بلا شك لا يمكن الانكار من كون ان مثل هذه الحكومات الفردية في  توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة' الديمقراطية ' والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة فيها فتور الايمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة لكون ان الحكومات الديمقراطية الممنهجة فكريا تتطلب منها  ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أي اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الإنسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.

الاتجاه نحو النظام السياسي الحقيقي والذي ينبعث من المصداقية هو الإيمان بضرورة الولاء له والتعلق به والضرورات بالإحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة. كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلي. بالإضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية في الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التي تحددها الدولة.  فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذية المعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

الأديان من الأخطار البشرية، لأنها الأداة اللازمة لتحرير ما تشتهيه النفوس الأمّارة بالسوء، وربما تكون  مخترعات، لأنها ما حققت العدل والحرية والسلامة الإنسانية، ومرّغت أطهر القيم والمعاني في أوحال الهوان والتنكيل.

بإسم الأديان تُرتكب الفواحش وتصبح قوانين الغاب مقدسة، وبإسمها تزداد الجرائم والخطايا والآثام، التي تجد لها منافذ للتوبة والتطهير بفعالية طقوسية مخادعة، فتتنوع أساليبها وغايتها واحدة، وبموجب إرادة الأديان وجوهر منطلقاتها، تكون المجتمعات المبتلاة بما هو ديني في أخفض حالات الإقتدار.

ويحدثنا التأريخ بأحداث عديدة عن كيفيات النيل من الفضيلة وسيادة الرذيلة بإسم الدين.

وعندما يتحول الدين إلى حركات سياسية وأحزاب ومجاميع، فالجرائم تبلغ ذروتها وتحقق أبشع ما يمكن حصوله، فمحاكم التفتيش تحمل أدلة دامغة على ذلك ، والحروب الصليبية والصراعات بإسم الدين بأنواعها.

ولا يمكن تنزيه الدين من الإثم المبين، فالدين يقتل أبناء الدين بإسم الدين، وينشر الفحشاء والمنكر بإسم الدين.

وفي الزمن المعاصر، هناك العديد من الأحزاب المؤدينة، التي نشرت الفساد والظلم والقهر والإمعان بتدمير الأوطان والمواطنين، والتفاخر بالحكم بالحرمان والنهب والسلب ومصادرة حقوق الإنسان.

وفي بعض المجتمعات صار الفساد دستورا ومناهجَ  وقوانين، والنيل من إبن الوطن كطقس عظيم للإيمان القويم.

وهكذا فالأديان توفر للبشر ذرائع لإرتكاب الخطايا بقلب سليم، وكلما إزداد البشر تدينا، صار متوحشا، وتفاعلاته إنعاكسية شرسة كأنه الحيوان الكاسر الذي مرت أمامه فريسة بلا مخالب وأنياب، وتلك حقائق مريرة فاعلة في دنيا البشر، ولا من مفر!!

و"كل ممنوع مرغوب"!!

***

د. صادق السامرائي

 

قبل عشر سنوات، ظهرت منصة Netflix على الساحة، وفي تلك اللحظة، وإن لم ندركها تمامًا في حينها، تغيّرت عاداتنا إلى الأبد. لم يعد فتح كتاب لقضاء المساء ممارسة شائعة كما كانت، بل بدأنا نشهد تراجعًا كبيرًا في هذه العادة. أنا لا أزعم أن عام 2014 كان يعجّ بالقراء كما لو كانوا غالبية سكان العالم، لكن على الأقل كان هناك طيف من الناس ينغمسون في متعة القراءة بانتظام.

والآن، بعد عقد من الزمان، نرى أن هذا الطيف قد انقرض تقريبًا. القليلون فقط من يجدون في قراءة الروايات وسيلة لتمضية الوقت، بينما يفضّل أغلب الناس الانغماس في متعة استهلاك مسلسلات تتراكم في مكتبات منصات البث، المتاحة بلا حدود وفي أي وقت. وكأن Netflix وأمثالها وجهت الضربة القاضية لعادة القراءة التي كانت تحتضر على أي حال.

لسنا بحاجة إلى نظرة عميقة لنرى كيف انتقلنا خلال عقدين من الزمن من حضارة الكلمة إلى حضارة الصورة والصخب. شلالات من الصور والأصوات تحاصر عقولنا في دوامة لا تهدأ. لقد سلبت الشبكات الاجتماعية قدرتنا على التأمل والتفكير العميق، وحولت أدمغتنا إلى أراضٍ محروقة، حيث اندثرت براعة الفكر تحت وطأة الشعارات البسيطة والمبتذلة التي لا تسعى إلى الحوار أو الإقناع، بل تكتفي بترديد الرأي في أبسط صوره.

الشاشات أصبحت مقدساتنا الجديدة، والهواتف المحمولة تمثل ملاذنا. نعيش في حالة تشبّع دائم بالصور والأخبار والقصص التي تمر أمام أعيننا كبرق خاطف، حتى باتت قدرتنا على التركيز لا تتجاوز سوى دقائق معدودة، إن لم تكن ثوانٍ. أصبحنا أسرى الإشعارات، نحول انتباهنا دون تردد لرسائل الواتساب أو مقاطع الفيديو العشوائية التي تثيرنا، كفيديو يروي قصة تزاوج دببتين، قبل أن يتم استبداله بمشهد لرجل يفتح جراد بحر باستخدام لحيته!

Netflix لم تكن سوى تسريع لهذا الانهيار الثقافي، إذ قدّمت بحرًا من المسلسلات بجودة متفاوتة وسعرٍ زهيد، بعضها عظيم، ولكن الأغلبية الساحقة مجرد محتوى ضحل، مصمم ليدمنه العقل دون مقاومة، مُبقيًا إيانا أسرى ليلًا بعد ليل، نلهث وراء قصص جديدة، ونهرب من أنفسنا.

لقد قدّمت Netflix مخرجًا مثاليًا لمن يبحث عن الهروب من ذاته، عن طريق مكتبة لا تنتهي من العروض التي لا تتطلب سوى أريكة ومقدار ضئيل من الانتباه. ولكن هذه الرحلة اليومية في عالم الاستهلاك البصري قضت على قدرتنا على بذل أي جهد فكري. في كل مرة نغيب فيها عن أنفسنا، نصبح كائنات خاوية، أسرى لروايات ركيكة ومكتوبة بسرعة، تجردنا من أي قدرة على النقد أو التعمق.

اليوم، قراءة رواية ليست فقط مسألة وقت، بل هي أيضًا اختبار لقدرتنا على التركيز، على المثابرة التي لم نعد قادرين على استحضارها. فالدماغ أشبه بعضلة، إن عوّدته على استهلاك الصور السطحية، وإن لبّيت رغباته في الهروب المستمر، يصبح عاجزًا أمام تعقيد الجمل الأدبية التي تتطلب وقتًا لكتابتها وذوقًا خاصًا لفهمها. تصبح الرواية كما لو كانت معادلة غامضة أمام عقلٍ تآكل بفعل الاستهلاك المفرط للترفيه السريع.

المشكلة ليست أن الناس توقفوا عن القراءة فقط، بل أنهم لم يعودوا قادرين على القراءة. لقد انهارت قدرتهم على التركيز إلى درجة تجعل القراءة، بما تتطلبه من جهد وانتباه، ضربًا من المستحيل. نحن نغرق في ثقافة "البيتزا"، نستهلك محتويات رخيصة وسريعة يومًا بعد يوم، ومع الوقت، نفقد القدرة على تذوق الأطباق الأكثر تعقيدًا والأكثر قيمة. يصبح الذوق ذاته شيئًا من الماضي، كما لو كنا مبرمجين لاستهلاك البيتزا فقط، دون تمييز.

Netflix ليست سوى "بيتزا هت" للثقافة. شيء ليس جيدًا ولا سيئًا، بل مجرد حل عملي نتبناه حتى لا نضطر إلى التفكير أو بذل الجهد. بالنسبة لكثيرين، هذه هي السعادة المعاصرة: سعادة مبنية على الهروب والابتعاد عن الذات، عن القراءة، وعن التفكير العميق.

***

محمد إبراهيم الزموري

 

دكان: حانوت، متجر

الدول النفطية يمكن تشبيهها بالدكان، فبضاعتها النفط، وما تجنيه منه تحاول أن تستخدمه لتحقيق رغبات الذين حسبوا النفط غنيمتهم، وأبناء البلاد لا حق لهم بثروات أرضهم، فهم أيضا غنائم في عرف المتسلطين عليهم بثروات النفط التي تتوارد إليهم كالسيل العرمرم.

دكان متخوم، وشعب محروم، وأصحاب الدكاكين النفطية عوائل وأنظمة حكم وأحزاب، وكانهم يحكمون آبار نفط، ولا يعنيهم الشعب، بل عليهم أن يقهروه ويذلوه ويبعدوه عن التفكير بالنفط وعائداته.

وأساليبهم معروفة بتوفير الملهيات والصراعات البينية القاضية بتدمير التآلف المجتمعي، وتحويل المواطنين إلى أعداء بعضهم.

الدكاكين الصغيرة تحولت إلى متاجر كبيرة ومولات في زمننا، الذي فيه إستحوذت فئات معدودة على ثروات البلاد والعباد، وصارت تتكرم عليهم بالفتات.

من أعطى القلة صلاحيات سرقة ثروات الشعب؟

هل توجد دولة في الدنيا لديها ثروات محتكرة من قبل بضعة أفراد أو عوائل؟

واقع منطقتنا يؤكد إنحرافات إنسانية، وإستحواذات ذات فساد ومفسدة، لا مثيل لها في تأريخ الأمم والشعوب.

والعجيب أن الناس مذعنة، وترضى بالكفاف، وتهتم بما يعوّق مسيرتها ويبدد قدرتها على التقدم والنماء.

إنه الإنكار الفظيع لحقوق الإنسان، والقبض عليه بالحرمان من أبسط الحاجات، ولوي عنق وجوده بإبتكار الصراعات الداخلية، التي تكبل الناس ببعضهم وتذهب بصيرتهم، وتدفعهم لإستلطاف البؤس والتعود على شظف العيش، والذين في الكراسي يبذخون، وينهبون ويسلبون، ويعيشون كالأباطرة، ويصمّدون أموال الشعب في بنوك الآخرين.

فنعمة النفط تحولت إلى نقمة، وأصبح عدو الأجيال المبين، فبه تستعين دول الأمة على بعضها، وتزيد من أجيج العداء والتلاحي والإنحطاط.

والكراسي ألعوبة عند أسيادها الذين منحوها وكالة السلطة والفساد.

فدام الفقر، وتأسد الأغنياء، فالعيش غاب، ولينتشر الشقاء!!

***

د. صادق السامرائي

 

في عالم السياسة كثيرا ما يتردد مصطلح " الدهاء السياسي " الذي يشير الى الذكاء والحنكة والاتزان في التعامل مع الامور السياسية واتخاذ القرارات في حالة من الهدوء والتروي بعيدا عن حالة الغضب والتهور اللذين يقودان في غالب الأوقات الى التهلكة ودفع الثمن غاليا، ولا نبرأ الدهاء السياسي من المكر والمخاتلة وسعة الحيلة لكنه يختلف عن الانتهازية السياسية التي يمارسها عدد من سياسيي الصدفة الذين يتقافزون من شجرة الى اخرى من أجل الوصول الى الثمرة الأكثر نضجا، حيث أفرزت ساحتنا السياسية انماطا مختلفة وغريبة من الأداء ومنها ان السياسيين مهما اختلفوا فيما بينهم  وكشروا عن عداواتهم وتبادلوا الاتهامات  فانهم سرعان ما يضعون خلافاتهم جانبا ويعودون الى التوحد عندما يشعرون بخطر ما يهدد سلطتهم ويتوحدون امام عدوهم المشترك، فالممارسة السياسية في نظرهم تستدعي الكذب والتخلي عن المُثل والاخلاق من أجل تحقيق المنفعة التي تأتي من وجودهم في السلطة والتي يُطلق عليها اليوم بـ " البراغماتية السياسية " التي تؤكد على ان من يحكم الفعل السياسي هي المصلحة اذ ليس هناك عداوة وصداقة دائمة انما هناك مصلحة دائمة، في حين الدهاء السياسي يعني الفراسة وادراك عواقب الأمور واتخاذ القرار المناسب للخروج من المأزق بأقل الخسائر وكذلك اجادة فن استخدام أوراق القوة، ومن قصص التاريخ الطريفة التي تشير الى الدهاء السياسي هي عندما انشغل عبد الملك بن مروان بمحاربة مصعب بن الزبير، اجتمع وجوه الروم الى ملكهم وقالوا : قد امكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض والرأي ان تغزوهم في بلادهم . فنهاهم عن ذلك وخطّأ رأيهم ودعا بكلبين فأرش بينهما فاقتتلا قتالا شديدا، ثم دعا بثعلب فخّلاه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ماكنا فيه واقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم : هكذا مثلنا ومثلهم، والطريف ان هذه الحكاية لها ما يشبهها في واقعنا المحلي ففي مدينة الديوانية ــ محلة الجديدة الشعبية ــ عاشت عائلة عُرفت بكثرة نزاع ابنائها فيما بينهم وعادة عندما ينشب النزاع يهرع احد الجيران للوقوف بين الأخوة لفض الاشتباك ــ حاجوز ــ لكنهم كانوا يتركون نزاعهم جانبا وينقضّون عليه .

***

ثامر الحاج امين

عندما أسسنا هيئة النزاهة في سنة 2004 وكانت بقيادة القاضي الاستاذ راضي الراضي، وكان حينها عددنا محدوداً لايتجاوز أصابع اليد، وكانت ترشيحاتنا للعمل في الهيئة من القضاء والقضاة ولاعلاقة لها بأي حزب او سلطة ...

كُلفت شخصياً بوضع قانون هيئة النزاهة وانظمة مفوضية النزاهة كما كانت تسمى في بادئ الأمر  ونظام كشف المصالح المالية، بإعتبار ان التشريع من صميم اختصاصي في دراسة الماجستير - جامعة بغداد، حيث كانت رسالتي تتناول معايير تقييم السلوك ومعايير التشريع والحقيقة وليس مدحاً بالذات حضي المشروع بتقدير اساتذة القانون والمنظمات العربية والأجنبية التي اطلعت عليه ومنها جامعة الدول العربية ولحنة القانون السويسرية ....

وبعد ان دقق في مناقشات طويلة في مجلس شورى الدولة في ظروف مراجعات خطيرة في الشارع العراقي انذاك في 2005 ومابعدها، ومن ثم ارسل الى مجلس النواب لتشريعه

ولكن هذا القانون بقى حبيس المناقشات والجدل حتى سنة 2011 !!! وافرغ الكثير من محتواه عند تشريعه من جهات كانت تخشى قوة النزاهة وصلاحياتها التي تشابه في المشروع جميع صلاحيات الهيئات المقارنة عالمياً.

وقبل مناقشة عِلل النزاهة

نرى ماهي فكرة أو عِلة انشاء هيئات مستقلة للنزاهة تقوم بمكافحة الفساد بدلاً من القضاء؟

حسب الأصل ان ملاحقة جرائم الفساد و العقاب عليها  هو من اختصاص القضاء بمعية الإدعاء العام. لكن هذا الإختصاص الأصلي فشل في مواجهة جرائم الفساد في مختلف انحاء العالم لاسباب عديدة منها:

* ان القضاء يعالج الجرائم بمختلف انواعها من الجرائم التافهة الى الجرائم الكبرى وهو مشغول دائماً وليس متفرغاً لقضايا الفساد المتنامية بشكل خطير والتي اخذت تُمارس باساليب وتقنيات حديثة ويمارسها أشخاص متنفذون يمتلكون قدرات عالية من أساليب التحايل على القانون والإفلات من عقابه.

