أقلام حرة
مجيدة محمدي: لا تقارن نفسك بأحد…

لأنك ببساطة، لست كأحد
ينبت في قلب الإنسان وهم المقارنة كأشواك في حديقة كان يفترض أن تنمو فيها الزهور.
ننظر حولنا، نحدّق في حيوات الآخرين كما لو أنها شرفات مطلة على الجنة، وننسى أن نلتفت إلى حقلنا الداخلي، إلى التربة التي نحرثها بأيدينا كل يوم، وإلى البذور التي سقيناها من وجعنا، من صبرنا، ومن أحلامنا التي لا تشبه أحلام أحد.
المقارنة، ذلك الفخ الهادئ الذي يُنصب في صمت ، داخل الذهن ، تبدأ من حيث لا نشعر، حين نُدهش من نجاح صديق، أو جمال عابر، أو ثراء شخص التقيناه في صدفة عابرة. نتساءل: لماذا هم وليس نحن؟ كيف تسير حياتهم كما يشتهون، بينما نحن نتعثر بأحلامنا كمن يمشي في ضباب كثيف لا يرى فيه موضع قدميه؟.
لكنّ الحقيقة الأعمق، تلك التي لا تراها العين، أن لكل روح حكايتها، وأن ما يبدو "أفضل" قد يكون مجرد قشرة لجرح دفين، أو ستاراً يحجب عنا معارك لم نشهدها، وأحزاناً لم نسمع أنينها. أنت لا تعرف كم مرة انكسر ذاك الذي تحسده على صلابته، ولا كم مرة بكى ذاك الذي تراه يضحك دوماً. لا تعرف كم تاه، كم خسر، كم تألم…
أنت لم تعش طفولته، لم تكن في بيتهم، لم تحمل أفكاره، لم تُربَّ على ما تربى عليه. حتى إن تشابهت الملامح، فالقلوب لا تتشابه. أنت نسيجٌ فريد من التجارب، من المواقف، من اللحظات التي شكلتك كالماء ينحت الصخر. أحلامك ليست أحلامهم، وآلامك ليست آلامهم، ونقطة بدايتك ليست نقطتهم.
لذا فإن المقارنة ظلم. ظلم لنفسك أولاً. أنت تقيس شيئاً غير قابل للقياس، كمن يحاول وزن الريح بأثرها على خصلات شعره أو قياس دفء الشمس بميزان حرارة منزلي . كل واحد منّا يمشي على خط زمني مختلف، في خريطة لا يمكن أن تتطابق مع خريطة غيره. فكيف تُقارن من بدأ السباق قبلك، بمن سار في طريق مبلط بالورود، بينما قد تشق انت طريقك في صخور الحيرة، تقف ثم تنهض، تنزف ثم تبتسم؟
إنك حين تقارن نفسك بأحد، كأنك تقول لزهرة بنفسج: لماذا لست كالشمس؟ وتنسى أن البنفسج يولد ليكون ظلاً جميلاً، عطراً خفيفاً في قلب الربيع، لا ناراً تحرق السماء.
الحياة ليست سباقاً، بل رحلة. والرحلة ليست عن الوصول قبل الآخرين، بل عن التفتح التدريجي لذاتك، كزهرة تنمو في صمت، لا تستعجل، ولا تستعرض، بل تتفتح حين يحين موعدها، في اللحظة التي كتبها لها القدر.
كن كما أنت، كما خُلقت، بشغفك، بأخطائك، بنجاحاتك الصغيرة التي قد لا يراها أحد سواك. توقف عن النظر في مرآة الآخرين، وابدأ النظر في عينيك… فهناك، فقط هناك، تبدأ رحلتك الحقيقية.
لا تقارن. بل تأمل. لا تحسد. بل تعلم. لا تنسَى أن لكل منا مساره، ولكل روح جراحها، ولكل حلم وقته المناسب ليولد.
واذكر دائماً… أنك لست نسخَة من أحد، بل قصيدة فريدة، تكتبها الحياة حرفاً حرفاً، وجملة جملة، لتكون في النهاية… أنت.
***
مجيدة محمدي