أقلام حرة

صادق السامرائي: الشعر والسياسة!!

ثورة الشعر لهيب الثورة

وبها الشعر نداء القوةِ

كنت في حديث مع أحد الأخوة الصينيين عن الثورة الصينية، وبعد محاورات متكررة أدركت بأنه يربط بين السياسة والشعر، وبين الثورة والشعر، ويرى بأن أشعار الرئيس (ماو) كان لها الدور الأكبر في الثورة الشعبية الصينية والحركة الثقافية الوهاجة التي أوجدت الصين المعاصرة.

فكان حديثه يؤكد دائما على أن الشعر ثورة سياسية ثقافية إجتماعية، وأن القائد الذي يصنع الأمة لابد أن يكون شاعرا.

تعجبت من رأيه وآليات قراءته للتفاعلات ما بين القائد والمجتمع، ودور الشعر في الثورة والحياة.

وكلما إقتربنا من واقعنا يجيبني بأننا بحاجة لقادة شعراء!!

وأقول له: ما أكثر الشعراء في مجتمعنا!!

ويجيب فورا: شعراء وطن وثورة ومحبة وثقافة وتفجير للطاقات الكامنة في أعماق الناس وليس شعر الفنتازيا، أنتم بحاجة إلى شعراء يتحسسون هموم الناس ونبضات آلامهم وأوجاعهم، ويُطلقون الأمل والثقة والقوة والشعور بالقدرة على تحقيق المستقبل الزاهر السعيد.

ونمضي في حوارنا، بين شرقي عربي يرى ما يرى، وشرقي صيني رأى ما رأى وعاش ثورة أوجدته كما يقول من العدم، فقريته القفراء تحولت إلى مدينة معاصرة تؤثر في حياة العالم، بما تنتجه من المصنوعات الضرورية للحياة المعاصرة.

وبعد حوارنا الطويل والمتشعب، تداعت أمامي مسيرة التاريخ العربي ودور الشعر في الحياة السياسية، وتوافدت قصائد الشعراء وأسماؤهم منذ الجاهلية وما بعدها، وكيف أسهموا في صناعة الرؤية السياسية الحضارية.

وتأملت خلفاء الدولتين الأموية والعباسية، وتبين إهتمامهم بالشعر والشعراء، وبعضهم نبغ في الشعر وتقدم، وكأن الشعر رفيق السلطة والقوة والتقدم والبلاء والنصر، وكان لكل خليفة شاعر معروف ومقرب ومتميز في ديوانه.

وقد أكرم القادة الشعراء، وكان الشعر حاضرا ومؤثرا في مسيرة الحياة وراسما للتفاعل الإجتماعي والسياسي، وللقصيدة تأثير كبير في الحياة لأنها تحدد معالم السلوك العام، ولدور الشعر أثر متوهج في الأندلس، وكان بعض السلاطين شعراء بارعين فأرسوا معالم الحضارة والفن والعلم والإزدهار الخلاب.

وفي الدولة العثمانية دور الشعر ساطع في العمارة المنقوش عليها أروع أبيات الشعر والتي تزين آثارهم في إستنبول، ولا زالت قصيدة البردة منقوشة في العديد من البنايات التاريخية.

وفي العصر الحديث لعب الشعراء دورا في السلطة والسياسة لكن القائد الشاعر لم يكن حاضرا.

ومع تواكب العقود والأحداث إنكمش دور الشعر في الحياة العربية وأصبح منزويا في الصحف والمواقع الإليكترونية، وأخذ يتجه نحو التعالي عن هموم الناس وحاجاتهم المتحركة على أديم الحياة.

صار الشعر نخبويا ونشاطا خارجا عن نهر الواقع، ومحلقا عاليا في فضاءات الخيال والإمعان بالتأملية والإنفلات من قبضة الناس.

فأصبحنا نتحدث عن لوحات جمالية وصور فنية وكيف يتم رسم حالة ما بالكلمات، وما هي إلا خروج عن تيار الحياة ونهر حقيقتها.

وانفصل الشعر عن السياسة خصوصا في العقود القليلة الماضية، وصار الشعر في وادي والسياسة والناس في وادي إلا ما ندر.

ويبدو أن الثورة الناهضة أعادت إرتباط الشعر بالسياسة، ومنحته طاقة التفاعل مع الجماهير وتأثيره في صناعة السلوك.

وأخذنا نشاهد مجتمعات تفجر فيها الشعر المعبر عن تطلعات الجماهير، والراصد لمعاناتهم وحاجاتهم وتطلعاتهم الإتسانية الحرة الديمقراطية الأصيلة.

ويبدو أن عزل الشعر عن السياسة يؤدي إلى تداعيات كبيرة، وإعادة التفاعل ما بين الشعر والسياسة ينير الدروب ويحقق ثورة حضارية ذات قيمة إنساتية.

وأراني أتفق مع الأخ الصيني، على أن الشعر ثورة سياسية تصنع الحياة الأفضل للأمة، فالقائد الشاعر يمتلك آليات الإبداع الحضاري الصحيح، لأنه يرى ما وراء الأفق فيصنع قصيدة الحياة مثلما صنعها ماو!!

إنما الشعر يبوح المنطوي

لا تقل شعرا بنهجٍ ملتوي

*

صدق الشعر وخاب المدّعي

بكلامٍ ولسانٍ فوضوي

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم