أقلام حرة
موسى فرج: يوم سقوط سيزيف العراقي

رداً على ما كتبه صديقي دكتور قاسم حسين صالح في أصبوحته لهذا اليوم من أن: " ٩ نيسان 2003بوابة الفواجع والأحزان":
تقول الأسطورة الإغريقية أن سيزيف تمكن من خداع إله الموت وكبله بالأصفاد والأقفال فمنعه من ممارسة مهنته في سلب الناس أرواحها وبذلك منع الناس من أن تموت. لكن فعل سيزيف قد اغضب الآلهة فأصدروا عليه حكماً بأن يعيش حياة أبدية بلا موت على أن يقضي حياته الأزلية في عمل غير مجدٍ، بأن يقوم بدحرجة صخرة عظيمة صعوداً الى الجبل لكن الصخرة ما إن تصل الى ثلثي المسافة حتى تعود لتتدحرج الى عمق الوادي السحيق فيعود سيزيف ليكرر المحاولة من جديد فتكرر الصخرة دحرجتها الى عمق الوادي السحيق ويعود سيزيف الى القيام بتنفيذ ما حكمت عليه الآلهة به ومن دون نهاية...
الشعب العراقي وبعد إن أحاله صدام الى مجرد ركام لا يحتكم على قوة سيزيف ولا يملك وعي سيزيف، تمنى مجرد تمني الخلاص من إله الموت لتتوقف عبثية إماتة الناس وبالصدفة المحض تحققت أمنيته بعد إن شارف على الانقراض، فهبطت قوى لا صلة له بها ولا سابق معرفه فكبلت إله الموت ومن ثم سحقته في حفرة اختارها هو نفسه لنفسه.
لكن ذلك أغضب الآلهة فحكمت على الشعب العراقي بما حكمت به على سيزيف بأن يمضي حياته يدحرج الصخرة صعوداً الى الجبل وعندما يبلغ بها مسافة لا بأس بها تعود تتدحرج الى الوادي السحيق في عملية متكررة لا نهاية لها وبلا أفق...
من ذاكرتي السحيقة إن أمي حكت لي عن قريبتها التي تزوجت من صاحب أغنام وكان مربو الأغنام وقتها يسيحون في بادية السماوة الممتدة حتى الحدود السعودية يتنقلون بأغنامهم سعياً وراء العشب والماء لرعي أغنامهم وكانوا ينقلون أمتعتهم على ظهور الحمير فيلتحقون برعاة أغنامهم ، وحصل ان أحد الحمير سقط مغشياً عليه في الطريق من جراء ضعفه وثقل حمله فقام الرجل زوج قريبة أمي بتوزيع حمل ذلك الحمار على بقية الحمير وأمر زوجته قريبة أمي بالمكوث عند الحمار لتلحق بهم والحمار عند افاقته من غيبوبته، انتظرت المسكينة إفاقة الحمار لكن الحمار مات...وفي هذه الحالة فإن زوجها المتخلف والجبار والقاسي لن يقبل منها قولها إن الحمار قد مات إن هي عادت بدونه وسيقسو عليها كثيراً، فقامت بربط قوائم الحمار الميت ورجليه بفوطتها وعلقته برأسها ونهضت والحمار الميت على ظهرها وتبعت أثر الركب الذي أناخ بعد مسافة ليست بالقصيرة وكانت المسكية حاملاً وعندما بلغتهم سقطت والحمار الميت على ظهرها فأسقطت جنينها ، وعندما أفاقت في وقت متأخر عاتبها زوجها المتجبر المتخلف: لماذا فعلت ذلك ...؟! فأجابته منتحبة: لأنك لن تصدقني لو قلت لك ان الحمار مات ...
فأشفق عليها وأطرق برأسه لكنها عاجلته بوهن وانكسار وبعيون مخضله بالدموع: ناشدتك الله أن تعتقني !..
رق لها قلب المتخلف المتجبر وقال: لك ذلك...فطلقها لتعود في نهاية الموسم الى أهلها وتعيش حياتها من جديد...
سيزيف العراقي جريرته إنه لم يتزوج مجرد متخلف متجبر مثل زوج قريبة أمي الذي رغم تخلفه وجبروته رق قلبه في النهاية بعد إن تمثلت أمامه مأساتها فأعتقها، بل كانت جريرة الشعب العراقي وما زالت انه ائتمن الخائن الفاسد فلو كان قد اختار الأمين ما أضطر لأن يمضي حياته مثل أبو الجعل يطمس أرجله بالوحل فينوء بحمله في مسعاه لصعود الجبل فكان كلما قطع شوطاً تدحرج بحمله الثقيل الى الوادي السحيق فيكرر وبالطريقة ذاتها دون أن يتجنب الوحل ...
هذا هو لب القصه وليس بما يختزله صديقي الأثير دكتور قاسم حسين صالح في أن " 9 نيسان 2003 بوابة الفواجع والأحزان."، فالفواجع والأحزان في حياة الشعب العراقي سبقت ذلك اليوم بمدة طويلة وستستمر معه طالما إنه يتمسك بذهنية أبو الجعل فيغمس قوائمه بالوحل ويسعى دونما طائل ليصعد الجبل.
المثل الصيني يقول:"هناك طرق عديدة للنجاة لكن الجبان يختار أقصرها...الهرب." وعندنا فإن طرق الصعود عديدة لكن أبو الجعل يختار الوحل ...فكيف له أن يصعد ...؟!
وعلي يقول:" ما خانك الأمين، ولكنّك ائتمنت الخائن.".
***
د. موسى فرج