أقلام حرة

علي حسين: محبة عراقية

اتابع العمود الاسبوعي الذي تكتبه الصحفية والروائية إنعام كجه جي، وكنت ومازلت مغرماً بروايتها الساحرة التي تكشف لنا من خلالها عمق ارتباطها بوطنها ومحبتها التي تتعمق يوما بعد آخر بالعراق برغم سنوات الفراق.
في المقال الأخير تحكي لنا واحدة من قصص العراقيين المرتبطين بأرضهم، وهذه المرة نقرأ عن "محبة سعد القهوجي"، الفتاة العراقية الموصلية التي نافست سكان بلاد موليير ومارسيل بروست على فن الخطابة باللغة الفرنسية، وحصدت المركز الاول.
الفتاة التي ولدت بعد التغيير في عام 2003 بأشهر، تركت الموصل عام 2015 بعد ان نجت مع عائلتها من سكاكين داعش الارهابية، لتحط الرحال في فرنسا، هناك تبدأ حياة جديدة تأمل من خلالها ان تمد يد العون لأهلها في العراق.
محبة التي تفوقت في بلاد تحب الشعر والخطابة تقول لإنعام كجه جي عندما تسألها عن اللغة التي تفضل أن تحاورها بها: "العربية.. أفتخر بأنني ما زلتُ أقرأ وأكتب بها. لو لم أكن عراقية لكان حلمي أن أكون عراقية".
وأنا اقرأ عبارة محبة القهوجي وحلمها العراقي، تذكرت رجل الدين الشيخ مصطفى الانصاري الذي خرج علينا ذات يوم من على شاشة احدى الفضائيات ليقول بكل اريحية ان العراق غير مهم بالنسبة له، مثل اهمية ايران. لان العراق حسب رأي الشيخ الانصاري مشروع استعماري بريطاني، وكنت اتمنى لو يقرأ الشيخ ومعه اعضاء جمعية كارهي العراق كلمات العراقية محبة القهوجي.
تنتمي محبة إلى صف طويل من الذين يمثلون العراق الحقيقي، والذين أدركوا معنى أنهم يتباهون بانتمائهم الوطني، في مواجهة ساسة الصدفة الذين يريدون ان يتحول الى دويلات صغيرة واحدة ترفع علم السنة والاخرى تتمسك براية الشيعة.
أحزاب وتجمعات تسخر من الوطنية وتعتبرها عارًا، فيما يتنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الأول يشرّع قوانين للتقليل من شأن المرأة في المجتمع، والثاني يبتسم في الفضائيات وهو يخبرنا ان همه الاول ان تعيش دول الجوار برفاهية.
أخطر ما ابتلي به العراق أن تولى أمره وتحدث باسمه من لا يعرف قدره ومكانته.. بالأمس كنت ابحث في غوغل عن محبة القهوجي، فوجدتها تتحدث الى اذاعة مونت كارلو، وتقول انها بعد الغربة صارت تحب العراق اكثر: " حبي للغتي الام زاد .. حبي لثقافة العراق، فالبعد لم يغير شيئا، بالعكس البعد يُقرب " .
هذا هو وجه العراق الحقيقي، وجه صادق، أكثر اجتهاداً ومحبة لروح المواطنة، لا حديث عن الطائفة والمذهب، وإنما سجال عن عراقة العراق، ولهذا تظل محبة القهوجي نموذجاً مهيباً، في مواجهة مجاميع لا تتحدث إلا بالمنفعة ونهب الاموال.
***
علي حسين

 

في المثقف اليوم