أقلام حرة

جودت العاني: الأحكام الناقصة تنتج خلاصات ناقصة حتماً.. كيف؟

ليس هناك وجه للمقارنة بين القومي والديني إذا ما أردنا أن نخلص الى نتائج موضوعية غير مبتورة أو ناقصة من حيث الخلاصات في المدلول والمعنى.

يظل القومي قومياً كهوية يصعب نكرانها، ليس لدى العرب فحسب، إنما لدى عموم قوميات شعوب العالم .. والدين هو الآخر يصعب اختزاله، لأن الدين لله والوطن للجميع .

الاحزاب القومية، أساساً ليست كلها متساوية من حيث المنطلقات الفكرية، وإن بعضها يؤمن بمقومات قومية   واقعية ومنطقية، وبعضها الآخر موسمي تشظى خلال عقود سالفة كانت تؤمن بهوامش مفاهيم وطنية أو محلية أو شخصانية فهي في المحصلة احزاب تبخرت ولم يعد لها وجود منذ الستينيات.

اما الاحزاب الدينية فمنطلقاتها تختلف جذرياً عن الاحزاب القومية، فهي عالمية لا تعترف بالحدود ولا تعترف بالوطنية ولا حتى بالقومية إنما بحكومة عالمية.. وهذا حلم مستحيل تحقيقه ووجودها بات معرقلاً لمنظور التقدم والتطور.. بينما الدين لا يحتاج الى وسيط بين الانسان وربه سبحانه وتعالى .. وعلى هذا الاساس فهما، الاحزاب القومية والاحزاب الدينية ليست متشابهة ابداً.

كما ان الاحزاب القومية ليست كلها متساوية او متشابهة كما اسلفنا، من حيث المنهج والمنطلقات الفكرية والمعطيات، فهي لا تبخس قيمة الوطن، فقد اثبتت نتائج حكم بعض الاحزاب عن تأسيس هياكل ودعامات اقتصادية وصناعية وتعليمية وصحية وتعليمية وتربوية وعسكرية عريقة اثبتت كونها (إنموذجاً) يرفض الغرب والصهيونية ظهوره في وسط معتمات المنطقة فأسقطها حفاظاً على مصالحه وأمنه وتطلعاته الإستراتيجية في العالم,

فالتحليل العلمي يشترط الموضوعية والاحاطة وليس الإختزال، وبدلاً من التساؤل : ماذا أنجزت الاحزاب القومية وماذا حققت الاحزاب الدينية - بهذا العموم -؟ كان ينبغي التساؤل لماذا اخفقت الاحزاب القومية؟ هل لأنها عاجزة ام انها تعاني اختلالاً مبدئياً أو عقائدياً ؟ او ان هناك اشكاليات جيو- سياسية مضادة منعتها من النجاح في اطار أللآءات الثلاث (لا وحدة  ولا اتحاد ولا تقارب عربي) إنما تكريس (التجزئة ومفاهيم دويلات المدن والتشرذم)؟

إن شروط البحث العلمي الموضوعي وضع النقاط على الحروف بطريقة ممنهجة، وليس مختزلة تشكل اطاراً للفهم المشوش.

فمن الصعب تقبل القول (إن هدف الاحزاب - بهذا الإعمام - النيل من الأمة وترقيدها وتحويلها الى عصف مأكول) إنما الصحيح لماذا لم يدع الغرب الأمة واقطارها تنجز وتتطور وتأخذ مسارها التاريخي في التحديث والنهوض؟، من يخلق للأمة صراعاتها ؟ ألم يكن الاستعمار البريطاني - فرق تسد - والاستعمار الفرنسي - فرنسة المجتمعات ؟ كما ان الشعارات التي رفعتها هذه الاحزاب سرعان ما اجهضتها قوى خارجية دولية واقليمية متحالفة وقوى محلية تعمل لصالح الخارج .. وهذا الأمر قد تم إختزاله ايضا ومن الصعب معرفة السبب، هل هو كلام عام ينطوي على شيء من التهكم او ينطوي على غائية مرصودة لا تمت للوطنية والقومية بصلة؟

وكما قال احد المعلقين الكرام (لماذا السعي الى تجريد المنطقة من عروبتها واسلامها في الوقت الذي تتعرض الى ابشع هجمة صليبية حاقدة .. لماذا ؟)

ليس من الصواب خلط الاحزاب القومية ؟ وليس من الصواب الصمت على تهميش الدين بإسم الاحزاب الدينية المشبوهة.!!

***

د. جودت صالح

27 اكتوبر 2024

 

في المثقف اليوم