نصوص أدبية

جواد المدني: وطني.. والحُلْمُ الممنوعُ

هناك..

عندَ شواطئِ نهرَيْكَ..

ما بينَ رُكامِ الطّينِ، وتضاريسِ يدي..

أشمُّ رائحةَ أُمّي..

*

هناك..

أخفيتُ صَحائفَ تأريخي،

ومأساةَ غَدِي..

فصولٌ كتبتُها على قُصاصةٍ..

سَلَختُها من جَبِينِ أمجادي..

عنوانُها انتماءٌ إلى “مجدِ عروبتي”.

يُقالُ إنّها من بقايا عرشِ “كِسْرى”،

حُمِلَتْ على ظهورِ “الجاموسِ”،

كما يرويها أبناءُ عُمومتي..

*

رفاقُ دَرْبٍ.. تجمّلوا بالخيبةِ..

ونَسُوا حُلْمَ الوطنِ المُكَبَّلِ بالصّبرِ..

أقوامٌ.. أعاروا الهيبةَ “للسّلَفِ الصّالحِ”،

وأيادٍ تُشْهِرُ بوجهي قَميصَ “عثمانَ”،

عُلَبٌ مَحْشُوَّةٌ بالحِقْدِ، وَأَنِينَ المَظْلُومِينَ..

وبقايا أَصابعَ، ونُحُورٍ، جُمِعَتْ من كَرْنِفالاتِ القَتْلِ..!

قَدَرٌ.. قُيِّدَ بسلاسِلِ القَهْرِ، وظُلْمِ ذَوِي القُرْبَى..

*

مَدَدْتُ يَدِي أَغْتَرِفُ مِنَ الحُلْمِ المَمْنُوعِ..

فَعاجَلَنِي صُراخٌ يَخْنُقُ فَرَحِي..

قِفْ يا غَريبًا عن هذِهِ الأَرضِ..!

مَمْنُوعٌ أَنْ تَشْرَبَ أَوْ تَغْتَسِلَ مِنْ نَهْرَيْنَا..!

*

مَهْلًا بَنُو عُمُومَتِي..!

لا تَتَعَجَّلُوا قَتْلِي، فَأَنَا المَفْجُوعُ..!

فَهُنَالِكَ، لَيْسَ بَعِيدًا..

مَضَارِبُ قَوْمِي..

جِئْتُ أُعَمِّدُ صَبْرِي مِنْ نَهْرِ الفُرَاتِ..

ومِنْ دِجْلَةَ أَرْتَوِي..

فَهَلْ لِي غُرْفَةٌ مِنْ حُلْمٍ..؟

أَرْوِي بِهَا عَطَشَ المَنَافِي،

وَأُطَرِّي قَلْبًا بَاتَ أَسِيرَ المَنَايَا،

يَئِنُّ مِنْ سَقَمٍ تَشَرَّبَ فِيهِ، وَمِنْ أَلَمٍ..

*

سَقَطَتْ قَطَرَاتُ المَاءِ مِنْ فَمِي..

هَارِبَةً مِنْ بَدَوِيٍّ..

يَهْوَى الرَّدْحَ مِنْ وَرَاءِ الصَّحْرَاءِ..

يَغْرِسُ سَيْفَهُ فِي نَحْرِي..

وَيَعْرَبِدُ:

“مَا لَمْ تُغَنِّ لِلْفِتْنَةِ نَشِيدًا..

يُطْرِبُ أُمَرَاءَ القَتْلِ مِنْ زَنَادِقَةٍ وَعُتَاةٍ..”

“وَتُثْبِتُ أَنَّكَ تُتْقِنُ فَنَّ الذَّبْحِ..”

“وَتَتَبَرَّأُ مِنْ دَنَسٍ..

جَاءَ مِنْ بِلَادِ الهِنْدِ، وَفَارِسَ بَعْدَ الفَتْحِ..!”

“أَوْ تُقَدِّمَ رَأْسَكَ قُرْبَانًا لِلنَّهْرِ..!”

*

فَكَّرْتُ مَلِيًّا، وَحَاوَرْتُ رُوحِي..

فَأَشَارَتْ أَنْ أَتَشَبَّثَ بِأَغْصَانِ الحُلْمِ..

وَأُحَلِّقَ بَعِيدًا نَحْوَ الشَّمْسِ..

***

جواد المدني

 

في نصوص اليوم