أقلام حرة

أقلام حرة

التدريسي النموذجي هو الشخص الذي يكرس حياته للدراسة والبحث والتعليم في مجاله المعرفي. يتميز بعدة صفات، منها الفضول العلمي، حيث لديه رغبة مستمرة في التعلم واكتشاف الجديد، والتحليل النقدي، اذ يكون قادرا على تحليل المعلومات بشكل نقدي وتقديم رؤى جديدة. ويلتزم التدريسي النموذجي بالبحث الحقيقي ويتحاشى الافتراس والتزوير ويرفض الممارسات غير السليمة في جامعته، فيشارك في الابحاث العلمية التي تهم مجتمعه وينشر نتائجها في مجلات علمية حقيقية ومحكمة. بالاضافة الى ذلك، يساهم في تعليم وتوجيه الطلاب والباحثين الجدد باخلاص وبالتزام قوي تجاه مهنته وطلابه، وتقديم محتوى تعليمي غني ومفيد، ويهتم بمشاكل الطلاب ويسعى لحلها، ويعمل على دعمهم اكاديميا ونفسيا، ويتكيف مع احتياجات الطلاب المختلفة ويستخدم اساليب تدريس متنوعة لتلبية هذه الاحتياجات، ويحافظ على تواصل مستمرمع زملائه لضمان بيئة تعليمية متكاملة. يسعى دائما لتطوير مهاراته ومعرفته من خلال المشاركة في دورات تدريبية وقراءة الابحاث الحديثة. يتحلى بالاخلاق الحميدة والصدق والتواضع، ويلتزم باعلى معايير الاخلاقيات في البحث والتعليم، مما يجعله نموذجا يحتذى به. يشجع الطلاب على التفوق والابداع من خلال تعزيز حب التعلم لديهم، ويسعى دائما لتوسيع حدود المعرفة والمساهمة في تقدم المجتمع من خلال التعليم والبحث.

هل تتصف بهذه الخصائص كتدريسي؟ اذا كان الجواب بنعم، اذن، عليك ان ترفع راسك فخرا بنفسك.

***

ا.د. محمد الربيعي

مؤلم أن ترنو إلى مئات الكتب المحشوة بالأفكار، وهي مرفوفة صامتة متكومة كأنها الركام.

كتب من إنتاج أجيال متعاقبة في القرن العشرين، وضع فيها مفكرون عديدون أفكارهم المبثوثة في مشاريع، كل منهم يرى أن مشروعه هو البلسم المشافي للأمة مما هي عليه من سوء حال ومآل، وما أثرت أفكارهم، بل إنضوت في كتب خرساء، وصارت المسافة بعيدة بينها والأجيال المعاصرة، بعد أن هيمنت وسائل التواصل الحديثة.

مفكرونا ومنذ نهاية القرن التاسع عشر يشتركون بأنهم قاموا بدور الصدى لما جرى في أوربا، وما وجدنا فيهم مَن تفاعل مع الواقع وإستولده أفكارا ذات قيمة عملية وقوة تأثير وتغيير.

وهذا يعني أن مجتمعاتنا لم تمارس الحياة في مكانها وزمانها، وتحقق تقهقرها وإندحارها في الغابرات، تعويضا عن مراوحتها المأساوية في أوحال الفراغ، والتدحرج في وديان التبعية والدونية وفقدان الثقة بالقدرة على صناعة الحياة الحرة الكريمة.

فهل وجدتم أفكارا مستحضرة من عوالم الآخرين تصلح لمكان وزمان مغايرين؟

أوربا أفكارها تراكمية وأنجبتها تفاعلات متصلة، فكانت ذات قيمة عملية في ديارها، أما أن نستجلبها ونفرضها على واقع آخر، ففي ذلك عدوان وإضطراب مدمر وخطير.

وهكذا فمجتمعاتنا تعيش في مراحل تشويش وتيهان، مما وفر الظروف المواتية للمفترسين للنيل منها والإستحواذ على مصائرها.

فهل أن مفكرينا يفكرون؟

السلوك الصدوي لا يدل على تفكير أصيل، بل يشير لمحاولات تقليد، ذات درجة عالية من الفشل والخياب، وهذا ما جرى في واقعنا على مدى القرن العشرين.

فهل من ولادات فكرية من رحم واقع مجتمعاتنا، لنكون ونستعيد جوهرنا الحضاري؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

ارسل لي أحد الاصدقاء مقالة الكاتب التشيكي/ الامريكي فلتشيك والتي يتحدث فيها عن سقوط الاتحاد السوفيتي وكيف انه يتألم ويأسف لانه كان في وقتها سعيداً بسقوط الاتحاد السوفيتي ويصف ذلك السقوط بانه نتيجة مؤامرة الغرب وخداع الشعوب السوفيتية، لقد قرأتها ونشأت لدي بعض التعليقات السريعة:

- في العام ١٩٧٥ انعقد مؤتمر الامن والسلم الاوربيين في هلسنكي، وفيه أُجبِرَ الاتحاد السوفيتي على قبول شرطين هما: فتح باب الهجرة لليهود السوفيت والثاني هو ايقاف التشويش على اذاعات اوربا الحرة والتي كانت تبث للشعوب السوفيتية ولشعوب اوربا الشرقية لتأليبهم على النظام الشيوعي.

السؤال هو لماذا وافق الاتحاد السوفيتي على تلك الشروط؟

الجواب هو، لانه كان بحاجة ماسة الى الحبوب كالحنطة والذرة الصفراء والصويا لاطعام الناس ولتربية الحيوانات للحصول على اللحوم.

الولايات المتحدة ارادت اذلال وابتزاز السوفيت ومنعت حلفائها من بيع الحبوب للسوفيت مثل كندا واستراليا ..

ازالة التشويش عن تلك الاذاعة سمح بتدفق الدعاية المضادة التي يتحدث عنها فليتشك !!

السبب الاساسي كان ضعف الانتاجية وقلة الكفاءة في ادارة الموارد الهائلة للاتحاد السوفيتي..

الآن تعتبر روسيا اكبر منتج للحنطة في العالم مع انها اقل مساحة من الاتحاد السوفيتي بسبب التوسع في البحوث الزراعية وتطوير سلالات تعيش في الاراضي الباردة الشاسعة.

متوسط نصيب الفرد من الناتج في الاتحاد السوفيتي كان بضعة مئات من الدولارات شأنه شأن الدول النامية الفقيرة. والسبب تراجع التنمية وعدم جدوى معظم المشاريع الحكومية التي كانت بمثابة عبء على الموازنة بدل ان تكون عوناً لها..

فلتشيك يتحدث الآن وربما تجاوز السبعين من العمر، وبذلك تغيرت حاجاته واصبحت مختلفة عن حاجاته ورغباته وهو شاب في مقتبل العمر. لذلك أخذ يشعر بالحنين الى ماكان متوفراً في زمن الاتحاد السوفيتي من وسائل الهدوء والبساطة في العيش والشعور بالسلام. لكن حاجات الشباب تتعدى ذلك وهي ليست ناتجة عن دعاية مضادة او خديعة سياسية.

النظام الشيوعي كرس جهوده للجانب العسكري واهمل الجوانب الخاصة بالاستهلاك المدني.

والا هل يعقل ان يصنع النظام اقوى الطائرات المقاتلة والصواريخ التي تذهب الى الفضاء ويعجز عن صنع سيارة فاخرة او ثلاجة او جهاز فيديو ؟؟

الغرب كان يتآمر ضد السوفيت ولكن السوفيت سقطوا بسبب اخطاء داخلية كبيرة سهّلت مهمة الغرب..

لقد اهملوا الحساب الاقتصادي واعتبروه جزء من الفكر الرأسمالي الامبريالي وحاربوا الاقتصاديين الذين كانوا يدعون للاصلاح الاقتصادي وهرب الكثير منهم الى الدول الغربية..

الاتحاد السوفيتي كان امبراطورية عظيمة ولايجوز القول انها سقطت بفعل مؤامرة او بسبب خيانة احد القادة مثل غورباتشوف. يجب البحث عن الاخطاء في داخل النظام نفسه سواء من الناحية النظرية او من ناحية التطبيق والممارسات..مع عدم اهمال العوامل الخارجية التي تستغل اخطاء ذلك النظام. حتى الافراد الشيوعيون السوفييت يتحدثون عن اخطاء النظام. ولكن البعض لازال يصر على تقديس ذلك النظام وتنزيهه عن الاخطاء.

***

د. صلاح حزام

يكتفي البعض بالقول ان الحرب سياسة، ويقر البعض الآخر بأن الحرب من صنع السياسة، ولا حرب من دون سياسة، والسياسة تصنع السلام، والسلام قاعدة عامة والحرب هي الإستثناء، والحرب تشعلها السياسة وتطفيها.

والشروع في الحرب له شروطه كما إيقافها له شروطه ايضا .. وأحد شروط الحرب الإستعداد لها في التخطيط والتعبئة المادية والبشرية وضمان الموارد وتأمين التحالفات السياسية وتأمين خطوط التراجع والتقدم والنصر بأقل الكلف.

ومن الغباء الدخول في الحرب دون تخطيط، والتخطيط الشامل والكامل يتمثل بتحديد الهدف من الحرب ومتى تتوقف وموارد استمرارها وعثرات توقفها وتراجعها وضمان الحفاض على تعبئتها البشرية وصلاتها وتحالفاتها السياسية والعسكرية والمالية وضمان عدم تهديد السلم الإجتماعي والاقتصادي وضمان النصر بصياغة السلام القائم على التفوق وعدم الخرق .

الحرب تشترط تعويض الخسائر المادية والبشرية إذا ما استمرت وتغيرت موازين القوى على مستوى القوة وعلى مستوى تحالفات القوى.

وهدف الحرب إما أن يكون من أجل تحرير الوطن والخلاص من الهيمنة، ولهذا الهدف شروط متشعبه سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وإجتماعياً محلياً وإقليمياً ودوليا . وأي خلل في إحدى هذه الشروط يكرس نتائج ربما تكون كارثية على هدف الحرب وهو الحرير، وإما أن يكون هدف الحرب مناورة سياسية أو مشاغلة إعلامية من أجل الإرباك والتشويش وخلط الأوراق، ولهذا الهدف نتائجه ايضا.

ومن أهم ركائز الحرب هي معرفة الخصم وقوة الخصم وتحالفات الخصم في ميزان تعادل القوى، ومن غير هذه المعرفة يمسي هدف الحرب كارثياً أيضا.

وحسابات الصراع تكون عادة ذات طابع إستراتيجي، وليس طابعها إعلامي، وإن ترجيح الحسابات الإعلامية والآيديولوجية على الحسابات الإستراتيجية، يُعَدُ كارثة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية من الصعب إصلاحها أو ترميمها بعقد أو أكثر من السنين، فالصراع الاعلامي هو جزء من تخطيط الصراع الإستراتيجي وليس العكس. كما أن التفريط بزمن الصراع له تبعاته ونتائجه الوخيمة.

وكل ذلك يدخل في حسابات الصراع ، فهل تنطبق هذه الشروط على الصراعات الحيوية والمصيرية في المنطقة ومنها غزة مثلاً؟!

***

د. جودت صالح

7 / 9 / 2024

ينبع نهر دجلة من جبال طوروس في تركيا، ويبلغ طوله حوالي 1718 كيلومتراً، ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ حوالي 1400 كيلو متر.. يعبر النهر الحدود السورية التركية ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كلم تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور ويصب في النهاية في الخليج العربي.. يتفرع دجلة إلى فرعين عند مدينة الكوت العراقية هما نهر الغراف والدجيل.

ويعد نهر الفرات، الذي ينبع من جبال طوروس أيضاَ، ثاني أكبر نهر في الجزيرة العربية بعد نهر النيل، ويبلغ طوله 2940 كيلومتر ومعدل تدفقه 356 مترً مكعبً في الثانية ، موزّع بين كلٍّ من (تركيا وسوريا والعراق )، أمّا نصيب تركيا منه فيقدّر حوالي 1176 كيلو متراً، أما في سوريا فيقدّر تقريباً طول الفرات بحوالي 610 كيلو متراً، في الوقت الّذي يقدّر فيه طوله في العراق بحوالي 1160 كيلو متراً.

بعد أن يتدفق عبر شمال شرق سوريا، يتدفق نهر الفرات إلى العراق وينضم إلى نهر دجلة بالقرب من مدينة القرنة ليشكل نهر شط العرب الذي يبلغ طوله 180 كيلومترًا، والذي يتدفق بعد ذلك إلى الخليج العربي.214 Iraq rivers

وبين هذين النهرين وعلى ضفتيهما قامت أولى الحضارات الإنسانية كما نعرفها اليوم: الحضارة السومرية، والأكادية، والبابلية، والآشورية، والكلدانية.

كانت القرى المسورة موجودة في هذه المنطقة منذ الألفية السادسة قبل الميلاد، وبحلول الألفية الرابعة قبل الميلاد، أصبحت هذه القرى مدنًا وممالك، واخترعت الكتابة المسمارية، وتطورت علوم الطب والفلك والرياضيات، وتم إصدار القوانين، وازدهر الفن بجميع أنواعه، وظهرت كلمة "بلاد ما بين النهرين". وقد صيغت مرادفا لعبارة "نهضة الحضارة"

وفي السنوات الأخيرة، شهدت شبكات الأنهار وروافد نهري دجلة والفرات نقصا غير مسبوق في المياه.

أذ تعتمد دول مثل تركيا على بناء السدود على نطاق واسع لتوفير المياه للزراعة والطاقة الكهرومائية، لكن بناء السدود يؤدي إلى تفاقم المشاكل القائمة الناجمة عن تغير المناخ، وتكافح الدول المجاورة من أجل التغلب على الآثار .

وقد واجه العراق أزمات حادة في مختلف أنحاء البلاد في السنوات الأخيرة، خاصة بسبب بناء (سد إليس ) التركي على الروافد العليا لنهر دجلة، فضلا عن السدود التركية الأخرى المبنية على روافد أصغر حجما هي الأكثر تضررا نقص المياه.215 Iraq rivers

وندرج ادناه لائحة الانهار التي قطعتها ايران عن العراق وغيرت مسارها لتجعلها داخل إيران فقط!:-

1- نهر الوند: المار عبر مدينة خانقين محافظة ديالى.

2- نهر الزاب الصغير:  في محافظة السليمانية.

3- نهر كارون: ينبع من مرتفعات ” بختياري ” الإيرانية، ويصب في شط العرب في محافظة البصرة عند ميناء “خرمشهر ” المحمرة.

4- نهر دويريج: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويدخل الحدود العراقية قرب ” مخفر الفكة ” العراقي في محافظة ميسان، ثم يتجه غرباً ويصب في ” هور المشرح" .

5- نهر كرخة: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويصب في ” هور الحويزة" المشترك بين العراق وأيران ضمن محافظتي البصرة وميسان .

6- نهر الطيب: ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل الأراضي العراقية في منطقة ” جمشة ليلة ” في محافظة ميسان التي تبعد عن المخفر الحدودي بنحو 2 كم من ناحية الشمال، ثم يسير النهر بمحاذاة الحدود لمسافة 2 كم تقريب .

7- نهر كنجان جم: غيرت مسار هذا النهر الذي كان ينبع من مرتفعات ” بشتكوه ” الإيرانية ويجري باتجاه الجنوب الغربي نحو العراق .

8- نهر وادي كنكير: بلغ تصريف النهر عند الحدود العراقية قرب قضاء مندلي في محافظة ديالى.

9- نهر قره تو: يدخل الحدود العراقية عند قرية ” طنكي حمام ” بعد اجتيازه مناطق سهلية إيرانية وتصب به عدة روافد صغيرة بعد دخوله. الأراضي العراقية .

10- نهر هركينه: يعتبر النهر وروافده، الخط الحدودي الفاصل بين ” بناوه سوته ” و (هركينه ” العراقية و ” بايوه ” و ” باشماق ” الإيرانية)

11- نهر زرين جوي الكبير: يروي الأراضي الواقعة على جانبي حدود البلدين لمسافة2كم.

وسط ذلك، فإن الوضع المائي في العراق، تحول من مرحلة الأزمة إلى مرحلة المعضلة المائية، كما يرى خبراء البيئة .

ومن المعروف للمختصين بهذا المجال أن الأهوار العراقية تستمد المياه من نهري دجلة والفرات وتوفر موطنًا طبيعيًا للأسماك والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى مناظرها الخلابة وجمال طبيعتها، تعتبر تلك الأراضي الرطبة نقطة استراحة وعبور لآلاف الطيور المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا، ما يجعلها من أشهر الوجهات السياحية في العراق.

ويقول خبراء البيئة إن المخاطر التي تجتاح الأراضي الرطبة حاليا لا تشمل فقط تدمير واحدة من أعظم المعالم الطبيعية القديمة في العراق واختلال التوازن البيئي في مناطق واسعة من البلاد.

ولكن أيضا التهديد الذي يواجه سكان الأراضي الرطبة نتيجة هجرة أعداد كبيرة من الأشخاص إلى المدن والمناطق العراقية.

ويتسبب الأمر بضغوط كبيرة ديمغرافيا واقتصاديا وخدميا على المدن والبلدات والقرى، التي يقصدها سكان الأهوار، إذ يعتمدون غالبا على مياه الأهوار لرعي وسقي جواميسهم وصيد السمك والزراعة وخاصة زراعة الأرز .

***

شاكر عبد موسى/العراق

.......................

المصادر

* كتاب .. أهوار جنوب العراق أرضاً وسكاناً / حسين الزيادي/ دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع- بغداد 2019.

* سعاد حسن الجوهري/ جريدة الصباح العدد5280 السبت 6 كانون الاول/ 2021

* صحيفة المثقف / زلزال تركيا وانهيار الدولة/ جواد السعيد العبادي 22 شباط 2023.

* موقع للعلم/ مقالة بقلم الكاتبة المصرية رحمة ضياء/ كيف أسهمت الحروب والتغيرات المناخية في شح المياه بالعراق/ 30  يونيو 2019.

الكتابة رسالة حق وصدق ومبدأ وإيمان ومواجهة حامية بين الباطل، وما يتصل به من سلوكيات خبيثة تصيب المجتمع بآقات الفساد المتنوعة.

"...يكتب بالسكين"!!

نعم إن الكتابة المعاصرة بحاجة لمداد النار، والأقلام فوهات بنادق، وصواريخ ومسيرات، والكلمات قنابل نووية، لكي تزعزع سكون الحياة، وتطلق الطاقات من دياجير القنوط.

الكتابات المنافقة المرائية المداهنة تساهم في صناعة المآسي!!

فهل لدينا كُتاب، وعندهم أقلام، تواجه الأصنام، وتوقظ الحكام؟

ما نكتبه من وحي الهراء، ويذهب هباء، لأنه مستنزل من آفاق الصوامع العلوية، التي نعتصم بها خوفا من مواجهة واقع يصفعنا بتحدياته المتنامية المسعورة بالويلات.

الكراسي في أنظمة حكمنا لا تسمع ولا تقرأ، وما تقوم به تنفيذ أوامر وإنجاز أجندات، ولا يعنيها ما يجول في أعماق المواطن، وما يحتاجه المجتمع من خدمات، ولا تعمل على تأمين حقوق المواطنين.

فلماذا نكتب؟

نعم إن الكلمة ذات تأثير، لكنها عندما تكون القوة التكنولوجية الفائقة ذات سلطان مطلق، تصبح الكلمات بلا دور وقدرة على التغيير، وتبدو الأقلام وكأنها تكتب على وجه الماء.

ومن الواضح في مسيرة الأمة أن أقلامها تنشطر إلى نصفين، بعضها مع الكراسي وأخرى ضدها، والتي معها تنتصر وتكون ذات تسويقية عالية وتأثير كبير، فما أكثر الأقلام المرتزقة في مجتمعاتنا، وهي بلا قيم وضوابط، وهمها أن تزيد من عطاياها وكيف تملأ جيوبها.

هذه الأقلام المخزية بأنواعها لها دورها في توجيه أنظار السلطات وتغفيل المجتمعات وتجهيلها.

الكتابة الحية الصادقة تدفع ثمن ولا تكسب ثمنا، وكم من الأصوات الحقيقية التي نطقت بلسان الحقيقة تكومت في نطع، بعد أن جز أعناقها السياف الذي أمره السلطان، الموجه من قبل أصحاب الرأي المتطرف الشنان.

فهل سنكتب بالسكين، أم نبقى نكتب بمداد الخوف والغموض والإدغام، والتنادي بإستلطاف الظلم والظلام؟!!

