اول مرة تعرفت فيها على يانيس كان في أحد أندية الجامباز الرياضية، كنا نلتقي ثلاث مرات في الأسبوع ..
كان يانيس ينتمي لإحدى مدارس البعثة الفرنسية، سكناه قريبة من النادي، وكنت من مدرسة حكومية وسكناي بعيدة تفرض علي ركوب الحافلة ..
كنا أترابا نتجاوز العاشرة من عمرنا بقليل، ألبسته الرياضية
وأناقته كانت لدي مثار إعجاب، ناهيك عن بسمات مهذبة تقطر ودا ولطفا في صدري، تنفث اطمئنانا وراحة، ثقة به، عكس ما كان يصدر عن غيره من مشاكسات وانانية، حبا في الظهور، أو تباهيا بنسب وانتماء طبقي أمام الغير خصوصا اذا كان هذا الغير إناثا.
أوامر أسرية غيبتني عن النادي وأبعدتني عن إيناس فجرتها دعوات تسعى لعودة الناس الى شرنقة الماضي بعقلياته وعاداته وطقوسه، بدأت تكبر كدوائر على صفحة الماء بتحجيب البنات وتحريم اختلاطهن بالذكور ولو كن صغيرات لم يبلغن الحلم،، دعوات شرعت تجلجل برعد وترهيب، وقد رضخ أبي لدعوات ممن تصدروا الحديث عن السماء بلا إذن من سماء، وبها قد اغتر كما اغتر غيره من طلبة وموظفين ممن أهملوا شواهد عليا حازوها حسب عناكب عقولهم عن علوم الكفار، ووظائف ذات دخل بدعوى أن دخلها حرام، فالجهاد في سبيل الله والدعوة اليه في اعتقادات هؤلاء أكبر من كل عمل، والحقيقة ان ما استهواهم هو ميلهم للكسل وحب الانزواء والاتكال على الغير، وكان أولهم اخي تنازل عن شهادة مهندس دولة وفضل العيش عالة على والدي .. حركة دينية سموها يقظة تفجرت بين رجعيين قذفت بهم البداوة الى سطح الحياة بلا زاد معرفي، سيسوا الدين وفيه قد شقوا وهم لا يملكون من علومه وفلسفته الا القشور، حرموا كل ما هو فن وجمال وتزعموا خلق الله عسرا بدل يسر، طمعا في مصالح او حبا في تقليعة حققوا بها "كم حاجة قضيناها بتركها" ..
المرة الثانية التي صادفت فيها يانيس كانت في باحة كلية الطب، كان المترشحون لهفة ترقب للوائح المقبولين، في وقتها لم تكن النتائج تصل عبر النت ..
فاجأني بتحية وقد باغتتني طلعته:
ـ حتى لو بلغ عمرك المائة وعني قد غبت مائة عام، سأعرفك..
كانت ترافقه فتاة شهلاء في طوله تكاد تكون به شبيهة، من نظرتها الأولى أحسست عيونها تتفرسني أو تفترسني، لا ادري، قدمها إلي وشعلة فرح تتفجر من عينيه، وكانه بادر بتقديمها خوفا من سوء ظن ينتابني أو هذا ما توهمته كأنثى معجبة برجل وعليه قد استحوذت أخرى:
ـ أختي التوأم كاميليا
ثم التفت الى أخته وقال:
ـ أنت مع صديقة عرفتها في طفولتي، ثم بلا إذن عني قد غابت، لم يتغير فيها الكثير سوى أنها أستطالت واكتملت أنوثة وصارت فتنة رغم حجاب أرادت أن تخفي به رقتها فحولها الى آلهة اغريقية ..
بسرعة نطقت أخته وبسمات الاندهاش لم تستطع اقتلاع عينيها الناعستين عن وجهي وقامتي كأنها تفصلني تفصيلا، أثارتني بحيرة في وقت طواني الخجل بحياء وقد اتقد خداي بحرارة:
ـ نجوى !! .. أليس كذلك؟ هي حقا فتنة، الآن أدركت سبب آلامك وانت تحكي غيابها عن النادي..
مسكت بيدي في ألفة كأنها تعرفني من زمان وقالت:
ـ صديقك هذا يا مولاتي قد ابتأس لغيابك وأنا الآن أشهد له بالذوق، معذور، فجمالك يفتت الصخر، وأخي أمسى ولفترة طويلة لا يثق بأحد بل صار يكشف عن خوفه منا جميعا أن نتركه ذات يوم كما تركت نجوى النادي بلا إذن ولا إشعار .
وميض من أسف لمع في عينيها لدرجة أن بوادر دمعة قد رقرقت فيهما ..
ارتبطت مع كاميليا بعناق وكأن كلا منا قد وجدت راحتها بين أحضان الأخرى، أليف قد علق بأليفه !! ..
تم اعلان النتائج، كانت غمرات غبطة بالنسبة لي وليانيس، كلانا قد تم قبوله بميزة أمام المعدلات التي شاركنا بها وقد كانت متقاربة الا من جزء بالمائة ..
اصر يانيس على أن أتناول معه وأخته الغذاء في أحد المطاعم القريبة من الكلية، احتفاء بلقائنا ونجاحنا ورغم اعتراضي الا أن كاميليا حسمت الامر بالقول:
أنا من أدعوك فلا تحرميني من رفقتك رغم أني ادرك أن خوفك آت من اسرتك لا من قناعتك ..
قالت العبارة الأخيرة بأنفة وثقة نفس كأنها بظروفي عليمة .. ذكاء وفطنة تعريان الظاهر بحدس !! ..
ـ هو كذلك فكل تأخر مني هو قيامة تقوم في البيت خصوصا من قبل أخي الذي صار حاكما بقانون فاق سيطرة أبي .. التزام ديني كما يدعي و"الشريعة لا تخجل من أحد "..
كنت بحق أحب مرافقتهما، والجلوس مع يانيس وقد تملكتني رغبة للحديث مع شاب اكتمل قدا وحسن صورة، لكن ما قد يعتمل في البيت من غليان وكثرة أسئلة جعلني أتابع بحزن وقلق يلاعبان صدري:
ـ ما رايك نؤخرها الى بداية السنة الدراسية؟
كان يانيس يتابع كلامنا وعيونه اقل التهاما من عيون أخته، نظرات مزيج من شوق و إعجاب لا تخلو من أسف وحسرة أو
محاولة لاسقاط كل الحواجز، لا أدري .. كنت مطوية لفيف في عينيه، فاسبح مسترجعة ذكريات الصبا القديم وهي تداعب هزات صدري ..
جميعا لم ننتبه الى ابن عمي الذي باغتنا بوجود، كان أشبه بشاب أفغاني يرتدي قميصا قصيرا وبلحية طالت بلا تشذيب، هب مندفعا وكأنه قد انبعث من شق، يوجه الي حديثه آمرا عنيفا:
ـ عرفت النتيجة، أليس كذلك؟.. بسرعة الى البيت !! ..
تطلعت اليه كاميليا في نوع من التحدي لا يخلو من قلق المباغثة:
ـ وأنت ماذا يهمك؟ وكيف تتدخل بلا اذن و تباغتنا بقلة احترام؟
ردة فعل منها تؤكد ثقتها بنفسها كانعكاس لتدخل تحكم سلطوي فجر ما تتمتع به كاميليا من حرية واستقلالية قرار..
شرع يانيس يتطلع اليَّ مترقبا ردة فعل مني وقد ظن ان المتدخل أخي ..
تراجعت قليلا الى الخلف و بحدة خاطبت ابن عمي بغصة في صدري بعد أن حسسني كلامه بالدونية والتحقيرأمام الغير، تحكم ذكوري هو أقوى مما يمارسه أخي في البيت، فمن سمح له بالتدخل في أمر لايهمه؟.. هامشي لايميز بين ما يريده لنفسه وما يقتنع به غيره، شمولي يريد الكل على شاكلته ..
ـ انت فعلا قليل الادب، بلا سلام تتدخل فيما لا يعنيك .. يلزم أن تدرك أن الوصي الوحيد عليَّ هو والدي ..
شددت على ذراع كاميليا في تحد للمتطفل ابن عمي:
ـ أعتذرعزيزتي الشخص ذا ابن عمي .. هيا بنا، فقد جعت ..
ظل يانيس مشدوها لما حدث وللفعل الانعكاسي الذي صدر مني، كان يترقب ردة فعل ابن عمي الذي رأى في طول يانيس وبنيته الرياضية ما ردع هجومية شرسة وشت بها عيونه فتراجع وهو يزأر همهمات تتفجر من صدره في غضب كان يتبدى تلوينات على وجهه بين الصفرة والزرقة ..
ـ سأعرف كيف اترك عمي يحسن تربيتك ..
ضحكة سخرية أتت من يانيس وهو يضع يدا على كتفي وأخرى على كاميليا في اتجاه سيارة مكشوفة ..
كانت كاميليا تتابع دراستها في المعهد العالي للاعلام، أنثى مغرمة بالسياحة والفندقة مستغلة ملكية أبيها لوكالة أسفار في المدينة ..
رغم تعلقي بها فقد كان تقربها مني يثير في نفسي قلقا بين إبهام وضيق يتفاقمان مع الأيام ..
كلما عانقتني بادرت الى شفاهي تحاول مصها او الضغط عليها بمقدم أسنانها، وما جمعتنا غرفة لوحدنا الا وأسقطت حجابي، فكت ظفائر شعري الطويل ولفتها حول جيدينا ثم مسحت وجهها بذراعي..
ـ انت رائعة نجوى وتقاطيع ذاتك فتنة، ولا استطيع التحكم في رغبتي اليك ..
بلا حرج كانت تعلن رغبتها فارد عليها بين بسمة وقلق:
ـ ماذا تقصدين، أوضحي ماذا تريدين مني؟ احتار في سلوكك معي !! ..
ـ متى تفهمين؟ الا تهتز نفسك برغبة، أحبك وأشتهيك نجوى ..
كنت لا اغيب عنها يوما او يومين الا ويانيس يذكرني برغبتها في رؤيتي ..
كنت أخشى أن أخبر يانيس بسلوكاتها، فقد افقدها ومعها أفقده، كان حريصا على ألا أغيب عنه حتى أن الكثير من الطلبة توهمونا مخطوبين ..
أخبرتني أمي يوما أن ابن عمي يريد أن يصالحني وقد ندم على سوء تصرف قد صدر منه بلا وعي ..
ـ عمك سياتي مع زوجته وابنه للعشاء عندنا والاعتذار لك مرة أخرى ..
أدركت السبب فالزيارة لا تتعلق باعتذار وانما في خطبة وهيهات أن تكتمل ..
ركبني حنق وفي صدري تفجر حقد وغضب وعلى وجهي أمي ومن غير عادتي رميت كلمات في حدة:
ـ لن يجدني هنا وأكره أن أرى وجها حقرني امام غيري، الليلة سأبيت عند كاميليا، أمها تقيم حفلة صغيرة بمناسبة خطبة أخيها على طالبة معها في المعهد وسأضطر للمبيت عندها ..
لا أدري كيف خرجت مني كذبة كهذه؟ فلم تكن غايتي غير ابعاد تفكير أمي عن أخ كاميليا وما يمكن ان يخامرها من شك ..
لا أنكر اني بدأت مع الأيام أفرض استقلاليتي وأقوم بما يحقق رغباتي ويشبع ميولي، استطعت أن ابعد يد أخي وتحكمه في أموري بعد أن حدثت الكثير من التغيرات النفسية والاجتماعية التي اكتسبتها من الكلية ومن قراءات واعية للدين وسماحته ومن علاقتي بأسرة يانيس التي شكلت اطارا مرجعيا لسلوكي مع غيري..
لأول مرة تعترف لي كاميليا أنها تعشقني وعني ماعادت تطيق صبرا ..
بدأت أدرك ما تريد، فهي لم تستطع اثارتي فقط وانما جعلتني استرجع ذكريات من طفولة قد خمدت في بؤر الذاكرة مذ كنت طفلة بالروض حيث كانت احدى المربيات تدربنا على تمثيل عروس وعروسة وتعلم الأطفال كيف ينام الأزواج مع زوجاتهم، كانت تجلس قبالتنا تتلذذ بما يقوم به الأطفال ..
لا أدري ما ذا وقع بالضبط؟لكن الروض قد اقفل ابوابه وأكملت السنة في البيت قبل أن أدخل المدرسة الابتدائية ..
أكذب لو قلت أن كاميليا لم تحرك في نفسي ذكريات أخرجتها من رماد النسيان عشتها في طفولتي كم ارقتني كلما كانت خالتي في ضيافتنا حيث كثيرا ما وجدت زوجها يستغل ظلمات الليل فيتسلل الى غرفتي و يتحسس أعضائي، وكنت أخشى ان أخبر أمي او ابي بل كثيرا ماغاب عني النوم وانا اترقب دخوله وكأني صرت استلذ بما يفعل..
وقد رقدت تلك الذكريات في مسرح دواخلي مع رقدة زوج خالتي الأبدية..
وحققت لكاميليا ماتريد بل حققت رغبة هفت لصدري و استلذت بها جوارحي و قد أيقظت كل كامن في ذاتي قد غفا .. ربما مع كاميليا قد وجدت حقيقتي ..
كنت أسألها:
ألا يعرف يانيس ما بيننا؟
كانت تبتسم، تلعق خدي ثم تقول:
هبه قد عرف ما دخله في حريتينا الشخصية ورغباتنا الخاصة؟..
ورغم ذلك اطمئني، ادرك حبك له ولا يمكن أن أفسد علاقة الود بينكما..
كانت تردد العبارة الأخيرة بنوع من البرود لا أثر فيه لغيرة أو خوف من ان يستحوذ علي أخوها فأبتعد عنها، وكأنها تتوخى أن تنفخ في نفسي نوعا من السكينة للاطمئنان والتسليم بما تقول ..
من صدري تتفجر تنهيدة قلق، فيانيس ماعاد الرجل الذي أعرف يموت حنينا كلما غبت عنه شوقا الى رؤيتي، حتى قبلاته النادرة ازدادت برودة عما ألفته معه، بل تلاشت كما تلاشى أكثر من إحساس قد جمع بيننا ..
شي ء ما في دواخله يصرخ لكن لايريد أن يطلعني عليه، حتى في الكلية صرنا كصديقي دراسة أو كأخ يرافق أخته حتى يحميها من تحرشات الطلبة .. هل يكون هواه غير ما يظهر لي؟..
ألا تكون علاقتي بكاميليا وعشقها لي هو ما دفعه للابتعاد عني؟
ربما أخرى غيري قد اثارته بالتفات؟ .. كاميليا قد دحضت اعتقادي.. بأن يكون يانيس قد تعرف على فتاة غيري، فلا أنثى كانت تثيره بانجذاب على الأقل في حضوري وحديثي معه ..
ما أثارني هو برودة جنسية تهيمن على يانيس، جبل ثلجي يقد عاطفته، كلمات الغزل لديه لا تتعدى شفاهه أما دواخله فصقيع هو ما يشككني أصلا في ميولاته، وما زاد في شكي أنه يتعمد ألا يختلي بي واذا حللت بالبيت أطلب كاميليا تعمد الغياب ..
كنت مع كامليا في أحد المنتزهات وفجرت ما في صدري عن أخيها ..
ترددت في البداية قبل أن تقول:
نجوى، حبي لك يفوق كل حد ولولاي ما متن بك يانيس علاقة .. أنت أكثر من نفسي بل أنت توأم روحي ولا أظنك الا واعية بهذا وما سأبوح لك به يلزم ان يظل بيننا بحق ما يجمعنا من حب ومودة.. هل تعدينني؟
ماذا في جعبة كاميليا وما هذا السر الذي تريد أن يدخل صدري بلا خروج؟
لا حظت سلوكات كثيرة على يانيس وأخته كما على أمه وأبيه، فكنت أظن ان الامر يتعلق بوسط مجتمعي خاص والانسان حر في اعتناق الناموس الذي يعيش به ..
كانت كاميليا تحدق في وجهي بتمعن، لا ريب أنها تدرك أني في مستوى ما ستخبرني به؟
ـ اسمعيني نجوى: قد يكون يانيس متيما بك الى درجة العبادة لكن ما جدوى ذلك، ويانيس لا يملك ما يسعدك به أو يسعد غيرك، إنسانيته تمنعه ان يجعل منك ضحية وهو من عانى في طفولته من غيابك عن النادي .. يانيس ـيا نجوى ـ لا يمتلك عضوا للذكورة ومن طفولته تم تركيب جهاز يسمح له بالتبول، وقد خضع لعدة عمليات لتحويله الى أنثى لكن جهازه التناسلي غير مكتمل التكوين لهذا فهو يتعايش مع واقعه الخلقي الذي ولد به، لذلك يكره ان يعرف سره أحد حتى افراد العائلة لايعرفون شيئا عن هذا، وحيث اننا من اسرة لا اثر للدين في حياتنا لهذا لانؤمن بالمعجزات، نؤمن بالعلم وقدرته التي قد تباغتنا بحل لمشكلة يانيس وغيره وهم كثر ذكورا وإناثا .. أنا نفسي عانيت مما يعاني أخي لكن بدرجة اقل تمكنت الجراحة أن ترتق الكثير فقد كنا معا توأمين يتشاركان جهازا تناسليا واحدا ..
