نصوص أدبية

نصوص أدبية

ليس للعتمةِ ظلٌّ وليس من ظلٍّ للنّور..

هو الحزنُ أشجارٌ تتفرع أغصانها بسراب الفرحِ.

ومثل سرّ أزلي يخترقُ الجدار ليذيبَ ثمارَ المحّارة، ويصوغَها حنينًا إلى البعيد، هذا الحنينُ يشدّني لظلّ روحٍ مازجت دمي تتفرّع منه ظلالنا ونعود بروح الكبرياء..

***

للنّفسِ من الكبرياءِ غابةٌ

تحرسُ أسرارَها العتيقةَ

فتستولي على كلّ لحظةٍ فيها

وتدّعي استقلالَها

الكبرياءُ قصيدةٌ

تنبتُ في صحراءِ اليأسِ

بعزمِ وجبروتِ الموجِ

لتطهّر أديمَ النّفوسِ من دمعةِ استسلامٍ

ومن بقايا صرخةٍ مهزومةٍ

كأنّها أضواءٌ تحتضنُ عِهْنَ الغرامِ

في ساحةٍ تمتدّ حتى أطرافِ السّماءِ

تعانقُ أفكارًا وثنيةً

تملؤها العتمةُ أحلامًا بيضاءَ

تغزوها الأوهامُ المخفيّةُ

تركضُ في السّاحات نحو الغرباءِ

ما أفظعَ الكبرياءَ خارج عقولِ الفلاسفةِ

أو قلوبِ الشّعراء

والكبرياءُ حبيبةٌ

كالنّجم في سماءٍ

وهي مرصودةٌ لآلهةِ الشّرقِ

ونفوسٍ تهوى المُلكَ

مستذكرةً إرثَ الفردوسِ المفقودِ

وللكبرياءِ نُدبةٌ

تختمُ في الأعماقِ جُرحًا عميقًا

كأسطورةٍ لديها كلُّ شيء

وأُخِذَ منها كلُّ شيء

في الكبرياء

تقولُ أمّةٌ أنّها ستعودُ في نسيجِ

التّاريخِ

تستعيدُ ماءَ وجهِها

وتُصلحُ الأزمنةَ الرّاحلةَ في معركتها

بين العزةِ والانكسارِ

والكبرياءُ حكايتي

حين التقيتُ بظلّي

تجاوزتُ فيهِ حدودَ النّورِ والعتمات

مثل قيثارة

تقطّعت أوتارُها

ما عادت تذكرُ من بقايا نغمةٍ

إلا ترنيمةَ الروحِ

فتعيد تشكيليَ من جديد.

***

ريما آل كلزلي

 

لم يظهر

في السماء

لمدة طويلة

القمر

*

قالوا مات

القمر

*

من قال ذلك؟

الذئاب

الضباع

العناكب

بنات اوى

والثعالب

وحتى كلاب

الحراسة

صدقت

ما قيل عن موت

القمر

*

وقالوا رايناه

يحترق

وراينا

عينيه

وذراعيه

يحترقان

ولا يقوى على

الحركة

ولكن انا

والعصافير

واطيار

الحمام

لم نصدق

ما قيل عن

موت القمر

*

وذلك لشدة

محبتنا له

وذات ليلة

جميلة بهية

ظهر القمر

*

بهالته السمحاء

الجميلة

قالت يراعة

انا احب القمر

*

وقال عندليب

القمر نور عيني

فيما هربت

الذئاب

الضباع

العناكب

والثعالب

مخذولة

مخذولة

حزينة

حزينة

صوب

جحورها

لظهور

القمر

***

سالم الياس مدالو

 

لَمْلِمِي خَطْواتِكِ المُضْطَرِبَةْ

مِنْ دُرُوبِ الأمنياتِ الخائِبَةْ

لَمْلِمِيها

واَبْعِدِيها

عن مطبّاتِ يَدِبُّ الحزنُ فيها

مَرِّرِيها

فَوْقَ أَرْضِي

فأنا أَرْضِي لها مُبْتَسِمَة

وبإيقاعِ خُطاها حالِمَةْ

وَهْيَ تَدْرِي

إنّها أنهكها الوقتُ

وأَضْنَتْها رؤىً مُرتَبِكَةْ

كُنْتُ أَدْعُو

و بِرِفْقٍ كُنْتُ أَرْجُو

لَمْلِمِي خَطْواتِكِ المُشْتَبِكَةْ

مَعَ أوقاتٍ يَشِيعُ اليأسُ فيها

لَمْلِمِيها

واُشْطُبِيها

مِنْ تقاويمِ سنينٍ حالِكَة

لَمْ تَكُنْ تَسْمَعُ ما أرجو

وإنِّي

دائمُ الخوفِ وأخْشى

أنْ تَهِبَّ الرِّيحُ يوماً

ومهبُّ الرِّيحِ يبقى

غامضَ التأثيرِ دوماً

فمتى تَسْمَعُني،

مِنْ دونِ ضِيقْ؟

ومتى تُخْبِرُ  روحي:

إنّها تُدْرِكُ مِثلِي

ليسَ للرِّيحِ صديقْ؟

***

شعر: خالد الحلّي

ملبورن – أستراليا

مــا  لــلأشاوسِ فــي اللذَّاتِ قد مَكثوا

وفــي  حِــمَانا يَــعيثُ الــقملُ والعُثَثُ

*

إلـــى مــتى وضِــباعُ الــليلِ تــنهشُنا

ونــحنُ نَــنْظُرُ حــتى يَــنضَجَ الحدَثُ

*

مــالي  أراكــمْ وجــساسٌ غــدا أمــلاً

بــهِ جــميعُ كــبارِ الــقومِ قــد شَــبِثُوا

*

نَــمْ يــا كــليبُ فــما فــي تغلبٍ رجلٌ

عــنْ أخــذِ ثــأرِكَ كلّ القومِ قدْ رَبَثُوا

*

فــفي الــمنامةِ رهــطٌ قــيلَ منْ عَرَبٍ

لــم  يبقَ في ضَرْعِنا مِنْ حَلْبِهمْ رَمَثُ

*

بِــضعٌ وعــشرونَ والأهــواءُ ظاهرةٌ

فــي كــلِّ أمــرٍ تــفانى القومُ وارْتَبَثُوا

*

عــنــهمْ نــأى ثُــلثٌ يــهوى صــهاينةً

ولــلأعــاجمِ يــســعى دائــمــاً ثُــلُــثُ

*

بــاقــي الــجماعةِ لا قَــولٌ ولا عــملٌ

الــنــومُ يــغــلبُهُمْ قــد مــازَهُمْ خَــوَثُ

*

ألــقابُهم لــمْ نَــعدْ نَــحصِي لــها عدداً

أقَــلُّــها  رُســـلاً لــلــناسِ قــد بُــعِثُوا

*

أو  نِــصْفُ آلهةٍ في الأرضِ موطنُهمْ

مــن  قــبلِ آدمَ تِلكَ الأرضَ قد ورثوا

*

هَــمُّ الــرَّعَايا بَــعِيدٌ عــن تَــصوُّرِهمْ

الــحُــكمُ يَــشْــغَلُهُمْ والــمَالُ والــرَّفَثُ

*

نــدينُ نــشجبُ أقــوى مــا ســنسمعُهُ

إلــى مــتى يَــستَمِرُّ الــهَرْجُ والــعَبَثُ

*

لــقــد قُــتِلنَا ومــا اهــتزَّتْ شــواربُهُمْ

بــلً خَــلْفَ قــاتِلِنَا منْ رَكضِهمْ لهَثُوا

*

فــكــمْ سَــلَكْنَا بِــحَاراً سَــهلُهَا خَــطِرٌ

وخــانَــنَا الــرِّيحُ والــملاحُ والــرَّمَثُ

*

فــي غــزَّةِ الــعزِّ إخــوانٌ لهمْ ظُلِموا

الــموتُ  يــحصدُهمْ والــفقرُ والغَرَثُ

*

أطــفالُ غــزَّةِ مِــثلُ الــغَرْسِ قد ذَبُلُوا

هــلْ  مــرَّ بــالجوعِ فــردٌ مُتْخَمٌ فَرِثُ

*

ونــســوةٌ  فـــي  خــيامِ الــذُّلِّ لاجِــئَةٌ

قــدْ  بــاتَ يــطعنُ فــيها التافهُ الخَنِثُ

*

يــاغــزةَ الــعزِّ لا تَــشْكي لَــهُمْ ألــماً

لنْ يسمعَ الصوتَ جِسمٌ ماتَ أو جَدَثُ

*

كمْ  حُرَّةٍ صَرَخَتْ في سجنِ مُغْتَصبٍ

لــمْ يــسألوا أبــداً عــنها ولا اكــترثوا

*

لــو أنَّ عــاهرةً فــي الليلِ قد سَقَطَتْ

هَــبُّوا لــنجدتِها فــي الــحالِ مــالَبِثُوا

*

هــلِ الــعُرُوبَةُ أمستْ مَحضَ عاجزةٍ

قــد بــاتَ يــكْلؤُها الأخــيَافُ والرِثَثُ

*

كـــمْ  أقــســموا أنَّــهم يــحمونَهَا بِــدَمٍ

لــكــنّــهمْ  بــيــمينِ اللهِ قـــد حَــنِــثوا

*

كــأنَّــهمْ خُــشُــبٌ مــاتتْ ضــمائرُهمْ

لــمْ  يَــستجبْ ســمجٌ مِــنهُمْ ولا دَمِثُ

*

مَــنْ يَــأْمَلِ السِّلمَ من صهيونَ معتقداً

بــأنَّهمْ عــنْ حــلولِ الــسلمِ قــدْ بَحثوا

*

فــعــقــلُهُ  دونَ شـــكٍ فــيــهِ عَــائــقةٌ

فــمــا يــصــدِّقُ إلاّ الــهُــبْلُ والــلُّوَثُ

*

الــســعيُ  لــلــفتنةِ الــبــلهاءِ غــايتُهُمْ

فــكــلَّمَا أُطْــفِــئَتْ نــارٌ لــها حَــرَثُوا

*

الــلٌّــؤْمُ  شــيــمتهمْ والــغدرُ دَيــدَنُهُمْ

و كــلَّــمَا عــاهدُوا عــهداً بــهِ نَــكثُوا

*

إنْ  قــالَ مــنهمْ كَــذوبٌ قــدْ نُــصَدِّقُهُ

إنْ لــلعجائزِ عــادَ الــحيضُ والطمثُ

*

إن  تَــذْكُرِ الــفُرْسَ تُصْبِحْ خائناً دَنِساً

عِندَ  الذِّيُولِ التي مِنْ ضَرْعِهِمْ رَغَثُوا

*

لاتــأمنوا  الــفرسَ فالأطماعُ حاضرةٌ

تَــغَلْغَلُوا فــي بــلادِ الــعُرْبِ وانْفَرَثُوا

*

لاتــأمنوا  الــفرسَ فــالأحوازُ تُخْبِرُنَا

عــلى  جــرائمِهِمْ قــد تَــشْهَدُ الــجُثَثُ

*

مِــنْ  ألــفِ عــامٍ نُــعاني مِنْ سَفَالَتِهِمْ

الــحــقدُ  يــسكنُهُمْ والــغلُّ والــدَّعَثُ

*

لا تــأمنوا الــغربَ فــالتارحُ يُــخبِرُنا

هُـــمُ الــذيــنَ لــهذا الــسُّمَ قــد نَــفَثُوا

*

يــا  قــومُ نــطلبُ أحــلاماً مُــزَرْكَشَةً

أمَّـــا  الــحــياةُ فــفيها الــبُرُّ والــغَلَثُ

*

مَــنْ  ظَــنَّ إنِّــي بــقولي كنتُ أقصدُهُ

كــانَ اعــترافاً صــريحاً أنَّــهُ الخَبَثُ

***

بــقلم: عــبد الناصر العبيدي

..............................

المفردات

رَبَثَهُ عَنْ حَاجَتِهِ: حَبَسَهُ، مَنَعَهُ، صَرَفَهُ عَنْهَا

الرَّمَثُ (1): بقيَّةُ اللَّبَن في الضِّرع بعد الحَلْب

ارْتَبَثَ القومُ: تَقَرّقوا

الرَّمَثُ (2): الطَّوْفُ، وهو خَشبٌ يُشَدُّ بَعضُه إلى بعض ويُرْكَبُ في البحر

الغَرَثُ: أَيْسَرُ الجوع؛ وقيل: شِدَّتُه

الفَرِثُ: الشَّبْعان

رِثَث: جمع رِثّة  الرِّثَّةُ:سَفِلة الناس وضعفاؤهم

اللُّوثُ جمع الأَلْوث، وهو الأَحمق الجبان

الدَّعَثُ: الدَّعْثُ: الحِقْدُ. والمطلبُ.والثأرُ.

الغَلَثُ: الترابُ المتلبدُ والحَبُّ الأَسودُ يخالطُ البُرَّ ونحوَه.

 

توقظ حواس الفجر ليتوضأ بشروق لهفتها، فتزيح بصيص العتمة من أجفان الحلم، كي تدثر قرفصة الجوع بحذافير همتها، وحتى تتطاير شراهة الجوع من أحشاء الحرمان، تشعل خدود التنور بكل ما أوتي كبريت اصابعها من أنين جمر، فتغازل شهية الطين دردشة الشجر بحفيف مشاعر: حطب ..حطب، لتستعير تمتمة الاشتعال من سومرية التنهد قبل ان تستأذنها الشمس لتنسج حياء ظلها بشغف الصباح، تُريق دموعها خُمرة تلذذ على شحوب سلالات القمح وتدوف قلبها خبزا بطعم الإنتظار، فتنسكب طفولة الروح بسملة لقمة، تفوح نبضات حنين من عباءة التعفف، كي تضئ مقل الجوع برائحة الشبع. فيا جدة النخيل وأم سعفات برحية الطلع، كلما أصغي لشجن أناملك وهي تردد عبق رغيف شبع خير من عشرة بغصات القحط؟؟، تدندن خفقات أمومتي :آآآهٍ ..آآآه من صبر عشق عشتاري السحنات، لا يبلى بتنور الوجع!!.

***

إنعام كمونة -  أديبة وناقدة عراقية

عند المنحدر في متنزه تحيطه الأشجار الممتدة حيث الفناء الخلفي لبركة تتدفق منها المياه وتسبح فيها الطيور، كانا يسيران على مهل ويتحدثان، وبين آونة وأخرى، تتشابك ايديهما ويتابعان سيرهما، وورائهما صغيرهما يداعب كلبه فوق العشب الأخضر الذي تزينه أزهار شقائق النعمان البرية، التي ظلت على حالها دون ان ينال منها احد.

كان يسأل نفسه بعض الأسئلة البليدة، كما اعتقد أول الأمر.. كيف اجتمع هذان المخلوقان الجميلان، وأي صدفة جمعتهما معاً ؟، وتوقف عند كلمة الصدفة؟ وكيف تحدث، ولماذا تحدث.. وهل تحدث تلقائياً ؟ وهل تأتي في شكل إقرار لكي تتشكل الأشياء عند حركتها، بغض النظر عن ملابسات الصدفة، وهي ملابسات ذات طابع عرضي واحتمالي.

فكر، ووجد نفسه لا يدري كيف له ان يصف ذلك، وربما لا يحتاج كل ذلك الى كبيرعناء.. فالصدفة يمكن ان لا تتحقق اذا لم تتوافق عناصرها.. وان وجود احدهما صدفة قد يلغى بمجرد وجود صدفة لا تتقاطع معها.. فهل ان وجود هذا الكائن في توافق او عدمه عن طريق الصدفة؟، أي ان وجوده كان طارئاً وزائداً واضافياً وغير ضروري في العالم.. فماذا بشأن الأنسان هذا، فهو يشعر ويتحسس بأنه كائن قد قذفته الصدفة الى الوجود دونما وجهة محددة عدا تلك التي يختارها لنفسه بمحض ارادته.. أجل ان ذلك الشيء يجعله في مواجهة الحرية ويمنحه رؤية خاصة للأختيار.

مشى خطوتان واخرى ثم توقف عند حاجز من الآس، وكان الطفل ما يزال يداعب كلبه وصوت والدته يتنائى من بعيد.. انه الآخر جاء نتيجة الصدفة التي قذفت به الى الخارج وليس لديه اي خيار في ذلك.. ولو لم يكن لقاؤهما صدفة او ان صدفة عارضة قد تدخلت وألغت تلك الصدفة من ان تتشكل لما كان هذا الوجود الفعلي للطفل، ولما كانت تلك الصدفة الرائعة التي تجمع الطفل مع كلبه في مداعبات لآحدود لها.!!

الانسان كائن محكوم عليه بالقلق لمجرد شروعه في تأمل حقيقة وجوده أو إشكالية هذا الوجود كحقيقة انتولوجية (Ontology)، وهذا الشيء يمنعه من ان يعيش وجوده بهدوء، ويخلق بينه وبين نفسه مسافة تجسد ما يمكن ان نسميه حرية الضمير، غير ان الحقيقة لا تتوقف هنا، فالمشكلة هي ان هذه الحرية صعبة، لأنها تلقي على كاهل الانسان من دون غيره من المخلوقات مسؤولية ضخمة يستحيل عليه الفرار منها، إلا إذا حاول ان يكذب على ذاته وعلى الآخرين.. بيد أن هذه الحرية تسمح كذلك باتاحة الفرصة امام إبراز مظاهر عظمة الانسان حين يتحمل مسؤولية الحرية في مواجهة كل الحتميات التي تحيطه، والتي ينبع بعضها من داخله، مثلما هو الأمر مع اللآشعور.

غابا عن الأنظار مع طفلهما والكلب ولم يتركا سوى تأملات وخيالات عابثة مع تجربة الاحساس بهشاشة وجود الانسان والاشياء، حيث يكون الوجود كله غير ضروري.. وهنا يمكن التوقف قليلاً عند خلق صدفة تتقاطع بين وجوده كصدفة وبضعة طيور هبطت لتأكل شيئاً كان قد أعد لها، وسرعان ما ادرك ان فرقاً كبيراً بين وجوده والموجودات التي تحيطه من الخارج، يراها ويتحسسها، اما الوجود الكلي فهو شيء يختفي عن مجال رؤيته عادة حيث يظل فعله غامضاً ومستعصياً عن التفكير.

