نصوص أدبية

جواد المدني: حرائقُ لا تنطفئ

تَعَوَّدَ الصَّبْرُ أنْ يَحْتَلَّ كُلَّ دُرُوبِ القَلْبِ،

وحينَ يَعْجِزُ عن فَكِّ طَلاسِمِ انْتِظَارِهِ،

يَهْرَعُ صَوْبَ مَغَارَةِ الرُّوحِ،

يُلِحُّ عَلَيْهَا

أنْ تَسْتَقْبِلَ حُلْمَهُ الغَائِبَ

وَسْطَ زِحَامِ الأُمْنِيَاتِ…

*

جَاءَتْهُ مُرْتَدِيَةً وِشَاحَ الخَوْفِ،

تَمْتَطِي صَهْوَةَ الصَّمْتِ،

تُخْفِي أَسْرَارَهَا في قَارُورَةٍ،

تَنْثُرُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِهِ قَطَرَاتٍ مِنْ شَوْقٍ،

وَعِشْقٍ لَمْ يَنْضُجْ بَعْدُ…

*

يَخْفِقُ قَلْبُهُ المُكَبَّلُ بِجَبَرُوتِ الصَّبْرِ،

فَتُضِيءُ بِاللَّوْعَةِ وَاحَةً لِلْعُمْرِ،

أَشْعَلَتْهَا الذِّكْرَيَاتُ..

*

يَتَأَمَّلُهَا، فَإِذَا هِيَ مُبْحِرَةٌ

بَيْنَ أَمْوَاجِ الأَزْمِنَةِ النُّحَاسِيَّةِ

وَمَرَافِئِ الأَلَمِ،

يَرْجُوهَا أنْ تَرْسُوَ،

وَتَهْدِمَ جِدَارَ الوَهْمِ،

وَتُغَنِّي وَسْطَ حَارَاتِ الخَوْفِ

أُغْنِيَةً مِنَ الزَّمَنِ الغابرِ،

لِيَسْقِيَهَا مِنْ عَيْنَيْهِ كَأْسًا،

مَزَاجُهَا شَوْقٌ وَانْتِظَارٌ…

*

لَكِنَّهَا تَأْبَى إِلَّا أنْ تُحْرِقَ

أَحْلَامًا عُجِنَتْ بِاللَّوْعَةِ،

فَتَرْحَلُ،

تَارِكَةً خَلْفَهَا غَابَاتِ الفَرَحِ مُقْفِرَةً…

*

يَعُودُ القَلْبُ وَحِيدًا،

يَرْتَشِفُ رَحِيقَ الانْتِظَارِ المُرِّ،

وَيَغْفُو فِي زَاوِيَةٍ لِلرُّوحِ،

يَعُدُّ بِأَصَابِعِ الخَيْبَةِ

حَرَائِقَ

أَشْعَلَتْ خَرِيفَ العُمْرِ…

يَتَبَخَّرُ النَّدَى عَلَى رَاحَتَيْهِ،

وَيَتَلَاشَى قَوْسُ قُزَحَ من فَوْقَ فَنَارٍ .!!

***

جواد المدني

في نصوص اليوم