وهل عندنا أفكار صالحة للحياة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كتب الأستاذ فيصل حسون مقالاً بعنوان "نقابة الصحفيين وصورة الرئيس"، وهو منشور في كتابه (1). وفيصل حسون من مواليد بغداد 1922م، كتب ونشر في الصحف مبكراً منذ عام 1937م، وانتُخب نقيباً للصحفيين العراقيين في 1964 و 1965 و 1966م (2).

يروي فيصل حسون بأن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف قد قَدّمَ له مقالاً ممهوراً بتوقيعه لنشره في "صحيفة الجمهورية" بمناسبة الذكرى السنوية السادسة لثورة 14 تموز. وقد اكتشف حسون بأن رئيس ديوان الرئاسة الدكتور محمد بديع شريف قد أعد ذلك المقال ومقالاً مماثلاً آخر ليُنشر في صحيفة "الثورة العربية" التي تقرر أن يصدر عددها الأول في 14 تموز 1964م باعتبارها لسان الاتحاد الاشتراكي العربي.

يقول:

ولأن دار الجمهورية للطباعة والنشر التي كنت أديرها الى جانب رئاستي لتحرير الصحف التي تصدر عنها، قد وفقت أخيراً الى طبع الصورة الرسمية لرئيس الجمهورية المشير عبد السلام عارف بالألوان وببزة السهرة العسكرية لتوزع تلك الصورة على الدوائر والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، فإن عبد السلام عارف من فرط اعجابه بالصورة ولأنه يحب الدعاية لنفسه، قال لي: أقترح عليك أن تُوزّع الصورة بمثابة هدية للقراء مع عدد صحيفة الجمهورية الذي سيصدر صبيحة 14 تموز، ولا شك أن هذا الاجراء سيرفع من مبيع الصحيفة في ذلك اليوم. قلت: انني لا أسمح لنفسي بالإقدام على هذه الخطوة لأنها تسبب لدار الجمهورية خسارة جسيمة! قال: كيف وأنت ستبيع أكثر من نسخ الجريدة؟

بَيّنَ بعدها فيصل حسون للرئيس عارف الخسارة التي ستُمنى بها دار الجمهورية، ليقول: وهكذا تراني لا أسمح بتبديد أموال الدار على نحو لا أحقق به كسباً أو مصلحة جدية!

سكت الرئيس عارف على مضض أمام إصرار فيصل حسون، وقد أوعز عارف لسكرتيره الصحفي أحمد عبد الحسو بأن يطلب من دار الجمهورية تزويد القصر الجمهوري بالمزيد من نسخ الصورة الرسمية والعكوف على طبع آلاف أخرى منها.

وقد بلغ عدد الصور التي زودت دار الجمهورية القصر الجمهوري بها ثلاثين ألف صورة. يقول فيصل حسون:

ومع ان قيمتها لم تصل الى ألف دينار فإن ديوان الرئاسة لم يف بوعده ولم يدفع لنا شيئاً.

يروي فيصل حسون مفارقة من مفارقات صورة رئيس الجمهورية عبد السلام عارف:

إنني في إحدى أمسيات كانون الأول 1965، وبعد وفاة الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت، كنت أزور الأخ عبد الرحمن الأرحيم في منزله، وقد رنّ جرس الباب الخارجي، وعندما فتحه صاحب الدار ولج الباب بسرعة الرئيس عبد السلام عارف وهو صديق حميم وقديم لعبد الرحمن الأرحيم، وقد دخلا غرفة الاستقبال التي كنت جالساً فيها، وقال عبد السلام أنه كان ماراً من أمام الدار فقرر أن يفاجىء عبد الرحمن بالزيارة، بينما صرف سكرتيره الرائد عبد الله مجيد بسيارته وطلب أن يعود اليه لاصطحابه بعد أربعين دقيقة. وقد تبادلنا التحية وهممت بالانصراف لئلا يكون في وجودي حرج لهما اذا ما أرادا ان يتبادلا حديثاً خاصاً، لكنهما رفضا أن أبرح الدار وطلبا ان ابقى معهما.

يُكمل حسون:

انطلق عبد السلام يتكلم في موضوعات شتى، وكان من بين ما تكلم فيه وفاة أمير الكويت وقرار الأمير الجديد صباح السالم بخفض مرتبه السنوي من عشرة ملايين دينار الى ثمانية ملايين دينار. وقد ركّز عبد السلام على ضخامة هذا المبلغ الذي لا يكاد مرتب رئيس الجمهورية العراقية يمثل شيئاً مذكوراً بالقياس إليه، وبانتقالة مفاجئة اتبع عبد السلام حديثه عن ملايين الدنانير الكويتية بالقول: وفيصل حسون يطالبني بقيمة الصور التي طبعها لرئيس الجمهورية!!

يعقّب حسون:

وبُهت للمفاجأة، وقبل أن أتمالك نفسي لأقول: وهل أنا أطالب بهذه القيمة لحسابي، غمزني الأخ عبد الرحمن بأن أنسى الموضوع، وقد فعلت ونهضت بعد قليل من مقعدي مستأذناً للتوجه الى منزلي حيث آن لي الذهاب!!

أقول:

لا زلنا في سياق "الحرية" التي منحها ساسة "العراق الملكي" للوزراء وغيرهم. أليست قصة صورة عبد السلام عارف ـ كما أثبتنا عن الوزير أحمد الحبوبي في مقالنا السابق ـ دليلاً على أن هذه "الحرية" ليست حكراً على العهد الملكي؟ وأنها موجودة أيضاً في "العراق الجمهوري"؟! وإلا فماذا نُسمي ما حدث بين نقيب الصحفيين فيصل حسون وبين "الدكتاتور" عبد السلام عارف؟!

***

بقلم: معاذ محمد رمضان - باحث في تاريخ العراق المعاصر

....................

الحواشي:

1ـ فيصل حسون: شهادات في هوامش التاريخ، تقديم: نجدة فتحي صفوة، دار الوراق بيروت ط1 2001 ص370 الى 374

2ـ المصدر السابق ص399

منذ زمن ليس ببعيد تنامت في أسواقنا ظاهرة مؤسفة تتمثل في غياب قواعد السلوك الاخلاقي في ممارسة النشاط التجاري وذلك نتيجة غياب الرقابة الرسمية وركض الباعة وراء الربح السريع بعيدا عن الأمانة والأخلاق الواجب مراعاتهما في هذا الميدان ومنها ضرورة  المعاملة الحسنة مع الآخر واحترام حقه وذوقه وكذلك اتباع الشفافية والابتعاد عن الغش والتدليس في عملية البيع والشراء، فالغالبية من العاملين في اسواقنا للأسف لا يدركون ان المعاملة الطيبة مع الزبون جواز مرور الى قلبه وجيبه وكسبه زبونا دائما، حيث تكفي زيارة واحدة الى سوق الخضار على وجه التحديد لترى العجب في سلوك العاملين فيه، ففي هذا الميدان تتجسد امامك كل اشكال الغش المفضوح ومنها اخفاء العيب في السلعة المباعة وعرض النموذج الجيد وبيع الرديء ــ معتبرين ذلك شطارة ــ، كما ليس لك الحق في الانتقاء واختيار الأفضل من البضاعة المعروضة والويل لك اذا اعترضت على قطعة تالفة يدسها لك البائع ضمن الكمية التي يختارها لك بنفسه اضافة الى رفع اسعار السلع في اوقات الشحة والمناسبات والسرقة في الميزان المعروفة بها شريحة من الباعة، كل هذا الغش والغبن يمارسان بحقك وانت صاغر ومستسلم من أجل ان لا تدخل مع البائع في مشكلة، ولمن عاش حقبة السبعينات وما قبلها  يقر إن هذه الظاهرة طارئة على اسواقنا فأكيد يتذكر كيف كان للمشتري الحق في تذوق المادة الطازجة قبل شراءها وبعد ذلك من حقه ان ينتقي منها الأفضل ويختار ما يعجبه  وأيضا من حقه ارجاعها او استبدالها في حال وجدها مخالفة لضوابط وشروط الاتفاق، والذي حفزني الاشارة الى هذه الظاهرة هو ما قرأته عن سلوك اليابانيين في المطاعم فهم يتناول طعامهم على انغام الموسيقى الهادئة واصحاب المطعم يتعاملون مع الزبون ويستقبلونه بأرق العبارات الجميلة المهذبة الى درجة ان بعض المطاعم اليابانية تضع على الطاولة ورقة صغيرة مكتوبا عليها: نشكرك على حضورك ونرجو ان كان هناك أي تقصير ان تدلنا عليه لكي نتلافاه في المرة القادمة .

 يا ترى اين نحن من هذا الذكاء ومن هذه الاخلاق ومن هذا التعامل الانساني والحضاري؟.

***

ثامر الحاج امين

السياسة عالم شاسع واسع وعميق في معطياته، كما هو الدين تماماً في معطياته ايضا. إلا أن السياسة تتسم بالتقلبات والتحولات والمناورات و(التدليس والتغليس) فضلاً عن اهداف البناء والتأسيس على قواعد التغيير والشروع في تغيير الواقع نحو الأفضل، وفيها شيئاً من تقلبات الكذب والنفاق كلما تطلب الأمر ذلك.

أما الدين فهو منهج فرضه الدستور على الأمة وهو القرآن الكريم .. منهج ليس فيه (تدليس وتغليس) ولا كذب ولا نفاق أو دجل، ومثل هذا المنهج يتسم بالقدسية، والقدسية هنا لا احد يستطيع تلويثها بالسياسة التي تتسم بكل ما تقدم.

كما أنه من الصعب تقبل حشر السياسة بالدين حيث يمتزج (التدنيس بالتقديس).. فهل يقبل رجل الدين بأن (يدنس) الدين بالسياسة التي يشوب بعض جوانبها المناورات والمساومات وبعض النفاق والكذب؟ وهل يقبل رجل الدين أن تكون قدسية الدين مرتعاً (للتدنيس)؟ فماذا يقال إذا ما أدخل رجل الدين أنفه بالسياسة، وأدخل رجل السياسة أنفه بالدين وتبادلا الأدوار؟ وماذا يصبح الدين؟ وماذا تصبح السياسة على مسرح الأحداث أمام الناس؟

كانت اوربا قد عانت من هذه المعضلة وتحملت إشكالياتها طوال عقود وعقود أنتجت حروب وحروب.. وبالتالي استقر التفاهم على فصل الدين عن السياسة والبدء في التنمية وبناء الدولة المدنية الحديثة وأن تكون مهمة رجال الدين في الكنيسة يوعضون بالناس بأصول الدين والموعضة الحسنة ولا يخلطون ذلك بالسياسة التي هي من واجبات السلطات المدنية التي تعمل في الإدارة السياسية، الأمر الذي ادى الى نجاح تلك الدول في تطورها وتنميتها وإزدهارها ورقيها.. فيما بات رجال الدين يرشدون الناس في دور العبادة، إلى الطريق الحق بالنزاهة والصدق والرحمة والمساواة والتكافل الاجتماعي، بدون احزاب دينية سياسية .. فإذا دخلت السياسة بالدين خربته، وإذا دخل الدين بالسياسة خربتها ايضاً .. لأن الدين لا يسيس اطلاقاً.

***

د. جودت صالح

7 / 9 / 2024

النسيان ظاهرة تعصف بأرجاء مجتمعات الأمة، وتتفاوت نسبته بين دولة وأخرى، وأكثرها نسيانا، مجتمعات بلاد الرافدين، التي تذل رموزها، وتنتقم من قادتها، وتهدم ولا تبني، ولاحقها يمحق ما شيده سابقها، فما فيها مرتبط بالكرسي، فهو الميزان الذي بموجبه يكون تقيم الأشياء وردها إلى أصلها.

فلا قيمة لأي شيئ، وكلها نابعة من سلوكيات "ذهب مع الريح"!!

يسألني صديق : لماذا لا نذّكر برموزنا المعرفية، وقادة مسيراتنا، بعكس ما يحصل في بلادٍ أخرى؟

لا أعرف الجواب، لكنها من طبائعنا، أننا لا نتباهى ببعضنا، ونحسب القوة في القضاء على منافسينا، لا التنافس معهم للإتيان بالأفضل، وقائد تصرفاتنا " فحل التوت في البستان هيبة"، وهذا يحتم القضاء على كل مماثل أو لديه القدرة على أن يكون أفضل.

سلوك ينخر وجودنا من أعلاه إلى أسفله، وما وجدنا تفاعلا جماعيا بين العقول، أو بين أصحاب الكراسي، فالجميع يردد " وما إجتمعت بأذوادٍ فحول"!!

ولا فرق  بين ما تقوم به ذكور الحيوانات في الغاب، وما يجري في مرابع بعض المجتمعات، التي تدفعها  غرائز ورغبات مطمورة يتم تغليفها بما يساهم بتسويقها وتأمين تنفيذها بغرائبية غير مسبوقة.

تساءلت عن العديد من المثقفين والعلماء والمجديدين، وما وجدت إلا القليل النادر منهم مَن إستطعنا أن نحافط عليه في ذاكرة الأجيال.

ويبقى السؤال الصعب: لماذا نهمل بعضنا؟

والجواب كمطاردة السراب!!

***

د. صادق السامرائي

 

في هذا المكان كتبت عن ظاهرة مركز الرافدين وعن صاحبه زيد الطالقاني .. وقد كنت اشاهد مجموعة اطلق عليهم زورا لقب مثقف يشاركون في فعاليات مركز الرافدين، والبعض منهم اصبح من اعضاء الهيئة الادارية للمركز، وتجده يجلس مسترخيا والابتسامة ترتسم على وجهه ينظر باعجاب الى زيد الطالقاني وهو يستقبل السفراء وكبار المسؤولين .

هذا المثقف المزيف نفسه ستجده في جلسات " الانس " الليلية يتحدث بحسرة والم عن الفساد وضرورة التغيير، وما ان تشرق شمس الصباح حتى يرتدي بدلته ليذهب مطمئنا  للعمل في مكتب الحلبوسي او مكتب عمار الحكيم او اي مكتب من المكاتب التي توفر له مالاً وعلاقات وسهرات ليلية .. هذا المثقف المزيف اصيب بالخرس بعد ان تعرض زيد الطالقاني للملاحقة القانونية ..وتوارى عن الانظار وهو يشاهد الطالقاني يُساق الى السجن ، بل ان البعض منهم اخذ يبحث عن ممول جديد ليطوي صفحة مركز الرافدين  ويتهيأ لفتح صفحة جديدة .

في كتابه الشهير  "المثقفون المزيفون" – ترجمة روز مخلوف -  يقدم لنا المفكر باسكال بونيفاس، قسمين من المثقفين، الأول: يسميهم المثقفين المزيِفين وهم الذين  يمارسون تضليلا متعمدا، ويصفهم بأنهم يلجأون إلى حجج هم أنفسهم لا يصدقونها. والقسم الثاني: ويعتبرهم أسوأ من الفريق الأول، فهم المثقفون الذين يعتنقون مواقف وفقا لمصالحهم الشخصية. والى هذا الصنف ينتمي الذين صمتوا وهم يشاهدون ما جرى لزيد الطالقاني .

اكتب هذا الكلام الذي ربما يزعج البعض، لكننا ياسادة نشاهد ونقرأ كيف يساهم " المثقف المزيف " بإشعال نيران التعصب واشاعة الرثاثة عندما يصفق ويروج لاعمال ثقافية اوفنية او منتديات لا تنتمي للثقافة او الفن بصلة، لمجرد انها تداعب حواسه الطائفية او غرائزه المالية، فنجده يرفع شعار ان هذه الاعمال تشبهنا، وهي بالحقيقة تشبهه لانها مزيفة مثله .

يضع إدوارد سعيد يده على رسالة المثقف الأساسية، حيث يطاليب في كتابه " خيانة المثقفين " بان يمارس المثقف دوره الحقيقي في الدفاع عن قدسية الحياة، وعن القيم التي تجمع الناس. رسالة المثقف عند ادورد سعيد هي رسالة انسانية، غايتها الاساسية الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته واستقلاله، بل تصل حتى للدفاع  عن حرية من يختلف معه في الرأي، وفق لمقولة فولتير الشهيرة : قد أختلف معك في الرأي، ولكنني أبذل كل ما في وسعي للدفاع عن حريتك، ولو كلفني ذلك حياتي .

***

علي حسين

 

رغم كثرة الفشل، وتزايد الفساد والمفسدين، ورغم كثرة الفضائح السياسية وتعددها والوانها، مازال المسؤول العراقي لا يفهم معنى الاستقالة، أن الوزير السياسي هو المسؤول عن كل ما يجري في وزارته، ولا يتهرب من المسؤولية لأي سبب كان، وعند حصول خطأ ما في حدود سلطاته فيجب عليه هو، وليس غيره، أن يتحمل المسؤولية السياسية والأدبية ويقدّم استقالته من منصبه، فهذه ضريبة أن تكون وزيراً سياسياً، أن كلمة السر في الموضوع كله هي المسؤولية.

إذن المسؤولية السياسية ليست سهلة، والمنصب ليس تشريفاً، والتعهدات التي يطلقها المسؤول حين تسلمه المنصب ليست مجرد كلمات مستهلكة ينساها بعد حين، أن الكلمة مسؤولية، وهذه الكلمة هي سبب استقالة (يوكيو هاتوياما) رئيس وزراء اليابان (حزيران 2010) لأنه لم يستطع الإيفاء بالعهد الذي قطعه للناخبين بنقل قاعدة أمريكية في جزيرة (أوكيناوا) من مدينة (جينوان) إلى منطقة (هينوكو)، رغم أنه لم يستلم منصبه إلا قبل (9) أشهر فقط! (تذكروا معي الكمْ الهائل من الوعود التي أطلقتها النخبة الحاكمة ولم تلتزم بها، والمفارقة أن الشعب أول من نساها ولم يحاسبهم عليها، بل أعاد انتخابهم مرة أخرى.

المسؤولية السياسية ونتيجتها الإستقالة في غاية الأهمية وتضع المسؤول الأول على المحك دائماً، وتعتبر أنه المسؤول عن كل ما يجري في حدود سلطاته، وهي ثقافة سادت في الكثير من المجتمعات ولكنها غائبة عن مجتمعنا العراقي، فمن النادر أستقالة مسؤول بسبب خطأ وقع في القطاع المؤتمن عليه، رغم كثرة التجاوزات والأخطاء والفساد، فالمسؤول الأعلى يرى الكارثة تحدث ويعرف تماماً أنها من ضمن اختصاصه، وهي نتيجة فساد أو سوء تخطيط أو إهمال، ومع ذلك لا يتحمل المسؤولية بل يتجاهل الكارثة أو يبررها، وفي أحيان كثيرة يتم تحميل المسؤولية إلى صغار الموظفين ليكونوا كبش الفداء لأخطاء المسؤول الكبير، مواقف لا نراها إلا في بلاد سادت مجتمعاتها قيم الحرية، والانتخابات الحرة، وثقافة المحاسبة، وعدم السكوت على الخطأ، ولفظ المسيء، عن طريق حجب الثقة عنه واساقاطه في أول فرصة تمُكن المواطن من أداء دوره الذي يراه واجباً يجب القيام به، وليس ترفاً من أمور الحياة الخاصة، أمثلة كثيرة يمكن ذكرها بدأ من الزعيم الفرنسي ديغول القائد المظفر الذي حقق الاستقلال لبلده لكنه يستقيل، رغم التأيد الشعبي له، لأنه رآه ليس بالتأيد الكاف الذي يستحقه، فقال كلمته المشهورة " أنا ذاهب الى بيتي اذا ما احتجتموني تعلمون أين تجدوني،، رئيس الوزراء الياباني رغم فوزه وهو في قمة انجازاته يتقدم بالاستقالة ويختار التنحي لأنه يرى ضعف بهمته وتراجع بنشاطه فيقول "إن اضطراري الى العمل بجدية أكبر جعلني أشعر بالقلق لأنني لم أعد أستطيع ذلكولنا أن تتصور زعيم عندنا أو أنصاف زعماء بل على مستويات أقل بكثير ولم يكن وصولهم لمناصبهم أصلا شرعيا عن طريق الانتخابات ولم يكن لهم أي نجاح أو أنجاز وهم يدافعون وبل ويقاتلون من أجل البقاء بمناصبهم.

ثقافة الاستقالة هذه لم تأت من فراغ أو كرم وتفضل من المستقيلين، بل هي قيم وعرف وأخلاق غير مكتوبة من العقد الاجتماعي بين شرائح المجتمع  تحميها المواقف الشعبية التي تلقظ كل فاسد وترفض كل مسيئ له، ثقافة الاستقالة تجذرت عند تلك الشعوب منذ عقود بعيدة، جعلت كثير من المسؤولين يستقيلون ويخرجون من الحياة السياسية لأسباب تراها شعوبنا تافهة وثانوية وشيء من الترف السياسي أو النرجسية والمثالية الزائدة بينما هي عندهم خطوط حمراء لا يجوز تخطيها وقيم لا يمكن التساهل بها، عندما يتخلى المجتمع عن المحاسبة، وتسكت النخب عن المسائلة والنقد والصدح بالرأي، لن تسود مثل هذه الثقافة في مجتماعتنا العربية، وسيظل المخطئ والمسيئ والفاشل يجد من يرقع له سقطاته ويبرر له اساءاته ويجُمل له انحرافاته، المشكلة ليست هنا، بل بمن يدافعون عن هؤلاء وينافحون عنهم من حملة أقلام وكتاب وأعلاميين وأصحاب رأي وتأثير على المجتمع من النخب وأهل الحل والعقد، وتمتد المصيبة لتشمل الشعوب الغير آبهة بما يدور حولها ولا تتاونى عن التصفيق والتهليل، هذه الظاهرة الفاسدة حالة الشعوب المقهورة ومنها شعبنا التي لا تجد حيلة للانعتاق منها.

في ظل النظام السياسي الحالي، رشاوي وسرقات القرن وغيرها واختلاس اموال الشعب وشبكات تنصت وفوضى سياسية في كل الارجاء، ومسؤولين لايجدون حرج بالبقاء بالسلطة والاستمرار بالحكم بدون أي شعور بالأثم وعذاب للضمير، واسباب كثيرة وراء هذه الظاهرة السلبية من التشبث بالمركز والمنصب ورفض ثقافة الاستقالة، من أهمها مزايا المنصب المادية والمعنوية والتشريفية، واعتبار المنصب مكسب وليس مغرم، وضعف الشفافية وعدم وجود الجهة الرقابية والجهة التي تحاسب على التقصير والفشل، ناهيك عن عدم وجود معايير الوصول لهذا المنصب الذي عادة لا يكون عن طريق الانتخابات الحرة، بل عن طرق اخرى مخلة بالعدالة والمساوة وتساوي الفرص وبيعدة عن المعايير المحددة الواضحة

***

نهاد الحديثي

 

بعد ثورة /يوليو 1952//حدث إنقلاب في النظام الاجتماعي في مصر، وبدأ يتخلص من العبودية القهرية، في قريتنا كان ناظر الخاصة الملكية هو {الحاكم بأمر الله في القرية} يأمر بترد هذا المزارع من الأرض، واعطاء أرض لهذا، ويأمر شيخ الخفراء بِجِلدِ هذَا بِالكربُوجِ السوداني، وكان ناظر الخاصة الملكية له نفوذ وحاشية اختاروا التقرب له ليكونوا تحت مظلتة، انتهي هذا العصر مع قيام ثورة يوليو، وبعد الثورة ظلت حفنة تبحث عن مظلة من اصحاب السلطة والجاه والنفوذ والسلطة، تتقرب للنظام الجديد وللنظم المتعاقبة، تحت مظلتهم كحماية لهم، رغم معاملتهم مثل العبيد او كما يطلق عليهم علماء الاجتماع (العبيد التطوعي) وحدث طفرة اقتصادية بعد حرب اكتوبر من الهجرة وانتعشت عائلات اقْتِصَادِيًّا كانت تعيش تحت خط الفقر، ولكن شعروا بعقدة النقص والدونية فبحثوا عن شخصية اعتبارية من رجال السلطة، ليكونوا لهم عبيد"توابع " ولا يخجلون أنهم توابع لفلان،، ويظهر طائفه منهم فترة الانتخابات، ولكن بصورة مودرن حديث، يحملون لهم الهدايا والتقرب لهم، ويعملون لهم خدم، ويكونوا سعداء لآن الباشا، لعنهم بأقذر الشتائم، ويسبحون اطراف النهار وآنا الليل، بالباشا وبطولاته الوهميه، عندما تم توجية سؤال لمحررة العبيد في امريكا "هاريت تويمان " ماهو اصعب شيء في تحرير 700 //من العبيد قالت إقناع العبيد أنهم عبيد، العبارة نفسها بتعبير اخر قالها الفيلسوف الفرنسي// جيل دولوز:

" القناع موت آخر بطيء".

أصعب معركة يمكن أن يخوضها إنسان عندما يحاول إعادة شخص ما، الى صورته الحقيقية التي نساها، ووجهه الضائع، وصار القناع وجهًا ستكون الخاسر الوحيد أنت لآن الآخر ليس عنده ما يخسره بعد ان خسر حياة كاملة.،، وقبل الإذلال والمهانة ستجد نفسك أمام دفاع مستميت ومع الوقت تكتشف أنك تدافع عن إيمانك العميق في أن هذا الوجه ليس قنَاعًا،  بل حالة انكار،  خاصة اذا قطع هذا الوجه شوْطًا طَوِيلًا فِي الإِذْلَالِ والآقنعة وتحول الى كائن وهمي لا وجود له حتى في نظر نفسه لذلك يخلق شخصية ولغة لكل شخص ولكل موقف:

كيف يمكن اعادة كائن هارب من نفسه الى نفسه..؟

"إن الإنسان

"المُذِلِّ " يَحسُدُكَ عليَّ وضعكَ وحُريتُكَ، لذلك لا يستطيع قطع الطريق، عَائِدًا، إِلى مَا قبْلَ الإِذلَالِ هُناكَ،  اشياء كثيرة تحطمت في طريق الإذلال وتحولت الى قواعد حياة وعادة وروتين بل الى مبادئ ومن الصعب العودة الى ما قبل.لكي يقطع مسافة العودة قبل الإذلال عليه أن يحطم في طريقه كثِيرًا من الأحلام والصور والقناعات والآمال والآوهام الزائفة ومن ذاته المصنّعة،

والقناعات الوهمية أخطر من الشر بل مصدر للشر لأنه لا يصدر من قناعات صافية وحقيقية وعميقة لذلك الشر سطحي وغبي أَيْضًا، يقول الكاتب (اورويل) عنهم، إن

الذين يقطعون طريق العودة، مستنزفين بلا أهداف، يحتاجون الى وقت وطاقة أكبر بكثير من نقطة البداية وهذا ليس مُتَاحًا دَائِمًا وفي حالات يتحول الذُّلْ الى نمط حياة في مناخ متقبل، في هذه الرحلة العمرية من حياتي في الحياة، قابلتُ الكَثير من الأقنعة والقليل مِن الوجوه الكُلحَةُ التي سَئِمْنَا مِنهَا وخجلْنَا مِنْ تصرُّفاتِهِمْ من ضياع الحياء لديهم من حياة الذُّلِّ التطوُّعِيِّ" للباشوات الجُدُدُ، كان العرب القدماء ينصحون بـعدم مُؤانسةُ" الذلِيلُ" لَا تُمازِحُهُ وَلَا تُؤانِسُهُ لِأَنهُ مُبرمَج عَلَى الإِذلَالِ وَلَا يَحتَرِمُ مَنْ يَحترِمُهُ بَلْ يَنتقمُ مِنْهُ للتعويض عن النقص في الشخصية عَارٌ مُعتَقٌ لكِنهُ يَحترِمُ احتِرَامًاً مبنِيًّا علَى الخَوفِ كُلُّ مَنْ يَحتقِرُهُ.

الذَّلِيلِ لَا يتسامح ولا يحب ولا يحترم الآصحاء لآنه يكره نفسه ويحتقرها ولآنه يريد ان يعيش دونيته بسرية تامة بلا وجه نقيض نقي يذكره بعاره المقنّع بل يقترب من النموذج نفسه المقنّع لتبادل شبيه الرخيص والمنافق.الحوار بينهم حوار أقنعة لآن القناع يخلق هوية مشتركة كما تحدث بين اللصوص ومخلوقات القاع الاسفل والقراصنة والنصابين وباعة الجسد والخ.

تاريخ القناع يعود الى زمن الوثنيات والاساطير ثم الاحتفالات الطقسية وانتقل الى المسرح ثم صار بديلاً في عالم اليوم عن الوجه:

" خجلتُ من نَفسي عِندما أدركتُ، أنّ الحياة حفلةٌ تنكرية، وأنا حضرتُها بوجهي الحقيقي في مسقط رأسي والبيئه التي أعيش داخلها "  لكن ليس كل انسان تعرض للإذلال والمهانة عَاجِزًا عن الخروج من المتاهة، لو كان هناك وعي المتاهة، واذا لم تتحول المتاهة النفسية الى اجترار وقواعد بل والى قيم ونمط حياة، لأن بعض الاشخاص في أسوأ وأحلك الظروف تبقى فيهم مصدات وقائية ومبادئ صلبة تقاوم الانحلال والمضي في الطريق، وفي اشتباك داخلي صامت بين المحيط وبين الذات الملغية وبين القناع، وفي هذا الصراع إما أن يمرض أو يُجن لكنه لا ينحط لأن قيمه وأخلاقه الطبيعية وتربيته تقف حاجزًا وقائِيًّا ضدَّ الضحالَةِ الأخلاقية والأقنعة رغم الإنهاك النفسي والتعب والوحدة الروحية، هم لايشعُرُون أَنَّ أبنائهُمْ سَوفَ يَرِثُوا عَارَ الإِذلَالِ أَنَّ أبائهُمْ كَانُوا عَبِيدَ تطوُّعِي، وأنةُ وُلِدَ مِنْ رَحِمِ تَجرِبةِ الوجعِ المُطهرَةِ مِنْ جَدِيدٍ والتاريخ أثبت إن هذا الصنف خلقوا حياتهم من جديد وخلقوا لنا أيضًا المثال على اننا يمكن العودة الى بداية الطريق بل والى طرق جديدة وان الحياة ليست نسخة واحدة.

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

من الملاحظات المؤلمة، أن تشاهد العديد من المشاركات على صفحات التواصل الإجتماعي بأنواعها، لأصدقاء ومعارف، ويأتيك بعد حين بنعيهم!!

بغتةَ أخذت تنهال أخبار أحد الزملاء و بعد أيام، يردني خبر وفاته، وتكررت الحالة مع أكثر من زميل وصديق ومَن أعرفهم، حتى أصبحت أخشى من متابعة صفحات الفيس بوك وأخواته.

زميل بدأ يلقي أحاديثا مسجلة في موضوعات إختصاصه، وكانت أسبوعية وأحيانا يومية، وبعدها أسمع  نبأ وفاته.

وزميل آخر راح ينشر ما يقوم به، وتردني منه صور عن نشاطاته العلمية، وما أنجزه، وأنا في خضم متابعته، وإذا بخبر وفاته يباغتني.

وأحد الكتاب الذين أتابعهم، تواصلت منشوراته بكثافة، ثم إنقطع فجأة، وإذا بخبر وفاته يتصدر بعض الصفحات.

وشخص أعرفه، وصديقي يحدثني عنه، كلما تهاتفنا، وبدأ يجري العديد من اللقاءات مع محطات تلفازية، ويلقي الأحاديث عن الواقع وما سيحصل، ويبث أفكاره، لكن خبر وفاته كان سبّاقا.

ومن الذين أعرفهم، كان له باع طويل في التحليلات وإبداء الآراء عن الأحداث الجارية في الدنيا، وله مئات الآلاف من المتابعين، لكنه توقف، وجاءني نبأ وفاته، لأنه يعاني من مرض عضال.

ومؤلف آخر ومجتهد في الدفاع عن لغة الضاد، إزداد نشاطه في طبع كتبه، وحاول أن يطبع كل شهر كتاب، وما هي إلا بضعة أشهر، حتى يظهر الإعلان عن وفاته!!

هذه ظاهرة سلوكية، برزت بسبب وسائل التفاعلات الإجتماعية الجديدة، وما أكثر محطات (اليو تيوب) التي يبث منها أصحابها، ما يتصورون بأنه سيخلدهم في الدنيا الفانية حتما.

الزمن المعاصر تساوت فيه (الكرعة وأم الشعر)، فلن ينفع التأبد فوق التراب أي نشاط وتعبير عن المحتوى، فالدنيا تدور بسرعة وتتطلع للأمام ولا يعنيها ما وراء الظهور.

وهكذا فالخشية ترافقني عندما أتصفح ما تحمله صفحات التواصل لأن الأشخاص ينعون أنفسهم، وكأن واحدهم، مالك بن الريب الذي نعى نفسه بقصيدته المعروفة!!

ولا شيئ يبقى فوق أرض تدور، فهي أعظم خلاط كوني، تمزج العناصر وتستولدها الجديد!!

فارحموا أنفسكم يا أولوا الألباب!!

***

د. صادق السامرائي

 

أولا: يقولون (بين الرأس والذنب حرب باردة وأكثر):

هذا ممكن، حين ينشب الصراع بين شخصيتين، إلا أن الأكثر اهمية حين ينشب الصراع بين الرأس والذنب.. الرأس ينهش الذنب، والذنب يحاول ان يتفادى العض ويفر من محاولات النهش بطريقة اللف والدوران.. ولكن النتيجة تتساقط أسنان الرأس ولم تعد في الذنب غير الجروح ولا حتى شعرة واحدة . وبات الرأس والذنب يصرخان من شدة الألم الذي سرعان ما تحول كل هذا الى (جرب) اصاب شفاه الرأس وأصاب الذنب نفسه. والأمر الأكثر إثارة هو أن هناك من لا يكترث من الاقتراب من راس مسعور ولا من ذنب يأكله المرض، وهناك من يترقب النتائج. والمعروف عن مرض الجرب انه ينتشر بسرعة ويأكل لحم الفك أما الذنب فقد يسري الى داخل المؤخرة في طريقه نحو الجوف، والزمن كفيل بإعطاء صورة واضحة وفاضحة لمشهد العلاقة بين الرأس والذنب.. وهذا التوصيف هو الأكثر إثارة في الحرب الباردة.

ثانياً: ويقولون (إن الحرب التالية بين دولتين إقليميتين):

ومثل هذه الحرب كان القول عنها أو فيها من سنين ولم تقع كما هي سابقاتها الآتي فرخن حروباً وأسقطن حكومات وهجرن شعوب وبعثرن طاقات واستنزفن موارد..إلخ

الحرب بين الكبير الدولي والصغير الإقليمي لن تقع، مع الأخذ بعين الإعتبار القاعدة الأساسية في علم الإستراتيجيا، أن لا حرب بدون سياسة.

والحرب بين الصغير الإقليمي والصغير الإقليمي، غير العربيين، هي الأخرى لن تقع، لأن الحديث في الإعلام يختلف عن الحديث في السياسة، إضافة إلى إستخدام مصطلح آيديولوجي مفاده "أن تعلن خلاف ما تبطن".

والحرب المفترضه إعلامياً بين الصغيرين، ترتبط بالحرب التي يديرها الكبير بالتهديد والوعيد وهو يحمل الهراوة على الجميع من جهة، فضلاً عن هراوته الصغيرة التي صنعها للمنطقة والأخرى هراوة التخويف والتهشيم التي يتعامل بهما مع المنطقة من جهة أخرى.

هراوتان أو كماشتان صنعتهما القوة الكبيرة لمحاصرة المنطقة بكل اقطارها .. هاتان الهراوتان ليس بينهما اختلافات او تناحرات او صراعات جوهرية، وهما متفقتان على الأساسيات ومختلفتان في الثانويات البسيطة من الأمور التي يتم حلها غالباً تحت الطاولة أو من خلال طرف ثالث.

والقاعدة التي تحكم علاقة الصغير الإقليمي بالصغير الإقليمي الآخر هي قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) تحت اشراف العم الأكبر. فلا احد يستطيع ان يتفوه كذباً أو تغليساً أو نفاقاً بأن الحرب قادمة بين الصغيرين الإقليميين أو بين الكبير وأحد الصغار.

أحد الصغيرين الإقليميين قد أسقط في حفرة ويحاول الخروج منها بالحفر.. ألم يكن غباءاً ؟ فكلما تعمق في الحفر في خارجها عن طريق التوسع كلما إنهارت عليه أطنان من الأتربة.. وكلما اختنق، كلما بات الإنهيار قريباً.

المراقبون يرون ان الصغير الإقليمي الذي تمكن من حفر اربعة مواقع متقدمة للنجاة من الانهيار قد وجد مشتركاً مع الصغير الإقليمي الآخر ليحفر حفرة رابعة تحت أرض مركزية لا احد يجرؤ من الاقتراب منها بالسوء.. وهذا الاقتراب وخرائطه موجودة في خزانة البيت الأسود، والصغير الإقليمي يعلم بذلك، لكنه يظل يلعن الشيطان الأكبر.. وهذا هو الفرق الجوهري بين فعل الإعلام وفعل الاستراتيجيا.!!

الحرب بين الصغيرين الإقليمين لن تقع ولكن قد يعض أحدهما الآخر أو يخدشه أو يمازحه بمناورات وألعاب نارية استعراضية فاضحة.

والسبب هو أن الصغيران مكلفان سوية بالحفر تحت بقعة مقدسة، وأحد أدوات الحفر تدعي القدسية والمسؤولية المقدسة للخلاص وتشارك الصغيرين الإقليميين جريمة الحفر تحت اشراف البيت الأسود.!!

***

د. جودت صالح

5 / 9 / 2024 

أثار موضوع المقال الأستاذ علي حسين في مقاله المنشور في صحيفة المثقف "الغرق في الشعارات" بتأريخ (3\9\2024)!!

كنا طلبة في الإعدادية، وكان صديقي ونحن نسير في شوارع مدينتنا، تنتابه نوبة ضحك هستيرية كلما واجهتنا لافتة تحمل شعارا، إذ كان يسفه الشعارات، ويرى أنها لعبة لخداع الناس وإستلاب إرادتهم، وكان يتكلم بجرأة وقناعة فائقة، بأن الشعارات أكاذيب لا غير.

وبصراحة في ذلك العمر، لم أفهم ما يعتمل في رأس صديقي، لكنه من القراء الجيدين، ويمتاز بثقافة عالية، ولديه مكتبة عامرة في البيت، وكم جلسنا في مكتبته، وكانت تدهشني لما تحويه من الكتب التي كانت ممنوعة في حينها، وأول مرة أطلع على كتاب "في ظلال القرآن "، عندما وجدته في مكتبته.

ومع الأيام إزداد حضور صديقي في ذاكرتي، بعد أن تبين أن الشعارات التي طرحتها الأحزاب وأنظمة الحكم، عبارة عن وسائل للتخدير ولتمرير أجندات خفية، في جوهرها النيل من البلاد والعباد.

فلا يوجد حزب في مجتمعاتنا حقق نسبة ضئيلة من شعاراته، فجميعها كانت لعلعات خطابية بلا إنجازات واقعية ذات قيمة وطنية ومنفعة للناس.

فهل وجدتم شعارا واحدا، إقترب من كلماته، أو أحرفه؟

أصبحنا ندرك أن الأقوال هي غاية الأفعال، أما العمل فمحرم وممنوع، ولا بد لأي إنجاز أن يكون قاهرا للشعب.

أين أصبحت الشعارات الوحدوية والقومية والثورية التي صدّعت رؤوس الأجيال، ورمتهم في سعيرات الحروب العبثية بين أبناء الأمة.

الذين يتمنطقون ويتفلسفون على رؤوس المواطنين، لا يقدمون لهم سوى الكلمات، وهمهم ما يجنون من المال المنهوب، والمشرعن بفتاوى مؤنفلة وغنائم مشاعة للكراسي المتسلطة على مصير الناس، فالجالس على الكرسي يمنح الحق لنفسه بالتصرف بكل شيئ، وما عليه إلا أن يتقنع بشعاراته الجوفاء، ويتخذها دريئة لنيل ما يريده من حقوق المواطنين، فهو رب البيت ومن حقه أن يديم الرقص والنقر على الطبول!!

فتبت شعارات المتسلطين على أمة أرحم الراحمين!!

***

د. صادق السامرائي

 

يهلّ علينا السيد رئيس هيئة النزاهة مشكوراً بين الحين والآخر من خلال الفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد أعلن بالأمس عن بدء المعركة مع الفساد، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها المتحدث باسم هيئة النزاهة، حيث يظهر الرجل بالصورة والصوت على فضائيات ليخبرنا بأن هذا العام هو آخر أعوام نهب أموال البلاد والعباد .

وبرغم كثافة الحضور الإعلامي لهيئة النزاهة، إلا أن واقع الأمر يثبت أن أحداً في العراق لا يثق على الإطلاق بالتصريحات الوردية عن الشفافية والإصلاح، والدليل أن معظم العراقيين يسخرون حين يسمعون أن هذا العام سيكون الأخير في سلسلة معاناتهم مع نهب المال العام، فالثابت أن الناس تعطي آذانها للمشككين في أحاديث المسؤولين، أكثر ممّا تعطيها لأصحاب خطب النزاهة ومحارلة الفساد، ويمكن القول إن ظهور نموذج نور زهير جعل من النزاهة مجرد رواية تبدو واهية ومتهالكة بحيث لم تصمد في وجه ما يقوله الرافضون لبيانات القضاء على الفساد والمشككون فيها، وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن الغالبية العظمى من العراقيين لا تعتبر النزاهة ضمن أولويات مصداقيتها بعد كل حديث عن صفقة فساد جديدة، ومن ثم فأن الناس تعطيها "الأذن الطرشة" على حد تعبير أهالي بغداد.

ووفقاً للأرقام المعلنة حتى الآن فأن عشرات المليارات نهبت من أموال العراقيين حتى أن البعض قال ساخراً إن ما نهب من ثروات البلد يكفي لبناء بلد بأكمله وما أنفق من أموال على المشاريع الوهمية يصعب تصديقه في أي بلد، لكنه في العراق يقدم الدليل القاطع على أننا نعيش زمن اللصوص الكبار، وأن مصطلحات الشفافية والنزاهة لا تنفع حين تُغيب إرادة الناس.

أيها السادة الأهم من الحديث المكرر عن النزاهة، ما كشفته الأخبار لنا مؤخرا من أن " المدلل نور زهير زور 114 صكاً مالياً، ولديه جرائم غير سرقة الأمانات الضريبية وسرق 720 دونماً في شط العرب كما سرق الودائع الجمركية بأكثر من تريليون دينار، مع هذا يعيش حراً طليقاً دون أن تقترب منه هيئة النزاهة في الوقت الذي اعتبر القضاء ما سرقه نور زهير مجرد " خردة " لا يستحق أن يسجن عليها . لعل السؤال الجوهري لم يكن هو: كم مسؤولاً متهماً بسرقة أموال البلاد؟ ثم ــ وهذا هو الأهم ــ من الذي يتحمل مسؤولية ضياع مئات المليارات من موازنة العراق؟. كم " حوت " تحرص الدولة على عدم الاقتراب منهم؟

نحن ياسيدي رئيس هيئة النزاهة يحزننا أن نعيش عصر البيانات الوردية، فالناس ملت من قراءة كتيب العلامة هيثم الجبوري "ألف نكتة ونكتة عن النزاهة".

***

علي حسين

ثمغ: خلط

والمقصود هنا المثقفون، الذين يصح تسميتهم بالمثقبين، أي الذين فيهم ثقوب عديدة، ويتمتعون بنشاطات تبدو مناهضة للوضع القائم في مجتمعاتهم، لكنهم يحصلون على إمتيازات ومحفزات وتسويق متواصل لما يطلقونه من تصريحات، تبدو بلسان الحق ناطقة، وهي باطلة دامغة.

الكثير منهم يبرزون وينتشرون ويُقدَمون على أنهم من الأفذاذ والنوابغ والعلماء والخبراء، وما يحلو من التوصيفات التسويقية اللازمة لتأكيد دورهم المنافق المشحون بالتحابي والدجل والتضليل.

وهم معروفون ويتكرر ذكرهم وتتعدد ميادين تفاعلاتهم، فيكتبون ويحاضرون ويتواصلون مع الشرائح المجتمعية لصيدهم وإيقاعهم في حفرة الوعيد، التي تساق نحوها الناس كأنهم القطيع الذي لا يحق له أن يثاغي أو يريد.

هؤلاء هم "الجزوات" أي المصيدات للمغفلين والمنبهرين بهم، وبسلوكهم يساهمون بإعداد الضحايا للجزر المروع وفقا لإرادة المؤازرين لهم، والذين يمنون عليهم بالمكرمات، ويشجعونهم على المضي في صراط النيل من الآخرين، وتنويمهم ليتحقق الإنقضاض عليهم، وإستعمالهم لتنفيذ أوامر الذين يقلدونهم ويأتمرون بأوامرهم، ويحسبونهم نواب رب العالمين.

لا يصح ذكر أسمائهم والهبوط إلى مستوياتهم الناكرة للقيم والمبادئ والأخلاق، فهم حريصون على جيوبهم، ولن تسمع منهم كلمة وطن ولا حقوق مواطن، فما دامت جيوبهم عامرة، وغنائمهم وافرة، فلا يعنيهم من الأمر سوى أن يكونوا أبواقا مقنّعة بوجوه ذات غايات سامية، وأفعالهم تكشف عما في دواخلهم من السوء والبغضاء والشحناء.

في كل زمان ومكان وعبر مسيرة البشرية، الكراسي يصنعها المثقفون المحابون المنافقون المدجلون، الذين يسوّغون لأصحابها المآثم والخطايا، ويأتي في مقدمتهم الذين يدّعون تمثيل الدين.

فلماذا يناقض المثقفون ما يكتبون؟

ولماذا للكراسي يؤازرون، ولحقوق البشر ينكرون؟

هل أنها المتاجرة بالكلمة؟

تبت يدا المثقفين الغاطسين في ضلال المفترين!!

***

د. صادق السامرائي

 

المقدمة: تختلف النظريات الشيعية فيما يتعلق بأصول الطقوس العاشورائية، أذ يعود بعض أصولها مباشرة إلى أحداث كربلاء ومقتل الإمام الحسين بن علي على يد قوات يزيد بن معاوية، وأن نساء آل الحسين بدأنها حزناً على فقدان الحسين وال بيته وصحابته.

 ويعزوه البعض إلى بداية ظهور الدويلات الشيعية الصغيرة، وعلى رأسها الدولتان البويهية والصفوية، وهذه الشعائر ولدت في بلاد فارس والعراق، ومارسها الفاطميون بمصر والحمدانيون بحلب.

1- الطقوس تاريخيا:

لقد ساهمت أحداث كربلاء في تشكيل ذاكرة الطائفة الشيعية، ومنحت الجماعة ماضًا مشتركًا ورسختها في التاريخ، كما أوجدت مجموعة من الشعائر الخاصة بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية.

اتخذت طقوس استشهاد الحسين أشكالاً مختلفة في أوائل القرن العشرين، وكانت بسبب تطور التقاليد القديمة التي كانت منتشرة على نطاق واسع بين المسلمين من مختلف طوائفهم، وقد تم إحياء هذه التقاليد منذ زمن الصفويين (1501-1722)، مع إضافة التعبير عن المأساة على شكل مجموعات أو ما تسمى (مواكب).

وبذلك تصبح الشعائر الكبرى التي تطورت عبر العصور لدى الشيعة بمناسبة ذكرى عاشوراء، خمسة:

 * مجالس العزاء أو التعزية.

 * زيارة قبر الحسين لا سيما في العاشر من محرم وفي الأربعين منه.

 * المواكب الحسينية.

 *  أعمال الشبيه.

 *  وقد تُرافق المجالس والمواكب أعمال مختلفة من أذى النفس، تتراوح بين ضرب الصدر باليد (اللطم)، وضرب الظهر بالسوط (الزنجيل)، أو ما يسمّى بالتطبير(ضرب الرأس بألة حادة).

وقد تزايد انتشار هذه الطقوس وتضاءل، وتغيرت أشكالها، كما تصفها المستشرقة الفرنسية (سابرينا ميرفان) في كتابها “حركات الإصلاح الشيعية: علماء وكتاب جبل عامر من أواخر الإمبراطورية العثمانية إلى أوائل استقلال لبنان”. حسب المناطق المختلفة في العالم الشيعي.

وتتجدد الخلافات حول طقوس عاشوراء كل عام، مما يؤدي إلى نقاشات سنية شيعية وخلافات شيعية شيعية. تختلف حسابات أصلها. ويربطها البعض مباشرة بأحداث كربلاء ومقتل الحسين بن علي، فيما يربطها آخرون ببداية ظهور دويلات شيعية صغيرة، وعلى رأسها الدولتان البويهية والصفوية.

وتروي المستشرقة الفرنسية، أن "مجالس العزاء أول ما ظهر من هذه الشعائر، فقد أعادتها بعض السنن إلى يوم الفاجعة نفسه، إذ بدأت بها نساء آل الحسين قبل اقتيادهنّ إلى دمشق. ثم توبعت هذه المجالس في العهد الأموي، سرّاً في البيوت، ثم أقيمت في العهد العباسي علناً، فقد أقيمت في القرن العاشر الميلادي في أماكن في بغداد وحلب والقاهرة يجتمع فيها الناس خصيصاً لإقامة هذه المجالس التي سُمّيت بالحسينيات؛ وكانوا يبكون فيها وينتحبون وينشدون المراثي ويقرأون المقاتل. وقد أصبحت مجالس العزاء تقام بعد ذلك طوال الأيام العشرة الأولى من شهر محرم".

كانت زيارة قبر الحسين ومقابر شهداء كربلاء شائعة في العصور الوسطى الإسلامية، والدليل هو أن الخليفة العباسي (المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد 232- 247هـ)، الذي أراد وضع حد للتقاليد الإسلامية، دمر قبر الإمام الحسين بن علي .

2- التشيع نوعان:

في المقابل، يرى الدكتور والمفكر الإيراني (علي شريعتي 1933- 1977م) في كتابه "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي"، أن "الطقوس العاشورائية الحالية ناتجة عن الارتباط بين الصفوية والمسيحية، حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي شكلت خطراً جدياً على أوروبا، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي، إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران، وشيّد لهم 'جلفا' مدينة مستقلة قرب العاصمة ومنحهم الحماية التامة والحرية الكاملة في ممارسة طقوسهم الدينية".

ومن جهته، يرى شريعتي أن "رجال الدين الصفويين سعوا إلى تجميل صورة بعض الشخصيات المسيحية وإقحامها في المشاهد التمثيلية التي تقام إحياءً لذكرى عاشوراء، من ذلك أن رجلاً كرواتياً يحضر أحد هذه المشاهد فيتأثر فيقتحم المكان ببدلته الأنيقة ويهاجم معسكر يزيد وأنصاره ويواسي الحاضرين بأجمل مواساة، بحيث ما أن يراه الناظر حتى يتيقن بأن كلب هذا المسيحي الإفرنجي أطهر من 'السنّة' الذين قتلوا الحسين".

3- البداية من ايران ثم العراق:

كان لا بدّ من وضع بداية تمهيدية لشيوع طقوس عاشوراء عند الشيعة، وذلك لسرد بداية هذه الطقوس في العراق، الذي كان مركز شيوعها الأساسي، حتى وصلت إلى عهدنا الحالي، أذ مرّت المناطق الشيعية المختلفة بمراحل زمنية محددة بحسب العلاقات والأنظمة الاجتماعية السائدة فيها، وتنوعت وتبدلت أماكن إقامة الشعائر الحسينية من "التكيات" و"الحسينيات"، بالإضافة إلى البيوت والمساجد والمقامات والمقابر، واخيراً في الشوارع.

 كتب السيّد (محسن الأمين العاملي 1865- 1952م) في "خطط جبل عامل"، أن "الحسينيات بمثابة تكيات منسوبة إلى الإمام الحسين، لأنها تُبنى لإقامة مراسم عزائه فيها، وأن أصلها جاء من الإيرانيين والهنود الذين بنوها في بلادهم وفي العراق أيضاً".

أن الحسينيات بمثابة مسجد للصلاة والطبخ وأقامه المأتم، وهي منسوبة إلى الإمام الحسين بن علي، وأن فكرتها الأولى جاءت من الإيرانيين والهنود الذين بنوها في بلادهم ثم انتقلت الى العراق عن طريق الإيرانيين الذين دخلوا العراق وسكنوا فيه، بعد عبورهم الحدود دون مستسمسكات رسمية في (العصر الملكي 1921-1958).

ما كان يجري من احتفالات في ذلك الحين: يقضي الشيعة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم في حداد وبكاء، على ذكرى مقتل الحسين، ويقرأون في هذه الأيام روايةً طويلةً مؤثرةً (المقتل) ويكفّون عن العمل.

ويسمّونها الأيام العشرة، وكانت إقامة الشعائر في تلك الحقبة مقتصرةً على مجالس العزاء، وما ينقله التاريخ الشفهي عنها، أنها كانت تقام في العلن بسبب تساهل السلطات الحاكمة أنذاك معهم، حتى وصول صدام حسين المجيد الى دفة الحكم عام/1979 ليلغي تلك الشعائر والاحتفالات ويعاقب من يقيمها أشد العقوبات، وقد تصل العقوبة الى الإعدام.

حتى سقوطه المدوي في نيسان/ 2003 لتعود مرة أخرى وبشكل أكبر وأوسع من ذي قبل ليشارك بها عشرات الملايين من السنة والشيعة سوية ومن كل دول العالم وبدعم حكومي لا يوصف.

واذكر هنا بعض ما قام به الشباب، حيث أسسوا مواكب المحلات الذي كان يشارك فيه خيرة الشباب الواعي بأهمية التغيير السياسي، بغض النظر عن الانتماء الفكري أو الطائفة والقومية، لا سيما مناسبة الاربعينية.

كذلك نظم هؤلاء المثقفون في بعض المحافظات العراقية مواكب ذات سمة حضارية ومظهر يليق بالمناسبة وذلك في سبعينات القرن الماضي وهو ما شهدته بأم عيني، ومن بين تلك المحافظات (محافظة ميسان 365كم جنوب شرق بغداد)، فقد قام مجموعة من الشباب لا يتجاوزون عدد أصابع اليد بتأسيس موكب حسيني باسم “موكب الماجدية ” الذي لم أر لحد الآن موكبا مثله من جميع النواحي، مثل التنظيم والمشاركين سواء عددهم أو مستواهم الثقافي، والشعارات (الردات) الحسينية الهادفة والتي تنتقد الأنظمة الظالمة وتوجه الشعوب نحو طريق التحرر والانعتاق من ذل العبودية للحكام الطغاة.

ومن الأيام الأولى لانطلاقه أصبح “موكب الماجدية” أكبر موكب في المحافظة بل لا أبالغ ان الحضور والمشاركة فيه كانت تعادل نصف مجموع مواكب المحافظة.

الأمر الذي لم يتحمله النظام الديكتاتوري المتسلط على العراق بقيادة “حزب البعث العربي الاشتراكي” وظنا منه انه قادر على إجهاضه، فقام باتخاذ خطوات تدل على مدى ضعفه الفكري في مواجهة الجمهور، فقام بحملة اعتقالات واسعة في أغلب المحافظات ومن بينها مدينة العمارة، وكانت الدعاية التي يبثها البعثيون في أوساط الناس بان “موكب الماجدية” هو سياسي وليس موكب حسيني وان المشرفين عليه ينتمون لحزب الدعوة الإسلامية.

الخاتمة:

يطلق اسم - الردود - على الشخص الذي يؤدي قصائد دينية أمام حشد من الشيعة في الحسينيات أو الجنازة، ولا يُعرف بالضبط سبب تسميتها بهذا الاسم، ربما لأنه ألقى قصائده وقرأها الحاضرون بعده .. أمثال حمزة الصغير، ياسين الرميثي في القرن العشرين، وباسم الكربلائي، قحطان البديري ،جليل الكربلائي، و مرتضى حرب ... الخ في القرن الحالي.

وهؤلاء يتقاضون مبالغ مالية كبيرة لقاء أنشادهم في المجالس ويتنقلون داخل محافظات العراق المختلفة، ويًدعون من قبل ميسوري الحال ممن يملكون الحسينيات الكبيرة، والبعض منهم يتنقل خارج العراق للغرض نفسه.

وقد تمكن الجهال من التغلغل في هذه الشعائر وتدنيسها بالخرافات والأنشطة المخالفة للذوق الإسلامي وحتى لأحكام الشريعة الإسلامية، للأسباب الأتية:

أولاً: التعلق العاطفي بالحسين (عليه السلام) عند أتباع أهل البيت.

ثانياً: حالة اللاوعي والتخلف المعرفي والثقافي لدى غالبية الناس  الشيعة.

ولنكن واقعيين.. لقد حقق الجهال أهدافاً كثيرة في هذا المجال، أذ خدع كافة البسطاء من عامة الناس  وخلق أفكاراً مشوشة حول أهداف الحسين والثورة وأصحابها في مناطق واسعة من البلاد.

كما يرى البعض أن ممارسة إحياء شعائر محرم وعاشوراء هي مجرد طقوس لا مضمون لها، وينتهي تأثيرها في نطاق العواطف، وليس لها أي تأثير على حياة الأمة أو الأفراد، فهي راسخة في قلوب الناس.. لكن المسألة بين من يعرف ظروف ثورة الحسين، سواء على المستوى العقائدي أو السياسي، تختلف عن ذلك.

ولذلك فإن الواجب والموقف الشرعي والوطني يتطلب من جميع المسلمين المتدينين أن يقوموا ويطهروا هذه الشعائر من كل مظاهر الخرافات والأفعال التي لا ترضيهم، وأن يوجهوا بوصلة الاحتفال بهذه المناسبة في الاتجاه الصحيح، بغض النظر عن قدرتهم أو عدم قدرتهم على ذلك .

مؤخراً: أعلن “جهاز الأمن الوطني” العراقي، عن حصيلة جديدة من المعتقلين من أعضاء (القربانيين) أو (العلي اللهية)، والذين تكشفت تفاصيلهم مؤخرًا، وبدأ “الأمن الوطني” بملاحقتهم نتيجة الممارسات الخطيرة التي يقومون بها والمتمثلة بالانتحار عبر “القرعة”.

وقال الجهاز في بيان؛ أنه: “استمرارًا لمتابعة جهاز الأمن الوطني في ملف الحركات السلوكية المنحرفة، لا سيما حركة (القربانيين)، واستنادًا إلى معلومات استخبارية دقيقة، وتكثيف الجهدين الفني والميداني، تمكنت مفارزنا في محافظة المثنى من إلقاء القبض على: (20) متهمًا من الحركة ومنهم (العارف)، وهي تسّمية تطلق على المنظرين لهذه الحركة أو بمعنى: (المبلغ والداعية)”.

وأضاف الجهاز: “كما تمكنت مفارزنا في محافظات (ذي قار وواسط وميسان) من القبض على: (27) متهمًا ينتمون للحركة، ليتم إحالتهم جميعًا إلى الجهات المختصة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”.

***

شاكر عبد موسى – كاتب من العراق

.....................

المصادر:

* مركز الأسلام الأصيل للثقافة والعلوم/ مسيرة الشعائر الحسينية بين الأصالة والتشويه/ 22 سبتمبر/ 2021/https://islamasil.com .

* موقع رصيف 22/ نحن والخطاب الديني/ حسن سنديان/ 25 أغسطس 2024.

https://raseef22.net/article/109820.

* موقع كتابات/ 2 أيلول 2024.

https://kitabat.com/news.

 

يستحق مجلس النواب العراقي 40 مليون برقية شكر من العراقيين، ليس فقط لأنه ساندهم ووقف إلى جانبهم وناقش قوانين تتعلق بالصناعة والتعليم والصحة، وليس فقط لأنه يقدم لهم المتعة مجاناً من خلال جلساته، وإنما وهذا هو الأهم لأنه بمهنية أعضائه وحرفيّتهم وموضوعيتهم، كان مدافعاً حقيقياً عن الإنجاز غير المسبوق الذي حققه في إقرار زيادة لرواتب نواب جزر القمر.

دعك من أن الشعب العراقي بكل طوائفه، استكثر على نوابنا اللطفاء رواتبهم المليونية ومخصصات الحماية والسيارات الحديثة والمكاتب الإعلامية والمقاولات المعلنة وغير المعلنة، علماً بأن الشعب المغرر به من قبل الإمبريالية الأميركية، لا يعرف اسماء نوابه باسثناء الذين يظهرون على الفضائيات .ودعك أيضاً من أن هذا راتب النائب يبدو ضئيلاً وتافهاً للغاية إذا ما وضع في سياق ما تتحدث به المنظمات الدولية ولجان النزاهة عن اللعب بالمليارات في صفقات تجارية يقودها البعض ممن التصقوا بكرسي البرلمان، أو وقائع الفساد المعلن في مؤسسات الدولة . ولا أريد أن أذكر النواب الذين ارتبطت أسماءهم بالمدلل نور زهير .

ودعك كذلك من أن ملايين النواب لو حسبناها جيداً، فأنها لا تغطي الجهد الكبير الذي يبذله السادة النواب، فهم كما أخبرنا أحد النواب يستحقون المليار دينار شهرياً، لانهم يسهرون الليل من أجل إقرار قانون يسمح بزواج القاصرات، وينهي مشكلة العنوسة في العراق .

دعك من كل ذلك، وفكر قليلاً في الفرق بين الأداء "العظيم" لمجلس النواب العراقي، وأداء مجالس النواب "العقيمة" في بلدان العالم، ففي برلماننا هناك مناقشة علمية رصينة ومحترمة لجميع جوانب الحياة العراقية، ويستمتع المواطن كل يوم برؤية نائب أو نائبة يتجول أو تتجول في الشوارع لسؤال الناس عن أحوالها، ويمكن اعتبار إطلالة البعض منهم في الفضائيات، نموذجاً للديمقراطية الحديثة، فيما لا تزال مجالس النواب في دول العالم منقسمة في تعريف معنى العدالة الاجتماعية التي يتمتع بها جميع سكان بلاد الرافدين، بل أن العديد من البرلمانات لم تدخلها مفردة عطلة التي أصبحنا نباهي بها الأمم .

منذ أيام ومع انطلاق صفارة نهاية مباراة زيادة رواتب النواب الذين اكتشفنا أن نصفهم لا يحضرون جلسات البرلمان، تحولت ساحة مجلس النواب إلى ساحات للهتاف، والشو الإعلامي ضد المرأة التي يريد لها البرلمان أن تبقى مواطناً من الدرجة العاشرة، في الوقت الذي يخوض فيه النواب معركة داحس والغبراء من أجل أن يعيش النائب مرفهاً وسعيداً، وأن يغيض هذا الشعب الناكر للجميل.

ولانني حريص على السادة النواب، سأصدّق بيان مجلس النواب الذي اخبرنا ان قرار زيادة رواتب النواب ومخصصاتهم، كان مجرد حلقة من برنامج " الكامي.

***

علي حسين

 

الطغيان في اللغة مجاوزة الحد والعصيان، فكل شيئ جاوز القدر فقد طغى.

وطغى البحر: هاجت أمواجه . وطغى السيل: إذا جاء بماءٍ كثير.

 "ونذرهم في طغيانهم يعمهون"، "فأما ثمود فأهلِكوا بالطاغية".

وعندما نعرّف الطغيان بالمفردات النفسية والسلوكية، فأنه يعني الفعل الظالم الناجم عن فقدان الأمان.

فالطاغية يكون في موقف محكوم بخيارين، فأما المواجهة أو الفرار، وتتغلب فيه حالة المواجهة على الفرار، لأن نتيجة الفرار قاسية وصعبة وخالية من الحوافز والمسوغات ولا تحقق الرغبات.

فالمواجهة رغم صعوباتها لكنها ذات محفزات ومعززات لا محدودة، تدفع بالطاغية إلى الإمعان بسلوكه الإستبدادي حتى النهاية.

وكأنه في سباق نحو الهاوية، وكل ما يقوم به ويفكر به ويقرره، من أجل إطالة مسافة السباق وحسب.

فالطاغية ليس غبيا أو جاهلا، وإنما يتمتع بقدر متميز من الذكاء الذي يسخره لمشروع إطالة مسافة سباقه وصراعه مع الآخرين، الذين يمنحهم المواصفات والمسميات التي تبرر محقهم والفتك الفظيع بهم.

ومنبع السلوك الطاغي فقدان الأمان الداخلي، ومعظم الطغاة فقدوا هذا الشعور في طفولتهم، وصار الشك والتوجس والخوف والظن بالسوء معيار سلوكهم.

فإن كانوا في عائلة فأن سلوكهم الطغياني يتكشف، وإن كانوا في دائرة أو منصب حكومي أو سياسي سيكون تعبيرهم أوضح.

وكلما إمتلك الشخص قوة أكبر إنطلقت آلياته الدفاعية، المنبثقة من بركة عدم الشعور بالأمان المتأسنة في أعماقه.

وتبدو حالة عدم الشعور بالأمان كالدملة المملوءة بالأقياح، والتي تريد الإنفجار وإطلاق ما فيها من الصديد.

وبعض العلماء والباحثين يرى أن العلاقة قوية ما بين الشخصية السادية والطغيان البشري، وآخرون يحسبونه تعبيرا عن المشاعر الشريرة الدونية الغابية الكامنة، وغيرهم يرى أنه من إنتاج النرجسية الفاعلة في السلوك، والتي تسببت فيها الطفولة المحرومة من الأمومة والشفقة وتقدير المشاعر والأحاسيس، أو الطفولة المهملة والمنبوذة.

وفي واقع السلوك الإستبدادي أنه إستجابات لمنبهات خارجية تدركها آليات الشك والخوف والحذر، وتمعن في رد فعلها العنيف عليها، حتى أن بعضهم يتملكه الشعور بأنه يعرف أعداءه من نظراتهم وملامح وجوههم، وفي هذا إمعان بالشك والبرانويا الوهمية، التي تدفع إلى إجراءات تعسفية قاسية ومرعبة.

ولهذا فأن الطغاة يفتكون بأقرب الناس إليهم، ولا يوجد في عرفهم وفاء أو صداقة، وإنما كل الآخرين أعداء ويتحينون الفرصة للفتك بالطاغية، ولهذا فعليه أن يتغدى بهم قبل أن يكون على مائدة عشائهم.

ومن رؤى الطغيان وتفسيرات سلوكه أن البشر إذا وضع في مجاميع تتنافس على مصادر قليلة، فأن التفاعل فيما بينها سيكون فتاكا ومبررا للفظائع والمجازر والجرائم المرعبة.

وفي واقع ما يدور هو إستحضار آليات الغاب وتأكيدها، والعمل بموجبها للوصول إلى ذروة الوحشية والإفتراس الشرس للآخرين.

وما يقوم به الطغاة المعروفون من أفعال لا يمكن التصديق بها، إذا حسبناهم من البشر، ولا بد من وضعهم في خانة أخرى، ونتصور بأنهم يظهرون كالبشر، لكن سلوكهم لا يمت بصلة إلى آدميتهم أو بشريتهم، وكأنهم مخلوقات أخرى بهيأة آدمية.

فالتصرفات الوحشية الإفتراسية التي يقوم بها الطغاة العتاة، لا يمكن للخيال أن يتصورها، ولا يتمكن عقل إنساني من إستيعابها والتصديق بها، والتأريخ يزدحم بشواهدهم المروعة.

وما بقيت المجتمعات في دوامة الحاكم والمحكوم فالطغيان يدوم!!

***

د. صادق السامرائي

 

منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 والمؤسسات الحكومية تعمل وفق نظام اداري يضمن حقوق الموظف والمراجع لدوائر الدولة كما يفرض على الطرفين قرارات وتوجيهات واجب احترامها والتقيد بها ومنها الالتزام بالتخاطب الرسمي والمهذب بينهما، ولكن ما يؤسف له ان مؤسساتنا الحكومية اضافة الى ما تشهده اليوم من فساد وظيفي يتمثل في المحسوبية وتفشي الرشوة فأنها تشهد ظاهرة غريبة ودخيلة على الحياة الوظيفية هي التخاطب بكنى غريبة بين الموظفين من جهة وبين المراجعين والموظفين من جهة اخرى والتي لم تكن سائدة في تقاليدنا الادارية قبل عام 2003، فمنذ تأسيس الدولة العراقية جرى التعارف والتخاطب في حرم الدائرة بين هؤلاء بمنتهى الاحترام والتهذيب، فمراجع الدائرة كان لا يخاطب الموظف الا بـ (الاستاذ) تقديرا واحتراما لجهده وشهادته، أما اليوم فقد حلت محل الاستاذية مفردات لا تمت لفضاء الوظيفة ولا لميدان العلمية بصلة مثل (الحجي، الشيخ، السيد، العلوية، عمي) وغالبا ما يتم التخاطب بهذه المفردات على حساب لقب (استاذ) الذي جرى التعارف عليه والذي يميز صاحب هذا اللقب عن سواه من غير المتعلم، والغريب ان البعض من اصحاب الشهادات والمنصب الوظيفي الرفيع لا يستنكر هذا الأمر عندما يسمع احدهم يناديه بـ (حجي) الذي فيه (يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ويقصي عنه لقب (استاذ) الدال على المؤهل العلمي والدال ايضا على صفة الخدمة العامة، بل ان بعضهم يشعر بالزهو عند اقصاءه عن لقب الاستاذية الذي هو بمثابة تكريم له واعتراف بما بذله من اجتهاد ودراسة لنيل هذا الشرف، وايام وجودي في الخدمة الوظيفية كنت أغتاظ واعترض بشدة على من يناديني بـ (حجي) بدل (استاذ) واقول له انه بإمكان أي شخص لا يقرأ ولا يكتب ويمتلك مليون دينار أن يصبح حجي في عشرة أيام ولكن هذا المبلغ لا يمكن ان يجعله استاذا اذ ليس بمقدور أي شخص نيل لقب استاذ بدون ان يقطع مسيرة من الجهد والمثابرة والسهر تمتد الى سنوات طوال، في تقديري ان الموظف صاحب الشهادة الذي يسمح ويتقبل مناداته من الاخرين بــ (الحجي) هو بمثابة تنازل غير مبرر عن سنوات جهده وسهره التي قضاها لنيل الشهادة التي تميزه عن الآخر غير المتعلم .

***

ثامر الحاج امين

قرأت تعليقاً كتبه الكاتب والمترجم شاكر راضي على مقالي ليوم أمس "كيف ننجو" أشار فيه إلى أنه شاهد في العاصمة السنغافورية تمثالاً للزعيم الفيتنامي هو شي منه، وعندما سأل أحد المواطنين ما الذي أتى بهذا الرجل في بلادكم، أجاب هذا المواطن أن "هوشي منه فرض نفسه على التاريخ والجغرافية ولا بد للشعب في سنغافورة أن يتعلم الدروس من الآخرين ".. في واحدة من أبرز مواقفه رفض باني سنغافورة لي كوان أثناء حياته أن توضع صورته في الساحات أو أن يقام له نصب.. وكان يقول لمن يريد أن يكرمه :" إن صورتي موجودة في كل شوارع وميادين سنغافورة..يشاهدها المواطنون في العمران والشوارع والجسور والدخل المرتفع وفي التعليم والصحة والخدمات ".. في بلاد الرافدين الصورة تسبق المنجز، بل أنها في كثير من الأحيان تكون بديلاً لأي عمل.

ما تزال النظارة التي تشبه نظّارة المتقاعدين، ومعها ساعة جيب قديمة، ومجموعة كتب، تجد لها مكاناً بارزاً في متحف فيتنام الوطني، لأنها تخص شخصية لا يزال معظم الشعب الفيتنامي مغرماً بسيرتها، وأعني بها هوشي منه،الثائر والزعيم السياسي الذي أسس فيتنام الحديثة.

ساعة قديمة ونظّارتان هي كل ما يملك، فقد كان يقول ضاحكاً للذين يسألونه عن حالة التقشف التي يحيط بها نفسه، حتى بعد أن وقفت الحرب وأصبح زعيماً للبلاد: "الزعامة ليست في حاجة إلى المال، إنها بحاجة أكثر إلى عقل يفكر جيداً."

وأرجوك ألا تقارن بين ما قاله هذا الرجل النحيل، الذي ترك بلداً يتقدم بقوة إلى عالم الرفاهية، وبين ما نهَبه اليوم رجال السياسة في العراق، إذ دخل النهب للمال العام في أبشع أشكاله إلى العراق.

خاضت فيتنام حرباً شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، فيما تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وعادت سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع.

يخبرنا كاتب سيرة هوشي منه أن الزعيم الفيتنامي كان يقول للقادة العسكريين والمقاتلين أن "تحرير البلاد ليس منّة يتحملها الشعب، إنه واجب علينا أن نقدمه بلا خُطب، فالتاريخ لا يصنعه شخص واحد."

تقول الأخبار إن فيتنام اليوم واحدة من أكبرعشرة شركاء تجاريين لأمريكا. والصادرات الرئيسية، أصبحت الآن أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من المنتجات الإلكترونية.إنه أحد أكثر التحولات الاقتصادية إعجازية في التاريخ، والذي أسفر عن تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام أكثر من خمسة أضعاف، من 2100 دولار إلى 11400 دولار. فيما نسبة البطالة في بلاد الرافدين في ارتفاع مستمر، مثلها مثل ارتفاع الشعارات في ساحات العراق.

***

علي حسين

 

توطئة: إن الجمال أقوى من القبح وإن الوطن أجمل من الشتات، وإن حمامتها العراقية البيضاء لا تخونها مطلقاً وإن طارتْ كان مصيرُها أن تعود لعشِها الوطن الحبيبْ، تُؤرقني وتستفزُ أحاسيسي كبوات  وخيبات وطني التأريخية  وفشل أصحاب القرارالسياسي وحتى المدني والعسكرتاري منذُ التأسيس الهجيني في 1921 وتحول القرار المضطرب أصلاً لنخبة الثيوقراطية الراديكالية بعد2003 والأحتلال الأمريكي البغيض وتايتانيك الوطن في متاهات المجهول، وتبدوجراحاتها العميقة وخيباتها السياسيىة كغيمة سوداء توحي لنا إن التأريخ يكررنفسهُ : مرَة كمأساة ومرة كمهزلة كما يقول العم ماركس.

حتماً لم يعد (العقل) متسيداً في التعامل الديناميكي مع تلك الأحداث المتتالية والمؤسفة يا (ديكارت) وإن وُجِدتْ لم تتوزع بعدالة بين جمهورا لشعب، فهذه الدولة العراقية المجنونة والمسكونة بالعفاريت منذ قرنٍ بائس (ثمرْ) نخيلها شاص مبكراً وأرضها اليباب تلوثتْ يالفايروس القاتل التصحر وأغتالت تركيا دجلتي بتنمرها على المنبع، إذ تبين لي صحة شكوكك يا ديكارت  المسؤولة عن أول وآخر قنبلة صوتية في فوضى هذهِ الحواس المهوسة.

حكايات حول الوطن والسياسة !؟

لي وطنَ آليتُ أن لا أبيعهُ

ولا أرى غيري لهُ الدهر مالكا

*

عهدتُ بهِ شرخ الشباب ونعمةً

كنعمة قومٍ أصبحوا في ظلالكا

أبن الرومي

وثمة خاطرة تراجيدية مأساوية تنتابني حين أستمع لموال الفنان سعدون جابربترنيمة فراتية وبشعر شعبي شجي يهزُ المشاعر كلمات الشاعر الراحل المبدع كاظم أسماعيل كاطع وهو يوقظ مواجع العشق الصوفي للوطن الذي تركناه ولم يتركنا ربما نلجأ أحياناً للجلد الذاتي لتسكين ال(HomSiknes) داء الحنين للوطن الأم ولفترة من الزمن:

أللي مضيع ذهب

أبسوك الذهب يلكاه

وللي مفارك محب

يمكن سنه وينساه!؟

بس المضيع وطن!؟

وين الوطن يلكاه!؟

أما السياسة هي علم المراوغة والخداع للحصول على مكاسب الرابح، فيها حيتان اللعبة القذرة والخاسر فيها هم جموع الشعب لذا يمكن القول بأن السياسة (حرفة) والوطن (رسالة) والسياسة دهاء والوطن واجب والسياسة منصب والوطن نصب تذكاري.

وقال فيها الكبار:

السياسة فن السفالة الأنيقة (أنيس منصور)

السياسة فن الخداع تجد لها ميداناً واسعاً في العقول الضعيفة (فولتير)

وفي السياسة إذا كنت لا تستطيع أقناعهم فحاول أن تسبب لهم إرباك (ترومان)

السياسة فن الخباثة يكون فيها من الضروري الضرب تحت الحزام (ديغول)

فجائعيات السياسة الطفيلية الرثة على واقع الوطن:

- مطحنة الصراع الطبقي التي أجهزت على الطبقات الفقيرة والمتوسطة بلا رحمة كأنها هي المعنية وحدها بفواتير الحرب ا لعبثية الثقيلة والحصار الجائر.

- أبرز الأنقلابات العسكرية  في الوطن العراق 1936- -1963-1968

- كشف صيرورة وكينونة جيل القرن العشرين بفقدانهِ الأحساس بالزمن ولم يعي لديناميكية الظواهر السوسيولوجية عدا الماراثون المكوكي بين ساحة سعد (البصرة) وساحة كراج النهضة (بغداد) ليتأسى بما  تبقى من ثمالة رثة في ذاته المتعبة، وهم يتعايشون خلال فراغ زمني موحش في أجترار الغيبيات وتقديسها بعفوية فطرية بسبب فوبيا المجهول!؟.

- فوضى الرأي وخوائهِ وأضطراب مؤشرالبوصلة الأنثروبولوجية الجمعية في الحروب العبثية المتزامنة مع الحصار الظالم، ضرب حلبجة بالكيمياوي 1988، حرب أجتياح الكويت 1991، سحق الأنتفاضة الشعبانية 1991!؟.

- هوليكوست المحتل الأمريكي 2003 كشف لنا وجهي العملة المزيفة المأساة المؤطرة بالمهزلة ب(استلامنا) وطنأ ممزق الخيمة منكسر الراية مغيب السيادة مكبل اليدين ربانها طلاب سياسة وليسو طلاب وطن، يفتقدون المشروع المستقبلي.

- الأحتراب الطائفي المقيت 2006 – 2014 كادت أن تشعل حرباً أهلية !؟ شبيهة (بلبننة) العراق وحربها الأهلية في سبعينات القرن الماضي.

- طوفان توسونامي (المخدرات) وتحول عدائي من عابرللحدود إلى دولة مصنعة وزارعة، وتوغلت بمفاصل المجتمع وفرضت نفسها كمهنة وظيفية !؟

- الفساد الأ داري والمالي المستشري في مفاصل اللادولة العميقة.

***

عبد الجبار نوري - كاتب وباحث عراقي مغترب

سبتمبر2024

عام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا موارد تجارية، ولا طبيعية، فأجاب لي كوان :"سنشكل حكومة نظيفة، وسنحرص على إخضاع كل دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقين من القاعدة الشعبية من دون أنّ ينهب في الطريق". عندما ودع لي كوان الحياة، كانت الأرقام تشير إلى أن سنغافورة حصلت على الدرجة الأولى في آسيا بدخل المواطن الذي يصل إلى 60 ألف دولار سنويا، مع اقتصاد يتجاوز الـ 600 مليار دولار سنوياً .

سيقول البعض يارجل مالك تعيد وتزيد في حكاية سنغافورة، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر وكيف أن البرلمان يؤجل جلساته بين يوم بعد آخر بسبب إصرار البعض على تمرير قانون الأحوال الشخصية لانهم يرون فيه اصلاحا لهذا الشعب " الدايح " كما وصفه يوما " العلامة " محمود المشهداني.. إذن لنترك البرلمان وجلساته العرجاء، ولأحدثكم عن كتاب بعنوان "الإصلاح .. كيف تنجو الأمم وتزدهر لمؤلفه الكندي جونثان ليبرمان " وفيه يتتبع تجربة عدد من البلدان التي استطاعت أن تصلح أحوالها إصلاحاً حقيقياً، لا إصلاح على شاكلة ما جرى في العراق حيث تربع مثنى السامرائي على كرسي النزاهة فيما بلاد الرافدين بلاد تعيش أسعد أيامها تحت قانون عطلة بين عطلة وعطلة …في واحدة من التجارب المهمة التي يسلط الكتاب الضوء عليها تجربة سنغافورة وقد وضع المؤلف عنوانا للفصل الخاص بها :" كيف تتغلب سنغافورة على الفساد " وفيه يخبرنا كيف تم تأسيس نظام الكفاية لكل المواطنين.. مع شعار الحق في السكن والصحة والتعليم. أما نحن يا سادة فما نزال نستمع إلى الأخبار الصادرة عن تهديم بيوت الفقراء لأنهم متجاوزين.. وأن القانون يجب أن يطبق.. وماذا يا سادة عن حيتان التجاوز الذين استولوا على القصور والأراضي الشاسعة دون أن يقترب منهم شفل واحد؟، وماذا يا سادة عن الوعود التي أطلقتها الحكومات منذ 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور عن مشاريع الإسكان والتنمية والصحة والتعليم والكهرباء التي لا نزال نتوسل إيران حتى لا تقطعها عنا؟، كل يوم تسرق أموال البلد، لكن البرلمان مشغول باصلاح اخلاق العراقيين، لأن خطرها أكبر من نسبة الفقر التي تعيش فيها بعض المحافظات.. يكتب مؤلف "كيف تنجو الامم" ان سنغافورة اختارت حكومة نظيفة مهمتها القضاء على الفساد الاداري والمالي الذي كان منتشرا، حيث استطاع لي كوان ان يغير عادات بلاده لتصبح واجهة تزورها العديد من الحكومات لدراسة نجاحها المذهل في اصلاح احوال البلاد والعباد.

***

علي حسين

صحيح ان الاستراتيجية الأمريكية تتمتع بثبات نسبي، ليس في بعدها القريب أو المتوسط بل البعيد.. إلا أن إستراتيجية (باراك أوباما) التي كانت كارثة على المنطقة العربية حين اصطفت مع اعداء العرب في ضوء رؤيته العنصرية الحاقدة التي ترى ظلماً ان العرب (إرهابيون لا يقرأون ومتخلفون وغير منتجين وليس لهم اخلاق ورعات أغنام ويشربون بول الإبل، فهم لا يستحقون التعامل معهم) .. وهذا هو رأي اعداء العرب و أوباما مقتنع بهذا الرأي تماما، لذلك وجه السياسة الامريكية طيلة ولايته الاولى والثانية بالضد من العرب .. الآن، باراك أوباما يصطف هو وحزبه وجمهوره وصهاينة المجتمع الامريكي إلى جانب " كابالا هاريس " هذه المرأة المغمورة ذي الأصل الهندي، والتي الآن يتم تلميعها وتقديمها منقذا للمجتمع والاقتصاد الأمريكية، من اجل إعادة إحياء منهج باراك أوباما لثمان سنوات قادمة ضد العرب والاصطفاف مع اعداء العرب ولاغراض:

1- إبقاء المنطقة تعيش حالة مستدامة من الاضطراب والتوتر.

2- استنزاف بلدان المنطقة اقتصاديا وماليا.

3- منع دول المنطقة من التقارب والاتحاد والتوحد.

4- فرض خيارات لا تنسجم مع مصالح العرب.

5- وضع العرب بين كماشتين معاديتين إحداهما من الشرق والأخرى من الغرب تعملان على ترويض قوى المنطقة العربية وتدجينها.

هذا الـ(أوباما) يطمح الى إحياء منهجه المخادع لثمان سنوات في ظل رئاسة (هاريز)، وهو بهذا يعد لاعبا أمريكا غير نزيه ولا عادل ويخضع لقرارات غير امريكية تحت مسميات رعاية المصالح الامريكية في الشرق الاوسط .. فمنهج أوباما إذا ما أخذت به كابالا هاريز عند فوزها سيضع المنطقة العربية تحت طائلة الضغط والكراهية والاستنزاف والهيمنة، وليس ذلك دعما او ترحيباً بالرئيس الامريكي السابق (ترامب) الذي له إشكالياته التي تضر هي الاخرى بالمصالح العربية.!!

***

د. جودت صالح

01 / 09 / 2024

من الأسباب التي أدت إلى هجر القرآن الكريم من قبل الكثير من الطوائف الإسلامية المختلفة، وأيضا انزلاق البعض منها الي تطرف الفكر والجمود، هو أن المناهج الدينية في العقود الأخيرة لدى أهل السنة والجماعة ركزت على أحاديث النبي محمد (ص) أو ما يعرف - السنة النبوية - وهي أحاديث أغلبها موضوعة ومبالغ فيها وتعرض الكثير منها الى التفسير الشخصي لإرضاء جماعة ما وحاكم من الحكام لتبرير وجوده هو وعائلته وقبيلته على دفة حكم المسلمين.

وإن كنت تتساءل فإن بعض الأحاديث المنسوب إلى النبي محمد (ص) هي في الأصل جاءت لتعدل أو تفسر بعض آيات القرآن الكريم، ولتبرير أفعال تتنافى مع الإسلام الصحيح ورسالته الإنسانية النبيلة أحياناً، وهي تحريف لمضمونه واتهام وافتراء على الله وما نُزل على نبيه.

 ولأن الله تعالى لم يشرح كل شيء بالتفصيل في القرآن الكريم، فإن هناك متطرفون يدعون على الله شيئاً يسيء إلى جلال الله والدين الحنيف، صاغوا من الحوادث التاريخية التي مر بها المسلمون عبر تاريخهم الطويل نظريات فكرية – مذهبية تمس الفكر الإسلامي الصحيح وتعاد العرب وتخرجهم من دائرة الأسلام المحمدي الصحيح، وتلغي بشكل لا يقبل الشك دورهم البطولي في نشر الأسلام في بقاع العالم المختلفة لغايات حقد وكراهية مزروعة في نفوسهم المريضة.

كذلك الشيعة قامت الكثير من أفكارهم وطروحاتهم الفكرية عبر التاريخ على تقديس بعض من أل بيت النبي (ص) واعتبارهم من القوة المقدسة (معصومين) والبكاء والنوح على هؤلاء أل البيت الأطهار والسير الى قبورهم لمئات الكيلو مترات ولمدد تصل الى أكثر من شهر أحياناً رجال ونساء وأطفال كأنها تنزيل مقدس.

وصرف عشرات المليارات من الدولارات كجهد حكومي وشخصي خلال السنة الواحدة، تحت شعار (أحيوا أمرنا).

لذلك نجد شاعر أو ما يسمى رادود حسيني تحصل هوساته وأشعاره الحسينية في موقع التكتك على ربع مليار متابع ومشاهد.. بينما رجل دين ومفكر أسلامي شيعي كبير لا يحصل على ربع ما حصل هذا الشاعر الشعبي الذي يتبعه الغاوون ومن قليلي الثقافة الإسلامية.

لذا يجب أن نفرق بين ما هو مقدس مثل القرآن الكريم وبين ما وضعه الأنسان من كتب وتفاسير لحوادث التاريخ الماضية وغيرها.

القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى مقدس، والله هو حافظ لهذا الكتاب المقدس وهذا لا شك فيه علي الإطلاق وهو الحقيقة الصادقة.

أما بالنسبة لما يسمونها الروايات فهي أحاديث نسبت إلى الرسول عليه السلام وال البيت الأطهار نقلها لنا رجال من بلاد فارس وبخارى وغيرها من البلدان التي دخلها الأسلام في العصر الأموي والعباسي، وبما يتلاءم مع معتقداتهم الوطنية والقومية، حتى أصبحت لدى البعض مقدسة والخروج عليها هو خروج عن الدين نفسه، وكل من ينتقدها يتهم بأنه شيوعي أو علماني أو كافر وملحد.

وهناك التراث الذي شمل عدة علوم منها علم الحديث وعلم التفسير وعلوم القرآن والفقه والعقيدة وأصول الفقه وتراث السيرة وتراث الشريعة الإسلامية وكل هذه العلوم صناعة وفعل وجمع بشر وليست من التراث المقدس خلاف القرآن المقدس.

 لذلك نجد الكثير من هذا التراث أصبح مصادما للقرآن الكريم وتسببت في نشر الفساد والتشكيك  في النبي عليه السلام الذي أرسله الله رحمة للعالمين  وشككت البعض بأن الإسلام دين الرحمة و..... وأجد أن أحد الأسباب الرئيسية لموجة الإلحاد هو ما نسب ظلما إلى رسول الله عليه السلام وتسبب في صراع مع النص القرآني.

هؤلاء المرضي والمتطرفون يدعون للإسلام بالكذب وهم في الحقيقة لا صلة لهم بالإسلام وغرباء ودخلاء عليه، وأيضا هم عقبة أمامه.. لأن رسول الله محمد عليه السلام كان رفيقاً رحيما وسراجاً ينير للناس ويدعوهم إلى الحق والى الرسالة وهي القرآن الكريم فقط .

إن الهدف الأساسي من تجديد الخطاب الديني اليوم هو نشر الدين الحنيف ومحاولة فهمه وفق القرآن الكريم فقط من أجل واقع التطور العلمي وتطور الفكر الذي نعيشه، وهذا يساعد على فتح الباب أمام الفقه الحديث الذي يناقش القضايا الروحية والحياتية، مبتعدا عن الفقه التقليدي الذي طالما ناقش القضايا الروحية والحياتية.

إن تجديد الخطاب الديني لا يعني تمييز الإسلام عن العديد من الأديان الأخرى، بل إن هدفه هو توحيد المسلمين باتباع القرآن كتاب الله، واستخدامه كوسيلة للتواصل مع الأخرين وخاصة في المؤسسات التعليمية، والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بدل المذهب الواحد والفرقة الناجية.

كما أن من أهم آليات التجديد تعزيز مفهوم ثقافة الحوار، ويعد هذا أحد أهم نصوص التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والإنساني والاقتصادي الذي تتطلبها الحياة في المجتمع الحديث، وفيما يتعلق الأمر بتنمية قدرة الأفراد على التفكير والتحليل والاستدلال معًا، مما يخرجهم من الركود ويفتح قنوات الاتصال مع الآخرين.

 وأنا بدوري أتساءل لماذا كل العلوم والأفكار تتطور بتطور الزمن وتفتح أفاق رحبة للإنسان لكي يعيش بسلام ويتفاعل مع الأخرين بكل ود ومحبة إلا المذاهب الإسلامية لا زالت تراوح في مكانها منذ أكثر من ألف عام حتى يومنا هذا، لا تقبل التجديد والتطور وترفض التغيير والتبدل وكأنها منزله من السماء العليا وتحت رعاية اللاهية ؟.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي وصفها بالمهمة.. فالسادة نواب تحالف الدولة يعتقدون أن هذا القانون يلامس احتياجات وتطلعات المجتمع العراقي، ويعتقدون أن هذه التعديلات إذا أقرت ستسهم في تحسين الأوضاع العامة وتعزز الاستقرار والتنمية.. وقبل البيان الثوري لتحالف قوى الدولة طلع علينا السيد مرتضى المدرسي وهو يتوعد ويهدد سيدة اعترضت على القانون قائلا باريحية : إذا وحدة ما عاجبها نطبق حكم الله في قانون الأحوال الشخصية، فأنا أبشرها أننا لن نقف عند هذا الحد فسنغير قانون العقوبات، والمحكمة الاتحادية وكل القوانين في العراق " ويصرخ السيد مرتضى بالصوت العالي " يجب أن تعود الأمور بيد الفقهاء، في هذه البلاد "، ويمضي السيد في خطبته مبشراً :" لن نتركها بيد كل من هب ودب"، ثم يوجه كلامه للسيدة العراقية التي اعترضت على تعديلات قانون الأحوال الشخصية : " إنتي خليج تريدين تصيحين تعربدين.. عربدي " هذا كلام لرجل دين يتهم النساء المعترضات بالعربدة، مثلما اتهمهن زميله السيد رشيد الحسيني بالفسق والكفر.. تخيل جنابك أن السيد مرتضى المدرسي يعيش في البحرين، وهناك لا يستطيع أن يعترض على أي قانون، لكنه ما أن يحط رحاله على أرض العراق، حتى يقرر أن يتحول إلى قاضي قضاة الدولة، والآمر والناهي فيها.. مثلما يريد السادة أعضاء تحالف الدولة.

في لحظات معينة يتصور البعض أنهم "منقذو البلاد " بينما المواطن يتذكر بحسرة ما فقده: الرفاهية والتسامح وكيف ضاع اموال العراق بين خطب ملوك الطوائف الذين لا يتذكرون الشعب إلا أيام الانتخابات.

منذ سنوات اكتشف الناس ولو متأخرين أن سياسيّي الطوائف لم يقدموا لهذا الوطن سوى أداء كاريكاتيرياً مضحكاً، وأن مرشحيهم كانوا يُخبّئون دول الجوار تحت ثيابهم، وظلوا حتى هذه اللحظة شركاء في تدمير الوطنية العراقية.

على أعضاء تحالف الدولة ومعهم بعض الخطباء ألّا يواصلوا لعبة الاستمتاع بمصطلحات الكفر والايمان وإعادة تزويقها وتسويقها للناس، فمهمّتهم اليوم هي أن يقرأوا الأحداث كما هي مرسومة بعيون جميع العراقيين سنّةً وشيعة، عرباً وكرداً، مسلمين ومسيحيين، صابئة وإيزيديين، وعلى من سمى نفسه ائتلاف قوى الدولة أن يدرك أن مسؤوليته الحقيقية هي أن يكون ائتلافاً لكل العراقيين وليس ناطقاً باسم القانون الجعفري، والشجاعة تقتضي مواجهة الجميع بالحقائق لا التخفّي تحت أغطية عاطفيّة أو ملابس طائفية سرعان ما نكتشف أنها منتهية الصلاحية.

***

علي حسين

سؤال قد يراه البعض غير مناسب ولكن لابد منه: من وراء ضجة تشريع الاغتصاب؟

الضجة المفتعلة برلمانيا واعلاميا الان، حول تغيير او تشويه قانون الاحوال الشخصية، بدلا من تطويره لمستوى ماهو في الدول المتطورة او على الاقل التي تماثل الوضع لدينا في العراق، تونس مثلا . لابد ان وراءها قوى تخطط للابعد من انوف بعض البرلمانيين العراقين الذي يعملون لصالح تلك القوى. ليسموها ماشاءوا، نظرية المؤامرة! والتي يرفعها مثل قميص عثمان، كل من يريد السخرية من الراي المخالف له.

قبل الاجابة على السؤال المطروح ، لنسأل البرلمانيين وذوي الشأن العراقي: هل قدموا حلول للازمات والمشاكل الخدمية والاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ عقود؟ هل اصبحت الكهرباء مثلا مثلها مثل مافي ايران والكويت؟ لن نبتعد ونقول مثلها مثل ماموجود في اوربا! هل مشكلة السكن التي يعاني منها الملايين من الطبقة الفقيرة من عمال وموظفين وكسبة، وجدتم لها حلول ناجعة ووفيتم بوعودكم في بناء مجمعات سكنية، او مساكن شعبية؟ وقد صار الفرد العراقي يلجأ لحلول ذاتية غير مدروسة ، تقسيم بيته الصغير اساسا، والغاء الحدائق الصغيرة ليبني غرفة لابنه المتزوج حديثا!  حتى صارت المنازل مجرد صناديق تفتقد لابشط شروط السكن! بل منهم من لجأ الى حلول كارثية على البيئة بعد بيع الاراضي الزراعية وتشكلت احياء تفتقد لابسط الخدمات!

هل مشكلة المواصلات انتهت؟ وعادت الباصات تجوب الشوارع في كل احياء بغداد مثلا! بل وضعت قوانين واجراءات للحد من فوضى التاكسيات وفوضى الاختناقات المرورية!

هل عادت الخطوط الجوية العراقية للعمل مثل قبل بل واحسن؟ وصرنا لانضطر لنحط الرحال في تركيا او الاردن او قطر لننتظر ساعات بل يوم كامل احيانا، لتقلنا طائرة بائسة لنصل بغداد منهكين ماديا ونفسيا!

هل عاد البريد العراقي مثله مثل كل دول العالم لنبعث برسائل او طرود لاهلنا في العراق؟ وهل وهل.... اسئلة كثيرة لا اعتقد لدى لسادة البرلمانيين اجوبة لها..

فاذا لم يكن لديهم جواب ولم يتعبوا انفسهم لتقديم اي عمل لحل تلك المشكلات الانفة الذكر! لماذا اذن كل هذا الاهتمام بايجاد حل لمشكلة المشوهين والمرضى من الشواذ الذين يشتهون الجنس مع الاطفال؟ وتلك جريمة ولطخة في جبين الانسانية التي يعاقب عليها القانون. بدلا من التفكير في معاقبة هؤلاء قانونيا وشرعيا، او على الاقل اخضاعهم لعلاج نفسي وانساني ينقذ ماتبقى لهم من ضمير انساني. نفاجأ بمحاولة تشويه قانون الاحوال الشخصية ووضع فتاوي لشرعنة تلك الجريمة ولخلق هوة اخرى بين طوائف وقوميات العراق، بدلا من ايجاد قوانين تخضع كل المواطنين على اختلاف قومياتهم وطوائفهم. فامريكا حاولت بكل ذكاء قادتها الشرير لخلق حرب اهلية في العراق وتقسيم البلد الى سني وشيعي بعد ان نجحت من خلال ذيولها في تقسيمه الى عرب واكراد!

الان نطرح السؤال الاول ونضيف، لماذا الان؟ لماذا في هذا الوقت الذي يجول ويصول فيه الوحش الصهيوني ليدك منازل غزة على رؤوس اهلها وتلاحقهم الطائرات لتقصف الهاربين وخيم اللاجئين؟  بل وتقصف الضفة الغربية ولبنان وسوريا وايران وغيرها بلا رادع ولا وازع من الدول المعنية بحقوق الانسان! ولا حتى من منظمة (الامم المنحلة) التابعة لامريكا، وامريكا طبعا تابعة لعصابة آل صهيون!

هل تذكرون حرب الخميني مع صدام ؟ كيف اختارت امريكا التوقيت في عز الانتفاضة الفلسطينية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، التي كسبت فيها تاييد العالم بعدما فضحت الكاميرات قسوة ووحشية الجنود الصهاينة وهم يكسرون ايد الصغار الذين يحملون الحجارة في مواجهة الدبابات والرشاشات والقنابل!

نجحوا في اشاحة وجه الكاميرات عن ماساة ذلك الشعب، ليركزوا على مباراة صراع الثيران في الحرب التي راح ضحيتها الملايين من العراق وايران. وشردت الملايين! ونجحت امريكا في تحقيق حلمها القديم في انشاء قاعدة عسكرية في الخليج!

اليوم يكررون نفس السيناريو ولكن بطريقة اكثر خبثا ، يكون الخاسر الاول فيها الشعب العراقي. فهم يعرفون مدى ارتباط شعب العراق بالشعب الفلسطيني، والعاطفة والمشاعر الانسانية التي يكنها الشعب العراقي للقضية الفلسطينية، حتى لو ان بعض قياداتهم واعلامييهم يعملون لصالح امريكا والصهاينة! كثير من الشباب العراقي ساهم مع الفدائيين وقدم العراق الكثير من الشهداء خلال الحروب التي شنتها اسرائيل ضد الفلسطينيين في لبنان وسوريا وغيرها.

اذن مايجري الان من مهزلة مناقشة جريمة طائفية وجريمة ضد الطفولة  وضد حقوق الانسان، وحقوق المرأة وانتزاع ماحققته من نجاحات في تحقيق العدل واحترام المجتمع لها واشراكها في كل مفاصل الحياة السياسية! هو محاولة لالهاء الشعب العراق عن مشاكله الازلية في خدمات الكهرباء والسكن والمواصلات، والهاءه عن مناصرة الشعب الفلسطيني التي هبت كل الشعوب تطالب بانهاء القتل اليومي للاطفال وحتى الناس الهاربين من جحيم الهولوكوست الصهيوني الجديد.. فمن يناقش امر تشريع الزواج من الاطفال وتعزيز التقسيم الطائفي والغاء سلطة القانون من نواب، هم اما مشوّهين او عملاء لامريكا. وفي كلتا الحالتين يجب رفع الحصانة عنهم فورا، ومحاسبتهم واتخاذ القرارا بايقاع اقصى العقوبات ضدهم. فلرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية الحق والسلطة في اصدار تلك القرارات التي تعيد للشعب العراقي كرامته وانقاذ سمعته بين الشعوب، وانقاذ البرلمان من كل العناصر المشوّهة والتي تعمل على تفتيت وحدة الشعب العراقي، وتقف في وجه تطوير المجتمع وانقاذه من كل الازمات الخدمية والاقتصادية .

حفظ الله العراق وكل من يعمل لاجله

***

ابتسام يوسف الطاهر

تتعرض السياسة في هذه الايام من بعض شرائح المجتمع الى حملة غير منصفة من الهجوم والنقد والسخرية التي وصلت اقصاها في قول الكاتب المصري الساخر" جلال عــامر (اصبحت مهمة المواطن صعبة، فعليه ان يحافظ على حياته من البلطجية، وان يحافظ على عقله من السياسيين) وذلك بسبب دخول الساحة السياسية عدد كبير من الطارئين والوصوليين واصحاب المنافع الشخصية، فبعدما كانت السياسة وعالمها الى وقت قريب فن ادارة صراع الطبقات وانقاذ الشعوب من الفقر والأزمات الأخرى ولنا خير دليل في  تجارب بلدان عديدة ومنها ماليزيا وسنغافورة اللذان بفضل السياسة الحكيمة تعيشان اليوم مستوى عال من الرقي والتطور اصبحت السياسة اليوم متهمة بأنها وراء خراب البلدان وزعزعة استقرارها، ربما نعذر البعض من الأجيال الجديدة في اتهامها هذا وتحاملها على السياسة واحزابها وذلك بسبب قلة التجربة وابتعادها عن قراءة التاريخ،  فالأحزاب التي تمثل عصب السياسة كانت في الماضي مدارس للتربية الوطنية والاجتماعية وميادين للتنافس الفكري والثقافي نجد اليوم العديد من الأحزاب اصبحت ملاذا للسراق وحاضنات للإرهاب وورش لتعليم فنون النهب والفساد وسلوكيات شاذة لا تمت للسياسة بصلة تمارسها أغلبية طارئة على العمل السياسي والحزبي الأمر الذي دفع البعض الى تعميم هذا السلوك على جميع مرافق السياسة وواجهاتها ودون الرجوع الى تاريخ الحزبية في العراق ليرى ما قدمته الأحزاب للحياة المدنية العراقية فقد خرج من عباءة الاحزاب كبار المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين كما قدمت الأحزاب صورة ناصعة للوطنية الحقة من خلال عدد كبير من الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من اجل حرية اوطانهم، وبالتالي ليس من الانصاف ان نظلم السياسة بسبب سلوكيات البعض الذي ارتدى ثوبها زوراً وبهتانا .