ـ نجوى عزيزتي !! .. أنت أمام حقيقة ربما تكون مذهلة بالنسبة لك كمسلمة، العاطفة لديها أقوى من العقل والتسليم بالواقع لكن شخصيا وأسرتي كذلك لا نؤمن بأي دين فانسانيتنا هي مرجعيتنا التقييمية لما نستبطنه من قيم وأخلاق، ألم تلاحظي يانيس كيف انه لم يتدخل يوم تطفل ابن عمك على خصوصيتك، يانيس يحترم الانسان لما يحمله من أفكار بلاتصنيف ديني أو عرقي .. أقسم لك أنك لدى يانيس أكثر لحمة مني وهو يتعمد الابتعاد عنك حتى لا يقيدك بمصيره وعجزه ..
ابهتتني كاميليا بما قالت وما على لسانها قد تفجر بلارحمة لصدري كيف وقعت من طولي وبكل ثقافتي؟هل هو الغباء أم الثقة الزائدة؟
خوف شرع يركبني، طواني بغياب عن كل ما حولي، ثم ما لبثت أن أخذتني قشعريرة هي مزيج من حب ليانيس وتعلق بكاميليا، صراع يفترسني بين القوة والانهزام .هل أكمل الطريق معهما أم اتراجع وأمامي مسار يلزمني النجاح فيه؟ مسار دراستي ..
بعد التخرج تم تعييني في مستشفى عمومي في إحدى مدن الجنوب في حين فتح أبو يانيس عيادة فاخرة لابنه، كانت سببا في ابتعادنا أكثر عن بعض..
كنت ويانيس نكتفي بالتواصل عبر الهاتف وعلى مسافة من الزمن في حين كانت كاميليا لا تتوقف عن زيارتي أسبوعيا فلا هي استطاعت عني بعادا ولا انا تحملت غيابها .. كانت كل مرة تقنعني بالاستقالة من العمل الحكومي والعمل مع يانيس توأمها، كنت أرفض بشدة فكيف أعمل جنبا الى جنب مع رجل استحوذ علي من طفولتي وفي حبه قد انغمست وانا لا املك منه الا حرقة النظر؟ وكيف أحافظ على السر الذي حملتني إياه والذي قد ينبعث من قمقم صدري فأصير كمن" خرج من الحبس وجلس ببابه "
شرعت زيارات كاميليا تقل وتتباعد عما كانت الى أن انقطعت نهائيا، حتى الهاتف صار شحيحا بيننا.. دوحة حبنا ذوت في عز شبابها وكنت الخاسرة .. عند أول عودة الى مدينتي صممت على زيارتها.. بصراحة كنت اشتاق ليانيس وأحب أن اراه كيف يسير عيادته وهل استطاع النجاح بنفس إحساس التفوق الذي كان عليه وهو طالب قليلون من استطاعوا مجاراة ذكائه وتفكيره ..
وتزلزلت الأرض من حولي فما فاجأني اقوى من احتمالي،
لقد وجدتني لا ازور حبيبا وحبيبة، وانما ازور مريضين يحتضران كلاهما قد اصيبا معا بسرطان في جهازهما التناسلي كان يسري داخلهما سريان النار في الهشيم، وقد فاجأتني أم ايناس وكاميليا بخبر انهما مذ خلقا والخطر يهددهما معا فكلاهما كان متشوه الخلقة على مستوى جهازهما التناسلي المشترك والسبب "ريبيول" أصابها وهي بهما حامل دون أن تنتبه لذلك ..
ووجدتني أنهار من طولي، أصيح باكية و كأني في حياتي لم ابك من قبل، شاب بطول وعرض وجسم رياضي منحوت يذبل كما تذبل تينة قد لامسها قبل ان تثمرقحط، وانثى كانت تشتعل نار رواء ورغبة تلتوي ولها تجدب نفس ويحتبس خصب فتذوي بعد أن احلوَّت وكانت لذة نظر وحضور ..
***
محمد الدرقاوي ـ المغرب