* قيام مافيات الفساد بالترصد للقضاة الى درجة تهديد او اغتيال كل من يفتح قضية فساد وخاصة في ايطاليا والولايات المتحدة وهونك كونك وغيرها من الدول ومنها اغتيال قاض ايطالي شهير هز موضوع اغتياله العالم لقيامه للتحقيق في قضايا فساد*.

* نتيجة للدراسات المتخصصة حول الفساد في الأكاديميات العالمية اصبح علم مكافحة الفساد علماً مستقلاً بذاته ومن ثم لابد ان تتحقق مكافحته على يد خبراء متخصصين من مختلف الإختصاصات العلمية والإنسانية (قانون، هندسة، طب، محاسبيين وتقنيين ....).

* اصبحت الرؤية الدولية ان تكون مكافحة الفساد عمل مؤسساتي (اي لايقوم به قاض منفرد ) بل عمل متكامل يشمل الوقاية من الفساد وملاحقة قضايا الفساد بأستخدام التقنيات الحديثة وكشفها والتحقيق فيها وان يكون عمل هيئة النزاهة بمثابة عمل متنوع قضائي ووقائي واستخباري وتعليمي  ....

* اكدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005 على انشاء هيئات مستقلة بعيدة عن أي نشاط حكومي او حزبي وتعمل وفق قواعد خلاقة وأساليب مبتكرة وقواعد اثبات جديدة بعد فشل الطرق التقليدية في الاثبات لتحصن الفاسدين باساليب الإثبات التقليدية.

* وأكدت على الجهد الإستخباري في ملاحقة الفساد وتبادل المعلومات بين الدول وملاحقة جرائم الفساد دولياً واسترداد اموال الفساد المنقولة عبر القارات.

* كما اكدت بشكل واضح وملفت على ضرورة ان يملأ كل شخص يتولى منصباً عاماً استمارة كشف المصالح المالية ابتداءاً عند توليه المنصب وعند خروجه من المنصب لبيان مدى تنامي امواله خلال فترة خدمته العامة بشكل لايتوافق مع مصدر دخله الاعتيادي.

وحاولنا جهد الإمكان ان يتوافق القانون مع متطلبات الاتفاقية الدولية بكل تفاصيلها ولكن هذا ازعج الكثيرين!!

  ومن ذلك:

ابتداءاً لايشترط ان يكون رئيس الهيئة قاض

والمتعارف عالمياً ان يكون رجل قانون وبعض الهيئات تعتمد محاسبين قانونيين لرئاستها وتعطي لرئيسها صلاحيات رئيس وزراء او وزير كما هو حال السلطات المستقلة في الدولة

ولكن الذي حصل وخلافاً لمشروع قانون الهيئة الاصلي

يتم تعيين قاض من الصنف الاول بدون صلاحيات قضائية حيث رفعت من مشروع القانون !!!! واي قرار يتخذه يجب ان يعرض على قاض تحقيق قد يكون من حديثي التخرج ومن الصنف الرابع للموافقة عليه او رده!!!

وهذا ليس عيباً بحد ذاته ولكنه يؤخر العمل كثيراً وقد يقرر القاضي  عدم اعتماد تحقيقات محققي النزاهة واعادة التحقيق من البداية وهذا من حقه قانوناً.

وهذا في الواقع خلاف مضمون فكرة انشاء هيئات نزاهة مستقلة حيث تمت اعادتنا للمربع القديم اي اختصاص القضاء في مكافحة الفساد  بدلاً من اختصاص هيئة النزاهة وكأنك يابو زيد ماغزيت

* في دورة دورة تدريبة في مصر دهشنا من الوسائل الاستخبارية المتطورة عند دائرة الرقابة الإدارية  مثلاً لديهم مسدس يرمي كاميرة صغيرة من نوافذ البنايات التي تخضع للرقابة ...