يسير انسان في الشارع او على ساحل البحر او في متنزه عام ولا يعرف شيئاً عن ما سيجري منذ خروجه وحتى عودنه الى منزله.. ولكن الآف الصدف تمر به وتقترب منه او تتجاوزه.. ان وجوده هناك واحدة من تلك الصدف، قد تكون من صنعه وقد تتقاطع مع صدفة اخرى وربما تلغيها من اساسها، اي تلغي وجودها بعدم التقاطع معها، وربما تتشكل معها بمحض الصدفة انه التأمل في صدفة الوجود التي تضفي معنى لهذا الوجود حين يبدأ الانسان يفكر بحرية.. وطالما يشعر بأنه يفكر بحرية، يشعر بثقل المسؤولية وهي تجثم على ظهره ولا تترك له مجالاً لذاته المسؤولة.!

تابع سيره الى حيث يتدفق الماء بغزارة، وبالقرب من اشجار الدردار الباسقة ذات الأخضرار الزاه، جلس على حافة مقعد خشبي تتسلل اليه اشعة الشمس الدافئة من بين الاغصان لتضفي على جسده النحيل دفئاً من نوع يبعث على الأرتياح.. اخرج لفافة تبغ واشعل عود ثقاب وسحب نفساً عميقاً وهو يحدق في الغيوم البيضاء المتقطعة التي تتراكض باتجاه المحيط، فيما كانت طيور الماء تسبح في تلك البركة وتتمتع بدفئ الشمس.

اقترب منه شخص كان يسير على مهل محدودب الظهر يحمل كيساً صغيراً من الورق.. جلس على حافة المقعد الخشبي من الطرف الآخر وألقى عليه التحية، ورد عليه بهمهمة وحركة من رأسه، لأنه لم يكن يعرف ما قاله الرجل، إنما فَهَمَ انه حياه تحية المساء، ثم اطلق بضعة كلمات واستمر بعد ذلك يتحدث، وكأن كلامه قد فهمه الآخر وانه سيرد عليه.. ولكن صمتاً قد ساد بينهما وهمهمات ممزوجة بحركة الرأس كانت هي الأجابة.!

ساد الصمت، وكل منهما دخل عالمه، بعد ان ادرك كلاً منهما انه لا يفهم الآخر، وربما كان احدهما يفكر بأن الآخر أخرساً أو معاقاً أو لا يريد ان يتكلم الى أحد.

تابع تفكيره بجدية لأنه كان على يقين من أن هذا الرجل لا يعكر عليه تفكيره وانه في عالمه الآن، ربما يفكر كيف يعيش يومه الآخر، وكيف يحسب مصروف البيت وحاجيات الزوجة التي تملأ رأسه يومياً بمتاعب لا أول لها ولا آخر، أنها ثرثرة نابعة من رأس قد يكون محشو بالقش... قال له، هل تتكلم الأنكليزية؟ فأجاب بسرعة وبلغته.!!

لو لم يكن هذا الرجل موجوداً في هذه اللحظة لكان تفكيره قد انصرف بعض الوقت أو كله الى امور اخرى، ولكن الصدفة، هي التي جمعتهما معاً في لحظة من الزمان وفي بقعة من المكان.. بيد انه لم يحصل توافق الصدفتين أو أن احداهما كانت غائبة عن الأخرى.

اخرج قطعة الخبز من كيسه الورقي الصغير ورمى بها على العشب، وسرعان ما تهالكت الطيور على قطعة الخبز فالتهمتها بشراهة، ثم بدأت تقترب حتى لآمست اقدامه وحطت بعضها على يديه المعروقتين، وهي تأمل في قطعة اخرى.. رمى لها بأخرى فتراكضت الأقدام وتزاحمت الأجنحة فمزقتها بمناقيرها الصغيرة الحادة، فيما كانت تطير وتحط على كتفه بدون خوف.!!

كان يعتقد انها صدفتان غير متوافقتين ولدت ثالثة في تشكيل ناقص ولكنه يبعث على التأمل.. اطلق صاحب الكيس الورقي ضحكة قوية في شكل قهقهة متتابعة والتفت.. وعلم منه انه لم يعد يستطيع الاستمرار في هذه اللعبة طالما لا يملك الخبز الكافي لأطعام الجياع من الطيور المتهافتة.. ذلك الخبز الذي خلق اجواء الصدفة الثالثة او ما يسمونه بالبعد الثالث لوحدة الكينونة حين تتشكل مع الخارج.. انه مشهد مذهل في اركانه الثلاثة، ولكنه بدون جدوى لأنها الصورة العابثة التي لن تتكرر على الأطلاق.

تحرك باتجاه دير (Jeronimos Monastery)، الذي يضم كنوز العالم القديم حتى ان بعض الناس يتسائلون باندهاش، كيف تمكن الاقدمون من هذا البناء المدهش، وكيف نصبوا اعمدة الرخام العملاقة؟ وكيف صمموا وزخرفوا واجهات هذا الصرح، وكيف استقام، وكيف خلدت لوحاته الجدارية الرائعة كهنتهم ومفكريهم وقادتهم؟، والآن يمر الاخرون يلقون نظراتهم على تلك الوجوه المصنوعة من زيوت نباتية ملونة وكأنها مجرد الوان وضعت بعبقرية فائقة، إلا انها لم تضف شيئاً اكثر مما ترسمه الطبيعة من الوان وتشكيل رائعين.

كان الآخر قد انحدر باتجاه الساحل حيث اصوات النوارس التي تمتزج مع ارتطام امواج البحر بصخور الشاطئ، ذلك الصوت الذي يبعث على الحزن والتأمل، أما الطيور الجائعة فقد انفرط عقدها، ولكنها في كل الأحوال تتجمع على اسطح البيوت القديمة ذات السقوف القرميدية المخضرة أو حافات النوافذ الرخامية لدير (جيرونيموش)، الذي بني في القرن السادس عشر في مدينة (Belem) الساحلية الرائعة.

هو والآخر والطيور الجائعة، كل ذهب باتجاه صدفة أخرى قد تتشكل او تنفرط او تلغي احداهما الأخرى من الوجود.. انه الشرط الغامض الذي يصنع للصدفة خوفها وقلقها.. انه قلق الوجود الانساني القابع في اعماقه يظهر في صورة من الصور، وكأنه شبح هذه الكاتدرائية الذي يحوك عنه القرويون قصصاً، وبملامح في كل حركة يقدم عليها حتى الجدية منها تبدو احياناً مضحكة أو عفوية تقريباً.. وظلت قدماه تسيران على الطريق وهو يصغي لوقع اقدامه نحو المجهول.!!

***

قصة قصيرة:

جودت العاني - Lisbon

51/ 21 / 2005

حـيـنَ مَـرَّ الـربـيـعُ الـذي

تـرتـديـنْ

*

بـكـهـفِ خـريـفـي

الـحـزيـنْ:

*

بـايَـعَـتـنـي الـبـسـاتـيـنُ نَـهـرًا لـهـا

واصـطـفـانـي الـسَّــفَــرجَـلُ والـيـاسـمـيـنْ:

*

إمـامـًا

يَـؤمُّ الـفـراشـاتِ حـيـنَ تـحـيـنُ صَـلاةُ الـرحـيـقِ

ويُـفـتـي إذا قـام شَــكٌّ

وسـاطَ ضَـبـابُ الـظـنـونِ مـرايـا الـيـقـيـنْ (2)

*

يُـقـاضـي إذا اخـتـصَـمَ الـعـاشـقـونَ ..

فـيَـحـكـمُ بـالـ" جَـمْـعِ " فـي الـمـزهـريَّـةِ

بـيـنَ الـتُـوَيْـجَـةِ والـمَــيـسَــمِ الـمُـسـتـكـيـنْ

*

وحـيـن الـتَـحَـمْـنـا شِـراعـًـا وريـحـًا  ..

وجـفــنـًا وهـدبـًا

وجـذرًا وطـيـنْ:

*

غـدا الـرمـلُ كُـحـلاً تـحـجُّ الـجـفـونُ إلـيـهِ

وصـار الـحـصـى فـي مـفـازاتِـنـا

بُـرتـقـالاً وتِـيـنْ

*

أصـيـخـي ..

ألا  تـسـمـعـيـنَ هـديـلَ الـفـواخِـتِ؟

إنّ الـهـديـلَ رسـائـلُ عـشـقٍ

وهـدهـدُ بـشـرى بـفـيـضِ الـنـمـيـرِ الـسـخـيـنْ

*

وإنَّ الـسـريـرَ الأصـمَّ  يـمـوتُ

إذا كُـفَّ عـنـهُ هَـسـيـسُ الـوسـادةِ

أو حـشـرجـاتُ الأنـيـنْ

*

أعـوذُ بـمـائِـكِ مـن شـرِّ جَـمـري  ..

ومِـنْ شَـرِّ جـوعـي بـمـا تُـطـعِـمـيـنْ:

*

رَحـايَ بـقـمـحِـكْ  ..

وبـردَ شِـتـائـي بِـدِفـئِـكْ  ..

وجـمـرةَ قـيـظـي بـبـردِكْ ..

وشَـوكـي بـوردِكْ ..

وعـلـقـمَ أمـسـي بـحـاضِـرِ شـهـدِكْ

وعُـريـيْ بـمـا تـنـسـجـيـنْ:

*

لـ " يـحـيـاكِ " مـا يـسـتـرُ الـعـاشِـقَ الـسـومـريَّ

ويُـلـبِـسُـهُ بُـردةً مـن حـريـرِ الـعـنـاقِ ..

فـكـيـفَ إذنْ

لا يـكـونُ الـتـبـتُّـلُ مـعـراجَ قـلـبـي

الـى جَـنَّـةِ الـمُـرتَـجـى؟

كـيـفَ لا تُـصـبـحـيـنْ

*

" بُـراقـي " الـقـويَّ  الأمـيـنْ

*

الـى "سِـدرةِ الـمـنـتـهـى" (3)

أسـتـقـي لـلـصـحـارى نـمـيـرًا عـذوبـًا وعـشـبـًـا

وأمْـنـًا لـ " أوروكَ " ..

يُـسـرًا وخـيـرًا عـمـيـمـًا ..

ووردَ الـمـسَـرَّةِ لـلـعـاشـقـيـنْ

*

أريـنـي جـنـونًـأ حـكـيـمـًا كـمـثـلِ جـنـونـي ..

وطـيـشًـا يُـثـابُ كـطـيـشـي ..

ومـثـلـي عـجـوزًا يـعـودُ فـتـىً سـومـريًّـا

يـقـودُ الـى مُـقـلـتـيـكِ الـنـعـاسَ إذا مَـسَّـكِ الـسُّـهـدُ

واشـتـقـتِ  أنْ تُـطـبِـقـي مـنـكِ جـفـنًـا

عـلـى جَـنَّـةٍ عـرضُـهـا قـادمـاتُ الـسـنـيـنْ

*

أكـونُ غـلامَـكِ فـيـهـا (4)

ووحـدكِ  .. وحـدكِ .. وحــدكِ لـيْ

" حُـورُ عِـيـنْ "

*

أطـوفُ عـلـيـكِ صـبـاحَ مـسـاءَ (5)

بـكـأسِ لُـجـيـنٍ

سُـلافـتُـهـا  مـن نـبـيـذِ الـهـيـامِ

وخـمـرِ الـحـنـيـنْ

*

أريـدُ الـذي لا يُـرادُ

كـأنْ:

لـم يـكـن قـبـلـنـا عـاشـقـانِ  ..

ومـاءٌ إذا صُـبَّ فـوق الـحـريـقِ

يُـزيـدُ اشـتـعـالَ الـحـريـقْ

*

وبـحـرٌ إذا  فـاضَ عِـشـقـًا

فـلـيـسَ بـنـاجٍ مـن الـمـوتِ إلآ الـغـريـقْ

*

فـلا تـخـلـعـي مـن إسـارِ أسـيـرِ هـواكِ (6)

فــشُــدِّي  وثـاقـي الـى خِـدرِكِ الـسـومـريِّ

كـمـا بـالـمَـشـيـمـةِ شُــدَّ الـجَـنـيـنْ

*

تـنـامـيـنَ فـي مُـقـلـتـيَّ مَـلاكـًا بـريءَ الـخـطـايـا

وتـسـتـيـقـظـيـنْ

*

عـلـى وقـعِ شـيـطـانِ ثـغـري يـجـوبُ جـنـانَ الأنـوثـةِ

يـقـطـفُ مـا لـمْ تـذُقْـهُ الـطـيـورُ

ولـم يـأتِ فـي صُـحُـفِ الأولـيـنْ

*

ويـتـلـو عـلـى مـسـمـعِ الـوردِ

مـمّـا تَـيَـسَّـرَ مـن  " سـورةِ الــنـمـلِ ":

مـا كـان حُـلـمـاً ..

ولـيـسَ بـ " سـحرٍ مُـبـيـنْ " (7)

***

يحيى السماوي

السماوة 13/5/2024

..................................

(1) من مجموعة جديدة قيد الإنجاز ..

(2) ساط: ضرب بالسوط .. ومن معانيها  خلط الشيء بشيء آخر كخلط الماء بالحليب أو اختلاط ماء النهر بماء البحر وغير ذلك ،  وهو المعنى المقصود في القصيدة .

(3) سدرة المنتهى شجرة سدر عظيمة ثمارها في السماء السابعة وجذورها في السماء السادسة بها من الحسن ما لا يوصف ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة النجم (عندها جنة المأوى) .

(4) حور عين ـ  كما وردت في القرآن الكريم في سُوَر الدخان والطور والرحمان والواقعة: نساء مطهرات في منتهى الجمال .

(5) إشارة الى قوله تعالى في سورة الواقعة: (يطوف عليهم ولدان مخلدون)

(6) الإسار: الحبال التي تُشدُّ بها أيدي أو أرجل الأسير .

(7) إشارة الى قوله تعالى في سورة النمل: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين) .

 

ليلٌ يشاكسني ..

نجومه خلف سحائب الارق نائمات ..

يهذي كثيراً، وينمّ

بمكر ٍعن الشمس ..

يعلم أني أخافه، وأعشقها

يحاصرني بأفواجٍ من الذكريات

هناك .. مابين النهر و تنّور امي ..

غرست اشجاراً للحب باسقات

كل يوم أعمّد صبري عند شروقها

وحين أجرّب أن أغمض عينيّ

يلكزني .. لأصحو

فيسقيني كأساً مذاقها

شبابٌ تشظّى بين المنافي

وزيف المرايا، وسخف الامنيات

ومازال الليل يهذي

كعجوز تشكو وحدتها بصخب ..

الكلمات:

قبل مغيبها راودتني عن نفسها

توسلت بي، وتعلقت بأذيالي ..

كي اوقف اجتياح الغسق الجارف

حتى تلوّن أجنحة الفراشات ..

و قبل ان تغادر مياسم الازهار

وتعانق سنابل القمح

وأعذاق النخل

و اسماك النهر ..

فتفرّ مثل عاشقة

تخاف ان يفضحها ألق الفجر ..

وانا كعصفور أرهقه الندى

اداري هذيان الليل كي يعتقني

اشاغله، لأهرب على صهوة احلامي

أوقد شموعاً خبأتها بين ضلوع لهفتي..

تركتها على وجه "الشطّ" ..

لتبحر وحيدة صوب فنار

ها أنذا أدق مسامير الشوق على باب مدينتي

يا "حُلّةَ" الكون، ياباذخة الطيب ..

يا فاتنة الامصار ..

يا تعويذة بابلية ..

ويا صحائف اذكار

أعيذك بطلاسم "شطّك"..

اسطورة الانهار..

مازالت بقايا طينه عالقة في الاهداب

أعيذك بالقديسين، و كل الاولياء ..

وبالنبي أيوب* وبئره سيّدالآبار ..

ليتني اغتسل من مائك

كي أبرأ من سحر أوتو، وأنليل، ومردوك"

**

تمسّك بي كباقة ورد في يد عروس أرهقها

طول إنتظار ..

خذ أحلامي قرابين اقدمها لنخيلك الباسقات ..

خذني شراعاً لسفينةٍ مات ربانها ..

فتحطمت على بقايا جسد، وقلب مكبل.. بالحسرات ..

مازلت اتنفسك، وأحلّق صوب الشمس اجوب بحار الدنيا، افتش بين موانئها ..

عن مرفإٍ يعلمني كيف أخيط شِباك الصبر

أحسست بدفء الشمس يعانقني ..

يهمس بأذني قد رحل الليل، ولحنٍ

كنت اردده حين أغوص في النهر

وتتقاذفني سورات الماء

***

جواد المدني

..................

* مرقد النبي ايوب عليه السلام، حيث يقع عند ضفاف "شط الحلة" وبجنب هذا المرقد هناك بئر يعتقد انه البئر الذي اغتسل منه فبرئ من مرضه..

** اسماء بعض الالهة التي كان يعتقد بها البابليون ..

 

وقعت أحداث هذه القصة بعد موجة الهجرة الروسية المتجدّدة إلى البلاد، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، في تلك الفترة تعاقب على الشقة المحاذية لشقتنا في الحيّ اليهودي بنتسيرت عيليت، عدد من العائلات.. كانت آخرها عائلة روسية مكوّنة من والدين وابنة، في السابعة أو الثامنة من عمرها، في جيل ابنتي الصغيرة، وكثيرًا ما كنت أرسل نظرة من نافذة شقتنا المطلّة على الخلاء الرحب، فأرى ابنتي تلعب معها، وكأنما هما اختان، لم تلدهما زوجتي، او زوجة جارنا الروسي. وقد رأيت الاثنتين، ابنة جارنا الروسي وابنتي، اكثر من مرة تلعبان هناك في الخلاء، وكان ذلك في بداية الشتاء، وعندما امطرت الدنيا فاجأتني صغيرتي باصطحابها صديقتها الروسية إلى بيتنا، فسُررت وسرّت زوجتي، ونظر كلّ منا الى الآخر ناسيا العالم وهمومه والموقف العربي العام.. المعارض للهجرة الروسية، ومتذكرا امرا واحدا لا غير: ان صغيرتنا كبرت وباتت لديها صديقة روسية. رحبنا بتلك الفتاة ايما ترحيب، الامر الذي مكننا من ان نراها بصحبة صغيرتنا بصورة شبه دائمة. وان نتتبع امورها باهتمام.. الم تكن صديقة صغيرتنا؟!

لاحظنا ذات يوم ماطر مسحة من الحزن على وجه ضيفتنا الصغيرة العزيزة، فاعتقدنا انها مسحة عابرة، الا انها ما لبثت ان ازدادت في اليوم التالي، وقبل ان نسألها عن سبب تلك المسحة..، جاءت الينا بصحبة صغيرتنا لتفاجئنا بالسبب الفظيع، قالت بصوت متهدّج، إن الاطباء اخبروا اسرتها ان والدها لن يعيش فترة طويلة وان ايامه باتت في عالمنا محدودة، وعندما قلت لها ان ما تقوله لا يركب على العقل، انفجرت بالبكاء حتى ان زوجتي وصغيرتي بكتا معها، وما زلت اتذكر رغم مضي ردح من الزمن على هذه القصة، ان صغيرتي الغالية وزوجتي قامتا باحتضانها، وقد دفعتهما موجة لافحة من العطف عليها، لان تقترحا اصطحابها معنا في رحلة اخر الاسبوع الى بحيرة طبريا. تقبّلنا جميعنا الاقتراح بل رحبنا به فما زالت صغيرتنا... ستكون سعيدة باصطحابها صديقتها، وما دمنا نقوم بواجب انساني نرفّه به عن طفلة يرقد والدها على فراش الموت في المستشفى، فان مرافقة تلك الصغيرة لنا ستسعدنا نحن ايضا، وعندما جاءت جارتنا الروسية تسألنا عما اذا كنا حقا سنصطحب ابنتها معنا في اليوم التالي الى بحيرة طبريا، لم نتردد جميعنا كبيرا وصغيرا في ان ندعوها هي ايضا، فاعتذرت جارتنا الروسية، لأنه لا يمكنها مرافقتنا بسبب وضع زوجها الحرج في المستشفى، وسألتنا عن الوقت الذي ستستغرقه رحلتنا تلك، فأخبرناها اننا سننطلق كعادتنا في ساعات الصباح الباكرة وسوف نعود في ساعات المساء المتأخرة.

في صبيحة اليوم التالي استقللنا سيارتنا الفيات اونو، بعد ان حملناها بكل متطلبات الرحلة من متاع وغذاء، وانطلقنا باتجاه طبريا. خلال انطلاقنا في سيارتنا، كان كل منا ينظر إلى الآخر بنوع من الرضا، فقد ادينا واجبنا نحو صغيرتنا ونحو صغيرة اخرى بحاجة لان نمد لها يد العون، عندما وصلنا شاطئ البحيرة، ترجّل كلّ منا من السيارة وتراكضنا باتجاه الماء، ولا انسى ما حييت تلك الفرحة التي ارتسمت على وجهيّ صغيرتينا، الروسية وابنتنا، بعد ان هيئنا قعدتنا قريبا جدا من حافة الماء، وابتدأنا بإعداد الطعام، ارسلت نظري الى تلك الفتاة، لأرها تلهو وكأنما تمكننا باصطحابنا لها ولو للحظات من جعلها تنسى ما هي اسرتها فيه من وضع صعب، وحمدت الله على انه الهمنا ان نصطحبها. وبالغنا في اعلان المحبة فاستجبنا لطلب صغيرتنا ان تذهب للتنزه بصحبة صديقتها تحت الاشجار القريبة، لتنطلق الصغيرتان مبتعدتين عنا دون ان نلتفت اليهما جيدا، فقد كنا مشغولين بإعداد الطعام للجميع.

فرغنا انا وزوجتي من اعاد الطعام، وتوقعنا عودة صغيرتينا خلال لحظات، غير ان اللحظات مضت سريعة ولم تحضرا، فحملت نفسي، وانطلقت ابحث عنهما تحت الاشجار المحاذية، وعندما طال بحثي، ابتدأت الهواجس السوداء بمطاردتي، فالي أين ذهبت صغيرتانا؟ وهل تعرضتا لأي مكروه.. لا سمح الله؟ ما كان عليك ان تسمح لهما بالابتعاد عن حيث نزلتم، لكنهما صغيرتان ومن حقهما ان تستمتعا معا... ما تقوله صحيح لكن كان عليك ان تجعلهما في مرمى النظر، فلا امان في هذه البلاد، وكنت كلما طال بحثي عنهما ازداد قلقا، وجاءت المرحلة التالي في البحث، فلماذا لا اسال من اصادفه من الناس الموجودين في الشاطئ، عما إذا كانوا قد رأوا صغيرتين احداهما روسية والاخرى عربية؟ وصادف ان سألت عائلة عربية من منطقة الجليل عن صغيرتينا؟ ففتحت ربة العائلة فمها مستغربة ومستفسرة، شو بتقول؟ عربية وروسية؟ فهززت راسي اشارة نعم. وبعد ان عرفت المرأة انني من عائلة فلسطينية مهجرة اعربت عن ذروة استغرابها، وشيعتني وانا اولي عنها باحثا، بنظرة مستفسرة متسائلة.. فما الذي يحدث؟ وبين الطرفين عالم من القسوة؟

تجولت خلال اكثر من نصف ساعة باحثا عن صغيرتينا، وسائلا كل من التقيت به عنهما، دون ان احظى بأية اجابة، ويبد ان ما خالجني من قلق، قد انتقل عبر النسمات الشتائية الباردة الى زوجتي، فلحقت بي لتنضم الي في عملية البحث، هدّأت زوجتي من روعي، طالبة مني ان اتفاءل بالخير لأجده، واقترحت بعد ان استغرقتنا مشاعر القلق.. من اقصانا الى اقصانا، ان يذهب كل منا في اتجاه لمواصلة البحث، تقبّلت اقتراح زوجتي.. وواصلت البحث في ذات الاتجاه، في حين توجهت هي إلى الاتجاه المعاكس، ومضى الوقت دون ان أحظى بأية اجابة عن سؤالي الحائر: إلى أين ذهبت صغيرتانا؟ فكان عليّ ان اعود إلى حيث اقتعدنا قريبا من الماء. ما إن وصلت الى هناك، حتى اطلّت زوجتي من الناحية المعاكسة، وعلى ثغرها ابتسامة... بشّريني.. بسرعة بشريني. طوّل روحك... شو اللي صار؟ لم تجب زوجتي وامسكتني من يدي وجرت على الشاطئ لأجري وراءها، وبقينا نجري إلى أن بلغنا اجمة من الاشجار، وهناك.. هناك.. في حضن شجرة معمرة.. قد تعود أيامها إلى أيام جدينا الاولين.. حواء وادم، رأينا صغيرتينا وقد ابتنتا بيتا وعمرتاه بالاصداف والرمال، وجلستا فيه تتبادلان الكلمات والضحكات.

***

عدنا في المساء باتجاه نتسيرت عيليت.. نطوي الارض طيًا، وكلُّنا رضا عما افضى اليه ضياع صغيرتينا.. من نتيجة طيبة، وعندما توقفت سيارتنا الفيات اونو، بالقرب من بيتنا في الحي اليهودي، فوجئنا بزوجة جارنا تداهمنا بموجة من الدموع والقُبل، فسألناها عمّا يبكيها، فاحتضنت ابنتها بمحبة ام خشيت على صغيرتها من الضياع والموت، واخبرتنا انهم اتصلوا بها من المستشفى ليخبروها ان حالة زوجها في تحسن وان جسده ابتدأ في تقبل الدواء بعد ان رفضه فترة طويلة.

هنأنا جارتنا الروسية بما صارت اليه امورها وامور اسرتها.. من امن وسلام، ودلفنا باب شقتنا واحدا وراء الآخر ونحن نتمنى ان ينالنا مثل ما نالها من هدوء وسكينة نفس. اما هي فقد ادخلت ابنتها شقتها واغلقت بابها وراءها دون ان تزيد أية كلمة.

***

قصة: ناجي ظاهر

في البيتِ الابيضِ يا سـادَهْ

عُــبّـــادُ الـشـيـطانِ الـقـــادَهْ

*

صُـهــيـونـيٌّ مـا ســـونـيٌّ

والـمِــثـــلـيُّ صـارَ عِـمــادَهْ

*

قـــامَ الـشـيـطانُ بـدولـتَـهُ

وتَــبَــنّـى مِـنـهُــــمْ أولادَهْ

*

وعـلـيـهمْ أســسَ قـاعِــدةً

مُـخــتـارًا مـنــهُـمْ رُوّادَهْ

*

لِـيَـقـودَ الـعـالـمَ في دِعَــةٍ

ويـكـونــوا فــيـهِ أســـيـادَهْ

*

ويـكـونُ الـبـيتُ ومَـنْ فـيهِ

مَـرســاةَ الــبـغـيِّ وأوتـــادَهْ

*

فـالـداخِــلُ فـيـهِ يُــداخِــلُـهُ

مـا لـــــم تـقــبــلْـهُ الــقَــوّادَهْ

*

وشـريـفُ الـقـومِ بـلا شـرفٍ

يُــقـريْ الاســفـلَ مِـنـهُمْ زادَهْ

*

والـراعـي يـبـقى حــاويَـةً

قَـمّـتْ مَـنْ قَـمّــتْ أجــنــادَهْ

*

كـغُـثـاءِ الـبَـحـرِ وهُــمْ كُـثـرٌ

أحـصِـنـةٌ جــابَـتْ طُــروادَهْ

*

طـوفـانُ الاقـصى عَــرّاهـا

وكـسـاهـا عـــــارًا وزيــادَهْ

*

هُـلُـوكـوسُ الـبـاغي فِـريَـتُـهُ

تَـلـفــيـقٌ فَـجَّـــرَ مِــنـطــادَهْ

*

فـشُـعـوبُ الـعـــالـمِ واعــيـةٌ

كَـيـدَ الـصهـيوني ومُـرادَهْ

*

رَوّعــهـا إجـــرام الـبـاغيْ

فـانـتَـفـضتْ تَـلـعَـنُ أجــدادَه

*

فـجـرائـمُهُ صـارت تَـعـني

فـي غَــزّةَ عُــنــوانَ إبــــادَهْ

*

طُـوفــانُ الاقـصى عَــرّاهُ

فـتَـداعى  مـا كـانَ أشـــادَهْ

*

شـيـطانُ الـبيتِ ومَـنْ فـيـهِ

لـنْ يَـجِـدوا فـرحًا وســعـادَهْ

*

والـنـومُ الـحـالِمُ لَـنْ يـأتـي

مُـذْ سَـلَـبَ الـغـزيُّ رُقـادَهْ

*

ودِمــاءُ الـشُـهـداءِ سـتـبقى

قـــارعـةً تَـصـدَعُ أعــيــادَهْ

*

فالـفِصحُ يـكونُ هـو الـذِكرى

للــيــومِ الاســودِ إنْ عـــــادَهْ

*

فهـو الـنّـاقـوسُ إنْ مَـرّتْ

ذِكــــراهُ تَـســفـعُ عِــــــوّادَهْ

*

ولـــهُ في أُكْـتُــوبـرَ مـاضٍ

فـيـه الـخُـسـرانُ كـالـعــــادَهْ

*

وعـلى أنـقـاضِ هـزيـمـتـهِ

سـيُـطـيـلُ الـشـيطانُ حِــدادَهْ

*

لـنْ يـرجو الـبـاغي أنْ يـهـنـا

في وطــنٍ غَـصـبًـا قـد ســادَهْ

*

وعـلـيـهِ يــبـقى مَـهـزومًـا

ويـكـــونُ الـحــــقُّ جـــــلّادَهْ

*

برجـالٍ قـد صدقـوا الـمولى

فإمّــا نَـصـرُ وإمّـا شــــهــادَهْ

فـإمّــا نَـصـرُ وإمّــا شـــهـادَهْ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الثلاثاء في 7 مايس 2024

(1) دائماً

في رأسي دائِماً

معسكرُ تدريبٍ

وجنودُ ثائرون ..

*

نساءٌ كادِحاتٌ

وأطفالٌ يتشاجروَن بوقاحة ..

*

عجائزُ يعرفِن عن ظهرِ قلبٍ

كلَّ حكايا الحياة ..

أما وجهي

فليس سوى تخطيطٍ سريعٍ

لإمرأةٍ متمردة !

**

(2) عاشقان

نتشاجرُ كالساسةِ ..

نتصالحُ كالعصافيرِ ..

نفكرُ ببعضِنا كالأمهاتِ ..

نذهبُ للسيِنما كالأصدقاءِ ..

نلعبُ سويةً كالأرانبِ ..

ونرتبكُ من الحبِ كالأطفالِ!

*

وكي لا نفترقَ كالغرباءِ:

أتصلُ بكَ لتدعوني للفطور

ولنضحَك كالملائكةِ!

***

سمرقند الجابري

....................

(*) من مجموعتي (رابط لأغنية ساحرة) منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

 

حين افترقنا

وباتتْ مسافاتنا تستجير الهوى

انشطرَ الحبُ نصفين في الوجودِ

نصفٌ هنا ، ونصفٌ هناكْ..!

*

تقولين ماذا دهاكْ..؟

لمْ أر في الكونِ نسراً سواكْ..!

فكيفَ أشغِلُ نفسي،

وكيفَ أبعدُ عني هواكْ..؟

*

وبعضي أراه يأكلُ بعضي

يصارعُ هذا الزمان الكسيحْ..

ويحملُ صلبانَ هذا الوجود الذبيحْ..

لعلَ خطاي تلاحق طيفاً

ينادي :

تعالَ فأني

ما أزالُ على مسار خطاكْ..!

*

انشطرَ الحبُ نصفين

نصفه يشتكي ويغني لألآمه

والعوالم من حوله فاغرات الفم..

وآخر يحتمي من جليد البعاد

والسحاباتُ فوقه

تزخ نزيف الدم..

*

فكيفَ أشعِلُ وهجي

في ركامِ الجليد

وكيفَ أأتي اليك

وكيفَ أشبع مقلتيكْ..؟

*

انشطر القلب في معبد الحب

عن هالتين:

بالشوق ملمومتين

تقتات من مهجتين

دماً ولحماً وعظما..

لتبقي عوالم هذا الزمان

تمتحن الصبر

سحقاً وقضما..!!

في نزيف الرعاف

عبر إثنتين :

أنين الجياع

يطاله صخب الضباع....

هوَ  ذا الوجع الدفينْ..!

***

د. جودت العاني

12 / 03 / 2024

.......................

*  قصيدة مستلة من الديوان الرابع (من أين يدخل الغرباء..؟)

 

أعيش في قبر

من فرط ضيقه

لا اجروء الخروج منه

*

في ليلة مظلمة

جئت الى غزة

لابحث عن جثتي

في مشرحة لبقايا أشلاء

طائر في الجنة

*

بين الانقاض

وتحت الركام

نعش ملفوف بوردة خضراء

مضمخة بالمسك والريحان

*

سمعت أطفال غزة

يتحدثون عن نعم الفردوس

وعن خريطة جديدة من النهر الى البحر

وعن وطن  ذا أقواس نصر كثيرة

*

وسمعتهم يتحدثون

عن تقويم سنوي جديد

يبدأ من السابع أكتوبر

*

وعن عجوز تنفش صوفا

لكوفية وعقال

تراقبها حمامة بيضاء

*

منذ عقود

ونحن ننتظر قمرا

مفعما بضوء قرمزي

لكي يتراقص مع قوس قزح

*

تحت الركام

رائحة الموت تزكم الانوف

ودموع حبيسة في الظلام

تلمع كسراب يترنح في الآفاق

***

بن يونس ماجن

ثعلبُ القضيّة

الثعلبُ الذي أكلَ دجاجاتِ

أمُّهاتِنا الطيّباتْ؟

قطعةً قطعةْ

وجلدةً جلدةْ

وعَظْمَةً عظمةْ

وريشةً ريشةْ

هَلْ يُمْكنُ أنْ يكونَ

حمامة َ سلام؟

لعلَّنا نستطيعُ نحنُ

أنْ نتخلّص َقبلَ قيامتِنا

من أسطورة الثعلبِ الطيّبِ

وقضيةِ الدجاجةِ الحمقاء؟

- 2

الحكايةُ كلُّها

تعالي كي أَدُلَّكِ

على شجرةِ الغواية

ولكنْ ارجوكِ

لاتقطفي منها

تفاحةَ اللذَّةِ والخطيئة

فأبتلي أنا هذه المرّة

كما ابتلى من قبل

أبي المُغَفّلُ المسكين

الذي اصبحَ ضحيةَ ابدية

تدعو للسخرية والمرارة

أَلَيْسَتْ هذهِ هيَ الحكاية

في حقيقتِها المغيَّبةِ

في أَساطيرِ الأوَّلينَ

والآخرينَ أَيضاً؟

-3

بــلاد قاتلة

كُلَّما يموتُ شاعر

تسّاقطُ نجومٌ

تذوبُ شموعٌ

وتَجفُّ زهورٌ

من هَولِ الأسى

والأسفِ والحنين

والبلادُ التي نُحبُّها

ونُحبُّ ترابَها وانهارَها

وبساتينَها وأُمهاتِها

وناسَها الطيّبينَ

أصبحتِ الآنَ

وبكلِّ قسوةٍ

وجلافةٍ وبلادةٍ

تُثقّبُنا بالرصاص

وتطعنُنا بالخناجرْ

ياااااااااااااااهْ ...

كمْ أَنتِ لئيمةٌ وقاسيةٌ

يابلاداً تَحتضنُ القَتَلَةُ

والظلاميين والمُتوحشين

ولا تَمشي في جنازةِ الشاعرْ

-4

عاشقة كندية

صديقتي العاشقة الكندية

كُلَّما اقولُ لَها:

- I love you baby

يتوهّجُ جسدُها الفارعُ

والساطعُ والشاســعُ

بالضوءِ والرغبةِ والشهواتْ

***

سعد جاسم - كندا

أفعى بأعماق الحذاء تخبّأتْ

وتناسلتْ أصلالها و تبوّأتْ..

*

هذا المكانَ لكي تميتَ براءةً

منها على طول الزَّمان تبرّأتْ

*

خطّتْ على درب الرِّمال مسارها

كيما تجيء .. وما تظنُّ بأخطأتْ

*

أفعى كما يدري الجميع نزوعها

مالم تسمَّ الأبرياء؛ تجشّأتْ..

