نصوص أدبية

جاسم الخالدي: بوابة العالم الآخر

حين تركتُ القرية

لم أكن أعلم أنني أغادر عالماً

يحفظ وجهي بين تفاصيله

إلى عالمٍ آخر

يشبه غريباً يطرق بابي للمرة الأولى

هناك، بين الحقول والممرات الترابية

كان الهواء يعرفني

وكانت الأشجار تهزّ أغصانها

كأنها تودّعني

2.

في المدينة

الأبواب مغلقة

الوجوه تمرّ دون أن تنظر

والشوارع تزدحم بالخطى التي لا تحمل اسماً

هل يمكن أن يحبك عالمٌ

لا يعرف ملامحك؟

شعرتُ للحظةٍ أنني

مجرد نقطة صغيرة

في بحرٍ شاسع

3.

لكن الحب

الحب هنا مختلف

لا يأتي من نظرة جارةٍ تطلّ من نافذتها

ولا من يدٍ تساعدك في الحصاد

يأتي فجأة

من قلب الازدحام

من ابتسامةٍ عابرة

تجعل هذا الصخب كله

يتوقف للحظة.

4.

وفي لحظة أخرى

أشعر بالغربة

كأنني غريبٌ عن نفسي

عن هذا الإسفلت الذي لا ينبت شيئاً

عن الجدران التي لا تحمل رائحة الطين

عن الأضواء التي لا تترك للنجوم مكاناً

أتساءل:

هل يحنّ هذا العالم إلى البساطة؟

هل تفتقد المدينة إلى وجه الحقل

كما أفتقده أنا؟

5.

الهجرة بوابة

لكنها لا تعني النسيان

كلما فتحتُ نافذتي

أبحث عن غيمةٍ تحملني إلى هناك

إلى الحقل

إلى القرية

إلى الأرض التي لا تنسى خطواتي الأولى

لكنني هنا الآن

أزرع الحب في إسفلت المدينة

وأحاول أن أجعل هذا العالم الآخر

بيتاً لي

حتى لو كان الحنين يسكنني.

***

د. جاسم الخالدي

 

في نصوص اليوم