أقلام حرة

ثامر الحاج امين: قل خيرا أو اصمت

قبل اكثر من ألفي عام أطلق الفيلسوف اليوناني سقراط مقولته الشهيرة (تكلم حتى أراك) وبعدها جاءت مقولة الأمام علي (ع) (تكلموا تُعرفوا، فان المرء مخبوء تحت لسانه) وكلتا المقولتين تعنيان ان الانسان يُعرف من خلال كلامه وليس من مظهره، وأن أفكاره وشخصيته الحقيقية تتجلى في حديثه وليس في ملابسه واناقته ووسامته، كما تؤكد المقولتان انه ليس هناك من وسيلة تكتشف فيها جوهر الانسان ومستوى تفكيره ومقدار عقله اكثر من الاستماع الى طروحاته، وللأسف البعض لا يدرك هذه الحقيقة ولا يأبه لنتائج تجاوزها حيث تراه ومن خلال منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي يتكلم وينشر كلاما فارغا ويخوض في موضوعات لا قيمة لها يعكس من خلالها خواءه الفكري والثقافي وهوسه النفسي بأشجان الماضي، فهذا البعض عندما لا يجد شيئا نافعا يقوله لا يركن الى السكوت الذي الذي يصفونه بالذهب انما يلجأ الى اقحامنا بخصوصياته وأموره الشخصية ومنشوراته العديمة اللون والطعم والرائحة وكان الأجدر بهؤلاء ان يكرمونا بسكوتهم بدلا من إضاعة وقتنا بكلام لا يجدي نفعا، ان حالة هؤلاء تعيدني الى قصة حدثت في عام 1945 عندما شاهد (ميغيل زاماكويس 1866 – 1955) وهو كاتب وروائي وشاعر وصحفي فرنسي مسرحية تافهة، وبعد انتهاء العرض قال (هناك اشياء كثيرة لذيذة في هذا العالم يمكن القيام بها، مثل عدم القيام بأي شيء) فعدم القيام بشيء غير نافع هو ألذ ما يفعله بعض الناس، وهذا ما يحدث اليوم حيث بعد اكثر من ثمانية عقود ما تزال هذه المقولة تناسب المئات من البشر من الذين يصرون على هذا السلوك الغبي في التعامل ويستغلون فضاء الحرية لابراز موهبة الثرثرة لديهم والتي يعتقدون انها سوف تجعلهم ذي أهمية لدى القراء.

وكثيرا ما ينخدع الناس بالمظاهر فيبالغون باحترام شخص حسن المظهر في حين المظهر خداع ويغلب أحيانا على المضمون فبمجرد ان يبدأ هذا الشخص بالكلام تكتشف عدم التطابق بين المظهر والمضمون، والكثير منا قرأ قصة ذلك الرجل الذي تبدو عليه امارات الوقار والحشمة عندما دخل على مجلس عالم جليل اثناء إعطائه دروسا لتلاميذه وكان هذا العالم يمد رجليه بسبب الآم مزمنة وما ان رأى الرجل قام العالم بعقص رجليه الى الخلف وتربع مهابة لقدوم الشخص ولكن عندما بادر هذا الشخص بسؤال العالم وكان السؤال تافها ينم عن جهل فما كان من العالم الا ان يعيد مد رجليه بعد ان اكتشف ان مضمون الرجل الذي يخاطبه غير ظاهره ولو كان قد جلس للاستماع دون كلام لكان ذلك اسلم له. لذا يكون الصمت في كثير من الأحيان غطاء وخلاص من الوقوع في مهاوي السخرية، ولكن كيف يتحقق الصمت والانسان ــ حسب وصف الشاعر حمزاتوف ــ يَحتاج إلى سنتين ليتعلم الكلام وستون عاماً ليتعلم الصمت.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم