أقلام حرة
زهراء الطائي: عبث السلطة في زمن الجفاف
يفتتح كافكا رواية التحول بعبارة تصدم كل من يقرؤها ويجعله يعيش حالة من الذهول اللحظي، عبارة تستطيع ان تشاهدها وتشعر بها وتعيشها، ونسأل عن الظروف التي دعته لخطها وجعلها فاتحة الرواية وعتبتها، فكيف يمكن لأنسان ان يستيقظ من حلم سيء ليجد نفسه حشرة! ويموت وهو حشرة وكأنه لم يعش كأنسان ابداً!
" استيقظ غريغور سامسا ذات صباح، على إثر أحلام سادها الاضطراب، وجد أنه قد تحول وهو في سريره الى حشرة عملاقة."
هذه العبارة كفيلة بأن تمثل المشهد الإنساني في العراق اليوم، فالعبث لدينا لم يعد مجرد تجربة وجودية لأنسان فقد المعنى من وجوده، بل تحول الى ممارسة مقصودة من قبل السلطة تصنع اللامعنى عبر ترويجها للخير والوفرة على نهر جاف ومريض! فالساسة في العراق لم يتحولوا الى حشرات منبوذة كما حدث مع غريغور سامسا، بل الى مسوخ فاعلة تعيد تشكيل الواقع على صورتها المشوهة، ولأنها فقدت احساسها بالواقع الحقيقي صار مشروعها الانتخابي هو القضاء على كل ما تبقى من الحس الإنساني والمبادئ الأخلاقية، فبمجرد رؤية صورهم الانتخابية معلقة على نهر دجلة العريق وهوَ في حالة الاحتضار سنعلم بأننا تجاوزنا مرحلة الانسان الذي يعاني من عبث العالم، وصرنا نعيش في زمن العالم الذي يجعل العبث هدفاً له، فالجفاف الذي يهدد النهر ليس حدثاً بيئياً وحسب، بل هو سيمياء مباشرة وصريحة لنهاية الوجود الانساني في العراق بكل قيمه، وبكل ما فيه من حياة.
فقد تركب شعار "اريد وطن" وتضخم حتى صار " اريد الحياة".... فيا شاعر العرب الأكبر لقد أصبت حين قلت : يا دجلة الخير...أدري بأنك من ألفٍ مضت هدراً... للآن تهزين من حكم السلاطين فيباس دجلة ليس سورى صورة حية من وحي الطبيعة لوضع الانسان العراقي اليوم، الذي ذبلت أماله في وطن افضل وصالح للعيش، دجلة الذي ترسبت فيه المياه الآسنة والطين الملوث، والذي لم يعد مكاناً صالحاً لعيش الكائنات فيه، لا يختلف عن عقولنا الآسنة والراكدة في جوف بلادتها وعجزها، صورة النهر وهو يفقد هويته، انعكاس بيئي لاضمحلال ضمائرنا في فضاء الأيديولوجيات التي ترفض ان توجه ببصرها نحو شريان العراق وماؤه.
انظر يا طاليس الى الماء لم يعد اصلاً للوجود، بل لم يعد هنالك اساساً حياً له.
***
زهراء ماجد الطائي






