نصوص أدبية

نصوص أدبية

ألولب رتابة اليومي،

وأُلمع أحذية الزمن المتهالك،

كيلا تُلقي بي الأيام على قارعة التاريخ..!!

أنا القادم من جوف الألم،

المثقل بأحمال الأمس،

و هموم اليوم..

أنُــوءُ بأحلام الغد الهروب..

أنا المدرج بأسقام الوطن

و جراحات الناس..

أنا الواصل والموصول،

أنا الفاعل والمفعول..

لم يُبقِ لِـيَ التاريخ

سوى قُصاصات من حروب

و متاهات من دروب..

أرتق بها حدودَ البلاد الممتدة مِنّـي

إلى منتهى الحلم العنـيد..!

لعل الوطن يتشكل من جديد،

أو لعل ريح الشرق تَهُبّ من بعيــد.

وأنا القاعـد تحت لهيب الهجيـر الآتي من مرابض داحس والغبراء،

وشجون عنترة و قيظ تهامة والرمداء..

أتوسد بَعضا من قُصاصات المجد التليـد،

كما روته الجَدّات..

و تناثرَ كالغبار من ثنايا الأسفار.

أو انثال كالأطياف من حوافر الخيل المسرجة بالأحلام.

لا حبر لي كي أطرد الليل عن الحَواري و العتمةَ عن دروب الحي القديم..

لكني سأستعير حروف القول السديد،

لأرسم أصفادا لأسرى الماضي المجيد.

و أُعَمِّـد مواليد الكواكب البعيدة..

و أُوقِدُ النجوم المعتمة

كي أبشر بفجر جديد..!!

***

محمد المهدي - المغرب

تاوريرت – 07/10/2024

 

ما بين الفجر

وغياب الشمس

تحتضر الأرض

وما فيها..

**

البعضُ يتيبسْ

والبعضُ يموتْ

والآخرُ يأكله الهمْ..

والآخرُ ينخره الغمْ..

**

في هذا الكون الملكوت،

اعمى يتوجس مشيته

فوق رصيف الشارع

لا يدري اين يسير..

واعمى الفكر، لا يدري

في أي طريق يمضي

قد يمضي ولا يمضي..

والجاهل اعمى ،

قد يعرف لآشيء

والعارف لا يرهن نفسه

حول جواد خاسر..

**

والكل

على منهل الإحتضار..

قد يشعر البعض بالتكرار

ولكن ،

ما جدوى التكرار..؟

الصبح الليل

الليل الصبح

يتعمد هذا التكرار

موت وحياة

وحياة والموت

**

وتطل الحتمية

في جنح الليل

وضوء الشمس

وفي معناها عبث (*)

والعبث التكرار

بتغذى عدما

يلغي ندما

ينفي نغما

يطفو فوق

مساحات التكرار..

**

الرقص والحب والإنجاب..

والتكرار والهوس الجارف

في ماخور الأنخاب..

واليقظة والنوم هما التكرار

وما بعد التكرار

دوران في أفق اللامعنى

حيث الصخب الأدمي

والصمت الأبدي

يمثل معنى التكرار

**

في دوامة صخب الحب

او صخب الموت

في السلم او الحرب

تلك هي اللاجدوى

في المعنى

حين يدب العبث الشيطاني

يتسلل عبر مسامات الكون

ويسكن في الطرقات

ويعبث في الشهقات

ويرسم للكون علامات

اللامعنى..

***

د. جودت العاني

8 / 10 / 2024

..........................

(*) من وحي فلسفة العبث للفيلسوف والكاتب الفرنسي (البير كامو)

 

هذا الركضُ الطويل

أليس لهُ نهاية؟

ألم يشعُر الراكضون

بالتعب؟

لِما يركضونُ  وهم

يعلمونُ بأن كل شيءٍ

قد شارف على الإنتهاء؟

*

كُل الأرواح المُعذبه

أفنت حياتُها ركضاً

على الأرصفة المتهالكة

المُعبده بالألام الكبيرة

التي تسبب بها

العابثون

الفارون من الجحيم

الذين تركوا في كل

رصيفٍ بصمةً

لأياديهم

جاءت على هيأة

شُقوقٍ شاسعة

مُريبة

تبتلع مدينةً بأسرها

*

يا إلهي!

يا إلهي العظيم

أنقذ ما تبقى

من تلك الوجوه

التي تعتزمُ الركض

دون جدوى

طوقها بالنجاه

فإنها أوشكت أن

تُعلن الهرب!

***

أريج الزوي

 

يالها من ستين  دقيقة عشتها وكأنها الحلم، هل تصدق لم أتمكن من النوم ليلة البارحة؟! كنت أعيد في مخيلتي شريط تلك الدقائق بكل تفاصيلها التي عشتها، وأنا أسير تحت دفء شمس الخريف في شارع المتنبي، أو بالأحرى أن اسميه شارع الورق الأبيض المتوسط، أو شارع العطور والعصور، او أي اسم ترغب في تسميته، وأعذرني لست بارعة في تسمية الأشياء كما تفعل أنت عندما تطلق الأسماء كأنك تولد فيها الحياة.

صدقا لم يغف لي جفن حتى الساعات الأولى من الفجر ... كنت منفعلة، ومندهشة، وفرحة جداً...كنت مراراً وتكراراً أستحضر  تلك الساعة من ذاكرتي، وكأنني أكتبها في ورقي كنت أمسك بها خشية أن يفلت مني تفصيل واحد منها. أردت أن أبقيها في ذاكرتي لثمانين سنة القادمة!

أعتقد إنني إذا ما غفوت قبل أن أعيد تلك الدقائق وكأنني أعيشها ألف مرة فإنني أخشى حقا أن تكون بمثابة حلم، وليست حقيقة ... أعلم إنك حين تقرأ هذه السطور سوف يدهشك ما أكتب، وكيف لي أن أسهب في وصف ساعة أعتدت عليها أنت آلاف المرات، وسوف تقول لي أنت امرأة الأحلام والضوء.

سيدي، عليك أن تخلد إلى النوم؛ حتى تتماثل للشفاء تماماً بعد تلك الوعكة الصحية التي رافقتك، وأطاحت بقلمك حتى ما إذا وصلتك هذه السطور أن تكون الترياق الذي يعيدك إلى أول السطر، ويعيد إليك الحياة برائحة حبر.

عندما اختطفك المرض في تلك الأيام الماضية كنت كمن أطفأ قنديل ضوء ومحبرة عن هذا العالم.

هل تصدق كنت أكتب لك طوال تلك الفترة بغزارة قلم، ولكن ليس على الورق، وإنما على سراب ورق ،ومخيلة، وعلى تلك السحب الفارغة من المطر.

أعلم أن هذا الفصل بنكهة الخريف الممتلئ بجيش من الفيروسات التي تتسلق أجسادنا، ورغم هذا كنت قد قلقت عليك كثيراً.

إننا جميعاً ننتظر فصل الشتاء حين يأتي تبكي السماء، وتغسل غبار هذه الطفيليات الصغيرة من على مساماتنا وكذا سطورنا.

***

مريم الشكيلية / سلطنة عمان....

يَتحلى الصبرُ بنفسهِ

سارداً روايتهُ

بِنَفَسٍ طويل...

حِكْمَتهُ الصبر!

*

فأصعب المواقف

أن تقف!

وأصعب سؤالٍ

السؤال!

وأصعب شيءٍ

اللاشيء!

*

تشحذُ العَجَلةُ

خنجرها السياسي

بخطاباتٍ

عيَارها أربعةوعشرون فالصو!

مُوَجِّهَةً للصبرِ

ضربةً في الخاصرة

بذريعةِأنهُ

يُحَرّضُ السلامةَ

بالتأنِّي!

*

تهمسُ الندامةُ

في أنْفِ العَجَلَةِ :

أُذْنكِ يوماً

لمْ تقرأ: (صبراً آل غزة)!

وعينكِ

لمْ تسمعْ أبداً

رائحةً تحت الأنقاض

تمشي بقدَمَينِ مبتورتينِ

حافية العَرَبْ!

*

تَنْفِضُ اللحظاتُ أيامها

بما تَكَدَّسَ عليها

مِنْ زمنْ!

تنفي رغبتها بالبقاء

وتشحن طاقتها

للتقدم الأخيرْ

هي ستخوضُ...

رغم لدَغَاتِ فتاوى المِثْليينْ

ومُحَرِّكات التثبيط الخامس

بعُبُوَّاتِهُمْ الخسيسة

إرجافاً

ووضاعةً فَتَّاكةْ!

*

الآن..لاتَلْفِتْ!

قيامةالصبر

امتَشَقَتْ إباءها

عزيمتها تسلَّحَتْ...

إصرارها بِعِزًةٍ: لاتَرَاجُعْ

النصرُ يبتسِمْ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

6/10/2024

هذا الميعادُ أزَفْ..

اِنهَضْ وسدِّد سِجّيلَكَ نَحو الهَدف

يا طَيرَ الأبَابِيلِ الذي طَال غِيَابُه

إنّا هُنا في انتظارِكَ..

حَيثُ تَركتَنَا مُذ نصفِ قَرنٍ

نَحنُ مازِلنَا نَقِف..

دَوِّ مَدى الآفاقِ بالحقِّ المُبِينِ

أنّ أرضَ  الانبياءِ والشّعراءِ

و البُرتُقالِ والتّينِ

مُحَالاً تكونُ لغَيرِنَا

"من الفاءِ إلى النّونِ"

حتّى لو أخرسَ البَاطِلُ صَوتَنَا

و إسمُهَا في الحَلقِ جَف..

*

هذا الميعادُ أزَف..

إنّه ضَميرُ الطّينِ يَعلُو مِن جَديدٍ

فَجَّرَ طُوفانَه هَدّارا بنّصرٍ

عِزُّه خَفْقُ البُنُودِ

يَغسِلُ شَرَفَ العُروبةِ

مِن عَباءاتِ التّأمرُكِ والتّصَهيُنِ

و عُروشٍ خَاوِياتٍ تَوّجَتْ هَامَ العَبيدِ..

أشجَعُ مَن سادَ فِيهم

لم يُحرّكْ ساكِنًا  ولا حتّى لِسَانَا

إنّما حَرّكَ قَلبًا وَجِيفًا

من الجُبنِ  يَرتجف..

لا تَنتظِرْ مِن أدعِيَاءِ العُرُوبَةِ نُصرَةً

منذ مَتى كانت للمُتمسِّحين

على أعتَابِ "كَامبٍ وأوسلُو "

نَخوَةٌ او بعضُ نَعرةٍ

أعرَاسُهم مِن وطيسِ الطّبلِ والزّمرِ

و ما قامَ لَهُم مِن وَطيسِ الخَيلِ

عُرسٌ تُحَيِّيهِ الأكُف..

*

هذا الميعادُ أزَف

رَتّلَ انشودَةَ الفَجرِ النّديِّ

عندَ أطرافِ النّهَارِ

تُهدِي التّاريخَ إلَينا والحرب

و السّلامَ والأرض..

تُهدي إلَينا كَرامَةً مِن الحِجارةِ والنّارِ..

لكأنّ أصواتَ الأزِيزِ مَعَازِفُ

لَها في المَسامِع نَشوَةُ اللّحنِ الشّنِف

هذا الميعادُ أزِف..

هو مِيعادُ الحَياةِ معَ دِماءِ الشّهيدِ

يُنصِفُ ثُكلَ النّخيلِ

يَرتُقُ جُرحَ الوُرودِ..

ينقُشُ إسمَ الفِداءِ على ألواحِ الخُلودِ

يَهوِي بإصرار الرّجالِ

على جدرانِ الحدودِ

يَفتَحُ للنّصرِ بابًا بِمَصاريعِ الشّرَفْ..

هَذا المِيعادُ أزَفْ......

***

كوثر بلعابي

تونس فجر يوم: 7 أكتوبر 2023

(بمناسبة  اِندلاع الطّوفان المقدّس)

 

تنبعث رائحة الماضي السحيق من بين دفتي أضلاع خاوية.. كأنها كانت بالأمس القريب تخلع قيود ضجرها وبؤسها لتلهو مثل صبية تغازل أديم الارض بطبع اصابع قدميها فوق كومة تراب بلله المطر..

لكن الشرطي الذي يقف ممسكا ببندقيته مازال يوجه تحذيراته.. قائلا:

إياكم.. ان الحشائش الندية قد دُست بين نتوءاتها قنابل وحشية..

لكن لا أحد يسمع.. المكان والزمان في حالة فوضى الحاضر

والماضي وما بينهما سراب في سراب.. لتلك الأرواح البريئة التي كانت تتمنى حياة كريمة.. !!!!

 ارتفعت حرارة آذار لتقذف الارض بطريقة متباطئة خيوطا دافئة لتؤنس أرواح المشردين في أصقاع المدينة المترنحة.. الا ان عاصفا ترابيا حال دون ذلك.. هناك اندلعت حمرة قانية في الافق تثير الخوف والموت.. فغدت المدينة حزينة وكئيبة..

عندها.. اقتنعت بداخلي ان السنين تتشابه.. ففي يوم نحس يشبه هذا اليوم كنا قد التقينا للمرة الاخيرة أنا وصديقتي أيام الصبا.. تذكرتها اليوم بحنين طاغ.. وروحي تبعث على وميض خيط يتوجع لتلك الذكريات.. صديقتي التي لم أرها منذ تلك السنين.. !!!

 كنت أغار منها فهي تتقدم بدرجاتها أكثر مني تفوقت بكتابة الشعر يتصدر اسمها قائمة المجدات حازت إعجاب مدرسات اللغة العربية.. تتميز بلباقة محببة فتكسب رضا الاخرين.. تخطف أنظار المارة بأناقتها.. أتذكر خفة جريانها في التخفي في لعبتنا المفضلة (الختيلان) في درس الرياضة.. اكتشفت بعد حين انها صديقة طيبة وتستحق ان أعتز بصداقتها....

 فاجأتنا ذات يوم بوجوم مخيف قد ارتسم على محياها وسيطر على روحها المحبة للطرفة.. ضربت عزلة على نفسها.. لعدة أيام دون ان تبوح بسبب واحد يدعوها لذلك..

 على الرغم من إعجابي الشديد بها.. فقد كنت أحسدها وأتمنى ان أمتلك مثل جرأتها وهي تلعب دورا مميزا في مسرحية داخل المدرسة.. حزنت وتألمت لحالها إلا ان خيطا من الشعور بالرضا كان يجتاح داخلي للحظة مباغتة فتأبى روحي ذلك وترفضه فيما بعد....

 بادرتها بسؤالي.. هل. لديك قصيدة جديدة تودين قراءتها في يوم الخميس أو نشرة أدبية ترغبين مشاركتنا فيها.. ؟؟

.. قاطعتني بنبرات مرتبكة وهي تقول: أتمنى ان يطول حديثنا وسأحدثك بإسهاب مطول فلدي الكثير مما أتمنى ان أبوح به لك دون الاخريات.. دعتني لزيارتها في بيتها.. شعرت حينها انه يتحتم عليّ ذلك.. هناك عدة بيوت بين دارنا ودارهم..

قصدتها ذات مساء ولا أدري ما الذي جعلني أتذكر أخاها وزوجه الأجنبية.. فطالما أثار اعجابنا بأفكاره وآرائه بخصوص.. المرأة.. والمجتمع والاهتمام بدراستنا.. كان آنذاك شابا جامعيا لدراسة الماجستير في الهندسة..

كان يحثنا على قراءة الكتب الادبية والروايات ويسدي لنا نصائحه بشأن مؤلف هذا الكتاب أو ذاك.. كان يجاملنا بطريقة في غاية التهذيب والوقار ولعباراته تأثيرها البالغ في نفوسنا..

 وحين وجهت دعوتها لي بإلحاح شديد ازداد فضولي لمعرفة أخبارهم.. وان استمع لكلمات زوجه الاجنبية ولكنتها المحببة

وحين وضعت يدي على جرس الباب لا أعرف لماذا شعرت بإحراج شديد وارباك.. لكني أعدت الطرق.. فطالعني وجه أبيها وهو في حال أسوء من حالها.. كان مكفهر الوجه وقد رد تحيتي بنبرة باردة وصوت خفيض.. دلفت داخل المنزل فوجدت صديقتي مستاءة قلقة مصفرة الملامح.. ذابلة العينين.. متعبة.. لا تمكث في مكان واحد.. ولم تنتبه لمسألة ضيافتي ولو بكأس ماء بارد....

 كان ارتباكها وسلوكها غير مريح بالنسبة لي.. شعرت ان روحها ليست معي.. تعيد جملها بتكرار ممل.. ثم تسألني بطريقة تصطنع فيها الابتسامة بأمور عادية مما يضطرني ان أومئ لها برأسي فليس هناك من جديد كما تصورت....

لم أشأ ان أنتزع منها الحديث عما تعانيه.. كان الجو مليئا بالأتربة والعواصف الحارة فبادرت هي مسرعة لتغلق النوافذ والأبواب.. ثم حل بيننا وجوم وكآبة وصمت....

وقفت ساحبة حقيبتي من الاريكة ومستعدة للخروج من بيتهم الذي بدا بائسا ومثيرا للتساؤل..

أمها كانت منزوية بجلستها على أرضية الغرفة في الهول الداخلي كانت تجلس القرفصاء شابكة يديها حول ركبتيها وهي ساكنة كأنها لوحة جامدة.. حاولت ان أخرج دون ان أشعرها باني لمحت أمها من خلال النافذة..

 فاجأتني بحركة سريعة فخطفت حقيبتي ودلفت بها الى الغرفة الداخلية المقابلة لحجرة الضيوف.. وقفتُ مندهشة..

 سمعتها وهي تبكي بحرقة..

حينها شعرت بخفقان قلبي وقلة حيلتي في كيفية التصرف إزاء الحدث.. بصعوبة شديدة استجمعت عزيمتي وإرادتي ثم دخلت الى الهول الداخلي وألقيت التحية على أمها التي كانت تعتز بصداقتي لابنتها.. لكنها الان لا ترد على تحيتي وكأنها لا تراني ولا تسمعني فدلفت مستعجلة الى صديقتي في غرفتها.. فوجدتها ساهمة تغسل الدموع وجنتيها.. عانقتها وبكينا معا دون ان أعرف السبب الذي أبكاها..

. وحين سألتها عن أخيها وزوجه أجابتني ببرود تام.. دعيه في راحته الابدية حيث اختفى منذ سنة كاملة ولا نعرف مصيره وعادت زوجه الى بلدها.. اكتفت بالتحديق الى وجهي كأنها تراني لأول مرة.. قالت.. ما أبكاني هو الحاضر.. وليس الماضي.. همست مع نفسي..

.. !!!.. يا للعجب.. وهل تعتبرين أخاك ماضيا

لم أشأ التدخل في ظروفها العائلية ولم أطلب منها تفسيرا لذلك.. اذن قد يكون السبب هو والدها الحاد المزاج الذي كانت تحدثني عنه.. وأخيرا قبلتها ثم سحبت حقيبتي وخرجت مسرعة عند استدارتي رأيت أباها وهو يحدق فيها بغضب وكأنه هو من الجمها عن الكلام..

.. شعرت حينها بحزن شديد ودوار وألم في رأسي جعلاني أغلق الموضوع دون ان أتحدث عنه لأحد لعدة أيام مضت..

.. لكني لم أستطع نسيان ما رأيت وسمعت..

فحاولت وبدقة متناهية وصف حال صاحبتي وأسرتها لأمي ذاكرة لها حزني وألمي تجاه صديقتي.. فرمقتني بنظرة متفحصة كأنها تحاول ان تسبر أغوار روحي لتفهم حقيقة عدم معرفتي بأخبار صديقتي وحين تيقنت من ذلك.. أطرقت رأسها وتنهدت بمرارة وحزن وهي تقول..

يؤسفني يا ابنتي ان أخبرك انه قد تمّ ترحيلهم قبل أيام مع عوائل أخرى لدولة مجاورة قبيل صلاة الفجر بشاحنات نقل كبيرة..

فتساءلت بنبرة غاضبة.. وما هي جريرتهم.. ؟؟

.. !!! وبطريقة غريبة وسريعة وضعت يدها فوق فمي..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

إلى محمد سعدون السباهي

بمناسبة وجوده في البحر

***

بحرانِ أنتما

بحرٌ آدميٌّ

شاسعُ المدى

وقلبٌ جنوبيٌّ

باذخُ الرؤى

ومكتظٌ بالحكاياتِ

والمواويلِ والاسرار

هو أَنتَ  …

بكلِّ نبلِكَ وشهامتِكَ

وإشراقات روحك الجنوبية الناصعة .

وهوَ السيدُ البحرُ

الذي لهُ زرقتُهُ الشاسعةْ

وفضاؤهُ الفذُّ المدى

ولهُ مزاجُهُ الغامضُ والغاضبُ

حينَ تُرهقُهُ السفائنُ والمراكبُ

وحماقاتُ الحيتانِ وفوضى الصيّادين

ولصوصُ اللؤلؤِ القمري والمرجانْ

وجشعُ الانسانْ ،

آهٍ من الإنسانْ

الذي يأكلُ كلَّ شيءٍ

حتى لو كانَ لحمَ أخيهِ

أو ثديَ أُمِّهِ

وأحياناً لايترددُ في أنْ يلتهمَ

لحمَ أصابعهِ جوعاً

وربَّما ندماً

على حماقاتِهِ وجرائمهِ

منذُ واقعةِ وفاجعةِ

(قابيلَ وهابيلَ)

وتاريخٍ من الدمِ

والدموعِ التي هيَ

كلُّ هذا البحرِ

المُحتشدِ بحضوركَ

ومرحكَ الطفولي اللذيذ

وضحكاتِكَ البحريةِ المتناثرةِ والمتطايرة مع سمفونياتِ الأمواجِ

و صراخِ النوارسِ وفوضاها المرحة

وخفقِ أَجنحتِها الناصعةِ البياضِ مثل قلوبِ امهاتِنا

الجنوبياتِ الحنوناتِ ،

وأرواحِ آبائنا السندباديين الأنقياءِ أَبداً .

*

سلاماً لكَ،

يا طفلَ الأهوارِ والأهوالِ

والمراعي المفتوحةِ

والأسماكِ الطيّبَة

والذكرياتِ والخساراتِ

وينابيعِ المحبَّة والحنينْ

*

سلامٌ لكَ … وسلامٌ عليكْ

يا أبا السلامِ والحُبِّ

والطيبةِ الجنوبية التي

لها عمقُ البحرِ وكنوزُهُ

وحكمتُهُ التي تشبهُ

حكاياتِكَ ورواياتِكَ

وأَغانيكَ الجريحةَ ونحيبَكَ

على اخوتِكَ وأصدقائكَ

الذينَ رماهُم الطغاةْ

والجنرالاتُ القُساةْ

في جحيماتِ الحروبِ

والمقابرِ الجماعية

وفي متاهةِ الغيابْ

***

سعد جاسم

كندا في ١٥ - ٨ - ٢٠٢٤

 

مَــلَكْتِ الــقَلْبَ رِفْــقًا (كونْدَلِيزَا)

دَخَــلْتِ  إِلَــى الفُؤَادِ بِغَيْرِ (فِيزَا)

*

وَ  بَــاتَ الصَّدْرُ مِثْلَ القِدْرِ يَغْلِي

فَــهَــلَّا. تَــسْــمَعِينَ لَــهُ أَزِيــزَا؟

*

وَمَــا شَــأْنُ الْعَوَاذِلِ حَيْثُ قَالُوا؟

عَــجُوزٌ طَــاعِنٌ يَــهْوَى عَجُوزَةْ

*

وَقَــالُــوا  (....) أَغْـــوَتْ (....)

فَــهَلْ بِــتْنَا بِــشِرْعَتِهِمْ مَــعِيزَا؟!

*

أَنَــا الــضَّلِيلُ دَوَّخْــتُ الــعَذَارَى

وَتِــلْــكَ طَــبِــيعَةٌ بِــدَمِي نَــحِيزَةْ

*

أَنَــا مِــنْ قَــبْلُ قَدْ أَحْبَبْتُ (لِفْنِي)

وَجَــاءَ  الــيَوْمُ دَوْرُكِ يَــا جَهِيزَةْ

*

فَــعَــيْنَاكِ الــجَــمِيلَةُ كَــهْــرَبَتْنِي

كَــأَنِّي قَــدْ وُضِــعْتُ عَلَى بَرِيزَةْ

*

يَــطِيرُ الــنَّوْمُ فَــوْرًا عَنْ عُيُونِي

إِذَا مَا الرَّأْسُ صَارَ عَلَى الوَشِيزَةْ

*

وَدِدْتُ لَــوْ أَنِّــني أَغْدُو (دَفِنْشِي)

لِأَرْسُــمَ  مِــنْكِ لَــوْحَةَ (مُونَلِيزَا)

*

وقــد  ذَكَــرُوا لَــهَا عِشْرِينَ عَيْبًا

وَأَيْــمُ الــلَّهِ مَــا بِــكِ مِــنْ غَمِيزَةْ

*

وَإِنْ  سَــاءَتْــهُمُ بَــعْضُ الــسِّجَايَا

فَــفِيكِ مِــنَ الــمَحَاسِنِ أَلْفُ مِيزَةْ

*

وَرُغْــمَ الــصَّدِّ وَالأَعْرَاضِ عَنِّي

سَــتَــبْــقَيْنَ الــمُــقَرَّبَةَ الــعَــزِيزَةْ

*

أَنَـــا  الــخَرْفَانُ تَــأْكُلُنِي سِــنِينِي

وَدَرْبِــي  فِي الهَوَى يَحْتَاجُ جِيزَةْ

*

أَبِــيعُ الــقُدْسَ وَالأَعْــرَابَ طُــرًّا

إِذَا  مَــا كُــنْتِ لِــي أَنْتِ الرَّكِيزَةْ

*

شَــرَحْتُ  لَــكِ الغَرَامَ فَسَامِحِينِي

إِذَا كَــانَــتْ عِــبَــارَاتِي وَجِــيزَةْ

*

أَلا عَــبَّاسُ هَــلْ تُــصْغِي لِنَصْحٍ

يَــظَلُّ الــلُّؤْمُ فِــي الأَفْعَى غَرِيزَةْ

***

بقلم: عبد الناصر عليوي العبيدي

.......................

معاني المفردات

نَحِيزَةُ الإِنْسَانِ : طَبِيعَتُهُ

الجِيزة: مقدارُ الماء الذي يَجُوز به المسافرُ من مَنْهل إِلى منهل

الغَمِيزَةُ: الغميز.

يقال: ما فيه عيب

 

Do not throw your obsessions through the window of the plane.

مع: ترجمة الدكتور  يوسف حنا - فلسطين.

***

لا ترم هواجسك من شباك الطائرة.

خشية أن يخطفها طائر العقعق.

ثمة ضباب مسلح يتربص بك

خارج البيت.

دادائيون فروا من كلاب المجرة.

يصوبون بنادقهم حول ثعلب نثرك اليومي.

لا يبصرون في النهار.

لا يجيدون الصلاة فوق جسر الوضوح.

سيقتلون حمامتك العائلية

لتصيرا واحدا منهم.

استعن بالشجرة

لقراءة أسرار الغد

وفهم طبيعة الأشياء بالإشارة.

استعن بكلب سلوقي لحراسة المخيلة.

طرد الجنون من شرفة رأسك

الجنون الذي خلف ضحايا كثرا

في نصوصك.

استعن بقطاع الطرق

لإضاءة براهين المسكوت عنه.

استعن بضحكة جارك الحبشي

لتدجين الساعات الحرجة

لا تسق الأموات حليب المخيلة.

ابتعد قليلا

أيقظ شمعتك من كثافة التفكير.

ذر حواسك ترع في الملكوت.

لا ترم شبابتك في البئر

الموسيقيون قادمون من أدغال نصك الجريح .

ابتعد قليلا

افتح النار على قافلة العميان.

واستعن بصليبك في الحرب

الرهائن كثر والطريق احتضار.

***

بقلم فتحي مهذب تونس.

..........................

Do not throw your obsessions through the window of the plane

By Fathi Muhadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

Do not throw your obsessions through the window of the plane

Lest the magpie snatch her.

There is an armed fog lurking in you

Outside the house.

Dadaists fled from the dogs of galaxy.

They point their guns around the fox of your daily prose.

They do not enlighten during the day.

They are not conversant with praying over the bridge of clarity.

They'll kill your family pigeon

To become one of them.

Draw on the tree

To read the secrets of tomorrow

And understand the nature of things by sign language.

Draw on a greyhound to guard the imagination,

To drive out the madness from your balcony

And madness that left many victims

In your texts.

Draw on bandits

To illuminate the evidences of the unspeakable.

Use the laughter of your Ethiopian neighbor

To domesticate critical hours.

Don’t sate dead with the milk of imagination.

Back off a bit

Awaken your candle from intense reflection.

Throw your senses pasturing in the heavenly kingdom.

Do not throw your flute into the well

Musicians are coming from the jungles of your wounded text.

Back off a bit

Open fire on the blind convoy

And draw on your cross in war

Hostages are many and the road is dying.

***

 

تَتَّسعُ مواقدُ الألمِ!

ويموءُ على عَتَباتِ الرحمةِ

كل الكلامْ

فلا يكفي ما تبقّى

من حروفٍ

لتردّدَ بعضَ السلامْ

الحروبُ ..

تفترشُ البلادَ

خيامْ

لينامَ العبادُ

تحتَ سلالمِ الوقتِ

يحلمونَ بالوئامْ

كثرتِ الحَرائقُ

ومِن رمادنا

رمادٌ

يغرقُ الأوطانَ

ويعفِّرُ وجهَ الرَّغيفِ

بكلِّ أشكالِ الحرمانْ

رحماكَ …

لا تسقِ الزَّرعَ بدمعنا

جَفَّتِ الأعينُ

وضاقتْ علينا

كلُّ احتمالاتِ العيشِ

وكلُّ انتهاكاتِ الطِّينِ

تتلاشى أشلاؤنا

نثاراً

ويُعيدُنا للغيمِ … الدُّخان

***

سلام البهية السماوي

 

الانحدار صوب وديان

من الشوك والعوسج والحنظل

يجعل مرايا النفس والروح

رديئة رديئة ومتسخة متسخة

وازاهيرهما شاحبة شاحبة

تعزف عن رؤية

اسديتها ومياسمها

النحلات والفراشات

العاشقات والانحدار

صوب ينابيع

الحب المطلق

والامل المضيء

يجعل ازاهير

النفس والروح

زاهية زاهية

و فراشات

الروض المستباح

تعانق فرحة

مدارات قوس قزح الصباح

الشفق الازرق والمطر .

***

سالم الياس مدالو

 

العقل والمزمار

والجهل المعمد بالتعاسة والخوار..

في وهجه يشكو ألاعيب المحال مع الدوار

هل يبدأ العملاق يخطو

بين اجنحة الوعود السود في وضح النهار

هذا هو العقل الملبد بالغباء وبالغبار..!!

**

هل ينتهي الجهل،

ويصفو العقل في محرابه يسمو

فلا غدر ولا قتل ولا عذر لمن

لا يعرف الدنيا وما فيها ـ

مآسيها ـ

وإرهاصات ماضيها..؟

**

سلاماً أيها العقل ،

تعقل في مراميها..

ولا تبخس معانيها..

تنفس من رحيق الشمس

طاقات الهوى العذري

قبلْ كل ما فيها..

ولا تمضي  مع الاعمى

بليدا قد يقاضيها

كما الثالوث في المنفى

هي الصيحات

لا تجدي ولا تنفع

جموع في نهارات القذى تقمع..

شراعات مع الامواج لا تقلع..

وناقوس مع المحراب لا يقرع..

وأفواه وأثداء بدت

في محنة الامصار لا تشبع..

فأين العقل و(الرمح والسيف)

والشمس

المضيئة في النهار..؟

**

من يرتضي

القيح والقبح في داره

من يقتفي صمت القرود

من يحتفي برق الرعود

الفارغات على المدى

الشاردات مع النوارس

والرياح

بلا صدى..؟

***

د. جودت صالح

4 / 10 /2024

في يومٍ  ماطِرْ

جاءَ لَكُمْ روبوتٌ،

قالَ: أنا شاعرْ

أنْطُقُ شعراً لا يعرفهُ

روبوتٌ غيري، أو إنسانْ

وملاكُ الشّعرِ  يباغِتُنِي،

لا أدري كيفَ،

ولا أدري أينَ هو الآنْ؟

هَلْ أدركهُ النّسيانْ؟

أمْ أغْوَتْهُ غَوانٍ يَكْرَهْنَ الشّعْرَ فخانْ

قالَ سأصْعَدُ مِنبَرَ  شِعْرِي

حاولَ أنْ يَصْعَدْ

فتدحْرَجْ

وبِصوتٍ يتَحَشْرِجْ

قالَ سَأُوجِدُ بحراً شعرياً

باِسمِ "المُتَدَحْرِجْ"

**

بَعْدَ قليلٍ جاءَ لكُمْ شعراءٌ مَهْمُومُونْ

قالوا إنّا كنّا نَتَدَحْرَجْ

منذُ زمانٍ وزمانْ

فَدَعُونَا نَسْتَكْمِلُ

أشواطَ تَدَحْرُجِنا الآنْ

و دَعُونَا لا نُحْرِجُ

أو نُحْرَجْ

ضَحِكَ الروبوتْ

قالَ الشّعرُ سيبقى حيًّا

وأنا سوفَ أموتْ

لكنِّي

لا أطلبُ مِنْكُمْ قَبْرًا أو تابوتْ

***

شعر: خالد الحلّي

(رسالةٌ إلى عرقوبٍ من أبيه)

قُـلْتُ: اتَّـخِــذْنِـي والِــدًا!

صِحْتَ: اتخذتُكَ: «لا أَبا لَكْ!»

*

فصَحَـوْتُ أَضْحَكُ، يا بُـكا

ئِـي، إِذْ بَكَيْتَ، فما رَثَـى لَـكْ!

**

يَـا قَـلْبُ ، مَالَـكَ هـكَـذا؟

يا كَلْبُ ، مالَكَ؟ مَنْ أمالَكْ؟

*

أَ وَمـا  أَتـــاكَ  بِـأَنَّ  حـــا

لكَ لِـ(ابْنِ آوَى) قد أَحـالَكْ؟

*

أَمْ هَـلْ بَـدَا وَجْـهُ (السَّـمَـوْ

أَلِ) مِثْـلَ(عُرْقُوْبٍ) حِيالَكْ؟

*

فرَسَـفْتَ في أَغْـلالِ ما اجْــ

ـتَـرَحَ الجُذُوْرُ فـما أَقـالَـكْ؟

*

أرَضِـيْـتَ بِـالأَطْــلالِ ذِكْــ

ـرَى مِنْ حَبِيْبٍ؟ بِئْسَ ذا لَكْ!

*

فلْـتَسـتَّـفِقْ مِنْ أَمْسِ، واخْـ

ــلَعْ مِنْ غَـدٍ أَبـَـدًا خَيالَكْ!

**

إِنَّ  الأُبـُـــوَّةَ  كـالــبُـــنُــوَّ

ةِ : آيَـتـانِ ؛ بَـرَتْ مِــثـالَـكْ

*

اقْـرَأْ أَبـَـاكَ ، تَـجِـدْ بِـعَــيْــ

ـنَـيْـهِ- وإِنْ تَكْمَـهْ- عِيالَـكْ

*

واكْــتُـبْ بَـنِــيْـكَ قَـصــائـدًا

مِنْ لَـذَّةٍ ،  واسْـكُـبْ جَـمالَـكْ

*

اِغْـرِسْ بِـهِـمْ مـا تَـشْــتَـهِـي

أَنْ تَـجْـتَـنِـي ، وامْلَأْ سِلالَكْ!

**

هَـيْـهـاتَ تَـرْفَـعُ حـاجِـبًـا،

والعَـيْنُ شَكْرَى، عُبَّ آلَـكْ!

*

اِمْـهَـدْ لِـجَـنْـبِـكَ كَوكَـبًـا،

وانْقُشْ على الشِّعْرَى سُؤَالَكْ:

*

أتَـرَى صَواعِـقَ نَصْلِكَ الثَّـ

ــاوِيْ مُـجَـدِّدَةً نِـصالَـكْ؟

*

وتَـرَى وِصالَ عَشِيْقَةِ الـشِّـ

ـعْرِ الشَّذِيِّ شَرَى وِصالَكْ؟

*

لِتَقُـولَ ، إِذْ أَزِفَ القُـفُـوْلُ ،

وشِمْتَ في الأَقْـصَى هِلالَكْ:

*

ما كالجَـمـالِ جَـمـالُـكَ الْـ

أَرْقَـى، ولا يَرْقَـى جِـبالَكْ!

***

شِعر: أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيفي

 

الصبيُّ مازالَ يرتلُ للوطنِ

الصبيُّ يلوحُ لرؤوسِ الحرابي

او يحلمُ بعلوِ العلمِ

بلادُ العربِ اوطاني

كبرَ الصبيُّ صارَ شبلاً

احتواهُ الطريقُ الذي سيمضي اليهِ

او الوطنُ الحرُ السعيدُ

الصبيُّ حينَ يمرُّ بعمالِ المساطرِ

عمالِ البذلاتِ الزرقاءِ

يرسمُ على الطرقاتِ ياعمالَ العالمِ اتحدوا

الصبيُّ يتعلمُ رسمَ الاكواخِ والشمسِ والحمامِ

يرسمُ هدأةَ الشطآنِ

يرسمُ المناجلَ والمطارقَ

يرسمُ القصورَ خزينَ الاملِ

يرسمُ الدروبَ الضيقةَ

يحتفظُ بأشعارِ لوركا وناظم حكمت

أشعارِ سميح القاسم وتوفيق زياد

يدندنُ لاحمدَ فؤاد نجم

والشيخ إمام

او يغني مكبعةً لطارقِ الشبلي

لا تسألني عن عنواني

لصاحبِ الخصلةِ البيضاءِ جعفر حسن

يختارُ الجريدةَ الحمراءَ عنواناً للحريةِ

الصبيُّ

تناديهِ المطاراتُ تكبرُ احلامهُ

يظلُّ النخيلُ والزيتونُ دفئاً لهُ

تنتهي العناوينُ ، تتطايرُ الرسائلُ

تخفتُ ترانيمُ الحريةِ

يضيعُ خبزُ امهِ

تنهارُ تجاعيدُ ابيهِ

تتساقطُ صورَ الثوارِ

الصبيُّ

يحملُ سيفَ الغضبِ

لقد قتلتنا الخيانةُ

***

عبد الامير العبادي

ميناء لامبيدوزا،

بعض قوارب الموت  المتهالكة،

نجحت في عبور البحر المدجّج

بالملح و الغدر.

*

وصل العشرات،

راح المئات.

أرواح منهكة،

قذفتها الأوطان،

تقاذفتها الأحلام والأوهام.

*

تحرق الأرواح،

مثقلة بعبئ دعاء الأمّهات المقهورة.

الحومة مخنوقة في "سنترو" لامبيدوزا.

قريبا ، ستنهار أغلب الأحلام،

مثل البيوت المهترئة

التّي دفعتهم إلى "الحرقان".

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

أستاذ دراسات الشّرق الأوسط وجنوب آسيا

جامعة فيرجينيا

 

خرقت حركة خفيفة جدًا الصمت الفظيع المخيّم على الطابق الرابع في العمارة الوحيدة في راس الجبل، فاهتزت الشقة رقم 7 اهتزازة خفيفة، ما دفع ساكنها المُزمن ساهر افندي، ان يضع كاس النبيذ المعتّق على المنضدة الخالية قبالته ويهرع إلى الباب ليفتحه على أوسع ما يمكن، وليطلّ برأسه الاشيب متفحّصًا المكان وناظرًا إلى أسفل الدرج.. منذ باغت ساهر.. ساكن تلك الشقة .. أخاه باهر، دون قصد بالطبع ورأى ذلك المنظر الساحر، وهو يحلم بأن تزوره تلك الفاتنة كما زارت أخاه وأن يفعل معها مثلما فعل، " فمن علته المال لا يستعصي باي من الأحوال". باهر شقيق ساهر يكبر أخاه بنحو الخمسة أعوام. وخلافا لأخيه الأعزب الابدي، خاض باهر غمار الحرب الزوجية وارتبط بامرأة أصغر منه بعشرين عامًا، طلبت الطلاق منه بعد سنوات قلائل من الزواج المُتعب المُضني لتتركه يعيش وحدته القاتلة بعد أن ذاق طعم العسل النسائي الفاتن.

عندما لم يرَ ساهر أي أثر لذاك الطيف الذي انتظره منذ ثلاثة أسابيع، وضع أذنه الذكية الحسّاسة قريبًا من حافة الحائط المُلاصق لشقته لعلّه يسمع حركة او نأمة أو أي شيء ينبئه بأن فاتنته تلك أتت وتوارت حتى تتأكد من أن أحدًا، خاصة طليقة باهر لا تتعقبها، لإدخالها مئة بالمئة إلى قفص الاتهام أولًا والقصاص ثانيًا. كلّ ما توقعه ساهر الافندي تفتّق عن قطة شقية قفزت من عتمة الادراج لتعلن له فقط أن الحياة ما زالت في المكان ولم تغادر.. كما اعتقد وتصوّر!!

عاد ساهر إلى داخل شقته كابية الأضواء مغلقًا بابها وراءه. اتخذ مقعده هناك قرب منضدته التاريخية الفارغة الخاوية وتابع شرب ما تبقى من كاس النبيذ الباسم الضاحك في حيرة. شرب ساهر كأسه ذاك. آه لو أن تلك الفاتنة جاءته في تلك اللحظة الوحيدة الفريدة، لشربا النبيذ معًا.. لعبثا.. بعدها معًا واندمجا روحًا، طيفا وجسدا في فضاء واحد موحّد.. وربما لفعلا مثلما فعل أخوه مع مساعدته. بعد كاس النبيذ الثالث وجد ساهر نفسه يتوجّه ممتطيا جناح حلمه المتوفّز إلى شقة أخيه باهر في الدور الأول من العمارة المشتركة البعيدة.. ويفتح الباب المفتوح أصلًا دون إحم أو دستور ليفاجأ بذاك المنظر الذي سيجعله لا ينام الليل ولا يعيش النهار وإنما يتحوّل إلى ريشة طائرة في رياح القلق لا تستقر إلا على حالة من القلق.. ألح عليه ذاك المنظر الفاتن كأنما هو يراه الآن بعين ذاكرته حقيقة لا خيالًا.. يدُ أخيه باهر تمتدّ الى جسد مساعدته شبه العاري تتحسّسه بكلّ ما في العالم من رقة ورغبة.. إنه يرى أخاه الآن بعين خياله يتحسّس ذاك الجسد الشاب.. الشارب الريّان.. تحسُّس أوراق الجوري لمساحات رحبة واسعة من العاج الرخو.. المالس.. الزلق.. الساحر. يشعر أخوه.. السكران برائحة المرأة به قريبًا منه، فينتهره لماذا لا تدّق الباب. ما هذه المباغتة غير السارة؟.. إذهب إلى الجحيم.. لا أريد أن أراك. حينها خرج ساهر من شقة أخيه العامرة بالمرأة ومساحاتها السكسية البيضاء اللدنة العاجية، وهو أشبه بسكران مسكون الخيال بالأمر العظيم. عندما خرج ساهر حينها من شقة أخيه لم يتمكّن من مغادرة المكان. وكان يشعر بشيطان الرغبة يحوّله إلى فراشة تدور حول النور المباغت، وفي دورات من الجنون والشهوة تلف وتدور. مشاعره هذه دفعته لابتكار تصرّف عبقري لم يكن ليخطر له على بال في حالاته الروتينية العادية. تلك الفكرة تمثّلت في انتحائه زاوية بعيدة عن العيون، هناك قريبًا من العمارة، وقد حرص في انتحائه ذاك على أن يكون مدخل العمارة في مرمى نظره وتحت عينه العطشة الظمئة. أما الهدف فقد أقره وأضمره في بطنه. حينها طال انتظاره وكان كلّما مضت ساعة.. يشعر بواحد من أمرين.. متنقلًا من أمر إلى الآخر. في الأمر يتخيل جسد أخيه وهو يتداخل في ذاك الجسد الريان وفي الامر الاخر يتصوّر نفسه مكان أخيه.. جسدًا.. وجها وعينًا.. أليس هما أخوان من أم وأب؟.. ألا يحق له هو الأخ الأصغر رغم العزوبية والشيخوخة أن يحظى بما حظي به ذاك المطلاق المزواج؟.. بعد انتظاره ذاك فوجئ ساهر أفندي بما لم يكن يتوقّعه، فقد انبعثت من العمارة صرخات وشتائم مقذعة.. من قاع الدست، تلاها خروج طليقة أخيه من باب العمارة وهو تسبّ طليقها.. باهر القذر.. وتلعن تلك المرأة مهددة بأنها ستنتقم منها شرّ انتقام، ومُتهمة إياها بأنها هي مَن تسبّبت في طلاقها ضياعها وتشتتها. وتتالت المفاجآت ليرى ساهر مساعدة أخيه ومحظيته الدافئة الحنون تخرج من باب العمارة وتنطلق مبتعدة عن العمارة مثل صاروخ تائه. عندها لحق بها قاطعًا الشارع تلو الشارع ومتوقعًا أن تمرّ من حيث نوى أن يجلس هو وكاس نبيذه النشوان. لم يمض سوى وقت حتى وقع ما برمج له وخطّط. ورأى تلك المُساعدة الفاتنة تتهادى في الشارع المحاذي تهادي عروس في أول جلوتها، فما كان منه إلا أن دنا منها مرحّبًا.. مسلّمًا متجاهلًا كلّ ما حصل ووقع، ومستشيرًا إياها بأن تأتي لمساعدته في بيته الدافئ الجميل مقابل عدد غير متوقّع من الأوراق النقدية. ما إن عرض عليها ذاك العرض حتى وعدته أن تزوره .. لكن بعد أن تهدأ الأمور وتنسى طليقة أخيه تلك الواقعة الدافعة للانتقام بكلّ ما فيه من ويلات وثبور وعظائم الأمور. لحظتها اخرج حافظة نقوده ونفحها مبلغًا على الحساب طالبًا منها أن تحدّد موعدًا لزيارته. فرفضت تحديد ذاك الموعد جراء تهديد طليقة أخيه لها. كان هذا قبل ثلاثة أسابيع من الانتظار والتوق ع والحلم.

*** واصل ساهر افندي الجلوس إلى منضدته وكاس نبيذه وهو ينتظر تلك المساعدة الجائعة حالمًا بقطوفها الدانية وخيرات جسدها الحانية.. شرب الكأس تلو الكأس إلى أن أثملته الخمرة.. فأسلم عينيه بأمر من ملك الكرى و.. نام.. مُعتقدًا أنه في نومه ذاك إنما يهرب من طيف مُلحّ، غير أن ما حدث، في الواقع.. الحقيقة والحلم، هو أنه فوجئ بذاك الطيف.. طيف مساعدة أخيه الكريمة المعطاءة.. يقتحم عليه خلوته.. مبتسمًا ضاحكًا وخالعًا ملابسه ابتداءً من الظاهر إلى الباطن.. مرورًا بالمخفي وبما لا تراه العين المجرّدة، فما كان منه إلا أن فعل مثلما فعلت، ليفاجأ بما لم يكن يتوقعه، لقد رأي ذاته يتمعن في بحيرة الجسد الحبيبة، بوجه آخر هو وجه أخيه باهر وبعين أخرى هي عين أخيه. بيد أن ما حدث فيما بعد كان مداهمة غريبة.. فقد فتح عينيه ليعود إلى واقعه المُرّ وفراغه القاتل وكأسه المُرّ السائل. لا يخرق ذلك الفراغ إلا تهديدات طليقة أخيه وإقسامها أنها لن تُهدّئ بالًا لمن خرّبت بيتها وشتت أحلامها. لقد فهم واعلم وأدرك الآن أن تلك المُساعدة العامرة بالرغبة.. النشوة والحلم لن تأتي اليه.. ولن تزوره ما دامت طليقة أخيه باهر.. تلاحقها وتتوعّدها على الطالع والنازل، ومع ذلك تابع الانتظار مردّدًا في الليالي وآناء النهارات المقولة الخالدة" مَن له نصيب في شيء سيناله إن عاجلًا وإن آجلًا".

***

قصة: ناجي ظاهر

 

في البدء

تمت المصاهرة

بين صمت وخيانة

كان الشرق يختلس

البداية في الحدود

وخيمة لها جهتان

جهة للمقدس

لا تأبه بالشعائر

وأخرى لا تكتمل

إلا بخارطة محاصرة

*

للاوعي العربي

وجه يحتمل الأقنعة

شارع يؤدي إلى

نسيان يحفظ العهر

عن ظهر ليل،

لا حب هنا إلا

للظل في المرايا

وما الصور إلا مؤامرة

*

من البحر

إلى صحاري الزجاج

تمتد حانة

دخان

ومومسات يحكين

الحزن للسكارى

والأرقام شهوة

لا تنتهي

كانت الأيادي

من حولي ورق

وكنت طاولة مقامرة

*

وهذا الشرق

آيل إلى البحر فينا

وللعدو شأن

في المعاجم الحديثة

أما النحو فقد خلا

من كل الضمائر

إلا من ضمير "أنا"

و"أنا" لا تسع

صيغة الجمع

ليكتفي الجمع

بالخطابة

في صخب المناظرة

*

في البدء

كانت المؤامرة

وكنت

طاولة مقامرة

***

فؤاد ناجيمي

من المجموعة الشعرية: كأني أحمل الصحراء

 

تهفو إليه،

تحلّق لتراه

نبضة قلب

*

يذوب من نظرة

ينصهر مع كل نفس

رجل الثلج

*

بدون وسيلة نقل

يحلق إليها

قلب عاشق

*

تبحث عنه بين الكتب

تبثّ له أسرارها

بطل الرّواية

*

دفء يغمرها

رعشة تعتليه

حبّ قديم

*

يلفّه السّواد

تموت بداخله الابتسامة

انكسار القلب

*

قطرة على الجبين

تحطّ على جبهة الانتظار

ارتعاش الماء

*

انسدال السَتار

يتوقّف القلب عن النّبض

نهاية المسرحية

*

انطفاء الحريق

يخمد  الشهيق والزفير

موت الحبّ

*

بين الغروب والهبوب

يعصف الشك في منتصف الطريق

قلب جريح

*

توهّج اللقاء

يسقط القناع عن وجه الحبّ

خيبة غير متوقّعة

*

من دالية متعالية

تسقط حبّة حبّة عناقيد العنب

ثقة متبادلة

*

واقفة كالنسر

تشدّ النْجوم إلى السماء

قمم الجبال

***

سونيا عبد اللطيف – قليبية / تونس

01 / 08 / 2023

 

وأنت تتساقط

عضوا عضوا

تطل طفولتك الهرمة

من زجاج عينيك

تطفر الدموع من كتفيك المقوستين

يدوي صرير الأرجوحة

في قاع أذنيك

الأرجوحة التي أقمتها من حبال أعصابك

من ذهب ضحكاتك الحلوة

وأنت تدخل في محاق

مثل قمر أنهكته معتقلات الغيوم

يبدو الزمن ملطخا بأطواق الدم

على جلدك المغضن

تفكر في قبر

على طراز سلجوقي

لترتاح قليلا من الأشرار والجواسيس

من الأسئلة التي تمطر بغزارة

في الخلوة

وأنت تتساقط عضوا عضوا

يقفز المنتحرون

من شرفة رأسك

مدججين بأحزمة ناسفة

يهددون المارة النائمين

بتدمير كنيسة المسلمات

واعتقال ستين مترا من القلق اليومي

وأنت تسلم مفاتيح الحياة

لغيرك من الوافدين الجدد

الذاهبين إلى الوراء

بأقدام متفحمة

يحملون تابوتك العذب

ليضيء نواويس العميان

يحملون قلقك الفلسفي

كما لو يحملون آنية من السيراميك

بيننا السحرة يفتحون النار

على طيور الهواجس

وأنت تقاتل الثور الأسود

في مرتفعات الشك

لإنقاذ يقينك البائس

من الجنون والإنتحار

وأنت يحاصرك الآخرون

بقذائف آربجي

تخونك عينان من القش والغبار

يلتهم فرسك الضريرة

قطيع متناقضات

بينما المكان والزمان يختفيان

في جبة اللاشيء

وأنت تودع المرئيات

من شباك الطائرة

يهبط ملاك أحمر من الأتوبيس

ليلتقط عظامك المهشمة

ثم يختفي.

***

فتحي مهذب - تونس

 

الانحطاط

درجة مع مرتبة القرف

يُدركها المُنحطون

بحسيس دِمائهم

وشعورهم الهامِز اللامِز

الخسيس الغامز

بحق غيرهمْ!

*

بانحطاطِهم يسقطون

بزاويةٍ انحراف لا إنسانية

حيوانية الانعكاس

مُنحطة بجهاتها الأربع!

*

يتناسب المنحطون حزبياً

كــ(مَتَافِل) أنيقة المظهر

بِلَمْسَةٍ عربيةٍ

صُنِعَتْ

لتناسب البَصْق الغربي!

وكحمَّاماتٍ (إخوانجية)

تبلعُ إفك مؤخرات الصهيوأمريكي

بشهيةٍ مفضوحة

وشهادة (مِبْوَلَةٍ) استثنائية

طافحة بالقُبْحِ الفاقِعِ

بلا سيفونْ!

*

ينفثُ المنحطون دونيتهم

بإشاعةٍ كلمعةِ برقٍ

تمتد بها

ألسُنُ اللُّكَعِ التالفين

لتَعُمُّ الغُمَّة

ويسُدُّون الرؤية بضَبابهم

ويختلط...

ويهرع البُسَطاء

إلى ليس يدرون!

*

المنحطون لايبكون

بل يتباكون على....

ويقرؤون الفاتحة!

ويروغون منك كما...

ويراوغون بما يُصَرّحون!

لعنة الله عليهم

إنهم ينبطحون!؟

يلهثون

ينبحون

أتسمعهم

ينبحون؟!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

1/10/2024

يقولون،

باتوا

على مدخل الحي

يمشون كالأيتام

والناس نيام..

يريدون إيهامهم بالخضوع..

**

يقولون،

آخر الحل هو الكيٌ

بعده يحل الأمان..

ويشفي السلام

ولا حل في الترقيع

والترهيب

وصخب الرهان..

أهذا هو المعنى

بلائحة الدواء..؟

الكيُ،

نعمة للشفاء

وللخلاص من الوباء..

**

يقولون كنا نجربْ

شراب الدعاء من الجذام

عبر أحقاب الزمان

وكان شرابه علقما مراً

اشاع  العقم

في كل دار..

**

يقولون ماذا،

لو ركبنا الموج

من منفى لمنفى

وأبحرنا

نخيم في الصحارى

بلا مأوى

ونأكل زهرة الصبار عند الفجر

لا شكوى

ولا نجوى

كإنا نحمل الدنيا

عذاباً

جمرة السلوى

تجافي همنا الغافي

على أكتافنا بلوى..

**

أيمضي الكي

في ترحاله يحدو..

لجور العصر

في اشكاله يدنو

وما عادت رؤاه

في مزامير الدنا ترنو..

ايبقى الكي

في مشواره يحبو..؟

***

د. جودت صالح

1 / 10 / 2024

 

بداخلي خراب

خراب كبير

جبال من الوحشة

ومعاول  الصمت

تأكلني

أنا السنوات واللا عمر

أنا الترحال والمنفى

أنا صوتك

المشروخ يا جرحي

وملء قصائدي

ملح ونوح

في العالمين سرى

خراب الأرض في لغتي

مسارح للدمى والوقت

وفي شريان أحلامي

نصبت مشانقاً للغيم

فلا وصلت ولا صلت

سماء فوق أوراقي

وكل خزائني سُلبت

ألاقي الليل فارغة

من النور

بعتمته يطوقني

أضيع به

وأشبهه

غريبان

نخاف الشمع

يرسمنا على

الجدران ظلين

وتمحونا عيون الشمس

فلا ندري

هل كنا

وهل مازال في الإمكان

إمكان؟

**

أريج محمد - السودان

 

بـأفـعالِ الــتَّـفاهَةِ كَــمْ تَــبارى

حَــقيرٌ فـي الــنَّذالَةِ لا يُـجارى

*

غَــدا لــلسَّخَفِ عُــنوانٌ عَريضٌ

نَــذالَـتُــهُ يُـمــارِسُها جِـهــارا

*

وَصَــدَّقَ نَــفْسَهُ أَضْــحى حَكِيما

كَـصاحِبِنا الَّــذي دَفَــنَ الحِمارَا

*

وَحَــطَّ عــليهِ ديــباجاً وَشــاشا

فَــأَضْحى الــقَبْرُ لِلْحَمْقى مَزارا

*

وَراحَ يَــطوفُ حَوْلَ القَبْرِ يَبْكي

وَيَــدْعُو اللهَ يَــمْنَحُهُ اصْــطِبـارا

*

عَــلى فَــقْدِ الـعَزيـزِ أَبِي المَعـالِي

أَبِـي الـبَرَكاتِ رَمْزُ الطُّهْرِ صارَا

*

وَأَقْـسَــمَ أَنَّ صـاحِــبَهُ شَــهــيدٌ

بِـجَوْفِ الــلَّيْلِ لِــلْفِرْدَوْسِ طارَا

*

وَقـالُــوا رَمْــسُهُ مِــفْتاحُ خَــيْرٍ

وَمَــنْ يَــهْوَى الجِنانَ إِلَيْهِ سارَا

*

فَــصَدَّقَـهُ رُعــاعُ الــنَّاسِ فَــوْراً

وَراحُــوا يَــخْلَعُونَ لَــهُ النُضارَا

*

وَمــا عَــتَبي عَــلَى الدَّجـالِ لَكِنْ

عَــلَى مَــنْ فــيهِ يَــنْتَفِجُ افْتِخارا

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

قصتان قصيرتان..

هي

تحتضن طفلها وتهرب مسرعة دون ان تفكر بالآخرين من أفراد أسرة زوجها.. خارجة من مبنى للعمارات السكنية التابعة لمنشأة عسكرية.. تضمه بقوة وتهمس له لا تخف يا صغيري لا تخف لأني معك.. تتصاعد أنفاسها وهي تجري في الطرقات بلا هدف معين ودون ان تعرف الوجهة التي عليها ان تقصدها وحين توقفت لتفكر قليلا شعرت بلسعات البرد الحادة تخترق عظامها.. نظرت الى طفلها وهي تقول بصوت مسموع أولاد الكلب.. كيف يتحمل طفلي هذا المأزق في منتصف الليل.. وقد غادرنا أبوه توا الى جبهة القتال المشؤومة التي لا يعرف نهايتها الا الله سبحانه..

انفجار ذخيرة عتاد المنشأة العسكرية قد قيد ضد مجهول كما أعلنته الجهات الرسمية لكنه بذات الوقت اثار الرعب والخوف في نفوس سكان العمارات السكنية القريبة على موقع الحادث.. كانت أصواتا عنيفة ومخيفة بقي صداها يختلط داخل رأسها..

 تقاطرت سيارات الحريق والإسعاف وسيارات أخرى لا تعرف هويتها.. لاذت هي تحت ظل شجرة عملاقة عطوف وكان طفلها يركز نظراته الى وجهها.. ثم يستسلم لإغفاءة مرتبكة..

***

هو

وصل هو لجبهة القتال وأخذ يوزع حلوى العيد (الكليجة) لأصدقائه في الملجأ فقد وجدهم في حالة صمت مطبق.. تدور أعينهم برعب وخوف.. كان أحدهم ينفث دخان سيجارته بأصابع مرتجفة ووجه كالح مغبر طلبوا منه ان يطفأها لكنه جامد لا يتحرك.. اما الاخر فكان يدفع بجسده الى الحائط الترابي حتى كاد ان يلتصق به.. يتقرفص كل منهم بطريقة تشبه حال صاحبه..

صرخ به أحدهم.. لا أرغب بالأكل.. الا تسمع هدير المدافع.. ابتسم وهو يلوك قطع الحلوى الواحدة بعد الاخرى ويردد مع نفسه.. الامر سيان..

مرت دقائق صمت مطبق واستبشروا فيما بينهم ان القصف قد هدأ.. ابتسم الجميع وأخذوا منه قطع الحلوى.. وأخذوا يلكونها

 قال لهم سأحدثكم عن صديقنا (عبد الله) الذي تسرح من الجيش منتدبا وقد التقيته في بغداد وسأل عنكم جميعا وحملني أمانة ان أوصل سلا... وهنا

تناثرت قطع الحلوى ممزوجة بذرات التراب والدم بينما أطبق هو عينيه بهدوء تام..

***

سنية عبد عون رشو – قاصة عراقية

 

قصة  قصيرة جدا

افقت ذات صباح شتائي بارد بعد سماعي نقرات متتالية على زجاج نافذتي وإذ بطائر جميل ينقر على زجاج نافذتي.

قلت له ماذا جاء بك في هذا اليوم الشتائي البارد  إلى نافذتي أيها الطائر الجميل؟

أجابني وهو يرتجف بردا

ألا تعرفني؟

أجبت: شكلك ولون ريشك ليس بغريب علي ولربما

قد رأيتك من قبل

الطير: نعم أنا حفيد الطير الذي أزهقت روحه أيام صباك وها أنا قد جئت اليك

قلت: وماذا تريد مني أيها الطائر الجميل؟

أجابني: لا أريد منك شيئا سوى أن تعتذر لي لإزهاقك روح جدي

أجبته: نعم سأعتذر لك واعتذرت له

ابتسم الطير لي وغرد تغريده الجميلة ومن ثم طار وحط على شجرة

كانت تقف شامخة قبالة نافذتي ناقشا ريشه بادئا حياته الجديدة وبأمل جديد.

***

سالم الياس مدالو

 

"ارتَدّ إلي طرفي وهو حسير، وقد صدمه قبح ما رأى، واقع أليم، وزمن ساخر يتسلى بأوجاع من طالهم جُورَه وَجُورَ بني جلدَتهم من علية القوم

ونخبة النخبة، ممن يستنكفون إلقاء نظرة على من هم دونهم في الوضع والحال، ويسرفون في ذمهم و تحقيرهم دون أن يرِف لهم جفن، أو تتحرك في قلوبهم رجفة رحمة"

دَاهمهُ هذا الشعور الغريب وهو يلج مقهى " برغواطة" كما كان يحلو له أن  يسميه  هو لاعتبارات يراها موضوعية وتاريخية، أو "تامسنا" كما سَمّاهُ مالكوه وهم جاهلون –حسب منطقه-  أنّ برغواطة وتامسنا صنوان لا يجوز ذكر أحدهما دون الأخر.

جلس في ركن قصي بمواجهة فسيقة المياه المزدانة بفسيفساء من زليج فاس، وضع رجلا على أخرى، وطلب كأس شاي كبيرٍ على الطريقة الشمالية، تلذذ برشف جرعاته، وهو يتنقل عبر الصفحات الفاسبوكية ،

مُستجليا أخبار فيضانات شرق البلاد، وأنباء الهروب الكبير لأهل شمال  إفريقيا وجنوبها نحو الثغور المغربية المحتلة من طرف الإسبان، بحثا عن الفردوس المنشود، والحياة الكريمة.

اقترب منه النادل فجأة ووضع أمامه كوبا من عصير الفواكه المشكلة،

نظر إليه مستغربا وقال : " أنا لم أطلب شيئا يا بُنيّ" ابتسم النادل ورفع يده مشيرا إلى شاب تجاوز الأربعين بشارب أسود وملامح مستبشرة،  يرتدي بدلة رسمية لرجال الأمن وقال: " الطلب مُوجّه من الضابط "

التقت نظراته بنظرات الضابط الذي تقدم نحوه بخطوات حثيثة، قبّل رأسه وقال بصوتٍ خافت: " كيف هي أحوالك يا أستاذ"

قام واقفا عانق الضابط بحرارة، وهتف قائلا:

- أنا بخير يا ولدي .. مضى زمن دون أن تجمعنا الظروف.

- سمعت بأنك تمرّ بوعكة صحية.

- الحمد لله يا سعيد، قدّر ولطفَ، لقد استعدت عافيتي

- المسؤولية وضغط العمل يقف بيني وبين السؤال عنكَ يا معلّمي، فأنت صاحب فضل علَيَّ

- العفو يا بنَيّ هذا من كرم أخلاقك.

ودّعَه سعيد، التلميذ النجيب الذي درسَ عنده ذات سنة من سنوات القَرن الماضي.

شرب كأس العصير بفرح طفل، وعاد لصفحات الفايسبوك، يَتتبع الأخبار والمضامين، طالعته فجأة صورة مُرشَّحٍ للهجرة السّريّة قضى غرقا في البحر الأبيض المتوسط، دقّق النظر في الصّورة، كأنه يعرف صاحبها، بل هو يَعرفه حَقَّ المعرفة، إِنّه " علي بلحسين" واحد من أنجب تلاميذه، وأكثرهم حماسة، كان يكتب الشعر ويبدع  في صوغ القصائد، ورغم انتقاله للدراسة بكلية العلوم القانونية ثم تخرجه منها، فقد ظلت علاقته به مستمرة، يستشيره فيما تجود به قريحته من أشعار ويستأنس برأيه، ولا يتردد في إرسال نصوصه الشعرية إليه عبر خاصية الواتساب، لثقته في ذائقته وحسه النقدي، ولم يكن هو كأستاذ سابق له يبخل عليه بالتوجيه والنصيحة المشمولة بالدعم والتشجيع المادي والمعنوي.

قبل أسبوعين أرسل إليه أخر قصائده، كان فيها شَجن وحزن، وشعور بالانكسار، وتتضمن جملا شعرية مفعمة بالوجع والانفعال الدال على أقصى درجات الإحباط، قرأهَا عدة مرات، فأصابه اِنقباض وشعور بالوجل والخوف على "تلميذه السابق" من السقوط في أحضان الاكتئاب.

وها هي اليوم مخاوفه وتَوجُّسَاتِه تتحقق.

فتح تطبيق الواتساب ، وبدأ بقراءة قصيدة " علي بلحسين" وعيناه تفيضان بالدمع الهتون.

يا وطني

شربتُ حزني

غصّتين !!

ونامت فِي كَفّي

جمرة

وتواريت خَلْفَ

غَمَامةٍ يائسة

ألعن زمنا شاردا

بَاعَ أهلهُ

يا وطني

الرّعب يقفز

في الطريق

وليل النذالة ألقى

مراسيه في ربوعنا

وريح السموم

تَعصف بأحلامنا

يا وطني

تكبر غربتي

في حضنك المصقع

ويموت الشموخ

في عيونِ ذاتي

تصفعني ألوان العبث

تعذبني لغة الخشب

وأحترق في آتون

الخواء

يا وطني

الشيطان يرقص في

حدائقنا الخلفية...

وأطياف الخطيئة

تُجلّل شَفَق فَجْرِنَا

الجريح

يا وطني

تعددت المواعيد

ورجع الصدى يَطِنّ

في ذاكرتنا المهترئة

ونحن أشْبَهَ بِدمى

هائمة!

تَحَلّق بلا أجنحة

في فوضى غير خَلّاقَة

فمتى نعانق حقيقة

الحياة؟ !!

" أخْلفتَ الموعدَ أيّها الشَّاعر المُرهَف الحِسّ، الرّقِيق الشُّعور، النّاعم الروح، الجيَّاش الوِجْدان، أخلفتَ الموعدَ، وما اكتفيتَ  بالإبحارِ في بحورِ الخَلِيل السِّتة عشر، وما أشْبَعَتْ نَهَمَك التّفاعيل، ولا أقنعتكَ الأسْبابُ والأوتادُ والفواصلُ، ولا أرضتَ ذائقتك القَوافِي وسِحْر الرَّوِيّ، وإذا بِك تخوضُ غِمار البَحر الأبيضِ المُتوسِّط، وأنتَ تعلمُ أنْ لا حَدَّ لِقرَاره وأَنَّ مَتْنكَ لنْ يَقْوى عَلَى التِّيارِ الشَّدِيد والمَوْج الهَادِر، وإذا بِك تَنْدَفع في مُغَامرةٍ قَادتكَ لِلالتحاقِ بالرَّفِيق الأَعْلى"

رَفَع يَدهُ مشيراً للنَّادِل الَّذي اِقتربَ منه مبتسماً، سألهُ عن ما بذمته، فأخبره بأن الضَّابط دَفع عنه ثَمن مشروباته، حدّق به مليا ثم قال:

- طَيّب .. الضَّابِط سَعيد اِبنٌ بَارٌّ لَمْ ينسَ أنَّنِي كُنْتُ مُدرِّسا سابقاً له

اِنفرجَت شِفاهُ النَّادل عنْ ابتسامةٍ عَريضةٍ وقالَ:

- وأنا أيضا أستاذي العزيز كان لي شَرَفُ الجُلوس في الصَّفّ أمامك

ساد صمتٌ قصير، سرعان ما كسَّره وهو يستوي واقفا:

-  وجودكم يا بنيّ يَنقُص من حِدّة القلق المِيتافزيقي الذِّي يُداهمني، ويخفف ثقل السنين.

عانقه النادل، وقبل رأسه، وشدّ على يديه بقوة وهو يقول:

- أنت قدوة لنا، منكم نتعلم فلسفة الحياة

ردَّ وهو يربت على ظهر النّادل:

- نسأل الله أن يُديم حَبل المودّة.

***

محمد محضار

25شتنبر 2024

 

For only the truth . .

مع ترجمة الدكتور يوسف حنا فلسطين.

***

من أجل الحقيقة وحدها

تلقينا كما هائلا من اللكمات

خسرنا قواربنا في نهر المسلمات

دحضنا قبعة الشماس

عادينا فلاسفة كثرا

تلبستنا لوثة ( فرلان)

فتحنا النار على نيتشة

في حانة يرتادها زرادشت بلباس جنائزي

طاردنا ألبير كامي بسبعة كلاب سلوقية

كان يبدو لنا مثل أرنب (مزدهر القامة)

كان محصنا بصخرته العبثية

مفتونا بتعداد المنتحرين

أهدرنا الكثير من الوقت

عدونا مثل ثعالب وراء قندس الحقيقة

نمنا مثل سحليات في الكهوف مع الوطاويط والدببة.

مدحنا أشباحا بأظافر طويلة.

زرنا مقابر جماعية بهيئة ثعابين مرقطة

كان الأموات قلقين جدا.

ينتظرون صيحة الملاك العظيمة

نمنا مع غيمة ضريرة في مرتفع صخري

أفرغت دورق دموعها في بئر شكرها يوسف قبل أن يهبط مصر

ويرمي شباك التأويل في أعماق النيل

ضربنا في مناكب البراري

وكلما أبصرنا قطاة

قلنا : زرقاء اليمامة قادمة من بعيد بمفاتيح الحقيقة.

من أجل الحقيقة وحدها

حملنا شيخ البحر على أكتافنا

ليدلنا على وردة السيمياء

ليعصر الكرمة بيديه الغامضتين

ويسقينا طوال اليوم

من أجل الحقيقة

صرنا طيور وقواق ومدحنا بوذا

من أجل الحقيقة شربنا سم البوا

من أجل الحقيقة

كنا نجلس مقلوبين على أرؤسنا

ونصغي إلى طنين ذبابة التفكير

قطعنا جميع أصابعنا لنطعم فهد التفكير الأزرق.

من أجل الحقيقة

كان حبل المشنقة لذيذا جدا

بطعم الأناناس

والدم شلال قوس قزح.

***

بقلم فتحي مهذب تونس

..................................

For only the truth

By Fathi Muhadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

For only the truth

We get many punches

We lost our boats in the river of postulates

We refuted the deacon hat

We were hostile to many philosophers

We were afflicted by Paul Verlaines' light insanity *

We opened fire on Nietzsche

In a tavern frequented by Zarathustra in funeral garb

Albert Camus chased us down with seven greyhounds

He seemed to us like a rabbit (booming stature)

He was fortified by his absurd rock

Fascinated by multiple suicides

We wasted a lot of time

Our enemy is like foxes behind the beaver of truth

We slept like lizards in caves with bats and bears.

We praised ghosts with long nails.

We visited mass graves in the aspect of spotted snakes

The dead were very worried,

Waiting for the great thunderous blast of the angel

We slept with a blind cloud on a rocky ridge

The dead were very worried,

Waiting for the great thunderous blast of the angel

We slept with a blind cloud on a rocky ridge

She emptied her flask of tears into the well of her gratitude; to Joseph, before he landed in Egypt

And threw the nets of interpretation into the depths of the Nile.

We strove the prairie to earn a living

And whenever we see a sandgrouse,

We said: Zarqaa’ Al-Yamamah is coming from afar with the keys to the truth.

For only the truth

We carried The Old Man of the sea on our shoulders

To show us the Rose of Semiotics

To squeeze the vine with his mysterious hands

And pours us all day long

for the truth

We became cuckoo birds and praised Buddha

For the truth, we drank boa poison

for the truth

We were sitting upside down

Listening to the hum of thought fly

We cut all our fingers off to feed the blue thinking leopard.

for the truth

The noose was so delicious

Pineapple flavor

And blood is a rainbow waterfall.

***

......................................

Paul-Marie Verlaine was a French poet associated with the Symbolist movement and the Decadent movement. He is considered one of the greatest representatives of the fin de siècle in international and French poetry.

 

اخرج من مسامات

قصيدة لا تشبهني

ولا تقاسمني

قوافي الهواجس

ولا بحور المتاهات

2

في جيب معطفي القديم

مدية حادة

متقلبة المزاج

لم تكتمل نمو شفرتها

3

بعض القصائد

كأنها نسخة رديئة

من البضائع الصينية المقلدة

4

العالم يتناسل

سوءات وعورات

ينبت فوقها ريش غراب

يأكل من راس الحرباء

5

قناديل العتمة

تلاحق مسافات الظل

أخر شعاع

سينحر نفسه

6

رقع مسروقة

من كفن مستعمل

ليتامى في معتقل "اسرائيلي"

7

وقد فأجتهم غزة

بالحجارة والبندقية

وسيف مسلول

على رقاب الطغاة والخونة

8

في سلة القمامة

منفضة السجائر

تحتضر

حزينة تلك الأعقاب

9

تخرج خيوط الشمس

من فتحات الشفق

وتغازل المصابيح الليزيرية

10

سبعة مليارات انسان

مصابون بمرض عضال

اسمه "اسرائيل"

11

دائما تخشى الغمامة المطر

أن يفض بكارتها

فتصبح سرابا مبللا

12

أكتب الشعر في وقت فراغي

وأملأ قراطيس ودفاتر بخربشات تافهة

وقد ارتقي شهيدا

عندما اقتل قصيدة رديئة

***

بن يونس ماجن

 

خلال دقائق قليلة.. لحظات.. قطعت الطريق من وسط البلدة إلى عمقها البعيد القريب.. توقفت قُبالة شباك الكشك ذي النافذة الزجاجية، أطل من وراء النافذة وجه المرأة المسنة دائمة الابتسام.. وحتى الضحك، ان عمرها في مثل عمري، لم أسالها لماذا ما زلت تعملين رغم أنك وصلت سن التقاعد وبتّ مثلي تتقاضين مخصصات الشيخوخة من مؤسسة التامين الوطني. لم أكن فاضيًا لمثل هكذا سؤال. ابتسمت المرأة المسنة من أعماق زجاجها السميك، لم تسألني ماذا تريد.. وإنما ناولتني رزمة أوراق اليانصيب، وهي تشجّعني على البدء بالقحط.. موحية لي أن الجائزة الكبرى في طريقها اليسير إلي.. تناولت الرُزمة مِن يدها العجوز.. المسنّة.. دون أن أنبس ببنت شفة.. وشرعت بالقحط.. إقحط..اقحط.. اقحط.. لقد اعتادت مُديرة الكشك على الاستماع إلى حفيف القحط.. قحطي المُطرب الرنّان.. منذ سنوات وأنا آتي إلى هنا.. إلى نفس المكان لأواجَه بنفس الزجاج الصلد ونفس الوجه الباسم، مَن يعلم قد تكون جائزتي مواراة في هذا الكشك، الم يقولوا إن حظك يكمن في مكان ما وإنك سوف تحصل عليه في يوم ما أو زمان ما؟.. ألم يقولوا إن النجاح يتطلّب الكثير من الاستمرار والمثابرة؟.. بل ألم يقولوا إن كلّ عباقرة الكون حققوا أحلامهم بضرباتهم المتواصلة على قرمية شجرة الحظ؟؟.. امرأة اليانصيب تعرف أنني سآتي إليها في هذا اليوم تحديدًا، وقد تكون توجّهت إلى المصرف قبلي لسحب مخصصات شيخوختها.. بل مؤكد أنها فعلت مثلما فعلت أنا قبل قليل. لقد تناولت مخصّصاتي من هناك وطرت إليها هنا، وها هي تستقبلني بابتسامتها المؤمّلة.. الموحية لي بألف معنى ومعنى حول الربح بعد خسارة والنجاح بعد فشل..

استغرقت، بل غرقت في القحط، قحطت أوراق الرزمة المُقدّمة لي انهيتها عن بكرة أبيها، أرسلت نظري إلى ذلك الوجه المبتسم الضاحك فلمست فيه إيماءة عبوس.. مددت يدي إلى المرأة الكريمة قُبالتي راجيًا إياها أن تناولني رُزمة أخرى،، فحرّكت رأسها علامة الرفض وأخرجت كلمات، كدت لا اسمعها من فمها، ناطقة إياها بلثغة أعرفها وأود كلّما بلغت مسامعي أن اهرب منها. قالت:

- يكفيك اليوم.. أعرف أنك لا تملك المال الكافي لشراء المزيد من الأوراق.

وصلتني رسالتُها بسرعة، تلك المرأة الرقيقة المرهفة في كلّ بداية الفظّة الغليظة في كلّ نهاية، باتت تعرف كلّ شيء عني وعن مُخصّصات التأمين التي اتقاضاها شهريًا، لذا اعتقد أنها باتت تعرف كم ورقة بإمكاني أن اقحط، ومَن يعلم.. ربّما كانت تُحضّرها لي قبل مجيئي المتوقّع بعد تقاضيها مخصصاتها الخاصة بها من مصرفها ومقر مستودعاتها.. فكانت تُقدّم لي ما يمكنني قحطه من الأوراق.. عارفة أنني لا أستطيع أن أقحط أكثر.. بل رُبّما كانت.. هل يُعقل هذا؟.. هل يمكن أن تقدّم لي الأوراق الخاسرة.. مكتفية بعدد قليل من تلك الرابحة؟.. سألت نفسي وعدت أجيبها، لا هي لا تستطيع أن تفعل ذلك.. فالسرّ عادة ما يكمُن في أعماق الورقة وليس في أعماق تلك المرأة صاحبة كشك بيع أوراق اليانصيب..

رفضُ تلك الحيزبون الممتلئة شبابًا وصبابة، القادرة المقتدرة.. رفضها تقديم رزمة أخرى من الأوراق، دفعني للحظة لأن أقوم بفعلة مجنونة، إلا أنني تراجعت في اللحظة الأخيرة، وقرّرت أن اسلك طريقًا أخرى.. أجل لأسلك تلك الطريق ولأفعل ما خطّطت لفعله.. لأذهب إليه.. إلى صديق العمر.. إلى أبي غالب، فهو مَن يساعدني.. لا غيره.. أما لماذا خطرت لي تلك الخاطرة، فلأنني أعرف أنه لن يردّني خائبًا، أولًا.. ولأنني أعرف وأشعر وأستشعر أن الجائزة الكبرى تكمن في إحدى الرزم المتبقية.. وقد تكون تلك التي رفضت حارسة الكشك، تقديمه لي ثانيًا.

طرقت الباب على أبي غالب.. فتح الباب واغلقه وهو يرحّب بي، اتخذت مجلسي في بيته الكبير الفاره، تركني أجلس وحيدًا وتوجه إلى زاوية غلي القهوة العربية الفلسطينية الاصيلة، وهو يقول لي" دقائق وسوف أعود إليك بأفضل فنجان قهوة"، ما إن قال أبو غالب هذا، حتى خطرت لي فكرة شائعة، فلماذا لا اخجله لأنال مرادي ومبتغاي.. هو أيضًا تقاضى مخصصات شيخوخته السعيدة اليوم من المصرف.. استوقفته وأنا أقول له:

- لن أشرب قهوتك إلا بعد أن تستجيب لطلبي.

توقّف أبو غالب وهو يرسل ابتسامة غامضة نحوي:

-خيرًا إن شاء الله.. تساءل، فرددت عليه: كلّ الخير. بعد ذلك كان لا بدّ من أن ألفّ وأدور و.. أن أطلب منه دينًا بسيطًا متواضعًا، أعيده إليه يوم تقاضي مخصصات التامين في الشهر القريب علنًا، وأعيده إليه حينما أربح الجائزة الكبرى سرًا..

 غرس الرجل قُبالتي عينيه في عيني:

- ما الذي حصل لك حتى تتقدّم إلي بمثل هكذا طلب.. لقد تقاضينا مخصصاتنا اليوم.. هل..

وقبل أن ينطق بكلمة أوراق اليانصيب، ويفتح محضرها الابدي، فكّرت في أن أبادره بفكرة جهنمية أولًا ومقنعة ثانيًا، فماذا بإمكاني أن أقوله له، هل أقول له إنني أعطيت المبلغ لحارس ضريح زوجتي؟.. لا، لا هذا غير مُقنع، أم أقول له إنني أضعت مبلغ المخصّصات وفقدته فلم القه؟.. هذا الكلام أيضًا لا يمرّ لديه بسهولة ويُسر، فهو يعرف أنني طامع محبّ للدنيا ولا يمكن أن أعطي أموالي لحارس مقبرة أو أضيّعه بتلك السهولة.. ماذا يا ترى يمكنني أن أقول له فأقنعه، وجاءت أخيرًا الفكرة الجهنمية، شرعت في سرد رواية ابتكرتُها للحظة والتوّ عن لصّ كان مختبئًا في مكان قريب من المصرف وأنه ظهر لي كما يظهر الشيطان من مكان غير مرئي وغير معروف وانتزع مخصصاتي خلال تعدادي لها وفرّ طائرًا. غرس أبو غالب عينيه في عيني شاكًّا وغير مصدّق:

- ألا يمكن أن يكون اللصّ الذي تتحدّث عنه هو تلك الختيارة اللعينة في كشك اليانصيب؟.. سأل بنوع حافل بالمودة والتعاطف المُضمر، فرددت قائلًا:

- إذا كنت تشكّ بي وبما أقوله إلى هذا الحدّ.. فإنني أسحب طلبي وأرجو أن تعتبره لاغيًا وميتًا وغير قائم..

ما إن سمع أبو غالب كلماتي هذه وما تحفل به من عتب ومحبّة تكاد تمحو الكثير مما عشناه منذ سنوات قصيّة بعيدة، حتى توجّه إلى المطبخ وعاد بيده صينية وعليها غلاية ملأى بالقهوة العربية المُهيّلة الاصيلة وفنجانان من أجود أنواع الفناجين الصينية، اتخذ مقعده قُبالتي، تناول غلاية القهوة وراح يسكب من خيراتها في الفنجانين المباركين، قدّم إلي الفنجان المليء دوكما بيد وتناول الفنجان الآخر وهو يقول:

- إشرب.. طلبك مستجاب. لكن عِدني أن تصرف هذا المبلغ فيما يفيدك ولا.. يضرّك.

خرجت من بيت أبي غالب، وأنا اربّت على جيبي العامر بالأوراق النقدية.. لا أنكر أن كلمات أبي غالب كانت ترنّ في أذني.. فأنا أعرف أنه قلق عليّ وعلى وحدتي وأنه يريدني أن أصرف القليل من الموجود بين يدي من المال فيما ينفعني. أعرف أن أبا غالب يريد لي الخير ويعلم أن ورقة يانصيب واحدة تربح وأن الملايين من الأوراق تخسر.. هو لا يريد أن أواصل الخسارة.. ما إن قلت لنفسي هذه الكلمات حتى هاجمتني الأفكار الوردية الجميلة.. أنا لا بُدّ مِن أن أربح وأفوز بالورقة الرابحة.. مرّة واحدة.. فوز.. مرة واحدة يا أبا غالب يساوي عمرًا بأكمله.. أرجوك لا تردعني.. لا تصدّني ولا تطلب منّي أن أعطيك عهدًا بألا أصرف ما تكرّمت علي به مِن مال فيما يضرّني.. ورقة رابحة واحدة تُمكّنني من أن أعيد إليك ما استلفته منك أضعافًا مُضاعفةً.. ألا تثق بي.. أنا صديق العمر؟.. وانطلقت مندفعًا اندفاعة طائر جائع رأى الطعام فطار إليه.. مُحلّقًا عاليًا.. عاليًا.. ومُخلّفًا وراءه ابتسامة ذات ألف معنى ومعني.. من وجه مُحب آمل ومُتعاطف... وآخر جشع وطامع..

***

قصة: ناجي ظاهر

إلى روح فارس النقد المبدع الَّذي ترجل قبل الآوان، إلى فقيد الأدب والفكر والنقد، الصديق الراحل الدكتور: عاطف الدرابسة أقدم هذا النص.

***

تَدُقُّ السَّاعةُ السَّابعةَ

والصَّمتُ مُطبَقٌ

تَدُقُّ السَّاعةُ الثَّامِنةَ

والسُّكونُ مُخيمٌ

على الأرجاء

وفي التَّاسعةِ أبداً لا تَكُفُّ

عن النِّداء

بلهاءٌ تِلك السَّاعةُ

ما أدركتْ

أنَّك أبداً بعد اليومِ

لن تَحضرَ

كيف نبدأُ من غيرِكَ

بلا دُعابةٍ أو طَرافةِ

ومن دونِ مناوشاتٍ

قُلْ إنَّكَ تُمازِحُنا

وقُلْ إنَّ تلكَ الأنباءَ

تَضليلٌ واِفتراء

أو هو اختبارٌ

كي تعلمَ

مقاييسَ الوَفاءِ

ما كُنتَ يوماً عابرَ سبيلٍ

ولا ورقةً مَطويةً

في دفترٍ قديمٍ

ربَّما تلكَ السَّاعةُ ما كانتْ بلهاءَ

فهي تُدركُ

أنَّ بعضَ الغيابِ حُضورٌ

حتَّى في الغيابِ

وأن بعضَ الحُضورِ

حين الحضورِ غيابٌ

أيُّها الحاضرُ الغائبُ

وإنْ ترحلْ فلا تغيبُ

أوراقٌ مُتعبةٌ أرهقَها

عَبثُ الانتظارِ

لفافةُ تَبغٍ تفتقدُ أصابعَ

ولهبٌ يوقدُ طقوسَ الحنينِ

حين يحينُ زمنُ الِّلقاءِ

سُحبُ الدُّخانِ بالأمسِ

تَصَاعدَتْ وحَلَّقَت بَعيداً

فصارتْ رَفرفةَ أجنحةٍ

وترانيمَ لا تكفُّ عن النَّواحِ

في السَّماءِ

سيجارةٌ مُطفأةٌ

وبقايا رَمادٍ

وأوراقٌ مَطويَّةٌ

على منضدةٍ يتيمةٍ

وخيالاتٌ مَنسيَّةٌ

كيف نبدأُ مِن غيرِ أنْ تظهرَ

كيف نبدأُ

ودخانُ التَّبغِ صامتٌ

لا يطالُ السَّماء

لماذا بقيتْ تلكَ المنفضةُ

خاويةً تفتقدُ الأعقابَ والرَّماد؟

قد أخطأ الحُكماءُ

ومعاجمُ الُّلغةِ، يا سيِّدي

فالرَّحيلُ أبداً لا يعني الغياب

***

بقلمي: جورج عازار

ستوكهولم-السويد

.....................

رابط آرشيف الراحل د. عاطف درابسة في صحيفة المثقف

https://www.almothaqaf.org/component/authors/?view=articles&id=5539&start=0&limit=20

لا منفى،

حينَ يغادرُ جلده

يمشي في الظلِ بعيداً

يتراءى وهمٌ

يسحبُ جثته

ويغني في آخرِ ساعاتِ الليلْ

ويعوي كالذئبِ

ينصتُ للريحِ تغني

تُصْفِرُ

إنذاراً للويلْ..

**

ذاتُ مساءٍ

كانَ العبءُ ثقيلاً،

رَكنَ الوهمُ جثته تعباً

خلفَ الأسوار المهدومة..

لكنْ، هو لا يدري

إنَ منافي العقل

تعبسُ في وجهِ الأمة المهزومة..

باتت تتقيئ سخطاً

من جوفِ المنفى

يحاكي عقولُ المدن المجذومة..

**

ضحكت جثته

عند حدود الأسوار المزعومة..

وتمادت

لا أحداً يسمعُ ضحكتها

غير الموتى

عند تخوم الوجع القابع

في قلب

الكلمات المكلومة..

**

(2)

ما زالت جثته

تسند قامتها

عند السور الطيني

تغني للزمن الرائح والغادي

وترقب عودة " أنكيدو "

يحمل عشبته من جوف اليمْ..

ليقتلع الهمْ..

يداوي جرحاً بالملحِ

ويختصرُ الزمن الغافي

تحتَ ركام المدن المهجورة..

**

لم يبقْ غير رهان للصحو

عندَ الفجرِ

حين تهادى الوهْمُ

يسحب جثته،

يلملمُ مشيتَهُ

يترنحُ بينَ الجنةِ

والنار المسعورة..

**

(3)

لا يدري إن كانَ الوهمُ

يسايرُ

وجه العالم وعبوسه..

لم يبقْ غيرَ عويل

المنفى وطقوسه..

رغم صفير الريح المسحورة..

ما انفكتْ

تتوجسُ خطوته

ومشوار كؤوسه..

يسفكها غضباً

عندَ النوم

وعند اليقظة

في حضرة منفاه

وطقوسه..!!

***

د. جودت العاني

18-5-2024

ترفرف فوق باب الجسر ووالواد الكبير.

تحطّ على طلل ناعورة أبي العافية،

قبل أن تنطلق نحوالصّرح العظيم.

*

الخطوات المُنتعشة بهواء قرطبة النّديّ،

يتردّد صداها في رويّ أزقّتّها الضّيّقة.

بينما تتصطفّ أشجار البرتقال واللّيمون،

صلاة جنازة على زارعها المفقود.

*

داخل الجامع المسلوب،

الأقواس الحمراء والمغرة،

تنظر بشفقة إلى المحراب المذعور.

ينزلق طيف عبد الرّحمان،

من بين سواري اليشب والرّخام.

يدير وجهه نحو الشّرق،

أندلسه الأخر،

يختنق برائحة الخيانات النّتنة.

*

يطوي اللّيل أصداء المعاني،

معرّجا على أطلال الزّهراء،

أين يَسْبُتُ طيف المنصور.

ضحكات ابن زيدون وولاّدة،

تتلاشى بين أ أشجار اللّوز والكروم،

قبل أن ينتحر صداها على وقع سيوف فتنة،

قسمت كلّ الظّهور.

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

أستاذ دراسات الشّرق الأوسط وجنوب آسيا

جامعة فيرجينيا

قصص قصيرة جدًا

الصالح العام

 دخولي العقد الستيني  دقّ أجراس خطر هجوم أمراض الشيخوخة، فقرّرتُ اتّخاذ إجراءات، قيل لي أنّ الركض اليومي أكثرها فائدة.

منذ اليوم الأول، ركض معي عددٌ من مجانين المدينة. اليوم الثاني الكهول أمثالي، لأسبابي نفسها حتماً. اليوم الثالث اللصوص، لربما سَرقتُ مالاً، اليوم الرابع أفراد الشرطة، للقبض على اللصوص، في اليوم الخامس، ناشطو المدينة.. للاقتصاص من السياسيين الفاسدين. اليوم السادس، السياسيون أمامي، خوفا من ثورة الشعب. اليوم السابع أصبح سكان المدينة خارجها، فعيّنتُ نفسي حاكماً على المدينة، فكان مرسومي الأول إعدام أمراض الشيخوخة، كي لا تهدّد صالحي العام.

 **

توافق

لم يتصوّرْ أنّه في يومٍ ما سيكون في عرض البحر، مع مجموعةٍ من المهاجرين في قاربٍ ليس بالمتانة والحجم اللذين يستطيع بهما مقاومة هياج البحر وغضبه، حسبه محاولة الخلاص من أزمات بلده التي لا تنتهي، كأنّها أهوال هذا البحر.

أيقظه التوقّف من حلمٍ غريب، مدّ عنقه إلى أعلى بأقصى ما يستطيع، وإذا به فطن للتوّ إلى عطل الباص الصغير، الذي يستقله مع مجموعةٍ من العابرين، نتيجة غرق الشارع الرئيس المؤدي إلى مكان عمله بمياه الأمطار.

 **

إعتقاد

كانا يجلسان في مقعدين متجاورين في باصٍ صغيرٍ صباحاً. كتبَ لها في «الماسنجر»: أما آن لنا أن نرقي درجة علاقتنا من صداقةٍ إلى حب؟ كتبتْ: ليس قبل أن نلتقي. أين أنتِ الآن؟ في الطريق إلى عملي. وأنا كذلك، هل من الممكن أن نكون في الباص نفسه؟ كلا. لماذا؟ لم أجدكَ. وأنا كذلك. وترجّل هرباً من الزحام كما يعتقد.

 **

مصحّح

كان يمارس تنقيح الأخطاء اللغوية بمتعةٍ ليس لها حدود، في بروفات الصحيفة التي يعملُ فيها، فبحسبه، هو حارسٌ للغة وأمين بوّابة صحيفته من هفوات كتّابها، فينساب دوره إلى تهذيب عباراتهم وتشذيبها من أخطاء المعنى أيضاً. أحدهم كان حانقاً على المرأة في مقالته، ولا يقرنها إلاّ بممارسة السحر وتدبير المكائد، فلا يذكر حوّاء زوجة نبينا آدم، إلاّ ويكرّر أنّ اسمها مشتقٌّ من الحيّة، في محاولة إلصاق الجوهر الشرّير بها، وتناسي الخيّر. أخذ المصحّح يشطبُ الحية أينما ذُكرت، ويضعُ مكانها..(سمّيت حوّاء لأنّها أمٌ لكلّ حي).

في تلك الليلة اضطجع في سريره يفكّر بما نقّحه صباحاً، أخذته إغفاءة مع التحليق في انتصاره لحواء وبنات جنسها وضرورتهن في جعل الحياة قابلةً للعيش، لكنّ أفعى تسلّلت إلى سريره، وأخذت بخناقه آمرةً إياه: أنشر تنويهاً واعتذاراً في الصفحة الأولى عن عدم نشر اسمي وإلاّ…

 ***

باقر صاحب - أديب وناقد عراقي

 

مِنْ شاعرٍ

ألقى...وزُجَّ بأبعـــدِ:

لمْ أعتدي!

*

مِنْ طالبٍ

شَهِدَ الرصيفُ تَخَرُّجي وتَرَدُّدي:

ما بالْيَدِ!

*

مِنْ مُدَّعٍ

بعمامةٍ وبلحيةٍ وبمعْبَدي:

لاتقتدي!

*

مِنْ مُقْعَدٍ

- رِجْلاهُ تحْلُمُ بالغَدِ -

هاكمْ يديْ!

*

مِنْ مُعْدَمٍ

مانام دون تأَوُّهٍ وتَنَهُّدِ:

هاكُمْ غَدِي!

*

ماشِئْتُ هذا والذي

فَطَرَ النجومَ

لِنَهْتَدي!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

24/9/2024

 

غمّيتُ يا بيروتُ عن ألمي

غنيت بالقرطاس والقِلم

إني هنا....مثلك ...بيني وبينك ...حبرُ البيان

من الحكّام  في القممِ

**

غنيتُ صوبَ الماء.....للرّيح للشطآن للأنواء

قال الهوى أبْحرْت

قالت فراج الطّيرِ ما سافرت

خوفا على أبنائي

بيروت ناديهم لقد كبروا

بيروت ماء الوجه يحتضرُ

**

بيروت يا حزني ويا أرجوحةَ الأطفال

نحن كما كنّا .... أعراب مكّةَ جئنا من الأدغال

ونحبّ قبل الحربِ أمنيةً

ونصوغ بعد الموتِ أغنية

تبكي على الأطلال

والموت قرب الباب ينتظر

بيروت ناديهم  لقد كبروا...... بيروت ماء الوجه يحتضرُ

**

بيروت كنّا نحمل الجِسْرَا

ما بيننا والضّفةِ الأخرى

ماذا جرى بيروت

يا صوتنا المكبوت

صرنا نذوق الموت ...... في اليوم كم مرّة

بيروت قولي كيف ننتصر

بيروت ناديهم لقد كبروا

***

المولدي فروج

 

عجبي من حفار القبور

لا يرتدي الصمت

كما ترتديه جموع الحاضرين

فقط سروال "جين"

وقميصا مشبعا بالعرق...

لا يهاب الموت

كل يوم

يغرس ما تيسر

من الجثث...

يسقيهم بماء

يجف قبل

قراءة سورة "العلق"...

كل الموتى

مشاتل

نحوه تدب

حينما ينام على اليمين

كما لو دقت

ساعة النشور...

حديثه ثلاثي الأبعاد

بينه وبين الفأس

كلام المتآمرين

على صمت الصخور....

***

محمد العرجوني

 

طِفلَةٌ

الطّيُورُ

تُسَمّيهَا طائراتٍ

الحدائقُ

تَرسُمُهَا حرائقَ

الكراريسُ

في مِحْفَظتِهَا مَتاريسُ

ليلةً

خبّأتْ قِطعتيْنِ مِنَ الحَلوَى تحتَ المِخدَّةِ

نامتْ تحلمُ بالبحرِ

عندَ الصّباحِ

وَجدُوهَا في المِيناءِ

بِثلاثِ رصاصاتٍ

في رأسِهِا

***

سُوف عبيد

زفراتٌ على ضفةِ المسافَة

تُعاتبُ الرِّيحَ

الغافية في عينيكَ

تمتَطي جناحَ اللَّيل..

تطيرُ إليكَ بغفلةِ الرِّيح

توقظُ صمتَ الهَدير

تنثرُ نرجساًعلى قلبِكَ

ترِدُ على الغَدير

ترتوي من نهدِهِ..

قبلاتٌ مسافرةٌ

بين عناقيدِ الشَّهد

تبتهلُ إلى الرَّحيق

وتُصلِّي مع الفجرِ

ألا يغفو الحنينُ

في أكمامِ الشَّمس

شِفاهٌ مُتمردَةٌ

تبعثرُ الزَّنابقَ السَّوداء

تهدمُ تاريخَ الانتِحار

تزرعُ الضوءَ بين الرِّضاب

إنهُ زمنَ الوِلادَة

***

سلوى فرح - كندا

 

في نصوص اليوم