أقلام حرة

جمال محمد تقي: شايلوك يعانق "الديكتاتور العظيم"!

في عام 1940 عرض فلم شاري شابلن "الديكتاتور العظيم" الذي يسخر فيه من هتلر وسعيه للسيطرة على العالم، وكانت عبقرية شابلن تتنبأ بما هو قادم، والقادم كان اعظم!

  توج هتلر حلف محوره بحرب معلنة على العالم بما فيه امريكا البعيدة جغرافيا والقريبة بجنس طموحها منه، منتقما من تجاوز حصته التي يجب ان تكون كبيرة ومؤثرة وفائقة لتليق به وبالجنس الجرماني - الاري، وتفوقه العرقي، كانسان فائق القدرة "سوبر" برفقة الوصيفات الارية التي تتبعها سلاليا وبحسب وصفة غوبلز للاجناس والاعراق، وحتى تتحقق النبوة لا بد ان يتطهر عقر الدار من دنس المشكوك باصالتهم ونقاء دمائهم، كاليهود والغجر، وفي الطريق كل اعداء انفسهم من شيوعيين ومثليين !

 تم انتاج وعرض الفلم في امريكا حيث كانت وقتها تستقطب صفوة الهاربين من النقمة النازية، ككبار العلماء والاغنياء من اليهود وغيرهم، ومنهم انشتاين والعديد من القامات الفكرية الاوروبية طلبا للحماية، وقد استثمرت الطغمة الامريكية بالفرصة المتاحة، وكان حصولها على اسرار السلاح النووي بفضل انشتاين واحدا من عوامل مراهنتها على التدخل المباشر في الحرب وبهدف متجدد لاعادة تقاسم العالم والحد من النفوذ الشيوعي المتصاعد خاصة بعد انتصارات الجيش الاحمر، وكانت تجربة هيروشيما ونكازاكي كافية لدحض اي ادعاء كاذب عن الدعم الامريكي النزيه للشعوب، وما خطة مارشال لاعادة اعمار اوروبا الغربية الا استثمار مباشر على طرق سطوتها، المعززة باستسلام اليابان، وكان درع الناتو قد ارسى قواعده لمواجهة السوفيات، وتقليم اظفارهم في اوروبا وفي شبه الجزيرة الكورية !

التفتت الطغمة الامريكية الى الداخل الامريكي، بحملة منظمة لمكافحة الفكر اليساري الذي انتعش في المراكز الفكرية والفنية بما فيها استوديوهات هوليوود ذاتها، حيث انتج واخرج فلم شابلن،  فكانت المكارثية " نسبة الى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي " حملة اجتثاث استمرت منذ 1950 – 1954  لملاحقة ومحاكمة وسجن الآلاف من اصحاب الثقافة المنفتحة والمناهضة للحروب الامبريالية بتهم ملفقة كالخيانة والتجسس والشيوعية، كانت ارهابا ثقافيا صارخا، ومن المفارقات ان رونالد ريغان كان احد نشطاء تلك الملاحقات سيئة الصيت، ايام كان احد ادوات السلطة بين العاملين والممثلين في هوليوود !

شايلوك يبعث لحكم امريكا !

يقول نعوم تشومسكي في كتابه من "يحكم العالم" ان الطغمة المالية الاوليغارشية المتكاثفة بارصدتها المليارية والترليونية تعيد انتاج السلطة بعد تنشيفها من اي روح اخلاقية، فالشعب الامريكي، بل شعوب العالم تدار كالقطعان، لذلك تبرز مسؤولية الطبقة المثقفة لتعرية الانتهاك الناعم والخشن لكل القيم الانسانية، ومن يغمض عينيه عن رؤية الواقع جبنا ومداهنة لاصحاب النفوذ سيكون شريكا في جريمة الدوس على كرامة البشر، وهنا تفقد الثقافة روحها الحرة الخلاقة!

ترامب تاجر العقارات، يتصرف كما هتلر في فلم الديكتاتور العظيم، وهو كتاجر البندقية في مسرحية شكسبير، يتلاعب بمصائر الناس، يستقطع من اللحم الحي بحق سطوة المال والقوة الغاشمة، يبيد شعوبا ويمحو دول، وسوط القروض وارهاب الكمارك، والحصار والدمار عقاب لكل عاصي!

ترامب هو الابن الشرعي لتزواج قديم جديد بين الصهيونية الايمانية، الوجه العنصري للراسمالية اليهودية وبين الوجه الاخر للعنصرية "البيضاء الانكلوسكسونية" للراسمالية المتوحشة الساعية للتسيد على العالم، فمن إبادة الهنود الحمر والاستيطان بارضهم الى مسعى ابادة الفلسطينيين واحتلال ارضهم !

رب توراتي ملفق يعقد صفقة مع رب انجيلي مزيف لينزل على الهيكل رب جديد فيه شيء من شايلوك وهتلر وترامب، اجرام بربري ربوي باسم رب وثني مختلق، اجرام، يفوق خيال شارلي شابلن وانشتاين بالمطلق !

***

جمال محمد تقي

في المثقف اليوم