أقلام حرة

بنيامين يوخنا دانيال: السياحة والتلوث.. ضدان لا يجتمعان

السياحة والتلوث ضدان لا يجتمعان أبدا، وأينما وجدت آثار ومسببات التلوث بأنواعه، انحسرت الأنشطة والفعاليات السياحية، خصوصا لو ارتبطت بالمناطق المتسمة بالحساسية والهشاشة البيئية، مثل الشواطئ والجزر المرجانية والمحميات الطبيعية المتميزة. حيث تأتي نظافة وجودة الموارد والمقومات الطبيعية المتوافرة فيها، مثل المياه والمناخ والأرض في مقدمة المغريات (المشوقات) التي تستأثر باهتمام السواح، خصوصا في ظل انتشار الثقافة البيئية والوعي بأهمية التنوع الحيوي (البيولوجي) وظهور وانتشار أنماط سياحية جديدة، مرتبطة بالبيئة الطبيعية ومنسجمة مع الاستدامة البيئية على نحو واسع، مثل السياحة الصديقة للبيئة والسياحة الناعمة والسياحة الخضراء والسياحة المناصرة للبيئة وغيرها. وبإمكاننا أن نسوق هنا الكثير من الأمثلة على الكيفيات التي أثر بها التلوث على السياحة سلبا بصورة مؤقتة أو دائمية، وعلى نحو خفيف أو عميق، وفقا لطبيعة التلوث ومصدره، ومدى انتشاره ومستواه وغيرها من العوامل. ليشكل بذلك أحد أهم المخاطر والتحديات التي تعيشها صناعة السياحة والسفر على النطاق العالمي، وعلى المستوى الوطني للكثير من الدول، متقدمة كانت أو نامية. ففي تونس مثلا شكلت سحب الغازات السامة الناجمة عن المعامل والمصانع المرتبطة بالنشاطات النفطية والصناعات الكيمياوية والواقعة على بعد (2) كلم تقريبا من مركز (قابس) أهم عامل لتراجع النشاطات السياحية في الولاية المذكورة، خصوصا تلك المرتبطة بالمنطقة الساحلية في خليج قابس، مثل السياحة والصيد وركوب الزوارق الصغيرة، فشهدت في السنوات الأخيرة تراجعا واضحا في أعداد السياح، وتعثر السياحة الداخلية في المنطقة على نحو بين. أما في المغرب فكانت القاذورات والأوساخ المرماة من قبل السفن التي تستخدم الممرات المائية المرتبطة ببحيرة (نعيلة) المعتبرة محمية طبيعية منذ عام 2006، والمشمولة بالاتفاقية الدولية للأراضي والمناطق الرطبة (اتفاقية رامسار الموقعة في ايران عام 1971 والمنفذة اعتبارا من 21 كانون الأول 1975)، وبقايا ومخلفات السكان من أهم مسببات تلوثها، ودفع السواح إلى الاحجام عن زيارتها كما كانوا يفعلون في السابق، رغبة منهم في التمتع بالغطاء النباتي والتنوع الاحيائي التي كانت تتمتع بها. كذلك الأمر في شواطئ طنجة المغربية (بلايا، وادليان، الزاهارا، الدالية، لابلايا بلانكا، الديكي، سيدي قنقوش، المريسات، القصر الصغير) التي انحسرت فيها السياحة الساحلية على نحو ملحوظ بسبب التلوث. وانتشار بقعة الزيت من (الجونة) إلى (سهب حشيش) من شواطئ الغردقة المصرية عام 2010 المعروفة باستقدامها لأعداد كبيرة من السياح فشكلت بذلك تهديدا جديا للموسم السياحي في تلك السنة. أما في المملكة العربية السعودية فقد حرم التلوث الناجم عن تسرب مواد كيمياوية إلى متنزه وطني كبير في الطائف في عام 2012 آلاف الزوار والسياح من متعة زيارة هذا المتنزه الحيوي الذي له رواده من الأسر القاطنة في المدينة وغيرهم. وفي عام 2009 تضررت البيئة البحرية والشعاب المرجانية على سواحل مدغشقر جراء تسرب زيت الوقود ومياه الصرف الصحي من سفينة تركية محطمة لتؤثر سلبا على مجمل النشاطات في المنطقة، وبالذات برنامج السياحة والاصطياف.  كما تأثرت المنتجعات السياحية الشاطئية في منتجع (تاونغا) السياحي النيوزيلندي وغيره بنفس الطريقة بعد تحطم سفينة (ريتا) بالشعاب المرجانية على الساحل الشرقي ل (نورث آيلاند) في عام 2011. وتأثرت الحياة على شاطئ العقة وشاطئ منطقة البدية حول الفجيرة بالامارات العربية المتحدة والسياحة على وجه الخصوص إثر انتشار بقعة نفطية في عام 2011. وأمثلة غيرها كثيرة.

***

بنيامين يوخنا دانيال

.....................

* عن (السياحة والتلوث: مقالات) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2013.

 

في المثقف اليوم