أقلام حرة

صادق السامرائي: اليقظة الثقافية!!

وتبتسم الأشياء على قارعة طريق العزم والإصرار، وتهلل للإنطلاق البعيد نحو مستقبل أفضل، وتعجز عن التواصل من غير طاقة الأمل والتيقن بكينونة ذات قيمة متقدمة على حاضرها.

وكلما توفرت أسباب الحركة أصبحت حالة التفاعل ذات زخم أكبر، وقدرة على الإنجاز المتميز الذي يعبر عن طاقات المشاركين فيها.

وقد تتخذ الحركة أشكالا وصنوفا متنوعة، لكن أهدافها تبقى متناسبة مع حجم الطاقات المسكوبة في ميادينها، والتي تعبر عن قدرات أصحابها أو المنتسبين إليها.

والحركة قد تكون ثقافية، فكرية، سياسية وما إلى غير ذلك من أنواع التفاعلات الإنسانية القائمة في الحياة.

وعندما نتأمل الحركة الثقافية أو الفكرية نكتشف بأن مدى تأثيرها في صناعة الحاضر والمستقبل تتفق ومحتواها وقوة تفاعل أعضائها، والطامحين إلى صيرورة ما عبر وسائلها وأدواتها والعقول التي تساهم في رفد مسيرتها وتحقيق فعلها في الحياة.

والحركة الثقافية مثل النهر الجاري، إذا تعددت روافده فأنه يتدفق ويفيض، وإذا جفت فأنه ينحسر ولا يساهم في إرواء وادي الوجود البشري من حوله.

كما أن هذا النهر يختنق عندما يتم ردم مجراه بإلقاء نفايات الرؤى والتصورات في مياهه. وعذوبة المسيرة الثقافية تتناسب وقوة جريانها وتدفقها في تربة الحياة الإنسانية، ولا يمكن لحركة بطيئة مريضة هزيلة، أن تؤثر وتشق مجرى تحققها في المجتمع، ولا يصح في مسيرة الحياة إلا تلك الحركات التي تحمل الأنوار وتشرق بضوء النقاء والمجد والصفاء.

ولا يمكنها أن تعيش إن لم تعانق أسباب الوجود، وتعبر عن كينونة المطلق، وتستلهم القوانين الصحيحة التي تبني حياةً ذات قيمة وتأثير مفيد، وتتفجر في مسيرتها قدرات فردية وجماعية بوعي متقدم وتجربة متنورة وعزيمة متوثبة، وشجاعة فائقة على قول الحقيقة ومواجهة المواقف بنكران ذات وإخلاص وطني وإنساني.

وعبر دورات التأريخ تبدو الكثير من الحركات الثقافية على كامل هيأتها بعد أن فعلت ما فعلت أو أثرت في زمنها، لكنها إنعطفت وإندفنت في تراب الختام، ومنها نرى حقيقة أن الحركة الثقافية المنيرة الساطعة السامية هي صاحبة الأثر البعيد، وليست ذات عمر قصير وتأثير لا فائدة منه، أو مشحونة بالأضرار وسوء النظر.

وعليه فأن الحركة الثقافية الناجحة ترتقي برؤاها وأفكارها بعيدا عن إرادة التراب، وتسمو وتتفاعل مع الصفاء والنقاء والرجاء الإنساني، ولا تنحصر في صندوق الوهم وكرسي القوة وتنغلق وتتحرك على عكازة العواطف والإنفعالات، وتحيط نفسها بأسوار نفسية سلبية تساهم في تنمية كراهيتها وزيادة عدد الحركات المعادية لها.

ولكي تكون الحركة الثقافية ناجحة عليها أن تتنقى وتتخلص من شوائب الرؤى والتصورات الضيقة، ويكون حدود مسيرتها الوطن والإنسانية، وتتحرر من أسباب الإنغلاق وعوامل الفرقة والتضاغن، وتحاول أن تضم إلى زخمها الطاقات الناهضة التي تريد أن تساهم في الوجود الوطني الكبير.

كما أن عليها أن تحطم قيود التفكير السلبي التي تفسر الأحداث ومجريات الأمور بأسباب مريضة وتبريرات تهدف إلى الدمار والضرر وعدم الرؤية السليمة، وأن تشفى من العقد التي عبّرت عن سميتها العالية وكُتبت بحبر شرورها وإنتقمت لخناسها، وفجرت دمامل أحقادها بوجه الفضيلة والرحمة.

فهناك قدر كبير من الزيف والتضليل والإمتهان الذي يمارس من أجل طمس الحقائق وتشويه الحياة لأغراض كريهة ودوافع سيئة ذات نوايا خطيرة.

ويتوجب على الحركة الثقافية الدافقة أن تديم فوران أمواجها وشدة تيارها الجاري في شرايين الوطن، لكي يتعافي من أمراضه ويتخلص من جراثيم النفوس الأمارة بالسوء التي أصابت أعضاءه وعطلت قدراته.

فهل ستتحقق مسيرة ثقافية منيرة ذات تأثير حضاري مشرق؟ 

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم