أقلام حرة

نهاد الحديثي: المثقفون والمبدعون.. روافد لديمومة الحياة

المبدع أكثر تأثراً بما يسمعه وما يقرؤه، ولذلك هو مبدع يحمل مشاعره على رموش عينيه، وينتظر كلمة إنصاف أو كلمة نقد تأتي من مخلص للمبدع والإبداع، ولكنه لا يتوقع أن تأتيه كلمات على غير موعد لتوجع مشاعره، وتوجع أصدقاءه الذين يعرفون قيمته ومكانته في عالم مكتظ بأقلام الرصاص الطائش في بعض الأحيان.
يبدو المبدع اليوم أكثر ابتعاداً عن أخيه المبدع، فالمثقفون والمبدعون بمختلف صنوف الإبداع يعيشون في غرفٍ انفرادية يستنشقون أنفاسهم ذاتها، ويعيدون السلام على أنفسهم كل صباح، وحين يحاول أحد المبدعين – وغالباً من الشباب – أن يوطد أواصر الصداقةِ مع صديق له في الإبداع تجدهما يتحدّثان في كل شيء إلا التمحيص والتدقيق في مقتضيات الإبداع وموجباته، ولربما عُمل على هذا الشيء من الداخل قبل أن يكون من الخارج، فلقد شعرت السياسةُ دوماً أن الإبداع عدوٌّ لها فلجأت إلى تدجينه، أو عزله حتى صار صوت المؤسساتِ الثقافية اليوم صوتاً ناشزاً، وصارت كل كلمةٍ ينطق بها أحد أبناء هذه المؤسسات، تستدعي الهمس حول الأسباب والنتائج والجهات (المختصة) التي وجّهت هذا الكلام.
احيانا - يُكثر المبدعون من الانغلاق على آرائهم، ويكتفون بما تعلموه خلال سنوات دراستهم الجامعية،. فلا يبحث المبدع عن تجارب جديدة سواء في الموضوع أم التكنيك ويكتفي بما هو عليه لتجده بعد فترةٍ قصيرة يقع في مشكلة التكرار الممل والاجترار الواضح في آرائه، وربما يعود ذلك إلى الثقة الزائدة التي يمنحها لنفسه، كما أن الكسل يكون مردّه إلى انعدام الدعم من أي جهةٍ مسؤولة ومختصة لأي خطوة إبداعية مهما كانت أهميتها، ما يورث في قعر نفس المبدع – الحساسةِ أصلاً – شكلاً من أشكال اليأسِ في تحفيز نتاجه وتحريض حسه الإبداعي للهاث وراء المناصب ونيل المكاسب، يدفع بالعملية الإبداعية ككل إلى الخروج من متاهة الغرف المغلقة، ويجعلها أكثر انفتاحاً تجاه نقاء الثقافة ودورها المجتمعي الخالد، يُذكر أنه قد أنشئ سابقاً المجلس الأعلى للآداب والفنون ووضعت ميزانية خاصة لمشروع التفرغ للفنانين، وهناك قلادة الإبداع الذهبية تمنح للأدباء والفنانين والرياضيين والمبدعين، تقليداً أرسته مجموعة الاعلام العراقي المستقل وقناة الشرقية من اجل الاخذ بيد المبدعين الى مبتغاهم وتحقيق غاياتهم، التي هي رافد لديمومة الحياة بطيفها العراقي الوطني الاصيل، وبعيدا عن السياسة وحياة الاحزاب والطائفية، اوجدت هذه القلادة وما يترتب عليها من امتيازات قلادة الابداع الذهبية، لتكريم مبدعين عراقيين ارتبط عطاؤهم بهموم شعبهم وعبروا عن معاناة بلدهم وكرسوا حياتهم للوفاء الى وظيفتهم الابداعية، التي يضطلعون بها لأجل تحقيق أهداف وطنهم النازف واحلام فقراء شعبهم، وتكثر الأفكار التي نستطيع من خلالها إعادة ربط العلاقة بين الفن والإبداع والمجتمع، ويشعر الكثير من شباب العراق بأن مواهبهم وإبداعاتهم تعاني الإهمال من الجهات الرسمية، غير أن بعضهم قرر أن يتحدى هذه الظروف ويخطط لمستقبله دون انتظار دعم الحكومة، ومسيرة البحث العلمي في البلاد بطيئة لدرجة التجمد، خاصة في مجال دعم البحوث والمؤلفات
الإنسان لديه رغبات ومنافسات ومخططات لها هدف في تحقيق التقارب والتعاون والمحبة والقبول بين الآخرين وذلك من خلال الالتزام بالقوانين والأنظمة الاجتماعية، أما إذا تحول التنافس إلى نوع من الانتقام والخصومة والحقد والحسد والنيل من الآخر على حساب تحقيق مصالح شخصية فقط فهذا الأمر لا يعتبر تنافس إيجابي بل يؤدي إلى تفكك الأسر والأفراد وانتشار الآفات، نتيجة عدم وضع حدود معينة تغرض للتعزيز ثقافة الاختلاف الذي تؤدي إلى احترام وقبول الأطراف الأخرى حتى ولو حدث هناك خلاف بين طرف مبدع وآخر من ناحية فكرية، وثقافية، ودينية، وغيرها من نواحي أخرى، الحقد والحسد الناتج عن التنافس السلبي يدمر التماسك الاجتماعي ويقود إلى إثارة العنصرية والعنف النفسي، أن من السهل جدا أن يحمل الفرد في القلب الخاص به الضغينة والأنانية تجاه من يتنافس معه في مجال معين، ولكن من الصعب جدا أن يتحلى بالثقة بالنفس وعدم الخوف من جهة أن يكون شخص عفوي ومتسامح مع من يختلف معه في فكرة أو قناعة، فمن هنا يتفادى الإنسان إشعال الخصومات والنزاعات،، وننصح كل مبدع أن يتعامل بمسؤولية مع هذه الخلافات والمنافسات السلبية، والمقصود بالتعامل بمسؤولية هو أن لا يتم أستخدام أسلوب التسقيط تجاه الطرف المنافس، فإن التنافس القائم على التسقيط وتشويه السمعة يؤدي إلى إثارة الفتن والكراهية بالنفوس البشرية، بمعنى آخر أن الإنسان مطالب بأن يتقيد بالمبادئ والقيم الاجتماعية والإنسانية السامية، وذلك من أجل أن يعطي انطباع إيجابي تجاه البلد أو المنطقة أو القرية التي يعيش فيها، ابعدوا الفساد الثقافي ا لمتسبب في غياب النقد العلمي الموضوعي، وتحويل النظر عن أصحاب المواهب لأجل إرسالهم في بعثات علمية للدراسات العليا لمنحهم مزيداً من الكسب المعرفي لتحفيز إبداعهم، ما يجعلهم رواداً حقيقيين للنهضة الإبداعية فتعود ثقة الجمهور بهم وبفنهم وتعود حالة الاحترام للفن والفنانين والنقد والنقاد، وتكتمل حلقة الوصل بين المبدع والجمهور.
***
نهاد الحديثي

في المثقف اليوم