نصوص أدبية

نصوص أدبية

وقعت أحداث هذه القصة بعد موجة الهجرة الروسية المتجدّدة إلى البلاد، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، في تلك الفترة تعاقب على الشقة المحاذية لشقتنا في الحيّ اليهودي بنتسيرت عيليت، عدد من العائلات.. كانت آخرها عائلة روسية مكوّنة من والدين وابنة، في السابعة أو الثامنة من عمرها، في جيل ابنتي الصغيرة، وكثيرًا ما كنت أرسل نظرة من نافذة شقتنا المطلّة على الخلاء الرحب، فأرى ابنتي تلعب معها، وكأنما هما اختان، لم تلدهما زوجتي، او زوجة جارنا الروسي. وقد رأيت الاثنتين، ابنة جارنا الروسي وابنتي، اكثر من مرة تلعبان هناك في الخلاء، وكان ذلك في بداية الشتاء، وعندما امطرت الدنيا فاجأتني صغيرتي باصطحابها صديقتها الروسية إلى بيتنا، فسُررت وسرّت زوجتي، ونظر كلّ منا الى الآخر ناسيا العالم وهمومه والموقف العربي العام.. المعارض للهجرة الروسية، ومتذكرا امرا واحدا لا غير: ان صغيرتنا كبرت وباتت لديها صديقة روسية. رحبنا بتلك الفتاة ايما ترحيب، الامر الذي مكننا من ان نراها بصحبة صغيرتنا بصورة شبه دائمة. وان نتتبع امورها باهتمام.. الم تكن صديقة صغيرتنا؟!

لاحظنا ذات يوم ماطر مسحة من الحزن على وجه ضيفتنا الصغيرة العزيزة، فاعتقدنا انها مسحة عابرة، الا انها ما لبثت ان ازدادت في اليوم التالي، وقبل ان نسألها عن سبب تلك المسحة..، جاءت الينا بصحبة صغيرتنا لتفاجئنا بالسبب الفظيع، قالت بصوت متهدّج، إن الاطباء اخبروا اسرتها ان والدها لن يعيش فترة طويلة وان ايامه باتت في عالمنا محدودة، وعندما قلت لها ان ما تقوله لا يركب على العقل، انفجرت بالبكاء حتى ان زوجتي وصغيرتي بكتا معها، وما زلت اتذكر رغم مضي ردح من الزمن على هذه القصة، ان صغيرتي الغالية وزوجتي قامتا باحتضانها، وقد دفعتهما موجة لافحة من العطف عليها، لان تقترحا اصطحابها معنا في رحلة اخر الاسبوع الى بحيرة طبريا. تقبّلنا جميعنا الاقتراح بل رحبنا به فما زالت صغيرتنا... ستكون سعيدة باصطحابها صديقتها، وما دمنا نقوم بواجب انساني نرفّه به عن طفلة يرقد والدها على فراش الموت في المستشفى، فان مرافقة تلك الصغيرة لنا ستسعدنا نحن ايضا، وعندما جاءت جارتنا الروسية تسألنا عما اذا كنا حقا سنصطحب ابنتها معنا في اليوم التالي الى بحيرة طبريا، لم نتردد جميعنا كبيرا وصغيرا في ان ندعوها هي ايضا، فاعتذرت جارتنا الروسية، لأنه لا يمكنها مرافقتنا بسبب وضع زوجها الحرج في المستشفى، وسألتنا عن الوقت الذي ستستغرقه رحلتنا تلك، فأخبرناها اننا سننطلق كعادتنا في ساعات الصباح الباكرة وسوف نعود في ساعات المساء المتأخرة.

في صبيحة اليوم التالي استقللنا سيارتنا الفيات اونو، بعد ان حملناها بكل متطلبات الرحلة من متاع وغذاء، وانطلقنا باتجاه طبريا. خلال انطلاقنا في سيارتنا، كان كل منا ينظر إلى الآخر بنوع من الرضا، فقد ادينا واجبنا نحو صغيرتنا ونحو صغيرة اخرى بحاجة لان نمد لها يد العون، عندما وصلنا شاطئ البحيرة، ترجّل كلّ منا من السيارة وتراكضنا باتجاه الماء، ولا انسى ما حييت تلك الفرحة التي ارتسمت على وجهيّ صغيرتينا، الروسية وابنتنا، بعد ان هيئنا قعدتنا قريبا جدا من حافة الماء، وابتدأنا بإعداد الطعام، ارسلت نظري الى تلك الفتاة، لأرها تلهو وكأنما تمكننا باصطحابنا لها ولو للحظات من جعلها تنسى ما هي اسرتها فيه من وضع صعب، وحمدت الله على انه الهمنا ان نصطحبها. وبالغنا في اعلان المحبة فاستجبنا لطلب صغيرتنا ان تذهب للتنزه بصحبة صديقتها تحت الاشجار القريبة، لتنطلق الصغيرتان مبتعدتين عنا دون ان نلتفت اليهما جيدا، فقد كنا مشغولين بإعداد الطعام للجميع.

فرغنا انا وزوجتي من اعاد الطعام، وتوقعنا عودة صغيرتينا خلال لحظات، غير ان اللحظات مضت سريعة ولم تحضرا، فحملت نفسي، وانطلقت ابحث عنهما تحت الاشجار المحاذية، وعندما طال بحثي، ابتدأت الهواجس السوداء بمطاردتي، فالي أين ذهبت صغيرتانا؟ وهل تعرضتا لأي مكروه.. لا سمح الله؟ ما كان عليك ان تسمح لهما بالابتعاد عن حيث نزلتم، لكنهما صغيرتان ومن حقهما ان تستمتعا معا... ما تقوله صحيح لكن كان عليك ان تجعلهما في مرمى النظر، فلا امان في هذه البلاد، وكنت كلما طال بحثي عنهما ازداد قلقا، وجاءت المرحلة التالي في البحث، فلماذا لا اسال من اصادفه من الناس الموجودين في الشاطئ، عما إذا كانوا قد رأوا صغيرتين احداهما روسية والاخرى عربية؟ وصادف ان سألت عائلة عربية من منطقة الجليل عن صغيرتينا؟ ففتحت ربة العائلة فمها مستغربة ومستفسرة، شو بتقول؟ عربية وروسية؟ فهززت راسي اشارة نعم. وبعد ان عرفت المرأة انني من عائلة فلسطينية مهجرة اعربت عن ذروة استغرابها، وشيعتني وانا اولي عنها باحثا، بنظرة مستفسرة متسائلة.. فما الذي يحدث؟ وبين الطرفين عالم من القسوة؟

تجولت خلال اكثر من نصف ساعة باحثا عن صغيرتينا، وسائلا كل من التقيت به عنهما، دون ان احظى بأية اجابة، ويبد ان ما خالجني من قلق، قد انتقل عبر النسمات الشتائية الباردة الى زوجتي، فلحقت بي لتنضم الي في عملية البحث، هدّأت زوجتي من روعي، طالبة مني ان اتفاءل بالخير لأجده، واقترحت بعد ان استغرقتنا مشاعر القلق.. من اقصانا الى اقصانا، ان يذهب كل منا في اتجاه لمواصلة البحث، تقبّلت اقتراح زوجتي.. وواصلت البحث في ذات الاتجاه، في حين توجهت هي إلى الاتجاه المعاكس، ومضى الوقت دون ان أحظى بأية اجابة عن سؤالي الحائر: إلى أين ذهبت صغيرتانا؟ فكان عليّ ان اعود إلى حيث اقتعدنا قريبا من الماء. ما إن وصلت الى هناك، حتى اطلّت زوجتي من الناحية المعاكسة، وعلى ثغرها ابتسامة... بشّريني.. بسرعة بشريني. طوّل روحك... شو اللي صار؟ لم تجب زوجتي وامسكتني من يدي وجرت على الشاطئ لأجري وراءها، وبقينا نجري إلى أن بلغنا اجمة من الاشجار، وهناك.. هناك.. في حضن شجرة معمرة.. قد تعود أيامها إلى أيام جدينا الاولين.. حواء وادم، رأينا صغيرتينا وقد ابتنتا بيتا وعمرتاه بالاصداف والرمال، وجلستا فيه تتبادلان الكلمات والضحكات.

***

عدنا في المساء باتجاه نتسيرت عيليت.. نطوي الارض طيًا، وكلُّنا رضا عما افضى اليه ضياع صغيرتينا.. من نتيجة طيبة، وعندما توقفت سيارتنا الفيات اونو، بالقرب من بيتنا في الحي اليهودي، فوجئنا بزوجة جارنا تداهمنا بموجة من الدموع والقُبل، فسألناها عمّا يبكيها، فاحتضنت ابنتها بمحبة ام خشيت على صغيرتها من الضياع والموت، واخبرتنا انهم اتصلوا بها من المستشفى ليخبروها ان حالة زوجها في تحسن وان جسده ابتدأ في تقبل الدواء بعد ان رفضه فترة طويلة.

هنأنا جارتنا الروسية بما صارت اليه امورها وامور اسرتها.. من امن وسلام، ودلفنا باب شقتنا واحدا وراء الآخر ونحن نتمنى ان ينالنا مثل ما نالها من هدوء وسكينة نفس. اما هي فقد ادخلت ابنتها شقتها واغلقت بابها وراءها دون ان تزيد أية كلمة.

***

قصة: ناجي ظاهر

في البيتِ الابيضِ يا سـادَهْ

عُــبّـــادُ الـشـيـطانِ الـقـــادَهْ

*

صُـهــيـونـيٌّ مـا ســـونـيٌّ

والـمِــثـــلـيُّ صـارَ عِـمــادَهْ

*

قـــامَ الـشـيـطانُ بـدولـتَـهُ

وتَــبَــنّـى مِـنـهُــــمْ أولادَهْ

*

وعـلـيـهمْ أســسَ قـاعِــدةً

مُـخــتـارًا مـنــهُـمْ رُوّادَهْ

*

لِـيَـقـودَ الـعـالـمَ في دِعَــةٍ

ويـكـونــوا فــيـهِ أســـيـادَهْ

*

ويـكـونُ الـبـيتُ ومَـنْ فـيهِ

مَـرســاةَ الــبـغـيِّ وأوتـــادَهْ

*

فـالـداخِــلُ فـيـهِ يُــداخِــلُـهُ

مـا لـــــم تـقــبــلْـهُ الــقَــوّادَهْ

*

وشـريـفُ الـقـومِ بـلا شـرفٍ

يُــقـريْ الاســفـلَ مِـنـهُمْ زادَهْ

*

والـراعـي يـبـقى حــاويَـةً

قَـمّـتْ مَـنْ قَـمّــتْ أجــنــادَهْ

*

كـغُـثـاءِ الـبَـحـرِ وهُــمْ كُـثـرٌ

أحـصِـنـةٌ جــابَـتْ طُــروادَهْ

*

طـوفـانُ الاقـصى عَــرّاهـا

وكـسـاهـا عـــــارًا وزيــادَهْ

*

هُـلُـوكـوسُ الـبـاغي فِـريَـتُـهُ

تَـلـفــيـقٌ فَـجَّـــرَ مِــنـطــادَهْ

*

فـشُـعـوبُ الـعـــالـمِ واعــيـةٌ

كَـيـدَ الـصهـيوني ومُـرادَهْ

*

رَوّعــهـا إجـــرام الـبـاغيْ

فـانـتَـفـضتْ تَـلـعَـنُ أجــدادَه

*

فـجـرائـمُهُ صـارت تَـعـني

فـي غَــزّةَ عُــنــوانَ إبــــادَهْ

*

طُـوفــانُ الاقـصى عَــرّاهُ

فـتَـداعى  مـا كـانَ أشـــادَهْ

*

شـيـطانُ الـبيتِ ومَـنْ فـيـهِ

لـنْ يَـجِـدوا فـرحًا وســعـادَهْ

*

والـنـومُ الـحـالِمُ لَـنْ يـأتـي

مُـذْ سَـلَـبَ الـغـزيُّ رُقـادَهْ

*

ودِمــاءُ الـشُـهـداءِ سـتـبقى

قـــارعـةً تَـصـدَعُ أعــيــادَهْ

*

فالـفِصحُ يـكونُ هـو الـذِكرى

للــيــومِ الاســودِ إنْ عـــــادَهْ

*

فهـو الـنّـاقـوسُ إنْ مَـرّتْ

ذِكــــراهُ تَـســفـعُ عِــــــوّادَهْ

*

ولـــهُ في أُكْـتُــوبـرَ مـاضٍ

فـيـه الـخُـسـرانُ كـالـعــــادَهْ

*

وعـلى أنـقـاضِ هـزيـمـتـهِ

سـيُـطـيـلُ الـشـيطانُ حِــدادَهْ

*

لـنْ يـرجو الـبـاغي أنْ يـهـنـا

في وطــنٍ غَـصـبًـا قـد ســادَهْ

*

وعـلـيـهِ يــبـقى مَـهـزومًـا

ويـكـــونُ الـحــــقُّ جـــــلّادَهْ

*

برجـالٍ قـد صدقـوا الـمولى

فإمّــا نَـصـرُ وإمّـا شــــهــادَهْ

فـإمّــا نَـصـرُ وإمّــا شـــهـادَهْ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الثلاثاء في 7 مايس 2024

(1) دائماً

في رأسي دائِماً

معسكرُ تدريبٍ

وجنودُ ثائرون ..

*

نساءٌ كادِحاتٌ

وأطفالٌ يتشاجروَن بوقاحة ..

*

عجائزُ يعرفِن عن ظهرِ قلبٍ

كلَّ حكايا الحياة ..

أما وجهي

فليس سوى تخطيطٍ سريعٍ

لإمرأةٍ متمردة !

**

(2) عاشقان

نتشاجرُ كالساسةِ ..

نتصالحُ كالعصافيرِ ..

نفكرُ ببعضِنا كالأمهاتِ ..

نذهبُ للسيِنما كالأصدقاءِ ..

نلعبُ سويةً كالأرانبِ ..

ونرتبكُ من الحبِ كالأطفالِ!

*

وكي لا نفترقَ كالغرباءِ:

أتصلُ بكَ لتدعوني للفطور

ولنضحَك كالملائكةِ!

***

سمرقند الجابري

....................

(*) من مجموعتي (رابط لأغنية ساحرة) منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

 

حين افترقنا

وباتتْ مسافاتنا تستجير الهوى

انشطرَ الحبُ نصفين في الوجودِ

نصفٌ هنا ، ونصفٌ هناكْ..!

*

تقولين ماذا دهاكْ..؟

لمْ أر في الكونِ نسراً سواكْ..!

فكيفَ أشغِلُ نفسي،

وكيفَ أبعدُ عني هواكْ..؟

*

وبعضي أراه يأكلُ بعضي

يصارعُ هذا الزمان الكسيحْ..

ويحملُ صلبانَ هذا الوجود الذبيحْ..

لعلَ خطاي تلاحق طيفاً

ينادي :

تعالَ فأني

ما أزالُ على مسار خطاكْ..!

*

انشطرَ الحبُ نصفين

نصفه يشتكي ويغني لألآمه

والعوالم من حوله فاغرات الفم..

وآخر يحتمي من جليد البعاد

والسحاباتُ فوقه

تزخ نزيف الدم..

*

فكيفَ أشعِلُ وهجي

في ركامِ الجليد

وكيفَ أأتي اليك

وكيفَ أشبع مقلتيكْ..؟

*

انشطر القلب في معبد الحب

عن هالتين:

بالشوق ملمومتين

تقتات من مهجتين

دماً ولحماً وعظما..

لتبقي عوالم هذا الزمان

تمتحن الصبر

سحقاً وقضما..!!

في نزيف الرعاف

عبر إثنتين :

أنين الجياع

يطاله صخب الضباع....

هوَ  ذا الوجع الدفينْ..!

***

د. جودت العاني

12 / 03 / 2024

.......................

*  قصيدة مستلة من الديوان الرابع (من أين يدخل الغرباء..؟)

 

أعيش في قبر

من فرط ضيقه

لا اجروء الخروج منه

*

في ليلة مظلمة

جئت الى غزة

لابحث عن جثتي

في مشرحة لبقايا أشلاء

طائر في الجنة

*

بين الانقاض

وتحت الركام

نعش ملفوف بوردة خضراء

مضمخة بالمسك والريحان

*

سمعت أطفال غزة

يتحدثون عن نعم الفردوس

وعن خريطة جديدة من النهر الى البحر

وعن وطن  ذا أقواس نصر كثيرة

*

وسمعتهم يتحدثون

عن تقويم سنوي جديد

يبدأ من السابع أكتوبر

*

وعن عجوز تنفش صوفا

لكوفية وعقال

تراقبها حمامة بيضاء

*

منذ عقود

ونحن ننتظر قمرا

مفعما بضوء قرمزي

لكي يتراقص مع قوس قزح

*

تحت الركام

رائحة الموت تزكم الانوف

ودموع حبيسة في الظلام

تلمع كسراب يترنح في الآفاق

***

بن يونس ماجن

ثعلبُ القضيّة

الثعلبُ الذي أكلَ دجاجاتِ

أمُّهاتِنا الطيّباتْ؟

قطعةً قطعةْ

وجلدةً جلدةْ

وعَظْمَةً عظمةْ

وريشةً ريشةْ

هَلْ يُمْكنُ أنْ يكونَ

حمامة َ سلام؟

لعلَّنا نستطيعُ نحنُ

أنْ نتخلّص َقبلَ قيامتِنا

من أسطورة الثعلبِ الطيّبِ

وقضيةِ الدجاجةِ الحمقاء؟

- 2

الحكايةُ كلُّها

تعالي كي أَدُلَّكِ

على شجرةِ الغواية

ولكنْ ارجوكِ

لاتقطفي منها

تفاحةَ اللذَّةِ والخطيئة

فأبتلي أنا هذه المرّة

كما ابتلى من قبل

أبي المُغَفّلُ المسكين

الذي اصبحَ ضحيةَ ابدية

تدعو للسخرية والمرارة

أَلَيْسَتْ هذهِ هيَ الحكاية

في حقيقتِها المغيَّبةِ

في أَساطيرِ الأوَّلينَ

والآخرينَ أَيضاً؟

-3

بــلاد قاتلة

كُلَّما يموتُ شاعر

تسّاقطُ نجومٌ

تذوبُ شموعٌ

وتَجفُّ زهورٌ

من هَولِ الأسى

والأسفِ والحنين

والبلادُ التي نُحبُّها

ونُحبُّ ترابَها وانهارَها

وبساتينَها وأُمهاتِها

وناسَها الطيّبينَ

أصبحتِ الآنَ

وبكلِّ قسوةٍ

وجلافةٍ وبلادةٍ

تُثقّبُنا بالرصاص

وتطعنُنا بالخناجرْ

ياااااااااااااااهْ ...

