أقلام حرة

نهاد الحديثي: الثقافة والسرعة الجنونية

كلنا نعلم نتيجة التهور وقيادة السيارة بسرعة جنونية. ومن المؤكد أن ضحايا الحوادث أنفسهم كانوا على يقين بأن الموت نتيجة حتمية لـ “هوَس” السرعة، والافتتان والمظهرية الخادعة، وتسلط النزعة الاستعراضية القاتلة. هل هناك فئة من الناس تبحث عن الموت وتسعى إليه؟ لماذا يصر هؤلاء الصبية والشباب والمراهقون، وحتى الناضجون أحياناً على السلوك المتهور الاستعراضي، ويضربون بقول العقل، وحكم المنطق، وبالقوانين والتعليمات عرض الحائط؟ دراسات مرورية عالمية عديدة حاولت تقصي واستقراء “سيكولوجية” ضحايا حوادث المرور قبيل أن يلقوا حتفهم، واستطاعت كثير من المحاولات أن تقف عند الحالة النفسية للضحية، وتشخيص الأسباب الكامنة. ففي دراسة أميركية منشورة، تبين للباحثين أن أكثر من 68% من ضحايا حوادث السيارات المميتة لم يكن لديهم عمل أو حاجة ملحة، فنجد الصبية والمراهقين المتهورين يقومون بحركات تنافسية استعراضية قاتلة يميناً وشمالاً دون اكتراث أو شعور بالخطر، أو تقدير لما يمكن أن يحدث، وهناك من يتفننون في أنواع من الحركات المميتة فتقع الكوارث من زهق الأرواح وتحطيم الأبدان، وترويع الآمنين. ولا ينبغي أن نغفل التأثير السلبي لتمويل البنوك وتشجيعها لتسويق السيارات بسهولة ويسر، والضمان الإجباري من قبل شركات التأمين على السيارات، فنجد الشاب المستهتر لا يعير اهتماماً لأي ضرر يمكن أن يلحق بسيارته، فغالبيتهم حصلوا عليها بسهولة ودون مشقة، وعند الضرر أو التلف ستتحمل شركات التأمين كافة التكاليف والأضرار، وهو مؤشر خطير يعزز الاتجاهات السلبية والاستهتار لدى هؤلاء المراهقين”. حقيقة «الهوس» يوضح الدكتور محمد الجارحي، استشاري الطب النفسي، حقيقة “هوس” السرعة والتهور عند بعض المراهقين والشباب.

ليس من الجديد القول إن هناك فجوات في ثقافة السواقة لدينا، وعدم إدراك الكثيرين لخطورة ما لا يلتزم به! قد تكون هناك أسباب اجتماعية واقتصادية لذلك، سواء من توفير السيارات بسهولة، وبالذات الرياضية منها، وعادة السواقة في عمر مبكر، أو عدم التزام السائقين الشباب بالأنظمة، لأنهم يعتقدونها أنها مقيدة لهمَ مثل ربط حزام الحزام، أو تجاوز السيارات وعدم إعطاء الأولوية ،، نحن بحاجة تعزيز الثقافة المرورية، ورفع الوعي المجتمعي، مع تعزيز دور المؤثرين في نشر ثقافة القيادة المسؤولة، ناهيك تكثيف معلومات وأهمية وتطبيقات السلامة المرورية في المناهج الدراسية، و الأهم هو ضرورة تشديد الأنظمة وتطبيقها بصرامة، مع فرض غرامات مرتفعة على المخالفات الخطرة، مثل قطع إشارة المرور، والتجاوز الخطر، وهذا يشمل تكثيف رقابة الكاميرات الذكية في أهم المحاور والطرق. وقد يساعد تبني مفهوم تسجيل نقاط المخالفات لمن يحمل رخصة السواقة، ذلك أن تفعيل النقاط التي تؤدي إلى سحب الرخصة عند تكرار المخالفات، سوف يمنع الكثيرين من المخالفة، ويقودهم نحو الالتزام الصارم، وتكثيف الرقابة باستخدام الكاميرات الذكية والدوريات المتنقلة، ورغم أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتقنا السائقين أنفسهم، إلا أن تحسين ثقافة السواقة يحتاج لجهد مشترك بين الجهات المنظمة وأفراد المجتمع، والجهات ذات العلاقة، وهو ليس ترفاً، بل ضرورياً للحد من الحوادث وحماية الأرواح.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم