أقلام حرة

ثامر الحاج امين: من دروس الدهاء السياسي

في عالم السياسة كثيرا ما يتردد مصطلح " الدهاء السياسي " الذي يشير الى الذكاء والحنكة والاتزان في التعامل مع الامور السياسية واتخاذ القرارات في حالة من الهدوء والتروي بعيدا عن حالة الغضب والتهور اللذين يقودان في غالب الأوقات الى التهلكة ودفع الثمن غاليا، ولا نبرأ الدهاء السياسي من المكر والمخاتلة وسعة الحيلة لكنه يختلف عن الانتهازية السياسية التي يمارسها عدد من سياسيي الصدفة الذين يتقافزون من شجرة الى اخرى من أجل الوصول الى الثمرة الأكثر نضجا، حيث أفرزت ساحتنا السياسية انماطا مختلفة وغريبة من الأداء ومنها ان السياسيين مهما اختلفوا فيما بينهم  وكشروا عن عداواتهم وتبادلوا الاتهامات  فانهم سرعان ما يضعون خلافاتهم جانبا ويعودون الى التوحد عندما يشعرون بخطر ما يهدد سلطتهم ويتوحدون امام عدوهم المشترك، فالممارسة السياسية في نظرهم تستدعي الكذب والتخلي عن المُثل والاخلاق من أجل تحقيق المنفعة التي تأتي من وجودهم في السلطة والتي يُطلق عليها اليوم بـ " البراغماتية السياسية " التي تؤكد على ان من يحكم الفعل السياسي هي المصلحة اذ ليس هناك عداوة وصداقة دائمة انما هناك مصلحة دائمة، في حين الدهاء السياسي يعني الفراسة وادراك عواقب الأمور واتخاذ القرار المناسب للخروج من المأزق بأقل الخسائر وكذلك اجادة فن استخدام أوراق القوة، ومن قصص التاريخ الطريفة التي تشير الى الدهاء السياسي هي عندما انشغل عبد الملك بن مروان بمحاربة مصعب بن الزبير، اجتمع وجوه الروم الى ملكهم وقالوا : قد امكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض والرأي ان تغزوهم في بلادهم . فنهاهم عن ذلك وخطّأ رأيهم ودعا بكلبين فأرش بينهما فاقتتلا قتالا شديدا، ثم دعا بثعلب فخّلاه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ماكنا فيه واقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم : هكذا مثلنا ومثلهم، والطريف ان هذه الحكاية لها ما يشبهها في واقعنا المحلي ففي مدينة الديوانية ــ محلة الجديدة الشعبية ــ عاشت عائلة عُرفت بكثرة نزاع ابنائها فيما بينهم وعادة عندما ينشب النزاع يهرع احد الجيران للوقوف بين الأخوة لفض الاشتباك ــ حاجوز ــ لكنهم كانوا يتركون نزاعهم جانبا وينقضّون عليه .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم