أقلام حرة

ثامر الحاج امين: الخيانة.. لا تطهر بالتقادم

تشير المدونات التاريخية والسياسية والأدبية الى ان الخيانة التي أخذت تتفاقم وتظهر الى العلن في بعض المجتمعات ويستمرئ البعض النوم في أحضانها بكل وقاحة وصلف هي ليست حالة حديثة العهد ووليدة متغيرات جديدة في الميادين السياسية والاجتماعية، بل هي ظاهرة موغلة في القدم وبعضها خيانات عظيمة غيرت مجرى التاريخ، فالتاريخ العربي مثلا حفل بالعديد من الأبطال الى جانب عدد من الخونة الذين كانت خيانتهم السبب في سقوط وانهيار دول عديدة، ولنا مثال في خيانة  "أبو رغال" الذي ساعد أبرهة الحبشي في محاولته الفاشلة لهدم الكعبة، وتشير مسيرة التاريخ الى ان الخيانة وان نجحت مؤقتا في تحقيق المنافع لصاحبها ولم يجرؤ أحد على تسميتها بذلك في ايام نجاحها لكن حقيقتها ستظهر وحينها ستكون ضريبتها كبيرة متمثلة بالذل والهوان والعار الذي سيظل يلاحق الخائن وعائلته طوال تاريخه ذلك انها لا تقل بشاعة عن البراءة التي وصفها الشاعر مظفر النواب (تظل مدى الأيام عفنه) كما ان الخيانة سلوك لا ينبذه مجتمع معين بذاته انما هو مذموم ومرفوض في كل المجتمعات وبمختلف ثقافاتها واديانها، فالضابط النرويجي (كويز لنج) الذي خان بلاده وباعها للألمان فجعلوه رئيسا لها لم ينعم ببركات الرئاسة طويلا اذ بعد هزيمة المانيا حاكمه شعبه واعدمه سنة 1945 .  وقد حفل أدبنا العربي قديما وحديثا بالعديد من القصص والاشعار والاساطير والملاحم التي تحدثت عن الخيانة والدوافع المحفزة لها، فالخيانة كظاهرة نفسية هي أحدى الموضوعات التي عالجها الأدب العراقي القديم ولعل اسطورة (ايتانا والنسر) هي واحدة  من  اقدم نصوص العصر البابلي القديم (2000 ــ 1600 ق . م) التي اشارت الى الخيانة والتي وصفها المؤرخ البريطاني (ار . ماكروبرت) بانها رسالة سياسية .

 وموضوعٌ الخيانة متأصلٌ في الكثير من الأعمال الأدبية، فقد خطّ الشعراء العديد من القصائد التي أدانت الخيانة والخائنين، فالشاعر أبو العلاء المعري يقارن بين فعل الخائن والسارق فيقول عنهما:

ما رَكِبَ الخَائِنُ في فِعلِهِ .. أَقبَحَ مِمّا رَكِبَ السارِقُ

شَتّانَ مَأمونٌ وَذو خُلسَةٍ ..  كَأَنَّهُ مِن عَجَلٍ بّارِقُ 

كما ان الشاعر المتنبي ينصح بتوخي الدقة في اختيار الصاحب وعدم الانخداع بالمظاهر في قوله:

لا تبك من خان المحبة والوفا .. اهل الخيانة مالهم مصداق

لا يخدعنك في المعادن حسنها .. كم في المعادن زائف براق 

ويأتي بعدهما  الشاعر بدر شاكر السياب غير مصدق  فعل الخائن ودوافع خيانته ليعلن:

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون

أيخون إنسان بلاده؟

إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟

وحتى نكران الجميل يندرج ضمن افعال الخيانة، فحينما ينكر الفرد لمن أحسن إليه جميله وفضله عليه هي خيانة جسدها قول الشاعر معن بن اوس المزني في قوله الشهير:

أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ .. فَلَمَّا اشْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني

للأسف كل هذه الأدبيات والشواهد التي تتحدث عن الخيانة وبشاعتها الا انها مازالت تجارة رابحة عند البعض وان الخونة والمنافقين والعملاء لا يتعظون ولا يتعلمون ولا يتوقفون، رغم النهايات المأساوية التي يصلون اليها والاضرار المعنوية التي تصيب اجيالهم بعد حين فالخيانة نجاسة لا تطهر بالتقادم.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم