نصوص أدبية

نصوص أدبية

My   birthday.

مع ترجمة الدكتور يوسف حنا. فلسطين.

***

*** يوم ميلادي

بصق غراب خلسة في فمي..

قبل أن تطارده ممرضة بساق مقطوعة

بينما أمي في ثلاجة الأموات

تحصي عدد البواخر الحربية

التي ستخيم في ميناء صدري..

*

يوم ميلادي

قرع جباة ضرائب باب البيت

هشموا مصابيح الروح الكابية

بمكانس طويلة..

ثم سقطوا في بئر معتمة

بحثا عن كنوز يوسف الضائعة..

*

يوم ميلادي

بال قاطع طريق على قماطي

لأن وجهي مخيف ومقزز جدا

ومثير للغثيان..

كاد يصوب مسدسه باتجاه وجهي

المتهدل مثل نهد ثرثار ..

لولا عبور ثور هائج تحت قميصه

واندلاع حريق هائل في غابة رأسه..

*

يوم ميلادي

هاتفني الحظ بسرعة فائقة

أن عربته معطلة ..

والطريق مطوقة باللصوص..

*

يوم ميلادي

إستشرت الأوبئة والمجاعة والحروب وغارت الينابيع وعز الخبز وكثر السفسطائيون والقتلة والإخوة الأعداء..

والنخاسون وبائعو الذمم..

وصار الموت ضرورة يومية .

*

يوم ميلادي

يوم ولدت بعين واحدة مثل مسيح الدجال..

قال الطبيب: سيكون لهذا المسخ

شأن عظيم..

سيعيد التاج والمجد لقصيدة النثر

سيحرر العبيد من ظلمات العادة..

سيبني سورا عظيما من الكلمات..

لحراسة الأعماق من الخواء القادم..

سيهذب طباع الفهد في مرتفعات النثر..

سيقتل أربعين ناقدا أمام مغارة التأويل .

*

يوم ميلادي

إحترقت سيارة الإسعاف تحت سريري..

واختفي السائق داخل عمودي الفقري..

ناداني دب بني من الشرفة

لا تبق في المدينة يا بني..

حياني ومضى مثل راهب أنيق..

*

يوم مولدي

جد عراك رهيب بين متناقضاتي..

بين ملاك وشيطان يفتحان النار

في حجرة الولادة..

حيث يتطاير ريش مبقع بالدم

في الهواء ..

يتقاتلان من أجل وليمة قذرة .

***

فتحي مهذب. تونس

.............................

My birthday

Fathi Muhadub / Tunisia

Translation from Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

On my birthday

A crow surreptitiously spat out in my mouth,

Before a nurse chased him with a severed leg.

While my mother is in the dead refrigerator

Counting the number of warships

Which will camp in my chest port.

On my birthday

Tax collectors knocked the door,

Smashed the lamps of the dark spirit

With long brooms.

Then they fell into a murky well,

In search of Joseph's lost treasures.

On my birthday

A bandit urinated on my swaddle

Because my face is so scary, disgusting,

And nauseating.

He nearly pointed his gun towards my flabby face

Like a garrulous breast,

If not for a raging bull had passed under his shirt,

And if not for a huge fire had broken out in the forest of his head.

On my birthday

Luck called me at full pelt

That his vehicle was broken

And that road is surrounded by thieves.

On my birthday

I consulted epidemics, famine and wars,

springs oozed away, bread stingy, and sophists, murderers, enemy brothers, slavers and debt sellers multiplied

And death became a daily necessity.

On my birthday

On the day I was born with one eye, like the Antichrist

The doctor said: This monster would be of great significance;

He will return crown and glory to the prose poem

He will free slaves from the darkness of habit.

He will build a great wall of words

To guard the depths of the coming emptiness.

He will refine leopard temper in the heights of prose.

He will kill Forty critics in front of the cave of interpretation.

On my birthday

The ambulance burned under my bed.

And the driver disappeared inside my spine.

A brown bear called me from the balcony:

ــــ Don't stay in the city, son.

He greeted me and went like an elegant monk.

On my birthday

A terrible fight between my contradictions had happened,

Between an angel and a demon opening fire

In the delivery room

Where blood-stained feathers fly

Up in the air...

They fight over a sloppy feast.

****

الى لئيمة

بعيداً عن الندمِ الذي قادنَي اليكِ، كنتُ أراكِ تنوئين في أسفلِ الجحيم، أرى الشرورَ كلَّها في كلماتكِ

التي نسيتُها في جيبي, وأنا أسير على أرصفة أحلامك حاملاً دورق حبكِ المليءِ بالجحودْ

كنتِ ليلةَ عذابي الكبرى، أيّتها الحالمةُ في اليرقاتِ التي أرسمُك فيها وأطلقُها في الهواء،

كيف َ تكلّسَ حبُكِ في عظامي؟ وأنا أقتفي أثَر اليرقاتِ التي رسمتُكِ فيها،

كيفَ تدحرجَ كلُّ شئٍ من كفّي وأنسكبَ في الطرقاتِ التي تقودُني اليكِ؟

أحاولُ أنْ أخبِئكِ بسُرّتي وأنزوي في الظلامْ، وأترك قدري قرب السواقي التي ترآءت في أحلامنا

أحاولُ صُنعَ القواربِ قربَ البيوتِ القديمةِ المطلّةِ على السواحلِ التي لا أعرفُها،

علّها تقودُ حيرتي اليكِ، وتعبسُ بوجهي، كلّما أترك قصائدي معلقة على الأسلاك

 وأتبّعُ طرقَ النحلِ القديمةِ المعبّدةِ بشروركِ التي ألفتُها، أوقد الفوانيس لأرى لؤمك منكسرا أمامي

هذا قلبي الذي غدرتِ به !! وتلك دماؤه بين أسنانك، تقطر على ثوب جحودك

و أنت تلقين الطلاسمَ وتَطلُين برأسكِ من النافدة، التي شهدت هيامي وشقوق يدي التي لوّحت اليكِ

دعيني أصنعُ اليرقات وارسمكِ فيها، يا نحلتي التي  سرقتْ رحيقَ بساتيني

واندفعتْ نحو الشتاتِ تمنحُ عسلَها للأخرين،

ما زالَ وجهُكِ يكبرُ في الظلامِ وجمرتُك تتقدُ بيدي، وجهُك الجاحدُ ملتّفٌ بأوزارِ الدنيا كلِّها

رأيتُ خطيئتي ترتسمُ على جناحيكِ وأنتِ تُحلّقين بلؤمٍ حولَ أحزاني، وتلوذينَ بصمتكِ الذي يشي بكلِّ شئ

هناك حيثُ أقيمُ مأتماً لحُبّي الذي هشّمتُه معاولُ لؤمكِ، وأنتِ تؤمينَ المصلينَ على جنازتهْ!!

تصوّروا أودّع قلبي عند قاتليه، وأتركُ جسدي مصلوباً على عامودِ لؤمكِ، وأنتِ القاضي المتهم بدمي

يا خطيئتي وجمرةَ عشقي، كيفَ قادنَي الطوفانُ اليكِ؟ كيفَ أنصهرتُ بكِ ذاتَ ندمْ؟ كيفَ تحوّلتْ يدي الى عُشبٍ تتمديين عليه؟ وتهبينَ دُثاري للأخرين؟ كيفَ أصبَحَتْ حتى كيفَ حزينةٌ عليّ؟ وأنتِ تسخرينَ منها!! رأيتُكِ تنزعينَ كافَها وتلقينها من النافذة، وتدوسين على يائها بجحودِكِ، وتركتِ فاءها في الطرقات!!

 ولازلتُ أصنعُ اليرقات وأرسمُكِ فيها، واُطّلُ من النافذة التي شهدت هيامي وشقوق يدي التي لوّحت اليك

 انا ذلك اليتيمُ التائهُ في أزقّة صدركِ، يفرشُ رداءه للصدقات!! وأنتِ تنظرين لي وترقصين لغيري، تبّاً لك، وتبّا لغيري الذي ترقصين له على هامشِ وجعي، هذا قلبي الذي غدرتِ به، هذا قلبي!!

المصلوبُ على عامودِ لؤمكّ، تركتُه يئنُّ وذهبتُ أصنعُ اليرقاتِ وأرسمُكِ فيها!!!

***

* رسول عدنان - شاعر وناقد عراقي

 

عَبَرْتُ مضيقكَ الأعْتى أنادي

زماناً عاشَ في خُلدي كحادي

*

مِنَ الإسْبانِ جاوزتُ المياها

أخاطبُ صولةً هَدَمتْ عِنادي

*

بها سُفنٌ مِنَ الإيمانِ صالتْ

على بلدٍ وسيعِ الإمْتدادِ

*

مَلاحمُ أمّةٍ رَفعتْ لواءً

يُعلّمنا مراسيمَ القيادِ

*

تساءلَ حاضرٌ عن يومِ أمسٍ

تُباركهُ أساطيلُ الجهادِ

*

أرى زمناً بهِ الأزمانُ حارتْ

فهلْ عُقِرَتْ طوابيرُ الجيادِ

*

إذا نَعلو بأوقاتِ انْتصارٍ

يُدَحْرجنا التلاحيُ للتصادي

*

كأنّا ضدَّ أنفسنا وأنّا

على بعضٍ كأعوانِ الأعادي

*

تلاحمَ شرُّها والخيرُ يَنأى

وأوطانٌ بمُعضلةِ الفسادِ

*

فما رَبَحتْ تِجارتُهمْ فعادوا

لمُبتدءٍ بدائرةِ الرقادِ

*

مَلكناها فهانتْ في يَديْنا

وأضْحَينا كهامِدةِ اتْقادِ

*

تطوّر غاصِبٌ وغَفى سليبٌ

فعاشَ الضيمُ مَطلوقَ السيادِ

*

سَرابٌ حولهُ صِغنا شِعاراً

نُطاردهُ بأجْيالِ الكسادِ

*

حَملنا همّ أمّتنا طويلاً

وما فازتْ مزاعِمُنا بفادي

*

أصابوا كلَّ مَستورٍ لدَينا

وجابوا في شوارعها بلادي

*

بنا الأيّامُ أوْهَنها التداعي

وأوْجَعها التفاعلُ كالندادِ

*

سلامٌ من صَبا روحِ المَعالي

على جيلٍ بجَوْهَرهِ المُبادِ

*

أنينُ الروحِ موقدهُ تلظى

بمَجْمورٍ ومَنزوعِ المُرادِ

*

مَصائرُنا أضاعَتْ مُنطواها

وباتتْ رَهنَ تقريرِ اعْتمادِ

*

فما جئنا جَديداً أو أصيلاً

بَدائعُنا من القولِ المُعادِ

*

فلا عقلٌ يؤهلنا لشأوٍ

مَكارمُنا بمأدبةِ الجَوادِ

*

ترنَّح حالمٌ برؤى انْطلاقٍ

مُعلقةٍ بأنياطِ الفؤادِ

*

سَكبْنا كلَّ موجودٍ برَملٍ

وأمْعنّا بمانعةِ الوِدادِ

*

نكرنا ما بجُعبَتنا فتُهنا

نُباركُ ما بمكذوبِ النَجادِ

*

نَسيْنا فرحةً سَكنتْ بأرْضٍ

وأدْمَنا مَراسيمَ الحِدادِ

*

نعادي مَجدَ أيامٍ أضاءتْ

لتنْهدمَ المعالمُ بالأيادي

*

فحاجَتنا لمعكوسِ اقْتحامٍ

يُبشرنا بترياقِ العَوادِ!!

*

نريدُ صولةً كبرى علينا

يقودُ جيوشَها إبنُ الزيادِ

***

د. صادق السامرائي

 

في ليلة غاشمة لا ترحم، كانت الرياح تعصف بالأشجار والأمطار تتساقط بغزارة، عندما سمع سلام ذلك الصوت الغريب والمهيب في السماء. كان الصوت يردد الكلمات ذاتها ثلاث مرات أو أكثر: "اهتم بالقرب والقريب أولاً قبل فوات الأوان". لم يتذكر سلام عدد مرات تكرار العبارة بسبب شدة الصدمة والذهول والخوف من المجهول. اكتسح وجدانه شعور غريب امتزج فيه الهلع والقلق. شعر أن إحساسه بفرضية استمرار الحياة أرضا تتضاءل بسرعة غير معهودة. فكر ودبر بسرعة لأن الوضع الذي وجد فيه لا يرحم ولا يتيح إمكانية التركيز في التفكير، ثم أقر بوعي تام أن الرسالة موجهة له شخصيًا، وعليه أن لا يسقط نفسه في حالة التيه والتفاهة. أبحر في سهاد عميق قاده لبرزخ فضائي وكأنه مشيد بين الحياة والموت. تعسف بكل ما لديه من قوة ليتملص من وضعية الهذيان المحتمل. ركز بوجدانه على رجليه الواطئتين على رخام غرفة نومه، فنهر نفسه قائلا: "أنا لازلت موجودا على الأرض". حينئذ خرج مهرولًا خارج منزله. لم يكن يدري ماذا يفعل سوى أن يذهب إلى جاره الشيخ عبد المحفوظ. أسر لنفسه في طريقه : "هذا الرجل منفذي المعهود في حالات الضيق والاضطراب. إنه مصدر حكمة لا تضاهى في موطننا. أنا لا أطمئن إلا لهذا الرجل الوقور المؤمن بالوجود وغاياته".

عندما وصل إلى الباب، دقّه بشدة. فتح الشيخ عبد المحفوظ بهدوء تام، كأنما لم يكن هناك عاصفة في الخارج. نظر إلى سلام بهدوء وقال له : "أهلًا يا سلام، ماذا هنالك؟". لكن سلام، الذي كان في حالة من الارتباك والذعر، بدأ يتحدث كلمات متقطعة وهو يحاول التنفس بعمق: "م... م... هذا النداء... أيها الجار الكريم...".

ابتسم الشيخ عبد المحفوظ ابتسامة ماكرة، وقال: "أنا أضع قطعًا سميكة من القطن في أذني منذ شهور لكي لا أسمع، وألوك العلك نهارًا لكي لا أتكلم".

صمت سلام للحظة، شعر بغرابة الموقف، وسحب نفسه قليلاً إلى الوراء. كان قد أدرك شيئًا مروعًا، لكنه لم يكن مستعدًا للاعتراف به بعد: "هل من المحتمل أن نعيش يومًا في موطن أصم وأبكم، وفي عالم نجهل مصيره؟".

تراجع إلى الوراء مستحضرا حكمة الشيخ عبد المحفوظ وخبرته. غرق مجددا في تفكير عميق، فسأل نفسه : "هل أصبح العالم بالفعل مكانًا لا يسمع فيه الناس صرخات الآخرين؟ وهل كانت تلك الرسالة التي سمعتها حقًا دعوة للانتباه إلى أولئك الذين أصبحوا جزءًا من خلفية الحياة اليومية؟ أو كانت مجرد صدى في سماء ضبابية، لا يحمل سوى سراب؟".

تهاوى جسمه بالكامل على ركبتيه من شدة الحزن وضغط معاناة امراضه المزمنة. شد رأسه المكلوم بكفيه بقوة، ثم لفظ آخر عبارات وجوده "ما كنت أعرفه فقط هو أن في هذا العالم، قد لا تكون العاصفة هي أخطر شيء... لكن من حقي أن أتساءل أين إنسان رسالات محمد وعيسى وموسى صلى الله عليهم وسلم؟. قصاص السماء بيننا الذي لا نعلم إلا الفتات من حقائقه، فوداعا إذن يا أهل الأرض ... لكن أين المفر المنصف؟".

***

(قصة قصيرة)

الحسين بوخرطة – أديب وناقد

كل ظهيرة

أحلم بثالثة

تسكب مسميات الليل والنهار

في ينبوع ضوء

شفيف

وغامق

يتبلور في برهة الغياب

ويذوب في مطحنة الحضور

أحلم برابعة...

تذهب أوراق خريفي

أرى ولادة الزمن

خلف نافذة خامسة

(أمام نافذة التلفزيون

أتوهج

أتجمد

أتعفن

خلف جدار الكتابة)

أحلم

مدينتي تتعرى

ولعا باللحظة

ومحوا لالتماعات الأصنام الخضراء

حبيبتي...

وحدة تنوع نساء الأرض

(هكذا أفتن فحولة بقايا رماد)

سأتسلق سيقان الموت والحياة

لقطاف ثمرة سابعة

(من معي يتألم

من وعورة النظر الى السور

الكبير

لا نستطيع التنزه والتحدث م...ع...ا

نحنو على الوحيد

الذي لجلالة سوره

من أسمائه الأوحد...ربما

أليس له أبناء بررة

يخفون انحناءاته

لن يحيا طويلا

أحفاده

حواجز صغيرة...ربما

لن تسترد التحديق

إلى السهول الضارية من ظمأ بعيد

المتكاثرة مع نهوض

البرق

من نوم الأعراف)

أرجوحة كلمات غائمة

خاطفة

ضجرة

تنثر التراب إلى الأعالي

فلا يعود نافورة دم

كما عزفت الريح

وتنثر الأعالي إلى الله

خبأها تحت وسادته

ونام

يحلم مثلنا بفراديس

لا يسكنها أحد

نحن في ثقوبنا الأرضية

نحلم في مياسم منفى

من جحيم

لا أحد منه يغادر

إلى فضاء وسيط

أقل وحشة

ليس بوسعك أن ترى كل شيء

خلف شاشة الكون

يتسلى

بلعبة ناديي الملائكة والشياطين

يثور ضاحكا

ونحن نطل برؤوسنا الصغيرة

من المخابئ القذرة لنعرف الضحك

لكننا نتساءل في ورقة الظلام

لم لم تستو

أيام الأسبوع ثمانية؟!

***

شعر: باقر صاحب

السماء ملبدة بالغيوم الرمادية، والرياح تنقر شيء فشيء على النوافذ لعلها سوف تمطر اليوم ...
لم تصدق إنني منذ وصولي قبل يومين إلى القدس إحتضنتني رائحة المدينة كلها وكأنها كانت في إنتظاري...
أشعر منذ أن وضعت قدماي على أرضها بأن رائحة أشجار الزيتون ممزوجة بالأبنية والشوارع والأرصفة الحجرية تريد أن تسرد لي حديثاً طويلاً ... هل تتصور كيف إنني أحاول أن آتي بالقدس إليك من خلال الأسطر التي أزحمها بالتفاصيل الصغيرة إلا انني أعجز عن الكتابة وكأن اللغة كلها علقت في حنجرة القلم ....
أتعلم أن القدس ليست كما تخيلتها أو قرأت عنها حتى.. هي مختلفة حين تتجول فيها وكأنها تأخذك إلى أعماقها ومداخلها الضيقة والواسعة وباحاتها والتي هي الأخرى لا تتسع لها الأحرف للكتابة عنها ......
لأول مرة أشعر بأن هناك مدن لا تحتاج إلى من يحدثك عنها هي تحدثك عن نفسها بلا كلمات وكأنك تشعر بأنها تهمس لك بالأحاديث والأسرار....
هنا شروق الشمس مختلفاً يبدو ضوءها أكثر إصفرارا وكأن الذهب يتساقط عليها كالمرآيا عندما يلامس قبة الصخرة...
يالهيبة المسجد الأقصى عندما تشرع للصلاة فيه كأنك تصعد إلى السماوات العليا كأنك تطير بلا أجنحة وتغتسل روحك بسيل منهمر من الطمأنينة....يا للدهشة بعفوية شعور تجد نفسك تضع راحة يديك على الجدران المقدسة وكأنك تضع يدك على قلب جريح لتضميده ...
أسير الآن في هذا الصباح الصيفي من حزيران في البلدة القديمة وسوقها... لا تتخيل رائحة المخبوزات التي تنبعث من الأفران الصباحية مع أصوات الأدعية التي تخرج من أفواه المارة.. تذوقت الكعك الساخن والحلويات المقدسية الذي يغمرك طعمها بذاكرة طعام ومكان .
هل تستمع معي إلى تلك الأصوات الممزوجة من كل شيء...؟! سوف أترك الأحرف تصلك تباعاً..سأقطع حبل السطر في هذه اللحظة ...
***
مريم الشكيلية / سلطنة عمان....

في وصف اللاشيء

يلزمنا حالة من عبث

لعلنا ندرك مغزى حرب

أو علة ربابة،

ونتساءل!

لماذا؟

كيف؟

ومتى؟

لكن الدم

لا يحتمل إجابة

*

داخل إطارنا الغياب

تكمن العادة،

هي ملل دائري،

ننام،

نستيقظ،

نعمل،

ندفع إيجار نصف حياة،

نركض دونما اتجاه،

نتشارك ألما خفيا،

ننشغل بعاداتنا السيئة

ونتناسل،

لكننا لا نحب،

نحن خارج سياق الحب،

ولنا في ذلك مبررات،

من بينها ضيق الرحابة

*

في وصف اللاشيء

تسقط التفاصيل،

عن الجواب الهامشي

عن حصار المرايا لامرأة

عن سيرة الغزاة الجدد

عن الرمادي

عن كنه طاغية

حيث الرقابة،

عن كل سجن

يلغي الكتابة

*

نحن هنا

ولسنا هنا

نحن هناك

ولا من هناك،

ونحن اللانحن،

جمع بصيغة مفرد،

يلتقط صورا لنقصه

عند كل ذكرى،

إذ يقول،

هل لي أن أكون ؟

كم قالها، ولم يكن،

هو احتمال رعشة

من ورث الخطابة

*

لاظل ينحدر

من لاظله

يتلاشى ببطء

من عدوى المرايا،

ويحتال عليه الوقت،

خيبة ما تكتمل به،

ويمضي،

دم ينتهي،

دم يبدأ،

وآخر يبعث

من مشهد الحرابة

*

لكننا هنا ننتظر،

أنتظر،

على عجلة من حب،

بعيدا عني أم بقربي،

لا يهم،

ما دام الصمت سيدا،

والقتل فينا إنابة

***

فؤاد ناجيمي

أبحث عن بقايا امنيات رحلت  ..

‏اناخت برحلها عند ضفاف الروح

‏تنْحتُ من الرمل وجوهاً لم تعد تعرفني

أحدّق بها فتلسعني أجفاني ..!

كانت يوماً تنثر فوق رأسي

قوافي وكلمات تأسر طيبتي

اتلذذ بها  ، لأنام في حضن الرضى ..

وخنجر خيباتي مخبوءٌ بين أضلعي ،

ذكريات ‏لم يبقى منها سوى بقايا

نقشت على شراع صارية العمر

أحلّق بها فوق تلك الضفاف الهرمة

كعصفور اثقل جناحيه المطر

أنقّب بين ذرات الرمل

عن أبجدية أفراح قتلها الصبر

ثم أحدّق نحو المسافات

فلا أجد غير أبواب موصدة

وقميص مزقته مخالب الريح

***

مازلت أُغازل سنى الأفق البعيد

وأشتهي أن أقبّل شفة الفجر

أتوسل إليه أن يعانقني

ويرميني للشمس لتأكلني

وتنثر رمادي فوق روابي خريف العمر ..!

مازلت . .

أستجدي شموعا

لأشعلها. . على أبواب إنتكاساتي

ملٌت جراحاتي المتهرّئة

من صقيع إنتظاري

وهامت ليالي على صهوة صيفي

مَجُلت يداي

من مجاذيف أ’منياتي

وتيبّست شفتاي من لهاث طيبتي

فما عدت أقوى على أن ألثم

شفة الحلـــــــــــــــــــــــــم . .

***

هــاأنـــــــــذا . .

أصــــحـوا ... من تحت ركام المنايا

أنفض عن بقايا جسدي المتهالك

أكداس .. غبار الثلـــــــــــــــج

وأصرخ من أعماقــــــي

مــــــازلت . .

مثقلا بالندى

فما عاد يضيرني

أن . . .

(أُغرد بعيدا عن سربي )

أو . . ألوذ بغربتي

أحتسي معها أقداحا فاضت

برحيق اليأس، وأمضغ من لباب الحيرة

منتشياً بذكريات

عصفت بها رياح الخوف

مثل فراشةٍ أضاعت زهرتها

فحطّت على مياسم روحي

***

جواد المدني

الله يومىء لي في عينيك

أن أرمي الشباك في مياه الكلمات

أدخل يدك في قلبك

تتسع الرؤيا

ستمطر العزلة بالذهب

يسقط اللوز من شجرة صوتك

لا تحمل أحدا في مركبك

غير قافلة متناقضاتك

لتكون شاهدة على جرحك اليومي

لا تعد أحدا بكنوزك

الأفق الرحب في انتظارك

إبتكر معجزاتك في المحو

لا تعد أحدا بمجوهرات النبوءة.

***

فتحي مهذب – تونس

أريد الطلاق...
أبتسم ابتسامة واهنـَة ، لم أعتد سماع النكات منك هل قلت الطلاق !!
كانت تبدو كفراشة تزهو بألوانها فرحة سعيدة بعودتهِ، ضمته بالأحضَان وبالقبلات أمطرته، وكأنها تلتقيه لأول مرة، بعد عودته من رحلة استجمام الى قضاها بعيدا عنها. أهتمت بزينتها حتى أنها تخلت عن نظارتها الطبية يوم وصوله وفي الأيام التي تلته. منذ الصباح الباكر كانت تضَع أحمر الشفاه، وترتدى ثياباً شفافةً مثيرة، أطلقت شعَرها للريح، وعفرتُه بعطرٍ فرنسي فاخر، ليعكس عطرها الهرموني المفعم بالأنوثة، كانت بشوقٍ كبير من أن تمُارس حياتها الزوجية معه.
لفتَ نظرهٌ ذلك الشوق والتغيير الذي طرأ عليها، مُحْدَثًا نفسه أين كنت قبل ذلك بكثير، كتبك تصطف تنتظرك فوق رفوف المكتبة ألست بشوق أليها، ام أرتد اليك وعيك وصار شوقك الي أكبر. صار يلتفت نحوها حيَن تروح وتجيء من أمامه، وهو جالس فوق كرسيه الهزاز، وَيَتَفَرَّس بوجهِها وجسدها الهزيل بعينِ عدم الِرضى رغم كل ما فعلته لأجله.
محدثا نفسه: كم أنا بشوقٍ لتلك الأماَكن الملونة ذات الألوان الساطعة والفساتين العارية، والاجساد التي تزيد الرجال فحوله حين يقع النظر عليها، إحداهن مفعمة بالحيويةِ كديك، كم أفتقد لتلك النشوة، ليتني بقيتُ بعضا من الوقت ولم أستعجل العودة..
بعد مضي عدة أيام، فجأة تعرق جبيُنها وهي ترتشفٌ الشاي شعرت بخمول، وألهبت جسدها حمى شديدة وإعياء ألزمها الْفَرَّاش أثار قلقه كثيرا قام باصطحابها إلى الطبيب ، الذي أطلع على حالتها وطلب منها وفوراً إجراء فحوص وتحاليل شاملة، كانت نتائجها تؤكد بأنها مصابة بمرض المناَعة المكتسبة (الإيدز). الذي ينتقل غالبا عن طريق الجنس طُمْئِنهَا الطبيب قائلا لها : يؤسفني أن أبلغك بأنك، وكما توقعت مصابة (بالإيدز)، يجب أن تكون لديك إرادة قوية وأن تعتادي على هذا المرض، وتتعايشين معه لا سيما أن الطب قد تقدم كثيرا، كما وأنصحك الالتزام بأخذ الجرعات الدوائية في أوقاتها المحددة، كي لا تتدهور صحتك من جديد كما، وعليك الابتعاد عن زوجك تجنبا للعدوى.
نظرت إليه نظرة تحمل قدرا كبيرا من الغضب والعتاب.
- أنت من جلب العدوى ونقل المرض الي. أبدى استغرابا خوف شديدا.
-أرجوا أرجأ الكلام هذا الى وقت تكوني فيه أكثر هدوء، لن أقوم بخيانتك صدقيني ابعدي عن رأسك تلك الأوهام، ولا تدعي الغراب ينعق في رأسك.
لربما هي أحواض السباحة غير المعقمة هي من نقل العدوى الي، والتي انتقلت بدورها إليك. اعترتها نوبة غضب وسعال شديدتين، اضطرت أن تنقطع عن الكلام، بل هي (غيبة الضمير) محدثه نفسها.
صار يغيب كثيرا خارج المنزل، والليل يقضيه منعزلا جالسا على كرسيه الهزاز منهمكا يقلب في هاتفه الجوال وحساباته الالكترونية، بدأت الظنون تساورها بذلت جهدا كبيرا محاولة تكذيب ظنونها، مع أنها كانت بحاجة لأن تجد تفسيرا وجوابا لتساؤلاتها.
بعد مرور عدة أيام فوجئت بوصول بريد إلكتروني، على جهاز الحاسوب أثناء تواجده خارج المنزل، مما أتاح لها معرفة الفرصة لمعرفة ما كتب فيه، كان البريد مرسل من قبل ادارة المستشفى التخصصي بالأمراض المعدية و حفاظا على سريته، لا يفتٌح الا بعد ادخال الرمز الذي لا يعرفه سواهما دفعها الفضول كي تقوم بفتحه وقراءة ما بداخله.
- ردا على خطابكم الأول وبعد الاطلاع على النتاَئج الاخيرة من الفحوص تبين أنك مصاب بأحد الأمراض المعدية ونخص بالذكر امراض المناعة المكتسبة (الإيدز). راجين مراجعتكم لنا واجراء اللازم.
كان من الواضح أنه على ما يبدو ردا على رسالة سابقة أرسلت إليهم، قامت بفتحها أيضا، طافت بين سطورها وهي تقرأ بتاّني ما كتب فيها.
- الى إدارة المستشفى و حضرة الطبيب المعالج، اصف لكم حالتي وبشكل مفصل، وكما أطالب بالسرية التامة حفاظا على وضعي الأسري و الاجتماعي.
أذكر لكم بأنـي قد قمت بمضاجعته إحدى النساء الآسيويات كما وكنا عاريين تماما مما جعل الملامسة الجسدية الكاملة بيننا، و لأكثر من مرة، ولا أذكر كم مرة كانت على وجه التحديد، دون أخذ الحذر والحيطة ومنها وضع الواقي الذكري، وبعد مرور عدة أيام، شعرت بارتفاع في درجات الحرارة والم في المفاصل وأعياء شديد. ارجوا الرد على رسالتي حين الانتهاء من أجراء الفحوصات اللازمة... تحياتـي
كانت تعرف، أو أنها لا تعرف بأنها تعرف وبأن الحقيقة مدفونة بداخلها، أغلقت عينيها محاولة تقويض الوجع، ثم أجهشت بالبكاء، الخيانة تقتل الحب، هل يحق رد الخيانة.. بالخيانة !!
كان هناك صوت داخلها يقول افعليها لو استطعت. وهي في طريقها للقاء رجل أخر كانت على موعد معه.
***
نضال البدري / العـراق

 

مع ترجمة للانجليزية للأديبة السورية الناقدة:

فاطمة عبد الله

***

عبثاً

يَبْذُلُ شتاءُ الموكسين

قصارى جليدهُ

في سد منافذ شمعةٍ فواحةٍ

والتقاط ضوئها

قبل عبور رجالهِ

واحتواء الناس بوعي ٍ طَلْق !

**

ليس لشتائهم دورٌ

يمكن أن يُدْلي بهِ

في حوار المُكيِّفاتْ !

فليس له ُ لغةُ تمكِّنهُ

أن يَدُبَّ في عظام الموتى

ويتغمَّدهُمْ بواسع لِجانِه

ويسكنهم فسيح كشوفاتِه

ويَشْغَلَهُمْ عن حياتهم

في صمت القبور الحية !

* *

يقولها صقيعهُمْ

بأعصاب ٍ باردة الحمَّى

: (أنا .............)

فيهبُ من عباءتهم بردٌ

يُولِّدٌ الطاقة الكراهية

يَتَحَسَّسُني ...

ويحتسي رُغْبَتَهُ

في إسكات دفئي

هو يجهل الكثير عني ...

وربما يتجاهلني !؟

هو لا يعلم أني أحُسُّ بهِ

من حيث لا يأتي !

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

..........................

The Winter of the Time Wasters

 In vain ,

The winter of the time wasters

Spreads its frost,

Struggling to block the paths

Of a fragrant, flickering candle,

And trying to seize its light

Before its people cross over,

Embracing others with

boundless awareness.

**

Their winter has no place

In the dialogue of warmth and cold.

It has no language

To seep into the bones of the dead,

To wrap them in a vast coldness,

To settle them into wide revelations,

To occupy them,

Distracting them from the remnants of life

In the silence of living graves.

**

Their frost declares,

In numb, feverless nerves:

I am…”

And from their cloaks rises a chill

That breeds the energy of hatred,

Reaching toward me,

Feeding on its desire

To silence my warmth.

**

It knows little about me.

Perhaps it ignores me!?

It does not realize that I sense it,

From where it cannot reach me.

***

The poet Mohammed Thabet Al-Samei, Yemen

Translated to English by the literary critic: Fatima DL.

طَلَبوا الشهادةَ رِفْعةً وصُعودا

شُهَداءَ حَقٍّ ساطِعٍ وشُهودا

*

نَذَروا النفوسَ لِرَبِّهم فَتَصاغرتْ

دُنيا الملوكِ دراهِماً ونُقودا

*

عَرفوا عُجولَ السامريَّ ورُبّما

عرفوا خنازيراً لَهُمْ وقُرودا

*

وَهَبوا لِغَزّةَ هاشِمٍ فِلْذاتِهِمْ

كَرَماً على دَرْبِ الطُفوفِ وجودا

*

بَذَلوا لها الأرواحَ فَرْطَ سخائهِمْ

وَلَقد تناسوا ناكراً وجَحودا

*

سَنَداً لِغَزّةَ مُذْ بَدا طوفانُها

حينَ الأراذِلُ يَنبحونَ قُعودا

*

مَنْ صاغَ من وَجَعِ الحُسينَ بَيانَهُ

سَلَكَ الطريقَ شهامةً وخُلودا

*

بِمِدادِ آلامِ الطفوفِ نَسَجْتُها

فّتَفَتّقتْ بِدَمِ الشهيدِ وُرودا

*

حِمَماً أصوغُ من الفُؤادِ قصيدتي

وَبِها أحُرّقُ شامتاً وحقودا

*

مُتَخاذلاً يرمي الشهيدَ بزيغِهِ

وَيَتيهُ فيها زائغاً وكَنودا

*

ومُخذّلاً كَرِهَ البطولةَ في الوغى

ومضى يؤلّبُ ناقماً وحَسودا

*

وَلَسوفَ أهتكُ بالقوافي جُبْنَهُ

فعسى يُوَقّرُ للرجالِ صُمودا

*

وَبِذي الفقارِ مناكِفاً دَجَلِ الورى

ومنافحاً لبني النظيرِ رُدودا

*

وفُلولُ خيبرَ صفّقتْ لِعدّوّنا

وَلَهُم سأرْسِلُ شَفْرَة وَطُرودا

*

ياصورُ قلبي في قلاعِكِ خاشعٌ

عَشقَ الأصالةَ قِصّةً وجُدودا

*

شَجَرٌ حَوى التفّاحَ في إقليمِهِ

جعلَ السفوحَ كمائناً وصُدودا

*

كَصهيلِ قافيةِ الغيارى صاهِلٌ

كَدَمي تفجّرَ حنظلاً وَرُعودا

*

نَبَطيّةَ الأحزانِ جِئتُكِ راجِياً

لا تَلْطِمي لِسِوى الحُسينَ خُدودا

*

يا دمعَ جُرْحِ الأرْزِ في الجَبَلِ الذي

حَرَسَ الدِيارَ حواضراً وَحُدودا

*

جَبَلَ العُروبةِ والتُقى أنا عاشِقٌ

للصامدينَ على الثُغورِ أُسُودا

*

بِدِمائهم رفعوا العُروبةَ بيرقاً

ونسوا شعاراً يقتفي التَلْمودا

*

فَمحافلُ التنويرِ تعلكُ زيْفَها

وَتَحوكُ من حَجَرِ الرُكامِ بُنودا

*

قولوا لضاحيةِ الفِداءِ تَصَبّري

وَتَذَكّري للصادقينَ وُعودا

*

ظهرتْ لِزيْنَبَ في الجنوبِ كَرامةٌ

فاللهُ يبعثُ للكرامِ جُنودا

*

سَتَدومُ زينبُ في الجنوبِ أبيَّةً

وَتَقومُ كالأرْزِ العنيدِ عَنودا

*

وتصيحُ بالباغينَ إني ها هُنا

قَدَرٌ يمزّقُ في الظلامِ قيودا

*

هيهاتَ من سبطِ النُبوّةِ ذِلّةٌ

فَسيولُنا عبرتْ مدىً وسُدودا

*

فإذا جَرادُ العصرِ أهْلكَ زَرْعَنا

سَتَظلُّ ياجَبَلَ الرُماةِ وَلودا

*

سَتَفيضُ في كَنَفِ الجَنوبِ سَنابُلاً

وَ قَنابلاً أَلَماً تُذيقُ يَهودا

*

وَغَداً لنا بعدَ القيامةِ عودةٌ

فَحَذارِ إن بلغَ النُشورُ لُحودا

***

د. مصطفى علي

نحن الغرباء

أرواح معذبة تحت قيظ الشمس اللاهب

نحمل أكياس القمامة

من وطن الى وطن

وعلى قوارب الموت

نعبر الامواج العاتية

وفي كل ظهيرة يوم عاصف

تنتظرنا الغيوم العابرة

لتطاردنا من ضفة الى أخرى

غرباء في شوارع التيه

نسير في موكب جنازات الآخرين

منحوسي الحظ

ضاقت بنا الأرض بما رحبت

حتى صرنا نعد الطيور المهاجرة في السماء

وتحت الظل

وعلى قارعة الطريق

ننام على البلاط البارد

ليس لنا وطن ولا مأوى ولا ملاذ

وليس في حياتنا ما يثير

أطفالنا تحت ركام الأنقاض

في غزة ولبنان

نحن الغرباء

هذا هو قدرنا

مطرودين من الفردوس

سفننا يحجبها الضباب

تبتعد  احلامنا عن شواطىء النجاة

ونفاوض الامواج

على أن تأوينا في جزيرة نائية

خالية من الوحوش البشرية

والأرواح الشريرة

***

بن يونس ماجن

ما زالت هذه  الجدران

يا سيدة الغياب

جبلا بارداً

يَنطُّ بين عينيَّ

ويوصدُ كلَّ النوافذِ،

يأرجحُني في هاويةٍ رتيبةٍ،

يعلِّقُ أمنياتي جثثاً مصلوبةً،

ويَدُقُّ نواقيسَ عنيدةً وعتيدةً.

*

وها أنا

أتلو عليكِ آخرَ أحلامِ الليلةِ الماضية،

الليلةِ العبثية والوحيدةِ

كان فراشي فيها غيمةً سوداءَ

تائهةً تجوبُ أفقَ الجحيمِ،

تتعالى تصل إلي

أصواتُ المعذَّبينَ من الضياعِ،

يستشفعونَني أنْ أُمطرَ،

وأنا أعاند

وأذخرَ لكِ كل حصاد الرعود وكل الندى،

وأتلوعُ من صيحاتٍ تخربشُ ذاكرتي،

وأبحثُ عنكِ

في حروف مكتوبة على وجه الظلامِ،

كطفلٍ يفتشُ عن ضوءٍ يحتضنُه في كابوسٍ أجردَ.

*

وحلمتُ بأنكِ تجيئينَ،

ضفائرُكِ تشنقُ صمتي،

وأصابعُكِ تسرقني من حقولِ اليأسِ اليابسِ

وتدُسُّني

في حلمِكِ أنتِ.

أسقطُ قطرةً من خدك

وأذوبُ برائحةٍ سماويةٍ،

أنزلقُ حيثُ حجركِ،

أسمعُ أنفاساً منكِ تهدهدني،

وتمسحينَ

بلينِ القطنِ وترفِّ ريشِ الزاجلِ

هذا البُعدَ بيننا،

وتحضنيني وتطفئينَ لوعةً بذرتها مرةً،

وتسمعينني

حين أبكي فرحاً،

وتمشطينَ شعري

مثل طفلٍ ينتظرُ صباحَ العيدِ.

*

وننمو على جفني بجعٍ سحريٍّ،

ومضةٌ من ضوءٍ في سطحِ بحيرةٍ سحريةٍ،

ربيعٌ وشلالٌ من زهورٍ الجوري الجنوبي،

نورٌ في ليلةِ شوقٍ أو ليلةِ حبٍّ،

دفءٌ يجردُ لسعاتِ البردِ من جسدينا،

يجردُ فينا النأيَ والعنادَ،

يجمعُنا بلا عنوانٍ ويدُسُّنا في مقلتيكِ.

*

سيدتي، أنا في يومياتك مازلت منفيا

كأني ذاك السِّرُّ غريبا في مدنٍ منسيَّةٍ،

أعينيني

لنرشدَ كفَّينا كي يتلقَّيا،

ولنكتبَ قصَّتنا قصة سحرية

أو أغنية اسبانية

نغنيها للرَّاقصينَ بلا همٍّ ولا حلمٍ،

ولنكتبَ كأسَ محبتِنا حفلا سريا

أو ننحته تمثالاً من شمعٍ يضيءُ ليال سرية،

مازال غيابك سيدتي يقلقُ نومي،

تعالي كي أتنفس أخيرا

ولأصحو

وأشمَّ أريجَ جنانِ رضاكِ عليَّ،

شوقَكِ لي، حلمَكِ بي، قربَكِ منِّي.

دُسِّيني بين ضفائرِكِ وانسيني،

وقولي: كان غريباً هذا الحالمُ بي

***

ايمن الناصح

 

كمْ هُو رائِعٌ أن يرتَديكِ الفجرُ بِكلِّ وضُوئهِ

يُغَطّي جَسدَكِ بالكَثيرِ من زُرقَةِ السَّماءِ

يُسافِرُ بِكِ نحْوَ رائِحَةِ البحرِ الصَّباحِيَّةِ

أن يُخبِئك بَينَ فَراشاتِ الحُقولِ

وخُيوطِ الضِّياءِ المُلتَهِبَةِ

*

الألوانُ كالحُبِّ

دَعيها تَحمِلُ روحَكِ إلى حُقولِ الرِّضا

وانْ تَقودَكِ إلى بَساتينِ الروحِ

لِتَنثُري الوَردَ في ثَنايا الكَلِماتِ

وتَأخُذُكِ إلى مياسمِ اللقاء

*

الألوانُ تُحيي وتُميت

الرَّماديّ يَتلوّنُ بِظِلالِ الحَيرَةِ

ولا يَعرِفُ النِّهاياتِ

المَصنوعَةَ مِن حِرابِ الهَواجِسِ

الليلُ يَبْتَلِعُ الطّرُقاتِ

يُغلِقُ أبْوابَ السَّماءِ

يَسرِقُ مِنكِ وَجهَكِ الجَميلَ

ويُغرِقُكِ في بَحرِ الانتِظار

امنَحيني أيتها الصحو المتأني

ريشَةً مِنْ زَغَبِ خَلاخيلِكِ المًضمّخَةِ بالبروق

لأطرزَ حَواشِيَ ثَوبِكِ الهاشميّ

بالألوانِ التي أشتَهي

**

طارق الحلفي

إهداءٌ إلى

كلّ أنْثَى تبْنِي رَمضَانَها

من مادّةِ الصّبر والمحبّة، اختياراً لا إكراها.

***

يا حَادِيَ الْعِيسِ، لا تُسْرِعْ بِنا خَبَبا

وَ حاذِرِ الْخَطْوَ، فَالْمحْمُولُ قَدْ رَطُبا

**

هُنّ الْقَوارِيرُ، منْ مِسْكٍ شَذَا عَبَقا

قَطْرُ النّدَى، منْسمٌ قَدْ سَالَ مُنْسَرِبا

**

هُنّ الرّياحِينُ، أنْفاسٌ لَها كِسَرٌ

قَدْ بَاءَ منْ كَسّرَ الرّيْحانَ مُرْتَعِبا

**

لَهُنّ صَبْرٌ خُرافِيٌّ، إذا نَشَبَتْ

فِيهِنّ نارٌ بعِشْقٍ... أشْعَلَتْ لَهَبا

**

يَجُدْنَ فِي رَمَضانٍ جودَ سَابِغَةٍ

مِنْ مُزْنَةٍ هَتَنَتْ، قَدْ سَابَقَتْ صَبَبا

**

يَجُدْنَ جُوداً بِلا حَدٍّ وَ لا عَدَدٍ

مِثْلَ المَنابِع سَالَتْ، تُنْكِرُ النّضَبا

**

أجْمِلْ بِهنّ فَراشَاتٍ بِأَجْنِحَةٍ

تُعانِقُ الْفَجْرَ رَبْتاً حَادِباً حَدَبا

**

وَ غَيْرُها سَادِرٌ فِي نَوْمَةٍ عَسَلٍ

تَرْنُو لَهُ شَغَفاً، لا تَشْتَكِي نَصَبا

**

تَظَلُّ فِي شاغِلٍ تَطْهُو لَذَائِذَها

تَطْرِيزُ كَفٍّ صَناعٍ، أنْجَزَتْ عَجَبا

**

لَوْحاتُ طَبْخٍ تَناهَتْ فِي أنَامِلِها

تَصوغُها صَوْغَ مَنْ عَزّتْ بِها طَلَبا

**

تَنالُها فَلَذاتٌ زَانَها شَغَفٌ

كَذا طُيُورٌ بِرِيشٍ، أنْبَتَتْ زَغَبا

**

مِنْهُم شَبابٌ بَرا الدّنْيا مُطالَبَةً

لَهُ طُموحٌ غَدا لا يَنْقَضِي رَغَبا

**

كُلٌّ يُناغِي شَهاءً يَبْتَغِي أَرَباً

حِضْنُ الْقَوارِيرِ حِضنٌ بارَكَ الْأرَبا

**

فطُورُها، ما تَراهُ الْعَيْنُ لا شَبَعاً

تُهِدِيهِ حُبّاً لِمَنْ صَوْماً نَوى تَعِبا

**

وَ منْ رَمى عَيْنَه، يَخْتارُ مَأدُبَةً

فِي وَجْبَةٍ... دَفَعَتْ، مِنْها الرِّضى انْسَكَبا

**

سحُورُها عَينُها لا تَبْتَغِي سِنَةً

تَطْهُو هَزِيعَ لَيَالٍ، كَحّلَتْ هُدُبا

**

تَبِيتُ سَاهِرَةً عَيْناً عَلى فَلَذٍ

حتَّى يَبِينَ سَوادٌ من سنىً، نَجَبا

**

تَدومُ عامِلَةً، تَقْتاتُ مِنْ جَلَدٍ

تخْتارُ حَبْلَ رَسُولٍ، سُنَّةً سَبَبا

**

وَهْوَ الْحَبِيبُ الّذِي أوْصَى بِمَنْ شَرُفَتْ

قَارُورَةً... كَسْرُها عَيْبٌ جَنَى غَضَبا

**

فَلا تَكُنْ جاهِلاً لِلْعِطْرِ مِنْ عَبَقٍ

تَأَرّجتْ جَنَباتٌ مِنْ شَذىً عَذُبا

***

نورالدين حنيف أبوشامة

من ديواني (إيقات طائشة لماءٍ عارٍ)

