نصوص أدبية
مجيدة محمدي: أنا لا أجيد
![](/images/1/majeeda_mohamadi.jpg#joomlaImage://local-images/1/majeeda_mohamadi.jpg?width=&height=)
أنا لا أجيد ترتيب الفوضى،
تلك التي تلتف حولي كوشاحٍ من ضبابٍ ثقيل،
تلك التي تهمس في أذني: "ابقَي هنا، لا تتحركي"
*
أنا لا أجيد الفرار،
أقدامي مسمّرة في أرضٍ لم اخترها،
خطواتي ثقيلة كأنها تحمل أزمنةً لم أعشها بعد.
*
أنا لا أجيد التفسير،
لماذا تنمو الأشجار نحو الضوء،
لكنني أنحني نحو العتمة؟
لماذا أبحث عن وجهٍ لم أره،
وأسمع صوتًا لم يتكلم؟
*
أنا لا أجيد الإجابة،
لكنني مهووسٌة بالأسئلة،
تلك التي تهدم الجدران،
وتجعل الهواء أضيق من اللاشيء.
*
أنا لا أجيد التواصل،
لكني أجيد الانتظار عند العتبات،
أجيد رسم الوجوه التي لم أعرفها،
أجيد الكتابة عن الذين لم يأتوا بعد،
وعن الذين مرّوا كريحٍ في ليلةٍ صيفية،
تركت رائحتها في ملابسي،
ثم اختفت.
*
أنا لا أجيد الموت،
لكني أجيد توديعه كل ليلة،
أترك له كوب قهوتي نصف الفارغ،
وأكتب له رسالةً لا تصل،
أقول له: "لست جاهزًة بعد، عد لاحقًا."
لكنه، مثلي، لا يجيد الإصغاء.
*
أنا لا أجيد أن أكون شخصًا واحدًا،
كل صباح أفتح صندوقًا جديدًا،
وأجد وجوهًا ليست لي،
وأسماءً لم أخترها،
وأصواتًا تتحدث لغاتٍ لا أفهمها.
*
أنا لا أجيد أن أكون ثابتًة،
أغيّر ملامحي كما يغيّر البحر مده،
أكون قمرًا ناقصًا حين يكتمل العالم،
وأكون شمسًا محترقة حين يبحثون عن الظل.
*
أنا لا أجيد التصالح مع الوقت،
يمشي أمامي، وأمشي في دائرته،
يمسك يدي كطفلٍ مشاغب،
ثم يتركني في منتصف الطريق،
يضحك، ويقول: "إلى أين كنت تظنين أنك ذاهبة؟"
*
أنا لا أجيد النهاية،
كل جملة أكتبها تلد أخرى،
كل طريق أسلكه يتشعب،
كل حلمٍ أعيشه يفتح أبوابًا أخرى،
لكنني، رغم كل شيء،
أجيد الاستمرار....
***
مجيدة محمدي - تونس