*

سمّاً على الحَجَر الذي في ليلها

لاذتْ بهِ مِنْ بردِها وتدفّأتْ

*

حتى إذا حانَ الصَّباحُ تسلّلتْ

ومضتْ إلى صوتِ الهزار وأطفأتْ

*

لا تستحي ممَّنْ تراهُ مُغَرِّداً

حتى على قتلِ الطّيور تجرّأتْ

***

رعد الدخيلي

 

من اجل اكمال الصفقة

هكذا تتقدم بنا الايام ونحن نشيخ

وعصافير ذواتنا تمد اجنحتها البريئة

صوب مدارات قوس قزح ونحن

لم نتراجع عن حماية حقول ومروج

ذواتنا في ظل هذا اللهيب وهكذا سنتقدم

من اجل اكمال صفقة احتضان غزلان

وايايل السهل الحزين بعيدا بعيدا عن

مثالب للشوك العوسج والحنظل

وقريبا قريبا من من نخلات واحة

العشق المباركة.

2 -

نقش على جدار الصمت

النقش على جدار الصمت ما هو

مطلوب منا في هذه اللحظة الحاسمة

لحظة عناق قرص الشمس ومدارات

قوس قزح الصباح والشفق الازرق

ولحظة اتمام عملية عناق الوراوير الحزينة

في الكرمة المستباحة وعصافير شجيرات

اللحظة الحاسمة.

3 -

هكذا تفكر

هكذا تفكر الجرذان الدود والجراد

في احتلال السهل الفسيح ونبع

القلب المضيء وهكذا هكذا تفكر

بتهشيم كل مرايا الصمت الهداة والامان

وبتهديم كل جدران قلعة الحكمة

المضيئة والامل المضيء.

***

سالم الياس مدالو

رقصةٌ ليبراليّة

في خيمة الشيخِ الهُمام

***

في خيمةٍ عربيّةٍ أوتادُها

دُقّتْ عميقاً في تخاريفِ القبيلةِ والرمالْ

*

والرملُ  رَخْوٌ لا يقاومُ

عُنْفوانَ الريحِ والصحراءِ مُذْ بَدأ الزمانْ

*

فَكَثيبُهُ  هَشٌّ مَهيلٌ طَيِّعٌ

كَهَشاشَةِ الفَذِّ الدَعيِّ المُدّعي

مدنيّةً سالتْ لُعاباً حولَ مائدةِ الأميرْ

*

أمّا تقاليدُ القبيلةِ كُلُّها أو جُلُّها

فَروايةٌ مثقوبةٌ

مَتْناً وإسناداً تَشي بِرَذيلةِ التقليدِ

أو كَذِبِ الرُواةْ

*

جلسَ الأميرُ بِرُكْنِ خيْمتِهِ وفي

يُمناهُ فِنجانٌ لِقهْوتِهِ وقد

فاحت مُعتّقَةً بكافورِ الخديعةِ والضَلالْ

*

أسَفاهُ ياقلبي على

كَرَمِ الفوارسِ والمجالسِ والدِلالْ

*

بعدما تُهْنا وَضيّعنا المناقِبَ والرِجالْ

*

وَعَلى يَسارِ أميرِنا شيخْ

لَهُ قلبٌ (يمينيُّ) الهوى

كَجبينِهِ المِسْوَدِّ مُحْتَقِنٌ عَبوسْ

*

موفورُ حَضِّ إنّما وغدٌ

غليظُ الطبعِ  مُرتابٌ فخورْ

*

هُوَ نَجْلُهُ وَيَمينُهُ قد عادَ مُنتصراً على

مَنْ غرّدوا لسقوطِ مُنتجعِ الهزيمةِ

والطغاةْ

*

صاروا خوارجَ عصْرِهِ لمّا رأوا

في قسمةِ الأرزاقِ  ضيزي

مُعْلِناً حرباً ضروسْ

*

أفنى بها الفقراءَ طُرّاً خدمةً

للنجمةِ الزرقاءِ في ثوبِ العَروسْ

*

وَعَلى يَمينِ أميرِنا السادي

يَساريٌّ  قَديمٌ قد صَحا  من سَكْرةِ

الأفيونِ  تَوّاً  أو أقانيمِ الشغيلةِ

والجَدَلْ

*

فَدَراهمُ الأمراءِ حِكْرٌ للذي

غالى بِهَزِّ الخَصْرِ رقصاً وتفانى

في أحابيلِ الدَجَلْ

*

فَنَعى مناجِلَ حزبهِ مُتَخفِّفاً

وَرَمى على هاماتِ حَشْدِ الكادحينَ

المِطْرَقه

*

صلّى وراءَ مُضيفِهِ

وَشَدى  إلى الشيخِ  الوَقورِ مُعَلّقهْ

*

وَأكادُ ألمحُ من بعيدْ

في مُنتدى الساعينَ للشيخِ السعيدْ

*

أحرارَ مُجْتَمعِ النُهى

فكراً  كَبنّائينَ قد رَضعوا معاً

أسرارَ تَلْمودَ الخنا

مَدَنيّةً وَلَغتْ بأوردةِ  الشُعوبْ

*

وَثَنيّةً  تسعى خشوعاً في رِحابِ

البيتِ مِبْيضّاً فَتمْتلِئُ الجُيوبْ

*

وعلى صدى وَتَرِ الرَبابةِ أبدعوا

للمسلمينَ رسالةَ التنويرِ في

دُنيا العبيدْ

*

وَتَشاوروا بفضاءِ باديةِ الجزيرةِ

نُخْبَةً تهوى معاقرةَ الغُبارْ

*

وَتَذوبُ زُهداً وانتشاءً بالحداثةِ والرِيالْ

*

وَنِكايةً رفعوا صدى

نَغَمِ الربابةِ مُحْدِثاً

وَقْراً بِآذانِ القبيلةِ والأنامْ

*

فَتَراقَصوا  وتجاهلوا

حِمَمَ الرصاصِ مُدوّياً

برؤوسِ من طلبوا الكرامَةَ والحياةْ

*

لَعَنوا صلاحَ الدينِ كي يَئِدوا

خيولَ الفَتْحِ في حطّينَ

فالأقصى هُراءٌ في هُراءْ

*

وعقيدةُ الإسراءِ  يَغْمِزُها  دَعيٌّ عبقريٌّ

عابثٌ بتراثِنا  مُتَحاملٌ لا مُسْتنيرْ

*

والمسجدُ الأقصى غريبٌ عن ترابِ

القدسِ قد عثروا على أسوارِه

مدفونةً بجزيرةٍ منسيّةٍ في زُنْجبارْ

*

كفروا بغزّةَ شامتينَ  بِأهْلِها

وَبِمنْ (تَحَمّسَ) للفِداءْ

*

حجزوا بشابكةِ العناكبِ موقِعاً

لِضياءِهِ  تهفو الغرائزُ  والنفوسْ

*

وَمَعَ الأميرِ مقاعداً

خيطتْ نهاراً من خيوطِ العنكبوتْ

***

د. مصطفى علي 

 

على شَوكةِ الاِنتظار وَقفـتُ

مَـع الواقفينَ وبيـنَ الوُفــودِ

*

وفِي قَلق أشْرئِبُّ بعَـيــنـِي

تُرى هل سَألقاهُ حَقّا حفيدي

*

تُرى هل كمِثل التّصاوير حُسْنًا

أبِي قَدْ رأيتُ وفيهِ جُدودي

*

وفــيهِ بَهــاءُ زيـــادٍ صَبيّـــا

ببسمتِه تلكَ، تُحْـيِــي عهودي

*

فيا طائرًا في أعَالي الجِــواء

تَمهّلْ وحاذرْ ففِيكَ وليـــدي

3884 سوف عبيد

ورَفْرفْ بلطفٍ وحُثُّ الجناحَ

على عجَل رغمَ ريش الحَديد

*

وبعـــد اِنتظار أطلّ حفيـدي

فهَشَّ وبَـشَّ بوجه سَــعــيـدِ

*

إليَّ حبيبي! أشــرْتُ إليــــه

فَهَبّ لِحِضْني كطيْـــر غَريـــدِ

*

وحَطَّ على ساعدي مِثْلَ بَاز

على أيْكهِ قـــادمٍ مِن بعـــيـدِ

*

فكم مِنْ جبالٍ وبحرٍ تَخطّى

وكم مِن رياحٍ ،وكمْ مِن رُعــود

*

وعانقتُهُ، كدْتُ أقسُــو عليـهِ

بِضَمٍّ ولثْمٍ وطــوْقٍ شَـــديــد

*

بشوق أقبّلهُ من يَــــديْــــه

تجُولان في لحيتي كـــالــوُرودِ

*

يُعابثُ نظّارتي في سُــرور

فِداهُ بعيني، وهَــل مِنْ مَــزيـدِ

*

يُكفْكِفُ لي دَمعتي ما دَراهُ

بأشجانِها أبحَرتْ في القَـصيـد

*

فباركْ ليَ اللهُ فيه وأسْعِـدْ

وحَمدًا إلاهِي فَذا يَــومُ عِـيـدي

***

سُوف عبيد ـ تونس

كل الجهات ترفل

في ثوب عرس

ملطخ بالهوان

وحدك في حزن معتق

تمشين واثقة الخطى

في ثوب حداد

تشيعين الضنا

ومن وجع الدرب

تشعلين الشموس

لخيل الصباح

حين من بين الانقاض

ينتفض الشهداء

وكل القبائل شرقا وغربا مشغولة

بالولائم ...بالرقص

والنياشين المذمومة

كل المدائن مذهولة

كيف هذا الصغير

بمقلاعه ...يبدع العاصفة

كيف من ارحام النساء

تتجلى القدرة الخارقة

وكيف من الصدور

تتفجر البراكين

وتخر القلاع ساجدة

لاحتدام القائمة

*

يا غزة ....يا أمي

هبيني عناق اللهيب

واقذفيني في صدورهم

رعبا ...يشق جباه العماليق

هبيني ...اللظى منحة الاولين

ثورة العذاب الامين

كيما تكبلني صرخات القاعدين

كم قلت لي:

ان بقاعهم رقاع شك وارتياب

دينهم صبغة ياس واغتراب

وانهم يتقنون فن الهدم والخراب

ويقايضون الزيف

بالخضوع والانسحاب

*

ايتها النار الملتهبة

في صدور الثائرين

لا ترحمي المهادنين ...

احرقي كل المداهنين

اني وحدي اقاتل

وحولي مليون قاتل وقاتل

مليون تاجر ...وتاجر

لا يعلمون ان الزهور

تستطيع الصمود

في وجه القنابل

وان كل ما يقوله الشهيد حق

وكل ما يبتدعون من تواريخ

ترهات وباطل

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

أتَضوَّرُ شَوقاً إلى خُبزٍ

لا يُشبهُ الخُبزَ

ولا يحتاجُ خَميرةً

وإلى سُنبلةٍ لا تُصبحُ طَحيناً

ولا تَلِدُ رَغيفاً

ولكنَّها تُخبِئُ بين ثناياها

عَسلَ النَّحلِ

ووخْزَ الدَّبابيرِ

وتراتيلُ الَّلهفةِ

أشتاقُ إلى شُطآنٍ

على رمالِها تَغفو

عَروسُ بَحرٍ

ذَيلُها من مَرايا

أنا القادِمُ على عَجَلٍ

من عُهودٍ غابِرةٍ

جِئتُ أبتاعُ أعماراً

ومتاجِرُ الأزمانِ مُقفلةٌ

والسَّماءِ فاغِرةٌ

أفواهُها

أتوقُ إلى عُمرٍ

صعب المِراس

عنيد الشَّكيمة

من غيرِ بِداياتٍ

يَعبُر بي أنفاقاً

ويُحاربُ كُلَّ الزَّوابِع

في جلد وأناة

وبِلا هَوادةٍ

كُلَّما خَمدَت فيه نَجمةٌ

شموسٌ في فضاءاتِه

تَسطَعُ وتُنيرُ

إلى طائرِ الفينيقِ

تشتاقُ عُيوني

كي يَسبحَ في مَداراتي

وينثرَ في ذاكرتي

غُبارَ الرَّمادِ

يُجَلِّلُني الأَمسُ بِلَونِ اليُتمِ

يجمعُ أكداسَ الحِكاياتِ

في رُكنٍ مُعتَمٍ

من جسدي المُرهَق

ويجدِّدُ ثَورةَ غَضبي

ويُحلِّقُ عَبْرَ المَدى

مثلَ ناقوسٍ يُبدِّدُ

ساعاتِ الرُقادِ

أنا البعضُ غير المُكتَمِلِ

وأنا الشَّطرُ المفقودُ

في أُحجيةِ الغيابِ

أخشى إن حَضَرتُ

أن يتَمَلمَلَ الصَّمتُ

وأن يصيرَ الثَّلجُ حالِكاً

وإلى بيداءَ

يستحيلُ البَحرُ

***

جورج عازار

ستوكهولم السويد

 

احتضنت الطالبة الجامعية سهاد العبدالله الجزء الأول من رواية آنا كانينا، بحنوّ لا حدود له، وتوجّهت نحو مقعد بعيد.. عن العيون، هناك في أقصى الحرم الجامعي. لقد سبق لها وان قرأت هذه الرواية وأعجبت بها أيّما اعجاب، الامر الذي دفعها للتوجّه إلى المكتبة الجامعية مجددًا لاستعارتها.. كونها ضربت على وتر حسّاس في نفسها كامرأة مرتبطة برجل عارف متعلّم، لكنه لا يتفهمها ولا يعيرها ما تحتاج اليه من اهتمام.. بالضبط كما تقول الراوية.

تحرّكت عاشقة الرواية وما تمنته من المشاعر المثيرة لكلّ امرأة تريد أن تكون وأن يكون لها حضورها المنشود، متعمّدة أن تجعل شخصًا محدّدًا أن يراه، ذلك الشخص طالب جامعي يدعى جاسر المبدّع، وقد صادف أن التقت به في رحاب المكتبة الجامعية، ولاحظت أنه يوليها اهتمامًا خاصًا، الامر الذي قلّص المسافة فيما بينهما، هما الاثنين، وكان أنها حاولت خلال تقرّبه منها، فيما تلا من وقت.. زياراتها للمكتبة، ابتعدت عنه، وذلك ضمن امتحان عسير له، فهل هو معنيّ بها.. أم أنه مجرّد رجل لاهٍ. مثله في ذلك مثل العديد من الطلاب طارقي أبواب الطالبات الموصدة فهمًا والمفتوحة جهلًا.. صحيح انها سبق وأدخلته غرفة الامتحان العسير، وأنها عرفت بحنكتها النسوية المرهفة ما تود أن تعرفه، لا سيّما فيما يتعلّق بحالته الاجتماعية، فقد عرفت بطريقتها الخاصة، انه متزوّج ولديه أبن بالضبط مثلما لها، غير أنها تعمّدت في ذلك اليوم أن تجري له امتحانها الأخير.. فإما يكرم وإما يهان. فماذا ترى سيحدث؟.. وهل هو تتبعها عن بُعد كما شعرت أحيانا كثيرة خلال ترددها على المكتبة؟..

غرقت الطالبة الام، الشاكية الباكية، في تساؤلاتها المصيرية هذه، فبدت وحيدة مثل شجيرة قرب الطريق.. وحيدة الشكل والقلب.. وكانت كلّما مرّ بالقرب منها طالب مخلّص*، توقعت أن يكون هو جاسر المبدّع وليس سواه، بيد أن ما حدث هو أن العديد من الطلاب قد مروا من حيث جلست، ولم يمرّ هو. بل إنها ابتسمت عندما مرت بالقرب منها طالبة بدا لها أنها تماثلها في الحالة والواقع، واقتربت منها مسترقة النظر إلى آنا كارنينا بيدها، وافتعلت حركة مَن يودّ أن يجلس بالقرب منها إلا أنها افتعلت بالمقابل حركة مَن لا يريد أن يجلس بالقرب منه أحد، سوى مَن يروق له ويريده، أما الحركة، فقد تمثّلت بوضعها معطفها الشتوي الوبري الدافي لصقها. "ترى هل سيفعل جاسر.. مّن فكّرت فيه أكثر ممن فكرت به من زملائها الطلاب مثلما فعلت؟.. لتنتظر وتر.. أما إذا لم يفعل فإنها ستتدبّر الامر، اذ لا بدّ لها من أن تتوصل إلى نتيجة مع ذلك الجاسر المشرئب بعنقه إليها هي وليس إلى سواها من بقية الطلاب.

مضى الوقت في ذلك اليوم الشتويّ البارد، وهي تنظر إلى البعيد، مصمّمة على أن تضع حدًّا لما انتابها من مشاعر تجاه ذلك الشاب المعافى اللافت للنظر، لنظرها هي بالتحديد، بيد أن شيئًا لم يتحرّك بالقرب منها على الأقل، وبقيت منتظرة على ذلك النحو. حتى فوجئت بمشهد استولى على جُماع اهتمامها، ذلك المشهد تمثل بأن جاسر ذاته، نعم جاسرها ذاته قد اقترب من مقعد في ركن شبه خفيّ وبعيد عن العيون، وبرفقته طالب جامعي بدا لها أنه صديقه المقرب أو شيئًا من هذا القبيل، لهذا تعمّدت أن ترى الاثنين وتسمعهما دون أن تمكنهما قصدًا أو حتى صدفة من رؤيتها، اختبأت قريبًا منهما وراحت تستمع إلى ما يدور بينهما من حديث، فقد تعرف ما لم تمكّنها من معرفته اللحظات المكتبية والظروف الجامعية. مرسلة نظرات متسائلة فماذا سيقول كلّ منهما للآخر؟.. وكان أن وقع نظرها على جانب من الجزء الثاني من روايتها الاثيرة. فجنّ جنونها، ولم يمض وقت طويل حتى فوجئت بالاستماع إلى الحديث التالي بين الجالسَين هناك:

الصديق المجهول: ما هذا اراك تحمل رواية آنا كارنينا.

جاسر: نعم الآن للتوّ استعرته من المكتبة.. هذا هو الجزء الثاني من الرواية.

الصديق: الجزء الثاني.. هل قرأت الجزء الأول؟

جاسر هامسًا ومتعمّدًا أن يكون صوته منخفضًا جدًا يقرّب فمه من أذن صديقه.. ويهمس بها.. تفهم مما جرى من تضاحك بين الاثنين، أنها هي محور الحديث، فتفتح اذنيها وتغمض عينيها علّها تكتشف ما أرادت وودّت وأحبت أن تكتشفه منذ ابتدأت علاقتها الغامضة من ناحية الواضحة من أخرى. فهمت سُهاد شيئًا مما جرى بين الاثنين، ولم تفهم آخر، ما دفعها لأن تكتفي بما استمعت إليه، منتظرة أن يكشف لها مُضي الوقت ما غمض من أمر أحبّت أن تعرفه وأن تسبر غوره من أعماق قلبها المُضنى، خاصة فيما يتعلّق بمصير علاقتها به.. لتنتظر.. أجل لتنتظر وتر..

لم تنتظر طالبتنا المُجدّة المجتهدة طويلًا، حتى رأت كلًا من الجالسين يهمّان بالوقوف والانصراف، فأنزلت رأسها وراء شجرة الاختباء، مخفية نفسها هناك. وفوجئت بجاسر يقول لجليسه، وهو يرسل ابتسامة ماكرة: -اركن عليّ.. سأعلم الحمار اللغة الإنجليزية. *.

هكذا انفضّ المجلس بين الاثنين. سوّى جاسر ثيابه المرتّبة.. أحسن ترتيب بالأساس، وتوجّه لمفاجأة سُهاد، نحو مقعدها الأول ذاك.. ذاته، جلس هناك. عارضًا الجزء الثاني من آنا كارنينا. وواضعًا كبّوته الشبيه بكبوتها هناك.. إلى جانبه. اتخذ مجلسه المنتظر لما سيأتي*، والمتوقع له، وبالغ في حركاته تلك، ففتح الجزء الثاني من آنا كارنينا وراح يحدّق فيه، كأنما هو يريد لإنسان وحيد وواحد في العالم أن يراه.. كان هذا الانسان هو.. هي وليس سواها.. هي سهاد العبدالله ذاتها.. بواقعها وحلمها المجنون.

سوّت طالبتنا النجيبة ملابسها واضعة كبّوتها العزيز الغالي على كتفها هذه المرّة.. خرجت من وراء شجرتها، وراحت تتهادى.. تهادي عروس تعرف ما ينتظرها من الآلام المضاعفة.. سارت باتجاهه.. وراح هو بدوره يفتعل عدم الاهتمام، وكأنما هو لا يراها، أما هي فقد اسرعت الخطى عندما وصلت بمحاذاته.. غذت الخطى أكثر.. وعبرت عنه كمن يهرب مما توقعه من مخاطر.. ومجاهل لها بداية وليس لها نهاية.

***

قصة: ناجي ظاهر

........................

* "آنا كارنيا"، رواية مشهور جدًا للكاتب الروسي المعروف ليو تولستوي. وهي تحكي قصة حب كبيرة تنتهي بكارثة إنسانية.

* لقب السيد المسيح.

* إشارة إلى مسرحية "عودة جودو"، للكاتب الايرلندي ذائع الصيت صموئيل بيكيت.

* تحكي هذه القصة عن ملك بحث عمّن يعلّم حماره المحبوب الاثير لديه اللغة الإنجليزية.. وبقي يبحث إلى أن جاءه مَن يدّعي أنه بإمكانه أن يقوم بهذه المهمة، مشترطًا عليه أن فرصة فرصة عشر سنوات. وعندما سأله صديق له عما دفعه لتلك المغامرة الخطرة. قال له إن العالم في السنوات العشر المطلوبة سيتغير وسوف تتبدّل احواله، فإما يمرض او يموت الملك وإما ينتهي هو ذاته إلى الصير ذاته.

ديــكٌ يُــصلّي والإمــامُ الــثعلبُ

وعــلى المنابرِ بالفضيلةِ يَخطبُ

*

يَــتَصنَّعُ الــتقوى ويــبدو عــابداً

بــاللَّحمِ أمــسى زاهداً لا يرغبُ

*

وبــأنّهُ الــحامي الأمــينُ لخمِّهمْ

بــالليلِ يــبقى ســاهراً لا يــتعبُ

*

لا يَــلمِسُ الــديكَ الــغبيَّ لخَشْيَةٍ

أنَّ الــوضوءَ بــلمسِهِ قــد يذهبُ

*

ويُــغَمِّضُ  العينينِ حتى لا يرى

عــوْراتِ أهلِ الحيِّ حيثُ يُعذَّبُ

*

ظــنَّ  الديوكُ الخيرَ عندَ إمامِهمْ

و هو المُخادعُ في الحقيقةِ يكذبُ

*

مــازالَ يــخدعُهمْ ويكسبُ وِدَّهُمْ

فــي كــلِّ ســانحةٍ لــهمْ يــتقرَّبُ

*

حــتى اِطْمَأَنُّوا والشكوكُ تَبَدَّدَتْ

بـــدأَ  الــلُّعَابُ بــثغرِهِ يَــتَصَبَّبُ

*

فــدعا الــدِّيوكَ الــصالحينَ لبيتِهِ

لــينالَ أجــرَ المُحسنينَ ويكسبُ

*

فــأتى الديوكُ الطامعونَ إمامَهُمْ

وبــطونُهمْ  أشهى الموائدِ تطلبُ

*

حتى إذا اكتملَ النصابُ فأُغلِقَتْ

كــلُّ الــمنافذِ واستحالَ المَهْرَبُ

*

جــعلَ الــديوكَ الأغــبياءَ وليمةً

بــعضُ الــمطامعِ للمهالكِ تجلبُ

*

لا يــخدعنَّكَ فــي الأنــامِ عِمامةٌ

فــلطالما فــيها تَــخَفّى الــمأرَبُ

*

لا يــخــدَعنَّكَ لــو تــغيَّر لــونُها

فــالــطبعُ دومــاً لــلتَّطبُّعِ يــغلبُ

*

فــي الــحيَّةِ الــرقطاءِ ســمٌّ قاتلٌ

وبــلونِها  بعضُ الفرائِسِ تَجذِبُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

مِنْ لا شيء... سيُولدُ كُل شَيء

تحتَ بقايا ظلِّ ياسَمينَة مُسافِرَة

إلى زمن ِ عَشتروت

ويُبعثُ نبيُّ الحبِّ من السَّماء

لِيكونَ شاهداً على غَرقِنا..

في أَمواجِهِ

بَينِي وبَينَكَ ...

شَهقَةُ بَحرٍ ..

وبعضٌ من أنينِ الحَواري

فتعالَ أيُها المَوج صَلِّ عَلينا

قبلَ العَودةِ إلى كُنْهِكَ

هَديلُ قلبكَ يُؤجِجُ حَنينِي

إلى تفاح الفِردَوس

فأطير إليكَ على جناح ِ شِفَةٍ

أطبِقُ أجفانِيَ على الغدِ بِحفنَةِ آمال

ترسمُ على رُوحِكَ حَوَّاء الخُلود

هل أنا على شَفا عِشقِك؟

أؤمِنُ بِكَ....

كنّْ حبيبي لِيكونَ لِعِطري عَبق

اِرْتم ِ في أَحضَانِي

هيَّا نغيبُ في الحُلمِ ويغيبُ فينا

نَبحثُ عَنْ المَطر

نتَوضأ بالنَّدى

كلُ نبضٍ وأنت رُوحي

أخبرَتني يَمامةُ الوَرد وفراشة السَّماء

بأنكَ تغازلُ شَفتيَّ

كل صَباح في غفلة نَحْلَةٍ

يا أميرَ النَخيل..

متى نَستَحِمُ في بُحيرةِ الشَّهد؟

***

سلوى فرح - كندا

 

لا أستنطقُ أحجارَ الموتىٰ

أتضرّعُ مَخدوعاً بنَزيفِ الكلِمات

هلْ أأسِرُ ذاتي

وأقدسُّ حنّاءَ الحيطان

أمسحُ بالدمعِ الأخرسِ فاحشتي

وأخبّئَ بين بلادةِ أدعيتي

وِزراً يتستّرُ بالخوفِ

فألعنُ ميلادي آلافَ المرّات

في كَهَفي المُبْتَلِّ بضَوءِ الآتي

تُنبؤني أطراسُ الحيطانْ

ألّا أتَعمّدَ بالأسماءْ

لا...

لستُ كمن يرسمُ في الرملِ طهارتَهُ

يمحوها في غفلةِ مفتونٍ بهوىٰ اللذّاتْ

لا أهوىٰ ظلَّ الأشياء

أبحثُ عن طرُقٍ يتَلَمسُّها العميان

لا أنشرُ في الصَحراءِ شراعي

وأُحَدّثُ عن عمقِ الماء

*

فلتَذْوي كالجرحىٰ الأيّام

ولينضبَ عذبُ سِقائي

فأنا أعرفُ أوديةَ العُمر

أحفظُ آثاراً لحَفيفِ السنوات

كقصائدَ في عذرتِها نَفَسُ الشِعر

كدليلٍ يقرأُ في لغةِ الصخرْ

من بذَلَ الآهاتِ هنا في الأمس

من حفَرَ الذكرى في هَوَسِ الوقت

فأسيرُ كراعٍ فوقَ عَصاهْ

كُتبتْ أسرارُ الهَمَساتْ

لي في السحرْ

وثنايا الزمنِ العاري ..

أطوَلُ باعْ

لن أرضى بذئابِ اليأس

وعَزاءِ الآه

تُخمدُ أنفاسَ الفَجرْ

لأعودَ وأندبَ كالثكلانِ

طَويلَ بقائي

***

عادل الحنظل

 

لنتفق من جديد

إنّي شاعرةٌ باذخةُ الحرفِ

تولدُ من رمادِ الكلماتِ

رقيقةٌ تنزفُ لأتفه الأسباب

وأنّكَ رجلٌ شامخُ الجرحِ

مخبوصٌ برغبةٍ اسميتَها قدرٌ

تُسقِط َألحانَك على دفاتري الحزينة

فيغني الشّعرُ لحن الصّبا

وهذه الأبجديّة شرِهةٌ لعناقِ الأفكار

تحمّلها الأيامُ خيشةَ الإثم

فتمضي مُتعبة كأوطاننا

وكلّما استعرضَ آدمُ جاذبيّة التّفاحِ في دمهِ

تكسّرتْ غصونُ البرقِ

ليهيمَ بما تبقّى من روحِهِ

ويوقدَ لهيبَ المطرِ في آهاتهِ

جاءَ في جرحِنا:

حينما تستريحُ السّماءُ يا ربّ النّرجسِ الملوّن

تتنزّلُ نجومُكَ على كتفيّ

فأعّدُ تراتيلَ سجودي إلى عينيكَ

لتأكلَ من خبزي الأبدي

ليس في جبّة الفكرة إلاكَ

معارجُكَ دهشةٌ وأدمعٌ

ملتحفٌ باتّساعِ البراري

مازلتَ في ابتسامتي الخضراء

حينما يلوّحُ الحنينُ بأكفّ النّخيلِ الحالمةِ

وإنْ تمرّدنا على اللغة

وإنْ خانت قلبَينا الحروفُ

لن تسقطَ كلماتُنا في فخّ الفراغِ

يا لهذا القلمِ المتّعقلِ بجنون

مرّةً ينامُ في ظلالِ الياسمين

ومرّة يرتّبُ أفكار سيزيف

أنتَ الآن تقرأ

كان عليكَ أن تموتَ كالفينيق

ومن المحتمَل أنّه لن يعجبك ماكتبت

ومازلتُ أبني من الحُطامِ آمالًا بيضاء.

يا قلمي الحبيب

كلماتي صوتُ رمحٍ شقّ الهواء

وشفاهها مُحاقُ التّوت

تراتيلُ حبّ مكتوبةٌ بدمكَ

سنكتب معًا حتى تشرقَ أعراسُ الظّمأ

ويرتعِش ميلادكَ كلّما أنشد الحرفُ

سنبقى معًا يا ترجمانَ المعاني

لن نفترقَ

إلاّ حين يصبح الخبز للفقراء أقدس من نصوصِ الحرّية.

***

ريما آل كلزلي

 

قبل أن يذهب الى المطار بيوم، اشترى قميصين، فكر بظبية توقهِ ألف مرة قبل الشراء، وعاد بهما الى بغداد.

زارتهُ بلهفة، دحرجتْ روحها على ملامحه الجديدة، كلما عاد، تترك بلادٌ كان فيها لمساتٍ ما على وجنتيه، ولأنها تحب هذا الشعور، ظلت تجيش بتلك القسمات ما قدرتْ، فلقد علمها السندباد الكثير.

أخرجا القميصين من كيسيهما بفرح الاعياد معا، وأرسلاهما للمكوى، القميص الاول بخطوطه الزرق، ملَّ من طول الانتظار، منذ يوم خياطته للان ورحلته في السوق من تاجر الجملة الى حقيبة مسافرعجول الى محل الكوي، شعر بالعزة لأنه جديد ولم يترفع وهو يركن مع قمصان أخرى لم تغسل بعناية، وكان يسكت أزراره عن الرغي مع أزرار الاخرين، خصوصاً تلك العائدة لنساء لا يعرفهن!

أحبَّ حبيبة صاحبه، شبّه عيونها بأزرار المعاطف في زمن الحب، ورجع بذاكرته القطنية الى ثياب مرتْ به، فلم يبتسم!

القميص الآخر، خطوطه من الورد استعارت روعتها، كان أكثر زهوا من ثياب هذه المدينة المغبرة وظلّ يُسمعُ من في المحل:

-" لا تملكون فرحي، فأنتم ستذهبون الى بقعٍ تنتظركم، وزحام الباصات المكتظة، أما أنا فقميص شاعر، قميص شاعر".

في الصباح عادا الى صاحبهما، ظل كلُّ واحد منهما يتمنى بطريقة ما أن يكون هو الاول في استقبالها، الأزرق له قوة رشف عطرها رغم الطاولة النائمة بينهما، ومن فرط فرحه، أسقط أحد أزراره تحت قدميها صريعا، وهي من الوله احتفظت بالزر خلسة عن الحبيب لينام في حقيبة حوت من الذكريات ما يميز المجانين عن غيرهم.

الزر في حقيبتها يعجب من لفافة تبغ تلفها بأحكام محارم بيض، وسأل بقية المناديل عن فحواها، فأجاب القريب منها بأنه يضم شعرات استلت من مشط صاحبه، فصاحبة الحقيبة مستها التولهات فصارت لكل تفاصيل الآخر خارطة فرح لامرأة ظلت متخبطة المشاعر حتى عتقتها النهارات بشاعر أرسلته عناية الصدفة المبدعة، فيما يسميه الجميع بـ (الوقت الضائع)، عداها.

تكاثرت الاسئلة الموجهة من زر أسقطه التماهي لولاعة سجائر، ظل صاحبها يبحث عنها، ولم تدفع به رياح الشك الى أن يعصف بأحد.

قميصان ينامان في دولاب مرَّغته الهدايا المضمخة، لتطرز قصة لا يريد لأحد منهما انهاءها، ظلا يسبغان عليها الاسماء التفافاً على بيت القصيد، كل العيون تعرف حتى تلك التي لا تشبه أزرار المعاطف والكنزات، ابتداءً من أول زر بعد الميلاد الى يوم القيامة.

***

سمرقند الجابري - العراق

من مجموعتي القصصية (علب كبريت) 2017

 

للسنوات قاماتها ومقاماتها..

هذه احدى مقاماتها يا سُعدى

***

التقينا خفقة بعد سنين

وعلى شاطئ صمت الذكريات

قد سرينا بذهول حافيين

ورقا دحرجنا طيش الخريف

واحتفينا بالمغيب غرباء

كظلال طحلبيّةْ

ومضت فينا الحياة

ـ اَتُغنّي..؟

سألت!

ضحك الماضي..

وفاضت بالدموع

الينابيع التي كنا كفرناها زمانا

في عمى ضوء النهار

وحسرنا جرة البوح وبللنا يدينا

بلهاث مخملي

ورمينا صولجان الأقنعة

وتعانقنا نجففْ

حرقة الدمع بجمر القبلات

***

طارق الحلفي

 

في دَفْتَرِ الْعُمْرِ أَعْوَامٌ تـَجوبُ دَمي،

وَيَسْتَبيحُ صَدَى ضَوْضَائِهَا قَلَمي

*

أَشْكُو،

وَيَنْزفُ أَوْرَاقاً، تُـهَدْهِدُهَا

في كُلِّ حَرْفٍ "كَذَا" شَكْوَى مِنَ الْأَلَـمِ

*

أُوَرِّقُ الطِّفْلَ هَيْمَاناً،

فَتَخْطَفُهُ يَدُ الْفَتَى اللَّا فَتَى الْمَكْلومِ بِالْـهَرَمِ

*

حَتَّى إذَا عَسُرَتْ كَفُّ الرَّبيعِ

صَحَا

يُسْرُ الْـخَريفِ عَلَى أَشْوَاطِ مُنْتَقِمِ

*

في أَوَّلِ السَّطْرِ

أَحْلَامٌ مُبَعْثَرَةٌ

أَشْوَاقُهَا مُنْذُ فَجْرِ الْآهِ لَـمْ تَنَمِ

*

وَفي الزَّوَايَا انْتِظَارٌ،

بَوْحُهُ قَلَقٌ مِنَ النَّجَاوَى،

يَصُوغُ الْوَيْلَ مِنْ عَدَمِ

*

وَصَفْحَةٌ قِصَّةٌ

يَنْتَابُـهَا سَفَرٌ

إِلَى الَّتي بِـهَوَاها تُبْتُ مِنْ صَنَمي

*

وَفي الْـحَوَاشي يُريقُ الصَّمْتُ أَسْئِلَةً

عَلَـى فَتًى بِارْتِكَـابِ الْعِشْقِ مُتَّهَمِ

*

وَبَيْنَ سَطْرٍ وَذِكْرَى صُورَةُ امْرَأَةٍ

سَـمْرَاءَ،

ينْسَابُ رَهْواً بِاسْـمِهَا قَسَمي

*

مَنْ.

مَنْ يـُخَـبِّـىُ خَدَّ الْغَيْمِ عَنْ ضَمَئي؟

وَمَنْ يُبَدِّدُ أَشْيَاءً تَـمَسُّ فَمي؟

*

رِيَاحُ حَوَّاءَ

مَا زَالَتْ تـَهبُّ عَلَى اغْتِرَابِ آدَمَ

مِنْ فودَيْهِ لِلْقَدَمِ

*

وَقَمْحُ بَسْمَتِهَا مَا زَالَ سُنْبُلَةً

يُغْري الشِّفَاهَ بِتَقْبيلٍ بِلَا بَرَمِ

*

قَدْ يَعْبَثُ اللَّيْلُ في ميلَادِ مُعْجِزَةٍ

وَقَـدْ يُفَهْــرِسُ أَرْقَـــامــاً مِــنَ اللَّـمَـمِ

*

وَقَدْ يُسَاقِطُ أَقْوَاساً عَلَى وَرَقي

لكِنْ سَأَبْقَى أُنَادي:

يَا دُنى ابْتَسمي

*

أَنَا الْـجَنوبيُّ.. وَالأشواقُ تَسْكُنُني

مِــنْ بَسْمَــةِ الْــوَرْدِ حَتَّى دَمْعَـةِ النَّــدَمِ

*

أَنَـــا الْعِرَاقِـــيُّ أَحْبــو الْعُمْـرَ أَرْغِفَــةً

لِمَنْ يُفَتِّشُ عَنْ مَأْوًى، وَمُعْتَصَمِ

*

زَهْواً أُمَارِسُ طَقْسَ الْعِشْقِ مُذْ نَثَرَتْ

حَـــوَّاءُ قُبْلَاتـِهـــا حَلْـــوَى عَلَــى حُلُمي

*

أَهْوَى،

وَأَغْزلُ بَوْحَ النَّخْلِ أَجْنِحَةً

بِـهَا يـُحَلِّقُ طَيْرُ الْكَدِّ لِلْقِمَمِ

*

فَلْيَكْتُبِ الْوَهْمُ. وَلْيَقْرَأْ طَلَاسِـمَهُ

أَقولُ: كَلَّا، فَدُمْ في حَسْرَةٍ الـ "نَعَمِ"

*

غَيْظي عَلَى الْكَـوْكَبِ الرَّفَّافِ

صَوْتُ رِضًى،

وَأَنْتَ في دَرَكِ الْبَلْوَى أخُو الصَّمَمِ

*

غَداً تَغورُ بـِجَوْفِ الْأَرْضِ دونَ هُدَىً،

لكــنْ سيُبْصِرُ سُكَّــــانُ السَّمَـــا عَلَمـي

***

شعر عبد الكريم رجب الياسري

من مـجموعتي " حين يـحتفل القصب"

 

– إلى أين أنت ذاهب ؟ ألا تخشى شيئًا أيها الشاب .. إرجع إلى بيتك فورًا إرجع …

كان ذلك المساء قد تحدر من وراء الكثبان الرملية، التي بانت بلون العقيق اليماني القديم وهو يضفي مسحة من الجمال يصعب وصفها وخاصة حين يمتزج اللون البرتقالي المحْمَرْ للشمس وهي تختفي بين تلال الرمال المتموجة كالأفعى..

– ولكن، لماذا ياعم ؟

– إشششش، أسكت، لكي لا تسمعك أيها الأبله .. فهي في هذا الوقت تخرج .. لتجفف شعرها وتمشطه على حافة ذلك البئر.. ولكن ما ان تسمع دوي العجلات حتى تختفي في القعر .

– عن أية عجلات تتحدث، وعن أية فتاة تخرج لتجفف شعرها … قاطعه ..

– أسكت، ألا تسمع الدوي يقترب، إنها عجلات تدور وتلف ذهابًا وإيابًا نحو البئر، إنها لا تكف عن الدوران، ومن الصعب أن تعرف الأتجاهات من كثرة الخطوط والتقاطعات.. ولكن بحدسي أعرف من أين تبزغ الشمس وإلى أين تغرب .. أسمع جيدا أيها الشاب، في الليل تبدأ العربات تسير تحت جنح الظلام بسبب حرارة الرمل عند الظهيرة .. ولكنك لا تراها، رغم أنها تحمل فوانيس معلقة تتأرجح لتنير الطريق إلى البئر.. وفي الصباح لا ترى هناك سوى خطوط العجلات تتقاطع ورائحة نفاذة مقرفة سرعان ما تتناثر بفعل الرياح، ولكنك لا تعرف من أين جاءت وإلى أين ذهبت .. إنها محنة التيه في صحراء الذاكرة حين تغيب عنها الحقائق وتتجسدها الأشباح التي تحوم ليلاً حول البئر.

وقبل أن يفتح فمه ليسأل …

– إياك يابني أن تذهب إلى هناك، إياك ؟

وتابع يقول .. في الحقيقة أريد أن أهمس في اذنك .. عند الصباح لن ترى شيئا هناك سوى هالة تتحلق فوق الآبار لونها أبيض مغبر، وفي الليل لا ترى في السماء أثرًا للنجوم .. وإذا أردت أن تراها .. فهي تخرج عند الشفق وقبل الغسق تجفف شعرها وتمشطه لبضع دقائق ثم تختفي في القعر.!!

صعق الشاب وهو يستمع بدهشة عن عجلات ترسم خطوطا على الرمال وحورية تخرج من البئر لتمشط شعرها وهالة تحجب نجوم السماء في الليل.. وتساءل ..

– نعم فهمت ما تعنيه أيها العم … وقبل أن يكمل ..

– لا، إنك لم تفهم شيئًا أبدًا مما قلت .

– ولكن، كيف عرفت ذلك بحق السماء ؟

– لقد عرفت من شرودك ومن عينيك .. إنك أساسًا لم تكن معي لتفهم .. وعلى أي حال، هل تريد أن تفهم ؟

– نعم أريد أن أفهم، ولكن، قل لي ماذا تقصد بأن ألتزم الصمت وأن لا أجعلها تفزع وتختفي في جوف البئر.؟

– وهل تريد فعلاً أن تقترب منها؟

– نعم، أريد أن أراها وهي تجفف شعرها؟

– وهل أنت شغوف لرؤيتها ؟

– نعم ..!!

– ولكن، قد لا تكون جميلة .. قد تكون في هيئة لا تطاق؟

– ألم ترها أنت من قبل؟

– رأيت شبحها فقط ثم اختفى حين بدأ دوي العجلات يقترب.!!

– يقولون، وقبل أن يكمل …

– من هم ؟

– وجهاء القوم هناك .. أن هذا البئر قد ألقيت فيه الكثير من الجثث، حتى أن دماؤهم القانية طفحت وراحت تنساح بين الوديان والكثبان، وتلقفتها الرمال وابتلعتها في جوفها ولم يعد لها من أثر.. ولكن البئر ظل ساكنًا بالدماء القانية ثم تحول لونها إلى اللون الأسود، ومع ذلك قيل أنها تخرج لتجفف شعرها الفاحم كالليل البهيم .. هل فهمت ؟

أطرق رأسه إلى الأرض وأخذ يعبث بإصبعه في الرمال دون أن ينبس بكلمه …

– أاااه، ياإلهي، إنك لم تفهم شيئًا مما قلت .. لماذا يا بني، ماذا جرى لك؟

– فهمت ما ترمي إليه يا عم، ولكن أود أن أسألك هل العجلات التي تأتي مزدحمة صوب البئر تحمل براميل فارغة أم إنها عجلات فارغه لا تحمل غير الصرير؟

– الآن، أدخلت أصبعك في جحر الأفعى !!

– ولماذا تحتسب إن الأشارة هنا مخاطرة؟

– أسكت من فضلك أسكت .. لقد ظهرت الآن، دعها تكمل، ولم يتبق على هبوط الليل سوى دقائق معدودات قبل أن يقترب صرير العجلات لملء البراميل .. إن حارسة البئر لا تستطيع منعهم .. هل تعلم انهم لصوص محترفون.. يكتسحون الأسوار دون إعتراض .. قل لي، هل تعرف من دبر رمي جثث القتلى في قعر البئر طيلة هذه السنين الطوال حتى قبل أن تولد أنت وأنا ومن قبلنا، وهل تعلم متى تكف العجلات عن الصرير والدوران ليل نهار حول البئر؟!

– أعرف إنك بدأت تفهم، نعم، حين يختفي اللون الأسود من ذلك البئر؟

– ولكن كيف تعرف أن البئر لم يعد فيه شيئًا سوى الصدى وصفير الريح؟

– نعم، أعرف حين لمْ تعد جنية البئر تخرج لتجفف شعرها عند مغيب الشمس .

***

قصة قصيرة: د. جودت العاني

05/12/2023

 

يمتلك العالم الفضاء الشاسع، وأمتلك أنا حريتي هكذا علمتني الايام وانا أجوب فضاءات بلد الضباب.. لندن التي لم اكن اتخيلها إلا من خلال عيون أناسها، فبعد ان طفت الشوارع وميادين الساحات المليئة بالاشجار والاحراش والكثير من أصائص الزهور التي اجدها على الكثير من الشرفات، لاح لي شرفة جذبتني زهور اصائصها المنسقة بشكل يريح النفس مما دفعني للفضول كي أرى صاحبها او صاحبتها فلابد انه شخص مرهف الاحساس، فعمدت الى الركون على حافة سياج الشرفة انظر بحذر لربما صاحبها يمتلك قط أو كلب مدلل يفقد عقله حين يراني فيلتهمني.. على اية حال لحظات وانا اقترب شيئا فشيئا من الاصائص وجدت ان باب الشرفة مفتوح وهناك ليس بالبعيد عنها اريكة تجلس عليها سيدة تمسك كما يبدو لي كتاب بيد ومسبحة بيد أخرى.. فجأة ادركت انها ليس من أهل لندن، لابد انها عربية من خلال ما ترتديه، لقد أرتني الحياة حتى حين كنت صغيرة وأنا اجوب الاجواء مع أمي اشاهدهم يختلفون كثيرا عمن يعيشون ارض هذه البقعة من الارض.. لست هنا بصدد التمييز لكني شعرت أني وجدت ضالتي هكذا قالت لي نفسي..فنزلت بعد ان تأكدت ان هذه السيدة لا تمتلك اي حيوان أليف يمكن ان ينجس بيئتها النظيفة.. لا تستغربوا فإن الله جعلنا ندرك ونحس ونعلم لكن لا مجال للتحاور مع البشر إلا من خلال التعاطف او الإيحاء.. كما اوحى للنمل والنحل من قبل.. فليس معضلة او امر صعب..

شاءت الاقدار ان تنهض هذه السيدة وتتجه الى الشرفة، فطرت من امامها خوفا.. فوجدتها تتطلع لي بحنو ورغبة في التقرب مني.. ابتعدت في اجواء محيط شرفتها انظر الى ما تفعله، فوجدتها تمسك بابريق الماء تسقي الزهور التي كانت متراصة بشكل جميل وحسب الالوان منها الاحمر، البنفسجي ،الارزق والاصفر والابيض بدا لي انها في وسط عالم صنعته لنفسها كي تحياه عبقا مغاير لما تشمه من روائح مقرفة نتيجة عوادم السيارات المارة او من رطوبة الجو وبخار مجاري المياه الاسنة.. اعجبني تصرفها حين خرجت الى الشرفة كانت قد لبست الكمامة.. هذا يعني انها انسانة واعية هكذا عرفت عن العرب انهمم اناس يتطهرون في اوقات خمس كي يعبدوا الله الخالق.. لهم تسبيحهم كما لنا نحن معشر الطير والشجر والصخر وكل ما يمكن الانسان ان لا يتخيله هو يسبح لله.. سيدة يشع العطر منها كما يشع من الزهور حتى اني ما عدت اميز بين عطرها الذي ترتديه وعطور الزهور التي تعتني فيها بشكل يغريني لان اقترب واعايشها..

الغريب انها كانت تلاحظني وتحركاتي دون ان تشعرني بذلك، وسرعان ما وجدتها تضع لي صحن ممتلئ بالماء وبعض حبات من الرز.. لا تسألوني كيف اعرف ذلك؟ لاني اعرفه بالغريزة فعالمنا ايضا فيه انواع الاطايب او هكذا خُلقنا لا نأكل سوى الطيب من الطعام..

اسابيع مرت وانا في كل صباح اراها تطل مشرقة كما الشمس حين تفتح شباك شرفتها وبيدها قطعة من قماش فتقوم بمسح سطح ورق الزهور بعناية فائقة تمسح الندى كأنها دموع فاضت لمعاناة ما.. تعاملهم مثل اطفالها..لربما لأكثر من نصف ساعة او أكثر كنت انا قد تعودت على كرم ما تجود به ويزداد في كل مرة حتى تجرأت ودخلت فضاء بيتها فاستقريت الى نفس حافة الاريكة التي تجلس عليها لتشاهد ضوء الحياة وهي تناجي ربها الذي تعبد من خلال مسبحتها والادعية التي ترددها.. يا الله!! ما اجمل الانسان المؤمن بالله الممسبح له الذي يعترف بأنه مخلوق من أجل سبب لا تعلمه نفسه لكن بالتأكيد يعلمه من خلق تلك النفس.. الكثير من المرات اكون حزينة لأني اراها تتألم لما تعانيه من مرض علمت بذلك فلم امتلك سوى الدعاء لله، شكل يدفع انينها بي الى ان اطير احلق الى السماء ارجو من الله ان يرحمها ويخفف عنها بما تكرمني وبما تكرم تلك الزهور من عناية.. فكل ما تقوم به يجازيها الله عليه.. احببتها حتى بت اتجول في منزلها واغيضها في بعض المرات لكنها تعاملني بشكل ودود احببتها كثيرا حتى الزهور في تلك الاصائص قالت لي في ذات مساء، كنت قد تسللت اليها لاشم عبق انفاسها دون ان اشعر سيدتي .. نعم باتت سيدتي التي اعشق وهي تشرب فنجان القهوة التي تعده بنفسها بتؤدة ثم تجلس قبالة الشرفة بل في وسطها وهي تناجي ربها في قلبها.. يا الله ما اعظم صبرها ورضاها بقضاء الله وقدره.. ها انا اليوم وبعد عام ونصف برفقتها لم اجدها تغضب او تتململ، أو تسب او تشتم او رافضة معارضة قدرها.. بل مُسَلَمَة لخالقها بحمد وشكر، قانعة بإختبار الله لها احوالها، ما يريح نفسي اني احببت ان أصنع اسرتي الى جانبها كي تحظى بالطمأنينة فوجدت اصيص فارغ لم تستخدمه في شيء، فعمدت الى تهيئة عشي مع من احببت ان يكون رفيق حياتي.. الى ان فاجأتها وانا اجلس على افراخي.. رأيت السعادة على محياها وازداد اهتمامها بي وعنايتها لي.. فحدثتني الزهور وحتى الاصائص اننا نعيش حلم الحياة جنة بعيون سيدة مسلمة كأنها آية من تلك الآيات التي يصنعها الله كي تكون علامات واشارات ان الخير والسلام برغم الغربة وعذابها وفراق من نحب ضريبة لغاية لا يعلمها سوى من خلقنا بإرادته ووضع لنا الوسائل الغير محرمة للوصول الى الغايات التي من شأنها أن تجعل الحياة عالما مسالما رغم اشباح الوحدة ووساوس الشياطين، لكن أين للشيطان ان يجوب أناس تتطيبوا بعبق إلهي مرسل بنبي الرحمة وآل بيته الطيبين الطاهرين.

***

عبد الجبار الحمدي

فــي الـعَـدل،ِ تــزدهـرُ الأقــوامُ والأمـمُ

وفــي خُـطى الصَفْـوةِ، البغضاءُ تـنهـزِمُ

*

لاطـائـفـيّــة، لا تــفــريــقَ فــــي زمَــنٍ

قــد كـان رأيـُك، فـيــه الحَـسْـمُ والحَـكَـمُ

*

فـــي قـولِـك: الناسُ صِـنـفـان فـإمـا أخٌ

فـي الدِّينِ، أو فـي صفات الخَـلْقِ يَـتَّـسِـمُ

*

مـواقِــفٌ، شَــهـد الــتاريـــخُ رِفْــعَـتَـهـا

وخــلّـدَتْـهــا، بــقـرطـاسٍ لـهـا، الـقِــيَـمُ

*

لمّـا فـدَيْـتَ رســولَ الـلـه، مُــلـتَـحِــفــا

تصدّعَ الـقـومُ، حـــتى بــانَ مَــكـرُهُـمُ

*

وكــنــتَ، لـلخـلـفـاء الـراشــديـن، يَـداً

وناصراً، حــين تُـسْـتَـدعى بــك، الهِمَمُ

*

آنَـسْــتَ بــيـن قُــلـوب الـمســلـميـن، بما

أوصـى بــه الـلـهُ، لا زَيـْـفٌ ولا وَهَــمُ

*

مـــا دارَ طـرْفُــكَ، إلّا الـحَـقُ هـاجِـسُـهُ

والحـقُ صِنْـوُكَ، مـوصولٌ بـــه الـرَحِـمُ

*

لـلـتِّـبْـرِ أمْـنِــيــةٌ، فــــي أنْ تُــقَــلِــبَــه

يَــداك، حــيـث تَـباهـى الـسـيفُ والـقـلـمُ

*

حــتى السِــراجُ بـبـيـت الـمال صار لــه

حديثُ حــــقٍ، بـــه الأمـثـالُ تُـــخـتَــتَـمُ

*

أكــرَمْـتَ كــلَّ يـَـدٍ، الـعَـوْزُ ألجَـأهــا

حــتى وأنــت تُـصَلـي، نالـهـا الـكَــرَمُ

*

والـمَعْـنَـويَّـةُ قـــد فَــعَّـلــتَ هــاجِسَـهــا

فـي نَـفْـسِ مَـن قـد غزاهُ الوَهْـنُ والهَـرَمُ:

*

فـكان عـدلك، فــي قــوْمِ الـمسـيـح لـــه

صدىً يُــعـززُ فـــي الأخــلاق نهْـجَهُـمُ

*

لــِذي الـفــقـار اقــتـِرانٌ فــيــك، أرَّخَــهُ

مـا كـلُّ سـَــيـفٍ، بــه الهاماتُ تَــنْهَـدِمُ

*

بـه، قطعتَ جــذورَ الشِـركِ، مُـرتَـجِـزاً

واسـتسـلمَ الخَـصمُ، لا ســيـفٌ ولا عَـلـمُ

*

تَــزلزَلَ الخَـصمُ، فـــي (بَـدرٍ) وأرَّقَـهُـم

قـبـل الطِعـانِ فـتىً، فـانهـارَ عَــزمُــهُـمُ

*

طـيّـبتَ نَــفْــسَ رســول الله، حـيـن دعـا

في (خندق) الحَـسْـمِ، حيثُ الحربُ تَحتدِمُ

*

زَهْــوُ الـرؤوس تَـهـاوى بـَعـدَ مُـعـجِـزةٍ

بـ (بابِ خـيـبـرَ) أوْدَتْ، واخـتـفـتْ قـِـمَـمُ

*

إنّ الأنـاةَ ونــهْــجَ الحِـلـمِ، إنْ جُــمِـعَـتْ

كـما أشَــرْتَ، فـفـيـهــا الـعِــزُّ والــشمَـمُ

*

والصَّـمْتُ إنْ لاءَمَ الأجْواءَ، يَسْـمو بهـا

والـهَـذْرُ آخِـــرُه ... الإحْــبـاطُ والــنَـدَمُ

*

فـي سِــفْـرِ نَـهْـجِــك، للأجـيـال مَـدرسَــةٌ

تَـبْـني الـعُـقـولَ، وفــي أرجـائهــا نِـعَـمُ

*

الخُــلــدُ لــلــعـلــم، والآدابُ تَــصــحَــبـُـه

(أيـن الأسِـــرَّةُ،والـتـيـجـانُ)، والــخَــدَمُ

*

عَـقـلٌ بــلا أدبٍ، مِـثـلُ الشــجـاع بــلا

ســيـفٍ، وقــولـك هــذا مــنه نَـغْــتَــنِـمُ

*

بــلاغـة الـقـول، للـفـرســان مـوهـبـة

والمقـتـدون بـهــم يـسـمـو ســلـوكُـهُــمُ

*

بَـلغْـتَ فــــي صِـلةِ الأرحـام مَـرْتَــبَــةً

مَـن ســارَ سَــيْـرَك، لـم تَـعْـثـرْ به قَـدَمُ

*

طـمْأنْــتَ أنْــفُـــسَ أيــتـامٍ، جَـعـلـتَـهُــُم

يَــرَونَ فــيـك أبـاً، يـَـجْـلـي هُـمُـومَـهـُمُ

*

أوْصيْـتَ: أنْ يَسْـتَـشيرَ المرءُ مَنْ وثقتْ

بــهِ العُـقـولُ، ومَـنْ بالـرأي يـُــحــتَـرَمُ

*

لـمّا الخِـلافــةُ قــد حـيَّـتْـك قــلــتَ لـــهـم :

بــسـيرة المصطفى، الأجــواءُ تـنـسـجـمُ

*

ناديــتَ : إنّــي بــجُـلـبـابــي أتــيْــتُــكُــمُ

وفـــيـه أخـرُجُ، حيث الحــقُ والـنُـظُـمُ

*

اسْـتـهـدَفـوك بـبـيـت الــلـهِ، إذ غــدَروا

ما اسْـتمكـنوا منـك فـي حـربٍ، لها ضَرَمُ

*

إنّ الشــهـادةَ قـــد عَـــززّتَ رُتْـــبَــتَــهـــا

إذ قلتَ : فُــزْتُ، وفــــيما قُــلـتَــه قَـسَـمُ

*

العدلُ يَعْـلـو، فـطُـوبى لـلـذيـن سَــعَــوا

أنْ يَــقْــتَـدوا، لِــيَـزولَ الـظُـلْـمُ والـظـلَـَمُ

***

(من البسيط)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

حواريات الطب والأدب

دَعْنِي أُحَدِّثُ عَمَّا قِيلَ فِي العَرَبِ

يَا مَن تَأَرْجَحَ بَيْنَ الصِّدْقِ والرِّيَبِ

*

قَوْمي نِيَامٌ بِظِلِّ اليَأْسِ يُثْقِلُهُم

ذُلُّ الهَزيمَةِ فِي دَوّامَةِ العَطَبِ

*

مَا يَنْفَعُ الشِّعْرُ والْأَقْلامُ فِي وَطَنٍ

يَقْضي اسْتِعارًا كَفِعْلِ النّارِ بِالقَصَبِ

*

مَا يَنْفَعُ الصَّوْتُ والتَّهْريجُ فِي حَجَرٍ

أَوْ يَنْفَعُ الزَّهْوُ فِي أَرْحامِ ذِي الكُتُبِ

*

قَالُوا وَقَالُوا وَمَا زَالَتْ مَآثِرُنا

حَرْفًا تَمطَّى وَحرفًا صِيغَ مِنْ كَذِبِ

*

قَالُوا وَقَالُوا وَلَيْتَ الفِعْلَ دَيْدَنُنا

مَا فَرَّقَ القَوْمُ بَيْنَ الجِدِّ واللَّعِبِ

*

كُفّوا مَديحًا فَقَدْ مَلَّتْ قَرائِحُنا

وَمَلَّتِ الْعُودُ مِنْ طَنّانَةِ الطَّرَبِ

*

مَا أَنْتَ شَيْءٌ وَلَا واللَّهُ فِي مَلَأٍ

مَا صِرتَ شَيْئًا عَدَا مَا كَانَ مِنْ حَسَبِ

*

دَاءُ العُروبَةِ يَسْري فِيكَ مُذْ عُقِدَتْ

هَذِي النِّطَافُ، وَلَكِنْ دونَمَا غَضَبِ

*

كَانُوا وَكُنَّا ، وَهَذِي نَغْمَةٌ بَلِيَت

الصَّمْتُ أَمْثَلُ مِنْ نَفخٍ وَمِن لَجَبِ

*

هَلّا اعْتَذَرتَ مِنَ الأَيْتامِ فِي وَطَنٍ

مِنَ الضَّحَايَا إِذَا تُهْدَى إِلَى اللَّهَبِ

*

هَلّا نَظَرتَ شِفاهَ الطِّفْلِ إِذْ رَجَفَتْ

بَيْنَ الرُّفاتِ وَأَهْوَى الشَّيْخُ كَاَلحَطَبِ

*

تِلْكَ الوُجوهُ تَهَاوَتْ بَيْنَ حَيْرَتِها

حَتَّى أَصَابَتْ كِبارَ القَوْمِ بِالعَجَبِ

*

مَاذَا يَهِيجُكَ يَا ذَا البَأْسِ إِذْ صُدِعَتْ

مِنَّا القُلوبُ وَشِيبَ العَظْمُ بِالعَصَبِ

*

هَلْ أَرْعَبُوكَ بِقَتْلٍ؟ ذَاكَ مَقصَدُهمْ

خَارَتْ قُواكَ وَمَا أَعْذَرتَ فِي الطَّلَبِ

*

ظِلُّ الأَعاجِمِ يَبْقَى خَيْرَ مُرْتَكَنٍ

لِلْخَائِبِينَ، مَلَاذًا شِيدَ مِنْ كُثُبِ

*

أَنَّى غَضِبتُمْ، أَ غَيرُ المَوْتِ مَوْعِدُكُمْ؟

شَرُّ المَهالِكِ مَا كَانَتْ بِلَا سَبَبِ

*

فاخْتَرْ مِنَ المَوْتِ مَا تَحْيَا بِهِ أَبَدًا

عِنْدَ الكَريمِ فَغَيْرَ الخَيْرِ لَمْ يَهَبِ

*

صَمْتُ الكِبارِ إِذَا مَا فِتْنَةٌ صَدَحَتْ

عَارٌ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ الصَّمْتُ مِنْ ذَهَبِ

*

قُلتُم: صَبَرْنَا، وَعُقْبَى الصَّبْرِ مَرحمَةٌ

مَا نِلْتَ شَيْئًا وَفِي ذَا الأَمْرِ لَمْ تُصِبِ

*

صَبْرُ الكِبارِ عَلَى ضَيْمٍ وَمَنْقَصَةٍ

مِنَ الصَّغارِ بِغَيْرِ الذُّلِّ لَمْ يَـؤُبِ

*

صَبْرُ الحَكيمِ قَرارٌ صائِبٌ وَبِهِ

تَزْكُو النفوسُ وَتَبْدُو حِكْمَةُ الأَدَبِ

*

كَمْ قَدْ صَبْرَنا وَمَا نِيلَتْ مَطالِبُنا

حَتَّى وُطِئْنا مِنَ الأَقْرابِ والجُنُبِ

*

(صَكُّ المُرورِ) دَليلٌ فِي مَهَانَتِنَا

وَالأَعْجَمونَ كَأَهْلِ الدّارِ بِالرُّتَبِ

*

إِنِّي اشْتَفَيتُ فَلَا خَوْفٌ يُؤَرِّقُنِي

إِنِّي اكْتَفَيتُ مِنَ اَلْأَشْجانِ وَالكَأَبِ

*

لَا لَا تَلُمْنِي فَإِنِّي مِنْ أَسَى العَرَبِ

ذَابَ الفُؤادُ، فَصَمْتًا أَيُّهَا العَرَبي

***

بقلم: د.علي الطائي

أنت الآن وحدك

ووحدك الآن أنت

حجر في صحراء منسية، بلا أنس أو أنيس

موجة في نواة عاصفة مخنوقة بالملح

تطحنها الرياح ويفتتها الرذاذ

وردة يتيمة في جليد، تلفحها سوافي الثلوج

تجمدها البرودة، فيكسرها النباح

يحملها مجهول في قوس قزح

يواريها سُدًى عبثي الملامح

حولك الضباب والرماد والفراغ

الضياع والتيه والخواء

خلو وغياب وخلاء

كأنك بلا جذر، بلا جذع، وفرع وساق

بلا رجل أو ساعد، بلا زند ولا متن

ظِل يسير في ظلام

هكذا تقول عنك البوم يوم زواجها

وهكذا يوم رحيلها تعرفك الغربان

**

أنت الآن وحدك

بلا قلب بلا همس بلا صمت بلا صوت

ووحدك الآن أنت

بلا روح بلا خفق بلا ضحك بلا دمع

فيك تجتمع القرى والمدن

وفيك تتفرق عواصم، أبحر ومحيطات

مثل فضاء بلا سقف أو سماء

وفضاء يعوم يغوص يسقط يركض

يسبح يهرب يفر يقفز يثب

يحن يئن يرن يشتاق يتلهف يبتل

ينشف يتندى يتقلى يمطر يجف

يدور في فضاء من دوار

مثل حجر في مئذنة مهجورة في نواة زلزال

تضربها الشمس ويغشاها البعد، يمسكها الغياب

غادرها التوق مزقها الشوق هجرها الوجد

وكأنها حلم كامن في هواجس من رؤى مصفدة

صماء بكماء عمياء، بين صبر وصبار

بين نور تلاشى، اندثر، اندرس، باد

وبين نار ولهيب وأوار.

**

وأنت لوحدك

بين ذاتك وذاتك

بين أناك وأناك

تَلَمًس الشوك القادم من القادم

من الماضي والحاضر

الحاضر والماضي

بأنامل من عتاب حسرة ولوعة

كان عليك يوم كنت وحدك

أن تتقن كيف تعشق ذاتك

كيف تذوب في أناك

فذاتك ليس لها إلا ذاتك أنت

وأناك أنت ليس لها سوى أناك

حكمة الوجود فيك تناديك

تسألك أن تعتق الوحدة بالوحدة

تخلطها بصحارى الملح والرمل والثلج والصخر

بنكهة الصبر المحمول على ناقة خلوج

بشذا الشيح والحنظل

بمذاق شهد السدر والآس

برحيل الأغنيات من وتر النسيان

ببحة الناي بين أنياب الثغاء

**

أنت كنت هناك، وحدك

منذ البدء، قبل ميلاد الدنا

قبل نضوج الغابات والهواء والرحيل

بين حجب ظلمات ثلاث

كانت في حجب ظلمات ثلاث،

وفي حجب من حجب ظلمات

تمسك الغيب، تنقله، تزحزحه نحو المجهول

بأنامل من عجز مكلل، مجلل، مثقل بالعجز

مثل حبة رمل نفختها الآماد

خبأتها في قلب عاصفة، دوامة هوجاء

حشرتها في قطرات غيمة عابرة بين سدف من ظلام

أسقطتها في قاع محيط يمسكه الدخان

تحملها الشمس في بخارها، تسافر، تهاجر

تتلوى، تختنق، تشهق، تزفر، تضج، تطير، تحط

تضحك، تبكي، تفرح، تحزن، تيأس، تقنط، تزحف

تركض، تحبو، تقف، تُشل، تحن، تأمل، تسقط

في حبة ثلج يخطفها جليد مسكون بالصقيع

**

وحدك كنت

وحدك أنت الآن

ووحدك ستكون في كونك، يوم التكون

يوم التكوين، يوم انفجار البراكين

تهاوي الزلازل، غرق البحار والأنهار والمحيط

نقطة بيضاء في كفن أسود

نقطة سوداء في كفن أبيض

تتحرك، تتوالج، تتواشج، ترشح، تفيض

تنحسر، تنشف، تتيبس، تتحطم، تتشظى

تتلاشى، تتناثر، تتكسر، تتثنى، تتجعد

تتغضن، تتقصف، تتقصل، تتجزع، تتقطع

تلتحم، تلتصق، تشتد، تستد، تنتظم، تتصل

تقف بين حائطين واحد من نار والثاني من جليد

بين ربيع يبكي، وخريف ينوح، صيف يفح، وشتاء يزخ

رحيل عودة، وعودة رحيل

حضور في غياب، غياب في حضور

وكأنك خرافة، ترتجف حين تمسها الأسطورة

أو سحر، ينتفض من تعويذة

ضياع غير مرئي، سراب يخادع ذاته

ويخدع سرابا ينادي سرابا في السراب

لماذا تركت النجوم تختفي في جيب غيمة؟

ولماذا تركت روث الجمال يسافر بعاصفة رمل؟

وجلست تعد الكواكب، وتحصي الرياح

كأنك لم تقرأ حروف الوقت أو تتقن حوار الزمن

مع الموج المرفوع من الأعماق نحو الشمس

ولم تدرك زيز الظلام وهو يغني كالبجع أغنية الوداع

لم تدرك سر الحرف فوق شواهد القبور

سر الحزن فيها، معنى الرحيل من الذكريات

وجع اللحن وحنين الأغنيات

**

أنت الآن وحدك

تحمل رايات يومك الماضي

أشرعة يومك الذي أنت فيه

ورجفة يومك الموصوف بالغيب

مثل فريسة تطلق قوائمها للريح

تلتف، تلتوي، تنعطف، تتقوس، تدور

في عينيها يسكن الموت والحياة كتوأمين لا ينفصلان

تماما كما أنت بين ليل ونهار

أنت والليل، سكون على نصل هاوية تصعد نحو قمة

وقمة عمياء في قلب هاوية زرقاء تبحث عن سوادها

هنا قوس من نار وسخام ودخان وسناج

وهنا ماء مالح، أجاج، داكن، قاتل

بينهما نهار سريع الخطى

يدق جدار الحلم بناصية من شمع وصلصال

بيدك آفاق مفتوحة، آماد ممدودة، فضاءات مشحونة

وعلى شفتيك، تقف الأسئلة، ثقيلة، لزجة، دبقة

كيف؟ ومتى؟ أين، لماذا؟

كيف مزجت ذاتي بأناي؟

متى نبتت دالية في قلبي الصغير؟

أين رحلت بيوت النمل؟ وخلايا النحل؟

لماذا بقيت مع وحدتي وحيدا مع الوحدة؟

وحيدا يتوحد باللاشيء؟ بمجهول مهاجر في المجهول؟

كأنين ناي بكى ثغاء نعجة بين أنياب الذئاب

كذكر عنكبوت قادته شهوته نحو غلمة فاغتاله الشبق

**

رأيتك قديما، في تكون الحمأ المسنون

تحمل السنابل وهي خضراء، صفراء، ذهبية

تنثرها بين القلب وقرب الفؤاد

ترويها من الحلم المزروع في دماء الكبد

تغنيها وتنشدها، قصائد تحملها العواصف والرياح

تنثرها بين الرمش والجفن، صبايا من خيال مخصب بخيال

إناث من شهد مصفى، يذوب في النسيم

يٌلهب الذوق، يٌؤجج الخفي المتخفي فينا بالخفاء

يفتح نافذة التوق والشوق والمشتهى

يخض الغيب والمجهول، يرج السحر الكامن في النواة

يكوي بركان الإحساس ويصهر الشعور

نعم رأيتك، بين السواقي والروابي والسهول

حبة خردل يتيمة، خشخاشة بين ليمون وبرتقال

شوكة أسيرة بين حنون ودحنون

حيرة تتناسلها حيرة معتقة بحيرة

تطارد الوهم بالتيه، تلاحق الضلال بعُتُوّ وضياع

ترسم بالظلال نهاية الطريق المعبد بسؤال غابة عذراء

عن دوائر البداية في متاهات السيقان

وعن همسات الليل وسط هيبة السكون

وحشة الوحدة، رعب الهسيس، هول الحفيف

عن شبح انشق من حجر، انفلق من صخرة مبللة بالعتمة

بالعين رأيت ضربات قلبك معلقة بين فحيح ظلمة

وعواء دجن واقبه، مشلولة، كسيحة

تعضها نسمة دفعها غصن مجوف تسكنه الخنافس

يغزوه العفن وتدمره الطحالب.

**

لم تكن وحدك، هنا، وهنا، هناك، وهناك

في الشمال في الجنوب، بين الحدود وبين السدود

كنت أنت أنا، وأنا هو، وأنا أنت، وهو أنا، وأنا أنا

هناك أنت وأنا، نقطف اليأس من حقول الألم

أنا وهو نحصد اليتم من رحم قهر مخضب بالمحل والجدب

أنا وأنت نجني ثمار الذهول من خيوط الشمس

هو وأنا نرشح كما قلة الفخار في سهول البعث

عقم الولود وهي تئن من طنين النحل في العيون

أنا وأنا نفيض كالنهر في سحب مسحوبة من ودق مالح

قلت وقلنا، هتفت وهتفنا، صرخت وصرخنا،

صحت وصحنا، جلجلت وجلجلنا، عججت وعججنا

عليك كي تخرج من فم النملة، من جناح بعوضة

أن تتعلم أول حروف النطق والسمع والبصر والرؤى

أن توقن بأن اللغات كلها في الأرض وبين الكواكب

في المُهل، في التزحزح، في التردم، في الانهيار

في القبر، في البعث، في البرزخ، وما بينهما

وما قبلهما، وما بعدهما، وكل ما في الكل

أن تتقن لغة البحث عن النجاة كي تستطيع البقاء

البقاء على حافة خيط برق مولود من رعد

وعليك أن تتقن لغاتك القادمة من أناك، من ذاتك

فالعين رغم إبصارها يخدعها اللون

والصوت رغم دويه تخدعه الرياح

لكن الروح التي فيك

المعبأة بالحدس، المكتظة بالفراسة،

المحملة برائحة البداهة

لا تُخدع بالرياح والألوان، ولا يُقلدها الصدى

هي أنت وأنا، هي أنا وأنت، أنا وهو، وهو وأنا

هي أنا، وأنا وأنا.

**

مأمون أحمد مصطفى

 

1- في هذه الاونة

في هذه الاونة سنخلع جلودنا

ونتكيء على جدار من الرغبة

الموشاة بالزمرد وبالعقيق

فنحن ليس لدينا سوى بريق من

الامل الاخضر الخالي من مثالب

الشوك العوسج والحنظل وفي هذه

الزاوية من  العمر سنخلع كل عباءات

الخوف والمكر والخديعة عنا

كي نجلس تحت دالية الروح مبتسمين

**

2 - الامل المزدوج

الامل المزدوج هو ديدننا كما مرايا

الوقت الموشاة بعقيق الصبر والحكمة

فها هي عصافير الرغبة البيضاء تزقزق

في حقول احلامنا اذن فلنرفع ايدينا الى

قوس قزح الصباح والشفق الازرق

ونقول خاشعين ايها المطر ايها المطر

اهطل اهطل على نوافذ قلوبنا

**

3 - البهاء الاعرج

البهاء الاعرج لا يفيد احدا ولا يفيد

العصفور الهدهد والعندليب ولا يفيد

ايل الروض الفسيح وغزلان الحقول الخضراء

فالبهاء الاعرج البهاء الاعرج لا يفيد احدا

بل عنادل البريق الزمردي ستدخل قلوبنا

مغردة ومنشدة انشودة الكينونة الخضراء .

***

سالم الياس مدالو

لا بـأس مـن الـجـرائـم بـيـن وقـتٍ وآخـرَ

كـجـريـمـةِ عـدمِ تـعـطـيـري خِـزانـةِ فـسـاتـيـنـي ..

فـسـاتـيـنـي الـتـي تـنـادي فـيـكَ حـاسَّـة الـلـمـس ..

*

أنـا أُزيِّـنُ روحـي بـفـاكـهــةِ الـدنـيـا

لألـيـقَ بـشـفـتـيـك

بـعـد أنْ أدلـلـهـا بـشـفـتـيَّ الـمـحـتـرقـتـيـن

ولـسـانـي الـمُـرتـجـفِ الـمـسـكـيـن

*

مـنـذ زمـنٍ

وأنـا أخـبِّـئُ عـنـهـم سِـرَّ شـروقِ الـشـمـسِ

مـن نـحـرٍ مـرَّتْ بـهِ شـفـتـاك

*

ومـاذا عـن خـطِّ الإسـتـواءِ الـمـشـتـعـلِ حـول خـصـري؟

مـا الـذي تـعـرفـهُ عـن بـحـرِكَ حـيـن يـطـوّقُــه؟

وكـيـفَ تـكـبـرُ خـطـوطُ الـطـولِ والـعـرض

لـو اشـتـعـلـنـا كـثـيـرًا

حـيـن يـنـتـصـفُ الـلـيـلُ فـي مـداراتِ جـنـونـي؟

*

قـل لـلـنـهـارِ إنَّ الـقـنـدَ لـن تـفـيـق

ولـن تـقـولَ لأحـدٍ غـيـرِكَ لـمـاذا ..

فـهـذا الـبـركـانُ خـانَ الـنـارَ

حـيـن اســتـهـانَ بـحـبـكَ لـحـظـةَ بُـعـدٍ

دفـعَ الـتـوبـةَ بـالـقـبـلات!

*

يـداكَ أجـمـلُ حـيـن تُـغـمِـضُ جـفـونَـكَ

لـتـبـحـثَ عـن مـدنِ الـكـرَزِ الـتـي أُخـفـيـهـا!

فـلأنـنـي سـكـنـتُ فـيـكَ:

كـدتُ أنـسـى أنـنـي كـنـتُ يـومـًا

مـن سُـكّـانِ الـكـرةِ الأرضـيـة!

*

كـلـمـا سـألـونـي عـنـكَ

أُجـبـتُ:

إنـه مـاءٌ عـلـى مـاء!

***

سمرقند الجابري

تراقص الشنب

وتحته الخطب

*

هذا يقول غزّتي

و قال ذا النقب

*

الكل في ضجيجه

من دونما سبب

*

متى يكف غاصبٌ

أباد واغتصب!؟

*

متى يعود شعبنا

لموطن العرب!؟

*

متى نعيش فرحةً

و ينطفي اللهب!؟

*

متى على ديارنا

يثوى أبو لهب!؟

*

فقد رأينا طفلةً

مقطوعة العصب

*

تشكو إلى إلهها

أدمغة الخشب

*

ومن أتت بجيدها

تسير بالحطب

*

الكل يا عروبتي

يحكي على العرب

*

ولا أرى من بينهم

من يحسن الأدب

*

يسطّرون فوقهم

مختلف الرتب

*

لا يطلقون طلقةً

في صدر من غصب

*

يطبّعون كلما

يُعطى لهم ذهب

*

وكل من تهزّه

غيرته أنتحب!

***

رعد الدخيلي

 

قبالة الحقول المخضرة وقفت

كأن طللا بها يسكنني  حد التلف

تغريني فتنتها بقول الشعر

يغريني صمتها بالسفر

هنا بين أحضانها الحالمة

نمت أحلامي  كزهر اللوز

هنا بين ضفافها المطلة على النهر

تعلمت السفر كغيمة خلف أسراب الطيور

هنا بين وهادها وأغصانها المورقة

تدفقت حروفي  ورؤاي كينابيع الماء

فسرت خلفها هائما

كأني عاشق شردته

بساتين النعناع

وحقول القمح

وأشجار التين والتفاح

وحكايا الجدات

فكيف أنسى  ضفافا علمتني

سحر القول وبلاغة الشعر

وكانت داليتها المخضرة

قطفوها دانية

تظلل  الفؤاد ومياه النهر.

***

عبد الرزاق اسطيطو

تظل جوالة في الحي من مطلع الفجرالى غروب الشمس،عنها لا يغيب مار عن نظر، حافية بلا نعل يستر لها قدما أو يقيها صلابة الأرض في قيظ او وحولها في شتاء، ساقان قصيران كقصبتي المكانس غطاهما الوسخ و الوحل وقد تشقق على القدمين كمعدن غاسول الشعر في سطوح النساء الفاسيات حين يجف من ماء. كل ظفر في قدمها كمخلاب نسر، ويل لمن حاول ان يتقرب منها بسوء او من قططها الثلاث بشر ما تحتضن وما يقتعد كتفيها فمخالب اليدين سلاحها قد تأتي على خد أو وجه بكامله..

تعرف الرائح والجاي، ساكن الحي القديم والوافد الجديد،تقرأ الوجوه بدءا من العينين بفراسة تدقق في شكل الوجه وكأنها تستبطنه، تذكر أسماء الجميع بالاسم واللقب والكنية بل منهم من تحتفظ له بسجل عن ماضيه..

لا يستطيع أي طفل ان يشاكسها بشر اومنها يتقرب بسوء، وصية من والديه، فالولية أم القطط كما يطلق عليها الصغار والكبار ربما جنية تتسيف في صورة آدمية..كم من طفل حاول مس احدى قططها بعنف فانصرع اواصابته حمى، ومنهم من غاب بلا اثر.. لكن بعض الأطفال كانت تعاملهم بغمزة من عينيها او بسمة تفتح لها فمها فتظهر لها بقايا أسنان نتوءات سوداء بعد ان تتدلى شفتها السفلى وكانها تنفك من حصار عن العليا..

اذا انزوت لاكل او راحة في أحد الأزقة أو الدروب لا يهمها ان ينكشف جسدها كلا اوبعضا، أن تواري سوءة أو تتركها بلا ستر فهذا ممالا يدخل في قيمها ولا اهتمامها؛ فلا احد قد يقترب من جنية وسخة نتنة تحرسها قطط ثلاث، روائح لا توقر انفا، وقربتان متدليتان من صدرها كبالونات هواء قد انسحب منهما

 ريح، اما الفخدان فهما امتداد لقصبتي الساقين لا اثر فيهما لعضلة أولحم، مجرد أخاديد قد غطاها التراب بعضها فوق بعض، عظمان كساهما جلد بني وسخ موحل..

لا تمد يدا بسؤال لاي عابر لكن قد تقف بباب دكان فتُقضى لها حاجة بغير سؤال ولا تأخد الا ماكانت في حاجة اليه..

حين ضاع احد أبناء الحي وطال غيابه قام الحي عن بكرة أبيه يبحث عن ابنه الضائع، طفل حسن الجسم سنيع، أبيض، رقيق اللون في عينيه حور..

قالوا خطفه "الطلْبَة" من يتنقلون بين الاحياء بحثا عن الكنوز، كما اتهموا المرأة أم القطط جوابة الحي بمسخه، وقالوا بقي في الكتاب مع الفقيه ولم يظهر له اثر.. حتى السلطة وبعد بحث دقيق حارت في كيفية غياب الطفل الوديع والذي ما ثبت ان اساء لأحد أو اقترف سوءا في غيره..

كادت أم الطفل أن تفقد عقلها،فهو وحيدها، وهو ما اسعدها به حظ بعد ان عنست ولم يكن من نصيبها غير عسكري فرنسي تزوجها بعد أن اشتغلت لديه خادمة وحملت بعد علاجات مكثفة من أطباء في مستشفيات مشهورة ونساء لهن تجربة في مجال الحمل والولادة بالعلاجات الشعبية.. فقد الطفل اباه قبل أن يرى النور في عملية فدائية وكان نصيبَ أمه بعد وضعها، البيتُ الذي تسكنه وذهبٌ منهوب كانت عينها عليه في صندوقة حديدية قد شق لها زوجها مكانا في صالون البيت قبل ان يغطيه بزليج بلدي في توهيم دقيق..

يئست المرأة من العثور على وحيدها فما تركت شرطة ولا دركا ولا عيونا من عيون السلطة الا توسلتها وأغدقت عليها مما خلفه زوجها لكن بلا نتيجة فالطفل قد تبخر، تبدد وله ضاع أثر..

طرقات خفيفات على الباب ذات ليلة خبا صحوها، تفتح الأم الباب واللهفة تطويها لتجد نفسها وجها لوجه امام أم القطط والتي لم يسبق لها أن طرقت باب أي بيت، ارتعبت المرأة خوفا لكن أم القطط دعَّتها جانبا ودخلت طالبة منها سد الباب خلفهما ؛ لم تنتظرأم القطط اذنا بل تقدمت وقد أمسكت يدها بذراع صاحبة البيت الى أن وصلتا البهو، جلست أم القطط وضغطت على يد المرأة لتجلس بجانبها:

ـ مالك مرعوبة؟.. لست شيطانا ولاغولا، أنا امرأة مثلك لكن لكل منا في الحياة فلسفة، وجهة ونظر.. ما وقع لك قد فرك صدري، خلفك وخلف من أوهموك بمساعدة كنت أتسقط أخبار ابنك..هو موجود حي يرزق لكن عجلي قبل ان يقع له ما حدث لغيره..

شهقت الام شهقة كادت تفقد معها روحها، فوضعت أم القطط كفها على فم الام وشرعت تقرأ بصوت أجش هو لصوت الذكورة أقرب

ومعايشهم وعواقبهم ليست في المشي على عوج

لتكن من السباق اذا ماجئت الى تلك الفرج

 تبادرين الآن الى كهف النسور،وسأكون خلفك لكن بعيدة عنك، قريبا من احدى المقابر ستجدين حفرة اشبه بكِناس الظبي تقتحمين الحفرة،لا تخافي فصاحبها غادر للبحث عن صيد جديد قبل ان يتخلص من طفلك، فكي الرباط عن ابنك وعودي من حيث أتيت،و أنا من سيقوم بالباقي..

ضجتان في يوم واحد قريبتان في الزمان بعيدتان في المكان:

حامل تضع مولودها ليلا لتفتقده صباحا..

 هو أول وضع لها، بفضله بعد أبيه قد عانقت الحياة وخرجت لتتنفس الدنيا بعد حياة بؤس وشقاء في حي هامشي، دخلت خادمة في بيت رجل أربعيني سافرت زوجته لزيارة طبيب نصحها به أخوها المقيم في بلاد المهجر لاجراء عملية جراحية حول انسداد في عنق رحمها بعد سنوات من العقم والخوف من الطلاق..

تعلق الزوج بالخادمة لجمالها فطلبها وبادر بالعقد عليها..

عادت الزوجة لتجد نفسها امام اختيارين : الطلاق او القبول بضرة، وأمام واقع الامر اشترطت السكن لوحدها وبعيدا عن سكنى ضرتها فلبى لها الزوج ما ارادت..

صدفة نسبية جعلت الزوجتان تحملان في نفس الشهر بل ويكون الوضع في نفس الأسبوع..

ظلت الزوجة الأولى بعد أن وضعت بنتا تتسقط أخبار ضرتها وقد استشاطت غضبا ونفثت الغيرة والحسد اثرها حين علمت ان مولود ضرتها الخادمة المعدمة ذكر قد يجعلها لدى الزوج أوْلى، وعنده حظية..

اغرت إحدى قريباتها برشوة معتبرة بالتسلل الى مستشفى الولادة وبدل ان تغير القريبة مولودا بآخر أخذت الذكر وسلمته للزوجة الأولى ومن هذه أخذت مولودتها ووضعتها في صندوقة قمامة بعيدا عن البيت..

احترقت أم الطفل حين افاقت لتجد سرير ابنها فارغا، سألت وأعادت السؤال فلا احد يشفي صدرها برد..

الحديث الذي كان يدور بين الممرضات ان المولود المفقود كان ذكرا وكانت له وحمة تميزه في فخده الأيمن..

قطط ثلاث تجوب المستشفى لم يسبق لأحد أن رأى مثلها، تموء بحدة وكانها تحس توترا غير مفهوم، ثم لا تلبث أن تغادر المستشفى لتحاصر إحداها سارقة المولود و عنها تأبى ان تبتعد رغم الركلات التي كانت تكيلها السارقة للقطة في حين أن قطة ثانية ظلت تلازم الوليد تلعق رأسه وبه تتمسح مثيرة قلق زوجة الأب التي احتارت في وجود قطتين في بيتها لاتعلم من أين تسللتا..

ـ "فأل سيء أن تتسلل هذه القطط الى بيتي وتلازم راس هذا الوليد"

تقبل أم القطط، ترافقها القطة الثالثة وقد اقتعدت على الكتف الأيمن لأمها وكأنها تراقب الاحداث من برج عال..

لم تحتج الشرطة وقتا طويلا لمعرفة الحقيقة بعد ان أخرجت أم القطط طفلة القمامة من تحت ردائها تضعها في سرير الوليد الذكر ثم تحمل المولود ذا الوحمة في فخده الأيمن، ولا تلبث أن تنسحب بوداع ونظرة حادة لسارقة الطفل وقد اضافت أم القطط بين أحضانها حملا غير قططها، مولودا ذكر أمه لهفة انتظار..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

بلهاء وإن ادّعت خلاف ذلك

صرخة

ما أن أُطلقت

حتى

تربّص بها

خوف

جنته على خطوتها

مذ تمنته تحليقا

وغاب عن بالها

مكر

تلك الخيوط الواهنة...

لتتقاذفها العثرات

فخديعة

بعد خديعة

وكبوة

من بعد كبوة

ولا مآل لأنفاسها اللاهثة

سوى

هوة سحيقة

تتمتم ساخرة:

إيه أيتها

البلهاء

يا من تمنيته تحليقا

هلمّي

فأسلافك في الانتظار

***

إبتسام حاج زكي

 

جلست في حديقة وحدتي..

أرسم صورتكِ..

على رغوة فنجاني..

أرتشف مع القهوة رضابكِ..

وأتحسس تحت أسناني فصول خيبتي..

أتنفسكِ مع كل النسمات..

لعلها داعبت يوما من الأيام صفحة وجهكِ..!

وأرسم بالندى.. لوحة لشواطئ عينيك..

أحدق في الفنجان مقتفياً خطوطه..

ها قد.. وصلتُ الى مضارب شفتيكِ..

*

بدوي انا.. لا اعاقر خمرا..

سوى رشفات من قهوة..

حمّصتها يوماً بين أشجار" الغوطة" سرّا..

خبأتها بين الضلوع لموعد غربتي..

أرتشفها فوق صهوة غيابكِ ،

وأسبح في فنجانك وكأنه نهرٌ..

اجوب صحاري الوحشة ، ألتمسُ لجنوني عذرا ..

أنادي على صعاليكها ، فيجتمعون  من حولي  ..

لنغزوَ أقواماً مازالت تقتات مع الرمل غدرا..

وانا هناك.. خلف البحر ، وجبال الثلج..

اعتق قهوتي بين شفتيّ..

لتمدني من حلاوتها مرّا..!

تنتشي الروح ، فتردد ألحاناً..

تذكرني "بورد" حمص ، و خيبة "ليلى"

طيفكِ لم يزل  هاهنا .. تعشّق مخيلتي..

يردد قصائد حب كتبتها يوماً على جدران "مرج عذرا"

وأمنيات من نعيم أخاله سحرا..

**

سقط الفنجان من يدي..

تناثر من حولي كحلاً  بلون مقلتيكِ..

انحني ألملمه بأناملي..

فيشعُّ سنى وجهك من بين بقاياه كأنه فجرٌ..

أنتقي الكلمات ، وأهلوس بها مع العصافير ..

فيرجع صداها صامتاً ..

ولسان حالها : كن حذراً فان خريف عمرك

تأججت ناره جمرا..

***

جواد المدني

في نصوص اليوم