أقلام حرة

أكرم عثمان: لا تكن شيطان نفسك

في رحاب الحياة يسير الإنسان غالباً وفق فسطاطين متناقضين الفسطاط الأول مؤنس لذاته يستلهم رؤيته من آفاق عميقة تنبع من قيم أخلاقية وربانية ومن مبادئ توازن وجوده وتحكمه في مسيرته. هذا المرء يقيم أفعاله وفق ضوابط واضحة وينظر في قراراته بعقل وضمير فلا تجره العواطف السلبية أو الأهواء الخاطفة إلى الهلاك والدمار بل توجهه نواميس الحياة السليمة ومنطلقاتها إلى الرشاد والصواب.

أما الفسطاط الثاني فهو مضل يسير على هوى مطاع وتخبط عشوائي لا يعرف له قواعد تحكم أفعاله فيضل في ظلام دامس وقد يقوده ذلك إلى الندم والخراب فهذا هو شيطان النفس الذي يستغل ضعفنا ويجرنا وراء الأهواء والمصالح الشخصية الضيقة متجاهلاً عواقب أفعاله وينسى ضوابط العقل والفطرة السليمة السمحاء التي خلقنا بها مذ ودلاتنا وخروجنا ورؤيتنا النور في هذه البسيطة.

في الحياة الأسرية:

في الحياة الأسرية الوالدين الذين يربي أبناءهم وفق قيم الاحترام والتفاهم يزرعون فيهم الثقة والمسؤولية ويكسبون محبتهم وولاءهم، مثال ذلك الأم أو الأب الذي يستمع إلى أولاده بحنان ويشاركهم اهتماماتهم ويعلمهم تحمل المسؤولية، بينما من يتصرف وفق أهوائه يغضب بلا سبب فيفرض قيوداً تعسفية أو يتجاهل احتياجات الأسرة فإنه يزرع الفوضى وعدم الاستقرار النفسي كما يحدث مع أحد الآباء الذي يتأفف من كل تصرف صغير لأطفاله وينسى أن يراعي ظروفهم ومشاعرهم واحتياجاتهم بما يتلائم مع مراحل نموهم ونشأتهم.

في بيئة العمل:

ففي بيئة العمل الموظف الذي يتصرف وفق قيم النزاهة والانضباط والامتثال يحصد احترام زملائه وثقة رؤسائه ويصبح مؤثراً في تقدم نفسه والمنظمة التي يعمل بها ويثري نجاحها بتميز وتألق. فعلى سبيل المثال موظف يلتزم بمواعيده ويكمل مهامه بجدية ويقدم دعماً لزملائه عند الحاجة يزرع جواً من الإنسجام والألفة والاحترام والمحبة ، ويرسي قواعد من التعاون والشراكة الإيجابية، بينما الموظف الذي يستسلم لهواه في سلوكيات وممارسات الكذب أو التملق أو الاستغلال الشخصي والمنفعة الأنية فغالباً ما يؤدي ذلك إلى فقدان مصداقيته وأمانة تصرفاته مكانته ويصبح عبئاً على نفسه والجميع كأن يتفتقد الإخلاص في عمله، لا ينتمي ولاءاً له، يتجاهل أخطاءه ويتهرب من المسؤولية الملقاة على عاتقه، يغش ويدلس، يقرب ذاك ويبعد آخرين، لا يتورع عن التزييف في عمله وتقاريره حتى يخفي ضعفه وتقصيره.

في التعامل مع الذات:

في التعامل مع الذات الشخص الذي يلتزم بالصدق مع نفسه يعترف بأخطائه ويتعلم منها يعيش مطمئناً وسعيداً بنموه الشخصي وما يحمله من قيم وأخلاص وقواعد وضوابط في حياته المهنية والاجتماعية. مثال ذلك الشخص الذي يراجع قراراته بعد أي خطأ ويصحح مساره ويحرص دوماً على النقاء والجودة في حركاته وسكناته، دائم التطلع إلى ما هو أفضل وأصوب في عمله ومهامه، لا يهمه تعبه وما بذل من جهود في الأداء الذي يبذله ويقدمه، همه أن يسعد نفسه ويميزها ويقدم الأداء الذي يليق بطموحه ورؤيته.

بينما من يبرر أفعاله السلبية ويدافع عنها باستماته وكل ما أوتي من قوة، يترك نفسه تحت تأثير الشهوات أو الغضب الذي يسكن بداخله، فإنه يترك للشيطان الداخلي مجالاً ليقوده نحو القرارات المدمرة كأن يصر على عادة غير إيجابية أو قرار متهور رغم معرفة العواقب التي قد تحصل له ولغيره، لا يهمه سوى مصلحته والمنفعة التي يجنيها من وراء ما يفعل ويعمل. فشتان ما بين صاحب رؤية صادقة وعظيمة تدفع للمنفعة والمسرة وما بين سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً سوى الخداع والكذب البواح.

الخلاصة والرسالة النهائية

الرسالة الأساسية هي لا تكن شيطان نفسك ولا تترك أهواءك تقودك إلى الظلام تمسك بالقيم والضوابط واتبع الفطرة السليمة فالحياة لا تعطي فرصة ثانية لكل من يضيع مساره الإنسان القوي ليس من يحقق كل رغباته بل من يسيطر على رغباته ويقودها نحو الصواب وفي النهاية كل فسطاط تختاره لنفسك يحدد مسار حياتك ويصنع من داخلك ضوءاً أو ظلاماً.

***

بقلم د. أكرم عثمان

تاريخ: 26-11-2025

في المثقف اليوم