نصوص أدبية
أريج محمد: بين مرآة وبحر ...

كانت تستغرب حالها، وكم الوحشة التي انتابتها من بعد آخر رسالة بينهما. كيف ذلك؟ من أين أتت كل هذه الألفة؟ هل لأنها شعرت أنها تتحدث إلى روح تفهمها؟ تتحدث ذات لغتها تلك المفتوحة على المدى!
مارست مهامها اليومية في ضجر واضح، وبين مهمة وأخرى كانت تسافر عبر خطوات مترددة إلى هاتفها المحمول تتفقد الرسائل. كان سفرًا نحو المجهول. ماذا إن لم تكن هناك واحدة؟ وإن كانت، هل ستترك كل ما يحيط بها وتنغمس راغبة في عذوبة لغته؟ تصل إلى المحطة فتجدها فارغة، تزداد ضجرًا، وتبدأ تحادث نفسها: "ربما انشغل، ربما أخذته الرواية التي يعمل عليها، أو الأكيد إنه ليس مهتمًا. نعم، هو كذلك. أنا مجرد غريبة عنه، لا تفاصيل بيننا."
عادت لمن حولها، تحادث ابنتها قليلًا، تطل من الشرفة للحظات. وكما هي العادة، تلمح ابتسامة بلهاء تطل من وجه ذلك الرجل الذي يمتلك محل الموبيليا أسفل بنايتها، ولكنه يعتمد الجلوس على الجانب الآخر يترقب ظهورها. لكنها اليوم، وعلى غير العادة، قررت أن تكسر تجاهلها له وتنظر في عينيه مباشرة. وفعلت! حتى ارتبك الرجل وسارع بمغادرة مكانه.
فانتقلت الابتسامة البلهاء إلى شفتيها، ثم تبعتها ضحكة على حال الرجل وكيف قام بتفسير نظرتها التي اخترقت ترقبه وجعلته يفر. ربما هو سعيد الآن، ينظر إلى وجهه البائس في واحدة من مرايا المحل ويقول أخيرًا: "حنّ قلب الفرسة وشافتني." استغرق هذا الحدث السخيف دقائق معدودة، اتبعتها بساعة أمضتها أمام شاشة التلفاز في محاولة للهرب. وهي بين شرود وتصنّع للبرود، ولكنه بطريقة ما كان يحدث ضجيجًا هائلًا في عقلها. ذلك الغائب كان لحوحًا في الحضور.
حان وقت القهوة وطقسها أن تبدو في أجمل حالاتها. شرعت في ذلك مباشرة: انتقت بيجامة باللون الأزرق، دلفت إلى الحمام، رفعت شعرها للأعلى. وقفت عارية لثوانٍ أمام المرآة، ولكنها اقتربت منها أكثر حتى كادت تلتصق بها. كانت لا ترى جسدها، بل تنظر داخل عينيها، تحدق في انعكاسهما. لم ترَ شيئًا مختلفًا. ذات البحر الذي يتوارى خلف مرآتها، وهي واقفة إلى جواره تمد قدمها في خفة تلامس موجاته ومن ثم تسحبها.
رأت بوضوح كم كانت وحيدة، وحيدة لدرجة أنها وقعت في غياب رجل خرج في لحظة جموح من متاهات اللغة.
***
أريج محمد