أقلام حرة

صادق السامرائي: الدم والكرسي!!

يُقال أن الحجاج قتل مئة وتسعين ألفا من الرجال، وثلاثين ألفا من النساء، ومات في حبسه ستة عشر ألفا من الجفا والحر والبرد، وآخر من قتلهم، سعيد بن جبير. والحجاج بن يوسف الثقفي (41 - 95) هجرية، ولد في الطائف، ومن عائلة كريمة من بيوت ثقيف، حفظ القرآن على يد أبيه، وحضر حلقات عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب وغيرهم، وفي بدايته إشتغل بتعليم الصبيان، وكان فصيحا فشب خطيبا، وقال عنه أبو عمرو بن العلاء " ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج"، وتتميز خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.

وهو الذي نقّط القرآن كما يُذكر، وشجّع أعلام اللغة (نصر بن عاصم) على ضبط مخارج حروفه، وجزأه ووضع إشارات تدل على نصفه وثلثه وربعه، وجعل قراءته واحدة، وكان من المولعين بالقرآن ويجزل العطاء على المهتمين به وبحفظه.

وعندما أصبح من رجالات الدولة، صار سيفا على مناهضي إرادة عبد الملك بن مروان، فما رحم مَن لا يسمع ولا يطيع، ويا ويل الذي يحسب نفسه من المعارضين، أو الخارجين عن صراط الكرسي المستبد العنيد.

عاش أربعا وخمسين سنة، أمضى أكثر من نصفها في الحكم، وواليا على العراق لعشرين سنة، حتى وفاته.

فلا يُعرف مدى صحة المنقول عنه في كتب التأريخ، فهناك الكثير من التناقضات، والسرديات التي من الصعب التأكد من صحتها، لكنها وردتنا في صفحات المدونات .

ويمكن الاستنتاج بأنه رجل دولة، وعليه أن يثبّت أركان الحكم بالوسائل المتاحة له، فإن كانت القسوة من ضرورات ذلك فيستعملها، وأي وسيلة تؤمّن الدولة وتصون الحكم من أعدائه ومعارضيه، ويبدو أن معظم الذين أنزل فيهم عقابه من الخارجين عن طاعة الخليفة والداعين إلى إسقاطه.

فهو الذي ثبّت أركان حكم عبد الملك بن مروان، بعد أن قتل عبد الله بن الزبير، وفعل ما فعل به بعد ذلك، ولولاه لبقيت خلافته ناقصة.

ومسيرة الحجاج تقدم مثلا على كيفية تأثير كرسي الحكم على السلوك، فالشخص يكون غيره عندما يتولى الحكم، لأن النوازع المطمورة في النفوس تندلق وتريد التعبير عن رغباتها، وتطلعاتها ونوازعها الأنانية الحامية الشحناء.

ولا يوجد كرسي في الدنيا بلا أعداء!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم