أقلام حرة

مجيد ملوك السامرائي: التواضع والبساطة والقناعة

معادلة السعادة الحقيقية الهادئة

في زمنٍ تسوده العجلة وتُسيطر عليه ثقافة الاستهلاك يصبح البحث عن السعادة تحديًا حقيقيًا، إلا أن التجارب الحياتية والدراسات النفسية والاجتماعية أكدت؛ أن السعادة الحقيقية لا تكمن في مظاهر الثراء ولا في سباق الامتلاك، وانما في ثلاث قيم راسخة؛ التواضع والبساطة والقناعة.

فالتواضع؛ ليس ضعفًا ولا إنكارًا للذات ... وانما رفعة الأخلاق وعنوان الاتزان النفسي، فالمتواضع لا يعلو على أحد ولا ينتظر التقدير من احد، انما يُعامل الجميع باحترام وصدق ويكسب محبتهم بلا عناء، ويترك في الآخرين أثرًا لا يُنسى، كما يتحرك في الحياة بثقة هادئة، ويحمل قلبًا كبيرًا خاليًا من الغرور يمنحه شعورًا بالسكينة والتوازن.

أما البساطة؛ فهي فـن العيش بإيقاع متناغم مع النفس ... هي ليست فـقرًا كما يتوهّم البعض وانما؛ خيارٌ راقٍ يُعبّر عن نضجٍ داخلي بأن تختار ما يناسبك لا ما يُرضي أعين الآخرين، فتجد السكينة في مكانٍ متواضع وبلحظة صفاء وتفرح بالتفاصيل الصغيرة، ففي البساطة تتحرر من الاستعراض وقيد التكلّف، وتستعيد عمق الحياة بالتفرّغ لما هو أعمق وأجمل.

والقناعة؛ هي مفتاح الرضا وليست تخلّيًا عن الطموح، انما حكمةٌ تُعلّمك (متى تقول هذا يكفيني)، فالإنسان القنوع؛ لا يقارن نفسه بالآخرين، فلا يركض وراء ما لا يملك بل يعيش ممتنًا لما هو بين يديه، ففي قلبه راحة ورضا وفي عينيه نور فرح حقيقي، واثقًا أن البركة ليست في الكثرة وانما في الرضا.

أثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية أن الأشخاص المتواضعين والبسطاء الذين يرضون بما لديهم دون مبالغة في التطلعات المادية هم؛ الأكثر سعادة ورضًا عن حياتهم، لأنهم لا يعيشون في دوامة المقارنات، ولا ترهقهم أعباء التنافس المحموم على المظاهر.

هـكذا في خضم الضغوط المتسارعة نحتاج لإعادة النظر في موقع هذه القيم في حياتنا؟ ولابد من ان نُعِيد ترتيب أولوياتنا؛ ونعُود إلى جوهر القيم الإنسانية ... فنعُود لإنسانيتنا النقيّة، فهذه القيم التي تبدو قديمة في أعين البعض، تُعدّ في الحقيقة مفاتيح السعادة الحقيقية والدائمة، فهي ليست مجرد صفات أخلاقية بل مفاتيح ذهبية تفتح أبواب الراحة النفسية والسلام الداخلي ... وإن العودة إلى هذه المبادئ ليست تراجعًا وانما ارتقاءٌ إلى وعيٍ أصفى وروحٍ أهـدأ. فهل نسينا أن السعادة لا تُقاس بالأرقام، بل تُقاس بما نشعر به في دواخلنا؟.

هذه القيم لن نجدها في الأسواق بل في أعماقنا، كما ينبغي الادراك بأن الحياة ليست بما نملك وانما بكيف نعيش ... فالسعادة لا تُمنح لمن يملك أكثر بل لمن يعرف كيف يعيش بقلبٍ راضٍ وبتواضع وبساطة، ورضا بم قسمه ’الله’ تعالى، وهذه هي) الوصفة الحقيقية للسعادة الدائمة). فالتواضع يمنحك احترام الناس ... والبساطة تُنقّيك من زيف العالم ... والقناعة تُثمر طمأنينة لا تُشترى، فلنُعِد النظر ولنتأمل في جمال الحياة البسيطة، ففيها تكمن البركة، والطمأنينة، والسعادة التي لا تُقَدَّر بثمن.

***

مجيد ملوك السامرائي – كاتب اكاديمي

....................

المراجع:

1. Seligman, M. E. P. (2002). Authentic Happiness, Using the New Positive Psychology to Realize Your Potential for Lasting Fulfillment. N. Y. , Free Press.

(سيلجمان، السعادة الأصيلة)

2. Brown, B. (2010). The Gifts of Imperfection, Let Go of Who You Think You're Supposed to Be and Embrace Who You Are. Center City, MN, Hazelden.

(براون، تخلَّ عن من تظن أنك يجب أن تكون، واحتضن من أنت بالفعل)

 

في المثقف اليوم