أقلام حرة

فارس حامد عبد الكريم: عِلة النزاهة وعللها (1)

عندما أسسنا هيئة النزاهة في سنة 2004 وكانت بقيادة القاضي الاستاذ راضي الراضي، وكان حينها عددنا محدوداً لايتجاوز أصابع اليد، وكانت ترشيحاتنا للعمل في الهيئة من القضاء والقضاة ولاعلاقة لها بأي حزب او سلطة ...

كُلفت شخصياً بوضع قانون هيئة النزاهة وانظمة مفوضية النزاهة كما كانت تسمى في بادئ الأمر  ونظام كشف المصالح المالية، بإعتبار ان التشريع من صميم اختصاصي في دراسة الماجستير - جامعة بغداد، حيث كانت رسالتي تتناول معايير تقييم السلوك ومعايير التشريع والحقيقة وليس مدحاً بالذات حضي المشروع بتقدير اساتذة القانون والمنظمات العربية والأجنبية التي اطلعت عليه ومنها جامعة الدول العربية ولحنة القانون السويسرية ....

وبعد ان دقق في مناقشات طويلة في مجلس شورى الدولة في ظروف مراجعات خطيرة في الشارع العراقي انذاك في 2005 ومابعدها، ومن ثم ارسل الى مجلس النواب لتشريعه

ولكن هذا القانون بقى حبيس المناقشات والجدل حتى سنة 2011 !!! وافرغ الكثير من محتواه عند تشريعه من جهات كانت تخشى قوة النزاهة وصلاحياتها التي تشابه في المشروع جميع صلاحيات الهيئات المقارنة عالمياً.

وقبل مناقشة عِلل النزاهة

نرى ماهي فكرة أو عِلة انشاء هيئات مستقلة للنزاهة تقوم بمكافحة الفساد بدلاً من القضاء؟

حسب الأصل ان ملاحقة جرائم الفساد و العقاب عليها  هو من اختصاص القضاء بمعية الإدعاء العام. لكن هذا الإختصاص الأصلي فشل في مواجهة جرائم الفساد في مختلف انحاء العالم لاسباب عديدة منها:

* ان القضاء يعالج الجرائم بمختلف انواعها من الجرائم التافهة الى الجرائم الكبرى وهو مشغول دائماً وليس متفرغاً لقضايا الفساد المتنامية بشكل خطير والتي اخذت تُمارس باساليب وتقنيات حديثة ويمارسها أشخاص متنفذون يمتلكون قدرات عالية من أساليب التحايل على القانون والإفلات من عقابه.

* قيام مافيات الفساد بالترصد للقضاة الى درجة تهديد او اغتيال كل من يفتح قضية فساد وخاصة في ايطاليا والولايات المتحدة وهونك كونك وغيرها من الدول ومنها اغتيال قاض ايطالي شهير هز موضوع اغتياله العالم لقيامه للتحقيق في قضايا فساد*.

* نتيجة للدراسات المتخصصة حول الفساد في الأكاديميات العالمية اصبح علم مكافحة الفساد علماً مستقلاً بذاته ومن ثم لابد ان تتحقق مكافحته على يد خبراء متخصصين من مختلف الإختصاصات العلمية والإنسانية (قانون، هندسة، طب، محاسبيين وتقنيين ....).

* اصبحت الرؤية الدولية ان تكون مكافحة الفساد عمل مؤسساتي (اي لايقوم به قاض منفرد ) بل عمل متكامل يشمل الوقاية من الفساد وملاحقة قضايا الفساد بأستخدام التقنيات الحديثة وكشفها والتحقيق فيها وان يكون عمل هيئة النزاهة بمثابة عمل متنوع قضائي ووقائي واستخباري وتعليمي  ....

* اكدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005 على انشاء هيئات مستقلة بعيدة عن أي نشاط حكومي او حزبي وتعمل وفق قواعد خلاقة وأساليب مبتكرة وقواعد اثبات جديدة بعد فشل الطرق التقليدية في الاثبات لتحصن الفاسدين باساليب الإثبات التقليدية.

* وأكدت على الجهد الإستخباري في ملاحقة الفساد وتبادل المعلومات بين الدول وملاحقة جرائم الفساد دولياً واسترداد اموال الفساد المنقولة عبر القارات.

* كما اكدت بشكل واضح وملفت على ضرورة ان يملأ كل شخص يتولى منصباً عاماً استمارة كشف المصالح المالية ابتداءاً عند توليه المنصب وعند خروجه من المنصب لبيان مدى تنامي امواله خلال فترة خدمته العامة بشكل لايتوافق مع مصدر دخله الاعتيادي.

وحاولنا جهد الإمكان ان يتوافق القانون مع متطلبات الاتفاقية الدولية بكل تفاصيلها ولكن هذا ازعج الكثيرين!!

  ومن ذلك:

ابتداءاً لايشترط ان يكون رئيس الهيئة قاض

والمتعارف عالمياً ان يكون رجل قانون وبعض الهيئات تعتمد محاسبين قانونيين لرئاستها وتعطي لرئيسها صلاحيات رئيس وزراء او وزير كما هو حال السلطات المستقلة في الدولة

ولكن الذي حصل وخلافاً لمشروع قانون الهيئة الاصلي

يتم تعيين قاض من الصنف الاول بدون صلاحيات قضائية حيث رفعت من مشروع القانون !!!! واي قرار يتخذه يجب ان يعرض على قاض تحقيق قد يكون من حديثي التخرج ومن الصنف الرابع للموافقة عليه او رده!!!

وهذا ليس عيباً بحد ذاته ولكنه يؤخر العمل كثيراً وقد يقرر القاضي  عدم اعتماد تحقيقات محققي النزاهة واعادة التحقيق من البداية وهذا من حقه قانوناً.

وهذا في الواقع خلاف مضمون فكرة انشاء هيئات نزاهة مستقلة حيث تمت اعادتنا للمربع القديم اي اختصاص القضاء في مكافحة الفساد  بدلاً من اختصاص هيئة النزاهة وكأنك يابو زيد ماغزيت

* في دورة دورة تدريبة في مصر دهشنا من الوسائل الاستخبارية المتطورة عند دائرة الرقابة الإدارية  مثلاً لديهم مسدس يرمي كاميرة صغيرة من نوافذ البنايات التي تخضع للرقابة ...

 وقد كوفح موضوع استخبارات النزاهة بشدة في مشروع القانون بداعي انكم تحاولون ارجاعنا للماضي وتقاريره وكأن الدول الديمقراطية الكبرى لاتوجد فيها استخبارات ومخابرات وتقارير مع اختلاف الغرض عنها في الدول الدكتاتورية هنه في الدول الديمقراطية!!

* وعندما طالبنا ان لايخضع محققي النزاهة للتفتيش عند زيارة مؤسسات الدولة ليتمكنوا من تسجيل الجرائم ومراقبتها وخاصة الرشوة كانت الاستجابة معاكسة حيت أبلغنا حراس احد الوزارات ان هناك تعليمات مشددة لتفتيش منتسبي النزاهة بشكل خاص ودقيق وسحب اي جهاز يحملونه!!!!

***

فارس حامد عبد الكريم

النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية

..............................

*من ذلك اغتيال القاضي جيوفاني فالكوني (بالإيطالية: Giovanni Falcone)‏ (18 مايو 1939 باليرمو - 23 مايو 1992) قاض إيطالي قضى حياته في محاكمة المافيا الصقلية كوزا نوسترا. اغتالته المافيا مع زوجته و ثلاثة من حراسه في انفجار قنبلة بلغ وزنها 350 كلغ من الديناميت تحت الطريق السريع من مطار بونتا ريسي لباليرمو بالقرب من بلدة كاباتشي.

 

في المثقف اليوم