 وقد كوفح موضوع استخبارات النزاهة بشدة في مشروع القانون بداعي انكم تحاولون ارجاعنا للماضي وتقاريره وكأن الدول الديمقراطية الكبرى لاتوجد فيها استخبارات ومخابرات وتقارير مع اختلاف الغرض عنها في الدول الدكتاتورية هنه في الدول الديمقراطية!!

* وعندما طالبنا ان لايخضع محققي النزاهة للتفتيش عند زيارة مؤسسات الدولة ليتمكنوا من تسجيل الجرائم ومراقبتها وخاصة الرشوة كانت الاستجابة معاكسة حيت أبلغنا حراس احد الوزارات ان هناك تعليمات مشددة لتفتيش منتسبي النزاهة بشكل خاص ودقيق وسحب اي جهاز يحملونه!!!!

***

فارس حامد عبد الكريم

النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية

..............................

*من ذلك اغتيال القاضي جيوفاني فالكوني (بالإيطالية: Giovanni Falcone)‏ (18 مايو 1939 باليرمو - 23 مايو 1992) قاض إيطالي قضى حياته في محاكمة المافيا الصقلية كوزا نوسترا. اغتالته المافيا مع زوجته و ثلاثة من حراسه في انفجار قنبلة بلغ وزنها 350 كلغ من الديناميت تحت الطريق السريع من مطار بونتا ريسي لباليرمو بالقرب من بلدة كاباتشي.

 

كنت أتجول في معرض لرسومات سلفادور دالي (1904 - 1989)، ومعلوماتي عنه أنه من أعلام المدرسة السريالية، وأستخدم بعضا من رسوماته في أحاديثي عن السلوك البشري، وإكتسفت إهتمامه برسم الزهور والنباتات ومزجها مع الجسم الآدمي خصوصا المرأة.

وإستوقفتني جدارية كبيرة تمثل العلاقة بين السماء والأرض، وكأنها تختصر قصة الأديان، ففيها نبي أو رسول يتلقى ما يتلقاه من ربه، ويكون له أتباع يبدأون بأربعة ثم يتضاعف العدد، وكلما تكاثروا مالوا لقتال بعضهم، فتقول اللوحة أن ما جاء من السماء تسبب بتقاتلات لا تنتهي.

فهل أن الأديان من مسببات سفك الدماء؟

"...أ تجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء..."!!

المتابع لمسيرات البشرية فوق التراب، يجد أن معظم صراعاتها كانت لأسباب دينية، فالأديان تتقاتل، وأبناء الدين الواحد يتقاتلون ، فلا يوجد دين يخلو من الصراعات الداخلية والخارجية.

إنه سؤال محير، وسيقول الكثيرون أن العيب ليس في الأديان بل في البشر، الذي يؤمن بها ويسعى في سبيلها وفقا لتأويلاته، وظنونه بأن ما يقوم به يرضي ربه ويأخذه إلى عوالم السعادة الأبدية.

فهل أن الأديان وسائل للتعبير عن عيوب البشر؟

إن أفظع الجرائم ترتكب عندما تأخذ طابعا دينيا، لأن المجرم سيتحرر من المسؤولية، ويحسب ما يقوم به طقسا دينيا، وهو ينفذ ما يؤمر به أو يمليه عليه دينه، فيحرر ضميره من الرقابة والمساءلة.

الذين يعترضون على هذا الكلام، ربما سيعجزون عن الإتيان بدليل، يفند الفكرة التي وضعها سلفادور دالي بلوحته.

قد يقول قائل أن الإختلاف نعمة، غير أن الواقع يؤكد أنه نقمة، فالبشر فيه من العدوانية ما تنوء من حمله الجبال، ويبدو أن الإديان تفجر العدوانية الكامنة فيه، وتمنحها جواز التعبير عن توحشها بسلوكه المشين.

ولا ينفع مع البشر القول: "ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"َ!!

إنهالت الأسئلة أمام اللوحة الجدارية، والأجوبة مرعبة!!