كمْ أَنتِ لئيمةٌ وقاسيةٌ

يابلاداً تَحتضنُ القَتَلَةُ

والظلاميين والمُتوحشين

ولا تَمشي في جنازةِ الشاعرْ

-4

عاشقة كندية

صديقتي العاشقة الكندية

كُلَّما اقولُ لَها:

- I love you baby

يتوهّجُ جسدُها الفارعُ

والساطعُ والشاســعُ

بالضوءِ والرغبةِ والشهواتْ

***

سعد جاسم - كندا

أفعى بأعماق الحذاء تخبّأتْ

وتناسلتْ أصلالها و تبوّأتْ..

*

هذا المكانَ لكي تميتَ براءةً

منها على طول الزَّمان تبرّأتْ

*

خطّتْ على درب الرِّمال مسارها

كيما تجيء .. وما تظنُّ بأخطأتْ

*

أفعى كما يدري الجميع نزوعها

مالم تسمَّ الأبرياء؛ تجشّأتْ..

*

سمّاً على الحَجَر الذي في ليلها

لاذتْ بهِ مِنْ بردِها وتدفّأتْ

*

حتى إذا حانَ الصَّباحُ تسلّلتْ

ومضتْ إلى صوتِ الهزار وأطفأتْ

*

لا تستحي ممَّنْ تراهُ مُغَرِّداً

حتى على قتلِ الطّيور تجرّأتْ

***

رعد الدخيلي

 

من اجل اكمال الصفقة

هكذا تتقدم بنا الايام ونحن نشيخ

وعصافير ذواتنا تمد اجنحتها البريئة

صوب مدارات قوس قزح ونحن

لم نتراجع عن حماية حقول ومروج

ذواتنا في ظل هذا اللهيب وهكذا سنتقدم

من اجل اكمال صفقة احتضان غزلان

وايايل السهل الحزين بعيدا بعيدا عن

مثالب للشوك العوسج والحنظل

وقريبا قريبا من من نخلات واحة

العشق المباركة.

2 -

نقش على جدار الصمت

النقش على جدار الصمت ما هو

مطلوب منا في هذه اللحظة الحاسمة

لحظة عناق قرص الشمس ومدارات

قوس قزح الصباح والشفق الازرق

ولحظة اتمام عملية عناق الوراوير الحزينة

في الكرمة المستباحة وعصافير شجيرات

اللحظة الحاسمة.

3 -

هكذا تفكر

هكذا تفكر الجرذان الدود والجراد

في احتلال السهل الفسيح ونبع

القلب المضيء وهكذا هكذا تفكر

بتهشيم كل مرايا الصمت الهداة والامان

وبتهديم كل جدران قلعة الحكمة

المضيئة والامل المضيء.

***

سالم الياس مدالو

رقصةٌ ليبراليّة

في خيمة الشيخِ الهُمام

***

في خيمةٍ عربيّةٍ أوتادُها

دُقّتْ عميقاً في تخاريفِ القبيلةِ والرمالْ

*

والرملُ  رَخْوٌ لا يقاومُ

عُنْفوانَ الريحِ والصحراءِ مُذْ بَدأ الزمانْ

*

فَكَثيبُهُ  هَشٌّ مَهيلٌ طَيِّعٌ

كَهَشاشَةِ الفَذِّ الدَعيِّ المُدّعي

مدنيّةً سالتْ لُعاباً حولَ مائدةِ الأميرْ

*

أمّا تقاليدُ القبيلةِ كُلُّها أو جُلُّها

فَروايةٌ مثقوبةٌ

مَتْناً وإسناداً تَشي بِرَذيلةِ التقليدِ

أو كَذِبِ الرُواةْ

*

جلسَ الأميرُ بِرُكْنِ خيْمتِهِ وفي

يُمناهُ فِنجانٌ لِقهْوتِهِ وقد

فاحت مُعتّقَةً بكافورِ الخديعةِ والضَلالْ

*

أسَفاهُ ياقلبي على

كَرَمِ الفوارسِ والمجالسِ والدِلالْ

*

بعدما تُهْنا وَضيّعنا المناقِبَ والرِجالْ

*

وَعَلى يَسارِ أميرِنا شيخْ

لَهُ قلبٌ (يمينيُّ) الهوى

كَجبينِهِ المِسْوَدِّ مُحْتَقِنٌ عَبوسْ

*

موفورُ حَضِّ إنّما وغدٌ

غليظُ الطبعِ  مُرتابٌ فخورْ

*

هُوَ نَجْلُهُ وَيَمينُهُ قد عادَ مُنتصراً على

مَنْ غرّدوا لسقوطِ مُنتجعِ الهزيمةِ

والطغاةْ

*

صاروا خوارجَ عصْرِهِ لمّا رأوا

في قسمةِ الأرزاقِ  ضيزي

مُعْلِناً حرباً ضروسْ

*

أفنى بها الفقراءَ طُرّاً خدمةً

للنجمةِ الزرقاءِ في ثوبِ العَروسْ

*

وَعَلى يَمينِ أميرِنا السادي

يَساريٌّ  قَديمٌ قد صَحا  من سَكْرةِ

الأفيونِ  تَوّاً  أو أقانيمِ الشغيلةِ

والجَدَلْ

*

فَدَراهمُ الأمراءِ حِكْرٌ للذي

غالى بِهَزِّ الخَصْرِ رقصاً وتفانى

في أحابيلِ الدَجَلْ

*

فَنَعى مناجِلَ حزبهِ مُتَخفِّفاً

وَرَمى على هاماتِ حَشْدِ الكادحينَ

المِطْرَقه

*

صلّى وراءَ مُضيفِهِ

وَشَدى  إلى الشيخِ  الوَقورِ مُعَلّقهْ

*

وَأكادُ ألمحُ من بعيدْ

في مُنتدى الساعينَ للشيخِ السعيدْ

*

أحرارَ مُجْتَمعِ النُهى

فكراً  كَبنّائينَ قد رَضعوا معاً

أسرارَ تَلْمودَ الخنا

مَدَنيّةً وَلَغتْ بأوردةِ  الشُعوبْ

*

وَثَنيّةً  تسعى خشوعاً في رِحابِ

البيتِ مِبْيضّاً فَتمْتلِئُ الجُيوبْ

*

وعلى صدى وَتَرِ الرَبابةِ أبدعوا

للمسلمينَ رسالةَ التنويرِ في

دُنيا العبيدْ

*

وَتَشاوروا بفضاءِ باديةِ الجزيرةِ

نُخْبَةً تهوى معاقرةَ الغُبارْ

*

وَتَذوبُ زُهداً وانتشاءً بالحداثةِ والرِيالْ

*

وَنِكايةً رفعوا صدى

نَغَمِ الربابةِ مُحْدِثاً

وَقْراً بِآذانِ القبيلةِ والأنامْ

*

فَتَراقَصوا  وتجاهلوا

حِمَمَ الرصاصِ مُدوّياً

برؤوسِ من طلبوا الكرامَةَ والحياةْ

*

لَعَنوا صلاحَ الدينِ كي يَئِدوا

خيولَ الفَتْحِ في حطّينَ

فالأقصى هُراءٌ في هُراءْ

*

وعقيدةُ الإسراءِ  يَغْمِزُها  دَعيٌّ عبقريٌّ

عابثٌ بتراثِنا  مُتَحاملٌ لا مُسْتنيرْ

*

والمسجدُ الأقصى غريبٌ عن ترابِ

القدسِ قد عثروا على أسوارِه

مدفونةً بجزيرةٍ منسيّةٍ في زُنْجبارْ

*

كفروا بغزّةَ شامتينَ  بِأهْلِها

وَبِمنْ (تَحَمّسَ) للفِداءْ

*

حجزوا بشابكةِ العناكبِ موقِعاً

لِضياءِهِ  تهفو الغرائزُ  والنفوسْ

*

وَمَعَ الأميرِ مقاعداً

خيطتْ نهاراً من خيوطِ العنكبوتْ

***

د. مصطفى علي 

 

على شَوكةِ الاِنتظار وَقفـتُ

مَـع الواقفينَ وبيـنَ الوُفــودِ

*

وفِي قَلق أشْرئِبُّ بعَـيــنـِي

تُرى هل سَألقاهُ حَقّا حفيدي

*

تُرى هل كمِثل التّصاوير حُسْنًا

أبِي قَدْ رأيتُ وفيهِ جُدودي

*

وفــيهِ بَهــاءُ زيـــادٍ صَبيّـــا

ببسمتِه تلكَ، تُحْـيِــي عهودي

*

فيا طائرًا في أعَالي الجِــواء

تَمهّلْ وحاذرْ ففِيكَ وليـــدي

3884 سوف عبيد

ورَفْرفْ بلطفٍ وحُثُّ الجناحَ

على عجَل رغمَ ريش الحَديد

*

وبعـــد اِنتظار أطلّ حفيـدي

فهَشَّ وبَـشَّ بوجه سَــعــيـدِ

*

إليَّ حبيبي! أشــرْتُ إليــــه

فَهَبّ لِحِضْني كطيْـــر غَريـــدِ

*

وحَطَّ على ساعدي مِثْلَ بَاز

على أيْكهِ قـــادمٍ مِن بعـــيـدِ

*

فكم مِنْ جبالٍ وبحرٍ تَخطّى

وكم مِن رياحٍ ،وكمْ مِن رُعــود

*

وعانقتُهُ، كدْتُ أقسُــو عليـهِ

بِضَمٍّ ولثْمٍ وطــوْقٍ شَـــديــد

*

بشوق أقبّلهُ من يَــــديْــــه

تجُولان في لحيتي كـــالــوُرودِ

*

يُعابثُ نظّارتي في سُــرور

فِداهُ بعيني، وهَــل مِنْ مَــزيـدِ

*

يُكفْكِفُ لي دَمعتي ما دَراهُ

بأشجانِها أبحَرتْ في القَـصيـد

*

فباركْ ليَ اللهُ فيه وأسْعِـدْ

وحَمدًا إلاهِي فَذا يَــومُ عِـيـدي

***

سُوف عبيد ـ تونس

كل الجهات ترفل

في ثوب عرس

ملطخ بالهوان

وحدك في حزن معتق

تمشين واثقة الخطى

في ثوب حداد

تشيعين الضنا

ومن وجع الدرب

تشعلين الشموس

لخيل الصباح

حين من بين الانقاض

ينتفض الشهداء

وكل القبائل شرقا وغربا مشغولة

بالولائم ...بالرقص

والنياشين المذمومة

كل المدائن مذهولة

كيف هذا الصغير

بمقلاعه ...يبدع العاصفة

كيف من ارحام النساء

تتجلى القدرة الخارقة

وكيف من الصدور

تتفجر البراكين

وتخر القلاع ساجدة

لاحتدام القائمة

*

يا غزة ....يا أمي

هبيني عناق اللهيب

واقذفيني في صدورهم

رعبا ...يشق جباه العماليق

هبيني ...اللظى منحة الاولين

ثورة العذاب الامين

كيما تكبلني صرخات القاعدين

كم قلت لي:

ان بقاعهم رقاع شك وارتياب

دينهم صبغة ياس واغتراب

وانهم يتقنون فن الهدم والخراب

ويقايضون الزيف

بالخضوع والانسحاب

*

ايتها النار الملتهبة

في صدور الثائرين

لا ترحمي المهادنين ...

احرقي كل المداهنين

اني وحدي اقاتل

وحولي مليون قاتل وقاتل

مليون تاجر ...وتاجر

لا يعلمون ان الزهور

تستطيع الصمود

في وجه القنابل

وان كل ما يقوله الشهيد حق

وكل ما يبتدعون من تواريخ

ترهات وباطل

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

أتَضوَّرُ شَوقاً إلى خُبزٍ

لا يُشبهُ الخُبزَ

ولا يحتاجُ خَميرةً

وإلى سُنبلةٍ لا تُصبحُ طَحيناً

ولا تَلِدُ رَغيفاً

ولكنَّها تُخبِئُ بين ثناياها

عَسلَ النَّحلِ

ووخْزَ الدَّبابيرِ

وتراتيلُ الَّلهفةِ

أشتاقُ إلى شُطآنٍ

على رمالِها تَغفو

عَروسُ بَحرٍ

ذَيلُها من مَرايا

أنا القادِمُ على عَجَلٍ

من عُهودٍ غابِرةٍ

جِئتُ أبتاعُ أعماراً

ومتاجِرُ الأزمانِ مُقفلةٌ

والسَّماءِ فاغِرةٌ

أفواهُها

أتوقُ إلى عُمرٍ

صعب المِراس

عنيد الشَّكيمة

من غيرِ بِداياتٍ

يَعبُر بي أنفاقاً

ويُحاربُ كُلَّ الزَّوابِع

في جلد وأناة

وبِلا هَوادةٍ

كُلَّما خَمدَت فيه نَجمةٌ

شموسٌ في فضاءاتِه

تَسطَعُ وتُنيرُ

إلى طائرِ الفينيقِ

تشتاقُ عُيوني

كي يَسبحَ في مَداراتي

وينثرَ في ذاكرتي

غُبارَ الرَّمادِ

يُجَلِّلُني الأَمسُ بِلَونِ اليُتمِ

يجمعُ أكداسَ الحِكاياتِ

في رُكنٍ مُعتَمٍ

من جسدي المُرهَق

ويجدِّدُ ثَورةَ غَضبي

ويُحلِّقُ عَبْرَ المَدى

مثلَ ناقوسٍ يُبدِّدُ

ساعاتِ الرُقادِ

أنا البعضُ غير المُكتَمِلِ

وأنا الشَّطرُ المفقودُ

في أُحجيةِ الغيابِ

أخشى إن حَضَرتُ

أن يتَمَلمَلَ الصَّمتُ

وأن يصيرَ الثَّلجُ حالِكاً

وإلى بيداءَ

يستحيلُ البَحرُ

***

جورج عازار

ستوكهولم السويد

 

احتضنت الطالبة الجامعية سهاد العبدالله الجزء الأول من رواية آنا كانينا، بحنوّ لا حدود له، وتوجّهت نحو مقعد بعيد.. عن العيون، هناك في أقصى الحرم الجامعي. لقد سبق لها وان قرأت هذه الرواية وأعجبت بها أيّما اعجاب، الامر الذي دفعها للتوجّه إلى المكتبة الجامعية مجددًا لاستعارتها.. كونها ضربت على وتر حسّاس في نفسها كامرأة مرتبطة برجل عارف متعلّم، لكنه لا يتفهمها ولا يعيرها ما تحتاج اليه من اهتمام.. بالضبط كما تقول الراوية.

تحرّكت عاشقة الرواية وما تمنته من المشاعر المثيرة لكلّ امرأة تريد أن تكون وأن يكون لها حضورها المنشود، متعمّدة أن تجعل شخصًا محدّدًا أن يراه، ذلك الشخص طالب جامعي يدعى جاسر المبدّع، وقد صادف أن التقت به في رحاب المكتبة الجامعية، ولاحظت أنه يوليها اهتمامًا خاصًا، الامر الذي قلّص المسافة فيما بينهما، هما الاثنين، وكان أنها حاولت خلال تقرّبه منها، فيما تلا من وقت.. زياراتها للمكتبة، ابتعدت عنه، وذلك ضمن امتحان عسير له، فهل هو معنيّ بها.. أم أنه مجرّد رجل لاهٍ. مثله في ذلك مثل العديد من الطلاب طارقي أبواب الطالبات الموصدة فهمًا والمفتوحة جهلًا.. صحيح انها سبق وأدخلته غرفة الامتحان العسير، وأنها عرفت بحنكتها النسوية المرهفة ما تود أن تعرفه، لا سيّما فيما يتعلّق بحالته الاجتماعية، فقد عرفت بطريقتها الخاصة، انه متزوّج ولديه أبن بالضبط مثلما لها، غير أنها تعمّدت في ذلك اليوم أن تجري له امتحانها الأخير.. فإما يكرم وإما يهان. فماذا ترى سيحدث؟.. وهل هو تتبعها عن بُعد كما شعرت أحيانا كثيرة خلال ترددها على المكتبة؟..

غرقت الطالبة الام، الشاكية الباكية، في تساؤلاتها المصيرية هذه، فبدت وحيدة مثل شجيرة قرب الطريق.. وحيدة الشكل والقلب.. وكانت كلّما مرّ بالقرب منها طالب مخلّص*، توقعت أن يكون هو جاسر المبدّع وليس سواه، بيد أن ما حدث هو أن العديد من الطلاب قد مروا من حيث جلست، ولم يمرّ هو. بل إنها ابتسمت عندما مرت بالقرب منها طالبة بدا لها أنها تماثلها في الحالة والواقع، واقتربت منها مسترقة النظر إلى آنا كارنينا بيدها، وافتعلت حركة مَن يودّ أن يجلس بالقرب منها إلا أنها افتعلت بالمقابل حركة مَن لا يريد أن يجلس بالقرب منه أحد، سوى مَن يروق له ويريده، أما الحركة، فقد تمثّلت بوضعها معطفها الشتوي الوبري الدافي لصقها. "ترى هل سيفعل جاسر.. مّن فكّرت فيه أكثر ممن فكرت به من زملائها الطلاب مثلما فعلت؟.. لتنتظر وتر.. أما إذا لم يفعل فإنها ستتدبّر الامر، اذ لا بدّ لها من أن تتوصل إلى نتيجة مع ذلك الجاسر المشرئب بعنقه إليها هي وليس إلى سواها من بقية الطلاب.