***

ثامر الحاج امين

يواجه بعض الإسلاميين صعوبة في فرض التوصيات الدينية، وهم يزعمون أن التوصيات تلك وُضعت فقط لحماية المجتمع، ولكن في سياق تحقيق تطبيقها، فإنهم يقسمون المجتمع، ويروعونه، ويقتلون من يريدون، باعتبارهم مجاهدين يريدون إقامة دولة الخلافة ولبس الجلباب والنهي عن المنكر في سبيل الله.

وطائفة أخرى تجاهد الطائفة الأولى لحماية الصحابة من الطعن وأصحاب الحق أموات أيضا، وطائفة ثالثة ترى أن شكل العدالة لا يتحقق إلا في رؤيتها متمثلة في الإمامة، التي أحياها الأموات في الماضي.

وتستمر المعركة وتنشغل المجتمعات وتنفق بعض الدول الأموال الطائلة لأجل  نشر هذه الانحرافات العقدية، لتعزيز مذهبها وعاداته وتقاليده الموروثة، والتي بدورها تقوي كراسي السلطة والجالسين عليها.

فإذا أردنا التعايش مع الأطراف الأخرى يجب تقبلهم بعيوبهم.. وليس ذلك كافر عليه اللعنة وذاك ملحد لا تجلسوا معه ولا تأخذوا منه.

فاذا كان الاختلاف يؤدي الى القطيعة.. اين يذهب الود؟ واذا كان الاختلاف يحتاج الى سنين حتى تعود المحبة من جديد.. فأين الفضيلة ؟ واذا كان الاختلاف يؤدي الى الهجر.. فأين تذهب المحبة ؟ واذا كان الاختلاف يؤدي الى الاحقاد... فأين المصداقية.. والحب والعشرة ؟.

نحن جيل نشأ وتربّى وترعرع على الحب.. والتسامح والوفاء والاحترام وكل القِيَم النبيلة الجميلة، عاصرنا رجالاً ونساء لم يعرفوا القراءة والكتابة ولكنهم اتَّقنوا عِلم الكلام، لم يدرسوا الأدب ولكنهم علّمونا الأدب، لم يدرسوا قوانين الطبيعة وعلوم الأحياء ولكنهم علمونا فن الحياء.

 لم يقرؤوا كتابا واحداً عن العلاقات، ولكنهم علمونا حسن المعاملة والاحترام، لم يدرسوا الدين ولكنهم علمونا معنى الإيمان وعلمونا الحلال والحرام، لم يدرسوا التخطيط ولكنهم علمونا بُعد النظر في كل شيء،لم يجرؤ أحد منا على الكلام بصوت عالي في البيت، كنا نحترم الجار والجار السابع.

‏انشر الكلمة الطيبة بين أهلك  قبل مجتمعك، للأسف تجد بعض الأشخاص يعامل الناس بكلمة طيبة في الشارع ومكان العمل، حتى إذا دخل مواقع التواصل الاجتماعي انتقد ووبخ وشتم وعامل الناس بجفاف بحجة أنه عالم بكل شيء، فما تعطيه لأهلك من لطف ولباقة ضعه في أفراد مجتمعك، تمدح هذا، وتشيد بعمل ذاك، وتشجع آخر، ليكن دخولك فرحة لأصحابها.

إهداء لِمَن عاش تلك اللحظات الجميلة، وإلى الجيل الذي ربّانا وهذّبنا، حفظ الله مَن كان منهم حَيّاً والرحمة والمغفرة لمن غادر دنيانا.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

برعاية معالي السيد الوزير الاستاذ الدكتور.....

وبإشراف السيد الوكيل.......

وبجهود مباركة للسيد المدير العام...........المحترم

تتشرف دائرة ال........... بدعوتكم لحضور  ندوة بعنوان........ يحاضر فيها الاستاذ.......

***

هذا النموذج في الاعلان ابتكرته العقلية البيروقراطية الادارية العراقية على مدى عقود من الزمن. مبالغات في ( الإنشاء)، وأقصى المديات في تقديم الطاعة والولاء، سلوك متملق ومنافق ورثناه، تضخّم واستفحل في عهد (النظام الجديد)،  لا نجد له مثيلاً في البلدان المتحضرة كلها.

ربما يطول الحديث في اسبابه وغاياته، لكن باختصار يمكن القول: انه امتداد (لثقافة) كرّستها صحافة النظام السابق واصبح تقليداً ثابتاً يتصدر الصفحات الاولى للجرائد، يرافق نشاطات (القائد الضرورة ) كشرط حتمي في نشر صورته بمناسبة أو من دونها مع عبارة : برعاية من لدن سيادته حفظه الله ورعاه.

أما فعاليات ونشاطات وندوات (النظام الجديد) فهي على الأغلب أبعد ما تكون مكرّسة لمناقشة أزمات البلاد المتفاقمة، والتفكير بحلول لها، و نادراً ما تشهد الجلسات حضور السيد المعالي أو وكيله!

إذن لماذا هذا السلوك؟ أليس بإمكان المسؤول اللجوء الى لغة متواضعة تنسجم وتواضع محاور الجلسات، تحفظ مقامه وكرامته، أم ان هذه (الظاهرة) وسيلة دفاع قوية تضمن له الحماية والاستمرار  حسب تفسير علم النفس المجتمعي؟

ربما تمضي بنا الاجابة عن هذه الأسئلة الى اشكالية معنى الولاء والطاعة و الاختلاف في فهمها، حين تتخذ الدعوة اليهما شكلاً سافراً في ظل الأنظمة الدكتاتورية والقمعية، فتتولى أجهزة الاعلام المنافقة تصوير الحاكم والمسؤول بأنه مصدر الحكمة والقرار السديد، وما علينا إلا أن نوكل أمورنا اليه، فهو الذي يفكر بالنيابة عنا، ويعرف مصلحتنا، ويعفينا من مشقّة اتخاذ أي قرار، ومقابل ذلك فان أي "عصيان" هو اثم لا يغتفر، فكبيرة الكبائر هي " شق عصا الطاعة" (لاحظ الارتباط في التعبير اللغوي التراثي، بين الطاعة والعصا).

من المؤسف أن مؤسساتنا قائمة على هذا الايقاع الذي يؤدي الى تقويض الثقة بالنفس، ويحيل الأداء الى فعل انتهازي ونفعي.  ان مبادئ الإدارة تكتسب شرعيتها من العمل الوظيفي النزيه، والمعيار الحقيقي المتفق عليه للنجاح، هو الاخلاص والابداع في العمل لاغير.

***

د. جمال العتابي

.....................

* أستأذن الصديق الفنان خضير الحميري في استعارة إحدى رسوماته مع المنشور

حين يكون الحديث عن الطعام والشراب تحضر نصيحة الاعتدال، الكرم صفة حميدة، لكن كمية الطعام الكثيرة لا تعبر عن الكرم، المبالغة في الاستهلاك والإنفاق والمشتريات التي تنتهي في براميل النفايات يمكن أن تقع أحياناً في خانة التسلية أو حب المظاهر، وكذلك تحضر في مواقف ومناسبات كثيرة منها ما يحدث في بعض الأفلام والمسلسلات حيث يلاحظ استخدام تدخين السجائر بطريقة مبالغة فيها تصدم المشاهد، الإسراف في التقليد ينتشر بين الناس بلا حدود كما يحصل في انتشار ظاهرة الوشم على أجساد اللاعبين في كثير من الدول مما يؤكد نظرية القطيع، تشويه ليس له مبرر وقد أحسنت بعض الدول بمنع هذا التشويه، في موضوع التجارة، العقار، المستشفيات، المدارس والجامعات الأهلية وغيرها من الخدمات فإن المبالغة في الأسعار يجعل الموضوع ذا طابع تجاري فقط ليس فيه مكان للبعد الإنساني.

فالذين أصبحت القيم المادية عندهم محور الحياة حوَّلوا الإنسان إلى آلة تتحرك، وقدَّسوا المحسوسات، وغرقوا في الشهوات، ولم يروا غير المنافع الدنيوية العاجلة، وهذا منهج النفعية المادية، الذي تمثل في المادية الماركسية، أو الرأسمالية المادية، والذين رأوا الجسد سجناً للروح ابتدعوا رهبانية قاسية حرمت النفس من ملذات الحياة، وعزلتها عن الحياة، وكبتت غرائزها، كما قال تعالى: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ

وجاء الإسلام ليصحح المسألة، ويهدي الناس إلى أقوم السبل، وأعدل الطرق، طرق الاعتدا ل والوسطية بين عبادة المادة ونسيان حق الروح، وبين إرهاق الروح ونسيان حق البدن، ليعطي كل ذي حق حقه، وفقاً لقوله تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا

الاعتدال غايته الانفتاح على الآخر، وإشاعة الخير والمعروف، ونشر ثقافة الحوار، ونبذ التعصب والصراع، واحترام كرامة الإنسان، والحرص على توفير الأمن والسلام، والحب والعطاء، والعيش الودي المشترك بين الأديان والمذاهب، وزرع الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع الواحد أو المجتمعات المتباينة في الأفكار والمعتقدات، وحسنا فعلت وزارة التربية العراقية بقرارها استحداث مادة الاخلاقية في المنهاج الدراسي للمرحلة الابتدائية والاول متوسط، بغية بناء وتنشئة جيل واع متمسك بالقيم والمبادئ الدينية والاجتماعية الأصيلة بعيداً عن التعصب والتمييز بما ينسجم وأحكام الدستور العراقي، فكلنا يعرف ان للمدرس والجامعات دورا مهما ورئيسيا في إنجاح جهود مكافحة الفكر المتطرف، مختصون واولياء امور الطلبة عتبروا إستحداث هذه المادة ضرورة ملحة لكي لا تقتصر على الجوانب التعليمية والتلقينية فقط،، بل ليتم تفعيل المناهج التربوية والتقويمية للمدارس والمعلمين، حيث أن المدارس والجامعات تساهم في تعميق وعي الطالبات والطلاب حيال قيمة التعايش والتنوع الإنساني وأهميته في البناء والتنمية وتحقيق الفرد طموحاته وتطلعاته المستقبلية، والتحذير من مخاطر التطرف وتأثيراته السلبية على حياة الفرد ومحيطه، كما لها دورا مهما لاحياء النزعة الإنسانية الغائبة أو المهمشة في الخطاب الدعوي الديني، وفي الخطاب الأيديولوجي القومي، بتفعيل ما يتعلق بحقوق الإنسان والمحافظة على كرامته، أليس عجباً أن يخاطبنا القرآن بقوله "ولقد كرّمنا بني آدم" ونحن نتعايش مع أوضاع مخجلة تنتهك فيها كل الحقوق والكرامات؟! كيف يصح أن يكون إسلامنا مع الحقوق والحريات وتاريخنا ومجتمعاتنا في سلسلة مستمرة من قمع لتلك الحريات، فليتعلم جيلنا الجديد امورهم الدينية والدنيونية بشكل سليم، وليتعلموا اننا شعب عملاق متسامح مهما عمل الطائفيون، فالاعتدال ثقافة فكرية وأخلاقية يحتاجها الإنسان في حياته ليحقق التوازن بعلاقاته الانسانية

***

نهاد الحديثي

شعور مؤلم ان تعيش الإحباط من ضياع الأحلام بعد سنوات من الانتظار المرّ والقاسي وأفول شمس الأمل بوطن ينعم بالحرية والأمان، فمن كان يصدق ان البلاد التي بدأ منها التاريخ وطرز حياتها بأرقى الفنون والآداب ستكون لقمة سائغة تلتهمها أفواه الجائعين الشرهين اصحاب البطون والعقول التي عاشت الخواء والقحط، يا لنا من قوم أتعبهم التفاؤل، فقد كنا نضحك هازئين من خيال الشاعر يوم سمعناه يندب (نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي ) حيث كنا نظن ان البلاد عصية على الغرباء ولن تكون يوما نهبا لشذاذ الآفاق وخفافيش الارهاب، بلادنا التي جعلنا من أجسادنا الغضة والمعجونة بعشق الأرض سورا لها، يا الهي .. أية غفلة هذه التي تسلل فيها كل هؤلاء اللصوص وسرقوا اغانينا وضحكاتنا وأرعبوا طيورنا الآمنة وعاثوا فسادا بحقولنا المزهوة بالخضرة واستباحوا أزهارها بإقدامهم  القذرة، بلادنا التي تبدو اليوم غريبة علينا بينما هي الذاكرة التي حفظت لنا صور الطفولة ومرح الصبا والشباب، ها نحن اليوم تحت شمس صباحاتها نتلمس طريقنا الى الشيخوخة وقد ابيضّت رؤوسنا دون ملل من عشقها والتغني بجمالها، بلادنا التي نثرنا في أزقتها أجمل سنوات العمر وتعطرت اجسادنا الغضة بأريج ترابها الطاهر كيف صارت اليوم نهبا للمعتوهين وسماسرة السياسة وصناع الخرافة وعبيدها، فاليوم نجوب شوارعها وفي كل خطوة تنتابنا غصة اذ نجد انفسنا مهمشين وضائعين وسط حشود لا نعرفها بعدما كنا فيها اشبه بالفنارات وسط البحر، تعبرنا المارة ولا وجه فيها يعيدنا الى زمن الزهو وألق السنوات التي مرّت مثل حلم، يا للقدر السيء الذي أوصلنا الى هذا الزمن الغريب الموحش، زمن يرتع فيه العهر والكذب والصفقات الدنيئة، نسير حيارى من هول ما نرى وليس هناك ما يواسي غربتنا سوى قول الشاعر ابراهيم ناجي :

هذه الكعبة كنا طائفيها

والمصلين صباحاً ومساء               

*

كم سجدنا وعبدنا الحُسْنَ فيها

كيف بالله رجعنا غرباء

***

ثامر الحاج امين

إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج بعض المسؤولين ويلاحقهم بالأسئلة، فهذا كله في نظر المسؤولين مجرد " حجي جرايد " . هذا هو المعنى المباشر والصريح الذي فهمته وأنا أقرأ الخبر الذي يقول إن القضاء أصدر أمراً بإلقاء القبض على نور زهير .. هل تعتقدون أن هذه نكتة؟ لا ياسادة فالسيد نور زهير وهو يتمتع بإجازته في بيروت وجد أن لا وقت لديه لحضور المحاكمة، ورغم أنني مواطن لا ناقة لي ولا جمل في لغة القوانين، لكني أعرف أن المتهم بسرقة مال عام لا يمكن أن يخرج بكفالة، إلا ان القاضي ضياء جعفر أخبرنا مشكوراً في لقاء على إحدى الفضائيات أنه شخصياً من أفرج عن نور زهير بكفالة مالية .. وحذرنا القاضي من دس أنوفنا في شؤون القضاء إن " موضوع استرداد الأموال مو سهل مثل ما يتصور الناس والإعلام " .

وحتى لا أضع القراء في حيرة سأورد نص الفقرة " ب " من المادة 321 من قانون العقوبات العراقي والتي تنص على أن "المتهم بسرقة المال العام حتى وإن حكم عليه بالسجن وقضى مدة محكوميته، لا يطلق سراحه ما لم تسترد منه الأموال المختلسة ". وتضيف الفقرة أن أمثال نور زهير " يستثنى من أحكام الإفراج الشرطي، ولا تطبق بحقه قوانين العفو العام ولا قرارات تخفيف العقوبة " .

وبعيداً عن القرارات الجديدة التي أصدرها القضاء باعتقال نور زهير من جديد، ومنح الكفيل 13 يوماً لإحضاره إلى المحكمة، وبعيداً عن البيانات الوردية حول سلطة القانون ومحاربة الفساد وإشاعة النزاهة والشفافية، فان خطورة ما جرى في قضية نور زهير، تكمن في أن الناس لا يمكن لها بعد ذلك أن تثق بقرارات  تتعلق بالفساد، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيداً خطورة أن يخضع القضاء لتأثيرات جهةات معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين أن أولى بشائر الديمقراطية تكمن في تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل. وأن الناس تتوقع أن يساهم القضاء في مساعدتهم على دخول المستقبل، وبناء دولة حديثة تمنح حق التعدد السياسي والثقافي، دولة تقوم على أساس حق المواطنة لا حق نور زهير وعصابته، وعلى العدالة والمساواة لا على توزيع قرارات إطلاق السراح بين الحيتان .وقديماً قال الفيلسوف جون لوك؛ حينما تنتهي سلطة القانون تبدأ سلطة الخراب.

***

علي حسين

عندما تُوجه للشخص التهم بدون جريرة، ولما يُعاقب المرء بدون وجه حق، ثم يُلحق الأذى به دون سماع دفاعه عن نفسه، حينها نقول أن ثمة عصا تجوب الصخر بالواد وتجر العباد والبلاد لسوء الأحوال.

إن الإساءة المتعمدة بدون مبرر لرموز الشرف والرفعة هو سلوك الضعفاء، المهزوزين، الذين عاشوا من أجل هدف واحد، أن يكيدوا لمن هم أعلى شأنا منهم، تعرفهم من سماهم، ينتهزون الفرص ولا يصنعون التوجهات، يصنعون حولهم الفراغات وليس قيادات جديدة، وعندما يتم استهلاك أشخاصا محددين أكثر من مرة تصبح الدولة غير قادرة على انتاج قيادات أخرى للرئاسة والحكومة والإدارة فيصاب العمل الوطني بالهزال . الوضع الآن هو نتيجة مباشرة لما آل إليه تطور الحال، سلطة تهتز لبضع لوحات فنية كاريكاتورية تحتوي على قيم اجتماعية وثقافية تزخم بشحنة عاطفية وطنية غيورة لفنان مصري شاب، أشرف عمر الجباخنجي الذي حملت رسوماته شذرات تأملية وإضاءات ذكية، وكما يقال التشبيه في البلاغة من خصائص بلاغته أن يكون مطابقا لمقتضى الحال، وعندما يُرسخ علم الاجتماع القانوني فرضية أن القانون وُضع لثلاثة أهداف : ضمانالعدالة، توفير الحرية وترسيخ النظام، ثم تستقر الأمور في اتجاه معاكس يكون مفهوما أن ثمة خلل كبير في العقل والفكر والوجدان، فصار كل مسؤول شاب يكثر لغطه فيكبر غلطه، ذلك حينما لا يؤمن بأن اللوحات الفنية هي تأريخ لذاكرة المكان وأنها مجال خصب للمقاربة الذكية والتفكير النقدي والتعامل مع كل فكرة أصلية جديدة، وليست للتعامل مع الأخبار المقتضبة المذيلة مكرا بعبارة "هذا من حيث المبدأ"

الفن يغرف موضوعاته من ينبوع التاريخ ويرتوي من الواقع المعاش، والفنان مثل الأديب ليس مؤرخا مكلفا بتوثيق الحقيقة ولكنه يستعمل الحقيقة التاريخية كوسيلة للتعبير عن أفكاره وآرائه وتصوراته، وهكذا كان حال الفنان أشرف عمر. الأصل أن الفنان حر في نظرته لقضايا أمته وللتاريخ، ومن حقه أن يفسر الشخصيات والحوادث كما يشاء بما يخدم رؤيته وغايته الإبداعية، والمتفق عليه أنه إذا كان تحقيق الصدق التاريخي هو غاية المؤرخ، فإن الصدق الفني هو أهم شيء بالنسبة للفنان المبدع، وقد يتم غض النظر عن قضية الالتزام بالحقيقة كما هو الأمر بالنسبة للشاعر الذي يجوز له في كتابة شعره ما لا يجوز للآخرين . إن الحديث عن الالتزام هدفه تثمين المواضيع ذات العلاقة بالقيم الإنسانية وليس محاكمة أخلاقية للأعمال الفنية أو الأدبية، وإرادة الصدق هي التي تجعل الرسم أو الكتابة فعلا أخلاقيا في مواجهة تقلبات الحياة التي تحوّلت لتصبح مرادفا للمعاناة، ذلك حين يكون العنف هو رد فعل أحمق به تجري التغطية على  العجز والفشل بعد التراجع عن مواجهة غلبة التناقضات والشيوع المتسارع لظاهرة تفكيك الروابط في مختلف المجالات وعلى كافة الاتجاهات.

تكمن براعة الفنان أشرف عمر في رسم اللوحات الكاريكاتورية فيما أكسبها من أصالة بمهارته وصدق إلهامه، ومن ذلك الثراء البيئي المميز للمجتمع، تتحدث الرموز في لوحاته لغة تشكيلية مليئة بالإيحاءات الرمزية التي تحمل الأبصار إلى حركية تلتقي فيها الأشكال لتفريغ الهم الاجتماعي ويترجمها كل ناظر إليها على طريقته، والمتفق عليه أنها مهما كانت طبيعة هذه الأشكال فهي كلما تفاقم النزوع نحو التضييق على الحريات كلما علت صيحة القوة لنصرة الحق.

***

صبحة بغورة

تعد نظافة البيئة مسؤولية وطنية وملحّة لأنها تتعلق بالصحة العامة، والحكومات في المجتمعات الراقية ومن خلال برامجها الخدمية تسعى الى ايجاد بيئة سليمة من التلوث والأوبئة لكي ينعم شعبها بالصحة والأمان والرفاهية، ولكن وللأسف هذا الطموح يكاد يكون غائبا في برامج حكوماتنا المتعاقبة حيث نلمس غياب التخطيط والقرارات الارتجالية والتشجيع على الفساد هي أبرز مظاهر الأداء الحكومي مضافا اليه تسليم الأغلبية من الشعب بهذا الأمر واحتجاجه غير الفاعل الذي لا يثمر عن شيء يغير واقع الحال، أسوق هذا الكلام منطلقا من ظاهرة انتشار الدراجات النارية في شوارع ومدن العراق، حيث اتخذت الدول الاخرى من العراق مكبا للنفايات فراحت ترمي فيه بكل خردتها من الاجهزة والمواد المستعملة والملوثة والفائضة عن حاجتها مستغلة ابواب الاستيراد المشرعة دون رقابة امام التجار الجشعين ودونما شعور بخطورتها وتأثيرها على بيئة وصحة ابناء الشعوب الأخرى .

ان الحكومة المسؤولة حقا عن سلامة شعبها لا تسمح بهذه الفوضى في الاستيراد، لذا من الواجب ايقاف هدر المال العام في الاستيراد العشوائي ومراقبة استيراد ما هو ضروري مع مراعاة الضوابط الصحية واعادة تفعيل عمل أجهزة التقييس والسيطرة النوعية من اجل وضع حد للعبث والاستهتار بحياة المواطن ومن بينها الحد من استيراد الدراجات النارية الخردة التي باتت مصدر ازعاج وخطر في الشارع سيما ان جل الذين يقودونها من المراهقين المنفلتين اضافة الى الحوادث التي تسببها نتيجة عدم التقيد بأنظمة المرور ويكفي زيارة واحدة لمحاكم الجزاء والجنح للتعرف على حجم الحوادث المرتكبة بواسطة هذه الدراجات اضافة لما تسببه الاعداد الكبيرة منها في استهلاك الوقود غير الضروري المستورد بالعملة الصعبة وتأثير ذلك على نظافة البيئة وصحة المواطن، ولا نغفل ايضا جرائم الاغتيال التي يتم تنفيذها بواسطة هذه الدراجات التي لا تقدم اية خدمة للمجتمع انما هي اداة للجريمة ومصدر للتلوث البيئي .

***

ثامر الحاج امين

ظاهرة عجيبة في بلاد الأعاجيب، أن الذي يتسنم السلطة يخوّل لنفسه صلاحيات إمتلاك ما في البلاد من ثروات، ويتحرك المواطنون نحوه إستجداءً للمكرمات، فكل مَن جلس على الكرسي صار من أولياء نعمة المواطنين.

وهذا السلوك غريب ولا مثيل له في مجتمعات الدنيا، إلا فيما ندر.

المتسلط على الناس يعطيهم ما يسمى بالمكرمة، وهي ليست من ماله الخاص، وإنما من أموال المواطنين وحقوق السشعب، لكنه حسب نفسه صاحب الأمر والنهي في البلاد والعباد.

البعض يسميها طغيانا، إستبدادا، دكتاتورية وغيرها، لكنها تمثل ظاهرة متكررة حصلت في البلاد منذ إبتداء عهد الجمهوريات ولحد الآن.

فهل هذا سلوك وطني سليم؟

ثروات أي بلاد لأهله، ولا يحق لفرد أو عائلة إدّعاء ملكيتها وحرمان الشعب منها.

إنه تصرف قبلي بدائي غابي الطباع، مريض النزعات وفيه تعبير مروع عن أسوأ العاهات الفاعلة في الشخص، الذي سيطرت عليه أوهام الفردية والملكية المطلقة لحقوق الناس.

ويساهم المجتمع بتعزيزها بتوفير الحوافز اللازمة لديمومتها، وإتخاذها وسيلة للحكم والإستعباد، والنيل من البلاد والعباد.

فلماذا نمضي في سبيل المكرمات، وحقوقنا مهدورة، وأيامنا مقهورة بالحرمان والجور والإمتهان؟

ما تقدمه الكراسي ليس بمكرمة، بل تعبير عن آليات النهب والسلب والسرقات، وتخدع الناس بأنها تمنحهم ما لا يستحقونه، بصفة مكرمة، أي فضل من الكرسي على المواطنين.

وذلك تضليل وتجهيل، فالمواطن له حقوقه، وما دامت أرضه ثرية فيجب أن يتمتع بثرائها، لا أن يستجدي العطف من المستحوذين على حقوقه، والذين يوهمونه بأن ما يعطونه له مكرمة من سيد الكرسي المبجل المهاب.

لابد من معالجة الظاهرة، والقضاء على سلوك المكرمات، لأنه لا وطني ولا إنساني، وفيه أفك مبين.

فهل لنا أن نحترم حقوقنا، وننالها بعزة وكرامة؟!!

***

د. صادق السامرائي

في زمنٍ آخر، عدّه كثيرون زمناً جميلا، لم ينشغل الآباء بتوجيه أبنائهم أي من البرامج التلفزيونية يُسمح بمشاهدتها، وأيها لا، فلقد كانت القنوات التلفزيونية بالعراق تُعد على أصابع اليد الواحدة، تجلس العائلة بغرفة المعيشة قدام الشاشة من دون اعتراض او تبطّر، تشاهد ذات البرامج من دون فترات مخصّصة لهذا الجيل او ذاك. أتذكر هذا المشهد البكر لعائلة يجمعها صندوق بالأبيض والاسود، في حين تنتشر اليوم العشرات من القنوات التلفزيونية الملونة وآلاف البرامج المقلّدة والوجوه التي مسحت ملامحها طبقات الزيوت وعمليات التجميل. يقدمون على شاشتها برامج مملة ومستعارة وخادشه أحيانا، زاعمين ان المجتمع العراقي بات منفتحا بعد الاحتلال، وأن لا خوف على قيّمه وأخلاقه. في عراق اليوم توجد (57) قناة تلفزيونية، وهو رقم يعادل ما موجود في أربع دول أوربية: بلجيكا (20) قناة، النروج (23)، سويسرا (11)، استونيا (4). يقف خلف تمويل القنوات العراقية رجال أعمال وزعماء أحزاب وأمراء حرب، استخدموا مباني الدولة واشتروا أجهزة تصوير حديثة واستقدموا أشهر مقدمي البرامج وألبسوا القنوات عناوين احزابهم وتياراتهم: الغدير، بدر، العهد، الولاء، كربلاء، سرايا السلام، النجباء، الحشد الشعبي، الامام الغائب... وغيرها من القنوات التي تشرف عليها وتدعمها إيران. وأغلب الظن ان هذا الانفلات الإعلامي (57 قناة) لم يكن سببه الوحيد دخول الاحتلال، أو فقط التنافس الإعلامي مع التيارات الأخرى، ففي جزء منه كان رد فعل على هيمنة الاتجاه القومي الذي فرضه النظام السابق. يومذاك كان نشاط الأحزاب الإسلامية على شريط كاسيت تتبادله الأيدي، كصوت فقط، وبعد الاحتلال اكتشفوا تأثير الصورة في صنع ثقافة تروج لمشروعهم السياسي. وهذه الطفرة، من الكاسيت إلى الصورة، من دون المرور بحقول أدبية وفنية وعلمية، ألهت الإسلاميين عن حقيقة ان الواقع العراقي أكثر تعقيدا، وأن شحن التلفزيون بالمشاريع المنجزة والمسلسلات التركية وبرامج الوعظ التي تظهر رجل الدين أكثر ورعا، قد لا تجذب المشاهد. ليس فقط لأن الكذبة كبرت وصار يعرف تفاصيلها الصغير قبل الكبير، بل لأن ثقافة المجتمع العراقي كانت قد تنوّعت وتشابكت من أعوام طويلة؛ تارة أممية، وتارة أخرى قومية، وثالثة دينية ورابعة طائفية وقبلية، لم تتمكن كليا قرارات الاستيلاء الفوقية من إيقاف تداخلها واندماجها. وكان النظام الديكتاتوري قد سبق الاحزاب التي جاءت مع الاحتلال في نشر ثقافة احادية وإعادة كتابة التاريخ وترسيم ثقافة قومية "خالصة" جوهرها أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي.

إنّ فكرة انشاء الأحزاب والتيارات الدينية بعد سقوط الديكتاتور بُنيت على مفهوم القوة، تضمن ذلك القدرة على التسلّح والاستحواذ على المال العام وتصعيد الشعائر الحسينية والاستعانة بالصورة للسيطرة على عقل المجموع. لكل حزب قناته ومفتيه ومرجعه، حرّموا فيها فنون ووضعوا أخرى في خانة "المكروه" ودعموا ماديا ومعنويا تلك التي تخدم مصالحهم السياسية، تحت بند "الضرورات تبيح المحظورات" حرصوا فيها على ان لا يرى الأطفال مشاهد العري والجنس، ويشاهدون بدلا عنها برامج السلاح وجثث القتلى وخطابات الشحن الطائفي وشعائر الحزن التي تخرج الحسرة من أعماق الروح. ومثلما كانت هذه الاحزاب تعمل بمحاذاة الدولة، نجد القنوات التلفزيونية التابعة لها تشتغل على ذات المنوال، لا خطاب رسميّ لها ولا توجه دينيّ بحت ولا رؤية تمثل عامة العراقيين، على الرغم من ان تصميم الاستوديو والألوان وخامة المحلّلين كلها تشي بتوجهات أصحابها. واللافت ان هذه القنوات المقدسة، حرفيًا أو مجازيًا، لا تقارير عن نشاطها المالي يطلع عليه المواطن، ولا اعتذار فيها عن الاخبار الخاطئة، ولا يُسمع عن إضرابات أو خروج معلن بين عامليها، فأغلبهم ينظرون لأنفسهم كـ "حشديين" أولا ومن ثم عاملين في القناة. وأمام هذا الواقع المؤلم فإن هيئة الاعلام والاتصالات غالبا ما تكون عاجزة عن فعل شيء، بل حتى في حال وجود خروقات صارخة فإن الهيئة ستتعامل معها مثلما يتعامل المجتمع مع التيارات المسلحة "اعتراض عام على المضمون، ولكن لا تحديد أو تسمية لتيار باسمه"

لا شك ان للتلفزيون علاقة ما بالثقافة، فالثقافة مفهوم واسع، ولكن السؤال هو كم هي نسبة الثقافة التي تقدمها الشاشة؟ فنحن في بلد لا توجد فيه إحصاءات ونسب مشاهدة وأرباح وقصص نجاح. على العموم يمكننا القول ان الباحثين عن الثقافة على شاشة التلفاز العراقية سوف لن يجدوا منها الكثير، لأنها ستزودهم بشعارات ونصائح ومواعظ، أكثر مما تزودهم بأفكار. بدليل ان انخفاض مستوى ثقافة الفرد العراقي، وتراجع مظاهر الثقافة في البيت والشارع، باتت حقائق لا تحتاج جهدا لملاحظتها. نلمسه في ظهور أجيال يائسة، بدأ تاريخ العراق عندها بدخول الاحتلال الأمريكي، تعرف عن المعممين وأمراء الحرب أكثر مما تعرف عن علماء البلد واعلامه. أجيال ليس لديها الوقت والصبر للجلوس وقراءة أمهات الكتب، وجل ثقافتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة المسلسلات التركية البطيئة التي يستطيع المشاهد فيها الذهاب للمطبخ لعمل الشاي، ويعود من دون ان يفوّت شئيا. موقفنا السلبي هذا لا يقلل من حقيقة ان الترفيه من وظائف الشاشة الفضية، فيه للدراما أولوية، في مجتمع تجلس أغلب نسائه بالبيت. فالترفيه ليس سبة او دمغة سلبية بقدر ما هو دليل على استجابة لحاجات المجتمع، وهو من جهة أخرى يوفر فسحة للمواطن للهروب من واقع فيه الكثير من الفقر والبطالة وانعدام الخدمات.

إنّ السياسيين الذين جاؤوا مع الاحتلال ودخلوا بغداد كفاتحين، من دون آليات ومعرفة في إدارة الدولة، كانوا قد اضطروا للاستعانة بالكوادر الفنية والإعلامية التي عملت زمن النظام السابق، من الذين لجأوا إلى قبائلهم وطوائفهم، أو العمل في الأحزاب الجديدة درأ للأخطار التي تواجههم. وكما هو الحال في السياق الاجتماعي عاشت هذه الشريحة من الإعلاميين والمثقفين مع الخطر، تعمل أكثر من غيرها وتتقاضى أقل، صحبة غضب مكتوم لو كشف أحدهم عنه لدفع الثمن غاليا. استدعى ذلك ان تغير هذه الشريحة الهشة من شكلها وأن تلقن نفسها بعض المعتقدات التي ترضي أصحاب نعمتها. وهذا التخادم بين رجال الديكتاتور وبين ضحاياه لم يحظ بقبول كل المتضررين، عدّه البعض انتهازية فاقعة، وعدّه البعض الآخر شطارة وتكيفاً للعيش، في حين ذهب آخرون إلى عدم تجاهل الظاهرة، لأنها تبيّن كيفية تسرب الذين تمتعوا بخيرات الديكتاتور للأحزاب الجديدة ومؤسسات الدولة الأخرى، وكيفية تحولهم إلى أدوات في الصراع الدائر بين أحزاب العملية السياسية. وللتذكير فقط فإن التهديد الذي تعرض له المثقف العراقي في زمن النظام السابق، وعاني بسببه النفي والتشرد، يشبه في بعض فصوله التهديد الذي تعرض له مثقف السلطة بعد سقوط النظام، مع فارق رمزي ان الأول كان مأساة والثاني مهزلة.

ما يشغلنا بعد كل هذه الأعوام ليس حرص الآباء او ثقتهم العالية بسلوك أبنائهم، فهم حتى لا يجلسون معهم لمشاهدة البرامج التلفزيونية ولم يفكروا بشراء كتب لأشغالهم بالقراءة. كذلك لا يشغلنا عدد القنوات التلفزيونية إن كان قليلا او كثيرا، فهي في الحالين تلقينية ومملة تتناول موضوعات لا علاقة مباشرة لها بمشكلات المجتمع في البطالة وغياب الخدمات وضعف التعليم والاقتصاد والصحة، ولكن الذي يشغلنا حقا هو أن بلدنا ليس بخير، وأن نذر الخراب ما زالت تأتي من أماكن أعمق، ولم يكن اغلاق دُور السينما وتهميش المؤسسات الثقافية وهروب أصحاب الرأي إلى مناطق آمنة سوى قمة جبل الجليد. أحيانا نصبّر أنفسنا بالقول اننا نعيش فترة انتقالية، وأن المستقبل سيجلب معه وجوها سياسية وإعلامية مختلفة، وأن المشاهدين لن يستمروا بالتكيف مع والصمت على برامج سطحية، ولكن ما يحدث بين الفينة والأخرى من توافق بين ذوق المشاهد وبين طموح السياسي ورأي الإعلامي، يحبطنا ويعيدنا إلى أرض الواقع.

***

نصير عواد

جاء في القرآن الكريم: "وسخر لكم ما في السمٰوات وما في الأرض" وهي خير دليل أن خالقنا، لم يدعنا في المعمورة دون توفير متطلبات الحياة، وجعلها بمتناول أيدينا، وقطعا هي لا تنفد حتى لو تضاعف سكان الأرض أضعافا مضاعقة. وجاء أيضا: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". وورد في الحديث الشريف: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته". وأنشد شاعر:

إذا وُليتَ أمر قوم ليلة

فاعلم بأنك عنهم مسؤول

ولعل آيات وأحاديثَ في هذا الجانب، تتطلب منا مجلدات لدرجها، وأظنها كافية وافية في الوعظ والإرشاد والتوجيه، بل والأمر بالامتثال لها كذلك. غير أن أكثر بني آدم "للحق كارهون" ولاسيما الذين يترأسون جماعة أو قوما أو شعوبا ودولا، إذ هناك بعض المسؤولين والرعاة وأصحاب الأمر والنهي، ومن يمتلكون حق البت والحكم في صنع القرار، على دراية بأعداد المرؤوسين الذين يعيشون تحت خط الفقر بألف درجة، ولم تصلهم رائحة أمل حتى لو حصل ألف تبديل في هيكلة حكوماتهم، فالمسؤولون يهيمون في وادٍ غير ذي نفع لشعوبهم، والأخيرون لا مناص لهم ولا خلاص من تردّي أوضاعهم يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وقد أتعبهم ضنك العيش وضيق فسحة الأمل.

في بلدنا العراق نهران، يفيضان حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع خيراته فيما تحت الأرض وفوقها، ومع كل هذا لم يلمس العراقيون أية نقلة نحو الأحسن في مستوى معيشتهم، بل على العكس، فمنذ تولي الدكتاتور صدام وحزبه زمام أمور البلد، بدأ الخط البياني للعيش ينحدر نحو هاوية سحيقة، وأضحى المواطن يصطبح بالأمل ويمسي بخيبته، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم، حتى التبس عليه مفهوم العيش الكريم بمفهوم العوز والفاقة، وسعيد حظ من وصل حد الكفاف واكتفى به مطلبا وحلما وأمنية، فهو لم يرَ كرامة العيش طيلة عقود، ففضلا عن حقبة الدكتاتور، كانت قد تعاقبت على جَلده حكومات منذ عام 1963ولم يشم رائحة الطمأنينة والأمان خلالها، فانّى له إدراك فحواهما وكنههما.

ولو وضعنا الحكومة الأخيرة -حكومة السوداني- على محك الأفضل والأكفأ والأحسن، في إدارة شؤون البلاد، فالحق يقال أن بصيص النور الذي أتانا من كوّة ضيقة بداية تسمنه مقاليد الحكم، بدأ يزداد تألقا وتوهجا يوما بعد يوم، وإنجازا بعد إنجاز، وهذا الرأي يشاركني فيه كثيرون بل كثيرون جدا، من المراقبين والمحللين والمنظرين، في أداء دوره كرئيس وزراء مقارنة بغيره، فخدمة المواطن وضعها في أولويات اهتماماته، بدءًا من استحداث بنى تحتية تخدمه، إلى تحسين الوضع الصحي والتعليمي، والالتفات إلى ما تلكأ من مشاريع، وما أُغلق منها، وما أُجل العمل بها، وهي جميعها تصب في خدمة المواطن، وإن تمّت على أكمل وجه، يكون السوداني قد سجّل اسمه بأحرف من ذهب، مخطوطة على كل حجر أساس وضعه في بناء البلاد وإعمارها.

وبما أن قول الحق يفرض نفسه في كل مقام ومحفل ومقال، فإنه يتطلب من قائله الجرأة والإقدام دون مخافة لومة لائم، وما دام إظهار الحق وإحقاقه غايته المنشودة، يكون حريا به الالتزام بما يُنسب للإمام علي (ع): "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه".

إن أغلب العراقيين ما عادوا يأبهون بشخص حاكمهم، مادام مقبولا تاريخا وسيرة ونزاهة وخبرة، فإن أراد (الرحمة لوالديه) عليه وضع نفسه بأحس ما ظنه شعبه به، وبغير هذا سيكون "بعض الظن إثم" وستتحول الرحمة لوالديه إلى ما لا يسرّه ويسرّ والديه.

***

علي علي

في المثقف اليوم