فلماذا هي أديان وأديان؟

وما الحكمة من العدوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يأتي مصطلح الفزعة على ألسنة الكثيرين كدلالة على الولاء والمساندة سواء كانت تلك المساعدة معنوية أو جسدية، الفزعة في معناها الدارج لا تخضع لمفهومي الحق والباطل، أي إن دوافعها غالباً التعصب لأشخاص نحبهم أو على أقل تقدير تربطنا بهم صلات قرابة أو صداقة. هكذا ببساطة ننحاز لمن نحبّهم ونهرع لمدّ العون لهم، ولأقصى الدرجات التي تعمينا غالباً عن شروط الحكمة. يحصل هذا في مواقف حياتية، مشاكل ومواقف، أزمات ومِحن، فنحن تحرّكنا العواطف أكثر ممّا يفعل العقل، وهذه إحدى مشاكلنا النفسية التي لم تفلح الثقافة -ومهما بلغت مدياتها- في تهذيبها أو ايجاد حلٍ لها، إن (الفزعة) وهذا موضوعي هنا، وجدتْ طريقها إلى عالم الأدب، فبرزت لدينا ظاهرة الفزعة الأدبية، وتكوّنت بيننا طبقة أدباء وجمهور الفزعة، وهي ظاهرة لا تختلف كثيرا عن النوع الأول، فهي لا تعبأ بشروط الفن، واعتبارات النقد الرصين كمعايير لتحليل النصوص. والتفاعل معها والتعاطي مع تفاصيلها، ولا تلتمس الموضوعية في جميع طروحاتها وتقوم على الشللية التي باتت سمةً للأدب.

حضرتُ قبل فترة جلسةً أدبية لأحد الكتاب، وفي حالة لا تتكرر كثيراً وجدتُ القاعة ممتلئة عن آخرها، وكانت جميع الطروحات أو الدراسات أو الآراء النقدية تمجّد بالضيف المدعو، مبتعدةً عن عمق التحليل والموضوعية. عندما سألت الروائي إلى جانبي عن رأيه في الجلسة، قال لي إنها في الحقيقة ليست جلسة، إنما (عرّيس وربعه يزفونه)! مع إنه أبدى إعجابه بالضيف، ككاتب له بصمة جيدة، لكنه أبدى استغرابه من دراسات سطحية قوامها المديح والثناء عوضاً عن الدراسة الرصينة. وفي الحقيقة أن تلك الجلسة وسواها لم تكن سوى فزعة أدبية قام بها أصدقاء لمساندة صديقهم، هذا ينطبق على الحاضرين أيضا، الذين أتوا لمساندة زميلهم ولتكثير العدد. إن الكثيرين ممن يحضرون غير معنيين بما يقال في الجلسات، بل إن بعضهم لا يكترث فيشغل نفسه بهاتفه أو بحديث جانبي مع زميله، كما إن الدراسات هي في الغالب تطييب خاطر لأنها أيضا تقع تحت طائل أدب الفزعة. إن ما يحصل واقعاً، يحصل بذات الطريقة الكترونياً على صفحات الفيسبوك، حيث بسهولة يتم ملاحظة الإنحياز التام للأديب ممن هم حواليه، بصرف النظر عن جودة ما يكتبه وجماله الفني. قد ينظر البعض لهذه الظاهرة بحسن نية ولا مبالاة زاعمين أنها تشجيع معنوي مطلوب، لكنه من منظور فني موضوعي أمر خطير جداً، لأنه يعمل على تزييف الأدب، وخلط المعايير الفنية الجمالية وخلق نماذج أدبية من وهم، وهذا كلّه يسحق الذوق العام ويتسبب في تراجع الأدب، أو انحداره وتحويله إلى مسخ، لن يعترف به العالم من حولنا.

إن رفع الخطاب الأدبي نحو الموضوعية، وتخطي ظاهرة التعصب والانحياز الأدبيين ليس أمراً سهلاً، لأن هذه الظاهرة ترتبط بعوامل نفسية متأصلة، قوامها بيئة اجتماعية ترسخ عادات الإنحياز العاطفي، والحياد عن الموضوعية، ولكي نتخلص من هذه الظاهرة ينبغي ترسيخ مفاهيم علمية رصينة في العملية الثقافية برمتها، وقبل ذلك ينبغي أولاً مواجهة حقيقة أننا لازلنا في مرحلة ما قبل الأدب، وهذا يشبه درجة ما دون الصفر، هذا لا يعني أننا لا نملك أدباء جيدين، بل إن الأدوات تكاد تكون كلّها مكتملة، من أدباء ونقّاد وناشرين ومكتبات وحتى جمهور، لكن هذا يشبه أننا نملك كل مكوّنات طبخة معتبرة، لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة إتقانها.

***

تماضر كريم

توقفت عند الفيديو الذي يظهر فيه شاب يجلس على كرسي، فيما يقوم شخص بقص شعره بماكنة حلاقة، وبين الحين والآخر يوجه له الصفعات، الحلاق الذي قرر أن يتولى منصب القاضي ليحاكم شاباً ربما أخطأ في حق أحد رجال الدين، أراد أن يثبت للمشاهدين أن ماكنته فوق القانون وأن بإمكانه أن يحلق رأس أي شخص، طبعاً من ضمنهم كاتب المقال دون أن يحاسبه أحد، فنحن نعيش في دولة يطلق فيها سراح سارق الثلاثة مليارات دولار، ويكافأ فيها من قرر أن يُطلق سراحه، في الوقت الذي يعاقب فيه مسؤول آخر صرخ " أنقذونا من حيتان الفساد " .. وقبل أن انتهي من مشهد الفيديو المؤلم الذي يقول للعالم إننا دولة بلا قانون، نبهني صديق الى تصريح للنائب رعد الدهلكي نشرته احدى الصحف، يقول فيه إن "رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي هدد بسحب قانون العفو في حال عدم التصويت على الأحوال الشخصية".

كنت أتمنى أن لا أعود إلى الكتابة عن مجلس النواب، لكن ماذا أفعل ياسادة والبعض من أصحاب الكراسي النيابية لا يزالون يصرون على تحويل قبة البرلمان إلى ساحة للنزال، ففي ظاهرة، ربما تنفرد بها بلاد الرافدين، يشن السيد محسن المندلاوي الحرب على النواب الذين يرفضون إقرار تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، ويوجه مدافعه الثقيلة تجاه المعترضين على مناقشة التعديلات، وقبل أن يتهمني السيد محسن المندلاوي بالعمالة للأجنبي وتنفيذي لأجندات مشبوهة، وهي التهمة الجاهزة التي يطاردون بها كل من يعترض على مخططاتهم لتحويل العراق إلى قندهار . أحب أن أنبه "سيادته" إلى أنني كنت وما زلت مع أن يأخذ البرلمان مكانه الحقيقي ويكون صوتاً للشعب، يناقش القوانين التي تهم مستقبل البلاد، ويسعى للسير بالعراقيين إلى الأمام وليس العودة بهم إلى العصور الوسطى.

يدرك السيد القائم بأعمال رئيس البرلمان أن في هذه البلاد لا يوجد مواطن واحد يمكنه الاعتراض على ما يقوله أصحاب الجاه والسلطان، مثلما لا يوجد مواطن يمكنه أن يخرج في تظاهرة تندد بالعبث الذي يجري داخل قبة البرلمان .

لقد بحت أصوات الجميع بأن بقاء العراق واستقراره ليس مرهوناً بقانون الأحوال الشخصية، ولا في جلوس محمود المشهداني على كرسي رئاسة البرلمان، فالناس تدرك جيداً أن هناك سوراً بين أحلام المواطن واحتياجاته وتطلعه الى المستقبل، وبين طموحات النواب وامتيازاتهم، كما أن الناس تدرك أن شؤون البلاد والعباد لا تدار بمبدأ " مشيلي وامشيلك ".

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم