أقلام حرة

أقلام حرة

مجزرة الدوايمة

يظنون بأنهم قتلوا الشجرة ولم يعلموا بأن رب ثمرة لم تدركها عين ادخرت بذورها ليوم البذار فصنعت غابة....

تقع قرية الدوايمة بين بئر السبع والخليل، على بعد أقل من ٣ أميال من مدينة الخليل. وكان عدد سكانها يبلغ ٢٠٠ نسمة، رفع هذا العدد اللاجئين الذين تدفقوا إليها بسبب عمليات التطهير العرقي في بلداتهم وعددهم قرابة ٤٠٠٠ نسمة، فرفعوا بذلك عدد السكان إلى ثلاثة أضعاف.

لكن قرية الدوايمة لم تدم لا للسكان الأصليين ولا لمن التجأوا إليها بسبب المجزرة التي وقعت بها بتاريخ ٢٩/تشرين الأول/١٩٤٨ ضمن عملية "يواف". أما الوحدة التي نفذتها فكانت الكتيبة "٨٩" التابعة للواء الثامن.

فبعد ثلاثين دقيقة من صلاة يوم الجمعة دخلت عشرون عربة مصفحة إلى القرية من جهة قرية "قبية"، يرافقها دخول جنود الاحتلال من الجهة المقابلة. حيث قام جنود الاحتلال الذين دخلوا بالمصفحات بفتح النار من أسلحة اتوماتيكية ومدافع المورتر على سكان القرية بحركة شبه دائرية. ثم طوقوها من ثلاث جهات وتركوا الجهة الشرقية مفتوحة كي تتم من خلالها عملية الطرد. ولأن مواجهات دفاعية حدثت من قبل شبان القرية الذين كانوا يحرسون قريتهم ،قفز الجنود من المصفحات وراحوا يطلقون النار عليهم وعلى السكان دون تمييز بين طفل أو امراة أو شيخ. فما كان من السكان إلا أن لجأوا إلى جامع القرية وإلى كهف قريب من "عراق الزاغ" بهدف الاحتماء من نيران العدو. غير أن الحقد وغريزة الانتقام التي يمتلئ بها قلب العدو الفاشي قامت بقتل أولئك الذين احتموا بالجامع والكهف. وبشهادة من مختار القرية يقول أنه عندما تجرأ في اليوم التالي للمجزرة وعاد إلى القرية ،هاله مشهد الجثث المكدسة في الجامع وفي الشارع والتي سدت باب الكهف.

وكما هي عادة العدو في جميع المجازر فقد ارتكبوا الفظائع والأعمال الوحشية التي تقشعر لها الأبدان ،فمن جماجم الرضع المحطمة إلى إحراق النساء بعد الاعتداء عليهن إلى عمليات الطعن بحق الرجال حتى الموت.

والجدير بالذكر أن المراقبين الدوليين الذين دخلوا القرية بعد المجزرة اعترفوا بعجزهم عن تحديد عدد الضحايا. إلا أنه من المرجح أن العدد تجاوز ال ٣٠٠ شهيد.

وقد أصدرت دولة الاحتلال أوامرها للتعتيم على المجزرة ومنعت التحقيق بالجريمة. فظل المجرم والقاتل دون حساب إلى يومنا هذا وهو يقفز أعلى القوانين ولا يلتزم بها ولا يعترف بجرائمه.

واليوم تقوم مستوطنة "أماسيا" على أنقاض قرية كانت هنا يوما لكنها ستنتفض من جديد وتسلخ عنها ثوبا أرغمت على ارتداؤه.

***

بديعة النعيمي

 

السياسيون في العراق اليوم في أمس الحاجة الى قراءة للثقافة السياسية وتطابقها مع الحالة الانسانية في ادارة العملية بالصورة الصحيحة لأن الثقافة السياسية تتحكم في جميع مفاصل الحياة في الدولة، والبحث في السياسة، وتحليل أحداثها، (بالمناسبة هذه الحالة لا تنعكس على الكل إنما على الاغلبية السياسية) من الأمور المهمة التي تبني شخصية السياسي ولايمكن تجاوزها، فلذلك تتطلب أولا، الإلمام بما هي اللعبة السياسية ومعرفة دهاليزها المعتمة، والدلالات والتعابير السياسية الحديثة، واستخدامها في حل للكثير من الصراعات والأزمات، وجدليات السياسية، التي تعطي مجالا اوسع، لاستخدام اوسع للرموز وأكثر فهم المعنى والدلالات، في تمرير وتغطية الكثير من الغموض، والالتباسات، في دهاليز وأروقة الحروب، والنزاعات، والمؤامرات وفي كشف أساليب القمع،والتجريح والتسقيط ، والغبن السياسي.

لابد ان نعرف ان القراءة المنتجة هي التي تساهم في بناء الإنسان، بأهميته الوجودية وإمكاناته ودوره في التغيير، وبضرورة أن تخلق فرداً منتجاً مبدعاً ولا يكون إمّعة "الرجل الذي يقول لأي أحد أنا معك" دوما في دنيا الناس و تثقف المواطن بضرورة نبذ الأفكار الإرهابية الرسمية وغير الرسمية، والوقوف ضد التطرف الطائفي والعرقي والمذهبي، والتكاتف مع المظلومين والضعفاء وعدم انطلاء الأكاذيب السياسية على المواطنين التي ستقود إلى مزيد من الخراب والدم.

ولاشك من قراءة تاريخ ما بعد عام 2003 بفطنة لنجد ان كثيرا من الإرهاصات موجودة، وأن النار لا تزال تحت الرماد ولو طبقوا الجزء اليسير من ثقافة السياسية لاستطاعوا حل الكثير من المشكلات والعقد وتجاوز الكثير من السلبيات التي يمر بها بلدهم، وهم مدعوون اليوم لدراسته بحس وطني وديني كي يعبروا بالعراق نحو الأمن والازدهار والاستقرار . ولكن ان العديد من السیاسیین والذين أطلق عليهم زورا وبهتانا هذا الوصف لا يعرفون التعامل مع شعبهم وتطغى عليهم روح السلطة والتعالي والفساد ولا يعرفون إلا سبيل التهديد والارهاب لإسكات أفواه أصحاب الحق،هؤلاء هم أخطر أضعافا مضاعفة من كل عدو حين يبرزون استعمال كل الوسائل لتحقيق الغايات السياسية الخاصة بهم بعيدا عن الأطر الحضارية الانسانية التي تعتمد على القيم الثقافية الصحيحة . ووصل الحد بالبعض إلى التآمر لقتل رفاقهم وإخونهم وعلى كل ما ومن هو شريف بناءاً على حسابات القوة والسلطة والمصلحة التي تحميهم وعدم خضوع الطرف الآخر للواقع الذي هم فيه بعيدا عن مقاييس الشرف والثقافة السياسية التي تهتم بطبيعة العلاقة بين الأفراد من ناحية القيم والمعايير السلوكية مع السلطة السياسيّة في مجتمع ما، كما يمكن تعريف الثقافة السياسيّة بأنها جُملة من المعارف الخلقية والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون الادارة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة. وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.

معنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافها الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي. ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، وتشمل مجموعة من الثقافات الفرعية واهمها اختيار النخبة الحاكمة، باشتراك المواطنين متمثلة من طبقات الشعب والثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطی نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي، وبذلك فهي تنصب على المثل والمعايير السياسية التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسي، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف في نطاقه والثقافية السياسية لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها مدى ومعدل التغير في البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافي، وحجم الاهتمام الذي توليه تخصصات الدولة لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد والتعامل معهم .والتي يفتقر أكثر السياسيين اليوم لها.

 لكن من الذي يستطيع استخدام العقل والفكر السياسي الذي يركز على التنمية والتطور غير الملم بالفكر السياسي البنوي لا الذي يهدم ويكون لديه الوقت ليفكر في إرباك العملية السياسية المريضة وهذا ما شهدنا منذ سقوط النظام البائد للبعث، ان العمل الجماعي ً من أجل قراءة صحيحة مليئة بقيم الحب والتكاتف والسلام والعطاء والتوقف بوجه الأفكار المليئة بالكراهية والتناحر والحروب والتدمير، هي التي في حينها يمكن أن نجعل من القراءة اللبنة الأساسية لإعادة بناء العراق بكسر معاول التهديم التي لازالة تنخر بعصب المجتمع، وبأقلام وأيدي وعقول متجردة خبيثة واقفة ضد دعاة القراءة الصحيحة للسياسة في زمن الحقد والدمار والجهل.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

هل ينجح "نتنياهو" في توريط امريكا في حرب اقليمية في الشرق الأوسط من الهروب من محاكمتة بعد الإنتهاء من حرب غزة ..؟ هل من حق إيران أن ترد على ضرب مقر القنصلية فى دمشق..؟ يجب أن نفهم أن هذه الضربة هى رد فعل لحالات كثيرة من الاعتداءات الإسرائيلية علي إيران منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979..هل هذة الضربة سوف تخفف الأوضاع في غزة .و مساعدة إيران لحماس وحزب الله فى لبنان وأنصار الله فى اليمن ...؟ وأيضاً لتوريط أمريكا فى مستنقع الشرق الأوسط. خصوصاً أن القادة العسكريين فى إسرائيل يرون أن أمريكا هى المدافع الأول عن إسرائيل. وغالباً

يرى القادة فى جيش الدفاع الإسرائيلى أن جيشهم لن يتحمل طويلاً حرب الإستنزاف فى عدة مناطق فى إسرائيل من شمالها الى جنوبها وفى داخلها. وقد أنهك الجيش الآن بعد أكثر من 6 أشهر. وذلك بعد المناقشات بينهم توصلوا لتوريط أمريكا فى الحرب من رد فعل عنيف على إسرائيل بعد ضرب بعثتها الدبلوماسية فى دمشق المنافية للاعراف والبروتوكلات الدولية ..!!  هل التاريخ سوف يعيد نفسه فقد انقذ ثعلب السياسة الأمريكية (هنرى كيسنجر) إسرائيل من حرب الإستنزاف التى شنتها مصر على إسرائيل بإعلان بمبادرة "روجرز" التى أوقفت الحرب حتى تلتقط إسرائيل أنفاسها بعد 3 سنوات من حرب 1967 وكانت حرب الاستنزاف المصرية على حدود إسرائيل من سيناء فقط وليست عامة فى كل أنحاء إسرائيل,هل تفتح إيران جبهة الجولان المحتلة لحرب مفتوحة ومواجهة برية لوكلائها في سوريا وشمال الجليل الأعلي من استخدام أسلحة حديثة تصل الي عمق الأراضي المحتلة؟ هذا ما تكشفة لنا الأيام المقبلة في حالة الرد الإسرائيلي.

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

في السياسة لا تكشف الدول دائماً كل أوراقها وأهدافها الاستراتيجية وخصوصاً في المناطق التي تشهد حالة حرب وتوترات سياسية، فقد يبدو المشهد وكأن هناك عداءً سياسياً ويتم توظيف خطاب إعلامي متشنج واتهامات متبادلة يزعم كل طرف الطرف الآخر بأنه يهدد وجوده القومي والسلام في المنطقة، ولكن في الخفاء يكون هناك توافق وتفاهمات على الحفاظ على مصالح مشركة وتقاسم النفوذ ومواجهة عدو مشترك والالتزام بقواعد الاشتباك وعدم الانزلاق نحو حرب شاملة.

هذا الأمر ينطبق على العلاقة بين إيران وأذرعها في المنطقة من جانب وواشنطن والغرب وإسرائيل من جانب آخر. فمنذ ثورة الخميني 1979 واحتلال السفارة الأمريكية في طهران وتحويلها لسفارة فلسطين وإعلان طهران أن واشنطن (الشيطان الأكبر) وتشكيل فيلق وجيش القدس المليوني الذي قاتل في كل مكان إلا في فلسطين، ثم الخلافات حول الملف النووي الخ ونحن نسمع خطابات مبالِغة في لهجتها العدائية سواء من واشنطن وإسرائيل ودول الغرب تجاه إيران أو على العكس من ايران تجاه هذه الأطراف، ولكن في نفس الوقت كانت تجرى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين في القنوات السرية على تقاسم النفوذ في المنطقة على حساب الدول العربية والمشروع القومي العربي، وهذا التنسيق بدأ بإثارة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة لتفكيك دول المنطقة بدأ من العراق الى سوريا ولبنان واليمن مما أدى لتفكيك هذه الدول وإضعافها والسماح بتدخل جيوش أجنبية فيها، ونفس الأمر في فلسطين حيث دعمت إيران حركتي الجهاد الإسلامي وحماس على حساب منظمة التحرير والسلطة مما أدى للانقسام وجر الفلسطينيين الى حروب مع إسرائيل وخصوصاً في غزة أدت لسقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية وإضعاف النظام السياسي الرسمي، وكانت حرب الإبادة على غزة في أكتوبر من العام الماضي مثالاً على تخاذل ايران ودول أخرى كانت تزعم أنها حليف للمقاومة الفلسطينية.

فقد سكتت إيران على ضم القدس وتحويلها لعاصمة لدولة الكيان كما سكتت على اقتحامات المسجد الأقصى وجرائم المستوطنين وسكتت طوال ستة أشهر من حرب الإبادة على غزة ولم تتحرك إلا بعد استهداف قنصليتها في دمشق.

بعد مهزلة أو مسرحية الرد الإيراني بقصف إسرائيل دون أي خسائر بشرية أو مادية، وزعم إيران أنها لقنت العدو درساً وإن لم ترد إسرائيل فالأمر سيتوقف عند هذا الحد !، بعد هذا ماذا استفادت القضية الفلسطينية وما هو تأثير هذه المواجهة المتفق عليها على حرب الإبادة على غزة؟ وإن لم ترد إسرائيل فهل انتهى دور ايران في معركة تحرير فلسطين؟

للآسف ستعزز إيران نفوذها في المنطقة وسيستمر التحالف الخفي بين طهران وواشنطن على تقاسم الهيمنة على المنطقة العربية، وإسرائيل ستستوعب وتتفهم الرد الإيراني الهزلي ولكنها ستواصل استهداف قواعد النفوذ الإيراني في المنطقة وربما ستضرب مواقع استراتيجية في إيران ولن ترد إيران لأنها إن ردت بقوة أكبر فهذا قد يدفع للتدخل مباشرة من واشنطن ودول غربية في المواجهة حتى لا تلجأ إسرائيل لاستعمال السلاح النووي للدفاع عن نفسها..

أما تداعيات ما جرى على القضية الفلسطينية وحرب الإبادة على غزة فسيكون سلبياً فبالإضافة إلى أن التصرف الإيراني خطف الأنظار عما يجري من حرب الإبادة على غزة دون أن تردع العدو عن الاستمرار بحربه المدمرة على الضفة وغزة، فإن الرد الإيراني كشف محدودية القدرات العسكرية لإيران وما يسمى محور المقاومة، وبالتالي يفترض بحركتي حماس والجهاد وقف مراهنتهم على هذا المحور الذي ثبت أنه يوظف القضية الفلسطينية ودماء وعذابات الفلسطينيين لخدمة المصالح الاستراتيجية لإيران في المنطقة، وما يؤكد ذلك أن إيران تقول أنها ستوقف الحرب إن لم ترد إسرائيل بضرب العمق الإيراني وهذا معناه ترك الفلسطينيين لوحدهم في الميدان.

***

إبراهيم ابراش

القرن الحادي والعشرون غير مسبوق في التأريخ، فأيامه تتجدد ومعطياته تتعدد، وتتطور بتعجيل فائق التسارع والتنافس والتوثب إلى عوالم المجهول، المشحون بالمستجدات والمعطيات الصاخبات.

وعندما نتساءل عن دور الكتاب في حياتنا يتحشرج الجواب في الصدور!!

قبل عقدين عندما أزور صديقا يكون الحديث عن الكتب التي قرأها وآخر ما صدر منها، ويحثني على مطالعة هذا الكتاب أو ذاك.

واليوم عندما أزور صديقا، أجده مشدودا إلى الهاتف النقال، ومنتوجات التكنولوجية الإليكترونية، كالآيباد واللاب توب، وأخواتها من أدوات إستلاب الوقت والإنتباه.

وأتساءل عن دور الكتاب في حياتنا.

في السابق عندما تكون في مكان إنتظار، تجد معظم المنتظرين يحدقون في كتاب، واليوم الجميع مشدود لهاتفه، ومن النادر أن تجد مَن يتصفح كتابا.

فهل أن عصر الكتاب إنتهى؟

لا أعرف الجواب، والذي أراه أن أدراج مكتبتي أخذت تنفر من الكتب، وأشعر بأني ملزم بالإنصياع لإرادتها، فهي متلهفة لمعطيات العصر، فقد سئمت من الكتب المرصوفة عليها.

أنظر إلى مكتبتي وأقارن بين كم من الوقت  يمضي مع الكتاب  وكم منه يمضي مع الشاشة.

وينتابني إحساس بأني أشيّع مكتبتي!!

إنها مرحلة ليس من السهل التكيف معها، وتمثلها، وقد تنوعت نوافذ تدفق المعارف، وتفوّق المسموع على المرئي، فأجيال العصر تقرأ بآذانها، وما عادت عيونها صديقة للسطور.

فإلى أين المسير، والثورات التكنولوجية ذات أعاصير توسونامية، تكتسح ما قبلها وتأتينا بالمثير المستطير!!

فهل "أن الكتاب صديق لا يخون"، أم الهاتف صاحبنا المأمون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا تشغل بالك، عزيزي القارئ بمحاولة الوقوف على معنى استقبال محافظ كربلاء لرائد الفضاء العراقي "أبو شاهين " ولا تضرب أخماساً في أسداس وأنت ترى كيف استبدلنا منجزات صبيحة الشيخ داود وزها حديد بحكايات رائدة الفكر الحديث " ام فهد " !!

في مقدمة كتابه المهم "نظام التفاهة" يضع أستاذ الفلسفة الكندي ألان دونو هذه الجملة المعبرة عن الحال الذي وصلنا إليه: "ضع كتبك المعقّدة جانباً.. لا تكن فخوراً، ولا روحانياً، ولا حتى مرتاحاً… لقد تغيّر الزمان، فلم يعُد هناك اقتحامٌ للباستيل ولا شيء يُقارن بحريق الرايخستاغ، كما أن البارِجة الروسيّة "أورورا لم تُطلِق طلقة واحدة باتّجاه اليابان. ومع ذلك، فقد شُنَّ الهجوم بنجاح: لقد تبوّأ التافهون موقِع السّلطة".

قد يقول قارئ عزيز؛ ما الغريب في الأمر ونحن نعيش في زمن مواقع التواصل الاجتماعي التي يخرج فيها البعض ليسخر من علي الوردي ويشتمه، فيما نائب يصر على أن بناء مدينة باسم علي الوردي خيانة للقضية الفلسطينية، وعليك عزيزي القارئ أن تحل لغز العلاقة بين ما يجري في غزة وبين بناء مدينة في العراق تحمل اسم أحد أبرز أعلام الفكر الوطني العراقي؟، فلم العجب اذن ومتولي اقتصاد العراق نور زهير استطاع بمكالمة هاتفية أن يهرب سجيناً، مثلما استطاع أن يلفلف في وضح النهارثلاثة مليارات دولار، فيما تحول موظف صيرفة إلى صاحب عدد من المصارف يتحكم من خلالها بمزاد العملة.. وربما يسخر مني قارئ فيقول: لماذا علامات التعجب ونحن نعيش في بلد تحولت فيه السياسية إلى استعراضات وخطب يصول ويجول أصحابها في الفضائيات، يتحدثون في الاقتصاد والسياسة والقانون وحقوق الإنسان، لكنهم يتحسسون من مفردة " دولة مدنية "، معظمهم يفقدون اتصالهم بالواقع لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات

في كتابه يؤكد ألان دونو أن التفاهة تظهر بشكل فجّ وصادم في مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات . قل أسخف السخافات، وتشدق بأكثر الخرافات لا معقولية، ولا تهتم، فهذه هي البوابة الرئيسية لدخول عالم " المشاهير " بكفالة نظام التفاهة .

منذ سنين ونحن نعيش مسرحية فيلم طويل عنوانه سرقة أموال البلاد،، وثمة أشياء نمر عليها سريعاً، ومنها ما صنعته إرادة شاب يعمل في سلك الشرطة اسمه سيف عباس كَطوف عندما قرر أن يطلق مشروعه الحلم من خلال فكرة أقرب إلى الخيال من الحقيقة، بناء مدينة من مئة بيت للفقراء واليتامى، جمعها من تبرعات المواطنين، هذا الشاب النموذج الحقيقي للمواطن العراقي يعمل بصمت ونكران للذات، في وقت يتقافز فيه "مشاهير الصدفة " على مواقع التواصل الاجتماعي

***

علي حسين

رداً على استهداف "إسرائيل" للقنصلية الإيرانية في دمشق وتدميرها، قامت إيران بتوجيه ضربة صاروخية واسعة استهدفت العمق الإسرائيلي منها إصابة قاعدتين عسكريتين -وفق الرواية الإيرانية- و"مطار رامون" والمراكز التي تحوي الطائرات من نوع ف 35 علماً أن تلك المرابض أخليت من الطائرات حتى لا تتعرض للخطر.. جاء ذلك بعد احتجاز سفينة إسرائيلية عند مضيق هرمز من قبل البحرية الإيرانية.

هيئة البث الإسرائيلية قالت قبل قليل بأن ما يزيد عن 80 طائرة مسيرة إيرانية أخرى انطلقت من إيران وقد تصل أهدافها بعد نحو ساعتين.

من جهته الكابينت فوض نتنياهو بإدارة الرد الإسرائيلي وفي الغالب سيكون سريعاً وقد يستهدف مستودعات أسلحة إيرانية في العمق الإيراني.

من هنا نستخلص بأن طبيعة الرد الإيراني يثبت في أن قواعد الاشتباك في المنطقة ليست ملكاً للعدو الإسرائيلي الباغي كما كان عليه الحال قبل طوفان الأقصى، وخاصة بعد أن مني جيشه بهزيمة نكراء في غزة باعتراف قادته العسكريين.

من جهتها وصفت قناة (كان) العبرية الهجوم بالكبير جداً حيث استخدمت فيه الصواريخ والطائرات المسيرة.. وسقط عدد كبير من الصواريخ أو "شظاياها" في عدد من المدن الإسرائيلية أبرزها تل أبيب وإيلات وديمونا والنقب، كما تم رصد عدد من عمليات التصدي لأجسام جوية فوق مدينة القدس.. ودوت صافرات الإنذار قرب مفاعل ديمونا النووي، وفي جنوب صحراء النقب ووسطها، وفي عراد شرقي صحراء النقب، وسمع دوي انفجارات قرب تل أبيب. إنها عملية واسعة النطاق.

وكان بايدن قد وعد رئيس الوزراء [الإسرائيلي نتنياهو بالتزامه بأمن "إسرائيل".

ومن المتوقع الآن أن يغادر الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، إلى "إسرائيل ليجتمع مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت" لمناقشة "الهجوم الإيراني "، وكيف يمكن للولايات المتحدة الرد من باب الالتزام الأمريكي بحماية أمن "إسرائيل".

العملية الإيرانية أثارت بهجة الفلسطينيين في الضفة الغربية رغم ما يتعرضون له من جرائم إبادة في غزة، بالإضافة للهجمات المستعرة التي نفذها المستوطنون الإسرائيليون -تزامناً مع القصف الإيراني- في قرية بيتين في الضفة الغربية أدت إلى ارتقاء طفل فلسطيني شهيداً وإصابة آخرين.

صحيح أن الرد الإيراني من شأنه أن يحفظ ماء الوجه لطهران، ويرفع من معنويات المقاومة في غزة التي تعتبر السبب المباشر في توسيع دائرة الحرب الكارثية بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي؛ لكنه أيضاً سيوحد حلفاء " إسرائيل" الغربيين وخاصة في الساحة الإمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين فيما يتعلق بالدعم العسكري الذي جمد من قبل الإدارة الأمريكية على خلفية تداعيات الحرب في غزة.

وهي فرصة متاحة قد تستغلها"إسرائيل" باتجاه حرف الأنظار عن جرائم الاحتلال التطهيرية في غزة الحاضرة في كل تفاصيل المشهد الإقليمي، والظهور بمظهر الضحية في عالم تتعدد فيه المكاييل.

في المحصلة فإن الرد الإيراني لم يتوقف حتى ساعة كتابة هذا المقال، لكن بعض المؤشرات توضح حجم القدرات الإيرانية على رد سيكون أشد قساوة إزاء أي هجوم إسرائيلي مقبل.

ومن تلك المؤشرات، مرور إحدى الصواريخ من فوق الكنيست الإسرائيلي، وقيام إيران بإشعار الإمريكيين والإسرائيليين بتوقيت الهجوم الذي نفذ فجر اليوم، كرسالة مفادها أن الرد الإيراني القادم سيكون مفاجئاً ومزلزلاً وقد يستهدف مراكز اتخاذ القرار في دولة مارقة ك"إسرائيل".

وسنوافيكم بالتحليلات تباعاً وفق المستجدات التصعيدية كجزء من الحرب التطهيرية على غزة التي أوقدت النار في الهشيم وأزالت الأقنعة وأعادت تعريف من هو الصهيوني في ظل الاصطفافات الدولية الجديدة.

***

بقلم: بكر السباتين

14 أبريل 2024

 

تصدم تلميذه المصري فيتمرد عليه!.. فيديو

كنت قد أشرتُ إلى عدد من أخطاء الربيعي المعلوماتية والمنهجية في دراستي المطولة (من ص 109 إلى ص 171 – ضمن كتابي "نقد الجغرافيا التوراتية خارج فلسطين" – دار الانتشار العربي -2021) عن كتبه وفرضيته القائلة بأن قصة اليهود والتوراة حدثت في اليمن وليس في أي مكان آخر، ولكنه لم يرد على دراستي أو دراسات ومقالات غيري بكلمة واحدة بل ظل مأخوذا بالعزة بالإثم ومتحصناً بالصمت الاستعلائي معتبراً أن ما يقوله ويكتبه هو، هو الحق المبين لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، وعلى سبيل التذكير أقتبس من دراستي المذكورة هذه الأمثلة:

* لا يفرق الربيعي بين النبي والقاضي العبري صموئيل بن ألقانة، المولود سنة 931 ق.م، بحسب التوراة، وبين الشاعر العربي اليهودي السموأل بن عاديا، والمتوفى سنة 560م. فالربيعي يعتبرهما شخصاً واحدا، ويكتب بكل اطمئنان (بحسب سفر صموئيل النبي وهو المعروف عند الإخباريين العرب بالسموأل اليهودي/ القدس ليست أورشليم مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين – ص12)، في حين أنهما، في الحقيقة، شخصيتان مختلفتان، يفصل بين الأول، النبي صموئيل، والثاني، الشاعر السموأل، ألف وخمسمائة عام تقريباً.

*وثمة خطأ مذهل آخر في قوله، في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (القدس ليست أورشليم) "لقد عُرف جنوب الشام باسم إيلياء، وقال إنه اسم مؤنث للإله العربي الذكر (أيل – ءيل) الذي ينصرف إلى اسم الله، وقد عرفه العرب والمسلمون، واستعملوه في مدوناتهم ورواياتهم دون حرج). والربيعي يدلي بهذه المعلومة بكل راحة بال، جاهلاً، كيف ولد اسم إيلياء، ولمن ينسب، ومتى ولد، وهل أطلق على جنوب الشام، أم على مدينة أورشليم – القدس؟ وكنتُ قد ذكرتُ في الفصل الثالث عشر من كتابي "موجز تاريخ فلسطين"، المعلومات الموثقة والشائعة التالية، إن الإمبراطور الروماني هادريان قرر سنة 117 م، تحويل القدس إلى مستعمرة للجنود الرومان، وأطلق عليها اسم عائلته المختصر "إيلياء"، فقد كان اسم الجد الأعلى لعائلة وعشيرة الإمبراطور هادريان يحمل اسم إيلياء (Aelia) أما كلمة كابيتولينا (Capitolina) فتعني المدينة الجديدة أي المدينة الجديدة المخصصة لجوبيتر كابيتولينوس، (جو بيتر أبو السماء في الميثيولوجيا الرومانية قبل المسيحية). وبهذا الاسم (إيلياء) عرفت أورشليم - القدس عند العرب في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام. وظل هذا الاسم شائعاً عند العرب إلى جانب اسم بيت المقدس حتى العصر الأموي، حيث نقرأ للشاعر الفرزدق المتوفى بالبصرة سنة 732 م، وهو من قبيلة تميم، التي كانت من القبائل العربية المسيحية قبل الإسلام، نقرأ قوله شعراً:

وبَيتانِ بَيتُ اللَّهِ نَحْنُ وُلاتُهُ ......... وبَيتٌ بِأَعْلَى إيلياءَ مُشَرَّفُ

*أنتقل الآن إلى ما سجله المدون المصري د. أشرف عزت في لقاء مصور مع الربيعي من أخطاء، ولكن قبل ذلك أود أن أسجل تحفظي على طريقة إدارة السيد عزت للحوار ومقاطعته لضيفه بطريقة متشنجة ومسرحية لا تخلو من الإلحاح والافتعال وعلى سيناريو هذه المقابلة وتقطيعها بخلاصات منحازة، وأيضا على عدم دقة بعض معلوماته التي أدلى بها، ومن ذلك:

 -قول عزت إنَّ الترجمة السبعينية للتوراة توجد منها نسخ لدى الكنيسة الكاثوليكية ونسخة أخرى موجودة في مكتبة الإسكندرية الجديدة يوحي وكأنه يقصد وجود نسخ أصلية من هذه الترجمة. وهذا كلام غير دقيق، فالمعروف أن الترجمة السبعينية حقيقة تأريخية كحدث وأقدم إشارة إلى هذه الترجمة وردت في كتابات الفيلسوف اليهودي الإسكندري أرستوبولس (حوالي عام 170 ق.م)، ولكن نسختها الأصلية التي أنجزت في القرن الثالث ق.م، لم تعد موجودة في عصرنا. هناك ثلاث نسخ استنسخت منها بعدها بعدة قرون وهي النسخة السينائية وكتبت بين سنتي 325 و360م، وهي في المكتبة البريطانية. ومخطوطة الفاتيكان وتعود إلى القرن الرابع الميلادي أي بعد سبعة قرون على الترجمة السبعينية، ونسخة ثالثة وهي ناقصة كثيرا وتسمى نسخة الاسكندرية وكتبت في القرن الخامس الميلادي. ولا ندري الكيفية التي نسخت بها هذه النسخ وأين ذهبت النسخة الأصلية. ويذكر بيشوي فخر أن "أقدم النصوص المعروفة اليوم للكتاب المقدس هو بردية للسبعينية تعود للقرن الثاني ق.م، محفوظة في جامعة مانشستر في إنكلترا وفيها جزء من (سِفر تثنية 25: 1 - 3)". 

أما أول طبعة حديثة من الترجمة السبعينية فقد صدرت في بداية القرن السادس عشر بعد اختراع الطباعة كما يقول موقع الكتاب المقدس، ويضيف محرر الموقع (ثمة بعض الدلائل المذهلة على أن أسفارا من الترجمة السبعينية هي (الناموس والأنبياء وسائر الأسفار في العهد القديم، كانت متداولة في 132 ق.م) ولم يذكر المحدد ما هي هذه "الأدلة المذهلة"!

-لم يكن أشرف عزت دقيقاً في اعتباره حاكم أورشليم - القدس عبدي هبا / أو خبا الذي وردت رسالته - ضمن رسائل تل العمارنة – يطلب فيها العون من ملك مصر امنحوتب الرابع "إخناتون" حاكماً عربياً في منطقة عربية وليس كنعانياً لأن اسمه عربي، فهذا الاعتبار ليس دقيقاً و حاسماً فالأسماء الكنعانية قريبة من الأسماء العربية لفظا ومعنى وإذن فهذا ليس مقياسا يصح بموجبه تعيين قومية أو أصل هذا الشخص أو ذاك فيمكن أن يكون (عبدي خبا) كنعانياً يبوسياً كما يمكن أن يكون أموريا مثل سميه "عبدي عشيرتا" وهو الحاكم الأموري الذي وحَّدَ منطقة أمور غرب شمال بلاد الرافدين في شرق سوريا المعاصرة في القرن الرابع ق.م.

-خطأ آخر ارتكبه أشرف عزت - وللأمانة فالذي كشفه هو مدون آخر يدعى شريف القاضي - في فيديو تعقيبي له، قال فيه إنَّ اعتراض أشرف عزت على المسار التوراتي للخروج اليهودي من مصر إلى بلاد كنعان "فلسطين القديمة" غير صحيح "لأن أرض كنعان - كما يحاجج عزت - كانت جزءا من مصر، وعليه لا يعتبر الخروج اليهودي من مصر خروجا منها، ويضرب مثالا على أن السفر من ولاية أميركية إلى أخرى في عصرنا لا يعتبر سفرا إلى خارج الولايات المتحدة". ويرد القاضي على هذا الكلام بأدلة آثارية مترجمة من اللغة المصرية القديمة مفاده أن بلاد كنعان وجميع البلدان التي غزاها المصريون القدماء لم تكن جزءاً من مصر، ولم يعتبرها المصريون جزءا من بلادهم حتى لو احتلوها، لأنهم لم يستعمروها ويستوطنوها بعد احتلالها ولأنهم كانوا يتطيرون من أن يموتوا ويدفنوا خارج أرضهم المقدسة "مصر". وكانوا يشيرون إلى بلاد كنعان وغيرها في كتاباتهم بعلامات تدل على البلاد الأجنبية وهي الأرض المتموجة أو الجبال وإلى جانبها عصا/ الصورة الصغيرة. وهذه العلامة وجدت في لوحة مرنبتاح مع أسماء ليبيا وعسقلان وكنعان ولم تكتب مع كلمة (إزرايل) وسنتوقف عندها بعد قليل.

أعتقد أن شريف القاضي مصيب في كلامه حول الفصل بين مصر وبلاد كنعان ولكن ما يقوله هنا لا يثبت تأريخية الخروج العبراني من مصر بأية صورة من الصورة لأن الدليل لا يذكر شيئاً عن هذا الخروج ولا عن مساره بل أن السردية المصرية القديمة كلها لا تذكر شيئاً عن اليهود ونبيهم موسى، أو لنقل إننا لم نعثر حتى الآن على دليل آثاري ملموس كهذا.

وفي السياق يكشف القاضي عن تفصيل غاية في الأهمية، وهو إن كلمة (إزرايل) التي وردت في لوح الكرنك وفسرها التوراتيون والصهاينة على أنها تعني أرض إسرائيل "لم تكن مرفوقة بعلامتي التعريف للبلد وهما العصا والأرض المتموجة، بل بعلامة الناس وهي رجل واقف وحول رقبته حبل (هل المقصود الأسير؟). أما في مسلة مرنبتاح فهناك وصف دقيق للأرض وعلامة التعريف للبلاد الأجنبية مع أسماء ليبيا وكنعان وعسقلان أما إزرايل في هذه المسلة فقد ذكرت كشعب بلا أرض أي كمجموعة من الناس قد يكونون قبيلة بدوية من الرحل وليس كبلد إلى جانب بلدان أخرى. وأرجح ان التمييز بين أرض كنعان وعسقلان سببه أن عسقلان كانت قد تكرست كمستعمرة للمهاجرين الفلسطة البحريين إلى جانب غزة وثلاث مدن ساحلية أخرى وبهذا فهي مختلفة عن سكان أرض كنعان الجزيريين الساميين.

أما الكارثة (أو الكوارث) العلمية التي كشف عنها هذا الفيديو فهي أن الربيعي لم يسمع من قبل بالترجمة السبعينية، ولم يعرف عمَّ يتكلم محاوره وتلميذه المصري. ورغم جهله بموضوع هذه الترجمة الشهيرة التي لا يعرف عنها شيئاً فقد شكك بها ووضعها على ملاك "التلفيق التوراتي" لا لشيء إلا لأنها تتناقض مع نظريته التي تقول إن قصة موسى والفرعون هي قصة شعبية وردت في القرآن أولا، ولا توجد في التوراة كلمة فرعون وإنما توجد كلمة "فرعا" ثانيا. ويضيف الربيعي أن قصة موسى والفرعون وردت في الكتابات الإسلامية في العصر العباسي أولا "ومن المصادر الإسلامية العباسية انتشرت قصة موسى والفرعون ووصلت إلى الأوروبيين"!

وأخيرا فالربيعي يرفض الإجابة على العديد من الأسئلة بحجة أنه لا يريد أن يصطدم بالكنيسة، ولكنه ينتقد بعنف التوراة وما يسميه التلفيق التوراتي والتوراة نفسها وينفي وجود ترجمة سبعينية لها جاهلاً أن الكنائس المسيحية تؤمن بالتوراة "العهد القديم" وتقدسه كما تقدس الأناجيل الأربعة أي العهد الجديد. وتكاد الكنيسة البروتستانتية تفوق اليهودية الصهيونية في إيمانها بالتوراة وتقديسها. وهذا ما يجهله الربيعي الذي أصدر عشرات الكتب في التاريخ والإناسة وتاريخ الأديان بل إن له كتاب بعنوان "المسيح العربي، النصرانية في الجزيرة العربية".

 وأخيرا يسجل أشرف عزت على الربيعي أنه يقول إن الهيكل اليهودي كان موجودا في اليمن وأن القائد الروماني إليوس جالوس هو الذي أحرقه خلال غزوه لليمن. وجالوس كان حاكما لمصر سنة 24 أو 26 ميلادية، وقد أمره الإمبراطور الروماني أغسطس بأن يؤمن طريق البخور من اليمن بحملة عسكرية فقام بها وعاد مهزوما بسبب إصابة جنوده بالطاعون.

أما الربيعي فيقول إن جالوت الذي ورد ذكره في التوراة والقرآن ما هو إلا جالوس الروماني خالطا بهذا بين قصة وشخصية جالوت من القرن 11 ق.م، وبين حملة جالوس الروماني بعد الميلاد، أي أن الفرق بينهما يصل إلى حوالي ألف وأربعين سنة ق.م. فهل من المعقول أن يصدر هذا الكلام من باحث أو حتى طالب جامعي في السنة الأولى؟

الطريف في هذا الفيديو هو أن مقدمه ومعده أشرف عزت الذي يظهر في جزء ثان منه ليعقب على ردود الأفعال عليه ويقول لأنه صدم ببعض ردود الأفعال والاتهامات التي وجهها بعض مؤيدو الربيعي له ومنها اتهامه بالصهيونية والعمالة لإسرائيل. ولكي يدافع عن نفسه يقول إن هناك سوء فهم غريب و"غباء" من قبل البعض لأنه واحد ممن يؤمنون بعربية التوراة وإنه أجرى عدة مقابلات ممن يحسبون على مدرسة سماها "عربية والتوراة" ومنهم الباحث الفلسطيني أحمد الدبش (ويبدو أنه التقى بالباحث أحمد الدبش سنة 2017 أي قبل أن يتراجع الدبش عن تبنيه لنظرية "يمنية التوراة" وينبذها بكل وضوح ويتراجع أيضا عما ورد في عدد من كتبه هو شخصيا حولها وفي باب تأييدها سنة 2021)، ووسيم السيسي، وهو طبيب جراح مصري انخرط في البحث الآثاري والإناسي من باب شعوره بالخجل من نفسه - كما قال هو شخصيا في حوار تلفزيوني معه- لأن شخصا أفريقيا كشف له جهله بحضارته المصرية ذات سفر) إضافة الى المتحدث أشرف عزت، وقال إن له كتابا في هذا الباب ومن هذه المدرسة باللغة الإنكليزية بعنوان "مصر لم تعرف لا فرعون ولا موسى".

وإن بعض المشاهدين أساءوا فهمه ثم يوضح انه كان وما يزال ممن يؤيدون نظرية عربية التوراة ولكن صدم بجهل الربيعي وبما يطرحه من معلومات غربية لا يقولها طالب مدرسة بدأ لتوه بدراسة تاريخ الشرق كتأكيده أن الاسكندر الأكبر غزا جزيرة العرب، وإنه لم يصل إلى الهند بل إلى اليمن لأن اليمن كانت تسمى قديما الهند، أو جهله بمعلومات عن وثائق تل العمارنة ثم نسبتها الى اليمن. ونسبته قصص موسى والفرعون إلى مصادر إسلامية في العصر العباسي...وأخيرا جهله بالترجمة السبعينية للتوراة وانه لم يسمع بها من قبل.

ليخلص أشرف عزت في النهاية إلى القول إن الربيعي ليس إلا صحافيا وروائيا انجذب مؤخرا إلى البحث التأريخي. وربما كان هذا الرأي بحق الربيعي صحيحا ولكنه ينطبق أيضا على أشرف عزت نفسه فهو طبيب ومخرج أفلام سينمائية ومؤلف وليس متخصصا بعلم الأديان أو الآثار أو المصريات.

 أعتقد أن أي شخص يلتقي بالربيعي لقاء مباشرا أو يقرأ له بعض كتبه بدقة وهدوء سينتهي إلى هذه النتيجة التي انتهى إليها أشرف عزت. ولكن عزت انصدم بالربيعي الشخص واعتبر بعض كتاباته (وليدة نرجسية فكرية) على حد تعبيره، ونبذ أخطاءه ولكن عزت بقي مؤمنا بنظرية "عربية التوراة" بل ويعتبر "بعض كتب الربيعي موفقة وخصوصا تلك التي يؤيد فيها نظرية كمال الصليبي" كما يبدو من حديثه، وهذا أمر عجيب حقا. ثم أن الصليبي لم يكن يرى أن جغرافيا التوراة في اليمن بل في إقليم جبال عسير في السعودية. ومن الصعب التوفيق بين هذه التناقضات والآراء المختلفة والمتضاربة للسيد أشرف عزت. ومع ذلك فقد نجح إلى حد كبير في تبيان تهافت أفكار ومعلومات فاضل الربيعي وهذا هو الأمر الذي صدم المعجبين به من جمهور لا يتعب نفسه في توسيع دائرة معلوماته ويكتفي بالاستقبال استقبال الغث والثمين والتصفيق للخلاصات المبسطة إلى درجة التسطيح والخطابات التلفزيونية!

ولكن المثير للاعتراض هو أن أشرف عزت حوَّل الخلاف العلمي بينه وبين "أستاذه" كما أطلق عليه، إلى قضية شخصية وراح يشنع عليه ويبالغ في أخطائه حتى إنه نشر مكالمات هاتفية شخصية بينهما، طلب الربيعي في إحداها أن "يتكرم عليه ويذكره في كتاباته باللغة الإنكليزية"، ولكن عزت ينسى أو يتنسى أنه رد على طلب أو تمني الربيعي بأن قال له ثلاث مرات" ده شرف كبير لي طبعا أن أذكرك" وقال عزت أنه هو الذي رشح الربيعي لقناة (الاسم غير واضح وأعتقد أنه قال قناة الجزيرة) ليجروا معه مقابلات وأن الربيعي كان يأخذ رأيه في ما يكتب...إلخ، وغير ذلك من كلام المعايرة الذي لا يليق بأي باحث يحترم نفسه وعمله البحثي أن يقوله.

*وختاما، وكرأي شخصي بهذه الحادثة، فأنا أكاد أقسم بيني وبين نفسي (أو كما يقول الشيخ كمال الحيدري بلازمته المحببة: بيني وبين الله) لو أنني تعرضت شخصيا لنصف أو ربع ما تعرض له السيد فاضل الربيعي من إحراج وإفلاس بحثي كما في هذه المقابلة لأحرقت كتبي كلها وهجرت الكتابة البحثية إلى آخر يوم من حياتي، ولكن - ولحسن حظي - فإنا لم أطرح نفسي في المشهد الثقافي العراقي والعربي كباحث متخصص وصاحب مشروع خاص في الإناسة وعلم مقارنة الأديان وعلم الآثار بل كإعلامي يقارب هذه العلوم ضمن ما يعرف بالإعلام التخصصي ويحاول أن يتعلم وينمي معلوماته ويصححها باستمرار ليفيد غيره من قراء بما يكتب!.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

.....................

*رابط فيديو المقابلة مع فاضل الربيعي: مواجهة صادمة للمفكر/ فاضل الربيعى - جزء أول:

https://www.youtube.com/watch?v=K5JaCMW8j8E&ab_channel=AshrafEzzat

الجزء الثاني:

https://www.youtube.com/watch?v=M8gJeOvz6_U&ab_channel=AshrafEzzat

لا يوجد درس أو حصة في مدارسنا وجامعاتنا بعنوان "كيف تقرأ"

فما تعلمنا كيف نقرأ!!

في المرحلة الإبتدائية علمونا الحفظ أو بالعامية "الدرخ"، وكان صديقي "يدرخ"، فيحفظ الكتاب من الغلاف إلى الغلاف، ويتعجب كيف تكون درجاتي أعلى منه.

مرة إستشاط غضبا، وصرخ بوجهي، "حفظت المادة كاملة، ورسبت فيها، فكيف أخذت درجة كاملة"؟!!

لا أدري كيف تعلمت القراءة، لكن دماغي كان يتفكر ويتدبر بالكلمات التي أقرؤها أو أحفظها.

لم أكن سبورة أو ورقة إستساخ، بل ما أقرأه يتحول إلى مادة للتمثل والهضم، وإعادة الصياغة، قد يكون ذلك مرضا أو إغراقا إدراكيا، حتى أذكر عندما قرأت رواية (في بيتنا رجل) لنجيب محفوظ، رحت أكتب مثلها في خيالي.

وأول مرة أواجه  "كيف نقرأ"، في المرحلة الأولى من كلية الطب، وكان أستاذنا في الكيمياء الحياتية مصري إسمه "طلعت"، والكتاب المقرر من تأليفه، وكانت محاضرته الأولى بعنوان "كيف نقرأ الكتاب"، فعلمنا مهارات القراءة.

وبعدها قرأت أو إستمعت لمقابلة مع (سهير القلماوي)، وذكرت فيها آليات القراءة السريعة.

ومضيت أبحث عن أسرار كيف نقرأ، حتى صارت القراءة نشاط يومي، يستوعب عددا من الكتب كل يوم.

إنها القراءة السريعة المتفكرة المتمعنة، التي تلتقط جوهر فكرة الكتاب.

فهل لدينا كتب وكتابات عن كيف نقرأ؟

ما أحوج واقعنا الثقافي إلى ذلك، فالشعوب تعرف كيف تقرأ فتقدمت، وشعوبنا لا تعرف كيف تقرأ فتأخرت، حتى القرآن لا نعرف كيف نقرأه فصار عضينا!!

و"اقرأ باسم ربك الذي خلق،..."!!

***

د. صادق السامرائي

منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!.

لا يزال العراقيون بشكل خاص، والعرب بشكل عام، يتوقون إلى اللحظات الجميلة التي سيتذكرونها دائما، محاولين الهروب من الواقع المرير الذي يعيشونه، وكأنهم نسوا المعاناة والألم لساعات طوال، وكأنهم يتعاطون الأفيون القادم من البوابة الشرقية.

وقد تحدثوا ليتذكروا حياتهم البسيطة والجميلة، المليئة بالبراءة والطيبة والسلام والحب، إن واقع الأزمة بكل أشكالها من مآس ومعاناة، التي يعيشها الشعب العراقي اليوم، يجعل الكثير من العراقيين يرغبون في العودة إلى الماضي القريب، إلى ما أسموه الزمن الجميل، ويخاطب هذا الجيل من خلال هذا العنوان الذي يحمل في طياته الكثير من المفاهيم الحضارية المتطورة والقيم والمبادئ السامية.

وفي الحقيقة، أنا كابن لهذا الجيل أرى أن هذا الجيل يمثل "جيل العمالقة" والذي يليه، هم جسر بين الماضي، أذ  كان كل شيء جميل ومشرق، وبين الحاضر، أذ كان كل شيء مؤلم! وكما اختبر أبناء هذا الجيل جمال الحياة بكل معنى الكلمة وسلامها وحلاوتها وبهاءها، كذلك اختبر هذا الجيل أيدي الدولة وقوتها المبهرة، فذاقوا واختبروا مرارة الحياة، كل الحروب التي خاضوها منذ عام 1980 حتى الاحتلال الأمريكي للعراق عام/2003! أود أن أشير هنا إلى أن فترة الخمسينيات والستينيات ثم السبعينيات كانت في الواقع أوقاتا جميلة في العراق، قبل وصول دكتاتور العراق والأمة العربية (صدام حسين المجيد 1937-2006) وعائلته إلى سدة الحكم.

كما كان جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي هما أكثر جيلين عايشا الأحداث التي هزت العراق من انقلابات عسكرية وتغيرات سريعة، ولم تمنع السياسات القمعية والسجن من قبل الحكومات المتعاقبة من التفاعل بين الجيلين، وأدت المحن المتكررة إلى أعمال إبداعية، كالصلابة النادرة للجيل الأول التي ذابت في نار الانقلاب العسكرية الدامية، وتأثر شباب الجيل الثاني في وقت سابق بآثارها.

النجاح والفشل: هناك من أفراد الجيلين الذين استطاعوا أن يحققوا نجاحات كبيرة في حياتهم المهنية والشخصية، سواء من كان منهم داخل العراق، ومن فضل الهجرة الى أوربا الشرقية المتمثلة بجمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل، أو أوربا الغربية وأمريكا وأستراليا، بينما هناك من عانو من الفشل والإحباط بسبب عدم تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم، نتيجة بقائهم في العراق والتحاقهم بصفوف الحزب القائد كرهاُ أو طمعاً .

الزواج والأسرة: يعيش بعض الأفراد حياة زوجية سعيدة ومستقرة، بينما يواجه آخرون مشاكل في العلاقات الزوجية والأسرة.

الحياة المهنية: هناك من حقق نجاحا كبيرا في حياته المهنية واستطاع تحقيق أهدافه الوظيفية وبقائه شمعة موقدة علمياً وفكرياً.

في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، كان هناك من هو مسكون بهاجس التحدي، يسعى من أجل الجديد، من أجل المثير، مسحورا بصيحات اللامعقول: وكيف كانت كتابات : مكسيم غوركي، وطه حسين، وحسين مردان، وسارتر، وغيرهم .. تجد صداها في ردود أفعال مشرعة لإظهار الغضب، والتمرد للتعبير عن حالة الجزع، وفساد الواقع، ولكن كمْ كان الخمسيون إذا صحت التسمية مخلصين لأصدقائهم، الجائع منهم يجد من يدعوه للطعام، وأكثر من مرة شهدت مقهى (النجماوي) في مدينتي (ميسان 365 كم جنوب شرق بغداد) تجمع الشباب من الذين يقرءون الصحف اليومية والمجلات قبل غروب الشمس كطريق الشعب والفكر الجديد، والثقافة الجديدة، كان صالح حدادا كنيهير وفاضل محمد صبر يدعوان الأصدقاء إلى وجبة عشاء في مطعم نادي نقابة المعلمين يوم استلام الراتب في (رأس الشهر).

كان أبناء جيلي مدفوعين بنفس الحلم، متبعين الخطى نفسها، وجدوا أنفسهم في النوادي الليلية حيث النقاش السياسي والثقافي دائر ليل نهار، تجد نفسك بينهم في معركة سحرية جميلة يشارك فيها العشرات من الشباب، كانوا هم من أدرك أن الثقافة ليس مجرد لعبة أيديولوجية كما كانت عند الآخرين، إنما هي حلم أكبر من ذلك، لديهم شعور بالاختلاف وامتلاك طاقات جديدة ينبغي أن تكون ثورية، بعد سلسلة من الخيبات والانكسارات السياسية التي أعقبت ردة شباط/ 1963، وأيضا على خلفية هزيمة حزيران/1967... وفشل تجربة الجبهة الوطنية، التي تركت بصمات قاتمة في أرواح أبناء ذلك الجيل، وشهدت انهيارات نفسية لعدد منهم.

إلا أن آراءهم حول الوضع العراقي مختلفة، بعد أن كانوا مقاتلين مسلحين، وفقد بعضهم زملائه على الخطوط الأمامية للمعركة أثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988 )، وحرب الكويت 1991-2003).

واليوم في واقعنا المتردي، أصبح الحصول على عمل أبعد من الكواكب وأبعد من الثريا، وقد دفع ذلك الناس من جميع أنحاء البلاد إلى التظاهر والتحدث سرا وعلنا، وبالخصوص الأجيال التي دمرتهم الحروب والحصارات.

كذلك الخريجون الذين كانت عائلاتهم تأمل أن تحميهم من نكبات ومصائب الزمن، اكتشفوا بعد التخرج أنهم تعرضوا للخداع من قبل عوائلهم ولم يحالفهم الحظ في الحصول على وظيفة.

وحكومة الإطار التنسيقي اليوم وسابقاتها تواصل الاستماع إلى صرخات العاطلين ونحيبهم الحزين، لقد انتظرت جماهير الخريجين طويلا لكي تخرجهم هذه الحكومات من البطالة وتنقذهم من البؤس والموت، لكنهم لم يحصلوا إلا على وعود فارغة وربما تكون المشكلة بعيدة عن نطاقهم.

إن العمل الذي يغوص فيه الإنسان بأعماق الشقاء ويحتمل الشدائد، سيطرة عليه الكتل السياسية الحاكمة، وأخذه من كان تحت وطأة الخطيئة والفساد ولمن كان بحاجة إلى المحاكمة والسجن المؤبد، وهو الذي جعل نظام الإدارة والقيادة مختلا بكافة مفاصلها، في عراقنا الجديد.

وكما قال السيد محمد شياع السوداني- رئيس مجلس الوزراء في آخر تغريدة له (أن عمل المسؤول لأجل فئة دون أخرى دون أن يقدم خدمة لعموم المجتمع فتأكد أنه سيكون معطلا لعجلة تقدم الدولة ووبالا على المجتمع. ليس من يشتري لك (محولة كهرباء) كمن يسعى لك ببناء طاقة كهربائية ليستفد منها غالبية الناس. وليس من يتصدق عليك بكمية من التراب أو سيارة من الرمل كمن يعبد لك طريقا لك ولأطفالك بمئات الأمتار. وليس من يعين لك عشرة أبناء من عشيرتك كمن يشرع لك قانونا يتم فيه تعيين الآلاف من أبناء مدينتك وأولادك معا. وعندما يفتح المسؤول بابه لأمثاله من المسؤولين ويغلقه أمام الفقراء والمساكين. فمن الوعي أن أسعى لاقتلاعه من تفكيري وإن كان من أقرب الناس إلى. إن سببا الرزح تحت وطأة الفقر والحرمان والفوضوية. هو غياب الوعي في الاختيار وعقدة الفئوية والقبائلية والعشائرية والحزبية على حساب المبادئ والقيم وهو السبب الذي اصطنع الطبقات الفاسدة في عموم المجتمع والمؤسسات وفي أروقة السياسة. إذن فليكن لدينا الوعي الكافي والتشدد لاختيار من يمثلني مستقبلا).

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

 

كان الدور الرئيسي لليهودي المولود في سوريا "إلياهو ساسون" في بداية أربعينيات القرن العشرين ،التحريض على اتباع سياسة "فرق تسد" داخل المجتمع الفلسطيني. غير أنه وعندما انتهجت القيادات الصهيونية بقيادة "دافيد بن غوريون" سياسة التطهير العرقي لم يعد لسياسة "ساسون" أهمية.

إلا أن هذه السياسة "فرق تسد" أصبحت إرثا مهما لها تأثيرها القوي في سياسة دولة الاحتلال فيما بعد.

فها هو "آرئيل شارون" عندما كان وزيرا للدفاع استعاد هذا الإرث عندما حاول تقويض المقاومة الفلسطينية بإنشاء ما يسمى "روابط القرى" كجزء من الجماعة المؤيدة لدولة الاحتلال في الضفة الغربية.

غير أنها كانت محاولة فاشلة، نجحت فقط نسبيا مع الأقليات، مثلما حصل على سبيل المثال عندما تم دمج الأقلية الدرزية عام ١٩٤٨ في الجيش اليهودي مقابل عدم المساس بقراهم. وأصبحت لاحقا أداة رئيسية لقمع الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة.

واليوم في حربها على غزة وبعد فشلها الذريع في تحقيق أي هدف من أهدافها التي حددتها في بداية الحرب، تحاول دولة الاحتلال تحريض العشائر والمخاتير من أجل تولي قيادة الأوضاع الداخلية في غزة عبر إحياء "روابط القرى" وتفتيت الوحدة الوطنية وتأليب السكان على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وتحميلهما ذنب ما حصل من مجازر ودمار. غير أن هذه المحاولة وهذا المشروع الذي بات مكشوفا قد فشل في غزة.

واتضح هذا الفشل عندما قام رئيس جمعية مخاتير فلسطين 'سيف الدين أبو رمضان' بالتأكيد على أن مشروع "روابط القرى" لن ينجح في قطاع غزة وأن العشائر الفلسطينية ترفض التعامل مع الاحتلال وأنها تقف جنبا إلى جنب مع مقاومتها التي تبذل الغالي في الدفاع عن غزة وأهلها.

***

بديعة النعيمي

ناضل يناضل نضالا أي كافح عن وطنه ودافع عنه قولا وفعلا.

جاهد يجاهد جهادا العدوَّ أي قاتله وجاهد في سبيل الله جاد بنفسه.

نافق ينافق نفاقا أظهر خلاف ما يبطن والمنافق هو من يخفي الكفر ويظهر الايمان.

يبدو منذ الوهلة الأولى أن ''ناضل'' و ''جاهد'' فعلان لا يلتقيان أبدا رغم أنهما يسيران في الاتجاه نفسه، متوازنين جنبا الى جنب كل على سكتين منتظمتين، تخالهما ملتصقين ومترادفين ولكنهما متنافرين في الباطن. ويبدو النفاق متنقّلا بينهما فتارة يركب هذا وأخرى يأخذ صفة الثاني.

وتقول المعاجم أن كلمة ناضل تعني في الأصل الدفاع عن الشيء او عن المجموعة بالكلمة وبتقديم المواقف والرأي لذلك اعتبرت قبائل العربية ان النضال بالكلمة أشد وقعا أحيانا من النضال بالسيف فكانت تعوّل على شعرائها للنضال شعرا وللدفاع عن اعراضها ونسبها وذكر مناقبها.  

وفي أيامنا هذه فتح باب النضال على المجالات الاجتماعية المتنوّعة فصار الفرد، داخل المجموعات المهيكلة وخارجها، يناضل من أجل القضاء على الفقر ومن أجل خلق فرص التعليم والرفاهية ومن اجل توفير الشغل ومن اجل الحريات الفردية والجماعية ومن اجل حقوق المرأة وحقوق الطفل والحق في الانتخاب والترشح للمناصب الحكومية وغير ذلك وكل هذه المجالات تفترض النضال بالكلمة والكتابة دون لجوء الى العنف أو الشغب. ودون بحث عن مكافأة أو أجر أو منصب. لأن من صفات المناضل الحقيقي الصدق في مسعاه والثقة والأمانة والمثابرة والثبات على المبدا وكلها خصال لا تتوفّر في الساعين الى السلطة أو الكسب أو الارتزاق من خلال حراكهم. فالنضال اذن يستوجب الصّدق. وعلينا أن نفرّق بين الشبعان الذي يناضل مع الفقراء ليحصلوا على الرغيف وبين الجوعان الذي يناضل من أجل أن يشبع.

وتقول المعاجم العربية أن "الجهاد" يعني عمومًا "الاجتهاد وفي الدلالات الدينية يفهم منه البذل الوافر في سبيل الله وقد يتغيّر باختلاف المقاصد فالجهاد الأصغر هو مكافحة الظلم والجهاد الأكبر هو مكافحة النفس. والجهاد، خلافا للنضال، قد مرّ بعديد المفاهيم حتى اكتسب دلالات كثيرة لكنها متشابهة في الأصل فنجده في مجموعة الحديث النبوي الشريف بمعنى العمل المسلّحً   وهو يرتقي الى مرتبة الصلاة والصوم كأفضل الأعمال. ثم برز مفهوم الجهاد مع ظهور الاخوان المسلمين ومع السيد قطب الذي دعا الى الاستيلاء على الدول وفرض الحكم بالشريعة وبناء دولة الخلافة. ولهذا تجندت ''الدول الديمقراطية ‘‘لتصنيف الحركات الإسلامية عامة كمنظمات إرهابية، مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وأنصار الله وغيرها. وليس غريبا أن يتبنى الإسلاميون لفظ الجهاد فهو   الذي ورد في القرآن الكريم في واحد واربعين موضعا، وذكره الحديث النبوي الشريف خمسين مرة تقريبا. ولم نعثر على لفظ نضال لا في القران ولا في الحديث، فلماذا تبنّاه الاسلاميون؟

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 ربط الغرب كلمة الجهاد بالإرهاب وظهرت الاسلاموفوبيا وصار الاسلاميون أنفسهم يتحاشون الحديث عن الجهاد خوفا من ادراجهم في قائمة الارهابيين.

حدث هذا في سائر الأقطار الاسلامية وخاصة العربية منها فبعض دول المشرق لم تعد تسمّي داعش باسمها بل تقول ''تنظيم الدّولة'' وجعلت بينها وبين هذا التنظيمات مسافات خوفا من اتهامها بمناصرة الارهاب. الاسلاميون في تونس لم يشذّوا عن القاعدة، فما إن تولّى أمينها العام رئاسة الوزراء حتى ألقى خطبته الأهم مبشّرا علنا وأمام الجماهير بالخلافة السّادسة لكنه اصطدم بوعي المجتمع المدني الذي رفض الدخول في المشروع الاخواني المبطن فاستقال وأخفى مشروعه متظاهرا بالتخلّي عنه.  وحاولت حركة النهضة أن تراجع حساباتها وحذفت من قاموسها ومن بياناتها كل الألفاظ التي تتصل بالاخوانية والاسلامية وحتى الشّريعة. وتخلت، في الظّاهر، عن برنامجها الدعوي لتبدو وكأنها حزب سياسي لا يرتكز على الدّين. وأسقطت نهائيا كلمة الجهاد من قاموسها بعد أن كانت نوّعت في مغزاه أيّام حكمها، فمن الجهاد في سبيل الله الى الجهاد ضدّ الأنظمة الى جهاد النّكاح. واستبدلته بكلمة ''نضال'' التي سرقتها من اليساريين فلم تعد تدعوهم بالعلمانيين وانما بالحداثيين، وصرنا نقرأ في كتابات السجناء السابقين من الحركات الاسلامية: فلان مناضل سياسي مع بعض النعوت الاضافية للزّينة ولرفع المعنويات وإن نفاقا. 

***

المولدي فرّوج

 

رفع الدعم عن المحروقات معضلة ينطق بها كل حديث، ويهرف بها كل لسان، في هذا البلد الذي تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، معضلة تبعث في نفس هذا الشعب أسى عميماً وهماً مقيماً، أبطالها دعاة الرفع الذين يشنفون آذاننا بخلابة ألسنتهم، واستمالتهم الأسماع بحسن منطقهم، ويمضي هؤلاء البهاليل السادة الذين عقدوا العزم على استئصال دوحة العجز التي ألمّت باقتصاد هذه الديار، بعد أن فضح إخوتنا في الجنوب خواء الكلام عن الوحدة، وتهافت أصحابه، في اجترار الحديث المعاد الذي لم يحسم داءً أو يرتق فتقاً، أو يسدد ثلمة، لقد ضجرنا أيها النبلاء من تحمل سيب هذا الحديث، وزهدنا في عوارفه، لأنه قادنا إلى ما وصلنا إليه من صّيْلمُ صّلْقاء، وجدب مستشرٍ، فهل أمطرتنا الجرعة الأولى شآبيب فضلها؟ أو روت غُلّتنا بنمير مائها؟ كلا، لم يحدث شيء من هذا، فالمواطن الذي تتوخاه الدولة بالمكاره، وتستنهضه بالخطوب، غلى في الصبر، وأسهب في الثناء لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، متعللاً بالأماني بأن حكومته المشبل سوف تحفظ حقه، وترعى ذمامه، وها هي تجدد له الهبات، وتسني له الحباء، وتسبغ عليه النعمة، بعد أن اعتقدت مخطئة أنه قد عوفيّ من سطوة الأسقام، وسْلِم من تتابع الآلام، تخبره تلك الطائفة التي أتحفها الدهر ببهجات الفرح، وأراحها من حسرات الترح، أن مخايل الظفر والفلح قد لاحت، وروائح الرّوْح والفرج قد فاحت، ولكن المواطن الذي خادن تجاليد الليالي التي يشكو إليها ما طرأ عليه من تبدل، وما عصف به من أوصاب، أمسى لا يلتفت لتلك الوعود التي تنسجها أفواه من يتضاعف عليهم الذم، ويترادف عليهم التأنيب، بل تتمثل له أمنية يلوذ بها كلما حزبه أمر، أو اجتاحته شدة، أمنية استمدت ملامحها من ظلال واقعه المُزري الذي سئم فيه الوعود الجوفاء، والتدليس الفاحش، والعنت الدائم، أمنية تراود مخيلته، كلما أمعنت تلك الفئات المهفهفة في بسط أطروحاتها المتداعية، أو يكتوى كاهله بحمل الأعباء الثقال، أمنية يجد نفسه فيها قد أخذ من كل شيء بطرف، وأصبح مثالاً يعجُ بالشواهد، وأنموذجاً يكتظ بالعبر، لأنه لم يحذق ذكر مخازي الإنقاذ، والنظام الهش المتداعي الذي جاء بعدها،لم يرهق المواطن البسيط نفسه بذم تلك الأنظمة وثلبها وتحقيرها، بل تسلل خارج أسوار القطر الذي تتناحر فيه الأخياف من أبناء الوطن الواحد، ممزقاً أشجان الاغتراب بما يضفي على نفسه هالات من الأضواء، وأنفاساً من الأزهار.

تهافت العقول الجزلة والسواعد المجدولة،على الهجرة، يؤكد للأذهان النابهة والبصائر النافذة، أن نَفْاق البضاعة أدعى للإنتاج كما يقول الدكتور طه حسين، وقد انجلت غاشية الحزمة الأولى من رفع الدعم عن المحروقات التي لم يتمخض عنها إلا هجرة الكوادر الطبية، وأساتذة الجامعات والدماء الحارة التي تعول عليها البلدان في نوازعها الوطنية من رقي وحماية، وها هو البحر الذي لا ينزح والغمر الذي لا يسبر، وزير اقتصادنا الهمام يحدثنا عن هذه الضائقة التي ضقنا منها ذرعاً، لطول أخذها بمخناقنا نحن البؤساء، مبشراً في ألق واغتباط بما يترتب عليها من غرس مثمر، ومكارم نامية، ليت شعري من يبقى في هذا الوطن إذا انتظم لوزير الاقتصاد ما حاول، واتسق له ما أمل.

***

د. الطيب النقر

 

يتساءل كثيرون عن هذا الحقد اليهودي على غزة وأهلها والذي يتبدى في حرب ابادة غير مسبوقة في تاريخ البشرية والتركيز على قتل الأطفال والنساء وإبادة عائلات بكاملها وتدمير ومسح بيوت وأحياء ومستشفيات الخ، خصوصا أن هذه الممارسات تصدر عن جيش دولة في القرن الواحد والعشرين تزعم أنها متحضرة وديمقراطية؟ ولماذا لا تجد جرب الإبادة استنكارا كبيرا في المجتمعات الغربية المسيحية وخصوصا حيث تسود الديانة البروتستانتية والانجليكيون؟.

كل ما ذكرته دولة اليهود عن أسباب اندلاع الحرب وأهدافها وهذا الكم من الإجرام والتعذيب وإطالة أمد الحرب كالزعيم بقوة المقاومة وتهديدها لوجود دولة إسرائيل أو الزعم بأن الأمر يتعلق بإعادة الهيبة لجيش الاحتلال بعد الإهانة التي تعرض لها في السابع من أكتوبر الخ، غير مقنعة وليست كل الحقيقة.

السبب غير المُعلن في حرب الإبادة يكمن في النصوص التوراتية التي تتحكم في نهج وسلوك اليمين الصهيوني اليهودي المتطرف الذي يتحكم بالنظام السياسي اليهودي– بنغفير وسموترتش ونتنياهو_ إنهم من خلال هذه الحرب ينفذون مشيئة ربهم وتعاليم التوراة التي تتحدث عن الأغيار وتحلل حرق حرثهم وإبادة نسلهم، كما أن هناك نصوص توراتية مباشرة تتحدث عن الفلسطينيين ومقاومتهم لقبائل بني إسرائيل الغازية والوافدة من خارج فلسطين، وتتحدث عن غزة وكيف عصي فتحها على بني إسرائيل وكيف أصبحت ملعونة.

وقد استشهد قادة اليمين الصهيوني وحاخامات اليهود أكثر من مرة بنصوص التوراة لتبرير أعمالهم سواء في الضفة أو غزة، فالحاخام مانيس فريدمان تحدث صراحة عما سماها "قيم التوراة" أو "الطريقة اليهودية" في الحرب الأخلاقية، رافضا ما سماها "الأخلاقيات الغربية" في الحرب. حيث قال: إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية "دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم".

وفي التوراة "وفي “سفر صفنيا” جاء:  “هذه هي كلمة الرب التي كلم فيها صفنيا: أزيل كل شيء عن وجه الأرض، أزيل البشر والبهائم، أزيل طير السمك وسمك البحر، أسقط الأشرار وأقطع الإنسان عن وجه الأرض (…) قريب يوم الرب العظيم (…) ستكون غزة مهجورة وأشقلون خرابا، ويُطرد سكان أشدود عند الظهيرة، وتُقلع عقرون من مكانها”."

حتى نتنياهو أشار بوضوح للمرجعية الدينية للحرب على غزة في أكثر من خطاب له، ففي خطاب متلفز له يوم الأربعاء 25 أكتوبر استشهد بنبوءة أشعيا الواردة في التوراة عندما قال: (نحن أبناء النور وهم أبناء الظلام وسننتصر النور على الظلام)، وقال أيضا مخاطبا جنود الاحتلال: “يجب أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم كما يقول لنا كتابنا المقدس”

قد يفسر كل ما سبق موقف بعض حكومات وأحزاب الغرب المسيحي الذين يعتقدون أن اليهود يقومون بمهمة دينية وينفذون تعاليم الرب ورؤى أشعيا وعندما يتكلم الرب ويفوض حاخامات اليهود بتنفيذ تعاليمه فليصمت العالم، ولأن اكثيرا من لنحب الحاكمة في الغرب يمينية وليست بعيدة عن المرجعية الدينية فإنهم يتصرفون وكأن المرجعية التوراتية تعلو على القوانين الوضعية سواء كان الدولية أو الوطنية، ومن هنا نلاحظ التمايز في المواقف من حرب الإبادة مثلا بين ايرلندا واسبانيا من جانب الأكثر إدانة لحرب الإبادة والأكثر دعما للحق الفلسطيني حيث الأغلبية في هاتين الدولتين من  الديانة الكاثوليكية غير المتصالحة تماما مع اليهودية، بينما الأمر مختلف مثلا مع أمريكا وبريطانيا وألمانيا الأكثر دعما وتأييدا لدولة الكيان اليهودي ولحرب الإبادة، وفي هذه الدول تنتشر البروتستانتية الأكثر تصالحا مع اليهود والتوراة.

ما يقوم به اليهود اليوم يعبر عن حقد اليهود على أصحاب الأرض الأصليين ومحاولة تصفية حسابات مع الحقيقة والرواية الفلسطينية الراسخة والثابتة منذ آلاف السنين، وبعد حرب الإبادة الأخيرة ازدادت ثباتا ورسوخها، وما زاد من حقدهم أن قطاع غزة بعد نكبة 1948 احتضن الوطنية الفلسطينية وفيه نشأت أولى طلائع العمل المقاوم والفدائي، ومن غزة كان كثير من القيادات الوطنية الذين قادوا في الشتات الثورة الفلسطينية المعاصرة.

(لمزيد من المعلومات حول غزة في التوراة  يمكن الرجوع لمقال توفيق شومان بعنوان (غزة في التوراة، إبادة مدينة المعاصي والعصيان) المنشور على موقع 180).

***

د. ابراهيم أبراش

 

بتاريخ الأول من شوال 1445 هـ ، الموافق 10 نيسان 2024م، أَعلن سماحة السيد مقتدى الصدر (حفظه الله)، بتغيير اسم التيار الجماهيري الذي يقوده، والمعروف باسم (التيار الصدري)، إلى عنوان جديد يحمل اسم (التيار الوطني الشيعي)، (الوطني لأَنَّه عراقي الهويَّة، والشيعي لأَنَّه اسلامي المواقف).

إِني أَعتقد جازماً، بأَنَّ مسعى سماحة السيد مقتدى الصدر، لَمّْ يكن صادراً عن رغبة مزاجيّة ذاتيّة، أَو عن محضّ انعكاسات، لارهاصات سياسية (تكتيكيّة)، فرضها الواقع السياسي العراقي المعقّد، الذي تحدَّدت هويته العامّة، بصُوَر تشتتّ المواقف السياسية للفرقاء السياسيين، التي وصلت في كثير من الأحيان، الى مرحلة الصراع السياسي (إِنْ لَمّْ نقُلّْ) التناحر السياسي، بين أَطراف طامحة للسيطرة على الآخرين، فنتج عن ذلك صراعات طائفية وعرقيّة، تضررت منها جميع أَطياف الشعب العراقي.

و نَتَجَ عن هذا الصراع السياسي، تباين في المواقف والآراء الوطنيّة لحد التناقض، الأَمر الذي أَدّى الى حالة، من التخنّدقات الفئويّة الضيّقة، فأصبح الطريق ممهداً، لتدخل العديد من الدول العربية والاجنبية في الشأن العراقي، فما بَرِحَ كلٌّ منها يسعى للحفاظ، على مصالحة الاقتصاديّة، والسياسيّة في العراق، أَو لتحقيق الأَمن الوطني لكلّ طرف، وفق المعايير التي تحكمها، المقاييس الجيوسياسيّة على أَرض الواقع.

ولا زالت صُوَر التظاهرات الجماهيرية، التي انطلقت في الأول من تشرين الأول، من عام 2019م، شاخصة للعيان، إبّان حكومة السيد عادل عبد المهدي ، وكادَ العراق أَنْ ينزلق في أَتون حرب أَهليّة، لا تُبقي ولا تَذَرْ، كخطوة كان يسعى اليها أَعداء العراق، لتكون مكمّلة لحرب عصابات داعش في عام 2014م، هذه الحرب التي كلّفت العراق، الكثير من الخسائر في الارواح، والممتلكات العامّة والخاصّة، وكانت هذه الحرب الارهابيّة، صفحة قدّ خطّطت لها، قوات الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق بعد عام 2003م.

منذ تشرين الاول 2021م، ظلّت أَزمة تشكيل الحكومة متعثّرة، فقرر سماحة السيّد مقتدى الصدر،  في حزيران 2022م، سحبّ التيار الصدري، من العملية السياسيّة، واصفاً ذلك الموقف بأنه:-

(تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهما من المصير  المجهول).

هذا الجوّ السياسي المتوتِّر، والفاقد لأَبسَط مبادئ التوافق السياسي، يُذَكِّر الاجيال التي عاصرت، أَحداث الحرب الاهلية اللبنانية، في الأعوام 1975 – 1989م، عندما زرعَ الاستعمار الفرنسي، بذّرة الصراع بين مكونات الشعب اللبناني، عن طريق تغليب الطائفة المارونية، على بقية مكونات الشعب اللبناني.

لقد تمكن سماحة السيّد مقتدى الصدر، من قطع الطريق أَمام معسكر احتلال العراق، بقيادة امريكا، والحيلوله دون تكرار تجربة الحرب الأهلية اللبنانية في العراق، كما نجح سماحته، بافشال تكريس قواعد، تَغليب المصالح الفئويّة، على المصالح الوطنيّة العامّة.

وإنّي استشِفُ من خلال قراءَة الاحداث، ودراسة المواقف السياسيّة، للدول التي مرَّت بنفس اوضاع العراق السياسية، أَنَّ سماحة السيد مقتدى الصدر، قد خَبِرَ مبادئ الاصلاح، من فكر والده المصلح الكبير، الامام الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)، المتصلّة بمواقف الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، والمرتبطة معاً بمواقف الحركة السياسية، للامام المغيّب سماحة السيد موسى الصدر، الذي يعتبر رمزاً كبيراً، من رموز الاصلاح في المنطقة، إِبّان القرن المُنصَرم.

لقد وصل الإمام المغيّب الى لبنان عام 1959م، كمبعوث من قبل العالمين (السيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم)، للوقوف عن كثب، من أَوضاع الطائفة الشيعيّة في لبنان. هذه الطائفة التي اهتُضمَت حقوقها، جرّاء تسلّط الاستعمار الفرنسي، على كتابة الدستور اللبناني، الذي اعتمد فيه على إسلوب، تغليب طائفة المسيحيين الموارنة، على بقيّة الطوائف اللبنانية الأُخرى، وكانت الطائفة الشيعيّة، هي الطائفة الأكثر تضرراً من ذلك الدستور .

لقد امتاز نشاط الامام موسى الصدر الاصلاحي، في المجتمع اللبناني، بالتوعية الجماهيرية، والاهتمام بشؤون المجتمع، ومعايشة مشاكله، ومعوقات تقدمه، حيث كان المكوّن الشيعي، يعاني من التخلف والفقر والحرمان. فطرح الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، مرتكزات مشروعه السياسي الوطني الاصلاحي، القائم على :-

* نبذ التفرقة الطائفية، باعتبار أَنَّ وظيفة الدين، هي الاستقامة الاخلاقيّة، وأَنَّ الأَديان واحدة في المبدأ والهدف والمصير.

* نبذ المشاعر العنّصريَّة، ودعى إلى تفاعل الحضارات الإنسانيّة، لتحقيق مبادئ التعايش السلمي بين الجميع.

* كما سعى الإمام لمكافحة الآفات الاجتماعية كالفقر والجهل والفساد بكل أَنواعه السياسي والاداري والأخلاقي والسلوكي.

* كما جابه الإمام المغيّب، حالة الإلحاد التي تستخدمها دول الاستعمار، كأَداة من أَدوات تمزيق وحدة الشعوب، وتشّتيت انتباهها عن مخططات أَعدائها.

* وجاهد الإمام المغيّب، بالوقوف بوجه مشاريع تدمير القيم الأَخلاقيّة للمجتمع، وتمزيق الصفّ الوطني للشعب.

* ودافع الإمام المغيّب، بكلّ قوّة عن حقوق القضية الفلسطينية. (المصدر/ مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات/ بتصرف واختصار من الكاتب).

إِنَّ الفهم العميق، لسماحة السيد مقتدى الصدر، لمشاكل شعبه ووطنه، واستلهامه للقيم الثوريّة الاصلاحيّة، التي خاض تجربتها عملياً مع والده، الامام الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)، إِضافة إلى استشراف المنجزات التاريخية لأَسلافه الكرام، جعل سماحته، ينهل من تجارب السلف الصالح، كلَّ مفاهيم الخيّر وقيَم العطاء، لخدمة الإِنسان والأَوطان.

***

محمد جواد سنبه

لازالت الأوضاع وصمة عار

ما أن تحل ذكرى إحتلال العراق في التاسع من نيسان من كل عام، حتى تنبري أقلام تمجّد الطاغية صدّام حسين وحزبه الفاشي وصولاته الدونكيشوتية، وأخرى تهلهل لهذه الذكرى وكأنّها نقلت العراق من بلد متخلّف الى بلد متطور على مختلف الصعد، فهل حقق الإحتلال الأمريكي للبلاد، أحلام الطرفين..؟ يقول بول بريمر في كتابه (عام قضيته في العراق) والذي سنعتمد بعض الفقرات من صفحاته لنرى إن كانت أوضاع العراق بعد واحد وعشرون عاما، تغيّرت مثلما وعدنا المحتلّون ومن يعتبر إحتلالهم تحريرا، وهل تحقّق قول بريمر وهو يقول لجورج بوش الإبن "لأنني أعتقد أنّ أميركا أنجزت عملا عظيما بتحرير العراقيين...؟" (1) وهل فعلا هزم الأمريكيون النظام البعثي الفاشي أم البلد بأكمله وهو يقول "لكنّنا هزمنا نظاما كريها، لا البلد"..؟(2)

سأحاول في هذه المقالة تناول بعض ما كتبه السيد بريمر في كتابه، والذي هو بالحقيقة ترجمة لسياسة الولايات المتحدة بالعراق بعد إحتلاله، ووعود جذّابة لتغيير ليس واقع العراق فحسب بل المنطقة بأكملها لما للعراق من دور محوري وموقع أستراتيجي كما تقول أمريكا وهي تغزو العراق وتدمّر بناه التحتيّة على ثلاثة مراحل، الأولى خلال حرب تحرير الكويت والثانية خلال فترة الحصار الذي دمّر الإنسان العراقي وأذلّه والثالثة خلال حرب "تحرير" العراق..

حول طبيعة الحكم بالعراق وأختزال السلطة بشخص دكتاتور كصدام حسين، يقول بريمر "وعلى غرار هتلر، كان صدام مقتنعا بأنّ القدر اختاره للعظمة"(3)، وفي مكان آخر يقول "فنحن لم نرسل قوّاتنا الى نصف العالم الآخر لكي نطيح بصّدام حسين ونضع دكتاتورا آخر في مكانه"(4)!! واليوم وبعد واحد وعشرون عاما على إحتلال العراق، نرى أنّ هناك من يؤمن إيمانا كاملا بأنّ المشيئة الالهية هي من أختارته ليكون حاكما بإسم الله كونه مقدّسا ومعصوما، كما وإن أمريكا ومن خلال ما نعيشه اليوم كشعب ووطن، وضعت أكثر من دكتاتور مكان الدكتاتور الذي هرب الى حفرته القذرة كتاريخه وحزبه، والذي كان السبب الرئيس في دمار بلدنا لنرجسيته، ولتستمر مأساتنا ونحن نعيش عهد الفساد والسلاح المنفلت وتعدد مراكز القوى بالبلاد.

يعتبر العراق اليوم بلدا ريعيا بالكامل، إذ لا وجود لصناعات كانت موجودة في العهود العراقية المختلفة والتي أنهارت نتيجة حماقات النظام البعثي وحروبه والحصار الأمريكي للبلاد وتدميره البنى التحتية فيها . والدولة التي أراد بريمر ومن خلفه الإدارة الأمريكية بناء إقتصاد حديث لها، لازالت اليوم كما النظام الإستبدادي البعثي من حيث الفساد، والتي كانت بسبب "إساءة تخصيص الموارد الرأسمالية العراقيّة بصورة متواصلة ومذهلة"، (5) فهل تغيّر الوضع اليوم ونحن شعب مستهلك ومستورد لكل شيء، كل شيء بمعنى الكلمة، وهل قامت سلطة الإحتلال وحكومات ما بعد الإحتلال بتخصيص الموارد الرأسمالية نتيجة إرتفاع أسعار النفط من جهة وزيادة طاقة الإنتاج من جهة ثانية، والتي تفوق موارد دول عديدة من حيث الناتج المحلي بشكل جيد ليتقدم البلد بشكل مذهل ومتواصل...!؟

لقد عزف بريمر على وتر ما جاء به وببلاده من أجله وهو يقول "إنّ من أولى أولوياتنا إعادة إنتاج النفط الخام والوقود ثانية"(6). وفي سياق وصفه لغرفة التحكّم بمصفى الدورة الذي زاره يقول: كانت غرفة التحكّم بمصفى الدورة في ضواحي بغداد تذكّرني بقُمرات القيادة الزائفة بمركبة الفضاء الصاروخيّة في المسلسل التلفزيوني "فلاش غوردون"الذي كنت أشاهده وأنا صبي: أذرع تشغيل وأجهزة قياس بخاريّة وأذرع تدوير يدويّة...!! (7) لقد أوصل ساسة العراق اليوم البلاد بأكملها الى قمرة قيادة زائفة من خلال مسلسل عراقي بائس تحت عنوان (الفساد والعمالة طريقنا للثروة)، والذي يتفنن العاملون فيه بنهب ثروات البلاد، إذ لا مكان حتّى لأجهزة قياس بخارية وأذرع تدوير يدوية متخلّفة اليوم، كون وجودها يعني وجود صناعة ولو بالحدّ الأدنى، وهذا ما لا نملكه بعد أن أنهارت الزراعة والصناعة وأصبحت بلادنا سوقا مفتوحة لبضائع، السيء منها أكثر من الجيّد..

على الرغم من المداخيل الهائلة للعراق نتيجة عودته لسوق النفط بطاقة أنتاج عالية وأرتفاع أسعار النفط، فأنّه ليس بواحد من الأقتصادات الناجحة، كتلك التي كان عليها العراق في أوائل السبعينات كما يقول بريمر والذي أضاف قائلا: "وبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي ذروته بما يزيد على 7.000 دولار في سنة 1980، وهو مع التعليم المجّاني والرعاية الصحية المدعومة، ما جعل العراق بلدا متوسط الدخل ويحظى بالأحترام" قبل أن يبدد الدكتاتور البعثي ثروات البلاد بحروبه الداخلية والخارجية. واليوم وبعد واحد وعشرون عاما من الإحتلال، فأنّ التعليم والصحة والخدمات وعلى غرار عهد البعث كلّها منهارة، والبلد وهو يعيش تدخلات دول مختلفة لا يحظى بالأحترام، وسلطته لا تحظى هي الأخرى بإحترام الشعب العراقي.

المضحك المبكي هو أنّ بريمر يقول: "ذكرت للرئيس أنّ منح العراق بنية سياسيّة مستقرّة لا يتطلب إنشاء مؤسسات ديموقراطيّة فحسب، وإنمّا أيضا إنشاء ما أسميته مؤسّسات (إمتصاص الصدمة) التي تشكّل المجتمع المدني - الصحافة الحرّة، ونقابات العمّال، والأحزاب السياسيّة، والمنظمات المهنية". وأخبرت الرئيس "أنّ هذه المؤسّسات تساعد في وقاية الفرد من طغيان قوّة الحكومة"...!! واليوم نعيش عصر الصدمة وليس إمتصاصها، وقمع إنتفاضة أكتوبر وقتل الناشطين وملاحقتهم، وإستخدام العنف غير المبرر ضد الوقفات والأحتجاجات السلمية والتظاهرات المطلبية، من قبل الدولة وأذرع الميليشيات المسلحة التي تمتلك ثقلا سياسيا في البرلمان والحكومة، دلالة ليس على فشل الديموقراطية التوافقية التي جاء بها المحتل فقط، بل على فشل السلطة وأحزابها في بناء عراق مستقر ومزدهر. إنّ فشل السلطة في إجراء إحصاء سكّاني، وسنّ قوانين إنتخابية عادلة لتكون المنافسة حقيقية بين الأحزاب العراقية، وفشلها في سنّ قوانين تحكم أنشطة الأحزاب وتمنع في أن تكون لها فصائل مسلّحة تهدد بها الناخبين والمعارضين، هو وصمة عار في جبين الولايات المتحدة وجبين حكومات وأحزاب سلطات ما بعد الإحتلال...

("ذات ليلة، شرحت إستراتيجيّتي السياسيّة " السريعة – البطيئة" ووصفت ما دار في حديث مع الجعفري. "أعتقد من أنّه سيوقّع سيّدي الوزير") .

قال رامسفيلد: "جيّد يا جيري، كيف سيكون ردّ الآخرين"؟

فأجبته "لا أعرف على وجه التأكيد بعد، لكنّني أعتقد أنّهم سيركبون القطار أيضا"

صدقت ايها السيّد بريمر، فقطاركم كان دائما مليء بالركاب، والفرق فقط هو شكل ملابسهم وتاريخ وقوف قطاركم في محطّته....

لا يتم محو وصمة العار التي تؤطر حياة شعبنا ووطننا، من خلال صناديق إقتراع تتحكم قوى السلطة بآلياتها وتحدد مخرجاتها ونسبها ولا من مقاطعة الجماهير لها، بل بعودة الروح لإنتفاضة أكتوبر ومشاركة أوسع للجماهير فيها، فكل يوم إضافي من عمر السلطة، يعني مزيدا من التخلّف والإنهيار المجتمعي، وبالتالي إستمرار أوضاعنا الكارثيّة لعقود على الأقل.

***

زكي رضا - الدنمارك

......................

(1) كتاب عام قضيته في العراق للسفير بول بريمر ص 15

(2) نفس المصدر ص 53

(3) نفس المصدر ص 55

(4) نفس المصدر ص 74

(5) نفس المصدر ص 86

(6) نفس المصدر ص 82

(7) نفس المصدر ص 82

 

ندرك جيدا ان نتنياهو يرغب في توسيع دائرة الصراع في الشرق الاوسط، ستة اشهر ولم يحسم بعد معركته في غزة، القطاع المحاصر على مدى 17 عاما، كما انه ومنذ السابع من تشرين الاول اغلقت كافة المنافذ، فلم يعد القطاع يستقبل أي شيء الا وفق رغبة الصهاينة، في حين يتم تزويد العدو بمختلف انواع الاسلحة والذخائر، والدعم اللوجستي من قبل امريكا وبريطانيا وغيرهما. كما ان الحكام العرب المطبعين يقومون بإمداده بالمؤن بريا عقب هجمات اليمن على السفن التابعة للكيان او المتجهة الى موانئه.

اردوغان من جانبه وبعد ان فقد زخمه الشعبي في بعض المدن الكبرى عبر الانتخابات المحلية الاخيرة، قرر وقف تصدير بعض السلع الى الكيان ما يعني انه يصدر اليه مختلف انواع السلع طوال الفترة الماضية، وبالتالي سقطت الشعارات المزيفة التي كان يرفعها بشان نصرة القضية الفلسطينية وقيام الدولة المستقلة.

لا نريد ان نتكلم عن الانظمة العربية فغالبيتها مطبعة مع كيان العدو واي منها لم يقو على طرد السفير منه او يستدعي سفيره لديه، وفي نفس الوقت بعض الانظمة تقوم برعاية المحادثات بين حماس والعدو وتقوم بالضغط على حماس لأجل الهدنة بدلا من الضغط على العدو، أما غير المطبعين فهم لم يقدموا أي شيء يجدي نفعا لسكان القطاع، والمواقف الاعلامية مجرد تهريج ليس الا، لدغدغة الراي العام العربي المصاب بالإحباط وعدم القدرة على توفير قوت يومه.

هذه هي حال العرب اليوم، ايران هي الدولة الوحيدة التي تدعم المقاومين في غزة وتسهل لهم الحصول عليه رغم صعوبة ذلك فالقطاع محاصر بحرا من كيان العدو، اما برا فهو محاصر من قبل نظام الشقيقة الكبرى مصر الذي ينظر الى حماس على انها اخوانية وليست حركة تحرر وطنية .

ايران رغم الحصار الجائر من قبل الغرب وامريكا على مدى 4 عقود الا انها استطاعت توظيف امكانياتها بما يعود عليها بالنفع، ربما شعبها لا يعيش حياة الرفاهية ولكنه على الاقل لا تسطيع قوة خارجية التدخل في شؤونه الخاصة كما انه لا توجد لديه اراضي محتلة من قبل الغير.   

لم يعد امامنا كشعوب عربية مغلوبة على امرها وجمهور مثقفين لم يستطع ان يقدم شيئا يذكر للتعريف بالقضية الفلسطينية الا التوجه بأنظارنا الى ما يمكن ان تقوم به ايران، لأننا فقدنا الامل في قياداتنا العربية المهزومة قبل ان تدخل أي معركة رغم النياشين التي تملأ صدور حكامنا، لان تدخل ايران الجدي سيعيد خلط الاوراق وقد يكون لصالحنا، النظام الايراني بالتأكيد ينظر الى الامور وعواقبها أي انه يتريث في اخذ القرار وفق امكانياته ومدى تحقيق اهدافه والخروج بأبسط الخسائر.

ربما "تخذلنا" ايران وهذا محتمل....على مدى عقود وامتلاكنا لمختلف انواع الطاقة (نفط، غاز) وتخريج الالاف من ابنائنا في مختلف العلوم التطبيقية، الا اننا لم نلج قطاع الصناعات الهندسية الثقيلة (الصناعات الحربية) وذاك سبب وقوعنا لقمة سائغة يتلذذ بها الاعداء.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

الشماتة من الأمور المخالفة للأخلاق الدينية والإنسانية،  وقد حرصت الشرائع جميعها على احترام الميت وإكرامه. وحتى السيئ منهم حثت على إكرامه وعدم التطرق لماضيه السلبي وتجاوزاته في الحياة. ومما جاء في الحديث الشريف على لسان القائد الأعظم ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم "اذكروا محاسن موتاكم".

لكن ما رأيناه من قادة دولة الاحتلال ومن القوى السياسية من شماتة ومن فرح وسرور حين يموت أحد الزعماء الفلسطينيين أو القادة أو المؤثرين على مدى عقود منذ قيام دولتهم المزعومة، أقل ما يمكن وصفه بالشيء اللاأخلاقي.

فعلى سبيل المثال عندما رحل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قامت بعض القيادات اليهودية من شدة فرحها بالخبر "بالرقص على السطوح".

وقال وقتها "يحائيل حزان" وهو أحد زعماء حزب "الليكود" والذي كان قد وصف الفلسطينيين "بالديدان" وأنه "يحمد الله على موت عرفات".

كما قامت ما تسمى ب "دور العبادة" في مناطق مختلفة من بينها مستوطنات غلاف غزة بتأدية ما سموه "صلاة الشكر على موته".

فأية أخلاق هذه وأي نهج متخلف ولاحضاري ممن يدعون الحضارة؟ وأين ما تنادي به كتبهم الدينية التي ورد بها توصيات مثل " حين يموت الشخص يقال عنه الكلمات الإيجابية" وكذلك " في موت عدوك لا تفرح"؟؟

واليوم في حربها على غزة،  استهدف جيش الاحتلال ضمن عملية اغتيال مخطط لها مسبقا مع جهاز الأمن الداخلي"الشاباك" عن طريق طائرة حربية تابعة لسلاح الجو، يوم عيد الفطر الموافق ٨/نيسان/٢٠٢٤ سيارة تقل ثلاثة من أبناء رئيس حركة حماس السيد اسماعيل هنية مع أطفالهم يتنقلون لأداء صلة الرحم وتهنئة السكان بمناسبة عيد الفطر المبارك.

وقد ادعت دولة الاحتلال كاذبة بأنهم كانوا في طريقهم لتنفيذ نشاط مسلح وسط قطاع غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه،  كيف لآباء اصطحاب صغارهم وعندهم نية القيام بعمل مسلح؟؟

وكان قد ورد تصريح يحمل الكثير من الحقد والشماتة لعضو الكنيست "ألموغ كوهين" قال فيه "إنه تلقى خبرا ممتازا باغتيال ثلاثة من أبناء هنيةواثنين من أحفاده".

كما علق وزير المالية اليهودي "بتسئيل سموتريتش" على خبر الاغتيال وهنأ الجيش بالعملية قائلاً "لا أحد من قادة حماس بمنأى عن يد الجيش الطويلة".

وهنا لا يسعنا إلا أن نقول أن ما حصل هو قدر الله وحكمته وتفضيل قوم على قوم باختيارهم شهداء ابرار إلى جواره تعالى.

والايام يا أعداء الله تدور فلا حزن يدوم ولا سرور،  من مات منا شهيد في الجنة بإذن الله، ومن مات منكم فهو فطيسة وحطب لنار جهنم.

"يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد"

***

بديعة النعيمي

 

(1980- 2017)

لم يكن التاسع من أبريل، نيسان عام/ 2003 يوماً عادياً، بل كان يوما مفرحا عند الكثير من العراقيين، ومظلما لدى القلة من أزلام النظام البعثي والمستفيدين والنفعيين من النظام السابق، وهو اليوم الذي أعلن فيه الاستيلاء على العاصمة بغداد من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، وبمساعدة وخيانة كبار ضباط الجيش العراقي السابق في الحرس الجمهوري الخاص والمرتزقة المحترفين، بعدما انسحب كثير من الضباط والجنود الذين شاهدوا هول الصدمة وضعف الامكانيات وعدم القدرة على المواجهة، وإن الموضوع ذاهب نحو الخسارة، بعد أن دخل الامريكان على خطوط الاتصال لكثير من القادة.

كانت أيام 3 -5 أبريل/ نيسان أياما حاسمة في- معارك بغداد- إذ سارت الدبابات الأمريكية من جنوب بغداد إلى طريق الدورة ومسجد أم الطبل وطريق المطار والجانب الغربي من منطقة الرضوانية إلى مطار بغداد الدولي، مدعومة بغطاء جوي كثيف، بالإضافة إلى القدرة العسكرية الأمريكية الهائلة على استخدام الهجمات الجوية لمناورة القوات وإرباك القوات المدافعة.

- تم إنزال المظليين في مناطق جسر ديالى وجسر دجلة وأبو غريب السريع، وبإبقاء طريق الراشدية مفتوحا للهرب من بغداد، تعطلت القوات المدافعة عن بغداد بسبب صعوبة حركتها، فيما فتح الباب أمام استهداف القوات المتحركة والتأثير من خلالها، وتعرضت لهجوم من قبل الطيران الأمريكي.

- كان أول تماس للقطعات الأمريكية داخل مدينة بغداد على طريق الدورة أم الطبول، حينما استخدمت سياسة الأرض المحروقة برمي كل ما يتحرك أمامها، رغم المواجهة الشرسة التي حصلت مع الحرس الجمهوري الخاص والأمن الخاص المتواجدين في المنطقة، حيث تم إعطاب عدد من الدبابات والمدرعات المتقدمة، على رغم الغطاء الجوي لها، وانكشاف المدافعين إلا أنه استمر الرتل باتجاه المطار ليلتقي من هناك بالرتل القادم من الرضوانية لتحصل أشرس معركة هناك، استمرت ثلاثة أيام ما بين كر وفر استخدمت فيها القنابل المحرمة دوليا من فسفور وقنابل عنقودية وقنابل تكتيكية، ليعلن السيطرة على المطار ويستقر الجيش الأمريكي داخله.

- رغم حجم الخسائر البشرية التي تكبدها المحتل أول الأمر لكنه اندفع صبيحة يوم الأثنين 7 نيسان إلى عمق العاصمة بغداد، ومن خلال طريق المطار وصولا إلى القصر الجمهوري وساحة الاحتفالات ليتمركز فيها طيلة ذلك الوقت.

- وجاء الإعلان عن الاستيلاء على بغداد في 9 أبريل/ نيسان 2003 بعد أن وصلت الدبابات إلى ساحة الفردوس في مشهد دراماتيكي مثير وإسقاط تمثال رأس النظام هناك، وسط نقل مباشر للحدث عبر فضائيات العالم ساهمت فيه معظم القنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة والعربية وغيرها، السقوط الذي أفرح الملايين من العراقيين الذين ذاقوا ويلات الحروب التي خاضها دكتاتور العراق 1980-2003، ضد جيرانه... حينها اختفى رأس النظام وبطل التحرير الوهمي (صدام حسين المجيد) عن الأنظار.

- عملية الفجر الأحمر أو القبض على صدام حسين (بالإنجليزية: Operation Red Dawn)‏، هي عملية عسكرية قامت بها الولايات المتحدة وألقي القبض فيها على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 13 كانون الأول/ ديسمبر/ 2003 في قضاء الدور في مدينة تكريت/ محافظة صلاح الدين بالعراق، نتيجة خيانة أحد المقربين له لقاء جائزة ثمينة تلقاها من الأمريكان.

- هناك من يقول: من أوشى برئيس النظام السابق، توجد روايتين أحدهما مضيفه قيس النامق واخوه، وثانيهما عقيد محمد الابراهيم وكلاهما ليس بسبب المال، وانما بفعل الضغط والتحقيق الذي وصل الى النساء والتهديد بالأعراض، وفق ما رواه لي أحد مقربيهم، رغم عدم قناعتي بهما.

- دخلت قوات الاحتلال إلى بغداد مستخدمة سياسة الأرض المحروقة واستخدمت القوة المفرطة ضد كل من يتحرك أو يحاول القيام بأي إجراء.

- احتفل العديد من العراقيين بسقوط النظام وإسقاط تمثال الدكتاتور وسط العاصمة بغداد.

- بدأت عملية الفرهود وسرقة الموارد الحكومية والتخريب وحرق الممتلكات من قبل بعض اللصوص وضعاف الوطنية.

- وقعت العديد من عمليات القتل والاغتيالات بحق الأكاديميين والطيارين وأساتذة الجامعات والقادة والعسكريين والرموز الوطنية والدينية في جميع محافظات العراق، وهرب من هرب منهم الى أقليم كردستان العراق، أو الى دول الجوار (سوريا والأردن) بمن فيهم عائلة الرئيس وأبناء عمومته.

- هرب جميع قادة الحزب الكبار من بغداد ومن مدنهم في المحافظات العراقية، ولبس البعض منهم العباءة النسائية من أجل التخفي خوفا من انتقام الجماهير الغاضبة منهم.

- ابتهج كثير من الناس بالفاتح، وأطلقوا عليه اسم الجيش الصديق أو جيش التحرير، واحتفلوا بيوم سقوط بغداد، بل وجعلوه عطلة رسمية، في بداية الآمر.

- بعد أن أصبح الاحتلال واضحا، تصاعدت المقاومة من قبل الوطنيين ورجال الدين من مختلف المجموعات العرقية، وأصبحت مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار أول مدينة تنهض بعد الاحتلال... في 1 يناير، كانون الأول عام /2014 هاجم مسلحو ثوار العشائر (المتمردون السنة) مراكز الشرطة المحلية في قضاء الفلوجة وسيطرو عليها دون مقاومة، بعدها أعلن تنظيم داعش عبر مكبرات الصوت في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار سيطرته الكاملة على المدينة وطلب من العشائر السنية الانضمام اليه لمواجهة القوات العراقية.

وكانت مدينة الفلوجة خلال حرب العراق الأولى المعقل الرئيسي لجميع التنظيمات السنية المتطرفة كتنظيم القاعدة، وقد شكل سقوطها هذه المرة مشكلة كبيرة للحكومة العراقية بسبب موقعها الاستراتيجي القريب من العاصمة بغداد ومطارها الدولي.

- كما ان معركة الفلوجة الاولى كانت بسبب عدم التزام القوات الامريكية بالاتفاق مع الاهالي ببقائهم خارج المدينة، فتمركزوا بأحد المدارس وحصلت مظاهرات، ردوا عليها بقوة وقتل عدد من المتظاهرين، فرد الاهالي على احدى سيارات الشركات الامريكية وقتلوا وحرقوا 4 منهم وعلقوا جثثهم على الجسر الحديدي..لتندلع بعدها معركة الفلوجة.

لم يكن تنظيم القاعدة اول الامر لهم دور كبير، وكان - مجلس علماء الفلوجة - صاحب القرار، وكان (عبدالله الجنابي وعمر حديد) من ابرز الوجوه اضافه الى قاده وضباط من الجيش والحرس الجمهوري المنحل ابرزهم (جاسم الفلاحي).

- حدثت معارك ضاريه في احياء الجولان والصناعي، وتكبدت على أثرها القوات الامريكية خسائر فادحة ولم تستطع الدخول للمدينة، ليتم ايقاف القتال بعد مفاوضات قاسيه، تم بعده تسليم المدينة الى ابنائها وكانت فصائل ثورة العشرين والجيش الاسلامي وابناء العشائر والقوات المسلحة وحتى فدائيين عرب وغيرهم.

اما المعركة الثانية نعم اختلفت الموازين عندما دخلت القاعدة وصَفت القيادات الحقيقية للمقاومة انسحب وانكفئ اغلب المقاومين لانهم بدأوا بقتل وتصفية المنتمين لأجهزة الدولة ومن يعمل مع الامريكان، وهذا ما كان مرفوضا عند المقاومة من ابناء البلد.

- كذلك التيار الصدري الشيعي يعلن الحرب على المحتل ودارت هناك معارك طاحنة في محافظات وسط وجنوب العراق ومنها معركة النجف الشهيرة: هي نزاع عسكري مسلح اندلع في 4 نيسان 2004 واستمر بشكل متقطع حتى شهر آب من العام نفسه بين التيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي، الذي يرأسه مقتدى الصدر نجل المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الداعمة لها في مدينة النجف وسط العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق.

- اشتعلت شرارة المقاومة العسكرية المسلحة في معظم المناطق ضد الاحتلال، خاصة في المنطقة الغربية وفي منطقة تعرف بالمثلث السني (مثلث الموت). وكانت المقاومة في البداية عرقية بحته.

- استمرت الحرب عدة سنوات، حيث تغلغلت الجماعات الإسلامية المتطرفة في جماعات المقاومة الشعبية وأشعلت حروبا طائفية أحرقت البلاد وخلفت آلاف الشهداء والمشوهين والجرحى والنازحين. فهؤلاء أديانهم قائمة على تكفير وقتل وانتهاك حرمة من يخالفهم متى ما سنحت لهم الفرصة، وقد سنحت لهم الفرصة هذه الفترة، ولكن تحت مراقبة عدسات الكاميرات المتوفرة في كل مكان، والتي تنقل كل ما يفعلون من جرائم، والعالم يشهد هذه الجرائم ويشاهدهم أيضا، وهم يبررونها بأنها من الإسلام السني، أو جزء من قانون الإيمان عندهم باعتبار أنها مستندة لنصوص أو لتصرفات الحكام الذين يقدسونهم، مثل إحراق الإنسان وهو حي، فقد فعلها أبو بكر البغدادي وكررها السلفيون من بعده، وطبعا هذا جعل كثير ينفرون من دينهم، فبعض السنة شكلت لهم هذه التصرفات صدمة لم يتمكنوا من استيعابها فتوجهوا أما إلى دين آخر أو للإلحاد.

- حدثت جرائم قتل جماعي وتفجيرات باستخدام أقوى أنواع المتفجرات وأكثرها فتكا، وتدمر شوارع بأكملها ومناطق سكنية مأهولة وأسواق مزدحمة في المناطق الشيعية حصرا، وتهجير عائلات ومجمعات سكنية.

- اما الحرق والقتل بالنار ومجزرة سبايكر في يوليو، حزيران/ 2014 ومن قام بها هم طائفه من أهل السنة تسمى - السلفية الجهادية - او التكفيرية، وحتى هناك نوع من السلفية تسمى بالمرجئة رفضوا مقاتلة الامريكان لانهم يقولون: المفروض ان نصلح حالنا اولا ونوحد قوتنا، ومن ثم نتوجه للمحتل.وهو يحملون افكار الداعية السعودي (محمد عبد الوهاب الحنبلي 1703- 1792) ومن امثلتهم (محمد الخضير) او ما يسمى ابو المنار العلمي.

- رفض أغلب أهل السنة والجماعة الدخول بالعملية السياسية لأنها كانت مبنية على أسس طائفية وأنها من صنع الاحتلال ورفضوا الدستور بأغلبية ولم ينتظموا سياسيا إلا في عام/2010.

- العملية السياسية لم تكن تسير بانتظام والاحتقان الطائفي كان على أشده، وقد ولد نزعه لدى المناطق الغربية بالظلم، مما أدى إلى مظاهرات للمطالبة بالحقوق ما لبث أن استغلت واخترقت من تنظيمات متطرفة أحرقت المدن ودنست المناطق وقتلت كل من يختلف معها فكرا وممارسة.

- اختفت التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش (2014- 2017) بعد أن خلفت وراءها مدن مهدمة وآلاف الشباب المفقودة، وآلاف العوائل النازحة، وآلاف القتلى والأيتام، وسيطرة فصائل مسلحة من الحشد الشعبي من المناطق المحررة نفسها وبمساعدة قوات من الحشد الشعبي القادمة من وسط وجنوب العراق، نتيجة فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد السيستاني.

- فتوى الجهاد الكفائي: هي فتوى شرعية أوجبها المرجع الديني علي السيستاني بتأريخ 13 حزيران 2014 على مقلديه في الأحكام الشرعية من المسلمين الشيعة، في العراق دون غيره من البلدان، للتصدي ومحاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذين أسقطوا عدداً من المناطق في غرب وشمال غرب وشمال شرق العراق.

- اليوم عاد الوضع إلى الهدوء النسبي واقتنع الجميع بعدم المسير منفردا رغم كل المحاولات للاستقواء باستعمال صيغ التهديد والتلويح واتباع الطرق الملتوية أحيانا.

- ما زالت العملية السياسية لا تسير وفق الديمقراطية الحقيقية وكل طرف يحاول مسك زمام الأمور ووضع الطرف الآخر تحت مظلته.

وأخيرا: في كل ظهيرة يوم جمعه يصعد المنابر رجال معممون يدعون إلى الزهد والتقشف وينادون بأعلى أصواتهم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم: يتناول التمر، ويشد الحصى على بطنه من الجوع، والخليفة الثاني عمر (رض) كان يلبس ثوبا مرقعا، وسيدنا علي عليه أفضل السلام لم يكن لديه مال ولا دار، ويطالبون الناس بالتحلي بالرسول وإله واتباع نهجه وسنته والعمل بما فعله أصحابه وسلفهم وحالما تنتهي الصلاة، ويتدنى من المنصة ينسى كل ما ذكره، ويعلو سيارته الفارهة ويذهب بها إلى وليمة الطعام التي كانت معده له مسبقا، لتناول ما لذ وطاب من الغذاء والحلويات على حسب مبدأ كل بيمينك وكل ما يليك، والمؤمنون حلويون، وما فات وافته المنية.

وكما قال العالم المصري البروفيسور ( فاروق الباز 1938):

* تخيلوا لو أننا لا نسمع فيروز لأنها أرثوذكسية!.

* ولا نعترف بنزار قباني كشاعر لأنه شيعي علوي!.

* ونمحو السياب من الذاكرة لأنه سني!.

* ولا نقرأ لمحمد الماغوط لأنه إسماعيلي!.

* ولا أدونيس وبدوي الجبل لأنهما علويان!.

* ولا ندرج فارس الخوري في كتب التاريخ لأنه مسيحي!.

* أو سلطان باشا الأطرش لأنه درزي!.

* ونتحفظ عن الضحك ونمتنع عن الفرح لأن دريد لحام شيعي!.

* غاندي إلهم الكثير من الأحرار وهو هندوسي!.

* آينشتاين أعطى الكثير من العلم للبشرية وهو يهودي!.

فلماذا لا تقاطعون شركة آبل.. ماكنتوش، حواسيب، جوالات، لابتوبات.. لأنها من اختراع رجل لا ينتمي لدينكم ؟ كفوا عن مقاطعة الإنسان، و قاطعوا الشر داخلكم الذي يحرمكم من هويتكم وتراثكم ومن علمكم، العلوم ترجمها العرب عن اليونان و لم يقاطعوها لأنها وثنية!.

لا تغيروا أديانكم، لا تخونوا طوائفكم لكن، احترموا الآخر وحقه في الحياة.. احترموا الإنسان لتنعموا بالأمان.. أيها العراقيون.

***

شاكر عبد موسى / العراق

كاتب وأعلامي

 

برستيج: الطريقة الصحيحة المهذبة للتعامل واللباقة بالتصرف، والأسلوب الأمثل في مراعاة قواعد السلوك للحفاظ على الصورة المشرفة التي تستوجب الإحترام.

لا تنطق بالحقيقة لأنها تجرح البرستيج!!

السياسة ربما هي فن إجادة مهارات الكذب، ووفقا لمنطلقات كتاب الأمير لميكافيلي، وبموجب ما تم التعارف عليه في وسائل الإعلام أثناء الحرب العالمية الثانية، التي أكدت أن تكرار الأكاذيب يساهم في تحويلها إلى حقائق راسخة، وصدق مطلق، لا يقبل المحاججة.

وفي زمن الإنفجار الإعلامي والتواصلي السريع بين البشر، أصبح من اللازم أن يكون الكذب سيد المواقف وقائدها، فبواسطته تتحول الملايين إلى حالة واحدة، وقوة قادرة على تحقيق مآرب مبرمجها ومروضها لإنجاز أهدافه بإرادتها المسلوبة، وعقلها المفقود.

وعندما تستمع لقادة العالم، تجدهم يتكلمون وفقا لآليات الكذب المدروسة بعناية فائقة، والساعية إلى تمرير نوايا الذي ينطقها ويجتهد في ترويجها وإصطياد الناس بها.

وهذه لعبة معقدة أعطت أكلها في الدول الديمقراطية الداعية للحرية وحقوق الإنسان، وما تقوم به هو تدجين وترويض البشر ليكون أعمى البصيرة، ومشحون بالعواطف والإنفعالات، وفيه أجيج إندفاعي نحو الهدف الذي تمكن منه وإستحوذ على مداركه ورؤاه.

فالملايين يمكن إختصارها بواحد أو ببضعة أفراد، إستوجب تفعيلهم على أنهم يمثلون الملايين المقبوض على مصيرها بالخداع والتضليل، والترويج الإعلامي الكاذب، وفقا لنظريات وقوانين سلوكية تمتلك النفوس والعقول وتصنع الرأي المطلوب.

فالصدق يتسبب بأضرار بالغة لمقام وهيبة الدول والقوى المهيمنة، ولا بد من الكذب المنمّق المعد بدقة وعلى ضوء النظريات والقوانين التفاعلية القادرة على خداع الملايين وترويضهم، ورميهم في ميادين السمع والطاعة والتبعية والخنوع، وهم المتوهمون بأنهم يعبّرون عن رأيهم، وما هم إلا صدى لرأي زرع في رؤوسهم وتمكن من القبض على بصائرهم.

وتلك لعبة الديمقراطية في مجتمعات الكرة الأرضية!!

"ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون"!!

***

د. صادق السامرائي

على مر التاريخ، لعبت الجدران دورا مهما في تشكيل الحضارة الإنسانية. من التحصينات القديمة إلى الحواجز الحدودية الحديثة، تم استخدام الجدران لأغراض مختلفة، بما في ذلك الدفاع والأمن والفصل. يعد تاريخ الجدران موضوعا معقدا ومتعدد الأوجه تطور عبر آلاف السنين ولا يزال يؤثر بشكل عميق على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. سنستكشف في هذا المقال السياق التاريخي للجدران، والشخصيات الرئيسية، وتأثيرها على تاريخ البشرية، بالإضافة إلى تحليل الأفراد المؤثرين الذين ساهموا في مجال دراسة تاريخ الجدران. سنناقش أيضًا وجهات نظر مختلفة حول الموضوع وننظر في التطورات المستقبلية المحتملة المتعلقة بالجدران.

تم استخدام الجدران منذ آلاف السنين لحماية المدن والحصون والمواقع المهمة الأخرى من الجيوش الغازية والتهديدات الأخرى. في العصور القديمة، كانت الجدران غالبا ما تُبنى من الحجر أو الطوب أو غيرها من المواد المعمرة، وكانت مصممة لتكون طويلة وسميكة وغير قابلة للاختراق. ومن أشهر الأمثلة على الأسوار القديمة سور الصين العظيم، الذي تم بناؤه على مدى عدة قرون لحماية الإمبراطورية الصينية من الغزوات البربرية. ويعد السور العظيم شاهداً على براعة وعزيمة الأشخاص الذين بنوه، فضلاً عن أهمية الجدران في الحفاظ على الأمن والاستقرار.

وفي العصور الوسطى، أصبحت الجدران أكثر تفصيلا وتطورا، مع بناء الحصون والقلاع والخنادق الضخمة. تم تصميم هذه الهياكل لتحمل الحصار والهجمات التي تشنها قوات العدو، وغالبا ما كانت بمثابة رموز للقوة والسلطة. شهدت فترة العصور الوسطى أيضا تطور أسوار المدينة، التي أحاطت ببلدات ومدن بأكملها ووفرت الحماية لسكانها. غالبا ما كانت هذه الجدران مزينة بالبوابات والأبراج وغيرها من الميزات الدفاعية، مما يجعلها عملية وزخرفية.

خلال عصر النهضة وأوائل العصر الحديث، بدأت الجدران تفقد أهميتها العسكرية حيث جعلها التقدم في المدفعية والتقنيات الأخرى أقل فعالية كهياكل دفاعية. ومع ذلك، استمر استخدام الجدران لأغراض أخرى، مثل وضع علامات على الحدود، والسيطرة على الهجرة والتجارة، والحفاظ على النظام الاجتماعي. كان بناء سور برلين في القرن العشرين بمثابة تذكير صارخ بالتكلفة البشرية للجدران، حيث أدى إلى تقسيم الأسر والمجتمعات والبلدان لعقود من الزمن قبل سقوطه في نهاية المطاف في عام 1989.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الجدران قضية مثيرة للجدل في المناقشات الدائرة حول الهجرة، والعولمة، والأمن القومي. أثار بناء الحواجز الحدودية في دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والمجر معارضة شرسة من المنتقدين الذين يزعمون أن الجدران غير فعالة ومكلفة وغير إنسانية. ومع ذلك، يرى أنصار الجدران أنها ضرورية لحماية السيادة الوطنية، والسيطرة على الهجرة غير الشرعية، والحفاظ على السلامة العامة في عالم متزايد الترابط. وقد أدى الوباء العالمي الحالي أيضا إلى زيادة الاهتمام بالجدران كوسيلة لاحتواء انتشار الأمراض المعدية والتهديدات الأخرى.

وفي الختام، فإن تاريخ الجدران هو موضوع رائع ومعقد ساهم في تشكيل الحضارة الإنسانية بطرق عميقة. من التحصينات القديمة إلى الحواجز الحدودية الحديثة، لعبت الجدران دورا رئيسيا في الدفاع عن المجتمعات، وتحديد الحدود، والحفاظ على النظام. في حين أن الجدران لها جوانب إيجابية وسلبية، فإنها لا تزال تشكل مصدرا للجدل والنقاش في العالم الحديث. وبينما نتطلع إلى المستقبل، سيكون من المهم النظر في الدور المتطور للجدران في مشهد عالمي سريع التغير وإيجاد سبل لتحقيق التوازن بين الشواغل الأمنية والقيم الإنسانية. ومن خلال دراسة تاريخ الجدران، يمكننا الحصول على رؤى قيمة حول التحديات والفرص التي تنتظرنا في السعي لتحقيق السلام والأمن والتفاهم المتبادل بين الأمم والشعوب.

***

محمد عبد الكريم يوسف

...............................

المراجع

- Jones, A. F. (2015). The Great Wall: A Cultural History. Harvard University Press.

- Smith, J. K. (2010). Walls and Borders: A Global Perspective. Wiley-Blackwell.

- Patel, R. S. (2019). Beyond the Wall: Rethinking Borders and Security in the Twenty-First Century. Stanford University Press.

 

الشعب السوداني الذي همعت جفونه، وفاضت دموعه، جراء الجشع الدنيء، الذي تفاقم شره، واستطار أذاه، من قبل بعض التجار الذين لهم قلوب أقسى من الصّوان، وأفئدة أصلب من الجلمود، على الكادح الذي أضحى قبلة للنوائب، وعرضة للمصائب، هذه الفئة التي مرضت أهواؤها، وسقمت ضمائرها، حتماً سوف تهتبل هذه الفرصة التي أتاحها لها حصيف الحُجى وزير المالية الذي أظهر الخفي، وأعلن الممضمر، عن اقتصادنا الذي نكصت رايته، واستبهمت علامته، بعد أن وعرته جوانح الحرب، وطافت به مُلِمّات الأزمة الاقتصادية العالمية.

والمواطن الذي أرتاع قلبه، ونحب فؤاده، ظلّ يرقب تصرفات من لا يحجزه تقى، ولا يردعه نهى، التاجر الجشع الذي يسلك طريقاً معور، وأثراً مجهولاً، والذي لا يحتفي إلا بالمادة التي تربطه بها آصرة أبدية، وأخيةُ مستحكمة، وغفل عمّن نبا عصب صبره، وانتكت مرائره، فالشعب الذي أيبس الفقر عوده، وهّشم الغلاء فقاره، لن يظل دوماً راضياً بما قُدِّر له، ويسكن أبداً إلى ما قُسِمَ إليه، فالحزب الصمد الذي شاع حُسن الذكر له، وذاعت المحامد عنه، والذي اشتُهِرَ بنزاهة النفس، وحصانة اليد، وظلافة الهمة، يجب أنّ يخفض رفعة هذا التاجر، ويكبح تطاوله، فالتاجر الذي لا يخشى في المواطن إلاً ولا ذمة، سوف يجد في رفع الدعم عن المحروقات بلاغاً إلى مبتغاه، وسبيلاً إلى متوخاه، فصاحب الداء العُضال، والعياء المستشري، سوف يعمد إلى الأسعار فيقفز بها حتى تصل السحاب الجون، ولن تحرك الدولة المشبل صاحبة النظرة الثاقبة، والتدبير الموفق، ساكناً لنجدة من همد صوتُه، وسكنت حركاتُه، فسياسة التحرير تمنعها عن ذلك. إنّ صرعى الفاقة، وطرائد المرض، الذين حزبهم الأمرُ، وشجنهم الحال، لا يتوقون لأن تخمد جذوة الغلاء، وينطوي عهد الشره، ولكنهم يتطلعون لأن تكون رواتبهم التي ينالونها نظير السعي الدائب، والجهد المضني، مجزية حتى تصمد إذا أسرفنا في التفاؤل لمدة تربو عن الأسبوعين من صرف الراتب، كما تطمح تلك الطائفة التي تكابد الأين، وتعالج اللغوب، أن تسعى الظئر العطوف حكومتنا الرشيدة لتوفير كل السلع الضرورية في أماكن البيع المخفض، فالغلاء الذي أنطق لسان الأبكم يجب أن تتضافر كل الجهود لكف ضلاله، وكبح شروره.

***

د. الطيب النقر

 

قبل ثلاثة اسابيع؛ مرت علينا ذكرى الغزو الأمريكي للعراق في 19 مارس 2003. غزت أمريكا العراق عن سابق تخطيط وإعداد، لا كما يقول الأمريكيون، من أنه كان خطأ. كما أنه ليس بدفع من المحافظين الجدد على أهمية موقف هؤلاء من الغزو أو الدفع للتسريع به، الحقيقة أن عملية الغزو هي جزء من مخطط كوني أمريكي، وهذا هو ما أثبتته كل الأحداث التي تلت الغزو، سواء في العراق أو في المنطقة العربية.

أمريكا بغزوها هذا لم تسقط النظام فقط، بل إنها بتصميم مسبق دمرت الدولة العراقية بصورة كاملة.. وغيرت البيئة الجغرافية له؛ باستخدام غاز (الكيمتريل)، سواء في حربها عليه عام 1991، أو في عملية الغزو التي انتهت باحتلاله، إضافة الى استخدامها لليورانيوم المستنفد. استخدامها للأسلحة المحرمة دوليا؛ هو ما يفسر التصاعد المرعب لعدد المصابين بالسرطان في العراق. والأكثر رعبا لحاضر الشعب العراقي ومستقبله، والأكثر إجراما بحقه؛ هو استخدام أمريكا لتقنية (الكيمرتيل) حتى بعد احتلالها العراق ولسنوات.. هذه التقنية أثرت في مناخ العراق. الولايات المتحدة تريد تدمير العراق ليس حاضرا فقط، بل مستقبلا أيضا فقد خططت وتخطط لتجريده من كل مقومات وأسس التطور والتنمية؛ لإخضاعه لها ولسياستها، سواء في المنطقة العربية أو على المستوى الإقليمي. هذه التقنية وبالذات على المستوى العسكري، وعلى مستوى جغرافية الأرض في أي دولة في العالم؛ ستسبب كوارث بيئية، فهي وكما يقول خبراء الشأن العسكري العلمي؛ إنها ستكون مستقبلا بديلا عن السلاح النووي، الولايات المتحدة الأمريكية، سوف تجر العالم إلى سباق تسلح بين القوى العظمى في العالم؛ أي أنها بؤرة ومركز الخطورة على كل شعوب الأرض. تقول أمريكا إنها تسعى مع الحكومة العراقية إلى تطوير العلاقات بينهما، بما فيه مصلحة الدولتين، أي نفاق وأي فرية وأي كذبة هذه التي تقول بها أمريكا؛ وهي تستخدم تلك التقنية على الأرض العراقية؛ حتى تجرده من مقومات قوته، في الزراعة والبيئة. السؤال المهم هنا ماذا تريد أمريكا من العراق؟ هل تريد له أن يكون تابعا لها إلى الأبد؟ وهل تريد له أن يستمر بالاعتماد على النفط والغاز فقط كما هو حاصل بسبب البيئة في دول الجوار العربية. الولايات المتحدة تخطط للسيطرة على العراق إلى آماد بعيدة جدا؛ عبر هذه الوسائل وغيرها الكثير مما يقع في الاتجاه ذاته. وفي مقال كتبه مؤخرا، الدكتور جاسم يونس الحريري: (في ‏28‏ يناير‏1991‏ قامت الطائرات الأمريكية بإطلاق غاز(الكيمتريل) فوق العراق، بعد تحميله بالسلالة النشيطة من الميكروب المهندس وراثيا لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، للاستخدام في الحرب البيولوجية، وذلك بعد أن قامت واشنطن بتطعيم الجنود الأمريكيين باللقاح الواقي من هذا الميكروب قبل إرسالهم لميدان المعركة). وفي ‏محاضرة ألقاها الكولونيل تامزي هاوس أحد جنرالات الجيش الأمريكي ونشرت على شبكة معلومات القوات الجوية الأمريكية، كشف فيها أن الولايات المتحدة ستكون قادرة في عام 2025 على التحكم في طقس أي منطقة في العالم عن طريق تكنولوجيا عسكرية غير نووية، يتم إطلاقها من خزانات ملحقة بالطائرات النفاثة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تسعى لاستخدام تقنية الكيمتريل كجزء من أدواتها الرئيسية للحروب المستقبلية. مشروع (الدرع لتبريد الكرة الأرضية بالهندسة الجغرافية والمناخية)، بدأت أمريكا في استخدامه في حروبها الخاصة، الأخطر أن إسرائيل حصلت على تلك التقنية، التي تجعل الأسلحة النووية بجوارها صفرا على الشمال، وربما يكون حصولها على «الكيمتريل» وراء موافقتها على تفتيش منشآتها النووية والموافقة على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. عالم الهندسة الجوية العراقي وخريج إحدى الجامعات الروسية البروفيسور نوري القيسي، يشير إلى حقيقة أخرى، فهو وبعد طول دراسة وبحث تأكد أن سبب تلك الظواهر البيئية الجوية في العراق، التي ميزته عن محيطه الدولي هو مادة (الكيمتريل). وكل عراقي يعرف هذه القضية، لكنه يفتقد الوعي بها، فمنذ سنوات ونحن نشاهد الطائرات المحلقة في أجواء العراق تنشر غازا أبيض بشكل كثيف فوق المناطق العراقية، وهذا الغاز يتكاثف ويتزايد حجمه، ويأتي بعده يوم مغبر حار جاف، وشتاء العراق لعام 2010 شاهد على هذا الأمر، فقد قمت بمتابعة القضية وصورت كل المرات التي حلقت بها تلك الطائرات، ونشرت سمومها ليتحول مناخ العراق إلى الجفاف والحرارة، وإلا فمن يصدق أن العراق بلد المطر (بارد ممطر شتاء) كما تقول العلوم الجغرافية، التي يدرسها العراقي منذ الأزل، يتحول إلى جاف حار شتاء، وحتى تاريخ 10/12/2010 والسماء لم تنزل قطرة مطر واحدة على العراق، ولا تزال درجة الحرارة تراوح عند 22 ـ 27 درجة مئوية) انتهى الاقتباس. أمريكا على خطأ تماما؛ إذ تتصور أن بإمكانها من خلال هذه الوسائل الإجرامية، كما في غيرها؛ أن تتحكم بمصير العراق شعبا ودولة وأرضا وسماء، إنها واهمة بالكامل؛ لأن شعب العراق لا يعرف الرضوخ والتبعية، وسيخرجها عاجلا أو آجلا من أرضه وسمائه.. لقد مرت على أديم أرضه في عصور وأحقاب مختلفة؛ سنابك خيول الغزاة، لكنها في نهاية مشوارهم الاحتلالي والإجرامي؛ خرجوا بخفي حنين من دون ان يحصلوا على ما خططوا للحصول عليه؛ من نهب واستغلال لثرواته. كما أن الشعب العراقي فيه الكثير جدا من المفكرين والباحثين عن الحقيقة؛ الذين يعرفون تماما ما تريد أمريكا من وطنهم، وفي كشف وإماطة اللثام عن كل ما تخطط وتنفذ أمريكا من جرائم. الولايات المتحدة الأمريكية، بسياساتها هذه؛ تسحب كل العالم للدخول مجبرا إلى أتون نيران جديدة؛ تسلب منه الأمن والاستقرار والسلام، سواء حاليا كما هو جار، أو في المستقبل المنظور والمتوسط والبعيد؛ بفتحها مجالات جديدة بالإضافة إلى القديمة؛ لسباق تسلح جديد بين القوى العظمى في العالم. الأمريكيون أكثر من اي دولة عظمى؛ تتحدث عن حقوق الإنسان وعن السلام والتنمية والاستقرار في العالم، بينما الحقيقة هي عكس هذا تماما. القوى العظمى وليس أمريكا وحدها؛ كل همها هو بقاؤها كدول عظمى، وبما يكفل لها البقاء متسيدة على العالم، وتمسك بكل مفاتيح التحكم فيه. أمريكا بفعل إمكانياتها وقدراتها؛ تدفع الدول الكبرى إلى سباق تسلح يختلف مع اختلاف العصر، كما حصل في الحرب الباردة، وكما هو حاصل فعليا في الوقت الحاضر. جل الشعوب ودول العالم، هما الضحية لهذه التطورات وآفاق هذه التطورات في جانبها العسكري، وحتى في الجغرافية لجهة تحولها طبقا للمصلحة الأمريكية. ماذا تريد أمريكا من العالم؟ إنها تريد أن تتحكم في مصيره لصالح شركاتها، التي هي في التحليل النهائي؛ الإدارة الأمريكية وهي أيضا البرلمان ومجلس الشيوخ ومؤسسات الدراسات الاستراتيجية؛ أي أن الشركات الأمريكية هي أمريكا دولة ونظام حكم وخططا طموحة، وقد سعت وتسعى لإقامة ما يشبه حكومة عالمية تحكم الكرة الأرضية. السياسة الأمريكية هذه؛ كان من نتيجتها تراجعها كقوة عظمى في الاقتصاد، وانحسار قوتها وهيمنتها في الكثير من الأمكنة في العالم. وهي في الطريق، لأن تفقد الكثير والكثير جدا، من قوتها ونفوذها، بالإضافة إلى الداخل الأمريكي القلق والمضطرب. لكنها حتى هذه اللحظة لم تتراجع قيد شعرة عن طموحاتها في التحكم بمصير العالم؛ دولا وشعوبا. السياسة الأمريكية هذه؛ تصدت لها القوى العظمى والكبرى في العالم ليس لمصلحة العالم، بل لمصلحتها في إطار التنافس على الهيمنة والسيادة والنفوذ والاستغلال، بطريقة أخف كثيرا، بل للحقيقة تختلف كليا عن الاستغلال الأمريكي لنفوذها في دول وشعوب بعينها.. ما يحدث في العراق من مخطط أمريكي؛ لاستدامة احتلالها له بطرق ظاهرة وطرق أخرى خفية، وفي الحرب الروسية الأمريكية على الأرض الأوكرانية، وفي آسيا الوسطى وفي بحر الصين الجنوبي، وفي غزة وما يجري فيها أو ما تقوم إسرائيل فيها من مذابح وإبادة جماعية؛ لا يخرج عن هذا الصراع، بل هو قلب هذا الصراع؛ الذي سوف يغير شكل وصورة المنطقة العربية وجوارها والعالم..

***

مزهر جبر الساعدي

 

قالها قس بن ساعدة قبل بزوغ  الإسلام، فهل أدركناها؟.. الواقع المعاصر يشير إلى أننا نتخندق في الفائتات، ولا نأبه للآتيات، ونستلطف الغوص في دياجير الغابرات، فلا ضوء في نهاية أنفاق متاهاتنا الظلماء.

لو تأملنا أية حالة لوجدناها غائرة في الفائتات، وما أكثر القول بالنظام السابق، والنظام البائد، الذي نضع على عاتقه ما نعانيه في حاضرنا، ولا نجرؤ على العمل بموجب "ما فات مات"!!

وإذا تكلمت في أي موضوع تأتيك التبريرات ودواعي المقبولية، لأنه قد حصل في زمن مضى، والمسألة تكرارية .

عالم يسير للأمام ويتسلق سفوح الأمجاد  بالإختراع والإبتكار والتنافس الإبداعي المطلق ، ونحن نندحر في نقاط زمنية، ونحسب الأرض متوقفة عن الدوران، فلا جديد، بل إعادة للقديم والعيش في رحم الغابرات، ولا قدرة على التفاعل مع الآتيات.

وكأننا مثل الذي حفر خندقا حول المدينة بعد معركة الخندق بعقود لحمايتها، متوهما بأن ذات الآلية تصلح لحاضره!!

وإياك، إياك أن تردد "ما فات مات"، وعليك أن تؤمن بأن ما فات عاد، ويمكننا أن نعيش ما نتصوره ونتخيله عنه، فالأوائل ما كانوا بشرا بل من جنس الملائكة، أو أصحاب طاقات وقدرات لا مثيل لها فوق التراب.

وما فات عظيم ومقدس ولا يمكنه أن يموت، وعلينا أن نتمسك به وندعي القدرة على إحيائه وتمثله والإنطلاق به.

وما عرفناه، ولا إتخذناه ركيزة إنطلاق نحو إنجازات معاصرة، ذات قيمة حضارية ساطعة.

وما فات ما مات، وهكذا نعمه في قيعان الويلات!!

و"كن مخلصا في عملك تبلغ أقصى أملك"!!

***

د. صادق السامرائي

 

1 - لا نعني هنا إيمان بسطاء الناس، الذين يتعاملون معه، بالصدق ونبل العواطف والنوايا الطيبة، وحلمهم في أن يعوضهم الله، عن جهنم الدنيا، بقطعة فردوس واشياء اخرى يفتقرون اليها، في جحيم وطنهم، الى جانب الخوف، من وهم عذاب القبر وعذاب الله لهم في جهنم الآخرة، ذلك الذي يفبركه شياطين الوسطاء، من أجل ابتزازهم في خرافة الشفاعة، نقصد هنا حصراً، الدين الذي تسير عليه، قدمي المصالح المشتركة، للأنظمة الشمولية وشياطين اصحاب المذاهب، وكذلك الذين، افترضوا تمثيلهم للرب على الأرض، وبمنتهى الشطارة والأحتيال، فرضوا على العامة، كتبهم وافعالهم ثم سوقهم بالأكراه، على قبول دين جديد، جرائم استغباء. لبلع عظمة تغيير العقائد.

2 - معدمي الأرض وجياعها، ونتيجة لقسوة الجهل والأوبئة والكوارث الطبيعية، ومنذ الاف السنين، يبحثون عن مخرج انساني، وعبر تلك المعاناة وقفزات الوعي الخارقة للعقل البشري، تشكلت في العراق، ما يقارب السبعة حضارات انسانية تقريباً، قدمت انجازات علمية وأجتماعية، لا زالت معالمها شاخصة، في اغلب متاحف الدنيا، العراق المتوج بالنهرين الخالدين (دجلة والفرات)، لم تتوقف انجازاته الحضارية، التي شاركت فيها، جميع مكوناته البشرية ما بين النهرين، حتى اجتياح الفتح (الغزو) الأسلامي قبل (1400) عام تقريباً، حيث تم قطع الشريان الحضاري، الذي يوصل بين تاريخ الأنسان ومستقبله، فوقع العراق كاملاً، في عتمة الجهل والفقر والأمراض والأذلال، وتخلف متواصل الى يومنا هذا.

3 - كان الصراع دموياً، بين شعب في رأسه عقل، وغزاة قلوبهم من حجر، طموح لا يهداء، في رغبة العودة الى ما كان عليه العراق، مسلسل انتفاضات وثورات عنيدة، كلفته قوافل شهداء وجرحى، وسجناء ومنفيين، وكان الدين غطاء، للاحلاف المشينة، بين القوميين والأسلامويين، وظفوا بعض الأماكن المقدسة، عند بسطاء الناس، فكانت مكة في السعودية، والأزهر في مصر، والنجف في العراق، المتاريس الحقيقية لتدمير الأنسان العربي، والعراقي منه بشكل خاص، وكسر معنوياته ومسح هويته الوطية، فالحلف غير الشريف، بين الدولة والدين السياسي، كلفت شعوب المنطقة، خسارات جسيمة، يرافق ذلك جرائم قطع الأعناق والأرزاق، وفرض العقوبات المجحفة، اقتصادياً واجماعياً وثقافياً.

4 - حلف الدين السياسي والأنظمة المتخلفة، قائم على مشتركات مصيرية، هذا الحلف لا يمنع الأثنين، عن ارتكاب جرائم الخيانات الوطنية، وذات الحلف، يتسع لأصحاب المذاهب ومختلف القوميات، فالمنافع الذاتية والحزبية، تجعل الحلف شديد التماسك وحشي الأجراءات، شاهدنا في العراق، كيف تعامل الأسلامويين والقوميين الصغار، بوحشية مفرطة مع أنتفاضة الحق العراقي، في الأول من تشرين 2019، كسروها بوحشية، لكنها لن تموت، حثالات الردة، من زاخو حد الفاو، ينامون على جمرة الخوف، والأحتمالات غير الساره، تقترب من ابوابهم، وغدا ستطرقها الأنتفاضة لتخرجهم منها عراة، الا من فضائح ملفات فسادهم وارهابهم، غداً ستشرق شمس الله، لتعلن حقيقة  العدل والجمال فيه، وأنه (ألله) في صميم الأنسان، وليس له وسطاًء على الأرض، وهو قابع فينا، لن يحتاج وسيطاً علينا، ليشيطن العلاقة الأنسانية، بين الله والمواطن العراقي، ذكراً كان ام انثى.

***

حسن حاتم المذكور

09 / 04 / 2024

 

الألم الشديد كما قال شيلر يجعل المرء يشعر بأنه الموجود الوحيد. ولا بد بأن الناجين من مجزرة دير ياسين شعروا بأنهم الموجودون الوحيدون.

فضحت شمس السماء، المستور في الأزقة والساحات والبيوت يوم الحادي عشر من نيسان، يوم تمكن ممثل الصليب الأحمر من دخول قرية دير ياسين فوقعت عيناه على أكبر مشاهد للإرهاب في القرن العشرين، القرية التي اغتصبت على حواف بنادق خانتها رصاصاتها...

تقع قرية دير ياسين التابعة للقدس والتي لا تبعد عنها أكثر من كيلومتر على تل يبلغ ارتفاعه ثمانمائة متر. يفصلها عن مستعمرة غفعت شاؤول الأقرب إليها واد زرع منذ عشرات السنين بأشجار التين واللوز وكروم العنب. وتعتبر هذه المستعمرة التي تم تأسيسها عام 1906 هي بداية الاستيطان اليهودي في قرية دير ياسين.

منذ عام 1944 كانت قد وضعت خطة سميت دالت تقضي بتوسيع الدولة اليهودية إلى أبعد من حدود التقسيم التي اقترحتها خطة التقسيم للأمم المتحدة ، ولم يتم العمل بها إلا في ابريل 1948 وذلك بعملية نحشون والتي كان الهدف منها فتح ممر يربط تل الربيع بالقدس فكانت قرية دير ياسين من ضمن هذه الخطة.

والذي يدللنا على أن اليهود لا عهود لهم هو ما حدث قبل أسبوعين من المجزرة حيث تم توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات القريبة من دير ياسين حيث وافق عليها أهالي القرية.

قامت عصابتي الأرغون وتشيرن بشن هجوم على القرية قرابة الرابعة وخمسة وعشرون دقيقة من ذلك الفجر الرمادي فجر التاسع من نيسان لعام 1948.فدخلت القرية من عدة محاور وأطبقت عليها الهجوم، فتصدى لها أهالي القرية بأسلحة قديمة قاموا بشرائها من مصر. حيث قاتلوا حتى آخر رصاصة وكان النصر من نصيبهم لولا تباكي عصابتي الأرغون وتشيرن عند الهاجاناه التي سارعت إلى تعزيزهم بمدافع الهاون الأسلحة الأتوماتيكية من مستعمرة غفعت شاؤول.

لم تكتف العصابات اليهودية من إراقة الدماء والقتل والاغتصاب والتمثيل بالجثث بل لقد قاموا بأخذ عددا من أهل القرية الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الاحياء اليهودية وسط هتافات اليهود وبعد ذلك عادوا بهم إلى القرية وأجهزوا عليهم. غادر على جمر الألم من غادر إلى قرية عين كارم وتشرد أيتام القرية في شوارع القدس يبكون أبا وأما ومنهم من بكى عائلته بالكامل.

وكانت من أهم نتائج هذه المجزرة وكما قال مناحيم بيغن لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل.

ذلك أن المجزرة أسهمت في تفريغ البلاد من معظم أهلها..

ويبقى السؤال..من المسؤول؟ ومن هو القاتل الحقيقي؟ التواطؤ أم الصمت؟

***

بديعة النعيمي

 

ما علاقة مكالمة بايدن الأخيرة بقرار الانسحاب؟ وهل اقترب موعد الهجوم على رفح؟ وأسئلة أخرى

دخلت على السردية الإسرائيلية غير المستقرة، عبارة شذت عن المسار التقليدي لمجريات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، عقب المنحنى المفاجئ للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية وصولاً إلى ما انتهت إليه المكالمة شديدة اللهجة التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نتنياهو يوم الخميس الماضي 4 ابريل 2024.

هذه المكالمة كما يبدو كانت حاسمة، حيث أدت إلى رضوخ نتنياهو للمطلب الأمريكي المتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة درءاً لاستفحال المجاعة ومن ثم تحميل إزرها للولايات المتحدة.

لذلك حذر بايدن عبر مخابرته في أن الولايات المتحدة ستقوم بتغيير حاد في سياساتها الداعمة للحرب في القطاع؛ وقد تعيد النظر في صفقة الأسلحة المبرمة مع "إسرائيل"، والتي كان من المفروض أن تُنَفّذُ في نفس اليوم الذي حصلت فيه مجزرة عمال الإغاثة السبعة التابعين ل"لمطبخ المركزي العالمي"، الذين قتلوا من جراء تعرضهم لقصفٍ إسرائيليٍّ جوي.

هذه الجريمة ما كان لها أن تمر لولا انتماء الضحايا لأكثر من دولة غربية كبريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا وأمريكا؛ ما ألَّبَ الدول الغربية على نتنياهو، وزادت من عزلة "إسرائيل" عالمياً.

لا بل عززت أيضاً من دوافع بايدن لإجراء هذه المكالمة المفصلية، بغية التخفيف من وطأة الضغوطات التي تزايدت على الإدارة الأمريكية من قبل دافعي الضرائب، الذين يشعرون بالغُبْنِ لأن أموالًهم بدلاً من استثمارها في التنمية المستدامة داخل بلادهم، فإنها تصرف في دعم الحرب المشينة على قطاع غزة، الأمر الذي أثر سلبياً على مركز الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة.

من هنا ولأسباب أخرى، أعلنت "إسرائيل" الجمعة الماضية 5 أبريل 2024 أنها ستسمح "مؤقتاً" بإدخال مساعدات انسانية إلى شمال غزة المهدد بالمجاعة.

ويوم أمس ذهبت "إسرائيل" إلى أكثر من ذلك بعد مرور 184 يوم على حرب غزة، إذْ سحبت بشكل مفاجئ كلّ قواتها من جنوب القطاع، بما في ذلك خان يونس؛ لكنّها أبقت على «قوّة كبيرة» في بقية أنحاء الجيب الفلسطيني المحاصر، لقطع شمال القطاع عن جنوبة، منعاً لالتحام جزأي القطاع ومنعاً لعودة المقاومة حماس إلى سابق عهدها، وهو هدف جاء خلافاً للأهداف المعلنة بداية الحرب بسبب صمود المقاومة والالتفاف الجماهيري الأسطوري حولها.

فيما أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم أمس الأحد أن بلاده على بُعد خطوة واحدة فقط من النصر، متعهّداً بعدم إعلان وقف لإطلاق النار حتى تُفرج حركة «حماس» عن جميع الرهائن.. وهذا وهم لا يمكن تحقيقه إلا بانتظار موقف حماس إزاء المفاوضات المقبلة حول صفقة تبادل الأسرى.

إلا أن مراقبين ربطوا هذا الانسحاب بعملية خان يونس المركبة في سياق استنزاف جيش الاحتلال مادياً وبشرياً، ووقع ذلك لو استمر على موقف نتنياهو إزاء مناوئيه في الداخل الإسرائيلي.

فقد أعلنت كتائب القسام في بيان لها: أن مقاتليها قتلوا (تسعة) جنودٍ إسرائيليين، وأصابوا آخرين، في منطقة الزنة شرقي خان يونس، موضحة أنها استهدفت (أربعَ) دبابات ميركافا بقذائف "الياسين 105″، مشيرة إلى أنه فور تقدم قوات الإنقاذ إلى المكان ووصولها إلى وسط حقل ألغام أُعد مسبقا، استُهْدِفَتْ بتفجير (ثلاثِ) عبواتٍ مضادةٍ للأفراد.

كما أعلنت كتائب القسام قتل (خمسةِ) جنودٍ إسرائيليين من مسافة صفر وإصابة آخرين وتدمير ناقلة جند بمنطقة حي الأمل غرب خان يونس، فضلاً عن استهداف دبابة إسرائيلية أخرى بقذيفة الياسين 105 وقوة راجلة بعبوة وإيقاعها بين قتيل وجريح في خان يونس.

ويبدو أن استجابة نتنياهو لمكالمة بايدن وُظِّفَتْ لتبرير انسحاب جيش الاحتلال من مستنقع غزة، فيما تُرِكَ البابُ بالنسبة له موارباً؛ لاستئناف الحرب سعياً منه لتحقيق أهداف نتنياهو "الوهمية" من خلال الإعداد للهجوم الموعود على رفح.

يؤكد ذلك ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في أن الجيش يستعدّ لعملية في رفح. مؤكداً أنّ "قواتنا تستعدّ لمواصلة مهامها، بما في ذلك... في منطقة رفح"،

جاء ذلك عقب إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي في أنه سحب قواتَه من خان يونس لأنّ «حماس لم تعُد موجودة كإطار عسكري» في المدينة.

ولم يفسّر هذا الإعلان سبباً وجيهاً لاستمرار هجمات حماس عليه في عموم القطاع ولو بزخم أقل ما يثبت أن الانسحاب الإسرائيلي ما هو إلا اندحاراً جاء بفعل ضربات المقاومة المؤثرة.

لا بل أن مكالمة بايدن وفق الرؤية الأمريكية، قدمت لنتنياهو حبل الإنقاذ من مصير أسود كان ينتظره بفعل العزلة التي يعاني منها وعجزه عن تحقيق أهدافه، لو بقي الحال على ما هو عليه من التردي الميداني، حيث فتحت الطريق أمامه للخروج من عنق الزجاجة بتأكيده على أن «إسرائيل مستعدّة للتوصّل إلى اتفاق» هدنة، بِيْدَ أنّها «غير مستعدّة للاستسلام»، معتبراً أنّه «بدلاً من توجيه الضغوط الدولية نحو إسرائيل، وهو ما يؤدّي إلى تمسّك «حماس» بمواقفها، ينبغي توجيه ضغوط المجتمع الدولي ضدّ «حماس»، وهذا من شأنه أن يؤدّي إلى إطلاق سراح الرهائن».

وفي سياق متصل، وصل الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس «الموساد» ديفيد برنياع إلى القاهرة أمس، وفق «القناة 13» الإسرائيلية. منوهةً إلى أن «الولايات المتحدة تتولّى قيادة المفاوضات»، وأنها «تُمارس ضغوطاً هائلة» طبعاً على "إسرائيل" كونها مثلت العقبة الكأداء في كل مراحل المفاوضات، فيما قرّرت حكومة الحرب" الكبينت» توسيع صلاحيات الوفد الإسرائيلي من باب المرونة إزاء ما قد يطرحه الجانب الفلسطيني، وهذا تطور إيجابي لافت.

و أفاد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الجمعة الماضي بأن "إسرائيل" وافقت على إعادة فتح معبر إيريز المؤدي إلى شمال غزة والاستخدام المؤقت لميناء أسدود في جنوب "إسرائيل" لزيادة المساعدات الإنسانية للقطاع. وأضاف البيان أن الحكومة وافقت أيضاً على توسيع دخول المساعدات من الأردن عبر معبر كرم أب.

وتتسارع هذه التطورات وسط ضغوط داخلية من الشارع الإسرائيلي، حيث احتشد المتظاهرون أمام مبنى الكنيست في القدس المحتلة، الذي دخل في عطلة عيد الفصح اليهودي، وردّدوا شعارات مثل "كلّهم أحرار الآن! صفقة الآن!» و«أحياء أحياء وليس في نعوش» فتعنت نتنياهو صار لا يطاق على كافة الأصعدة في "إسرائيل".

هذه التداعيات تركت أثرها السلبي في العقل الإسرائيلي إزاء عبث نتنياهو بمصير "إسرائيل"، وخاصة حول تداعيات العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة التي طالما شكلت صمام الأمان لوجود الكيان الإسرائيلي الذي بات في مهب الريح، بفعل إنجازات المقاومة في غزة والتي وضعت الاحتلال في عزلة دولية.

ففي تقييمه للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، قال نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تشاك فريليتش في مقابلة مع DW مؤخراً، حيث أعرب عن قلقه إزاء التغير الذي طرأ في العبارات التي تخرج عن المسؤولين الأمريكيين، قائلاً "هذا ما يُقال عن جمهوريات الموز. إذا لم يغير نتنياهو نهجه قريباً جداً، وإذا لم تكن هناك حكومة جديدة قريباً جداً، فسوف يكون لذلك تأثير دائم ".

حينها علق على ذلك إيان لوستيك، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، قائلاً :"انتقلت الولايات المتحدة (في علاقاتها مع إسرائيل) من مرحلة الضوء الأخضر إلى مرحلة الضوء الأصفر وحالياً في مرحلة الضوء البرتقالي".. على نحو" امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ما سمح بتمريره وذلك على النقيض من المواقف السابقة. طبعاً الضوء الأحمر يشكل القطيعة وهذا مستحيل.. فأمريكا قد تتحايل على ناقديها بتنازلات هامشية لكنها لا تتخلف عن تقديم الدعم ل"إسرائيل" في حرب هي شريكة فيها، سوى أن مصدر إزعاجها هو رجل ك"نتنياهو" يبتغي جر المنطقة إلى كوارث من منطلق شخصي دون مراعاة لمصالح "إسرائيل" وحلفائها العليا.

حتى حليفه ترامب الذي كان عاقداً الأمل عليه حال فوزه في الانتخابات المقبلة انقلب عليه، إذْ ضاق ذرعاً بسياسته اليمينية الخرقاء، داعياً إياه إلى إيقاف الحرب على غزة، والجنوح إلى الحل السلمي، وذلك في مقابلة مع برنامج "ميديا باز" في 17 مارس 2024..

ومع كل ذلك فالرهانات على قيام نتنياهو بالهجوم على رفح تقع خارج كل المعايير فهي موجودة في عقله المثقل بشروط حلفائه الليكوديين واليمينيين. ولا نملك إلا انتظار مآلات الحرب في الميدان.. فرجال السياسة يكذبون.

***

بقلم بكر السباتين

8 أبريل 2024

 

ردا على الذين لا يؤمنون بالله تعالى وينكرون وجوده بتفكير قاصر وضعيف الإدراك أو بعناد مع أنفسهم التي جبلت على العناد والرفض بعيدا عن التفكير والتفكر والتدبر والفطرة السليمة للإنسان وبطريقة عقلانيه تحترم العقل وترتقي به إلى مستوى الفهم البشري الحالي وبنقاش هادئ موضوعي مثمر نقول أن الله تعالى لا يرى بالعين المجردة ولا بالحسيات المادية كون أن معرفة الله تعالى والتسليم المطلق بوجوده هو فكري عقلي وقرار متجرد عن الأهواء البشرية مدرك للأمور من حوله للموجودات المحدثة كون أن كل محدث لا يمكن وجوده إلا بواجد الوجود القائم بذاته قادر على الإيجاد لا يمكن إحساسه أو رؤيته وغير محتاج للغير وخلاف ذلك لا يمكن أن يسمى إلها بوجود  خالق يمكن خلقه غيره ومهما كانت تسميته (الله – الخالق – الواجد -  الموجود – المصمم - الفاطر) وغيرها من المسميات فلا يوجد فوق هذا الخالق الواجد لكل الكون وما فيه ألا أن يكون قادرا متمكن على خلق موجداته بدون معين أو بديل أو شريك في الملك لهذا نحن نقدس ونحترم ونطيع ونشكر ونحمد هذا الواجب الوجود المطلق الذي يدير ويدبر الكون رب الأرباب الذي لا يخضع إلى زمان ولا مكان وخارج الوعي الإنساني لا تحده صورة وليس محتاج لأنه له القدرة المطلقة على الإيجاد فالنظرة الواسعة المدركة المحترمة للعقل عليها أن تنظر لهذا الخالق للوجود بنظرة الخشوع والإذلال والخشية والتسليم بوجوده كلما زادت المعرفة بالموجودات وملكوت السموات والأرض وما بينهن وكلما بعدنا عن الرسالات والآيات البينات للكون والرسل والأنبياء المنذرين والمبشرين كلما زاد قربنا ومعرفتنا بالخالق المطلق فان المعرفة والعرفان والشكر للخالق العلي هو أطاعته في الأمور التي ينهانا عنها والأماكن التي لا يريد أن يرانا فيها فالأمر بأوامره والنهي عن نواهيه هي مراده وكلها تصب في مصلحة البشر بالمطلق من خلال التعامل بين البشر وبني جنسه أو غيرهم على أساس القيم والمبادئ الانسانيه والأخلاق والتعاملات التي تنظم حياة الفرد في مجتمعه وضمن المجتمع الكلي للبشر كعالم واحد أوجده الواجد فكلما كان الإنسان في دائرة القيم الاخلاقيه الحميدة والعمل الصالح كلما كان قريبا من الصانع للكون بغض النظر عن التسمية حينها يكون البشر ضمن نطاق مراد الخالق ومطابقا لفلسفة خلق الإنسان والكائنات الأخرى على سبيل هداية واضحة معروضة على العقل البشري للأخذ بها وطاعة العمل بها توصل الإنسان إلى الخير والسعادة في الحياة الدنيوي واما المعصية تقوده للتعاسة .فعلى الإنسان الانقياد بعقله السليم وفطرته الإنسانية على إدراك بوجود منظم ومسير وقائدا لهذا الكون بمفرداته المتعددة . أن تطبيق هذه القيم والمبادئ الإنسانية والعلاقة بين البشر والموجودات من حوله والعمل بها ومحاولة  معرفة أسرار الكون المترامي الأطراف توصلنا إلى الخالق البديع سبحانه وتعالى من غير أن نخوض في التفاصيل الفلسفية المعقدة والسفسطائية العقيمة بل بالرؤية الواقعية المحاكية للواقع المعروضة على العقل النير الخالي من الشوائب الدنيوية العالقة منذ آلاف السنين.

***

ضياء محسن الاسدي

 

عدت لما جمعته من أعمدة الكاتب المصري المعروف (مصطفى أمين) (1914 - 1997)، والتي كان ينشرها في جريدة الشرق الأوسط، ورحت أتصفحها، فمللتها، وكنت أتمتع بقراءتها في حينها.

وتساءلت: لماذا أتمتع بما كتبه زهير بن أبي سُلمى، قبل أكثر من أربعة عشر قرنا؟!

يبدو أن الكتابات الأصيلة تجيد السباحة في نهر الخلود، أما الكتابات الدخيلة فذات أعمار خاطفة، إذ تموت في لحظة ولادتها.

فهل نكتب أصيلا؟!!

السائد أن كتاباتنا إجترارية، وتدور في دائرة مفرغة، محكومة بالماضي والدين والكرسي، ولا نعرف التحرر والتفاعل مع العصر بمعطياته، وإستخلاص العناصر الكفيلة بصناعة الأصيل الواعد.

من تعريفات الشعر التي تبدو أقرب إلى الصواب أنه "الكلام الخالد"!!

أي أنه الكلام الذي يخترق حواجز الزمن.

العديد من كتب الأوائل في مسيرة الأمة الحضارية، لا تزال قراءتها ممتعة، وأكثر الكتب المعاصرة تنفر منها من أول صفحة.

والكم الهائل مما يُسمى بالشعر، لا يتعدى كونه هذربات، وبوحيات لا تمت إلى الشعر بصلة، وتزريف كلام.

كتّاب الكيبورد ما عادوا يتفكرون فيما يكتبون، ولا يجهدون أنفسهم في إختيار المفردات، وبناء العبارات، وإنما هي رقصات أصابع على مسرح الكيبورد.

وتجد الشكاوى تتزايد على أن القراءة إنكمشت، ومعارض الكتب صار الكتاب فيها بضاعة بائرة، ودور النشر تحولت إلى متاجر أو أغلقت أبوابها، وغادرت عملها الذي ما عاد مجديا.

والسبب فقدان الكلمة لقيمتها، وللكتاب أهميته ودوره، ولطوفان الكمية وإنتفاء النوعية، وتساوت " الكرعة وأم الشعر"!!

فهل أن الكتاب يحتضر، والكتابة هَزلت؟!!

***

د. صادق السامرائي

تعتبر الحركة العمالية الصهيونية الحركة التي وضعت الأساس لعمليات التطهير العرقي، وهي أيضا من خططت له ونفذته بقيادة "دافيد بن غوريون" في ذلك المبنى الأحمر الذي تم بنائه في العشرينات من القرن المنصرم، ثم أصبح في ١٩٤٧ مقرا لعصابة الهاجاناه.

وفي ١٠/آذار/٤٨ اجتمع قادة صهاينة في هذا المبنى ووضعوا اللمسات الأخيرة لخطة التطهير العرقي في فلسطين.

والجدير بالذكر أن هذه الخطة كان قد بدأ التأسيس لها قبل ذلك بأربع أعوام أي في ١٩٤٤. وبدأت عمليات القتل والطرد والاغتصاب والهدم منذ ليلة العاشر من آذار ٤٨.

وقد ارتكبت العصابات الصهيونية كل تلك الفظائع والأعمال الوحشية من أجل طرد الفلسطينيين، ومنها على سبيل المثال تلويث القناة التي تصل المياه عبرها إلى عكا بجراثيم التيفوئيد.

وبعد أن حققت تلك الحركة العمالية بقيادة الأشكيناز العلمانيين أهدافهم في تأسيس الدولة تحولوا إلى أقلية بعد مرور الوقت، ودخلت حركتهم العمالية في ازمة بسبب محاولتهم إنشاء دولة ديمقراطية شكلية على أنقاض حرب ٤٨ وما ارتكبته عصاباتها  كما ذكرنا من تدمير وتهجير وتحويل من تبقى من السكان الفلسطينيين إلى أقليات مهمشة.

كما أن حزب العمل الذي تمخض عن الحركة العمالية هو الذي بادر بعد حرب ٦٧ إلى تعزيز الاحتلال وإلى البدء في الحث على الاستيطان في الأراضي المحتلة. وكانت قيادة هذا الحزب قد أخذتها نشوة الانتصار في الحرب والفوائد التنظيمية والمالية  الخاصة بمؤسساتها. لكن حرب ٧٣ أفقدتها مكانتها كما أفقدتها السلطة في انتخابات ١٩٧٧ وصعود اليمين المتطرف المتمثل وقتها بحزب الليكود واعتلاءه سدة الحكم.

غير أن حزب العمل كان دائما ما يقف خلف الليكود يغطي عوراته ويستر أفعاله وسياسته، لأنه كان دائما حزبا صهيونيا. أما بالنسبة لمواقفه المعتدلة ظاهريا فيما يخص التسوية في الشرق الأوسط فهو لأنه متأكد أنه يستطيع تجيير هذه التسوية لصالح دولة الاحتلال والأيديوجيا الصهيونية. وليس أدل على ذلك مما حصل في أوسلو التي قادها "إسحاق رابين"/حزب العمل، حيث جيرت هذه الاتفاقية كل ما هو في مصلحة دولة الاحتلال.

فلطالما كان كلا المعسكرين "العمل" و"الليكود" يحملا نفس وجهات النظر في دعم استمرار الاحتلال أو في إنشاء المستوطنات ودفع الشعب الفلسطيني للاعتراف بيهودية الدولة. وكل الخلافات بين المعسكرين هي خلافات خطابية لا أكثر.

واليوم في حربها على غزة، دولة الاحتلال بقيادة حزب الليكود ترتكب عمليات التطهير عن طريق إبادة الفلسطينيين وطردهم من أماكن سكناهم. والفرق الوحيد هو أن حزب العمل ارتكب عمليات التطهير وكانت النتيجة إقامة دولة الاحتلال عام ٤٨ أما اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ فإن جيش الاحتلال يقوم بعمليات تطهير عرقي لكنه يذهب بدولة الاحتلال إلى الزوال والانتهاء. فما بدأه العمل يكمله الليكود لكن لا لمصلحة الاحتلال هذه المرة

***

بديعة النعيمي

يعد التعليم العالي من اهم ركائز اي مجتمع، ونجاحه يؤشر على تقدّم وتطور ذلك المجتمع. لكن، ما هي حقيقة التعليم العالي في جامعاتنا اليوم؟ هل هو ورشة عمل لبناء جيل المستقبل، ام ساحة صراع بين جيلين؟ هذه بعض الاراء ابداها لي شخصيا عدد من طلبة واساتذة جامعات عراقية مختلفة ردا على اسئلة وجهت لهم قمت باختصارها وعرضها حسب تواترها، وهي اراء شائعة وليست عامة.

اراء الطلبة

- المدرس لا يعرف اساليب التدريس الحديثة وهناك ضعف عام في المادة العلمية للتدريسي.

- كثرة المواضيع التدريسية النظرية خصوصا لطلبة الدراسات العليا معظمها غير اساسية.

- لا توجد علاقة بين مضامين الدروس والمصادر المكتبية والفعاليات العملية والمختبرية.

- اجبار الطلبة على حفظ واجترار المعلومات (ياخذ الدرس من فم الاستاذ).

- الدراسة مملة للطلبة

- لا يطلّع الطلبة على توصيف البرامج والمقررات

- يفضل الطلبة كتابة التقارير والعروض والدراسة في مجاميع والبحث.

- الامتحانات اجترار للمعلومات لا غير

- المناهج قديمة ولا تتناسب مع سوق العمل

- لا يوجد وقت كاف للفعاليات غير الصفية

- لا يتم تدريس الطلبة المهارات

- الاستاذ في وادي ونحن في وادي اخر

اراء التدريسيين

- الطلبة يشتكون كثيرا

- الطلبة متعلمين على الحفظ ويعانون من ضعف مزمن في اللغة الانكليزية

- الطالب يريد النجاح من دون جهد ومن دون فهم، وسبب انخفاض المستوى يعود الى الكيرفات والزيادات والتحميل

- عدم اهتمام الطالب بالمحاضرة فهو لا ياخذ نقاط خلال الدرس (لا قلم ولا ورقة)

- ضعف التدريس يعود الى ضعف الطلبة

- الطالب في وادي ونحن في واد اخر

- اشراف الوزارة على العملية التربوية عملية سلبية مثبطة للاستاذ

- مشكلة المناهج: لا دور لنا ولا يؤخذ راينا

- من الامور التي تثير القلق: الفساد الاداري والتدخل الخارجي وقلة الايرادات وعدم توفر استقلال مالي وعدم توفر اموال للبحث العلمي والمحاباة وعدم ملائمة القاعات للتدريس

- لا يوجد تأهيل للتدريسي بالنسبة لطرق التدريس الحديثة

- التجارب المختبرية والمعملية ضعيفة وقليلة.

- الجامعة لا تستمع الى اراءنا

***

ا. د. محمد الربيعي

بعض الشباب نفض يده من كل أمل في نيل تلك البغية التي أضحت شبه قاصرة على أهل المخمل والديباج، فحياته التي تظل موسومة بالعجز، موصومة بالفاقة، تجعل مجرد التفكير في مثل هذا الأمر أدخل في باب الخطل، وأوغل في طريق الفدامة، الأمر الذي أوقع الفزع في جيش الفضيلة التي لا يحتاج شرح معاناتها إلى درس، والنبوغ في وصف انحدارها إلى ملكة، فقبيلة الشباب الملتزم تقاسي معرة الظلم، وتكابد مذلة الحرمان، وتعيش بقلب خفاق، وعين باكية، لأنها معوزة في دنيا المحبة، محرومة في دولة الصبابة.

ولعل الواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن فتية الصلاح الذين تلوح في وجوههم البهية غلواء الشباب، وفي أجسامهم الجزلة بضاضة العافية، استكانوا للجزع، واستسلموا للشجون، فصاحبة الخد الأحمر، والجبين الأنضر التي يشتد إعجابه بها، وتهالكه عليها، كل يوم تبزغ فيه المهاة، ترمقه دوماً بنظرات تضج بالنفور والإشفاق، وهو الذي كان ينتظر منها أن تسري عنه هموم النفس، وتهون عليه متاعب الحياة، لقد صارت عنده من ألقى الله عليها المحبة، واصطفاها بأسر المهج وخطف العقول، مبعثاً للألم، ومصدراً للشكوى، فصنوف اللوعة، وفنون الكرب، التي أتحفته بها جعلت روحه التي ذوت على وهج القروح، وذابت حشاشتها على عرك الصدود، تمور في حنايا الحزن المقيم، وتضطرب في فيافي الأسى الشاسع، فصرعى الفاقة، وطرائد الملق، الذين شحب وضؤل محياهم، لا حظّ لهم في الاقتران بالمهفهفة الدعجاء، فالخريدة التي جُمِعتَ لها الرقة من أطرافها، والتي تضئ كما يضئ الفجر، وتزخر بالجمال كما يزخر اليم اللجي بالأصداف، لا تأنس إلا للغني الذي يكثر لها من الأعطية، ويجزل لها من الهبات، ويسنى لها من الصلات.

والمعضلة التي لا يستقصيها التفسير، ولا يعرب عنها التعبير، أنّ بعض الأسر التي تنشد الجاه، وتبتغي المادة، تقف عقبة كؤوداً دون وصول الشاب الذي يبتغي الستر والعفاف، ويعيش بالقناعة والكفاف إلى مبتغاه، وتلقي في روع من أكدى الله عليه نواله، أنه رام أمراً عزيز المنال، وعر المرتقى، منيع الدرك، وتبرهن بجلاء أن الهدي النبوي الذي أمرنا بتزويج من ارتضينا عقيدته وأخلاقه، قد صار تاريخاً تطرق إليه النسيان، وديناً تغول عليه الباطل، فتلك الأسر لا تكترث لمن لا ظنة في تقاه وورعه، ولا ريبة في حلو شمائله وحسن سجاياه، بقدر ما تأبه لسليل مجد، وربيب نعمة، وحليف جاه، حتى ولو كان فتى كهاماً، عيياً، لا خير فيه، والغادة الهيفاء التي يتكلف نواطير الشباب في مخاطبتها القول، ويتعاطوا الصنعة، عافت من يحصد ماله بالكد والمجاهدة، لأنه يعجز أن يودعها منزلاً تراصت في باحاته رايات الأشجار، وامتدت في عرصاته سلاسل الأنهار، بل يعجز حتى أن تزف إليه في صالة فسيحة الأركان، متينة البنيان.

لقد أصبنا في زماننا هذا باختلال الموازين، فمن يخاتل الدنايا، ويقارف العيوب، يتهافت الناس على تزويجه من حرائرهم لثروته وغناه، أما الصائم نهاره، القائم ليله، فلا مناص له سوى صيام الدهر.

***

د. الطيب النقر

 

أيام ونودع شهر رمضان الفضيل ، صوم رمضان والمثابرة على سلوك ونمط معيشي وروحاني وإيماني لمدة شهر يصنعان بحول الله ومنته كثيراً من الشفافية، ويوصلان المسلم إلى أعماق قد لا يدركها، حيث قلبه صائم عن مشاعر السوء، ولسانه صائم عن كلام الشر، وجوارحه صائمة عن الغي والفجور، وبطنه صائم عن لذة طعامه، رمضان شهرو موسم متراص بالفضائل، وزاخر بالمعاني العميقة ومملوء بالفرص الثمينة من الوعي ومرجعة النفس والتدبر بشؤون الحياة تتيح للانسان المسلم ان يتغير الإنسان من حال إلى حال ويستطيع أن يستوعب الزمن والنظام يتغير الإنسان من حال إلى حال.

الاهم وإصلاح النفوس وتهذيبها،والاعتناء برغبات التغييرخصوصاً بعد انقضاء هذا الشهر الإيماني الكريم بالحرص على تحقق الفوائد من مدرسة الصوم لتحقيق التقوى التي يسمو بها المسلم للرقي في سلم الرفعة الروحية والأخلاقية، هي من أجلّ المقاصد التي شرع الصيام من أجلها، والكل يدرك قيمة فهم أنه ليس ثمة أفضل من شهر الصوم لبدء علاقة جديدة مع التغيير الإيجابي المستمر خصوصاً ما بعد رمضان حيث نلتزم بالتسامح ، وتصحيح كل مسار خاطئ إن وجد، وجعل خيارات الوصل والإيثار والمودة جسراً دائماً للعبور إلى دائرة التعامل الإيماني بعزيمة، فعلاقة المسلم بمجتمعه حيث يتفكر كيف ينظر إلى واقعه ومجتمعه وماذا يريد لهم..؟ ومراجعة أخلاقه ونواياه وطرق تفكير هي أحاسيسه اتجاه كثير من الأمور، وعلاقة المسلم بأهله وقرابته حيث يراجع كيف كان قبلاً ثم أثناء رمضان؟ وما يجب عليه اتجاه والديه بالذات وأسرته وأقاربه؟ ليقوم بتعزيز كل ما هو طيب وإيجابي، وتعديل كل مائل هل يريد لهم الصلاح والاستقرار أم يهتم فقط بنفسه وأخصته؟ لذا هذا الأمر مطلوب بعمق، يجعلنا سلوكنا في رمضان نتفكر بإحساس عميق كيف يتوجب أن نتغير لأجلهم؟ فنسير بمحبة الخير لهم وتقدير حوائجهم والحرص على مصلحتهم العامة، ثم علاقته بالآخر أياً كان ليعبر بالاحترام والعدل عن هذه العلاقة، وأن نخرج من هذا الصوم بوقفات ذاتية صادقة تعيدنا إلى حسابات الحق والفضيلة وإيفاء واجبات وحقوق علاقاتنا مع الله عز وجل أولاً ثم مع خلقه لنكون نحن بعد رمضان كما كنا فيه

***

نهاد الحديثي

أتصفح كتبا لتوفيق الحكيم (حماري ومؤتمر الصلح، أقاصيص ونوادر أشعب)، وأجدني في محنة فقدان متعة قراءتها، ولا أستطيع التواصل مع صفحاتها!!

وتساءلت لماذا؟

فوجدتها لا تلائم العصر الذي نعيشه، بأفكارها ومفرداتها والموضوعات التي تتناولها.

أنا إبن القرن العشرين وأشعر بالملل من قراءتها، فكيف بأبناء القرن الحادي والعشرين؟!!

هذه ملاحظة جديرة بالنظر ...

فما نتصوره سيبقى ويؤثر، يفقد قيمته ومعناه بسرعة غير مسبوقة في تأريخ البشرية، فالقليل مما كتب قبل قرون لا يزال يحافظ على قيمته ورونقه لأصالته، ومعظم المكتوب لا يجد له مكانا في عالم اليوم.

صديقي لديه أكثر من خمسة آلاف كتاب، وهو في خريف العمر ولا يدري ما يفعل بها، فلا أحد يرغب بأخذها مجانا ومنهم أنا!!

ولي قريب مولع بالكتب منذ صغره، ولا أدري كم من آلاف الكتب قد جمع، فوجد نفسه على شفا حفرة من الضياع والحيرة، يريد مَن يأخذها ويؤسس مكتبة بها، وما تقدمت مؤسسة أو جامعة وتعهدتها، وأظن أولاده سيتخلصون منها بسرعة، لأنها تشغل حيزا كبيرا في البيت.

يُقال أن هارون الرشيد فكر بالخلاص من الكتب التي جمعها أجداده في بيت الخلافة، فأرسى دعائم بيت الحكمة، أي أخرجها إلى مكان خاص بها نسميه اليوم "مكتبة"، وفي ذلك الزمان سمي " بيت الحكمة" الذي طوره المأمون وأعلى من شأنه ودوره الحضاري، فأصبح جامعة كبرى.

واليوم قادة المخترعات الإليكترونية يريدون التحرر من قبضة الورق والقلم، وسيصبح التفاعل عبر الشاشات وبواسطة الكيبورد وحسب.

فهل أن عصرنا المتسارع الفياض سيكتب تأريخا بلا أقلام؟

وهل أن كل علم لم يحوه القرطاس ضاع؟!!

ترى هل أنها فضاءات وما يسطرون؟!!

وهل "أن الكتب هي الآثار الأكثر بقاءً على الزمن"؟!!

***

د. صادق السامرائي

المشكلة الكبرى في هذه البلاد أن الجميع يتحدث عن النزاهة والإصلاح، لكنه يرفض التمييز بين النزاهة والسرقة، وفي الدول العادية يكون القضاء سيفاً قاطعاً لمحاربة الجريمة المنظمة. أما في بلاد "هيثم الجبوري" فأكثر ما يخشاه المواطن هو الحديث عن سرقة البلاد، لأن السياسيين سيغضبون ويزمجرون ويتباكون أمام القضاء، أما الحفاظ على المال العام وإشاعة العدالة الاجتماعية، فهذه أصبحت من الكماليات .

قبل أيام خرج علينا وزير المالية الأسبق، علي عبد الأمير علاوي، ليبشرنا بأن العراق انضم إلى قائمة الدول التي يوجد فيها عدد كبير من المليارديرات، فقد كشف علاوي عن وجود 30 سياسياً يمتلكون مليارات الدولارات. وقال علاوي في حوار تلفزيوني إن موارد الدولة الأساسية توزع إلى رواتب ومشاريع وهناك جزء منها يُسرق في وضح النهار، مشيراً إلى أن القطاع الخاص في بلاد الرافدين يحتاج إلى غطاء سياسي لكي يعمل.

عام 2017 قضت المحكمة الاتحادية في العراق بإلغاء القرار المرقم 120 لسنة 1994، ماذا كان ينص هذا القرار، حتى وجدت فيه المحكمة آنذاك بأنه يتعارض مع حقوق الإنسان؟، كان القرار120 لسنة 1994، يقضي بعدم إطلاق سراح المحكوم عن جرائم الاختلاس أو سرقة أموال الدولة، بعد قضائه مدة الحكم مالم تسترد منه هذه الأموال .

غريبة هذه البلاد يمكنها أن تسجن طفلاً يتهم بسرقة علبة كلينكس، لكنها تستخدم أقصى حالات الرأفة مع متهم سرق أكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات، بل أنها اعتذرت منه وأعادت إليه ممتلكاته، وترجته أن يحاول إن سمح الوقت والمزاج ان يعيد لنا بعضا من الأموال التي سرقها من الدولة.

عندما عين (لي كوان) رئيساً لوزراء سنغافورة عام 1965، كان في الأربعين من عمره، وبعد عامين رفع شعار من أجل حكومة نظيفة : " لقد عانينا من انتشار الفساد والطمع بين عدد كبير من المسؤولين، فالمناضلون من أجل الحرية لشعوبهم تحولوا إلى نهابين لثرواتها، ولهذا حرصت من أول يوم توليت فيه السلطة على إخضاع كل دولار من الإيرادات العامة للمساءلة، والتأكد من أنه سيصل إلى المستحقين من القاعدة الشعبية دون أن ينهب في الطريق".

لماذا أصبحنا ياسادة دولة يعيش فيها عشرة ملايين مواطن تحت خط الفقر، في بلد يصدر يومياً أربعة ملايين برميل من النفط، في الوقت الذي ينافس فيه سياسيونا على قوائم أغنياء العالم؟

لم يعد أحد يسأل لماذا أصبح الفساد جزءا من لحم الدولة وشرايينها، لم يعد احد يسأل السياسي كيف تضخمت ثرواتك؟

كانت مشكلة بعض مدعي السياسة العثور على سكن مناسب وإذا بهم اليوم بعد دخول الحكومة والبرلمان يملكون القصور والشقق في عواصم العالم .

***

علي حسين

"كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون

صديقاً، لكنني لم أكن أتصور أن الحزن 

يمكن أن يكون وطناً نسكنه ونتكلم لغته

ونحمل جنسيته"...  تشي جيفارا

 نعم .. نعم هو كذلك ان الحزن أصبح جزء منا، فلا نحن نتمكن من التخلص منه، ولا هو يفارقنا ..!

الى الكوكب حمزة

لك الرحمة والخلود أيّها الكوكب الذي لا يأفل، وإن كنت سيدي قد سئمت العيش في هذا العالم الرث، فإنك ارتقيت الى عالم الصفاء والنور والطمأنينة والأمن والسلام الذي كنت تحلم به، ويجري في شرايينك، وينساب مع عذوبة ألحانك، حيث أنك أردت أن ترسمه، لا بل تجسده عالما حرا سعيدا، وأنت قد عشت الواقع المرير على إمتداد مسيرة حياتك الفنية والأبداعية، والنضالية بكل معنى الأباء والأرادة الصلبة  في مقارعة الدكتاتورية الهمجية البربرية الرعناء، فلم تدنسك إغراءات الدكتاتور، لا بالأصفر ولا بالأخضر، ولا بالمغريات الزائفة الوسخة التي تعوّد  أن يشتري بها النفوس الضعيفة، فكنت الأقوى والأسمى من كل ذلك، فلم يخدعك الترغيب، فسحقته بقدميك، وكذلك لم يخفك الترهيب، فواصلت السير قُدماً شامخاً أبيّاَ، غير مبالٍ، فلا الترغيب خدعك، ولا الترهيب أخافك، رغم وحشة الطريق، ومرارة الغربة، وضنك العيش، وعبثية الزمن الرث..

فقد أصاب مَنْ سمّاك كوكباً، فكنت حقّاً كوكباً في سموك، وكوكباً في خلقك، وكوكباً  في مسيرتك، وكوكباً في عطائك، وكوكباً في نضالك، وكوكباً في ثباتك وقيمك ومبادئك ..

فيا أيها الكوكب الساطع المتلألئ، وإن ارتقيت الى عالم السمو والمثل العليا، لكنك تبقى في قلوب محبيك الأوفياء الذين دخلت قلوبهم من دون جواز سفر، لأن القلوب التي أحبتك، هي عالمك الذي كنت تحلم به.

فسلام عليك يوم دخلت قلوبنا،

وسلام عليك يوم ارتقيت  الى السماوات العلى،

وسلام عليك دائماً وأبداً مع كل نبضة قلب، ونسمة حب.

 فالعظماء هم بعطائهم، وبما قدموه للبشرية، وليسوا بأجسامهم، ولا برفاتهم بعد أن يرتقوا الى السماوات العلى.

فنحن نعرف أن الأمم تحترم عظماءها، ورجالاتها العلمية والفكرية والأبداعية والنضالية، وتفتخر بهم أمام الأمم الأخرى، وتعتبرهم أعمدة ثقافتها ونبض وتأريخها وتراثها، ولكننا للأسف الشديد لم نصل الى هذا المستوى من الوعي والحس الأنساني الخلاق، مادام مَنْ يقود البلاد والعباد، مَنْ هم لا هَمَّ لهم سوى الأستيلاء على أكبر كمية من المال السحت.

فهل يا ترى من الصعب أن تتبنى السلطات العراقية عن طريق سفارتها بنقل الفقيد كوكب حمزة الى العراق، ليوارى جثمانه تربة أرضه التي ناضل من أجلها، وتشرد في المنافي بسبب معارضته الدكتاتورية المجرمة، والعتب الآخر على أبناء الجالية العراقية هناك في تحمل تكاليف نقله الى أحضان الوطن الأم الذي طالما عاش غريباً بعيداً عنه..؟!.

***

الدكتور ابراهيم الخزعلي

5/4/2024  

 

طبيب أريب وأديب لبيب، كان يتمتع بنشاط وحيوية، وتفاعل مطلق مع الحياة، دعوته للعشاء في مطعم فيه أجواء البلاد التي ولدنا فيها.

وجاءني مقعدا على كرسي متحرك، وتتدبر شؤونه إمرأة تم تعينها لخدمته، وكأنه طفل في عامه الثاني.

هذا الإنسان الذي كنت أجالسه وأعجز عن القيام بما يقوم به من نشاطات رياضية وعمليات جراحية معقدة،

أراه أمامي غير قادر على السير ولو لخطوة واحدة، ويعجز عن الوقوف، ولابد من مساعدته في كل شيئ.

قلت له: إنها الحياة خدّاعة!!

قال: نعم!!

وقد حدّق بعيون خالية من بريق الحياة.

ساعدته المرأة المسؤولة عن رعايته بإحضار طبق الطعام، فوجدته يستطيع تحريك يده اليمنى المرتعشة ويضع الملعقة في فمه.

إحترت هل أنظر إليه أم أتحاشى تأمله، وهو المتهاوي المتهالك الغير قادر على فعل ما يريد.

حدثني عن مكتبته بصوت متحشرح، ودفع إلي بعشرات الكتب التي جلبها معه، وقد أحضرتها مرافقته بأربعة صناديق.

قال: إن مكتبته تضم خمسة آلاف كتاب، تعال وخذ ما تريده منها !!

أعرف أن كتبه عزيزة عليه، ولا أجرؤ على تلبية طلبه .

فالعلاقة بين الإنسان والكتاب ذات تفاعلات عجيبة، وأرى لو زرت مكتبته وأخذت منها ما أختاره سأبكيه لأنه لا يريد لكتبه أن تغادره.

أشعرني بحزن بليغ، وجعلني أتحسس سنابك الأيام تدوس على رأسي.

إنه العمر الرذيل، ومتاهة الحياة وخبايا المجهول فيها!!

وأعرفُ طبيبا يكتب وينشر يوميا وقد طوى مئة عام، ولا يزال ينافس الشباب!!

"فالعيش نوم والمنية يقظةٌ...والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ".

***

د. صادق السامرائي

"رب يوم كنت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه"

"أبدا تسترد ما تهب الدنيا.. فيا ليت جودها كان بخلا"

"فيوم علينا ويوم لنا.. ويوم نُساءُ ويوم نُسَرُّ"

هذه الدنيا كتاب نحن فيه الفكر، كنهر موجه من جموع البشر...

وربَّ يومٍ...

فلماذا نبكي؟

وما نفع البكاء؟

إبداعنا الباكي الدامع لا ينفع!!

علينا أن نتحدى ونواجه ونستثمر طاقاتنا الإيجابية لبناء حاضرنا الأحلى ومستقبلنا الأزهى.

ولا بد من الصولة الكبرى على الدنيا والتأهب لضربتها القاضية.

فلنفترسها لا أن تفترسنا!!

إنها خدّاعة كذابة مخاتلة مراوغة، تبحث عن موضع فينا لتنشب مخالبها فيه، وتغرز أنيابها في أعماقنا!!

"ومن يصحب الدنيا طويلا تقلبت.. على عينيه حتى يرى صدقها كذبا"

و" "أحلام يومٍ أو كظل زائلٍ.. إن اللبيب بمثلها لا يُخدعُ"

وأروع منطوق سلوكي، تعلمناه منذ الصغر، وما تفاعلنا بموجبه بحياتنا، ونردده كغيره من الأقوال الخالدة المبثوثة في مجتمعاتنا، وهو: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"!!

فأين نحن من هذه الحكمة السلوكية، التي تحثنا على إطلاق ما فينا من جوهر الطاقات والإبداعات، لنصنع دنيانا العزيزة الباهية وآخرتنا المطمئنة؟!!

إن نكبتنا خلاصتها " نقول ما لا نفعل"!!

وتلك أمة تعجب من قولها الأمم!!

***

د. صادق السامرائي

كان احتلال فلسطين والاستيلاء عليها يستوجب على الحركة الصهيونية تطهيرها من سكانها الشرعيين ثم إحلال يهود الشتات الذين لا تربطهم بالأرض أية روابط مكانهم.

فجاء هؤلاء تحت شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وقد مارست العصابات الصهيونية عمليات التطهير العرقي ضمن خطط تم الإعداد لها قبل البدء بتنفيذها بسنوات.

فارتكبت المجازر وهدم البيوت ومحو قرى بالكامل وعمليات الطرد والإخلاء بهدف استئصال الفلسطينيين من الذاكرة الجماعية. وقد أدت عمليات التطهير العرقي إلى فصل الفلسطينيين عن أرضهم بل وتفكيك المجتمع الفلسطيني.

واستندت تلك العمليات بالأساس على الأساطير والخرافات وتغافلت المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية. فلم تعترف دولة الاحتلال بأنها ارتكبت تطهيرا عرقيا بحق شعب. وأنكرت مسؤوليتها عما أفرزه هذا التطهير من مشكلة للاجئين وتداعياتها على الشعب الفلسطيني لأن كل ذلك تم تحت غطاء دولي.

وقد ساهم هذا الغطاء في محو جرائم التطهير العرقي من الذاكرة العالمية، حيث لم يتم إلى اليوم محاكمة المجرم على ما ارتكب، بل على العكس لقد كوفئ هذا المجرم بعد عام واحد ١٩٤٩ من ارتكاب جرائمه بمنحه العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وبهذا تم تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني سواء مشكلة اللاجئين أو عمليات التطهير العرقي. حتى أن قضية فلسطين وما يحصل داخل حدودها غُيّبت بالكامل عن الواجهة العالمية وتعامت الأنظمة العربية عنها خاصة بعد اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، بل واعتبرت هذه الدول القضية قد حُلت ولهذا دخلت هي الأخرى باتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال.

لكن وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو ازدادت الانتهاكات من طرف دولة الاحتلال حتى أن آثار الاتفاقية وصفت بالكارثية فالجرائم بحق الشعب الفلسطيني ازدادت والمخططات الشيطانية مثل صفقة القرن والتهجير القسري وتهويد فلسطين وغيرها لم تلفت نظر العالم ولم تحرك ضميره.

فجاء 7 أكتوبر لإعادة ما تم محاولة محوه من الذاكرة العالمية، ووضعته في الواجهة الأمامية.

جاءت هذه العملية لتقول للعالم أن الجرائم الكبرى كجريمة التطهير العرقي لا تسقط بالتقادم كما كانت دولة الاحتلال تظن. جاءت لتطلق صرخة في وجه العالم بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب.

وأن طوفان الأقصى يتكاثر في كل مكان من العالم. وأنه لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هو أن يحاسب المجرم على ما ارتكب ويرتكب إلى اليوم، سيحاسب العدو عما ارتكبه ويرتكبه بعد 7 أكتوبر في غزة وبعد محاسبته سيخرج جارا أذيال الخيبة خلفة نحو الشتات، المكان الطبيعي له ويعود أصحاب الأرض إليها بإذن الله.

***

بديعة النعيمي

لم يسبق لي أن رأيت شيخ المقاومة المغربية مولاي عبد السلام الجبلي، حزينا واجما، قليل الكلام أو مهموما من شدة الغيظ والكمد، مثلما هو الحال وهو يبدي عجبه مما ساد فتنة غزة ومقتلتها العظيمة..

فقد صرح خلال حديث متلاطم كعادتنا ونحن نستعرض أمامه آخر أخبار أهلنا في فلسطين السليبة، أن الكلاب الغلاظ المأفونين من أبناء الجلدة، قد باعوا بالخذلان والذل والعار كل قيمة للنصرة والعزة، وطعنوا في آخرة حر الموت ومآسيه، كل أمل في استعادة العزيمة والإرادة؟

ولم يسبق لمولاي عبد السلام الجبلي، أن أبدى وجهة نظره، بهكذا ألم وحسرة، مجزما بقلق استثنائي فظيع، لدرجة استصراخ العالم المحيط، الغائب المغيب عن أفعال منكوسة مستهامة. فقد بات ينظر لقسوة الأخوة والجورة والمشترك الإنساني، كأنها قيد يسقط كل آرام الوطن الواحد والانتماء الخالص والامتداد الملتحد. وأيقن في لحظة انخطاف حائر أن مقتبل الزمن وأسراره المأزومة، أضحت وبالا وخسفا على أمة لا تسبح سوى في غثاء مهيض ومجحف.

-لا يبعد عنا، سوى ذاك النشيش المتهالك من أورامنا المزحومة بالكسل والقعود الزائف والنكوص السافر .. فكيف لبنائنا أن يتعاقدوا مع هذا الفراغ المخيف؟

وكيف لمستقبل بلاد أن تصير في هكذا احتضار وشنار؟

- يقول مولاي عبد السلام الجبلي، وهو يحاول تفكيك دراما الحرب الإبادية الشنيعة على أهالي غزة الأحرار، بأطفالها ونسائها ومسنوها.

وفي فورة كظيمة مثلومة، تعوق عبرة سخينة مقلة السارد الحصيف، وقد اجترح عن فقدان محبرة الرثاء، أنهارا من رؤى الحياة، وهي تنسرب بين مناقرها المأفونة أحزمة من بؤس الزمن وعادياته.

تستعر الخطوب والأنواء، في مصائد القول ونيرانه، فيوتر المؤرخ مولاي عبد الله العلوي، بحكمته المعتادة ودأبه المتفرد، أن يسترد من خلال الحديث إياه، نبوة التصافي وميزاب التواصل، ويعيد شيئا من شامة الدين ومبلغ العرفان إلى نافلة الابتلاء وقضاء القدر المعلوم المكتوب.. فتعود آثار القراءة لطبائع التاريخ وقصصه العابرة، لتنط بين اجتلاء وامتلاء، إغلال وإضمار، إصرار وإدبار ..

المقاوم العظيم المتفرد، المعتزلي الصامد في قيم الإخلاص والوفاء لثورة الحرية والتحرير، مولاي عبد السلام الجبلي، ما يزال ينبض بإرادة الحق وتحرير الشعوب المستضعفة، مهما جارت الأزمنة وامتنعت عن وشم إسارها، متجردا من قواصم العتمة ومسامير السقوط المحذور.

وهو إذ يفعل ذلك، مؤمنا بعاقبة الموعود بالنصر والمأثور بنوازع الصمود والتحدي.

وكأني به يردد قول جبران خليل جبران:

صمدت لصرفهن صمود صخر

فكم سهم تكسر دون صدري

هو كذلك، حينما يذكر قصص المقاومة وعبرها المبتوتة في الأوراق والأرشيفات المتجاورة، يحس كأنه يتنقل بين أيام عميقة التأثير، واجمة في مسلك الوطنية، يعدل بوصلته في راهن ينسلخ باهتبال شنيع ومدجن، ليعيد صياغة العالم، منتقدا ومنتفضا ورافضا كل أوجه القبح والرداءة وقلة البأس؟

***

د. مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

....................

مقطع من مشروع كتاب يحمل عنوان "نثارات سنية من سيرة الشرفا الصفية"*

في المثقف اليوم