من الصعب التعرض لعالم النفس الشهير فرويد، ولكن من السهل الحديث عن الشيزوفرينيا حين يكونان معا في غار واحد .. دخل فرويد الانسان في احد مخابئ الحياة ظنا منه بانه مأوى آمن، وكان ينظر بتعجب شديد الى ما هو كائن ويتفحص الاشياء من حوله كما لو كان يراها لاول مرة، فرأى أشجار خضراء يانعة مكتظة بالقرود السمينة وأشجار يابسة كثيفة تعيش في ظلالها قردة على الفتات فضلاً عن فضاءات مترامية يسكنها الصمت وثعابين الغاب .
ضرب فرويد كفاً بكف واشاح بوجهه المتجهم وقال لم اكن ادرك ان القردة لا تشبع حتى الاوراق تسقطها على الارض، فما الذي سيتبقى للغاب من نظارة وجمال .. وسأل نفسه كيف يتنفس الانسان من دون ذلك؟ وكيف يمكن له العيش في صحراء الوهم؟ ثم تمتم مع نفسه،
دعني افكر بأني في عالم اخضر لعلي انسى هذا التفكير البائس لكي أستيقظ على كينونة اخرى اسميها الأنا المتضخمة لتكسبني شعورا اكبر من هذا البؤس وهذا المقام .
تقدم في مشيته نزولا تحت الارض داخل المأوى فوجد حمارا واقفا في الطريق لا يتحرك فيه شيء سوى ذيله بعصبية لأن ذبابة واحدة هي سبب بؤسه فلا هو قادر على قتلها ولا هي قادرة على امتصاص دماءه دفعة واحدة، انما تركته في بؤس شديد .
مر من وراء ذيل الحمار فلطمته رشقة سريعة على مؤخرته، غادر بعدها إلى حيث ضجيج الصمت الذي يعم المأوى.
تطلع من فتحة صغيرة الى عالم يملؤه الضجيج رغم هالات الضوء التي تتحلق كبالونات الاعياد وهي تسبح في فضاءات الآمعنى، ارتعب وعاد الى فضائه المأزوم لكي يملء حقيقته بوهم أن قامته باتت طويلة جداً وساقاه ثابتتان وراسه شامخاً وعيناه شاخصتان في البعيد اللآمرئ كأنه سراب. ولكنه سرعان ما بات يرى العالم من حوله صغيرا والناس اقزام وهو منتفخ وعلى وشك الانفجار.
عاد الى وضع الاختيار بين ان يتلاشى كنفخة في واد أو أن يرجع كينونته دون تضخم، وحاور صديقه :
نعم، كانت معركة شرسة خسرت فيها عمقي .. ولكن كيف أفسر ذلك؟ أجل أجل، خسرت بيئتي وخسرت بنيتي وخسرت قدراتي ..
وماذا بعد؟
ووجدتني فوق الركام .. والركام يحيطني من كل جانب .. وانقطع عني الخط، وانكسر في يدي المفتاح، ولم تعد الخطوط امامي مترابطة.
وتساءل، ما الذي جرى؟
ألا تعلم ما الذي جرى او يجري فعلاً يا صديقي؟
اعرف ملامح الاحداث ومجريات ما يحدث، ولكن لا اعرف لماذا.!!
اصغي إلي يا صديقي .. إن خلاصة الذي يجري يسمونه المأزق dIlemma، بين اعلان الأهداف وإنعدام القوة .. ولكن، ما الذي أوصل الأمر إلى هذا الحال؟ من هو المسؤول عن ذلك؟
لا اعلم، ولكني على يقين إن هذا هو المأزق.
نعم، وأنا على يقين من ان دخول النفق من اجل الوصول الى نتيجة باهظة الثمن ادى الى خسارة سني العمر وخسارة الانتظار عند فتحة يسمونها نهاية النفق.
ولكن، كيف سيخرج ذلك الحمار من هذه الفتحة الضيقة يا صديقي؟
ألتفت فرويد وحدق في سقف النفق ثم اخذ يعبث بتراب الأرض عله يفتش عن إجابة ممكنة وتمتم مع نفسه، إذا أستطاع الحمار ان يخرج من هذه الفتحة، فأنا لن اخرج منها وحديداً إلا مع الشيزوفرينيا..!!
***
د. جودت صالح
12تشرين الثاني 2024

 

لقد عادت أمك من رحلتها الأخيرة

بعد أن أطفأ الدمعُ بصرها، وحُجبت عنها رؤيتك

في قلبها ثقلٌ لا يُحتمل،

ونبضٌ غائبٌ إلا منك

فحين فتحتْ أبواب ذاكرتها،

وجدت اسمك محفورًا

في كل نبضة

كأنك هناك،

نائمٌ في قلبها،

تسكنه بصمتك الطويل

*

حسوني يا نور عيوني

استيقظ من زوايا روحي المثقلة

دع للحياة  مجالا كي تعود لوجهها

لقد كانت ضحكاتي تخفي خلفها أشواكاً

*

كلما حاولتُ نسيانَكَ،

وجدتُك تنبضُ بين أنفاسي

*

أين أنتَ يا ولدي؟

كلُّ، شيءٍ عاد لطبيعتِهِ إلا أنتَ

أنت الذي بقيتَ مغروساً في حنايا الروح

*

ما زلتَ الحلمُ الذي يترقّبه قلبُ أمِك،

ما زلتَ الحلمَ العالقَ في طرفِ عيني،

ما زلتُ أنتظرُ صوتَك،

كأنَّ كلَّ الأمهاتِ يعرفنَّكَ،

كأنَّك حلمٌ شاسعٌ ،

طيفٌ يمرُّ في ليالي المدينة الهادئة

فكلما مررتُ بذكراك،

سمعت نفسي تهمس:

"حسوني يا نور عيوني،

حسوني بعده زغيروني"

*

المدينة هادئةٌ،

وكأنها تنصتُ لأنفاسِكَ

وكلما استرجعتُ ضحكتَك،

كنتُ أرددُ:

*

"حسوني يا نور عيوني

حسوني بعده زغيروني"

*

الوباءُ انتهى،

ووضع الناسُ أقنعتهم جانبًا

لكن في داخلنا لم ينتهِ غيابُك

***

د. جاسم الخالدي

مثل ملاك صغير

تحت الأنقاض

متوسدا حجر البيت المقدس

أصغي إلى زئير المجنزرات

بخفة كائن متعال

لا يمسه نقصان أو هلاك.

**

القطار

يجلجل في شراييني

المسافرون يتساقطون

من شرفة عيني الفارغتين

تاركين حماما نافقا من اللمسات

على المقاعد

كلمات تحاول القفز من شباك

القطار

بينما الوافد الغريب يذرف وجهه

تحت عجلات الهواجس.

**

يا لطنين ذبابة التفكير

في الكلمات العميقة

ندفن موتانا

نؤبن رصيدا هائلا من السلام الداخلي

نفكر في طرد الوراء

من الحديقة

إقامة جناز فخم لفراغنا اليومي

تسلق شجرة المستقبل

مثل فهود السافانا.

**

هذا الوطن

مبغى كبير

بطابقين من الفراغ العائلي

هذا الوجه

الملفع بالأقنعة الكثيفة

هذا الوجه الذي يشبه

مثانة عطنة

هذا الوجه

سيسقط قريبا في المرحاض.

**

تحمل الأوعية الفارغة

الملائكة في غزة

لتنال حصتها من الرصاص الحي

لتملأ الكلمات بالدموع والنوستالجيا

بينما تعوي الأطلال فوق رؤوس القتلى.

**

المجد لمشيعي الجثث

تحت القصف

لحصان العائلة الوحيد

إذ ينقل الضوء

إلى المستشفى

ينقل الذهب إلى الأبدية.

***

فتحي مهذب - تونس

لا تدعها..

اكتب شمسك الغريبة عن نفسها

اكتب أفقك الذي لن ينحني على نفسه

اكتب غربك الذي لا يلتفت الى الشرق

لا تنظر إلى الشمس

وأنت تكتب

ستمطر أخطاءنا

لا تنظر إلى الصحراء

وأنت تحب

الخيول أجراس المماحي

اخلع قسوة الشرق فيك

سيطلع سلام بحري مع نفسك

اخلع حب البلاد عنك

سيرحل رغاء الملثم عن صوتك

ازجر غفوتها...تلك البعيدة

من دون أن تحلم بك

ازجر لا مبالاة اللحظة بك

لا تدعها تصب في نهر الماضي عارية من دونك

لاتدعها

اللحظة

صراط يتلوى فوق وادي الضحايا

عكاز الكلمات لايضيء

نهر عتمة الأذرع الصارخات

نساء يعرين النكبات كي تنام قليلا في هواء الرغبة العكر

ورجال نصف عراة للغرق بما يستطاع في شح مخدر الحياة

الق أيامك قوتا لأشباح عدم لا يشبع

وازدهر رويدا بشراع لحظة لا يلتفت

لوعورة الصفر – السجين (بين عدمين)

لاتدعها

الحافات المدببة لورق التاريخ الأصفر تشير إلى مجافاة الجحيم لحظتي الطاردة لشحوب الأمكنة

لحظائر الشوارع

لهطول الدخان بحفاوة

لقيام الشرق بإرواء بذرة الغرب ماء آسنا

لذاكرة إنعاش الماضي كي يكون كلب حراسة الحاضر

لمروقي في تبذير ثروتي من اللحظات

ولذا

أية لحظة عارية إلا من توت اسمها

يراد لها

أن تنوء

بأكياس الخسارات

ومشاجب الحروب

ودفاتر الحب

وسلاسل البيت

الشارع/ الجريدة/ الأصدقاء/ أناشيد الاستسقاء/ الرهاب/ الخطى المتعثرة/ الليل المتوحد من دون نساء

*

عش لحظة  جديد

في أعالي شجر الخريف

سوف تزدرده آلهة الوقت

لذا

بوصلتي تهب

فالقة أحزمة اللحظات اليابسة

مارقة لأوبئة الدماء والأكاذيب المسماة تجنيا علينا حياة

لذا

لا أهب اللحظة تعريفها

كي تولد وتموت

يولد فينيق اللحظة

يولد اليوم مهووسا بموته

***

باقر صاحب

أرسل الكاتب الشيخ شهوان شهوان نظره عبر نافذة غرفته القائمة في راس الجبل. ابتسم. وعاد يرسل نظراته المليئة بالمعاني نحو صور أحبائه الراحلين. أمه، ابيه وأخويه.. الأكبر والاصغر. تمعّن الأشياء غير المُرتبة في غرفته الصغيرة. "أنا يجب أن أرتب كلّ شيء في هذه الغرفة الملعونة"، قال في نفسه وواصل" ها هي اللحظة الكبرى تأتي إليّ.. لقد تأخرت.. لكنها أتت"، بعد صمت فرح عاد يقول" عليّ أن أرتب الغرفة بطريقة تليق بمترجمة أمريكية مشهورة". أرسل نظره نحو ساعة الحائط المعلّقة هناك منذ اكثر من نصف قرن.. استحثّ عقاربها المشرئبة بأعناقها الراغبة في الجري ضمن محاولة منها لتسبق ظلها. استحثها أن تطوي الوقت طيًا كما طوت جمال الصحراء العربية الكبرى الرمال اللاسعة طيًا. همس لها قائلًا اسرعي.. انتقلي من العاشرة.. إلى الثانية عشرة. سوّى قبة قميصه المنشّى العتيق. معانقًا كلّ ما في غرفته تلك ومُرسلًا أنظاره الحالمة إلى البعيد.. البعيد. لقد مضت السنوات سراعًا وما بين سن الثالثة يوم استمع إلى أول قصة سرقته من ذاته المُهجّرة إلى سنوات السبعين المرفرفة في سمائه وهو يحلم بأمر واحد أن يكتب ما أراد ان يكتبه. ما حلم به وما زيّنه له خياله من عوالم زهرية تشبه ورودًا ضاحكة على شاطئ بحر. صحيح أن تلك لن تكون المرّة الأولى لطرق المترجمين أبوابه، فقد سبق وطرقت اليد الناعمة بابه الموارب من اليابان وفرنسا وألمانيا أيضًا.. بل من أمريكا ذاتها، غير أن هذه المرّة تختلف فالمترجمة امرأة عاملة في السياسة وهي مَن ترجم منتخبات من القصص والروايات العربية إلى الإنجليزية بلغة أغرت الملايين من أبناء جلدتها بقراءتها.
استرخى الكاتب الكبير. هذه المرة يحق له ان يرى ذاته كبيرًا. فقد أنتج في سنواته الخصبة الأخيرة خاصة ما ودّ أن ينتجه خلال العشرات من السنوات العابرة المنطوية، ما أراد أن ينتجه ولم يتبقّ عليه سوى أن يقرأ بنو جلدته وكلّ الجِلَد في العالم أجمع ما جادت به قريحته. في نشوة انتظار تسلّل إلى ذاكرته صوت تلك المترجمة الناعم. لقد قرأت قصتك عن الضبع والمُهجًر. كنت ساحرًا فيها. انتصرت للحياة. تلك القصة بهرتني. بالضبط كما بهرت الكثيرين في بلادنا. أحداثها الساحرة في جبال بلادك. اقنعت الكثيرين وأنا منهم باننا إنما نقرأ لكاتب تمكّن من مواجهة ذاته وانسانيته. أريدك أن تحضّر لي قصصًا تشبه هذه القصة. أنا متأكدة من أنك كتبت ما يستحق أن يقرأه الناس في كل اللغات.. لما اتصف به من جوّ إنساني كريم وسخي. كلمات تلك المترجمة المشهورة شنفت أذنيه.. أطربتهما.. جعلتهما تتحوّلان إلى مغارتين عميقتين تضربان في أعمق أعماق مرتفعات بلاده وسهولها. أراد أن يقول لها إنه إنما اختصر تاريخًا وافترش روحًا في قصته تلك وفي سواها، غير أنه فضّل الصمت. رنّت كلمات مترجمته كما ترن الاجراس في يوم ماطر يسترخي في حضن خريف بعيد. ركبت الكاتب حالة من التوازن المُفتقد طوال العشرات من السنين. وقف قُبالة الصور الغالية المعلّقة في صدر غرفته الصغيرة. أراد أن يتوجّه إلى صورة أمه المرحومة، أن يقول لها سأقترح قصة كتبتها في البدايات عنك وعن عذابك عندما اضطرك التهجير للعمل في أراضي الخواجات. بعدها انتقل إلى صورة والده. تمتم بكلمات.. نعم يا والدي.. نعم أنا سأقترح ترجمة قصة تحكي عن أيامك الخوالي مِنَ الفرح. تلك الأيام كانت ملأى بالآلام والمعانيات. أعرف أنك وضعت رأسك في قُفّة تراب الخواجات.. منذ بدايات عملك لديهم حتى أخريات أيامك في الحياة. بعدها أرسل الكاتب الشيخ نظرة أخرى نحو أخويه.. الأكبر والاصغر.. كنت الوسط بينكما. عرفت كلّ شيء عن عذابكما. أعرف أنك، وأشار الى صورة أخيه الأكبر، أحرقت أيامك في أفران الخواجات الآخرين، واكتويت بنيرانهم. وانتقل إلى صورة أخيه الأصغر.. أعرف أنك واجهت الدنيا بالزوغان من مآسيها وعذاباتها وما فرضه التهجير علينا جميعًا. اعرف يا صغيري.. انا لا يمكن أن أنسى أيامك القاسية العذبة. القصص المُستقاة من حيوات كلّ هؤلاء هي أغلى ما لديّ قال الكاتب وهو يرى إلى الصور المعلّقة هناك على حائط الغرفة.. ترسل ابتسامات النصر المتضامنة معه.. ما كاتبها ومخلّد ذكراها.
يتوجّه الكاتب الشيخ شهوان الشهوان بخطاه المُتعبة ونظراته الحالمة إلى مكتبته... أو إلى اكوام كتبه الحبيبة الجامحة.. يأخذ في تقليب تلك الكتب واحدًا تلو الآخر.. الوقت يمضي سريعًا وعقارب الساعة تستحث ذاتها ماضية نحو الموعد المحدّد نحو الثانية عشرة. انه يبحث عمّا كتبه من أقاصيص سبق وكتبها من وحي أولئك الغوالي الراحلين. ولا يجدها.. ويجنّ جنونه.. وهو يبحث ويبحث.. ويبحث.. دون أن يعثر على ما بحث عنه. عندما اتصلت تلك المُترجمة لم يضع في حسابه ولم يتوقّع أن يضيّع ما كتبه من ايحاءات أحبائه أولئك الراحلين. لذا ترك أمر إعداده للحظة الأخيرة.. وها هو يصطدم بالحقيقة المرّة القاتلة.. حقيقة أنه لم يُرتّب ذاته كما يفترض أن يفعل كاتب أراد أن يقول شيئًا ذا معنى لعالم أصم.. حالة من الحزن والالم على كلّ ما أحاط به من ظروف، سرت في عروقه وامتدت في روحه القلقة.. عندها لم يكن أمامه من مفرّ سوى أن يشرع في بعثرة أكوام الكتب المتراكمة حوله.. بعثر وبعثر وبعثر... علّه يعثر على ضالته.. وعندما تحوّلت غُرفته إلى صحراء من الكتب.. كان قد تعب وأخذ منه الإرهاق مأخذه المُنهِك.. لحظتها لم يكن بيده من مفرّ سوى أن يستلقي على كتبه الحبيبات المتعبات.. معانقًا إياها وسط نظرات أحبائه المعلقة صورهم في صدر غرفته الوحيدة.. ووسط ضياع يشبه الزُهد المجنون.. الخالص.. في الترجمة و.. في كل شيء.. كل شيء.
***
قصة: ناجي ظاهر

في آبِ هذا العامِ المشؤوم

والمليء بالحروبِ العبثية المُخطَّطة،

والتي"على الله ويا زماني!"،

هبطَ شيطانيَ الشِّعريّ كاملَ الدَّسم

لا الشيطانُ الذي لعبَ برأسِ أمِّنا حواء

فجعلتْ أبانا آدمَ يخصفُ على عورته

مِنْ ورقِ التوت،

فأنا ملاكٌ لا يحبُّ الحروبَ

ولا القيلَ والقالْ

ولا كثرةَ السُّؤالْ

(المراوغ)؛

لذا أسمّي شيطاني بالوحي المُقيم

في ظلِّ حمامةِ سلامٍ حلَّقتْ

على وادي السَّلام؛

لـتُسلِّمَ على ملايين النِّيام

على سرير الأمنِ، والرَّأس الباردِ

منَ الفضائياتِ والفيسبوك واليوتيوب،

أمّا التُك توكْ فحدّثْ ولا حرج!!

وأمّا أنا فكنْتُ أنامُ على أوراقِ وردةٍ حمراءَ

تنبضُ بحياةٍ طارتْ بأيدي البيريسترويكا

وردةٍ أحمرَ من تفاحةِ أبينا الخالدِ آدمَ،

آدمُ - كما تعلمون - مشتقٌ منْ أديم الأرض،

وأنا افترشتُ أرضَ باب الشِّيخ،

يومَ وُلدْتُ في عگد (حي) الأكراد

بين قومي منَ المستضعفين في الأرض التي

تؤمنُ باللهِ ورسولهِ واليومِ الآخَر

ولا تؤمنُ باليوتوبيا البشرية التي

كتبها آدم سميث،

ورشَّها فوكوياما بالتَّوابل والملح والحامض ،

بل اليوتوبيا التي كتبها أبو ذرّ الغفاري

وسلمان المحمدي

بملح عَرَقِ الفقراءِ والمستضعفين.

شهرُ آب اللهّابَ يخلعُ المسمارَ منَ الباب!

وهذا الشَّهرُ منْ عام ٢٠٢٤

خلعَ مسمارَ بابِ الشِّعر أمامي

بكلِّ سهولةٍ ويُسر؛

فكسبتُ كنزاً من جنَّةِ الكلام المضبوطِ

على إيقاع رقصةِ زوربا العراقي، لا زوربا اليوناني

زوربا العراقيُّ مشهورٌ بأكل الكاهي

بالگيمر والعسل،

والباقلاء بالدُّهن الحرِّ والبصل

كلَّ صباح مشرق في شارع الكفاح

أو فلنسمِّهِ باسمهِ كما كان:

(شارع الملك غازي)،

لا فرقَ، فالأصلُ واحد ، والجذرُ بغداد ،

الملك غازي - رحمه الله - ماتَ في بغداد

وكيف؟

قيل بحادثة سيارةٍ رأسماليةٍ (صناعة حديثة)

لا حادثةِ سيَّارةٍ:  أي قافلةٍ

منَ النُّوقِ العصافيرِ (الانگليزية)

مرَّتْ على بغدادَ عاصمةِ الرَّشيد

وفاضل رشيد

ورقصة الهچع العابرة للقارات

في متوالية عددية....

بغدادُ ‌‌أصلُ الحضارةِ والمنارةِ والبترول

لا تنسوا البترول!

آخْ منَ البترول!!!

فوراء أكمةِ البترول ما وراءها؟

فاسمعوا وعوا، ثم انتبهوا:

أنا البغداديُّ الذي اسمُه عبد الستار

واللهُ هو السَّتار، والله يستر!

فالجايات أكثرُ منَ الرَّايحات

وقصائدي المولودة من رحم حرارة آب اللهّاب

أكثرُ من الأشهر الرَّايحات، ولماذا؟

العِلمُ عند شيطاني الشِّعريّ

الذي تحرَّر من ربقة وادي عبقر

في هذا الشَّهر الحارّ،

والأحرّ مِنْ رأس الحجّاج بن يوسف،

مع أنني ملاكٌ نازلٌ

من ظَهْرِ الملاك ملا نورعلي،

والنصُّ هذا وُلدَ من ظهر قلبي (الملاك الأصغر)

في السَّاعةِ الثَّانية فجرَ الخميس 29 آب

ولماذا في هذا التَّوقيت بالذَّات؟!

لا أدري! "وكنتُ إخالُ أدري"

العلمُ عند حضرة الوحي (الشَّيطان أبو راس الحارّ)

الذي جاءَ منْ غير ميعادٍ مضروبٍ

بالموبايل أبو التفاحة المقضومة!

وفي تلك الساعة المتأخّرة

فاسألوه قبل أنْ يختفي ثانيةً....

وراء الأكمة !!

***

عبد الستار نورعلي

(آب/أغسطس 2024)

نَهَقَ الحمارُ

بعد طول الغُرْبَةْ :

ماهذه الأشياء... ياربي؟!

ماهذه الكُرُبةْ ؟!

عُدتُ لأَنْهَضَ بالوطنْ

فإذا بهِ

قيدٌ يُكَبِّلُني الأسى

وإذا بهِ

صخرٌ على

ظهري يُحَمِّلُني الثمنْ!

آآآآهٍ

من الوطن ِالذي

لا يتقي رَبَّهْ !

أضاعني ثانيةً...

ولامَني ثالثةً...

كأنني... ذَنْبهْ!؟

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

12/12/2013

لا شيء هنا سوى

أن تنظري إلي

وأنظر إليكِ

أنتِ تعدين خيباتي

وأنا مرآة خيبتك،

لا شيء، كل غيمة هنا

في حلّ مني،

لا صورتي في قطرة ندى

كما أخبرتني الظلال،

ولا الأغاني جارة لنا

حين باغتنا المساء

ليلكِ أرَقِي

لا شيء لي هنا

سوى أن أحلم بحقي

*

قيل لي:

أنكِ تناسيتِ حزني،

هأنا أنتِ،

ألوح بي للغائبين

كأني لصمتهم ما هتفتِ،

كم شراع انحدر

عن سفن مشرق

ولَم نختزل الغرقى،

كم ميناء

بتوقيت جنائز صرختِ،

أحيثما أوينا إلى بحر

تلقفتنا المسافات

مَن لصوتي

بعدَ ريح 'بروكلين'

مَن لطفل

لم يتعلم بعد لغة الجهات،

تقول عجوز

في ذكرى قُبلة على عجل

قد أنجو من 'الزهايمر'

من عبوس شوارع

لا تطيق الحب

ولا تستقي الصباح

من صحوة طيور،

لكني لن أنجو

مِن حبة قمح نسيتها

قرب صمتنا الأجير،

ولا مِن رسالة

بنكهة حُب على الورقِ

*

هل كان علينا الخروج؟

لا إخوتي رصاص

ولا صراخي طَلْقي،

لا شيء هنا،

غير جيوش خرس

تستوطن حلقي

***

فؤاد ناجيمي

عِــيــنَانِ  تَـــأْوِي الــدُّرَّ وَالــفَيرُوزَا

بــاتَ الــجَـمَالُ بِـكَــهْفِهَا مَــكْنُوزَا

*

كَـالشَّمْسِ رَغْــمَ الــبُعْدِ تُــبْهِرُ أعيناً

وَتَـخَــالُــهَــا لِــبَرِيــقِهَا إِبْــرِيــزَا

*

وَأَنَـــا  الــمَتيَّمُ مُــذْ رُمِـيتُ بــنَظْرَةٍ

فَــتَحَتْ  بِـعُمْقِ جَــوَانِحِي دهْــلِيزَا

*

فــتَسَلَّلَتْ مِــنْـهُ الــشُّجُونُ لِــخَافِقِي

وتَــثَــبَّــتَتْ وَتَــرَكَّــزَتْ تَــرْكِــيزَا

*

الــطَّرَفُ حِــصْنٌ وَالـرُّمُـوشُ عَسَاكِـرٌ

قَـــدْ  عَـــزَّزَتْ  أَسْـــوَارَهُ  تَــعْزِيزَا

*

لَـــوْ  أَنَّــهَـا شَــاءَتْ لِــمُلْكٍ شَــاسِعٍ

فَــتَـحَتْ بِــجُنْدِ رُمُـوشِهَا (تَــبْرِيزَا)

*

وَإِلَــى  بِـلَادِ الــسِّنْدِ تُــكْمِلُ زَحْـفَهَا

لِــيَصِـيدَ وَمْــضُ لِــحْاظِـهَا (بَرْوِيزَا)

*

ودَنَــوْتُ  كَــيْ أَحْظَى بِطَيْفِ بَرِيقِهَا

فَــاسْــتَعْصَمَتْ وَتَــحَرَّزَتْ تَــحْرِيزَا

*

حَــاوَلْتُ  أَجْــتَازُ الــحُصُونَ مُـغَامِرَا

فَــوَقَــعْتُ عِـنْدَ جُــنُودِهَا مَـحْجُوزَا

*

بِــالرَغْـمِ مِنْ كَانُـونَ يَعْصِـفُ بِالوَرَى

أحْـسَــسْــتُ أنَّ بِـداخِــلي تَــمُّــوزَا

*

وَسَكِرْتُ مِنْ خَـمْرٍ يَفِيضُ عَلَـى اللَّمَى

فــغَـدَوْتُ  أَمْــشِي مَــائِجًا مَــهْزُوزَا

*

فَــاسْتَسْلَمتْ رُوحِــي لِــرَغْبَةِ آَسِرِي

وَأَضَـاعَــتْ  الــتَّــفْكِيرَ وَالــتَّــمْيِيزَا

*

كَــيْفَ الــشِّفَاءُ مِنَ الجِرَاحِ وَلَـمْ يَزَلْ

سَــهْمُ الــهَوَى فِـي خَــافِقِي مَغْرُوزَا

*

وَكَــتَبْتُ  اسْــمَكِ فِــي حَنَايَا أَضْلُعِي

طَـــرَّزْتُــهُ بِــجَـوَانِــحِي تَــطْــرِيزَا

*

فَــبِـدَايَــةُ  الــتَّـارِيخِ يَــوْمَ لِــقَــائِنَا

سَــيَكُونُ  فِــي رَوْزَنَامَتِي (نَيْـرُوزَا)

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

لا تَتَلَكَأْ

بوصولكِ عَنَ عَجَلٍ لِلْمَرْفَأْ

فالرِّيحُ تُطارِدُ قارِبَكَ المُرْهَقْ

وَالأمواجُ تُطَوِّقُهُ

وَمَرابِطُهُ

بَدَأَتْ تَتَقَطَّعْ

وَالْمِجْدَافْ

نَخْشَى أَنْ يَفْلِتَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ،

وَيَغْرَقْ

لا تَتَلَكَأْ ....

إنَّ مرافِيءَ بَلْدَتَنَا اِحْتَشَدَتْ

بقواربَ لا نِعْرِفُ مِنْ أيْنَ أتَتْ

نَخشى أنْ لا يَبْقَى لكَ مرسىً فيها

لا تَتَلَكَأْ ....

لا تَتَلَكَأْ ....

واَبْحَثْ دونَ تأخّرِ  عَنْ مَرْقَأْ

**

وَهْيَ تراقبُ زورقكَ الحائرْ

كانَتْ تندبُ حَظًّا عاثِرْ

تتساءلُ باكِيَةً

هَلْ حَقًا إنّا حينَ نَخافْ

يغدو النّهْرُ بدونِ ضِفافْ ؟

هَلْ حَقًا إنَّ مرافِيءَ بَلْدَتَنَا

ما عادتْ تَعْرِفُنا

وَطَوَالَ الوَقْتِ تُهدِّدُنا

أنْ لا نقرب منها سِرًّا أو عَلَنا ؟

***

شعر: خالد الحلّي

قصة قصيرة ساخرة، الفطحل في مغامرة بصراوية*، بمناسبة الذكرى الثامنة، لرحيل الكاتب عدنان المبارك 1935-2016555 adnan almobark

كان الفطحل يرتدي سترةً فوق دشداشةٍ بألوان مبهرجة مزركشة كأنه قرقوز!
قد تكون سترتُه "مقفّلةً" لكنها تبدو ملطخةً، متسخةً،بل قذرة! أو رماديةَ اللّون عند التمعن ببقايا لونِها الأساسي،تختلط الألوان هنا،القرمزي والأصفر والبنفسجي، مؤطّرةٌ بخيطٍ أخضر رفيع. دشداشتُة البيجيةُ لم يبقَ من لونها الأصلي شيء يُرى بالعين المجردة، فضفاضةٌ، متهرئةٌ.
صارت ملابسه خارطةً بفعل آثار الزيوت والسوائل وفضلات البهائم. الغريب، إنّ الدشداشة أيضاً تبدو فيها خطوط خضراء دقيقة تلمع في بعض الأماكن كأنها في الأصل سلك حريري لتكتمل صورة الفطحل كمهرج يسخر منه الآخرون.
كان الفطحل يتذكر وجوه بعض أعضاء عصابة، "علسته" كما يُقال في هذه الأيام، وحسب المعلومات القادمة لنا من حبيبتنا المنكوبة بغداد.
و"العلس"، وما أدراك ما العلس، مصطلح جديد كما يبدو يُطلقُ على أي مخطوف أو بالأحرى مختطف تبيعه العصابة الخاطفة إلى نظيراتها الأخرى، يعني إلى "زملائهم" في المهنة والعمل، بزنيس! ليش لا؟ كل شيء مباح في البلد المستباح! كل ما تريد ممكن في العراق الجديد، ذي الدم المراق، المحرر من قبل الرفاق، كاوبوي النفاق.
تذكّرَ الفطحلُ المسكين كيف قال له مرّةً أحدُ التافهين "العلّاسة"، ويبدو من هيئته ونظراته ولسانه أنه من أولاد الشوارع:
- لك أعور العين ابن النعال! زمال ابن الزمال!
أخ ال... أنعل ابوك يا بو الجابك علينا هنا، هالمره كسرنا شرفك ون ... وصوّرنا كل شي بفيلم، دير بالك، حِسّك عينك ترجع هنا،روح لبولونيا، يقولون مَرتك البولونية توسلت بربعنا وراح يدفعون فلوس حتى نطلق سراحك.
دير بالك وترجع للعراق بعد!
طبعا لا يمكن نقل كلِّ مفردات هذا المجرم بحذافيرها، قبيحة يندى لها الجبين!
لكن صاحبنا الفطحل غاسل وجهه ببوله! كعادته لم يُصغِ لكلامِ أصحابِه ونصائِحِهم، يُشاع، وحسب رواياتِ المقربين منه طبعًا، لم يُطق الغربة هناك وإهمال زوجته البولونيه له، يقال إنها رمت ملابسه أمام سكاّن البناية البولونيين ساخرةً:
- فينوخا زمويغو دومو تي برودني آربوسه، مام جي دوشج، زامينجيويش منيه، يوش نيي موغيو فاس زنوشج دووشي، هيبوكريتسي، نيغوسي، كوامتسي، فينوخه زووجيو ز بغدادو ! يعني بالعراقي الفصيح: (اطلعْ من بيتي ايها العربي القذر، انا تعبت منك، لا أقدر بعد على تحملكم، منافقون، أفاقون، كذابون، اطلع حرامي بغداد !) ***
لم يتحمل الفطحلُ بَردَ بولونيا وصعوبةَ لغتِها الغريبة عليه وإهانات زوجته وتهكّمها المتواصل به، وأغرته حياة "الجاه والسلطة"، تصوّرَ نفسه أنه يتمتّع بها في بلده العاق، كما كان يسميه بدلاً من العراق.
صحيح أن أهله قطعوا اتصالاتهم به وتنكّروا له خوفاً من "الإبادة الجماعية"، نعم، كان يمكن أن يتعرضوا لها بسبب حبّه للظهور في برامج بعض المحطات التلفزيونية والتباهي والإدعات وإصدار التهديدات والتحذيرات والإنذارات هنا وهناك مؤشراً بسبّابته متهماً كل معارضي الاحتلال الأميركي بالإرهاب والتكفير، كما فعل في بداية السطو متصوراً نفسه بأنه يملك سلطة حقيقية في البلد، إلا أنه اقتنعَ أخيراً بتحذير أحد "السياسيين" من القادة الجدد واستجاب لإغرائه بأن يسافرَ معه لفترة قد تطول إلى بولونيا كعضو في وفده. وكان للفطحل ذلك، وصار يخدمه خير خدمة ويوفر له السندرلات الجميلات لاسيما أنَّ زوجتَه تقبلته على مضض أو ببرود في البداية، لكن الأمور تغيرت من سيء إلى أسوء إلى أن ضاقت به ذرعاً، وساءت أحواله.
عاد الفطحلُ إلى بلده متصوراً أنّ جيبَه المليء بالدولارات سيجلب له الجاه والاحترام. اتّصلَ بوالدته، قالت له نائحةً في الحال:
- يُمّه الله يخليك ارجعْ لا تبقَ هنا، ما إلك مكان هنا بديرتنا، العراق صعب، الناس هنا مو سهلين، قبل كان عندنا حصار وكنّا فقراء، وصدّام فارك خشومنا! هسّه تغيرت أحوال الناس، دخل الأميركان وصدّام راح! قبل كم سنة، كان أي واحد يقدر يضحك عليهم،يقشمرهم بورقه وورقتين، مستعدين يقتلون ابوهم ويفجّرون بناية إذا تدفع لهم ورقة، يعني 100 دونار امريكي! هسّه صاروا يطلبون الملايين!! صار عندنا ألف صدّام! ابني! بعد من يقدر يگحمهم هذول العراقيين، صايرين نار كبره، يمّه! لا تتّصلْ بينا، تَره كلهم انقتلوا بسببك، انتقلنا لغير مكان بسببك، ما نريدك بعد هنا، خلّيك بعيد وسعيد.
وصار الفطحل الإنسان المسالم يبكي ويلقي شعراً:
بصقة إثر بصقه
على البلد العاق!
بصقة على تلك الصفقه!
حياة الكذب والنفاق!
يخيرونك بين الآلام
والنعيم
نحن لها رغم النعاق
في البراري نهيم
بالعناق
وفي الوديان والصحارى نقيم
والبلد المعاق
حتى نقض مضاجع الإرهابي اللئيم!
اتّصلَ الفطحل بأحد محرِّري الصحف الجديدة المدعومة من لوردات الحرب والأميركان، لا يقرأها أحد، قال له:
- عندي قصيده عن الإرهابيين أريدك أن تنشرها.
نُشرتْ القصيدةُ العصماء في اليوم الثاني مع صورته الكبيرة وهو يؤشّر بإصبعه قائلاً:
- لا مكان للإرهابيين في بلاد الموسوپاتاميين! اخرجوا من بلاد الرافدين!
لكن يا خسارة "ماعمّرت الحاره"، بعدها بأيام وَجَدَ الفطحلُ نفسَه في صريفةٍ وزريبةٍ مليئة بالقاذورات والدواب وجها لوجه مع مجموعة من العتاة أولاد الشوارع السفلة يوجّهون له أقذع الإهانات والإزدراءات "أمُّداك! ما تجوز من سوالفك؟! راح تبقى هنا، هذا مكانك، حالك حال الغنم إلى أن تجينا الفلوس.
مَسَكَهُ "الضابط" كما يسمونه، من زيق دشداشته الممزقة المتهدلة هازاً جسده فسقطَ شماغه القذر:
- اسمعْ، انت الظاهر كل شيء ما يفيد وياك، المَرّه السابقه بترنا لسانك، المَرّه الجايّه نقطعه كله ونكسر رجلك وناخذك لمصر نجدّي بيك،بس نقتلك؟ لا، مستحيل، لازم نخليك على هالحال الى أن نستلم الفدية، طلبنا 100 ألف دولار! وإلا نخلي حتى الدواب تن... وياكلك الدود وتموت، يَلّه، قمْ من مكانك، تحركْ!
كان أفراد الحماية يقهقهون بوجوههم القاسية المشوهة قائلين بأصوات عالية كأنهم دمى أو ببغاوات متأرجحة يهزون رؤوسَهم "أحسنت سيدي! عاشت إيدك سيدي!" كلما سنحت لهم الفرصة، لكن سيّدَهم أدار وجهه إليهم، كما يبدو مشمئّزاً صارخا بهم:
- كم مرّه قلت لكم ما تضحكون لما أتكلم؟ بهايم!
- عفواً سيدي! قالوا بصوت واحدٍ
- انصراف! روحوا شوفوا شغلكم! خلّوني أدخّن!
جلسَ زعيمُهم على كرسي متحرك قديم، لكنه لايزال مريحاً، يبدو أنه من مخلفات "الحواسم" مسروق من مؤسسات الدولة بعد السطو الأميركاني على العراق، لم يستطع الضابط أن يمنعَ ابتسامةً صغيرةً أن تظهر من بين شاربين منسدلين على شفتيه عندما جاء أفراد حمايته واحداً تلو الآخر يسألونه "سيدي! سيدي! محتاج شيء؟"، أحدُهم قالَ له "سيدي، عفواً ضحكنا شويّه لماكنتَ تتكلم مع هذا الجرو!" أشار لهم بيده أن يغربوا عن وجهه. قرّرَ الضابطُ أن يسترخي قليلاً بعد أن تركوه لوحده حتى غلبه النعاس.
***
- لَك وين رحت؟ إبن الق... ليش خلّيت الدواب تسرح وحدها، آني كم مره قلت لك ما تتركها! جراب إبن الجراب! يلّه قُمْ !..
بهذه الكلمات خاطبَ "الضابطُ" المتسلطُ صاحبَنا الفطحلَ بينما كان زبانيتُه أفرادُ "حمايته" يقفون وراءه بوجوه عابسة يتلفتون يمينا ويسارا. ما كان من الفطحل الا أن نهض قائلا كأنه يتمتم بلسانه الألثغ محاولاً استرضاء عنجهية هذا القائد:
- شمعاً وتاعاً، شَمعاً وتاعاً، شيّدي (يقصد سمعاً وطاعةً)
مَسَكَهُ الضابط هذه المرّة من "خوانيقه" وهو يدفعه إلى الوراء:
- حِسّك، عينك، تروح بعيد من هذا المكان، مفهوم!
وصرخَ به بصوت عالٍ وبكل ما أوتي من قوة بلسان سليط والرذاذ يتطاير من فَمِه:
- يَلّه! فوت منّا! دير بالك عالحلال! وخّر من قدّامي!
- أمرك شيّدي، الله يخليك لا تخنقني، آني إشْشَّوّيتْ؟ آني ماقتلت ولا ضربت أحد، والله آني مشكين والله مشكين!
وانهارَ الفطحلُ في البكاء بينما راح "يَهشُّ ويَبشُّ" الدوابَ يركض وراءهم و"حادَهم" نحو الحظيره. وبقي هناك خائفا مذعوراً من نظراتِ الحرّاس يبحلقون فيه ساخرين منه.
أشار "الزعيم" إلى حارسين طويلي القامة أن يأتيا اليه، وراح يهمس بإذنيهما، يبدو أنَّ أحدَهما تَململَ، قالَ له بصوت خافت معاتباً متوسلاً به بخنوع "سيدي والله صعب عليّ، مادَ أقدر، ريحته تعط، ماتقلّي إشلون أسوّي هاي الشغله ؟ ". رد عليه الضابط " لَك كلب إبن الكلب، تريدني أسويلك اجواء شاعريه؟ هذا شغل آني جبتك من الرعيان وسوّيتك حمايتي، بعد شتريد؟ أحسن أرجعك للحلال؟ تريد أخليك تسرح بالغنم؟ كلب!" ردَّ الحارس مطأطأ الرأس:
- أمرك سيدي، اللي تريده يصير.
بدت علائم الارتياح على وجه قائدهم "الضابط"، بينما أمر الحارس الثالث أن يصور كلّ شيء بكامرته الصغيرة.
وجلس حاكمهم الأوحد على أحد الكراسي يدخّنُ سيجارتَه مستمعاً لصراخ الفطحل وتأوهاته وبكائه وأنينه بهستيرية.
***
كان الفطحل يجلس لوحده يعاني من الجوع حائرا بين تنظيف الدم من ملابسه والقذارة، أرادَ أن يأكل كسرةَ خبز إلا أنّ شهيته كانت مسدودةً، وصار ينحب ويصرخ ويأنُّ باكيا مغمغماً يلفظ الكاف تاءً والقاف دالاً والراء والذال لاماً ومن لايعرف حاله لايفهم من كلامه شيئاً، لكن اللبيب تكفيه الإشارة:
" لِج يُمّه ليش عفتيني؟ وينكم اهلي؟ اهل الحموله؟ مو آني تِنتْ داعد ببولونيا، ليش لِجعتْ ملّه تانيه لهالبلد، هلوله قتالين قتله، مدرمين (محرمين)، تِلهم مدرمينن البولون حكراء والعراقيين مدرمين.
وكان لسان حاله يقول "ياريت لو أقطع لساني كله وأفقس عيني الثانيه كي ابدو أبكمَ وأعمى، فإلى متى سأتحمل هذه الحياة المُمِلّة، ياليتني أعود الى القرية البولونية وأتصالح مع زوجتي، لكن إشلون؟ إشلون؟ فانا اليوم لا جواز سفر ولا هويه، منعزل بهذا البستان، لا أعرف مكانه، يقولون إنه في أطراف البصره، وأخدم هؤلاء الساقطين شذاذ الآفاق الذين يهددوني بأن يسلّموني إلى عصابة أخرى أو المجهول، لكنهم يَعِدوني بأن يطلقوا سراحي إذا استلموا الفدية، وبعدين يهرّبوني الى الكويت لكنهم لم يَفوا بوعودهم، "ماكو شيء، لا فدية ولا هم يحزنون، ولهذا "ضباطهم" السَرسَريّة يعاملوني أسوء معامله، أخدمهم بكل شيء لكنهم يشتموني دائما، يارب ماذا أفعل لهم؟" ويردّد بين نفسه مقطعاً من اغنية كانت جدّته ترنّمها، مستوحاة من حكاية قديمة عن "أم صنكور"، امرأة عجوز نرجسية متعالية "شايفه نفسها شوفه"، تعشقُ الدنيا، ذات طموحات ورغبات وأمانٍ وأحلام كبيرة بأن تبقى على قيد الحياة أبد الدهر، كانت تضغط على ابنها صنكور بأن يجد لها مكاناً يعيشون فيه لا يدفنون موتاهم في القبور!
أجل، لم تُرد أم صنكور العجوز أن ترضى بالواقع وأن تكف عن التطلع إلى الأعلى، وأنّ عليها أن تتعايشَ مع فكرة الدفن، وأن يكونَ مصيرُها القبر عندما تحين منيّتها وتنشب أظفارها كبقية الناس العاديين، وطبعًا لاتريد والدته تقبّلَ هذه المصير أو النهاية أبداً، وتهللت أساريرها وفرحت بالمكان الجديد الذي انتقلت إليه مع ابنها حيث سمعوا أن الموتى لايدفنون فيه كما أخبروهم، إلاّ أن النهاية لم تكن سعيدةً كما هو الحال في الحكايات الشعبية وكما توقعت هي وابنها طيب القلب وصافي النوايا، وأنَّ المطاف انتهى بها عند آكلي لحوم البشر حيث طبخوها بدلاً من دفنها حسب تقاليد سكّان هذه المنطقة الجديدة، عبثاً حاول ابنها صنكور أن يردّهم عن ذلك، لكن سبق السيف العذل وانتهى الأمر فلا مناص، عندها صار ابنها يردّد متأسفاً باكياً، و الدموعُ تُرقرقُ من عينيه، تسيل منهمرةً "رباع ربا":
" يا أم صنكور يا أم صنكور
ماردتِ دفن بقبور
أخذي طبخ بقدور!!
***
زهير ياسين شليبه
أيلول 2009-2006
...................
* تصميم الرسم والعنوان ونص الجملة البولونية واختيار نوع الخط من قبل عدنان المبارك.
** تعليق عدنان المبارك على هذه القصة:
"يبدو أن شخصية الفطحل ألهمتني فكتبتُ عنه قصةً ضمّنَتها أشعاراً جديدةً من استلهاماته.
في الحلقة القادمة، سأروي لكم ما بقي من مغامرة الفطحل البصراوية وعموما مغامرة عودته الى ربوع الوطن".

هَذا الوَهجْ لك

رَجفَةُ الظّلِ وَلدَت عُصفورا

يُزقزقُ على رِمشِ السَّماء

للعشقِ وطنٌ

أنفاسُكَ هي وَطني

بقايا عِطرُك تَسكُنُني ْ

وأنا أسكُنُكَ

حينما تكونَ أنتَ..

أعشَقُكَ عِشقاً أبدياً

*

شَفتايَ لنداك وَردٌ

على  يقينٍ أنكَ قادم ٌ

كلهفةِ  الياسمين للسَّلامْ

كَشوقِ الحُبِّ للمطر

تفِرُ مِن رَوحي يمامةٌ

كُلما تَشهَقُنيْ

يَستَغيثُ السَّهرُ

بينَ نَبراتِي

نِصفُ شَمسٍ بَينَنَا..

..وقمرْ

الوُريقاتُ النَّاعِسةُ تحلمُ بأُرجوحَةٍ

تشتَعِلُ  أوراقُ الوَترْ

*

لكَ هذا الوَهجْ

لكَ زَهرةُ الحَياة

*

الشَّغفُ..

وعِشقِيْ..

تغريدَةٌ على آخرِ غُصنْ

كَمْ هُوَ مُدهشٌ عِشقُ البَلابل

***

سلوى فرح - كندا

وحدك تتجرع آلام وحدتك

وأوجاع ماضيك

وبياض شعيرات رأسك

وزمن الصِبا

تبكي فقد أحبة رحلوا

لا جدوى للفرح في حقول الروح

واليباب في منعطف الطريق

وحرمان النوافذ والجدران

من كركرة طفل مشاكس

ضائعون في مدن تلوح بالخوف

لطيش الرصاص المنفلت

فلماذا تبتسم للريح الهوجاء

المجنونة

ما زلتُ أحلمُ ان أكتب شعرا

عنك وعني

وما زلت أغرس بذور أمل

في جفون العاصفة

لوطن حزين

ظمآنة شجيرات البرتقال

والزيتون والليمون

وسعف النخيل

تتوق نفسي لتلك الخضرة المفقودة

عشبي يغازل غيمة كاذبة

وما زلتُ أفتح نافذة حجرتي

بانتظار قوس قزح

أو سيف الله كما تسميه طفلتي

رائحة حقد تدمي عيون الحقيقة

ودموع اليمامات مع كل نبضة

خرساء تفيض متاهاتها

في دروب سومر

وكل باب مؤصدة

كل يوم يولد معنا حلم جديد

ثم يموت في آخر النهار

***

نص شعر

سنية عبد عون رشو

في البدءِ كانتِ الكلمةُ

تُعانقُ الترابَ والضوءَ

وهو يرتدي وشاحَ الوجودِ الأصمِّ

وحيد قلبُه يطوفُ في الفراغِ

آدمُ في بحرِ العدمِ

كأنَّ أنفاسَه أوتارٌ مقطَّعةٌ في كمانِ الخليقةِ

إنّ نغمةٌ ضائعةٌ كلُّ ما كانَ ينقصُه

كي ينامَ.

حولَ قلبِه الوحيدِ نسجَ الصمتُ خيوطَه

ينسكبُ نغمُ خطاهُ

في براعمِ الخصبِ

لم يكنْ يبحثُ عن الشعرِ آنذاك

برغمِ انحناءةِ قوسِ قزحٍ حين غطتْ أوحالَ الفضاءِ

لم تكنْ أغصانُ الغاباتِ تدفئُه

بالحزنِ تفيضُ وحدتُه

ناداهُ الربُّ

يا معطفَ النهرِ

فتّحْ أوراقَ الفيضانِ

وبدّدْ صقيعَ الوحدةِ

لتنبلجَ من أضلُعِه سيدةُ الضياءِ،

سكنُه الأبديُّ.

من صدرِه أتتْ

كأنها غيمٌ يسبحُ في جلالِ النورِ

يرى لمعةَ عينيها

وأيائلُ القداسة انكفأتْ

قرب سيدةِ الضلعِ الأخيرةِ.

على مصطبةِ التكوينِ

جاءَ الزمانُ بها ليستقرَّ قلبُه

من ضلعٍ تلتبسُ فيه النبوءاتُ خرجتْ

امرأةٌ من لونِه

تحملُ صرّةَ خرائطِها والخبزَ الأسمرَ في يدِها

والمطرُ الوحشيُّ يضربُ أثداءَها

كحمامةٍ قبيلَ الفجرِ ترتعشُ.

وهو كالشبحِ يقفُ

وخريرُ الينابيعِ في حنينِ السماءِ

ينهمرُ

أيُّ ماسٍ يبرقُ في رفقتِها؟

أيُّ نهوضٍ يشبُّ أمامَ بصيرتِهِ؟

في جعبتِه القرطاسُ والقلمُ

يرتّلُ أسفارَه

وميزانُ قيراطِه يعدُ بالعدلِ

في جنّةٍ لا فراقَ فيها ولا دموعَ

تجلّتْ له تفاحةُ الحبِّ

وسكنَ إليها كأنّها كلُّ الأشياءِ

وحينَ دفنَا سرَّ الحياةِ

أُسبغَتْ عليه كلماتٍ مكلّلةً بالتوبةِ

أمضّه الحزنُ وعادَ وحيدًا

فماالوحدةُ إلا

فراغُ الروحِ من الوجودِ.

***

ريما آل كلزلي

افكار ليست فلسفية

الوقت انزياح

بين الفكرة والمعنى

ونسوره تتارجح

بين نيران الصدق

ونيران الخديعة

وحناحاه ابيض واسود

لكن سماؤه تحرق بنار

العذاب اذرع

الناقمين الطغاة

وانهاره تسقي بماء الحكمة

العقول

الارواح

والاجساد

والحان ناياته عذبة عذبة

للباحثين عن

امل ذهبي

وعن حكمة ذهبية

تشفيهم من

جراحات الحياة .

***

سالم الياس مدالو

منذ أزيد من سبعة عقود

والعرب لا يعيرون اهتماما

لما يجري في فلسطين المنكوبة

يلهثون وراء الصهاينة الكفرة الفجرة

مثل كلاب اصابها السعار

*

لقد بدأ العد التنازل

وستكون مسألة وقت فقط

قبل انهيار الأقنعة المزيفة

وكشف السوءات

وفضح المكايد

والدسائس والمؤامرات

*

كابوس غزة

يزعج سبات الحكام العرب

وقادة  هذاالعالم الغبي الحقير

المتواطئين في جرائم ضد الانسانية

بحق الفلسطينيين

*

أصحاب الارض هم الفائزون

رغم الحصار الظالم

في أتون المعاناة

القدس لنا

والمسجد الأقصى لنا

وكل فلسطين لنا

من النهر الى البحر

العدو الابدي

لا يسير حسب رغبة العالم الحر

فهو لا يرزخ للضغوطات

ويطعن في الشرف والكرامة

يحتمي وراء ورقة اللاسامية

ويستعين بالفيتو الامريكي الارهابي

لا سبيل لاسقاطه الا بالمقاومة الصلبة

*

الجيوش العربية المتقاعسة

تعتني بتلميع نجومها على الاكتاف

ونياشينها على الصدور

وفي حفل تنكري

تتدرب على طلقات وألعاب نارية

ضد جرذان الثكنات المتآكلة

***

بن يونس ماجن

اريد ان تشاكسي

وتغضبي

وتنثري الحاجات

فوق مكتبي..

وتمرحي

وترقصي وتقفزي

وتلعبي..

**

أن

ترشفي الماء

كالعصفور

قطرة فقطرة

حتى اذا ارتويت

تسكبين الماء

عند مقربي..

**

فكلما اراك تركضين

يرقص الالهام في دفاتري

قصائد منثورة

يفوح من فستانك الجميل

عطرك الشذي

ما بين ضوء الفجر

حتى المغرب

**

فكيف لي

ينث في خطاك

(الليلك) الندي

عند الزحف

عند الجري

عند المشي

عند اللعب

بسمة تفوح،

بعدها النهوض  و(الحبو)..

**

صغيرتي

لا تكبري ،

حتى اراك تكبري..!!

وتمسكين اصبعي

حيث يمرح الغريد

فوق غصنه الرهيف

يُرسَمُ الغد ..

**

اركضي  وحلقي

وانثري الاوراق فوق مكتبي

وبعثري الاقلام ثم (شخبطي)

وإرسمي الخطوط

أينما ترين .. اكتبي

لا تهربي

دعي خطاك تمرح

عند مخدعي ومشربي..

صغيرتي،

تعاند الكلام والرعود

تكتفي القيام والقعود

في جمالها الندي.

لا تكبري..!!

***

د. جودت العاني

2 تشرين ثاني 2024

تفتش

وتبدأ بحثها

من أخمص القدم

إلى رأسها

فكرة بلهاء

تحاول عبثا

العثور على ضالّتها

*

تذهب بخيالها

إلى آلاف تصّرمت

وتتطلع عيناها

إلى مدى

طمرته ترسبات

خلفّتها أقدام مهرولة

لفكرة تبحث

وتبحث

علّها

تحظى بحلم

تمنّته حقيقة

آه يا عبث الأفكار

*

رفقا

فلا اللوم يجدي

ولا أمل للبحث

فدعوها

تتماهى وخيالها

فكرة عابثة

تبحث

عن ضالّتها

***

ابتسام الحاج زكي

أغلقت باب بيتها، وسدت نوافذه بإحكام، ثم تحصنت بالداخل وقد اطمأن قلبها إلى أن الموت لن يصل إليها، ولن يستطيع أن يفاجئها. الكثير من معارفها رحلوا على امتداد السنوات الماضية، أغلبهم اِقْتَنَصَهُ الموت في غفلة منه وهي لا تريد أَنْ تُفاجَأَ مثلهم. لهذا ملأتْ كَرَار بَيتها بكل الموادِّ الغذائية التي تَحتاجها، وقَرَّرت أن لا تغادره البَتَّة. منذ أسْبوع طرق باب بيتها مُوظفون حُكوميون تابعون للبلدية وأخبرُوها بضرورة إخلاء مسكنها لأنه آيل للسقوط، لكنها واجهتم بشراسة:
- لن تنطلي عليّ حِيّلكم أيّها اللُّؤماء أنتم رُسلُ الموت تُحاولون جَرّ رِجْلي لِمغادرة بيتي فيَصطَادني.
- أَغلب السُّكان رَحلوا يا حَاجّة، بُيوتُ هذا الحي ستنهار لأن الشُّقوق تعتري كل الأبْنِيّة.
- تَكذبون! أنتم تريدون بِي شَرّا
- ذَنبك على نفسك، نَحن قمنا بِواجبنا
للموت أعوانٌ، وعيون ترصد الضَّحايا وتُعِدّهم لليَوم المَوْعود، وهِي لن تَنْخدعَ بهذه السُّهُولة وتُصبح لقمة سَائِغة للموت يقتنصُ روحها ويحْرِمها من نعمة الحياة على حين غَرّة. هِي فعلا بَلغتْ من العُمر عتيّاً، وَتُعانِي مِن ضَغط الدّم، واِرتفاع نسبة السُّكري، وآلَام مرضِ النَّقرس، لكن هذا ليس مبررا يَشفعُ للمَوت فَعْلتَهُ.
أفاقت من سَحائِب أفكارها على صُراخ وضَجيج قَوِي بالخارج، تَردّدتْ لحظةً ثمّ اِقتربتْ من الباب الخَشبي المَتِين، ووضعت عَينَها على العَين السِّحرية، رأت شَابّا ملقى على الأَرضِ وهو يَنزِف دَماً.
كانت ملامح وَجْهِه تنِمُّ عن معاناة فَظيعة من الآلام. وكان يَصْدرُ عنه صَوتُ أنينٍ مُمِضّ. عَادت أدراجها وجلستْ على الأريكة الوحيدة التي تملك. " لَا شأن لها به، هناك رِجال أمن وإسعاف بالبلد وهم المسؤولون عن حماية أرواح المواطنين ورعاية الجرحى والمُصابين منهم، هِيَ مُجرد سيِّدةٍ عَجوز، مِنَ الأفضَل لها أن تَبتعدَ عن المشاكلِ ".
زادت حِدّةُ الأنين، أصْبحتْ تَطرقُ أسماعَها بقوة وهي جالسة في مكانها، تَقَطّع من الزمن رَدحٌ، وهِي ساكنة تُفكّر، لَكنها في أخر المطاف قامت من مكانها واتجهت مرة أخرى نحو البَاب، نظرتْ عبر العين السحرية، كان الشاب ما يزال مُمدّدا في مكانه وهو يَتَوجّع، لم تتردد هذه المرة، فَتحت البَاب واقتربتْ منه، سالته بصوت أجش :
- من فعل بك هذا ؟؟
رد الشاب بصوت ضعيف :
- فاجأني ثلاثة شبان على حين غرة، عندما حاولت الدِّفاع عن نفسي اِعتدَوا عليَّ بالضرب، ثم طعنني أحدهم بمدية على مستوى عظمة الترقوة.
قرفصت جالسة، مَدّت يديها تفحص جُرحَه :
- الحمد لله الجُرح سطحيٌّ، يُمكنك الدّخول معي للبيت حتى أقوم بِتنظيفه وتقديم الرِّعاية الَّلازمة لكَ
ابتسم الشاب، بدا جبينه وضيئا وعيناه ناعستان تَشِيان بِطِيبَة ظاهرة.
ثم قال:
- عفوك سيدتي لا أريد الإثْقال عليك
قاطعته العجوز وهي تَرسم ابتسامة رَقيقة على شَفتيها:
- تفضل معي بُنيَّ، ليس هُناك إثقال.
سَاعدتْه على الوقوفِ، وأسندتْه على كَتِفها ثم دَخلاَ البيت، دَعتْه للتَّمدّد علَى السري، وأَسْرعت نحو الباب تُغلقه بإحكام، ثم هرولت نحو الحمام، آبَتْ تَحْمِلُ حقيبة صغيرة، فتحتها، أخرجتْ زجاجة كحول، وقطعا من الشَّاش، والأشرطة الّلاصقة، وكبسولة مُرهّم لتطييبِ الجُروح، بدأتْ بتنظيف الجرح بكل عناية ومعالم الفرحة ترتسمُ على مُحيَّاها:
- لقد اشتغلتُ ممرضة أزيد من ثلاثين سنة بالمستشفى الجامعي ابن رشد
- شكرا لك أيتها السيد الطيبة، يداك بلسم وترياق
عندما أصبحَ الجُرح نظيفاً، دَهَنتْه بالمُرهّم، ثم غَلفته بالشّاش وشَدّته بالشريط الَّلاصق، بدتْ علاماتُ الارْتيَّاح على وجه الشاب، قدّمتْ له العَجوزُ كأس لبنٍ ساخنٍ شَربه ولسَانه ينطق بكلماتِ الاِمتنانِ.
أحسَّت العجوز بتيّار عواطفٍ لا حدود له يشدُّها إلى الشَّابِّ، تَخَيّلته اِبنها الذي لم تلده، كم هيَ رائعة عَاطِفةُ الأمومةِ، إن لها سحرا خاصًّا، ووهجا ينير الجَوانح، ويُفجر شَلّال نور في الذات.
سألها الشاب وقد لاحظ شرودها:
- أين غاب عقلك أيّتُها السَيِّدة الطَيبة ؟
ردت وعيناها تومضان ببريق غريب :
- كنت أفكر بك، تخيلتك ولدي الذي لم تلده بطني
- هو إحساس متبادل سيدتي..
غفا الشاب لحظة، وعندما استيقظ وجدها تجلس فوق الأريكة المقابلة للسرير وعيناها تحدقان به، اِستوى جالسا وهو مُتَهَلّل الأسارير هتفت به العجوز:
- الحمد لله أنت بخير
رد الشاب:
- بلى أنا بخير يجب أن أذهب الآن
قاطعته:
- مازالتَ متعبا يمكنك البقاء معي بعض الوقت، لقد آنستَ وحشتي، و ذهب عنِّي الخوف الذي كان مسْتبدّا بي.
سألها الشَّاب باِستغراب :
- ما يُخيفك ياسيدتي ؟
تلعثمت العجوز لحظة ثم قالت :
- أنا خائفة من الموت، لا أريد أن أموت، أنا أحب الحياة
- الحياة جميلة، لكنها مجرد مرحلة في عمر الانسان ولابد أن تنتهي، لتبدأ مرحلة جديدة، ولنسميها تجاوزا مرحلة ما بعد الحياة.
- الموت تساوي العدم
- لا لست متّفقا معك
قام الشاب من مكانه واقترب من العجوز، مَدَّ لها يده أمسكتها بحنو، قال لها :
- قُومي سيّدتِي
قامت من مكانها، أحسَّت بخفة لم تعهدها من قبل، اِختفتْ ألام المفاصلِ، وغاب صَفِير الضَّغط عن أذنيها، قالت للشاب:
- يَدُك مَنحَتني قوَّة وقُدرة على الحَركة لا عهد لي بِها
ضَحك الشَّاب وقال برقَّة وحُنو:
- أتعرفين من أكون؟
بدتِ الدّهشة على مُحيّاها، وقالتْ:
- لا يا بنيّ
حَدَّق بها هُنيهة، ثمّ هتف قائلا:
- أنا الموت الذي كُنتِ تَخافينه، وأنتِ الآن ميتة.
التفتتْ نحو الأَريكة التي كانت تجلس عليها، رأت جسمها في مكانه، وقد مال رأسها إلى الخلفِ.
***
محمد محضار
2017

 

** النهار وحش إفريقي.

إفترس زنوجا كثرا في السافانا.

سأطعمه حلازين تطفر من جلدي.

أرنب مخيلتي اللذيذة.

سردا مثيرا يحبكه العميان في الحانة.

صلوات إحترقت في فرن الكاهن.

سأطعمه حمام صوتي النافق.

ولأن جارتي الضريرة

كلما سقط ثعلب من عمودها الفقري.

تركب دراجتها الحزينة.

وتجر النهار خلفها إلى دار الأوبرا.

ولأن الضباب أخ مكسور الخاطر.

يرمي مناديله العدمية على شباك الأرملة.

ويختفي في البستان.

ولأن الباص يهطل فوق الجسر.

لأن السائق تمثال من الجبس.

لأن المسافرين ورق يتدافع في النسيان.

سنكون وجبة لحيتان اللامعنى.

***

فتحي مهذب – تونس

تجوعُ القطّةُ... تأكلُ صغارَها...

تجوعُ الثّورةُ...تأكلُ أبناءَها

وحين يجوعُ التّاريخُ...

يلتهمُ صفحاتٍ عصيّةٍ على الهضم

في تغذيةٍ راجعةٍ

تساعدُه على لفظِ ما أثقلَ معدتَه

من رؤوسٍ لم تستو في طبخة...

ولا كانتْ مهذّبةً في جلوسِها

إلى مائدةِ المقايضة

المقامةِ في قرنةِ الوطن ....

هاجسُها اقتيادُ القطيعِ إلى ساحةِ الذّبحِ....

تلبيةً لرغائبَ جائعةٍأرّقتْ مضاجعَها ...

على مرِّ اللّيالي الحمراء ...

حيث المفارقاتُ

تغذِّي الاستلابَ في رحمِ الافتراء ...

لينمو جنينًا يجيدُ قرصَ الأذانِ...

حقنَ الأفئدةِ ...بموتٍ سريريٍّ

تكريسًا لهدوءٍ ملغومٍ

يستدرجُ الأرواحَ إلى غابةِ الرّماد...

ما تبقى من صفحاتٍ ...

تبعثره عاصفةٌ هوجاء

مقبلة من كل الجهات..

فكيف نكتبُ عن سلالاتِنا

الطاعنةِ في الهروب ...

على جذوعِ الأشجارٍ الخاويةٍ ؟

أو على صفحاتِ الرّيحِ الراكضةِ

نحو محفّاتِ الحتفِ المجملِ

بفتاوٍ طالعة من تنانيرِ الجهل المبين...؟

*

ثمة أشعارٍ تهندس الضجيجَ

لنحمدَ القهرَ على نعمته

كي لا نموتُ خاسرين

عند ناصيةِ خطوطٍ متوازية

لا تلتقي إلا .. بإذن الله ؟

*

في عينِ العمَى تمرُّ الفوضَى

حاملةً امواجَ قامتِها

نحو ذاكرةِ ليلٍ

تفتّحتْ قبل موسمِ القِطافِ

والسّيدُ السّجانُ

يسحبُ الظّهيرةَ من عُرفِها

وقد اتزرتْ برهبةٍ سوداء

في ساعةٍ شمطاء ...

توقفتْ عقاربُها

عند مرآةِ صمت عتيق

هو انعكاس طبيعي

لنظام الكون !

***

مالكة حبرشيد - المغرب

جاء الشِّتاءُ مبكراً

هذه المَرَّة

ترتجفين شوقاً

أشْعلي بَعضاً

من الذِّكريات كي تُدفِئَنا

أوقدي سِراجَنا القديم

وتعالي نتصفَّحُ صور دفاتِرَنا

كلَّما دبَّ النُعاسُ في عينيكِ

قَلِّبي على نارِ الأوجاعِ

حُرقَةَ الرَّحيلَ

"لاَ تَهْتَمُّي لِلْغَدِ

لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ

يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ"

لا تَجزعي هي ذئابٌ عابرةٌ

لا تُتقِنُ غير العِواءِ

في أمانٍ أنتِ

بين أوراقي

وبَعضٍ من الأشجانِ

في أمانٍ أنتِ

لا تَفزعي؛ أسواري شاهقةٌ

لا دَخيلٌ يتسلَّلُ

ولا ريحٌ تَعبُرُ

اِحرقي المزيدَ من أنفاسي

ونامي في دَعَةٍ حتى الصَّباحِ

تعالي في كُلِّ الشِّتاءاتِ

كي تُصبحَ دافئةً كُلَّ الشَهقاتِ

أنا نبيذُ الأيام المُعتَّقِ

فاشربيني

حتَّى الثُّمالةِ

أنا بوحُ القصيدةِ

فالتهمي حُروفي ومنها أبداً

لا تَشبَعي

*

يُخجِلُني أنَّ ما تبقى منِّي

لا يروي

ظمأَ السِنينِ العُجافِ

يُخجِلُني أنَّ ما تبقَّى مِني

هو قليلٌ من الفَرحِ

وهضابٌ من الأحزانِ

أوقدي من جَذوةِ التَّوقِ

سيجارتَكِ الأخيرة

وانفثي دُخانَ غيابكِ

فوق رُوحي المُنهَكةِ

أنا حَطبُ الأيامِ الغابرةِ

أنا رَمادُ النِّسيانِ

الَّذي تَبقَّى

بعد مُوسمِ حَصَادِ الغيابِ

*

في عينيك اشتياقُ النَّحلِ

لتقبيلِ وردةٍ

وبوحُ العنادلِ

لشجرةِ التُّوتِ العتيقةِ

لماذا عندما تأتين لستِ أنتِ؟

تأتينَ مثلَ العنقاءِ

تأتينَ كما انبثاقُ الرَّبيعِ

واِنبلاجِ الصُّبحِ

مثل عناقيدِ الَّلهفةِ

مثل طَعمِ الفَرحَةِ

في عيونٍ دامِعةٍ

تتلألأُ بالنُّجومِ

وتسبحُ في حبَّاتِ المَطرِ

*

عندما تأتينَ لَستِ أنتِ

الَّتي كُنتِ في أخرِ مَرَّةٍ

في كُلِّ مساءٍ تُصبحين أجملَ

تصيرين أنقى

مِن غيرِ أقنعةٍ

مِن غيرِ وجوهٍ

غير وجهِكِ الأوَّل...

***

جورج عازار - ستوكهولم السويد

لامست أشعة الشمس زجاج نافذتها في الدور الثالث. فتحت عينيها. ها هو الصباح يلوح شابًا طريّ العود غضّ الاهاب. تحرّكت في سريرها. اغرتها نعومة شرشفها بملامسته. لقد حرصت منذ انتقالها للإقامة في نوف هجليل، قبل ثلاثة أعوام، على استبدال شرشفها قُبيل استلقائها وإغماض عينيها كلّ مساء تقريبًا. هي لا تذكر أنها خرقت هذه العادة، إذ أنها رهنت بها سعادتها المنتظرة. منذ اليوم الأول لانتقالها هذا قالت لنفسها " سأغيّر الشرشف.. ربّما تغيّر حظي". اغمضت عينيها.. كانت أشعّة شمس الصباح تبعث فيها الحياة المُغادرة منذ تركت بيتها في الناصرة وجاءت للإقامة هنا بحثا عن الهدوء والاستقرار.. بعيدًا عمّن ينغّص عليها حياتها، بما فيه بناتها المشغولات الثلاث وابنها .. وحيدها العاقّ. لقد حاولت أن تتقرّب منهم جميعًا فتردّدت عليهم في بيوتهم ضمن زيارات.. تعمّدت أن تجعلها قصيرة.. كي لا يملّها أحد منهم. في البداية رحّب أبناؤها بها واستقبلوها أحلى استقبال، لا سيّما عندما كانت تستخرج ما انتوت إهداءه لهم من الأوراق النقدية. هي ما تزال تذكر تلك المرأة الثقيلة عندما تناقشت معها حول محبّة الأبناء لأهاليهم، وما تزال تذكر جيّدًا عندما امتدحت هي ذاتها أبناءها وانتقدت محدثتها في المقابل .. ابناءها. هي امتدحت لحُسن الاستقبال، ومَن قُبالتها انتقدت لسوئه.. وكان لا بدّ من إجراء الرهان بين الاثنتين. الرهان قضى بأن تتوقّف حضرتها عن إهداء أبناءها. ابنها الوحيد وبناتها الثلاث الأوراق النقدية الجديدة خلنج. لترى ماذا سيحصل فيما بعد. للأسف الشديد خسرت هي الرهان. وكان لا بُدّ لها من ان تلحق مَن راهنتها في مسارب الوحدة وبيوت العناكب المُعرّشة. غير أنها لم تتمكن من مرافقتها طوال الوقت، فقد لمست فيها نوعًا غريبًا من القسوة.. حاولت تبريره بما اتصفت به تلك المرأة من تفكير واقعي..، غير أنها عندما اكتوت بنار ذلك التفكير، انصرفت عنها غير آبهة. يومها قالت لنفسها الوحدة خير من مرافقة مَن يتسبّب لك بالمضايقة. وعادت إلى بيتها لتنام على سريرها وشرشفها المغسول جيدًا.

شعور طاغٍ بمحبّة الحياة، في ذروة مشوارها الحياتي، بعد انفصالها عن زوجها، الشيخ المُرهَق والمُرهِق، وفشلها فيما سبق وراهنت عليه، داعب مُخيّلتها.. ربّما كان ذلك بسبب ملامسة أشعة الشمس الدافئة في يوم خريفي من أيام تشرين الأول. في الامس استمعت إلى أخبار مناوشات حدودية.. أثارها ذلك. غير أنها لم تهتم به كثيرًا. أما الآن في هذا الصباح المُشعّ، فقد خطر لها أن تستمع إلى الاخبار. مدّت يدها إلى ترانزستورها الصغير، لتفاجأ بأخبار غير متوقعة، ها هي تستمع جيّدًا.. الحرب في حالة تصاعد. والمسؤولون يطلبون من السكان التزوّد بالمواد الغذائية الكافية مدة أسبوع على الأقل. الأوضاع آخذة بالتأزّم إذًا.. فماذا عليك أن تفعلي؟ انهضي يا امرأة.. انهضي وتوجّهي إلى المُجمّع التجاري.. لتشتري ما نصح به الاعلام الرسمي. صحيح أن تجارب سابقة اثبتت أنه لا أهمية لمثل تلك التوجيهات في فترة الحرب.. لكن صحيح أيضًا "أن مَن احترص ما انقرص".

بعد أن قامت بطقوسها اليومية الصباحية من دخول الحمام. الاستحمام. تناول حبة أبو كادو. الوقوف في النافذة المُطلّة على الشارع المُشجّر الوحيد. توجّهت نحو باب شقتها.. فتحت الباب.. أغلقته وراءها ونزلت الدرجات بسرعة غير عادية. استقبلها الشارع على غير عادته بنوع من الحركة. ذلك كان واحدًا من أيام قليلة ترى فيها حركة في الشارع. كان جميع من رأته من الجيران يتوجّه على الاغلب إلى المجمع التجاري في الطرف الآخر من النوف. جرى الجميع وجرت هي معهم انتقلوا جميعًا من شارع إلى آخر. بعضهم توقف في المحطّة القريبة.. استقلّ الحافلة العامة. هي فضّلت أن تقوم اليوم بما لم يقم به الكثيرون. ستنطلق راجلة على قدميها. ستُمتّع أنظارها بما حفلت به حفاف الشوارع من أشجار وورد. وانطلقت سائرة على قدميها القويتين الثابتتين.

استوقفها في أحد مقاطع شارعها الطويل، تحت شجرة منزوية هناك في أحد الأركان منظر غير متوقّع. فتحت عينيها وأغمضتهما. إنها ترى تلك المرأة الما تتسمّى، مُراهنتها وهادمة عُشّ أحلامها، تقف هناك بكامل روائها وبهائها. لماذا لا تنطلق تلك نحو المُجمّع التجاري، اسوة بسواها ممن أرادوا درء معانيات الحرب. ما الذي جعلها تقف هناك في ذلك الموضع الخفيّ من الشارع؟.. هي لا بدّ أن تعرف، وتسلّلت عبر شارع جانبي، ضمن محاولة سخيفة.. هي ذاتها تعرفها أكثر من غيرها، لمفاجأة تلك المُراهنة الفظّة. هي لا بدّ أن تعرف ما الذي دفعها لأن تقف هناك وما سرّ تجمّلها وفوح عطرها في كلّ مكان.. خطت خطوة وأخرى باتجاه تلك الواقفة هناك .. تحت تلك الشجرة الوارفة. متعمّدة الا تراها قرينتها تلك. وقبل ان يظهرها المنعطف الخفي. فوجئت بما لم تكن تتوقّعه من تلك الواقفة مثلها على حافة السبعين. ما فوجئت به كان اغرب من الغرابة. شاهدت تلك المرأة ترسل ابتسامة نحو أقصى الشارع.. ابتسامة صبيّة في العشرين.. وفي المقابل شاهدت شابًا معافى مهندم الثياب، يجرى نحوها.. فيما هي تتحفّز لالتقاطه بين يديها المفتوحتين على وسع الحياة.

ما شاهدته من موقعها الخفي ذاك جعلها ترتدّ على عقبيها.. وتبتعد عن ذلك المنظر غير المتوقّع.. مفكرة في تلك القرينة الشبيهة بها في كلّ شيء إلا في أمرين اثنين لا ثالث لهما.. واقعيتها.. وذاك المنظر المثير... لذا لم تجد أمامها من بُدّ للانطلاق في الشارع ذاته على غير هدي.. حاملة في عينيها الجميلتين رغم مضي الزمن المفاجئ، صورة لذاك اللقاء الحميم بين قرينتها المسنة وذاك الشاب المهندم المعافى.. في انطلاقتها تلك استولى عليها ذلك المنظر مُنسيًا إياها أخبار الحرب وانطلاق صفارات الإنذار.. بل ما وجّهه المسؤولون للسكان مجتمعين من أهمية التزوّد بالمواد الغذائية استعدادا لتصاعد الأوضاع.. ها هي تتوقّف على دوي صفارة الإنذار مُعلنةً التصاعد غير المسبوق للحرب.. وكان لا بُدّ لها من الجري في الشارع فيما يطرق باب خاطرها سؤال ومشهد.. السؤال إلى أين ستذهب.. والمشهد شاب معافى وحَسن الهندام.. يقترب منها و.. تبتعد عنه.. شدّت على ما تبقّى في فمها من اسنان قائلة لنفسها.. لقد بدأت الحرب..

***

قصة: ناجي ظاهر

أنا خطّاء

ليس هناكَ من يرجمُني

في جزيرةِ شياطينَ وأحجار،

يمضونَ أيّامهم

في حربِ رجمٍ لا تنتهي

يبحثونَ عنّي

وأنا بينهم

أقهقهُ

يصمتونَ ويلتفتون،

وحين يغرقُ صدى القهقهات،

يعودونَ إلى حروبهم.

2

أتطهّرُ بحجرٍ،

ليزدادَ اختفائي

أنامُ كثيراً على وسادةِ ضميري الناصع،

وأصحو قليلاً مشغّلاً لماكينةِ مهنتي الجديدة،

صناعةُ الحجرِ الأسود

وتدويرُ القهقهات،

الكلُّ يبحثونَ عنّي،

وأنا بينَهم أغنِّي وأحبُّ وألعب،

فيما هم يزمجرونَ كارهينَ متجهّمين،

مناماتُهم كوابيس،

ومنامتي فجريَّةُ اللون.

3

إتّحدوا على رجمِ أصداءِ أغنياتي

فارتدّتْ عليهُم سخرياتٍ صفراء،

عَزَموا على مغادرةِ الجزيرة،

فشكّلتُ أسماك النقاءِ جداراً ساحلياً

يصدُّهم عن الهزيمة.

4

أوعزتُ لترابِ الجزيرةِ،

أن يغرزَ أقدامَهم

كي يصبحوا تماثيلَ رجمهمِ الأزلي

جاءَ الأولاد،

وصنعوا منهم لعبةَ الخطّائين،

الذين لا يكفّونَ عن الرجمِ

ولا يملّونَ من مباراةِ الأخطاء،

صانعُها الأمهرُ ملاكٌ خفي،

مصنوعٌ رداؤهُ من حليبٍ أزرق،

ويشعُّ رأسُه بشجرةِ الإيمان،

وتغرسُ أقدامهُ بذورَ الملائكة.

ولكن ها هو يفزُّ من نومهِ

على وقعِ كلماتٍ تَرجُمُ

مسلسلَ حياتهِ الطويلِ الأخطاء.

***

شعر: باقر صاحب - أديب وناقد عراقي

في نصوص اليوم