مضى الوقت في ذلك اليوم الشتويّ البارد، وهي تنظر إلى البعيد، مصمّمة على أن تضع حدًّا لما انتابها من مشاعر تجاه ذلك الشاب المعافى اللافت للنظر، لنظرها هي بالتحديد، بيد أن شيئًا لم يتحرّك بالقرب منها على الأقل، وبقيت منتظرة على ذلك النحو. حتى فوجئت بمشهد استولى على جُماع اهتمامها، ذلك المشهد تمثل بأن جاسر ذاته، نعم جاسرها ذاته قد اقترب من مقعد في ركن شبه خفيّ وبعيد عن العيون، وبرفقته طالب جامعي بدا لها أنه صديقه المقرب أو شيئًا من هذا القبيل، لهذا تعمّدت أن ترى الاثنين وتسمعهما دون أن تمكنهما قصدًا أو حتى صدفة من رؤيتها، اختبأت قريبًا منهما وراحت تستمع إلى ما يدور بينهما من حديث، فقد تعرف ما لم تمكّنها من معرفته اللحظات المكتبية والظروف الجامعية. مرسلة نظرات متسائلة فماذا سيقول كلّ منهما للآخر؟.. وكان أن وقع نظرها على جانب من الجزء الثاني من روايتها الاثيرة. فجنّ جنونها، ولم يمض وقت طويل حتى فوجئت بالاستماع إلى الحديث التالي بين الجالسَين هناك:

الصديق المجهول: ما هذا اراك تحمل رواية آنا كارنينا.

جاسر: نعم الآن للتوّ استعرته من المكتبة.. هذا هو الجزء الثاني من الرواية.

الصديق: الجزء الثاني.. هل قرأت الجزء الأول؟

جاسر هامسًا ومتعمّدًا أن يكون صوته منخفضًا جدًا يقرّب فمه من أذن صديقه.. ويهمس بها.. تفهم مما جرى من تضاحك بين الاثنين، أنها هي محور الحديث، فتفتح اذنيها وتغمض عينيها علّها تكتشف ما أرادت وودّت وأحبت أن تكتشفه منذ ابتدأت علاقتها الغامضة من ناحية الواضحة من أخرى. فهمت سُهاد شيئًا مما جرى بين الاثنين، ولم تفهم آخر، ما دفعها لأن تكتفي بما استمعت إليه، منتظرة أن يكشف لها مُضي الوقت ما غمض من أمر أحبّت أن تعرفه وأن تسبر غوره من أعماق قلبها المُضنى، خاصة فيما يتعلّق بمصير علاقتها به.. لتنتظر.. أجل لتنتظر وتر..

لم تنتظر طالبتنا المُجدّة المجتهدة طويلًا، حتى رأت كلًا من الجالسين يهمّان بالوقوف والانصراف، فأنزلت رأسها وراء شجرة الاختباء، مخفية نفسها هناك. وفوجئت بجاسر يقول لجليسه، وهو يرسل ابتسامة ماكرة: -اركن عليّ.. سأعلم الحمار اللغة الإنجليزية. *.

هكذا انفضّ المجلس بين الاثنين. سوّى جاسر ثيابه المرتّبة.. أحسن ترتيب بالأساس، وتوجّه لمفاجأة سُهاد، نحو مقعدها الأول ذاك.. ذاته، جلس هناك. عارضًا الجزء الثاني من آنا كارنينا. وواضعًا كبّوته الشبيه بكبوتها هناك.. إلى جانبه. اتخذ مجلسه المنتظر لما سيأتي*، والمتوقع له، وبالغ في حركاته تلك، ففتح الجزء الثاني من آنا كارنينا وراح يحدّق فيه، كأنما هو يريد لإنسان وحيد وواحد في العالم أن يراه.. كان هذا الانسان هو.. هي وليس سواها.. هي سهاد العبدالله ذاتها.. بواقعها وحلمها المجنون.

سوّت طالبتنا النجيبة ملابسها واضعة كبّوتها العزيز الغالي على كتفها هذه المرّة.. خرجت من وراء شجرتها، وراحت تتهادى.. تهادي عروس تعرف ما ينتظرها من الآلام المضاعفة.. سارت باتجاهه.. وراح هو بدوره يفتعل عدم الاهتمام، وكأنما هو لا يراها، أما هي فقد اسرعت الخطى عندما وصلت بمحاذاته.. غذت الخطى أكثر.. وعبرت عنه كمن يهرب مما توقعه من مخاطر.. ومجاهل لها بداية وليس لها نهاية.

***

قصة: ناجي ظاهر

........................

* "آنا كارنيا"، رواية مشهور جدًا للكاتب الروسي المعروف ليو تولستوي. وهي تحكي قصة حب كبيرة تنتهي بكارثة إنسانية.

* لقب السيد المسيح.

* إشارة إلى مسرحية "عودة جودو"، للكاتب الايرلندي ذائع الصيت صموئيل بيكيت.

* تحكي هذه القصة عن ملك بحث عمّن يعلّم حماره المحبوب الاثير لديه اللغة الإنجليزية.. وبقي يبحث إلى أن جاءه مَن يدّعي أنه بإمكانه أن يقوم بهذه المهمة، مشترطًا عليه أن فرصة فرصة عشر سنوات. وعندما سأله صديق له عما دفعه لتلك المغامرة الخطرة. قال له إن العالم في السنوات العشر المطلوبة سيتغير وسوف تتبدّل احواله، فإما يمرض او يموت الملك وإما ينتهي هو ذاته إلى الصير ذاته.

ديــكٌ يُــصلّي والإمــامُ الــثعلبُ

وعــلى المنابرِ بالفضيلةِ يَخطبُ

*

يَــتَصنَّعُ الــتقوى ويــبدو عــابداً

بــاللَّحمِ أمــسى زاهداً لا يرغبُ

*

وبــأنّهُ الــحامي الأمــينُ لخمِّهمْ

بــالليلِ يــبقى ســاهراً لا يــتعبُ

*

لا يَــلمِسُ الــديكَ الــغبيَّ لخَشْيَةٍ

أنَّ الــوضوءَ بــلمسِهِ قــد يذهبُ

*

ويُــغَمِّضُ  العينينِ حتى لا يرى

عــوْراتِ أهلِ الحيِّ حيثُ يُعذَّبُ

*

ظــنَّ  الديوكُ الخيرَ عندَ إمامِهمْ

و هو المُخادعُ في الحقيقةِ يكذبُ

*

مــازالَ يــخدعُهمْ ويكسبُ وِدَّهُمْ

فــي كــلِّ ســانحةٍ لــهمْ يــتقرَّبُ

*

حــتى اِطْمَأَنُّوا والشكوكُ تَبَدَّدَتْ

بـــدأَ  الــلُّعَابُ بــثغرِهِ يَــتَصَبَّبُ

*

فــدعا الــدِّيوكَ الــصالحينَ لبيتِهِ

لــينالَ أجــرَ المُحسنينَ ويكسبُ

*

فــأتى الديوكُ الطامعونَ إمامَهُمْ

وبــطونُهمْ  أشهى الموائدِ تطلبُ

*

حتى إذا اكتملَ النصابُ فأُغلِقَتْ

كــلُّ الــمنافذِ واستحالَ المَهْرَبُ

*

جــعلَ الــديوكَ الأغــبياءَ وليمةً

بــعضُ الــمطامعِ للمهالكِ تجلبُ

*

لا يــخدعنَّكَ فــي الأنــامِ عِمامةٌ

فــلطالما فــيها تَــخَفّى الــمأرَبُ

*

لا يــخــدَعنَّكَ لــو تــغيَّر لــونُها

فــالــطبعُ دومــاً لــلتَّطبُّعِ يــغلبُ

*

فــي الــحيَّةِ الــرقطاءِ ســمٌّ قاتلٌ

وبــلونِها  بعضُ الفرائِسِ تَجذِبُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

مِنْ لا شيء... سيُولدُ كُل شَيء

تحتَ بقايا ظلِّ ياسَمينَة مُسافِرَة

إلى زمن ِ عَشتروت

ويُبعثُ نبيُّ الحبِّ من السَّماء

لِيكونَ شاهداً على غَرقِنا..

في أَمواجِهِ

بَينِي وبَينَكَ ...

شَهقَةُ بَحرٍ ..

وبعضٌ من أنينِ الحَواري

فتعالَ أيُها المَوج صَلِّ عَلينا

قبلَ العَودةِ إلى كُنْهِكَ

هَديلُ قلبكَ يُؤجِجُ حَنينِي

إلى تفاح الفِردَوس

فأطير إليكَ على جناح ِ شِفَةٍ

أطبِقُ أجفانِيَ على الغدِ بِحفنَةِ آمال

ترسمُ على رُوحِكَ حَوَّاء الخُلود

هل أنا على شَفا عِشقِك؟

أؤمِنُ بِكَ....

كنّْ حبيبي لِيكونَ لِعِطري عَبق

اِرْتم ِ في أَحضَانِي

هيَّا نغيبُ في الحُلمِ ويغيبُ فينا

نَبحثُ عَنْ المَطر

نتَوضأ بالنَّدى

كلُ نبضٍ وأنت رُوحي

أخبرَتني يَمامةُ الوَرد وفراشة السَّماء

بأنكَ تغازلُ شَفتيَّ

كل صَباح في غفلة نَحْلَةٍ

يا أميرَ النَخيل..

متى نَستَحِمُ في بُحيرةِ الشَّهد؟

***

سلوى فرح - كندا

 

لا أستنطقُ أحجارَ الموتىٰ

أتضرّعُ مَخدوعاً بنَزيفِ الكلِمات

هلْ أأسِرُ ذاتي

وأقدسُّ حنّاءَ الحيطان

أمسحُ بالدمعِ الأخرسِ فاحشتي

وأخبّئَ بين بلادةِ أدعيتي

وِزراً يتستّرُ بالخوفِ

فألعنُ ميلادي آلافَ المرّات

في كَهَفي المُبْتَلِّ بضَوءِ الآتي

تُنبؤني أطراسُ الحيطانْ

ألّا أتَعمّدَ بالأسماءْ

لا...

لستُ كمن يرسمُ في الرملِ طهارتَهُ

يمحوها في غفلةِ مفتونٍ بهوىٰ اللذّاتْ

لا أهوىٰ ظلَّ الأشياء

أبحثُ عن طرُقٍ يتَلَمسُّها العميان

لا أنشرُ في الصَحراءِ شراعي

وأُحَدّثُ عن عمقِ الماء

*

فلتَذْوي كالجرحىٰ الأيّام

ولينضبَ عذبُ سِقائي

فأنا أعرفُ أوديةَ العُمر

أحفظُ آثاراً لحَفيفِ السنوات

كقصائدَ في عذرتِها نَفَسُ الشِعر

كدليلٍ يقرأُ في لغةِ الصخرْ

من بذَلَ الآهاتِ هنا في الأمس

من حفَرَ الذكرى في هَوَسِ الوقت

فأسيرُ كراعٍ فوقَ عَصاهْ

كُتبتْ أسرارُ الهَمَساتْ

لي في السحرْ

وثنايا الزمنِ العاري ..

أطوَلُ باعْ

لن أرضى بذئابِ اليأس

وعَزاءِ الآه

تُخمدُ أنفاسَ الفَجرْ

لأعودَ وأندبَ كالثكلانِ

طَويلَ بقائي

***

عادل الحنظل

 

لنتفق من جديد

إنّي شاعرةٌ باذخةُ الحرفِ

تولدُ من رمادِ الكلماتِ

رقيقةٌ تنزفُ لأتفه الأسباب

وأنّكَ رجلٌ شامخُ الجرحِ

مخبوصٌ برغبةٍ اسميتَها قدرٌ

تُسقِط َألحانَك على دفاتري الحزينة

فيغني الشّعرُ لحن الصّبا

وهذه الأبجديّة شرِهةٌ لعناقِ الأفكار

تحمّلها الأيامُ خيشةَ الإثم

فتمضي مُتعبة كأوطاننا

وكلّما استعرضَ آدمُ جاذبيّة التّفاحِ في دمهِ

تكسّرتْ غصونُ البرقِ

ليهيمَ بما تبقّى من روحِهِ

ويوقدَ لهيبَ المطرِ في آهاتهِ

جاءَ في جرحِنا:

حينما تستريحُ السّماءُ يا ربّ النّرجسِ الملوّن

تتنزّلُ نجومُكَ على كتفيّ

فأعّدُ تراتيلَ سجودي إلى عينيكَ

لتأكلَ من خبزي الأبدي

ليس في جبّة الفكرة إلاكَ

معارجُكَ دهشةٌ وأدمعٌ

ملتحفٌ باتّساعِ البراري

مازلتَ في ابتسامتي الخضراء

حينما يلوّحُ الحنينُ بأكفّ النّخيلِ الحالمةِ

وإنْ تمرّدنا على اللغة

وإنْ خانت قلبَينا الحروفُ

لن تسقطَ كلماتُنا في فخّ الفراغِ

يا لهذا القلمِ المتّعقلِ بجنون

مرّةً ينامُ في ظلالِ الياسمين

ومرّة يرتّبُ أفكار سيزيف

أنتَ الآن تقرأ

كان عليكَ أن تموتَ كالفينيق

ومن المحتمَل أنّه لن يعجبك ماكتبت

ومازلتُ أبني من الحُطامِ آمالًا بيضاء.

يا قلمي الحبيب

كلماتي صوتُ رمحٍ شقّ الهواء

وشفاهها مُحاقُ التّوت

تراتيلُ حبّ مكتوبةٌ بدمكَ

سنكتب معًا حتى تشرقَ أعراسُ الظّمأ

ويرتعِش ميلادكَ كلّما أنشد الحرفُ

سنبقى معًا يا ترجمانَ المعاني

لن نفترقَ

إلاّ حين يصبح الخبز للفقراء أقدس من نصوصِ الحرّية.

***

ريما آل كلزلي

 

قبل أن يذهب الى المطار بيوم، اشترى قميصين، فكر بظبية توقهِ ألف مرة قبل الشراء، وعاد بهما الى بغداد.

زارتهُ بلهفة، دحرجتْ روحها على ملامحه الجديدة، كلما عاد، تترك بلادٌ كان فيها لمساتٍ ما على وجنتيه، ولأنها تحب هذا الشعور، ظلت تجيش بتلك القسمات ما قدرتْ، فلقد علمها السندباد الكثير.

أخرجا القميصين من كيسيهما بفرح الاعياد معا، وأرسلاهما للمكوى، القميص الاول بخطوطه الزرق، ملَّ من طول الانتظار، منذ يوم خياطته للان ورحلته في السوق من تاجر الجملة الى حقيبة مسافرعجول الى محل الكوي، شعر بالعزة لأنه جديد ولم يترفع وهو يركن مع قمصان أخرى لم تغسل بعناية، وكان يسكت أزراره عن الرغي مع أزرار الاخرين، خصوصاً تلك العائدة لنساء لا يعرفهن!

أحبَّ حبيبة صاحبه، شبّه عيونها بأزرار المعاطف في زمن الحب، ورجع بذاكرته القطنية الى ثياب مرتْ به، فلم يبتسم!

القميص الآخر، خطوطه من الورد استعارت روعتها، كان أكثر زهوا من ثياب هذه المدينة المغبرة وظلّ يُسمعُ من في المحل:

-" لا تملكون فرحي، فأنتم ستذهبون الى بقعٍ تنتظركم، وزحام الباصات المكتظة، أما أنا فقميص شاعر، قميص شاعر".

في الصباح عادا الى صاحبهما، ظل كلُّ واحد منهما يتمنى بطريقة ما أن يكون هو الاول في استقبالها، الأزرق له قوة رشف عطرها رغم الطاولة النائمة بينهما، ومن فرط فرحه، أسقط أحد أزراره تحت قدميها صريعا، وهي من الوله احتفظت بالزر خلسة عن الحبيب لينام في حقيبة حوت من الذكريات ما يميز المجانين عن غيرهم.

الزر في حقيبتها يعجب من لفافة تبغ تلفها بأحكام محارم بيض، وسأل بقية المناديل عن فحواها، فأجاب القريب منها بأنه يضم شعرات استلت من مشط صاحبه، فصاحبة الحقيبة مستها التولهات فصارت لكل تفاصيل الآخر خارطة فرح لامرأة ظلت متخبطة المشاعر حتى عتقتها النهارات بشاعر أرسلته عناية الصدفة المبدعة، فيما يسميه الجميع بـ (الوقت الضائع)، عداها.

تكاثرت الاسئلة الموجهة من زر أسقطه التماهي لولاعة سجائر، ظل صاحبها يبحث عنها، ولم تدفع به رياح الشك الى أن يعصف بأحد.

قميصان ينامان في دولاب مرَّغته الهدايا المضمخة، لتطرز قصة لا يريد لأحد منهما انهاءها، ظلا يسبغان عليها الاسماء التفافاً على بيت القصيد، كل العيون تعرف حتى تلك التي لا تشبه أزرار المعاطف والكنزات، ابتداءً من أول زر بعد الميلاد الى يوم القيامة.

***

سمرقند الجابري - العراق

من مجموعتي القصصية (علب كبريت) 2017

 

للسنوات قاماتها ومقاماتها..

هذه احدى مقاماتها يا سُعدى

***

التقينا خفقة بعد سنين

وعلى شاطئ صمت الذكريات

قد سرينا بذهول حافيين

ورقا دحرجنا طيش الخريف

واحتفينا بالمغيب غرباء

كظلال طحلبيّةْ

ومضت فينا الحياة

ـ اَتُغنّي..؟

سألت!

ضحك الماضي..

وفاضت بالدموع

الينابيع التي كنا كفرناها زمانا

في عمى ضوء النهار

وحسرنا جرة البوح وبللنا يدينا

بلهاث مخملي

ورمينا صولجان الأقنعة

وتعانقنا نجففْ

حرقة الدمع بجمر القبلات

***

طارق الحلفي

 

في دَفْتَرِ الْعُمْرِ أَعْوَامٌ تـَجوبُ دَمي،

وَيَسْتَبيحُ صَدَى ضَوْضَائِهَا قَلَمي

*

أَشْكُو،

وَيَنْزفُ أَوْرَاقاً، تُـهَدْهِدُهَا

في كُلِّ حَرْفٍ "كَذَا" شَكْوَى مِنَ الْأَلَـمِ

*

أُوَرِّقُ الطِّفْلَ هَيْمَاناً،

فَتَخْطَفُهُ يَدُ الْفَتَى اللَّا فَتَى الْمَكْلومِ بِالْـهَرَمِ

*

حَتَّى إذَا عَسُرَتْ كَفُّ الرَّبيعِ

صَحَا

يُسْرُ الْـخَريفِ عَلَى أَشْوَاطِ مُنْتَقِمِ

*

في أَوَّلِ السَّطْرِ

أَحْلَامٌ مُبَعْثَرَةٌ

أَشْوَاقُهَا مُنْذُ فَجْرِ الْآهِ لَـمْ تَنَمِ

*

وَفي الزَّوَايَا انْتِظَارٌ،

بَوْحُهُ قَلَقٌ مِنَ النَّجَاوَى،

يَصُوغُ الْوَيْلَ مِنْ عَدَمِ

*

وَصَفْحَةٌ قِصَّةٌ

يَنْتَابُـهَا سَفَرٌ

إِلَى الَّتي بِـهَوَاها تُبْتُ مِنْ صَنَمي

*

وَفي الْـحَوَاشي يُريقُ الصَّمْتُ أَسْئِلَةً

عَلَـى فَتًى بِارْتِكَـابِ الْعِشْقِ مُتَّهَمِ

*

وَبَيْنَ سَطْرٍ وَذِكْرَى صُورَةُ امْرَأَةٍ

سَـمْرَاءَ،

ينْسَابُ رَهْواً بِاسْـمِهَا قَسَمي

*

مَنْ.

مَنْ يـُخَـبِّـىُ خَدَّ الْغَيْمِ عَنْ ضَمَئي؟

وَمَنْ يُبَدِّدُ أَشْيَاءً تَـمَسُّ فَمي؟

*

رِيَاحُ حَوَّاءَ

مَا زَالَتْ تـَهبُّ عَلَى اغْتِرَابِ آدَمَ

مِنْ فودَيْهِ لِلْقَدَمِ

*

وَقَمْحُ بَسْمَتِهَا مَا زَالَ سُنْبُلَةً

يُغْري الشِّفَاهَ بِتَقْبيلٍ بِلَا بَرَمِ

*

قَدْ يَعْبَثُ اللَّيْلُ في ميلَادِ مُعْجِزَةٍ

وَقَـدْ يُفَهْــرِسُ أَرْقَـــامــاً مِــنَ اللَّـمَـمِ

*

وَقَدْ يُسَاقِطُ أَقْوَاساً عَلَى وَرَقي

لكِنْ سَأَبْقَى أُنَادي:

يَا دُنى ابْتَسمي

*

أَنَا الْـجَنوبيُّ.. وَالأشواقُ تَسْكُنُني

مِــنْ بَسْمَــةِ الْــوَرْدِ حَتَّى دَمْعَـةِ النَّــدَمِ

*

أَنَـــا الْعِرَاقِـــيُّ أَحْبــو الْعُمْـرَ أَرْغِفَــةً

لِمَنْ يُفَتِّشُ عَنْ مَأْوًى، وَمُعْتَصَمِ

*

زَهْواً أُمَارِسُ طَقْسَ الْعِشْقِ مُذْ نَثَرَتْ

حَـــوَّاءُ قُبْلَاتـِهـــا حَلْـــوَى عَلَــى حُلُمي

*

أَهْوَى،

وَأَغْزلُ بَوْحَ النَّخْلِ أَجْنِحَةً

بِـهَا يـُحَلِّقُ طَيْرُ الْكَدِّ لِلْقِمَمِ

*

فَلْيَكْتُبِ الْوَهْمُ. وَلْيَقْرَأْ طَلَاسِـمَهُ

أَقولُ: كَلَّا، فَدُمْ في حَسْرَةٍ الـ "نَعَمِ"

*

غَيْظي عَلَى الْكَـوْكَبِ الرَّفَّافِ

صَوْتُ رِضًى،

وَأَنْتَ في دَرَكِ الْبَلْوَى أخُو الصَّمَمِ

*

غَداً تَغورُ بـِجَوْفِ الْأَرْضِ دونَ هُدَىً،

لكــنْ سيُبْصِرُ سُكَّــــانُ السَّمَـــا عَلَمـي

***

شعر عبد الكريم رجب الياسري

من مـجموعتي " حين يـحتفل القصب"

 

– إلى أين أنت ذاهب ؟ ألا تخشى شيئًا أيها الشاب .. إرجع إلى بيتك فورًا إرجع …

كان ذلك المساء قد تحدر من وراء الكثبان الرملية، التي بانت بلون العقيق اليماني القديم وهو يضفي مسحة من الجمال يصعب وصفها وخاصة حين يمتزج اللون البرتقالي المحْمَرْ للشمس وهي تختفي بين تلال الرمال المتموجة كالأفعى..

– ولكن، لماذا ياعم ؟

– إشششش، أسكت، لكي لا تسمعك أيها الأبله .. فهي في هذا الوقت تخرج .. لتجفف شعرها وتمشطه على حافة ذلك البئر.. ولكن ما ان تسمع دوي العجلات حتى تختفي في القعر .

– عن أية عجلات تتحدث، وعن أية فتاة تخرج لتجفف شعرها … قاطعه ..

– أسكت، ألا تسمع الدوي يقترب، إنها عجلات تدور وتلف ذهابًا وإيابًا نحو البئر، إنها لا تكف عن الدوران، ومن الصعب أن تعرف الأتجاهات من كثرة الخطوط والتقاطعات.. ولكن بحدسي أعرف من أين تبزغ الشمس وإلى أين تغرب .. أسمع جيدا أيها الشاب، في الليل تبدأ العربات تسير تحت جنح الظلام بسبب حرارة الرمل عند الظهيرة .. ولكنك لا تراها، رغم أنها تحمل فوانيس معلقة تتأرجح لتنير الطريق إلى البئر.. وفي الصباح لا ترى هناك سوى خطوط العجلات تتقاطع ورائحة نفاذة مقرفة سرعان ما تتناثر بفعل الرياح، ولكنك لا تعرف من أين جاءت وإلى أين ذهبت .. إنها محنة التيه في صحراء الذاكرة حين تغيب عنها الحقائق وتتجسدها الأشباح التي تحوم ليلاً حول البئر.

وقبل أن يفتح فمه ليسأل …

– إياك يابني أن تذهب إلى هناك، إياك ؟

وتابع يقول .. في الحقيقة أريد أن أهمس في اذنك .. عند الصباح لن ترى شيئا هناك سوى هالة تتحلق فوق الآبار لونها أبيض مغبر، وفي الليل لا ترى في السماء أثرًا للنجوم .. وإذا أردت أن تراها .. فهي تخرج عند الشفق وقبل الغسق تجفف شعرها وتمشطه لبضع دقائق ثم تختفي في القعر.!!

صعق الشاب وهو يستمع بدهشة عن عجلات ترسم خطوطا على الرمال وحورية تخرج من البئر لتمشط شعرها وهالة تحجب نجوم السماء في الليل.. وتساءل ..

– نعم فهمت ما تعنيه أيها العم … وقبل أن يكمل ..

– لا، إنك لم تفهم شيئًا أبدًا مما قلت .

– ولكن، كيف عرفت ذلك بحق السماء ؟

– لقد عرفت من شرودك ومن عينيك .. إنك أساسًا لم تكن معي لتفهم .. وعلى أي حال، هل تريد أن تفهم ؟

– نعم أريد أن أفهم، ولكن، قل لي ماذا تقصد بأن ألتزم الصمت وأن لا أجعلها تفزع وتختفي في جوف البئر.؟

– وهل تريد فعلاً أن تقترب منها؟

– نعم، أريد أن أراها وهي تجفف شعرها؟

– وهل أنت شغوف لرؤيتها ؟

– نعم ..!!

– ولكن، قد لا تكون جميلة .. قد تكون في هيئة لا تطاق؟

– ألم ترها أنت من قبل؟

– رأيت شبحها فقط ثم اختفى حين بدأ دوي العجلات يقترب.!!

– يقولون، وقبل أن يكمل …

– من هم ؟

– وجهاء القوم هناك .. أن هذا البئر قد ألقيت فيه الكثير من الجثث، حتى أن دماؤهم القانية طفحت وراحت تنساح بين الوديان والكثبان، وتلقفتها الرمال وابتلعتها في جوفها ولم يعد لها من أثر.. ولكن البئر ظل ساكنًا بالدماء القانية ثم تحول لونها إلى اللون الأسود، ومع ذلك قيل أنها تخرج لتجفف شعرها الفاحم كالليل البهيم .. هل فهمت ؟

أطرق رأسه إلى الأرض وأخذ يعبث بإصبعه في الرمال دون أن ينبس بكلمه …

– أاااه، ياإلهي، إنك لم تفهم شيئًا مما قلت .. لماذا يا بني، ماذا جرى لك؟

– فهمت ما ترمي إليه يا عم، ولكن أود أن أسألك هل العجلات التي تأتي مزدحمة صوب البئر تحمل براميل فارغة أم إنها عجلات فارغه لا تحمل غير الصرير؟

– الآن، أدخلت أصبعك في جحر الأفعى !!

– ولماذا تحتسب إن الأشارة هنا مخاطرة؟

– أسكت من فضلك أسكت .. لقد ظهرت الآن، دعها تكمل، ولم يتبق على هبوط الليل سوى دقائق معدودات قبل أن يقترب صرير العجلات لملء البراميل .. إن حارسة البئر لا تستطيع منعهم .. هل تعلم انهم لصوص محترفون.. يكتسحون الأسوار دون إعتراض .. قل لي، هل تعرف من دبر رمي جثث القتلى في قعر البئر طيلة هذه السنين الطوال حتى قبل أن تولد أنت وأنا ومن قبلنا، وهل تعلم متى تكف العجلات عن الصرير والدوران ليل نهار حول البئر؟!

– أعرف إنك بدأت تفهم، نعم، حين يختفي اللون الأسود من ذلك البئر؟

– ولكن كيف تعرف أن البئر لم يعد فيه شيئًا سوى الصدى وصفير الريح؟

– نعم، أعرف حين لمْ تعد جنية البئر تخرج لتجفف شعرها عند مغيب الشمس .

***

قصة قصيرة: د. جودت العاني

05/12/2023

 

يمتلك العالم الفضاء الشاسع، وأمتلك أنا حريتي هكذا علمتني الايام وانا أجوب فضاءات بلد الضباب.. لندن التي لم اكن اتخيلها إلا من خلال عيون أناسها، فبعد ان طفت الشوارع وميادين الساحات المليئة بالاشجار والاحراش والكثير من أصائص الزهور التي اجدها على الكثير من الشرفات، لاح لي شرفة جذبتني زهور اصائصها المنسقة بشكل يريح النفس مما دفعني للفضول كي أرى صاحبها او صاحبتها فلابد انه شخص مرهف الاحساس، فعمدت الى الركون على حافة سياج الشرفة انظر بحذر لربما صاحبها يمتلك قط أو كلب مدلل يفقد عقله حين يراني فيلتهمني.. على اية حال لحظات وانا اقترب شيئا فشيئا من الاصائص وجدت ان باب الشرفة مفتوح وهناك ليس بالبعيد عنها اريكة تجلس عليها سيدة تمسك كما يبدو لي كتاب بيد ومسبحة بيد أخرى.. فجأة ادركت انها ليس من أهل لندن، لابد انها عربية من خلال ما ترتديه، لقد أرتني الحياة حتى حين كنت صغيرة وأنا اجوب الاجواء مع أمي اشاهدهم يختلفون كثيرا عمن يعيشون ارض هذه البقعة من الارض.. لست هنا بصدد التمييز لكني شعرت أني وجدت ضالتي هكذا قالت لي نفسي..فنزلت بعد ان تأكدت ان هذه السيدة لا تمتلك اي حيوان أليف يمكن ان ينجس بيئتها النظيفة.. لا تستغربوا فإن الله جعلنا ندرك ونحس ونعلم لكن لا مجال للتحاور مع البشر إلا من خلال التعاطف او الإيحاء.. كما اوحى للنمل والنحل من قبل.. فليس معضلة او امر صعب..

شاءت الاقدار ان تنهض هذه السيدة وتتجه الى الشرفة، فطرت من امامها خوفا.. فوجدتها تتطلع لي بحنو ورغبة في التقرب مني.. ابتعدت في اجواء محيط شرفتها انظر الى ما تفعله، فوجدتها تمسك بابريق الماء تسقي الزهور التي كانت متراصة بشكل جميل وحسب الالوان منها الاحمر، البنفسجي ،الارزق والاصفر والابيض بدا لي انها في وسط عالم صنعته لنفسها كي تحياه عبقا مغاير لما تشمه من روائح مقرفة نتيجة عوادم السيارات المارة او من رطوبة الجو وبخار مجاري المياه الاسنة.. اعجبني تصرفها حين خرجت الى الشرفة كانت قد لبست الكمامة.. هذا يعني انها انسانة واعية هكذا عرفت عن العرب انهمم اناس يتطهرون في اوقات خمس كي يعبدوا الله الخالق.. لهم تسبيحهم كما لنا نحن معشر الطير والشجر والصخر وكل ما يمكن الانسان ان لا يتخيله هو يسبح لله.. سيدة يشع العطر منها كما يشع من الزهور حتى اني ما عدت اميز بين عطرها الذي ترتديه وعطور الزهور التي تعتني فيها بشكل يغريني لان اقترب واعايشها..

الغريب انها كانت تلاحظني وتحركاتي دون ان تشعرني بذلك، وسرعان ما وجدتها تضع لي صحن ممتلئ بالماء وبعض حبات من الرز.. لا تسألوني كيف اعرف ذلك؟ لاني اعرفه بالغريزة فعالمنا ايضا فيه انواع الاطايب او هكذا خُلقنا لا نأكل سوى الطيب من الطعام..

اسابيع مرت وانا في كل صباح اراها تطل مشرقة كما الشمس حين تفتح شباك شرفتها وبيدها قطعة من قماش فتقوم بمسح سطح ورق الزهور بعناية فائقة تمسح الندى كأنها دموع فاضت لمعاناة ما.. تعاملهم مثل اطفالها..لربما لأكثر من نصف ساعة او أكثر كنت انا قد تعودت على كرم ما تجود به ويزداد في كل مرة حتى تجرأت ودخلت فضاء بيتها فاستقريت الى نفس حافة الاريكة التي تجلس عليها لتشاهد ضوء الحياة وهي تناجي ربها الذي تعبد من خلال مسبحتها والادعية التي ترددها.. يا الله!! ما اجمل الانسان المؤمن بالله الممسبح له الذي يعترف بأنه مخلوق من أجل سبب لا تعلمه نفسه لكن بالتأكيد يعلمه من خلق تلك النفس.. الكثير من المرات اكون حزينة لأني اراها تتألم لما تعانيه من مرض علمت بذلك فلم امتلك سوى الدعاء لله، شكل يدفع انينها بي الى ان اطير احلق الى السماء ارجو من الله ان يرحمها ويخفف عنها بما تكرمني وبما تكرم تلك الزهور من عناية.. فكل ما تقوم به يجازيها الله عليه.. احببتها حتى بت اتجول في منزلها واغيضها في بعض المرات لكنها تعاملني بشكل ودود احببتها كثيرا حتى الزهور في تلك الاصائص قالت لي في ذات مساء، كنت قد تسللت اليها لاشم عبق انفاسها دون ان اشعر سيدتي .. نعم باتت سيدتي التي اعشق وهي تشرب فنجان القهوة التي تعده بنفسها بتؤدة ثم تجلس قبالة الشرفة بل في وسطها وهي تناجي ربها في قلبها.. يا الله ما اعظم صبرها ورضاها بقضاء الله وقدره.. ها انا اليوم وبعد عام ونصف برفقتها لم اجدها تغضب او تتململ، أو تسب او تشتم او رافضة معارضة قدرها.. بل مُسَلَمَة لخالقها بحمد وشكر، قانعة بإختبار الله لها احوالها، ما يريح نفسي اني احببت ان أصنع اسرتي الى جانبها كي تحظى بالطمأنينة فوجدت اصيص فارغ لم تستخدمه في شيء، فعمدت الى تهيئة عشي مع من احببت ان يكون رفيق حياتي.. الى ان فاجأتها وانا اجلس على افراخي.. رأيت السعادة على محياها وازداد اهتمامها بي وعنايتها لي.. فحدثتني الزهور وحتى الاصائص اننا نعيش حلم الحياة جنة بعيون سيدة مسلمة كأنها آية من تلك الآيات التي يصنعها الله كي تكون علامات واشارات ان الخير والسلام برغم الغربة وعذابها وفراق من نحب ضريبة لغاية لا يعلمها سوى من خلقنا بإرادته ووضع لنا الوسائل الغير محرمة للوصول الى الغايات التي من شأنها أن تجعل الحياة عالما مسالما رغم اشباح الوحدة ووساوس الشياطين، لكن أين للشيطان ان يجوب أناس تتطيبوا بعبق إلهي مرسل بنبي الرحمة وآل بيته الطيبين الطاهرين.

***

عبد الجبار الحمدي

فــي الـعَـدل،ِ تــزدهـرُ الأقــوامُ والأمـمُ

وفــي خُـطى الصَفْـوةِ، البغضاءُ تـنهـزِمُ

*

لاطـائـفـيّــة، لا تــفــريــقَ فــــي زمَــنٍ

قــد كـان رأيـُك، فـيــه الحَـسْـمُ والحَـكَـمُ

*

فـــي قـولِـك: الناسُ صِـنـفـان فـإمـا أخٌ

فـي الدِّينِ، أو فـي صفات الخَـلْقِ يَـتَّـسِـمُ

*

مـواقِــفٌ، شَــهـد الــتاريـــخُ رِفْــعَـتَـهـا

وخــلّـدَتْـهــا، بــقـرطـاسٍ لـهـا، الـقِــيَـمُ

*

لمّـا فـدَيْـتَ رســولَ الـلـه، مُــلـتَـحِــفــا

تصدّعَ الـقـومُ، حـــتى بــانَ مَــكـرُهُـمُ

*

وكــنــتَ، لـلخـلـفـاء الـراشــديـن، يَـداً

وناصراً، حــين تُـسْـتَـدعى بــك، الهِمَمُ

*

آنَـسْــتَ بــيـن قُــلـوب الـمســلـميـن، بما

أوصـى بــه الـلـهُ، لا زَيـْـفٌ ولا وَهَــمُ

*

مـــا دارَ طـرْفُــكَ، إلّا الـحَـقُ هـاجِـسُـهُ

والحـقُ صِنْـوُكَ، مـوصولٌ بـــه الـرَحِـمُ

*

لـلـتِّـبْـرِ أمْـنِــيــةٌ، فــــي أنْ تُــقَــلِــبَــه

يَــداك، حــيـث تَـباهـى الـسـيفُ والـقـلـمُ

*

حــتى السِــراجُ بـبـيـت الـمال صار لــه

حديثُ حــــقٍ، بـــه الأمـثـالُ تُـــخـتَــتَـمُ

*

أكــرَمْـتَ كــلَّ يـَـدٍ، الـعَـوْزُ ألجَـأهــا

حــتى وأنــت تُـصَلـي، نالـهـا الـكَــرَمُ

*

والـمَعْـنَـويَّـةُ قـــد فَــعَّـلــتَ هــاجِسَـهــا

فـي نَـفْـسِ مَـن قـد غزاهُ الوَهْـنُ والهَـرَمُ:

*

فـكان عـدلك، فــي قــوْمِ الـمسـيـح لـــه

صدىً يُــعـززُ فـــي الأخــلاق نهْـجَهُـمُ

*

لــِذي الـفــقـار اقــتـِرانٌ فــيــك، أرَّخَــهُ

مـا كـلُّ سـَــيـفٍ، بــه الهاماتُ تَــنْهَـدِمُ

*

بـه، قطعتَ جــذورَ الشِـركِ، مُـرتَـجِـزاً

واسـتسـلمَ الخَـصمُ، لا ســيـفٌ ولا عَـلـمُ

*

تَــزلزَلَ الخَـصمُ، فـــي (بَـدرٍ) وأرَّقَـهُـم

قـبـل الطِعـانِ فـتىً، فـانهـارَ عَــزمُــهُـمُ

*

طـيّـبتَ نَــفْــسَ رســول الله، حـيـن دعـا

في (خندق) الحَـسْـمِ، حيثُ الحربُ تَحتدِمُ

*

زَهْــوُ الـرؤوس تَـهـاوى بـَعـدَ مُـعـجِـزةٍ

بـ (بابِ خـيـبـرَ) أوْدَتْ، واخـتـفـتْ قـِـمَـمُ

*

إنّ الأنـاةَ ونــهْــجَ الحِـلـمِ، إنْ جُــمِـعَـتْ

كـما أشَــرْتَ، فـفـيـهــا الـعِــزُّ والــشمَـمُ

*

والصَّـمْتُ إنْ لاءَمَ الأجْواءَ، يَسْـمو بهـا

والـهَـذْرُ آخِـــرُه ... الإحْــبـاطُ والــنَـدَمُ

*

فـي سِــفْـرِ نَـهْـجِــك، للأجـيـال مَـدرسَــةٌ

تَـبْـني الـعُـقـولَ، وفــي أرجـائهــا نِـعَـمُ

*

الخُــلــدُ لــلــعـلــم، والآدابُ تَــصــحَــبـُـه

(أيـن الأسِـــرَّةُ،والـتـيـجـانُ)، والــخَــدَمُ

*

عَـقـلٌ بــلا أدبٍ، مِـثـلُ الشــجـاع بــلا

ســيـفٍ، وقــولـك هــذا مــنه نَـغْــتَــنِـمُ

*

بــلاغـة الـقـول، للـفـرســان مـوهـبـة

والمقـتـدون بـهــم يـسـمـو ســلـوكُـهُــمُ

*

بَـلغْـتَ فــــي صِـلةِ الأرحـام مَـرْتَــبَــةً

مَـن ســارَ سَــيْـرَك، لـم تَـعْـثـرْ به قَـدَمُ

*

طـمْأنْــتَ أنْــفُـــسَ أيــتـامٍ، جَـعـلـتَـهُــُم

يَــرَونَ فــيـك أبـاً، يـَـجْـلـي هُـمُـومَـهـُمُ

*

أوْصيْـتَ: أنْ يَسْـتَـشيرَ المرءُ مَنْ وثقتْ

بــهِ العُـقـولُ، ومَـنْ بالـرأي يـُــحــتَـرَمُ

*

لـمّا الخِـلافــةُ قــد حـيَّـتْـك قــلــتَ لـــهـم :

بــسـيرة المصطفى، الأجــواءُ تـنـسـجـمُ

*

ناديــتَ : إنّــي بــجُـلـبـابــي أتــيْــتُــكُــمُ

وفـــيـه أخـرُجُ، حيث الحــقُ والـنُـظُـمُ

*

اسْـتـهـدَفـوك بـبـيـت الــلـهِ، إذ غــدَروا

ما اسْـتمكـنوا منـك فـي حـربٍ، لها ضَرَمُ

*

إنّ الشــهـادةَ قـــد عَـــززّتَ رُتْـــبَــتَــهـــا

إذ قلتَ : فُــزْتُ، وفــــيما قُــلـتَــه قَـسَـمُ

*

العدلُ يَعْـلـو، فـطُـوبى لـلـذيـن سَــعَــوا

أنْ يَــقْــتَـدوا، لِــيَـزولَ الـظُـلْـمُ والـظـلَـَمُ

***

(من البسيط)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

حواريات الطب والأدب

دَعْنِي أُحَدِّثُ عَمَّا قِيلَ فِي العَرَبِ

يَا مَن تَأَرْجَحَ بَيْنَ الصِّدْقِ والرِّيَبِ

*

قَوْمي نِيَامٌ بِظِلِّ اليَأْسِ يُثْقِلُهُم

ذُلُّ الهَزيمَةِ فِي دَوّامَةِ العَطَبِ

*

مَا يَنْفَعُ الشِّعْرُ والْأَقْلامُ فِي وَطَنٍ

يَقْضي اسْتِعارًا كَفِعْلِ النّارِ بِالقَصَبِ

*

مَا يَنْفَعُ الصَّوْتُ والتَّهْريجُ فِي حَجَرٍ

أَوْ يَنْفَعُ الزَّهْوُ فِي أَرْحامِ ذِي الكُتُبِ

*

قَالُوا وَقَالُوا وَمَا زَالَتْ مَآثِرُنا

حَرْفًا تَمطَّى وَحرفًا صِيغَ مِنْ كَذِبِ

*

قَالُوا وَقَالُوا وَلَيْتَ الفِعْلَ دَيْدَنُنا

مَا فَرَّقَ القَوْمُ بَيْنَ الجِدِّ واللَّعِبِ

*

كُفّوا مَديحًا فَقَدْ مَلَّتْ قَرائِحُنا

وَمَلَّتِ الْعُودُ مِنْ طَنّانَةِ الطَّرَبِ

*

مَا أَنْتَ شَيْءٌ وَلَا واللَّهُ فِي مَلَأٍ

مَا صِرتَ شَيْئًا عَدَا مَا كَانَ مِنْ حَسَبِ

*

دَاءُ العُروبَةِ يَسْري فِيكَ مُذْ عُقِدَتْ

هَذِي النِّطَافُ، وَلَكِنْ دونَمَا غَضَبِ

*

كَانُوا وَكُنَّا ، وَهَذِي نَغْمَةٌ بَلِيَت

الصَّمْتُ أَمْثَلُ مِنْ نَفخٍ وَمِن لَجَبِ

*

هَلّا اعْتَذَرتَ مِنَ الأَيْتامِ فِي وَطَنٍ

مِنَ الضَّحَايَا إِذَا تُهْدَى إِلَى اللَّهَبِ

*

هَلّا نَظَرتَ شِفاهَ الطِّفْلِ إِذْ رَجَفَتْ

بَيْنَ الرُّفاتِ وَأَهْوَى الشَّيْخُ كَاَلحَطَبِ

*

تِلْكَ الوُجوهُ تَهَاوَتْ بَيْنَ حَيْرَتِها

حَتَّى أَصَابَتْ كِبارَ القَوْمِ بِالعَجَبِ

*

مَاذَا يَهِيجُكَ يَا ذَا البَأْسِ إِذْ صُدِعَتْ

مِنَّا القُلوبُ وَشِيبَ العَظْمُ بِالعَصَبِ

*

هَلْ أَرْعَبُوكَ بِقَتْلٍ؟ ذَاكَ مَقصَدُهمْ

خَارَتْ قُواكَ وَمَا أَعْذَرتَ فِي الطَّلَبِ

*

ظِلُّ الأَعاجِمِ يَبْقَى خَيْرَ مُرْتَكَنٍ

لِلْخَائِبِينَ، مَلَاذًا شِيدَ مِنْ كُثُبِ

*

أَنَّى غَضِبتُمْ، أَ غَيرُ المَوْتِ مَوْعِدُكُمْ؟

شَرُّ المَهالِكِ مَا كَانَتْ بِلَا سَبَبِ

*

فاخْتَرْ مِنَ المَوْتِ مَا تَحْيَا بِهِ أَبَدًا

عِنْدَ الكَريمِ فَغَيْرَ الخَيْرِ لَمْ يَهَبِ

*

صَمْتُ الكِبارِ إِذَا مَا فِتْنَةٌ صَدَحَتْ

عَارٌ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ الصَّمْتُ مِنْ ذَهَبِ

*

قُلتُم: صَبَرْنَا، وَعُقْبَى الصَّبْرِ مَرحمَةٌ

مَا نِلْتَ شَيْئًا وَفِي ذَا الأَمْرِ لَمْ تُصِبِ

*

صَبْرُ الكِبارِ عَلَى ضَيْمٍ وَمَنْقَصَةٍ

مِنَ الصَّغارِ بِغَيْرِ الذُّلِّ لَمْ يَـؤُبِ

*

صَبْرُ الحَكيمِ قَرارٌ صائِبٌ وَبِهِ

تَزْكُو النفوسُ وَتَبْدُو حِكْمَةُ الأَدَبِ

*

كَمْ قَدْ صَبْرَنا وَمَا نِيلَتْ مَطالِبُنا

حَتَّى وُطِئْنا مِنَ الأَقْرابِ والجُنُبِ

*

(صَكُّ المُرورِ) دَليلٌ فِي مَهَانَتِنَا

وَالأَعْجَمونَ كَأَهْلِ الدّارِ بِالرُّتَبِ

*

إِنِّي اشْتَفَيتُ فَلَا خَوْفٌ يُؤَرِّقُنِي

إِنِّي اكْتَفَيتُ مِنَ اَلْأَشْجانِ وَالكَأَبِ

*

لَا لَا تَلُمْنِي فَإِنِّي مِنْ أَسَى العَرَبِ

ذَابَ الفُؤادُ، فَصَمْتًا أَيُّهَا العَرَبي

***

بقلم: د.علي الطائي

أنت الآن وحدك

ووحدك الآن أنت

حجر في صحراء منسية، بلا أنس أو أنيس

موجة في نواة عاصفة مخنوقة بالملح

تطحنها الرياح ويفتتها الرذاذ

وردة يتيمة في جليد، تلفحها سوافي الثلوج

تجمدها البرودة، فيكسرها النباح

يحملها مجهول في قوس قزح

يواريها سُدًى عبثي الملامح

حولك الضباب والرماد والفراغ

الضياع والتيه والخواء

خلو وغياب وخلاء

كأنك بلا جذر، بلا جذع، وفرع وساق

بلا رجل أو ساعد، بلا زند ولا متن

ظِل يسير في ظلام

هكذا تقول عنك البوم يوم زواجها

وهكذا يوم رحيلها تعرفك الغربان

**

أنت الآن وحدك

بلا قلب بلا همس بلا صمت بلا صوت

ووحدك الآن أنت

بلا روح بلا خفق بلا ضحك بلا دمع

فيك تجتمع القرى والمدن

وفيك تتفرق عواصم، أبحر ومحيطات

مثل فضاء بلا سقف أو سماء

وفضاء يعوم يغوص يسقط يركض

يسبح يهرب يفر يقفز يثب

يحن يئن يرن يشتاق يتلهف يبتل

ينشف يتندى يتقلى يمطر يجف

يدور في فضاء من دوار

مثل حجر في مئذنة مهجورة في نواة زلزال

تضربها الشمس ويغشاها البعد، يمسكها الغياب

غادرها التوق مزقها الشوق هجرها الوجد

وكأنها حلم كامن في هواجس من رؤى مصفدة

صماء بكماء عمياء، بين صبر وصبار

بين نور تلاشى، اندثر، اندرس، باد

وبين نار ولهيب وأوار.

**

وأنت لوحدك

بين ذاتك وذاتك

بين أناك وأناك

تَلَمًس الشوك القادم من القادم

من الماضي والحاضر

الحاضر والماضي

بأنامل من عتاب حسرة ولوعة

كان عليك يوم كنت وحدك

أن تتقن كيف تعشق ذاتك

كيف تذوب في أناك

فذاتك ليس لها إلا ذاتك أنت

وأناك أنت ليس لها سوى أناك

حكمة الوجود فيك تناديك

تسألك أن تعتق الوحدة بالوحدة

تخلطها بصحارى الملح والرمل والثلج والصخر

بنكهة الصبر المحمول على ناقة خلوج

بشذا الشيح والحنظل

بمذاق شهد السدر والآس

برحيل الأغنيات من وتر النسيان

ببحة الناي بين أنياب الثغاء

**

أنت كنت هناك، وحدك

منذ البدء، قبل ميلاد الدنا

قبل نضوج الغابات والهواء والرحيل

بين حجب ظلمات ثلاث

كانت في حجب ظلمات ثلاث،

وفي حجب من حجب ظلمات

تمسك الغيب، تنقله، تزحزحه نحو المجهول

بأنامل من عجز مكلل، مجلل، مثقل بالعجز

مثل حبة رمل نفختها الآماد

خبأتها في قلب عاصفة، دوامة هوجاء

حشرتها في قطرات غيمة عابرة بين سدف من ظلام

أسقطتها في قاع محيط يمسكه الدخان

تحملها الشمس في بخارها، تسافر، تهاجر

تتلوى، تختنق، تشهق، تزفر، تضج، تطير، تحط

تضحك، تبكي، تفرح، تحزن، تيأس، تقنط، تزحف

تركض، تحبو، تقف، تُشل، تحن، تأمل، تسقط

في حبة ثلج يخطفها جليد مسكون بالصقيع

**

وحدك كنت

وحدك أنت الآن

ووحدك ستكون في كونك، يوم التكون

يوم التكوين، يوم انفجار البراكين

تهاوي الزلازل، غرق البحار والأنهار والمحيط

نقطة بيضاء في كفن أسود

نقطة سوداء في كفن أبيض

تتحرك، تتوالج، تتواشج، ترشح، تفيض

تنحسر، تنشف، تتيبس، تتحطم، تتشظى

تتلاشى، تتناثر، تتكسر، تتثنى، تتجعد

تتغضن، تتقصف، تتقصل، تتجزع، تتقطع

تلتحم، تلتصق، تشتد، تستد، تنتظم، تتصل

تقف بين حائطين واحد من نار والثاني من جليد

بين ربيع يبكي، وخريف ينوح، صيف يفح، وشتاء يزخ

رحيل عودة، وعودة رحيل

حضور في غياب، غياب في حضور

وكأنك خرافة، ترتجف حين تمسها الأسطورة

أو سحر، ينتفض من تعويذة

ضياع غير مرئي، سراب يخادع ذاته

ويخدع سرابا ينادي سرابا في السراب

لماذا تركت النجوم تختفي في جيب غيمة؟

ولماذا تركت روث الجمال يسافر بعاصفة رمل؟

وجلست تعد الكواكب، وتحصي الرياح

كأنك لم تقرأ حروف الوقت أو تتقن حوار الزمن

مع الموج المرفوع من الأعماق نحو الشمس

ولم تدرك زيز الظلام وهو يغني كالبجع أغنية الوداع

لم تدرك سر الحرف فوق شواهد القبور

سر الحزن فيها، معنى الرحيل من الذكريات

وجع اللحن وحنين الأغنيات

**

أنت الآن وحدك

تحمل رايات يومك الماضي

أشرعة يومك الذي أنت فيه

ورجفة يومك الموصوف بالغيب

مثل فريسة تطلق قوائمها للريح

تلتف، تلتوي، تنعطف، تتقوس، تدور

في عينيها يسكن الموت والحياة كتوأمين لا ينفصلان

تماما كما أنت بين ليل ونهار

أنت والليل، سكون على نصل هاوية تصعد نحو قمة

وقمة عمياء في قلب هاوية زرقاء تبحث عن سوادها

هنا قوس من نار وسخام ودخان وسناج

وهنا ماء مالح، أجاج، داكن، قاتل

بينهما نهار سريع الخطى

يدق جدار الحلم بناصية من شمع وصلصال

بيدك آفاق مفتوحة، آماد ممدودة، فضاءات مشحونة

وعلى شفتيك، تقف الأسئلة، ثقيلة، لزجة، دبقة

كيف؟ ومتى؟ أين، لماذا؟

كيف مزجت ذاتي بأناي؟

متى نبتت دالية في قلبي الصغير؟

أين رحلت بيوت النمل؟ وخلايا النحل؟

لماذا بقيت مع وحدتي وحيدا مع الوحدة؟

وحيدا يتوحد باللاشيء؟ بمجهول مهاجر في المجهول؟

كأنين ناي بكى ثغاء نعجة بين أنياب الذئاب

كذكر عنكبوت قادته شهوته نحو غلمة فاغتاله الشبق

**

رأيتك قديما، في تكون الحمأ المسنون

تحمل السنابل وهي خضراء، صفراء، ذهبية

تنثرها بين القلب وقرب الفؤاد

ترويها من الحلم المزروع في دماء الكبد

تغنيها وتنشدها، قصائد تحملها العواصف والرياح

تنثرها بين الرمش والجفن، صبايا من خيال مخصب بخيال

إناث من شهد مصفى، يذوب في النسيم

يٌلهب الذوق، يٌؤجج الخفي المتخفي فينا بالخفاء

يفتح نافذة التوق والشوق والمشتهى

يخض الغيب والمجهول، يرج السحر الكامن في النواة

يكوي بركان الإحساس ويصهر الشعور

نعم رأيتك، بين السواقي والروابي والسهول

حبة خردل يتيمة، خشخاشة بين ليمون وبرتقال

شوكة أسيرة بين حنون ودحنون

حيرة تتناسلها حيرة معتقة بحيرة

تطارد الوهم بالتيه، تلاحق الضلال بعُتُوّ وضياع

ترسم بالظلال نهاية الطريق المعبد بسؤال غابة عذراء

عن دوائر البداية في متاهات السيقان

وعن همسات الليل وسط هيبة السكون

وحشة الوحدة، رعب الهسيس، هول الحفيف

عن شبح انشق من حجر، انفلق من صخرة مبللة بالعتمة

بالعين رأيت ضربات قلبك معلقة بين فحيح ظلمة

وعواء دجن واقبه، مشلولة، كسيحة

تعضها نسمة دفعها غصن مجوف تسكنه الخنافس

يغزوه العفن وتدمره الطحالب.

**

لم تكن وحدك، هنا، وهنا، هناك، وهناك

في الشمال في الجنوب، بين الحدود وبين السدود

كنت أنت أنا، وأنا هو، وأنا أنت، وهو أنا، وأنا أنا

هناك أنت وأنا، نقطف اليأس من حقول الألم

أنا وهو نحصد اليتم من رحم قهر مخضب بالمحل والجدب

أنا وأنت نجني ثمار الذهول من خيوط الشمس

هو وأنا نرشح كما قلة الفخار في سهول البعث

عقم الولود وهي تئن من طنين النحل في العيون

أنا وأنا نفيض كالنهر في سحب مسحوبة من ودق مالح

قلت وقلنا، هتفت وهتفنا، صرخت وصرخنا،

صحت وصحنا، جلجلت وجلجلنا، عججت وعججنا

عليك كي تخرج من فم النملة، من جناح بعوضة

أن تتعلم أول حروف النطق والسمع والبصر والرؤى

أن توقن بأن اللغات كلها في الأرض وبين الكواكب

في المُهل، في التزحزح، في التردم، في الانهيار

في القبر، في البعث، في البرزخ، وما بينهما

وما قبلهما، وما بعدهما، وكل ما في الكل

أن تتقن لغة البحث عن النجاة كي تستطيع البقاء

البقاء على حافة خيط برق مولود من رعد

وعليك أن تتقن لغاتك القادمة من أناك، من ذاتك

فالعين رغم إبصارها يخدعها اللون

والصوت رغم دويه تخدعه الرياح

لكن الروح التي فيك

المعبأة بالحدس، المكتظة بالفراسة،

المحملة برائحة البداهة

لا تُخدع بالرياح والألوان، ولا يُقلدها الصدى

هي أنت وأنا، هي أنا وأنت، أنا وهو، وهو وأنا

هي أنا، وأنا وأنا.

**

مأمون أحمد مصطفى

 

1- في هذه الاونة

في هذه الاونة سنخلع جلودنا

ونتكيء على جدار من الرغبة

الموشاة بالزمرد وبالعقيق

فنحن ليس لدينا سوى بريق من

الامل الاخضر الخالي من مثالب

الشوك العوسج والحنظل وفي هذه

الزاوية من  العمر سنخلع كل عباءات

الخوف والمكر والخديعة عنا

كي نجلس تحت دالية الروح مبتسمين

**

2 - الامل المزدوج

الامل المزدوج هو ديدننا كما مرايا

الوقت الموشاة بعقيق الصبر والحكمة

فها هي عصافير الرغبة البيضاء تزقزق

في حقول احلامنا اذن فلنرفع ايدينا الى

قوس قزح الصباح والشفق الازرق

ونقول خاشعين ايها المطر ايها المطر

اهطل اهطل على نوافذ قلوبنا

**

3 - البهاء الاعرج

البهاء الاعرج لا يفيد احدا ولا يفيد

العصفور الهدهد والعندليب ولا يفيد

ايل الروض الفسيح وغزلان الحقول الخضراء

فالبهاء الاعرج البهاء الاعرج لا يفيد احدا

بل عنادل البريق الزمردي ستدخل قلوبنا

مغردة ومنشدة انشودة الكينونة الخضراء .

***

سالم الياس مدالو

لا بـأس مـن الـجـرائـم بـيـن وقـتٍ وآخـرَ

كـجـريـمـةِ عـدمِ تـعـطـيـري خِـزانـةِ فـسـاتـيـنـي ..

فـسـاتـيـنـي الـتـي تـنـادي فـيـكَ حـاسَّـة الـلـمـس ..

*

أنـا أُزيِّـنُ روحـي بـفـاكـهــةِ الـدنـيـا

لألـيـقَ بـشـفـتـيـك

بـعـد أنْ أدلـلـهـا بـشـفـتـيَّ الـمـحـتـرقـتـيـن

ولـسـانـي الـمُـرتـجـفِ الـمـسـكـيـن

*

مـنـذ زمـنٍ

وأنـا أخـبِّـئُ عـنـهـم سِـرَّ شـروقِ الـشـمـسِ

مـن نـحـرٍ مـرَّتْ بـهِ شـفـتـاك

*

ومـاذا عـن خـطِّ الإسـتـواءِ الـمـشـتـعـلِ حـول خـصـري؟

مـا الـذي تـعـرفـهُ عـن بـحـرِكَ حـيـن يـطـوّقُــه؟

وكـيـفَ تـكـبـرُ خـطـوطُ الـطـولِ والـعـرض

لـو اشـتـعـلـنـا كـثـيـرًا

حـيـن يـنـتـصـفُ الـلـيـلُ فـي مـداراتِ جـنـونـي؟

*

قـل لـلـنـهـارِ إنَّ الـقـنـدَ لـن تـفـيـق

ولـن تـقـولَ لأحـدٍ غـيـرِكَ لـمـاذا ..

فـهـذا الـبـركـانُ خـانَ الـنـارَ

حـيـن اســتـهـانَ بـحـبـكَ لـحـظـةَ بُـعـدٍ

دفـعَ الـتـوبـةَ بـالـقـبـلات!

*

يـداكَ أجـمـلُ حـيـن تُـغـمِـضُ جـفـونَـكَ

لـتـبـحـثَ عـن مـدنِ الـكـرَزِ الـتـي أُخـفـيـهـا!

فـلأنـنـي سـكـنـتُ فـيـكَ:

كـدتُ أنـسـى أنـنـي كـنـتُ يـومـًا

مـن سُـكّـانِ الـكـرةِ الأرضـيـة!

*

كـلـمـا سـألـونـي عـنـكَ

أُجـبـتُ:

إنـه مـاءٌ عـلـى مـاء!

***

سمرقند الجابري

تراقص الشنب

وتحته الخطب

*

هذا يقول غزّتي

و قال ذا النقب

*

الكل في ضجيجه

من دونما سبب

*

متى يكف غاصبٌ

أباد واغتصب!؟

*

متى يعود شعبنا

لموطن العرب!؟

*

متى نعيش فرحةً

و ينطفي اللهب!؟

*

متى على ديارنا

يثوى أبو لهب!؟

*

فقد رأينا طفلةً

مقطوعة العصب

*

تشكو إلى إلهها

أدمغة الخشب

*

ومن أتت بجيدها

تسير بالحطب

*

الكل يا عروبتي

يحكي على العرب

*

ولا أرى من بينهم

من يحسن الأدب

*

يسطّرون فوقهم

مختلف الرتب

*

لا يطلقون طلقةً

في صدر من غصب

*

يطبّعون كلما

يُعطى لهم ذهب

*

وكل من تهزّه

غيرته أنتحب!

***

رعد الدخيلي

 

قبالة الحقول المخضرة وقفت

كأن طللا بها يسكنني  حد التلف

تغريني فتنتها بقول الشعر

يغريني صمتها بالسفر

هنا بين أحضانها الحالمة

نمت أحلامي  كزهر اللوز

هنا بين ضفافها المطلة على النهر

تعلمت السفر كغيمة خلف أسراب الطيور

هنا بين وهادها وأغصانها المورقة

تدفقت حروفي  ورؤاي كينابيع الماء

فسرت خلفها هائما

كأني عاشق شردته

بساتين النعناع

وحقول القمح

وأشجار التين والتفاح

وحكايا الجدات

فكيف أنسى  ضفافا علمتني

سحر القول وبلاغة الشعر

وكانت داليتها المخضرة

قطفوها دانية

تظلل  الفؤاد ومياه النهر.

***

عبد الرزاق اسطيطو

تظل جوالة في الحي من مطلع الفجرالى غروب الشمس،عنها لا يغيب مار عن نظر، حافية بلا نعل يستر لها قدما أو يقيها صلابة الأرض في قيظ او وحولها في شتاء، ساقان قصيران كقصبتي المكانس غطاهما الوسخ و الوحل وقد تشقق على القدمين كمعدن غاسول الشعر في سطوح النساء الفاسيات حين يجف من ماء. كل ظفر في قدمها كمخلاب نسر، ويل لمن حاول ان يتقرب منها بسوء او من قططها الثلاث بشر ما تحتضن وما يقتعد كتفيها فمخالب اليدين سلاحها قد تأتي على خد أو وجه بكامله..

تعرف الرائح والجاي، ساكن الحي القديم والوافد الجديد،تقرأ الوجوه بدءا من العينين بفراسة تدقق في شكل الوجه وكأنها تستبطنه، تذكر أسماء الجميع بالاسم واللقب والكنية بل منهم من تحتفظ له بسجل عن ماضيه..

لا يستطيع أي طفل ان يشاكسها بشر اومنها يتقرب بسوء، وصية من والديه، فالولية أم القطط كما يطلق عليها الصغار والكبار ربما جنية تتسيف في صورة آدمية..كم من طفل حاول مس احدى قططها بعنف فانصرع اواصابته حمى، ومنهم من غاب بلا اثر.. لكن بعض الأطفال كانت تعاملهم بغمزة من عينيها او بسمة تفتح لها فمها فتظهر لها بقايا أسنان نتوءات سوداء بعد ان تتدلى شفتها السفلى وكانها تنفك من حصار عن العليا..

اذا انزوت لاكل او راحة في أحد الأزقة أو الدروب لا يهمها ان ينكشف جسدها كلا اوبعضا، أن تواري سوءة أو تتركها بلا ستر فهذا ممالا يدخل في قيمها ولا اهتمامها؛ فلا احد قد يقترب من جنية وسخة نتنة تحرسها قطط ثلاث، روائح لا توقر انفا، وقربتان متدليتان من صدرها كبالونات هواء قد انسحب منهما

 ريح، اما الفخدان فهما امتداد لقصبتي الساقين لا اثر فيهما لعضلة أولحم، مجرد أخاديد قد غطاها التراب بعضها فوق بعض، عظمان كساهما جلد بني وسخ موحل..

لا تمد يدا بسؤال لاي عابر لكن قد تقف بباب دكان فتُقضى لها حاجة بغير سؤال ولا تأخد الا ماكانت في حاجة اليه..

حين ضاع احد أبناء الحي وطال غيابه قام الحي عن بكرة أبيه يبحث عن ابنه الضائع، طفل حسن الجسم سنيع، أبيض، رقيق اللون في عينيه حور..

قالوا خطفه "الطلْبَة" من يتنقلون بين الاحياء بحثا عن الكنوز، كما اتهموا المرأة أم القطط جوابة الحي بمسخه، وقالوا بقي في الكتاب مع الفقيه ولم يظهر له اثر.. حتى السلطة وبعد بحث دقيق حارت في كيفية غياب الطفل الوديع والذي ما ثبت ان اساء لأحد أو اقترف سوءا في غيره..

كادت أم الطفل أن تفقد عقلها،فهو وحيدها، وهو ما اسعدها به حظ بعد ان عنست ولم يكن من نصيبها غير عسكري فرنسي تزوجها بعد أن اشتغلت لديه خادمة وحملت بعد علاجات مكثفة من أطباء في مستشفيات مشهورة ونساء لهن تجربة في مجال الحمل والولادة بالعلاجات الشعبية.. فقد الطفل اباه قبل أن يرى النور في عملية فدائية وكان نصيبَ أمه بعد وضعها، البيتُ الذي تسكنه وذهبٌ منهوب كانت عينها عليه في صندوقة حديدية قد شق لها زوجها مكانا في صالون البيت قبل ان يغطيه بزليج بلدي في توهيم دقيق..

يئست المرأة من العثور على وحيدها فما تركت شرطة ولا دركا ولا عيونا من عيون السلطة الا توسلتها وأغدقت عليها مما خلفه زوجها لكن بلا نتيجة فالطفل قد تبخر، تبدد وله ضاع أثر..

طرقات خفيفات على الباب ذات ليلة خبا صحوها، تفتح الأم الباب واللهفة تطويها لتجد نفسها وجها لوجه امام أم القطط والتي لم يسبق لها أن طرقت باب أي بيت، ارتعبت المرأة خوفا لكن أم القطط دعَّتها جانبا ودخلت طالبة منها سد الباب خلفهما ؛ لم تنتظرأم القطط اذنا بل تقدمت وقد أمسكت يدها بذراع صاحبة البيت الى أن وصلتا البهو، جلست أم القطط وضغطت على يد المرأة لتجلس بجانبها:

ـ مالك مرعوبة؟.. لست شيطانا ولاغولا، أنا امرأة مثلك لكن لكل منا في الحياة فلسفة، وجهة ونظر.. ما وقع لك قد فرك صدري، خلفك وخلف من أوهموك بمساعدة كنت أتسقط أخبار ابنك..هو موجود حي يرزق لكن عجلي قبل ان يقع له ما حدث لغيره..

شهقت الام شهقة كادت تفقد معها روحها، فوضعت أم القطط كفها على فم الام وشرعت تقرأ بصوت أجش هو لصوت الذكورة أقرب

ومعايشهم وعواقبهم ليست في المشي على عوج

لتكن من السباق اذا ماجئت الى تلك الفرج

 تبادرين الآن الى كهف النسور،وسأكون خلفك لكن بعيدة عنك، قريبا من احدى المقابر ستجدين حفرة اشبه بكِناس الظبي تقتحمين الحفرة،لا تخافي فصاحبها غادر للبحث عن صيد جديد قبل ان يتخلص من طفلك، فكي الرباط عن ابنك وعودي من حيث أتيت،و أنا من سيقوم بالباقي..

ضجتان في يوم واحد قريبتان في الزمان بعيدتان في المكان:

حامل تضع مولودها ليلا لتفتقده صباحا..

 هو أول وضع لها، بفضله بعد أبيه قد عانقت الحياة وخرجت لتتنفس الدنيا بعد حياة بؤس وشقاء في حي هامشي، دخلت خادمة في بيت رجل أربعيني سافرت زوجته لزيارة طبيب نصحها به أخوها المقيم في بلاد المهجر لاجراء عملية جراحية حول انسداد في عنق رحمها بعد سنوات من العقم والخوف من الطلاق..

تعلق الزوج بالخادمة لجمالها فطلبها وبادر بالعقد عليها..

عادت الزوجة لتجد نفسها امام اختيارين : الطلاق او القبول بضرة، وأمام واقع الامر اشترطت السكن لوحدها وبعيدا عن سكنى ضرتها فلبى لها الزوج ما ارادت..

صدفة نسبية جعلت الزوجتان تحملان في نفس الشهر بل ويكون الوضع في نفس الأسبوع..

ظلت الزوجة الأولى بعد أن وضعت بنتا تتسقط أخبار ضرتها وقد استشاطت غضبا ونفثت الغيرة والحسد اثرها حين علمت ان مولود ضرتها الخادمة المعدمة ذكر قد يجعلها لدى الزوج أوْلى، وعنده حظية..

اغرت إحدى قريباتها برشوة معتبرة بالتسلل الى مستشفى الولادة وبدل ان تغير القريبة مولودا بآخر أخذت الذكر وسلمته للزوجة الأولى ومن هذه أخذت مولودتها ووضعتها في صندوقة قمامة بعيدا عن البيت..

احترقت أم الطفل حين افاقت لتجد سرير ابنها فارغا، سألت وأعادت السؤال فلا احد يشفي صدرها برد..

الحديث الذي كان يدور بين الممرضات ان المولود المفقود كان ذكرا وكانت له وحمة تميزه في فخده الأيمن..

قطط ثلاث تجوب المستشفى لم يسبق لأحد أن رأى مثلها، تموء بحدة وكانها تحس توترا غير مفهوم، ثم لا تلبث أن تغادر المستشفى لتحاصر إحداها سارقة المولود و عنها تأبى ان تبتعد رغم الركلات التي كانت تكيلها السارقة للقطة في حين أن قطة ثانية ظلت تلازم الوليد تلعق رأسه وبه تتمسح مثيرة قلق زوجة الأب التي احتارت في وجود قطتين في بيتها لاتعلم من أين تسللتا..

ـ "فأل سيء أن تتسلل هذه القطط الى بيتي وتلازم راس هذا الوليد"

تقبل أم القطط، ترافقها القطة الثالثة وقد اقتعدت على الكتف الأيمن لأمها وكأنها تراقب الاحداث من برج عال..

لم تحتج الشرطة وقتا طويلا لمعرفة الحقيقة بعد ان أخرجت أم القطط طفلة القمامة من تحت ردائها تضعها في سرير الوليد الذكر ثم تحمل المولود ذا الوحمة في فخده الأيمن، ولا تلبث أن تنسحب بوداع ونظرة حادة لسارقة الطفل وقد اضافت أم القطط بين أحضانها حملا غير قططها، مولودا ذكر أمه لهفة انتظار..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

بلهاء وإن ادّعت خلاف ذلك

صرخة

ما أن أُطلقت

حتى

تربّص بها

خوف

جنته على خطوتها

مذ تمنته تحليقا

وغاب عن بالها

مكر

تلك الخيوط الواهنة...

لتتقاذفها العثرات

فخديعة

بعد خديعة

وكبوة

من بعد كبوة

ولا مآل لأنفاسها اللاهثة

سوى

هوة سحيقة

تتمتم ساخرة:

إيه أيتها

البلهاء

يا من تمنيته تحليقا

هلمّي

فأسلافك في الانتظار

***

إبتسام حاج زكي

 

جلست في حديقة وحدتي..

أرسم صورتكِ..

على رغوة فنجاني..

أرتشف مع القهوة رضابكِ..

وأتحسس تحت أسناني فصول خيبتي..

أتنفسكِ مع كل النسمات..

لعلها داعبت يوما من الأيام صفحة وجهكِ..!

وأرسم بالندى.. لوحة لشواطئ عينيك..

أحدق في الفنجان مقتفياً خطوطه..

ها قد.. وصلتُ الى مضارب شفتيكِ..

*

بدوي انا.. لا اعاقر خمرا..

سوى رشفات من قهوة..

حمّصتها يوماً بين أشجار" الغوطة" سرّا..

خبأتها بين الضلوع لموعد غربتي..

أرتشفها فوق صهوة غيابكِ ،

وأسبح في فنجانك وكأنه نهرٌ..

اجوب صحاري الوحشة ، ألتمسُ لجنوني عذرا ..

أنادي على صعاليكها ، فيجتمعون  من حولي  ..

لنغزوَ أقواماً مازالت تقتات مع الرمل غدرا..

وانا هناك.. خلف البحر ، وجبال الثلج..

اعتق قهوتي بين شفتيّ..

لتمدني من حلاوتها مرّا..!

تنتشي الروح ، فتردد ألحاناً..

تذكرني "بورد" حمص ، و خيبة "ليلى"

طيفكِ لم يزل  هاهنا .. تعشّق مخيلتي..

يردد قصائد حب كتبتها يوماً على جدران "مرج عذرا"

وأمنيات من نعيم أخاله سحرا..

**

سقط الفنجان من يدي..

تناثر من حولي كحلاً  بلون مقلتيكِ..

انحني ألملمه بأناملي..

فيشعُّ سنى وجهك من بين بقاياه كأنه فجرٌ..

أنتقي الكلمات ، وأهلوس بها مع العصافير ..

فيرجع صداها صامتاً ..

ولسان حالها : كن حذراً فان خريف عمرك

تأججت ناره جمرا..

***

جواد المدني

كانت سعادته لا توصف حين دخل المنزل وبلهفه ينادي (يمه.. يمه)، بين يديه قفص داخله طائر صغير، شكل الطائر وحجمه والزغب الذي يكسوه يدل على أنه قد فقس توا من البيضة؛ له منقار احمرٌ صغير معقوف نحو الأسفل، اشبه بمنقار. ببغاء..

دوما يعيد ويكرر سؤاله لي، لماذا لم تنجبي لي اختا او اخا، توقفنا عن الإنجاب لمرض أصاب والدك وبه توفاه الله، تاركا امك شابه متوشحه في السواد، جمحت رغباتها، وأدت احلامها قبل ان ترى النور...

من حينها لم تدخل السعادة منزلنا، لم افكر بالزواج من رجل اخر بعده.. ربما وجود ذلك الطائر سيمنح البيت حياة جديدة للمنزل ويخفف ولو قليلا من الوحشة والفراغ الكبير الذي لازمنا طويلا . سألته:

ـ لم جلبته صغيرا هكذا وحرمته من امه! ؟..

 ـ كي ينشأ اليفا غير مؤذ فلا أكون مضطرا لقضم منقاره الصغير حين يكبر، هكذا يتم تربيه هذه الأنواع من الطيور، إنه جميل جدا، سترين ذلك بنفسك حين ينبت له ريش ملون وذيل طويل، كما وانه يتميز بذكاء عرف به حين يكبر قليلا. انا على ثقة كبيرة انك ستحبينه و تعتادين على وجوده.

حين يكون ولدي خارج المنزل، كنت من يقوم بإطعامه ورعايته، لم تكن العملية سهلة، بل كان علي أن اخفف له قليلا من القمح المطحون مع الماء في أنبوبة زجاجية رفيعة برأس معقوف خصصت لهذا النوع من الطيور، أقدمها له كطفل رضيع متحاشية قدر الامكان لمس منقاره..كنت اشعر بمتعه كبيرة حين اقوم بذلك..

سريعا تمر الأيام، وتنقضي اربع أسابيع، صار بإمكان الصغير ان يلتقط الحب بمنقاره، و له نبت ريش بلون فيروزي جميل كساه وأعطاه شكلا مميزا، كانت له عينان دائريتان اكتحلت بهالة سوداء احاطت بهما ونظرات حاذقه ملفته لكل من ينظر اليها.. اعتاد الطائر ان يأكل من يدي وصار يميز شكلي جيدا و يحلق نحوي سريعا حين اترك له باب القفص مفتوحا ويحط على كتفي وكأنه يهمس بأذني ويود أن يقول لي شيئا، كنت حريصة على ان أعيده لمكانه حين انتهي من إطعامه، حرصا عليه من ان يطير للخارج سعيا وراء الحرية، او خوفا من أن يصبح وجبة دسمة للقط الذي كان يتربص به من خلف زجاج النافذة.

ذات صباح سمعت صوت اهتزاز وضربات قادمة من القفص!!..اسرعت نحوه كان الطائر مضطربا، يصفق بجناحيه وكأنه يحاول الخروج، ربما كان جائعا، احكمت غلق النوافذ وفتحت له باب القفص، طار مسرعا كعادته وحط فوق كتفي، وضعت له حفنه من حبوب الحنطة، حوَّل راسه نحوي ممتنعا عن الكل وراح يتسلل بقدمية الصغيرتين بين خصلات شعري، شعرت وكانه مازال صغيرا وبحاجه لامه، وفكرت ربما حين يكبر قليلا سيكون بحاجة الى زوجة، اطال المكوث ساكنا دون حراك، كلمته:

ـ (كوكو) ـ كما اطلقنا عليه ـ، هيا أخرج كفى لعبا!

حاول الاختباء اكثر ممتنعا عن الخروج، نجحت في سحبه واخراجه ثم إعادته الى القفص، في صباح اليوم التالي أخرجه ولدي من قفصه كي يطعمه ويلعب معه كما يفعل كل يوم قبل ان يذهب الى مدرسته، لفت نظري هدوئه! متسائلة: كيف لا يكون بهذا الهدوء حين أطعمه انا؟

ـ أمي ربما انك تخيفينه، ألا ترين كم هو لطيف!!؟؟..

 صمت وأكملت شرب الشاي. أصبح الطائر يشغل تفكيري حين بدأت تتكرر تلك الاشياء الغريبة التي يقوم بها، وخصوصا حين يزداد اضطرابه ساعيا للخروج من القفص كلما أحس بوجودي ولو من بعيد وكأن له انف كلب مسعور يشم به عطري.. قررت أن احكم اغلاق باب القفص بشريط كي لا يخرج لكن هالني ما رأيت! فقد حل الوثاق بمنقاره وطار نحوي كمن يباغتني وكأنه يستأنف هجوما على عدوه من جديد، حط على كتفي مخترقا خصلات شعري كما كان يفعل سابقا، الجلد من تحت شعري يقشعر، يواصل سيره نحو ظهري مخترقا الثوب الذي ارتديه، شعرت أن مخالبة الصغيرة أصبحت كمخالب نسر كبير راح يغرسها في ظهري بشدة، صرخت بشكل هستيري صرت ادور واقفز مذعورة وحدي في المنزل محاولة اخراجه، قوتي تركزت في يدي، أخلع ثيابي عن جسدي، كي اتخلص منه ثم نجحت في إمساكه، صرنا انا والطائر نحدق في أعين بعضنا، قبضت عليه بكفي ورميت به نحو الجدار، وقع مستلقيا على الأرض، حدث ذلك في طرفة عين!!.. راح يحرك قدمية بالهواء وينظر نحوي، بدت عيناه كعين بشر، ارتبكت لدرجة لم اعرف أينا قد هجم على الاخر انا ام الطائر، بعد أن هدأت وتأكدت من انه لم يعد يقوى على الحراك، اعدته بحذر الى مكانه واغلقت باب القفص عليه، قررت أن لا أخبر ولدي بشيء كي لا أتسبب بقلقه وحزنه، منذ ان حدث لي ما حدث أصبح الطائر قليل الحركة وقليل الطعام..

 شغل تفكير ولدي واحزنه حاله كثيرا متسائلا:

ـ امي الا تعلمين ماذا أصاب (كوكو)؟

ـ ومن أين لي ان اعرف ربما قد يكون مريضا..

 خيم الحزن والكأبة على ولدي، بعد مرور يومين وجدنا الطائر مستلقيا على ظهره متيبسا ميتا، وجحافل النمل تتقدم نحوه تغزو جسده...

كنت اسأل نفسي: هل كان يستحق نهايته أم مات مصابا بسوء ظن؟!!

***

القاصة: نضال البدري / العراق

 

أحياناً

يَقْرَؤني الدفترْ

بالمقلوبِ

ولا يتــــــــعثَّرْ!

*

أحياناً

يَبْحَثُ عن (لُقْمَةْ)

تَرْفَعهُ نيابةُ عن ضمَّةْ!

*

أحياناً

يُلْقي عصا العُمْرِ

في آخرِ

نُقطةِ حِبْرِ!

*

أحيانآ

كلبي يَنْهَقْ

وحماري يَنْبَحُ: أحمقْ!

*

أحياناً

تُجّــــارُ الدِّينْ

تَغْشَاهُمْ لَعْنة...أمينٰ!

*

أحياناً

يَمْنَعهُ مانعْ

حِفْظ النحوِ

بِنَعْتٍ (تابعْ)!

*

أحياناً

في المشفى تموتْ

دون عناية...دون تُخُوتْ

والأعجَبُ أن طواقِمَهُ

تَسْمَعُكَ.. تَرَاكَ وأنت تموتْ!

وعِلَّةُ ذلكَ يامَكبوتْ

أنكَ أغْبَرُ

ذو طِمْرَيْنِ...عَفِيفاً

لاتحمِلُ (مِحْفَظَةً حُبْلَى) ...

أويَحْمِلُكَ الكُوتْ!

*

أحياناً

يَنْتَفِضُ المَرْضَى!

*

أحياناً

في الغُرْبَةِ وطني

لا أقطُنَهُ...

بل يَقطُنني!

*

أحياناً

وطنـــــــــــــي يتمدَّدْ!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

29/4/2024

دعنا سيدي

نوشم الحروف بحر نارْ

ونكف عن هدر

قسم وفيض

عارْ

فحياتي كسكون الأكواخ

لم تتغيرْ

*

في حديقتي زنبقة

تحبل خطيئة

تتكررْ

ووشما مدفونا يثأرْ

سأرحل...

وأحمل معي لهيب تُرْبها

تسند سماء فوقي تزأرْ

أسائل عتبات الموج

عن سرها المُضمرْ

أكتنز عويل الريح

وأغربل غضبي نايا

يستعير وشوم غجرية

لأبدأ العدَّ  من العشرة

حتى الصفر

*

دعنا سيدي

نوشم الحروف بحر نارْ

ونكف عن هدر

قسم وفيض

عارْ

ولتفك قيدي

ولتسرجْ معصمي ينبوع

اعتذارْ

ودمْعا يتهجَّى الخلاص

بانبهار

أين؟ أين سنيني العشرْ

حصنُ شوْكٍ وظل

بيدرْ

لعنة قدَّتْ منْ جسْر

ألمٍ مبعثرْ

لقَدْ مضى عمْري

في روضته الورد

انتحرْ

بل وكلُّ وجع فيه أَزْهرْ

فكيف كيف كنتُ

لعمري أهْدرْ؟

لقد سئمت تنهد البحارْ

وفتك الاطْوارْ

لقدْ غدوتَ حقلا مسمًّما

لا ترجى منْه الثمارْ

وسماء تحتضن طيرا أبابيل

ترمي أفقي

حجرا من نارْ

صدِّقني أنت في ميداني

خاسر

مهما تقنَّعتَ بطوق

انتصارْ

أفعالك تغتال الجمالْ

كما جيش التتارْ

تحوك منْ صدر المدارْ

خططا وتبني الاسْوارْ

فأين أنت بالغ بهذا الاصرارْ؟

ألا ترى أني أركن أنفاسي

حدَّ الانهيارْ

أنصهر كما الخناجرُ الصدئة

حدَّ الاندثارْ

أحرق جبين النهارْ

وأصطاد لوحات فان جوخ

من حانات مالها

قرارْ

يحتطبني سرُّك المضمرْ

تُنْبِت رسائلك القديمة

همجية الغجرْ

تنبعث من زواياها

روائحُ عفنه

كما المقابرْ

وهي تراقص أحذية مبلَّلَه

تتجسَّأ لغة العسكرْ

فكيف استطعتَ أنْ تطبخ

كلَّ هذا الحذرْ

وتدوزن أنغام الصَّهيل

وتقود شطآنك نحوي؟

الملائكة تقود حتفها

نحو الهجير

اعتكفتْ لملايين السنين

على سطور المنبرْ

تركتُ ورائي رسائلك خنجرا

يحتضرْ

***

لطيفة أثر رحمة الله

 

"الى سيدي أمير المؤمنين، إمام المتقين

علي بن أبي طالب عليه السلام"

***

عـذيــري أنَّ فـردَكَ لا يُــعَــدُّ

جَـمَـعـتَ الـمـكرمـاتِ وأنـتَ فـردُ

*

وحُـزتَ الـحسـنـيـيـنِ: وصِـيُّ طـهَ

ولــلأطـهــارِ أنــتَ: أبٌ وجَــدُّ

*

فـمَـنْ ـ إلآكَ ـ بـيـن الـخـلـقِ شـقَّـتْ

جــدارًا كـعــبــةٌ لـِـيُــهَــزَّ مَــهـــدُ؟

*

فـلـسـتُ بــمـادحٍ شــمـسـًا بـقَـولـي

تـفـيـضُ سـنـىً فطـبـعُ الـشمسِ رَفـدُ

*

ولا مَـدحـًا إذا فــاضــتْ حـروفـي

وقـلـبـي فـيـكَ قبلَ الـثـغـرِ يـشـدو

*

فـمـا مـعـنـى قـصـيـدي لـيس فـيـهِ

الـى مـيـلادِكَ الــقــدسـيِّ قــصــدُ؟

*

لأنـتَ الـشـمـسُ لـكـنْ لا غـروبٌ

وأنــتَ الـحَــدُّ لــكــنْ لا  تُـحَــدُّ

*

ولـيـسَ سـواكَ يُـرجـى يـومَ عُـسـرٍ

ومـا لِـســواكَ ســـيـفٌ لا  يُــرَدُّ

*

وأنـتَ الـبـحـرُ لـكـنْ دونَ جَــزرٍ

فـبـحـرُكَ وحـدَهُ فـي الـجَـزرِ مَــدُّ

*

وأنـتَ فـتى الـحـنـيـفِ الـلـيـسَ يُـعـلى

ومُــورِدُ عَــزمِــهِ إنْ عَـــزَّ وِردُ

*

وأنــتَ بَـرودُهُ إنْ شــبَّ جــمــرٌ

وأنــتَ لـهــيــبُــهُ إنْ ضـجَّ بَــردُ

*

وعِــيــدُكَ وحـدَهُ لـلـظـلـمِ وعــدٌ

وعـهـدُكُ وحــدَهُ لـلـعـدلِ عَـهــدُ

*

وأنـتَ مـن الــنـجـومِ تــمـامُ بَــدرٍ

فـهــلْ مـجـدٌ كـمـا مُـجِّـدتَ مَـجــدُ؟

*

وأنـتَ الـسَّـحُّ والـتسـكـابُ غـيـثـًا (2)

وغـيـرُكَ غــيــثُــهُ بــرقٌ ورعـدُ

*

وُلِـدتَ مُـطـهَّـرًا فـي خـيـرِ بـيـتٍ

وخـيـرُ الـخـلـقِ مـنـه عـلـيـكَ بُـرْدُ

*

فـمـنْ ـ إلآكَ ـ مُـبـغِــضُـهُ كـفـورٌ

وعُـقـبـى عـاشـقـيـكَ جَـنـىً وخُـلـدُ

*

كـفـاكَ مـن الـشـجـاعـةِ أنتَ مـنـهـا

كـمـا " حـاءٌ " إذا مـا خُـطَّ "حـمـدُ "

*

كـسـيـحُ الـخـطـوِ غـيـرُكَ خـوفَ حَـتـفٍ

وأنـتَ كــمــا  ســيـولُ الـسـفـحِ تـعـدو

*

وأنـتَ عـلـى الـضـعـيـفِ الـرفـقُ صِـرفـًا

وأنـــتَ عــلـى شـــدائــدِهــا  الأشـــدُّ

***

أبــا  الـفــقــراءِ: شــكـوى فـاطِـمِـيٍّ

تـــمــاثــلَ عـــنــدَهُ: تــاجٌ ولــحــدُ

*

ولـي عـذري إذا عَـجَـزتْ حــروفـي

وألـجَـأنـي الـى " الـضـلِّـيـلِ " قــصــدُ (3)

*

" ولـيـلٍ " طـالَ حـتى قـلـتُ: دهــرٌ (4)

وصــبــحٌ غـابَ حـتـى قــلــتُ: وأدُ

*

أعـاديــنــا لـهــمْ مِــنــا عـلـيــنــا

يــدٌ تـسـطـو وأخـرى تـســتــبــدُّ

*

مَـشـيـنـاهـا ومـا كُـتِـبــتْ عـلـيــنـا

خُطىً مـا زانـهـا فـي الـمـشيِ رُشــدُ

*

ومـا دالــتْ بــنــا الــدنـيـا ولـكـنْ

ربــابــنــةٌ تـــزوغُ ولا نـَــردُّ..!

*

تـصَهـيَـنَـتِ الـعـروبـةُ واسـتـجـارتْ

مـن الـسـبـيِ الــمُـذِلِّ مـهـا ودعــدُ!

*

فهُـم فـي الـقـولِ "حمزةُ" أو "حـسيـنٌ" (5)

وهم في الفعلِ "حـرمـلـةٌ" و"هـنـدُ"

*

إذا تـشـكـو الـسـقـامَ الصعـبَ روحٌ

فـلـيـس بـنـافـعِ فـي الـبُـرءِ جِــلــدُ

*

ولـيـس بـمُـحـرقٍ شـمـسًـا لـهـيـبٌ

ولـيـس بـمـوهِـن الأقـمـارِ سُـهـدُ

*

ولـيس بـســيِّـدٍ  مَـنْ سـاسَ قـومًـا

إذا لــلأجـنـبيِّ الــوغــدِ عــبــدُ

*

فـكـلُّ تـبـاعــدٍ فـي اللهِ قــربٌ

وكـلُّ تـقـاربٍ فـي الـجـاهِ بُــعــدُ

*

تـهـشَّـمَـتِ الـنـفـوسُ فلا نـفـيـسٌ

ودكَّ صــروحَـنـا شَــتَـتٌ وكـيــدُ

*

فـكـمْ من " مُـلجِـمٍ " أخـفـى حـسـامًـا (6)

يــسـيــرُ بـهِ الـى الأبــرارِ حــقــدُ

*

فـمـنـذُ شُـجِـجـتَ رأسـًــا والـرزايــا

عــلـى أيــامِــنـا بـالــرزءِ تـعــدو

*

تـعـطَّـلـتِ الـكـرامــةُ واسـتـجـارتْ

عـروبــتــنـا وشــلَّ الـعـزمَ قَــيــدُ

*

فـمـا نـفـعُ الـكـتـائِـبِ دون حـزمٍ

يــسـيــرُ بـهــا إذا مـا جَـدَّ جِــدُّ

*

فـيـا جـبـلَ الـشـهـامـةِ ذا زمـانٌ

رثـى فـيـهِ خـنـوعَ الـسـيـفِ غِـمـدُ

*

فَـجَـرَّبـنـا الـمُـجَـرَّبَ وهو لـصٌّ

فـبـيـنَ صـبـاحـنـا والـلـيـلِ سَــدُّ

*

أبـا الـفـقـراءِ مـا جـاعـتْ جـمـوعٌ

إذا الـحـادي بـمـا أوصَـيـتَ يـحـدو

*

إذا جـاعَ الـرغـيـفُ فـأنـتَ قـمـحٌ

وإنْ عَطِـشَ الـنـمـيـرُ فـأنـتَ وِردُ

*

فـكـنْ يـوم الـورودِ شـفـيـعَ صَـبٍّ

بــهِ لــلــقـائِـكَ الــقــدسـيِّ وَجــدُ.

***

يحيى السماوي

................

(1) ألقيتُ القصيدة في مهرجان الإمام علي  بن أبي طالب  " ع " للإبداع الشعري في دورته السادسة والذي عُقِد برعاية المكتبة المختصة في كانون الثاني عام 2024 في النجف الأشرف .

(2) السح: المطر الخفيف .. التسكاب: المطر الكثيف الشديد الهطول .

(3) الضليل: امرؤ القيس .

(4) إشارة الى قول امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي .

(5) حرملة: هو الملعون حرملة بن كاهل الأسدي قاتل عبد الله الرضيع ابن الإمام الحسين وأحد المشاركين في قتل العباس عليهما السلام .

هند: هي الملعونة هند بنت عتبة والملقبة بـ " آكلة الأكباد".

(6) ملجم: هو الملعون عبد الرحمن بن ملجم الذي اغتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

 

الصمت..!!

كأني بها قد تمادتْ

على الصمتِ

كادتْ أنْ تصيرَ حصاناً مجنحْ ..

تطيرُ معَ الريح

عبرَ هذا الزمان الكسيح

أراقبُ سحنتها

وذاكَ الجمال الرصين

ولستُ أمزحْ..

غدتْ، تحرثُ الحقلَ

تسقي البساتينَ

وترسمُ للغيمِ أشكاله

تصبُ صباحاتها

ندىً عابقاً بالشذى

وقطعانها في السهلِ تمرحْ..

تلكَ قافيتي

وذاكَ نهاري

وتلكَ اغنيتي

وألحانها في اليمِ تسبحْ..

كأني أراها

عندَ خابية الزمان اللعين

تحتسي دمعها بصمتِ الحيارى

تنزُ دماؤها

في الهمِ تُسْفَحْ ..

وإني أشاكسُ نفسي

بقدحِ فؤادي

اغطي الهمومَ العوادي

ولستُ أبرحْ..

لعلي أراها بأحلامي الغافيات

نسيماً يراقصُ همسه

كالغيمِ يسرحْ..

نقياً بأشجانه

يشيعُ الجمالَ

كلاماً وهمساً، كغصنٍ مُقَدَحْ..

***

السفوح..!!

يا لهذا الجمال الرخيم

يا لتلك السفوح

وتلك الجروح

غدتْ أفواهها

من فرطِ إشهارها فاغرة..

تنزُ دماء تسيل

كأن لرجعها وقعٌ

تميدُ بها فكرة عاثرة..

تلك هي المحنة الجائرة..

على اعتابها

أبصر الصحو رائعاً

يبهج القلب

وبين حينٍ وحينْ

تداعبُ صحوها غيماتْ..

وما بينَ بينْ

تنداحُ من علوها نغماتْ..

ومن لحظها همساتْ..

لتمحو سنيناً من الهمِ في لحظاتْ..

يا فرح الدنيا

حينَ يغني القلب، تموت العبراتْ..

*  *  *

د. جودت العاني

01/ مايس /2024

ديكٌ يصيحُ ولا يَمَلُّ

وصخرةٌ تنكُرُ قُدوسَ المَطرِ

وأثمانُ دمٍ

ثَلاثينَ من فِضَّةٍ

على المَفارقِ تَنتَثِرُ

في داخلِه ثُعبانٌ يَجولُ

والنَّفسُ بالشَّرِّ تأتَمِرُ

بالأمسِ معي كانوا

وللمُعجِزات صَفَّقوا

واليوم وِزر مالم أفعل حمَّلوني

ولِحُكمِ إعدامي هلَّلوا

وذاك الَّذي بالأمسِ تقاسمَ جَسدي

وشرِب من دَمي كؤوساً مُترَعةً

عند طُلوعِ الفَجرِ

إلى قيافا سَلَّمَني

"من يأكلُ معي الخُبزَ

رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ "

عَجباً يَنكُرُني الصَّديقُ

وقاطِعُ طَريقٍ يُصدِّقُني

كَأنَّي ما مشيتُ على الماءِ

وما شفيتُ مَرضَاهُم

ولا أحييت مَوتَاهُم

ولا عُميانُهم أبصَروا

ببضعةِ دُريهماتٍ إلى الجَلَّادِ باعوني

ووسطَ أثَمَةٍ أَحْصَوني

ولي تُهماً من كُلِّ الألوانِ لَفَّقوا

"نفسي حَزينةٌ حتَّى المَوتِ"

"أهكذا ما قَدِرتُم أن تَسهروا معي ساعةً واحدةً ؟"

بالأمسِ أطعمتُهم خبزاً وسمكاً

واليوم هتفوا: اصلبوه اصلبوه

"من مِنكُم يُبَكِتُني على خطيئةٍ؟"

غَسلتُ أرجُلَهم

وصرتُ خادمَهُم

فأحكموا الوِثَاقَ حول عُنُقي

أنا النُّورُ وصَوتُ الحَقِ

لكِنَّهم أبداً ما عَرَفوني

وفي يومِ جُمعةٍ على خَشبةٍ رَفَعوني

"اقتسموا ثيابي فيما بينهم

وعلى لِباسي ألقوا قُرعةً "

أوصيتُهم أحبُّوا بعضَكُم

فأتقنوا الكُرهَ والحِقدَ اِمتهنوا

استباحوا مَقابرَ الأَجدادِ

وملايين المرَّات جسدي صلبوا

نشروا نيرانَهم

فوق رقابِ الأطفالِ

وبعثروا كّلَّ السَّلامِ الَّذي لَهُم تَركتُ

وسَقوا شَجرةَ الزَّيتونِ

ما تبقَّى مِن دَمي

طلبتُ منهم ألا يكنزوا

على الأرضِ مَالاً

فامتلكوا مَصارفَ

تكفي لِخزنِ كُلِّ أحزاني

وزادوا في جِراحاتي

وبي نَكَّلوا

غداً حين أعودُ

ماذا تريدون أن تكونوا

شُركاء نِعمةٍ

أَم مُستَحقي نِّقمَةٍ؟

ما أردتم سِوى ذَهباً ومَالاً

وأنا لا ذهباً أقتني

ولا مَالاً أمتلِكُ

لأنَّ مملَكتي

ما كانت يوماً من هذا العَالمِ

«أنتُم مِلحُ الأرضِ

وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ

فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟

***

جورج عازار

ستوكهولم السويد

 

عدت ذات مساء إلى بيتنا مسرورًا فرحًا، فاستقبلتني امي بابتسامة رضا ومحبة و.. تساؤل عيانيّ. قلت لها انني تعرّفت على انسان مهجّر مثل حالاتنا، صاحب دكان تذكاريات في وسط البلدة والله منعم ومفضل عليه. واصلت امي ابتسامتها، كأنما هي تطلب مني ان اوضح لها اكثر، فالقيت عليها محاضرة مطوّلة.. حاولت ان اوضح فيها ان هناك فارقا واتفاقا بيني وبينه، اما الفارق فانه يتمثل في انه في حوالي الخمسين من عمره.. متزوج من اجنبية، في حين انني في السابعة عشرة.. واعزب.. لكن إلى جانب هذا.. هناك ما هو مشترك بيننا، فهو يحب الفن ويمارس الرسم التشكيلي خفية وزهدا في الشهرة المزّيفة.. وانا احلم بان اكون كاتبا. اما ما يحيط بهذا كله ويتوّجه.. هو اننا نحن الاثنين من اللاجئين في بلادنا. استمعت امي الى محاضرتي باهتمام شديد، وقالت لي: انت من يوم يومك بتحب معاشرة الكبار.. بس انتبه ودير بالك. طمأنت امي. تناولت كتابا استرخي هناك قريبا مني وشرعت في قراءته، وعندما ابتدأ الظلام في الهبوط على بيتنا وعلى كتابي.. كان لا بد من أشعل القنديل واواصل القراءة.

بعد ايام توجّهت امي الارملة للعمل غسّالة في بيوت اليهود، فيما توجهت انا الى صديقي في دكانه، وقد كنت مستمعا له ومستمتعا به، حد انني احببت الا ينقضي الوقت، واقر ّان الجلوس اليه كان بمثابة قراءة اخرى في كتاب ذكي. ومضت أشهر وانا اتردّد على دكان صديقي ذاك، الى ان قال لي ذات جلسة إنه ينوي ان يسافر لزيارة اهل زوجته الأجنبية، فسألته عن الوقت الذي سيقضيه هناك، فرد ليس اقل من شهر.

بعد خمسة عشر يوما مررت بالقرب من دكانه ففوجئت به وقد جلس هناك في مدخلها على تنكته التاريخية العريقة، ووضع راسه بين يديه. ما إن رآني حتى هتف بي:

- جيت؟..

لم اجب ورددت عليه بنظرة متسائلة عن سبب عودته قبل انتهاء فترة رحلته المتوقعة.

-  هذه حكاية يطول شرحها..

أجابني وتلالٌ مشجّرةٌ بالحزن تطلّ من عينيه.

- ما الذي حدث؟.. هتفتُ به.

- ما حدث لا يتحمّله انسان. قال وهو ينظر إلى الفضاء الممتدّ امامنا في الشارع.

شعرت بنوع من الكرب، واجتاحتني حالة من القلق المشوب بحب الاستطلاع، ووجدتني ادخل في حالة من الصمت. بدا ان صديقي شعر بما شعرت به، فشرع في اغلاق دكانه، وأمسكني من يدي، لأجد نفسي إلى جانبه في سيارته، ولننطلق بالتالي إلى قريته المهجّرة الساكنة في روحه وقلبه.

اوقف سيارته بالقرب من عين الماء، الاثر الوحيد القائم من قريته. نزل من سيارته، سار وسرت وراءه، أمسك بزهرةِ نبتةٍ يابسةٍ وقذف بها إلى عصفور حلّق قريبًا.. طفرت دمعة إلى عينه، وقال لي:

-  لقد تدمّرت.. طرقت بابي نكبة اخرى.

ارسلت تجاهه نظرة متسائلة، في محاولة مني لتشجيعه على البوح وعدم قطع تسلسل أخيلته، فتجاهل نظرتي وسرح في فضاء قريته واشجارها وتمتم:

- لو بقينا هنا.. ما حدث كلّ هذا.

وجدتني اندفع هاتفا به:

- ما الذي حدث.. قلبي لا يتحمل أكثر.

- زوجتي رفضت العودة الى البلاد. قال كأنما هو يهوي بحمل ثقيل أرهق كاهله.

قال هذا وعاد يرسل نظرة إلى العصفور والزهرة. ويضيف:

- لقد فررت اوروبا كلها.. لا يوجد فيها لا زهرة ولا عصفور يشبهني.. خسارة..

ومدّ يده متحسّسًا ريش ذلك العصفور.. بحنو وحنان.

مضى الوقت بطيئا بين دمعة وذكرى.. ووجدته يتوجّه إليّ ونحن نستقل سيارته عائدين إلى ناصرتنا:

- انت بتحب كتابة القصص.. وبتحلم تكون كاتب.. صح؟

هتفت به دون ارادة مني:

- صح.

أضاف:

- انت بتحتاج لأجواء مريحة لكتابة القصص. صح؟

انتشيت:

- صح.

عندها نطق بما مهّد له:

- شو رايك تيجي انت وامك للسكن عندي.. بيتي كبير وبتسع النا كلنا.

اجتاحني شعورٌ حلوٌ، خاصة انني حلمت فعلا أن أغلب التهجير بالقصص، وها هي الفرصة تحين لأن أجد الوقت الكافي والنور الكافي للكتابة.

في طريق العودة الى بيتي، رحت أتصوّر ما سوف انعم به من راحة وهدوء بال، ووقت للكتابة، بل تصوّرت ان الله بعث لي أخيرًا ماري هاسكل*، في اهاب رجل فلسطيني لاجئ مثل حالاتي، واخذتُ امني نفسي بكتابة قصص تهز ّالعالم وتؤكد له ان طرد اهلي من قريتهم لم يقضِ عليهم وإنما فتح المجالَ بشكل أو بآخر.. لأن تزدهر في حديقتهم الف زهرة.. وغابة من الاحلام. تمنيت لو ان الطريق قصر لأصل إلى بيتنا في حي الصفافرة، بأسرع وقت ولأخبرها بنبأ الحلم الرائع الذي طرق اخيرًا ابواب حياتي وطموحي. عندما وصلت بيتنا، لم تكن أمي هناك.. استلقيت تحت شجرة الليمون في حاكورة بيتنا الفقير المتواضع. ونمت على حلمي الجميل. لأشعر بعد لحظات بيد امي تسوّي شعري وتطلب منّي ان ادخل إلى البيت لارتاح هناك. قبل ان انام اخبرت امي بما اقترحه علي صديقي المكلوم.. فسألتني وانت شو رايك، فقلبت سؤالها.. بالأول قولي انت. عندها غرست امي عينها في عيني.. فكرك في بيت في الدنيا ممكن يكون أفضل من بيتنا؟ عندها خجلت من امي ولم اعد الى اقتراح صديقي.. بتاتا.

***

قصة: ناجي ظاهر

....................

* ماري هاسكل الامريكية راعية جبران خليل جبران وداعمته في مسيرته الإبداعية الصعبة.

أريد لحظة الدهشة

في عمق التقاء تفاصيلنا الصغيرة

عندما أخبرتني إنك تقرأ

كتاباً لابن الفارض

ورأيته يطل علي بذات غلافه

الأزرق من تحت وسادتي

حينها وضعت درجة

جديدة في سلم

ارتقائنا نحو الهناك

حيث نلتقي

بلا مواعيد

بين دفتي

كتاب

بين

أبعاد صورة ما

بين

نغمة

و

أخرى

تتنزل

من حنجرة

مترفة

بارتعشات

مضيئة

حينما يغني

بوب مارلي

*

I wanna love you

And treat you right

I wanna love you

Every day and every night

*

ويسري صوته من نافذتك

ليروي فيني عطش اللحظة

وتصدح أوصالي

مع ويتني هيوستن

*

I will always love you

My darling, you,

*

أريد لحظة الدهشة

حينما تحدث الأرض السماء

بلغتنا

أنا

و

أنت

تعالي

فترقد

في

حجرها

غيمة

غيمة

أريد كل اللحظات التي تؤسس لعالم

لا يحتمل غثيان التكرار الباهت

وجمود الفكرة

أريد أن يصفق الورد

كلما اعتليت منصة القصيد

لتهديني نصاً

تبدأه بي

وتختمه بي

أن تكتبني

حبيبتي

أريدها

أحبها

أعشقها

بكل لغات الدنيا

نعم اعتمدني قصيدة بلا نهاية

لكي لا تكف الدهشة

عن مغازلتي

كل صباح

بقبلة

تمسك بي أكثر

واسمعْ

درويش

"وانتظرها

إلى أن يقول لك الليل لم يبق غيركما في الوجود، فخذها إلى موتك المشتهى وانتظرها"

*

ودعنا نرقص مع الفيتوري

ذاك الشاهق

*

"في حضرة من أهوى.. عبثت بي الأشواق

حدّقتُ بلا وجه.. ورقصت بلا ساق"

*

هي لحظات ستشكلنا

لوحة

والحب

جدار

للدهشة

هي

نظرة

من لوحة داڤينشي

تتبع وجهك

وتربك خط السير

إلى غير عيوني

اتبعها

وسافر

لحكايا

المدن

البعيدة

ووجوه

اللقاء

العديدة

في قصيدة

في كتاب

أو

في

مجاميع الغناء

وانتظرني

ليت شعري

أنا

كم لبثت

أشعل

الرؤيا

قناديلاً

وأطفو

فوق

بحر

الأمنيات

أبحث

عن

أصابعنا

التي

ترتل

الأشعار

وجعاً

ثم

لوناً

ساحراً

في سماء

اللحظات .

***

أريج محمد أحمد - السودان - مصر

25/4/2024

 

في نصوص اليوم