أقلام حرة

ضياء محسن الاسدي: البيان في خلق الإنسان

من خلال قراءتي للقرآن الكريم  ومن وصايا الله تعالى ورسوله الكريم محمدا صلوات الله عليه وسلامه أن نتدبره بتمعن وأن نعكف على دراسته المستفيضة بمنهجية عالية وعقل متفتح مواكب لكل عصر وزمان لنعلم ما فيه ومراد آياته وأن نعرف مضامينه كوننا نحن المخاطبون العاقلون الذين أرسل إليهم هذا القرآن الكريم وأن نقف على كثيرا من الأعجاز البلاغي والمعرفي والعلمي لآياته التي تخاطب وتستفز العقل البشري الذي حبانا الله تعالى به عن سائر الكائنات الأخرى من خلقه ومن هذه الآيات التي استوقفتني مليا ودعتني إلى التفكر والتمعن بها هي آيات خلق الإنسان وأطواره وخصوصا الكلمتين التي ذكرت في القرآن (الإنسان – البشر) حيث جعلتني أفكر هل الإنسان يختلف عن البشر ومن المخلوق الذي خلق قبل الآخر وهل هناك اختلاف بينهما أو علاقة حيث أن دراسة الآيات القرآنية ومعانيها وإسقاطها على ما يتوصل إليه العلماء  من خلال أبحاثهم ودراساتهم الاستكشافية والعلمية والبحوث البايلوجية قد تتطابق مع مرادها وكلما توغلنا في البحث والدراسة تتكشف لنا كثيرا من صحة الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم عن خلق هذا الإنسان المتطور ضمن أطار منظومة معقدة محدثة جديدة النمط والأسلوب الخلقي والمواد التي صنع منها البشر بأمر من الله تعالى وهنا ما يؤكده استفهام الملائكة الكرام عن هذا المخلوق الجديد الذي يختلف على ما ألفوه في الأرض من مخلوقات .

عندما نتحدث عن الكائن البشري نجد بعض الإشارات أو الدلالات في الآيات القرآنية تتحدث عن هذا الكائن  الذي خلق من الأرض كالنبات ضمن الكائنات التي أوجدها الله تعالى على الأرض من الماء ككائن مائي ثم برمائي ثم أنبته في الأرض ثم دب عليها كسائر الكائنات الحيوانية وهو على رأس سلم الخلق كما قال سبحان تعالى (هو الذي أنبتكم من الأرض نباتا) و(ومن الماء خلقنا كل شيء حي) وفي آيات أخرى قال (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) حيث أن (ثم) تدل على التراخي لمدة من الزمن أو الفاصل الزمني المعين بين حدث وآخر علمها عند الله فأن خلق البشر من التراب أولا أستغرق وقتا طويلا ليصبح خلقا آخر من نطفة ثم علقة ثم عظاما كإنسان له صيرورة وكيانا بأسلوب جديد وأن كثيرا من الدراسات والبحوث والآثار و الحفريات تصرح أن المدة بين خلق البشر والخلق الجديد المميز بقدرته المعرفية والمحدث جينيا (الإنسان) أخذت حوالي (1.7) مليون سنة حسب التوقعات العلمية وكما قال الحق (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) أن هذا الإنسان خُلق من مزيج مادة التراب والماء وهم عنصران مهمان في الطبيعة ليصبح طين لازب ثم صلصال من حمأ مسنون وأستمر هذا المخلوق في التطور على مدة يعلمها الله تعالى ليصبح علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة وهو آدم كأول إنسان (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ الإنسان من طين ** ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ** ثم سواه ونفخ فيه من روحه.....) ووصفه في الآية الكريمة (أنا أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) كما ذكرنا سابقا أن الإنشاء تدل على الشيء المحدث والمتجدد والمتطور من شيء سبقه في التصوير والكيفية .وقد ذكر الله تعالى كلمة الخلق مسبوقة لخلق البشر وإيجاده على الأرض فأنها تدل بمعنى الأنشاء من العدم حيث يذكر الإنسان كأول مخلوق من البشر من نتاج تطور علمي دقيق وبأيدي خالق علمي وصنع قمة الذكاء طوره على هذه الأرض لغرض ما في الزمان والمكان المحدد له متسلح بالقلم للأشياء والمعرفة والعقل والتمييز الناضج الواعي المكلف بالشرائع والسنن والمدرك لما حوله ولمن سبقه من الخلق يشبهه جسديا ومعاصرا ومتعايشا معه على الأرض أن كلمة الخلق التي سبقت الإنسان هي الابتكار والإبداع أصدق وأدق عبارة تعبر عن الإنسان وفي الختام يبقى هذا رأيا شخصيا وتحليلا وفهما لبعض آيات القرآن الكريم في هذا المجال من خلال تدبرها ووضعها على طاولة البحث والدراسة الذي أمرنا الله بها لفهم القرآن وآياته ومراده ليبقى هذا الكتاب المقدس متجددا في الفهم على مدى العصور تتلاقفه العقول النيرة المتطورة حتى قيام الساعة وليبقى الإسلام ومبادئه وإعجازه متطورا و معاصرا.

***

ضياء محسن الاسدي

في المثقف اليوم