أقلام حرة

عبد الله الجنابي: نكوصات تاريخية

لستُ محللاً سياسياً ولا أتعامل مع المعطيات السياسية كعلم من العلوم الحديثة؛ إنما أتلقي السياسة كمواطنٍ تؤثر فيه وتؤثر على حياته اليومية من جميع الجوانب. قرأت خبراً —ليس جديداً بالمرة— عن النية في إنشاء جيش أو قوة عربية لمواجهة «التهديدات الوجودية» للأمة العربية. أود أن أعبر عن رأي شخصي في هذه الفكرة القديمة الجديدة.

الفكرة النظرية الافتراضية جيدة ومفيدة، ولكن:

من أي دولة ستستوردون السلاح؟ الدول التي ستصدر لكم السلاح هي في الغالب أعداؤكم؛ ومن ليس عدواً صريحاً فهو متواطئٌ أو مستفيدٌ من تحت الطاولة. من أين ستستوردون هواتفكم المحمولة وأجهزة الاتصالات؟ عدوكم هو من يصنِّعها، وإن لم يصنعها فهو قادر على التجسُّس عليها. من هم حلفاؤكم المضمونون؟ فالحروب تتحقق بتحالفات وتنسيق ومصالح. كيف تأمنون من خيانات بعضكم لبعض، وهناك الكثير من عملاء عدوكم بين ظهرانينا الآن؟ كيف تأمنون شعوبكم وأنتم لم تَأتُوا إلى كراسيكم بانتخابات نزيهة—بل تَفترضونهم بالقوة—ولو سنحت للشعوب الفرصة لطردتكم؟

هل شعوبكم موحَّدة ومتحضِّرة، أم أن الحرب قائمة بينهم: سنة وشيعة ودروز وخوارج وبهائية وعلويون...؟ هل ستقولون في النهاية إنكم انتصرتم لأن عدوكم أراد إسقاط حكمكم فتصدَّيتم له، وبالتالي حافظتم على دولكم وكراسيكم ونظام حكمكم؟ كيف سيصدر إعلامكم البائس وجهة نظركم إلى العالم؟ هل سيكتب أن الفُرس مجوس، أو أن الباكستانيين إرهابيون، وأن تركيا جماعةٌ إسلامية؟ هل سيقول الإعلام إن غير المسلمين كفرة يجب قتالهم؟

كيف سيقتنع العالم بأنكم متحضّرون بينما قسماً منكم يريد استعادة الخلافة وتطبيق شريعة تجرُّ النساء للعبودية والبيع؟ كيف سيقتنع العالم بعدالة قضيتكم بينما بعضكم أقام نصباً لصدام—أعتى دكتاتور وطاغية في العصر الحديث؟ تقاتلون عدوكم بجيش نصفه من الأميين والطائفيين—كيف سيتعاملون مع الذكاء الاصطناعي مثلاً؟

ألستم قد مررتُم بتجاربٍ فاشلة كثيرة فلماذا لا تتعظون؟ أليست هناك جامعة عربية؟ ومجلس دفاع عربي مشترك؟ ومجلس تعاون (سوريا والعراق والأردن ومصر واليمن) الذي انتهى باحتلال بلد عربي لآخر؟ أليس هناك مجلس تعاون خليجي؟ هل نجحتم في أيٍّ منها مثلاً؟

هل لا زلتم تعتقدون أن الله ناصركم وخاذل عدوكم، بينما يقول تعالى: «وأعدوا لهم...» أي أن الغلبة لمن يُعِدّ؛ فماذا أعددتم؟ لماذا لا تتصالحون أولاً بينكم؟ فالجزائر عدوة المغرب؟ وليبيا لها حكومتان متحاربتان؟ والسودان حكومتان متحاربتان؟ واليمن دولتان متحاربتان؟ ومصر تكره سوريا، والسعودية تكره قطر، والكويت تكره الأردن، ولبنان جريح، ومصر تكافح من أجل الخبز والغاز، وسلاح دول الخليج لا يستعمل ضد عدوها الحقيقي...

فبأيِّ آلاء ربكما تكذِّبان؟

نصيحتي لكم: تأجيل جميع مشاريعكم التحررية الآن لمدة عشرين عاماً تعملون خلالها على دخول فضاءات الحضارة والتنوير والحداثة—ثم لكل حادثٍ حديث.

***

د. عبد الله الجنابي

في المثقف اليوم