نصوص أدبية

Alzheimer’s victims

(ثقوب في الذاكرة)

تركَ الخريفُ نُدوبَهُ وشحوبَهُ

أوشامَ شاهِدةٍ على

هَرَمِ اللُبابَةِ ماسخاً

أبهى الخلائقِ مومِياءَ بلا بريقْ

*

خَرَفٌ تَسوّسَ كعبةَ الألبابِ فانْهدمتْ

على حِكَمٍ بخاتمةِ السنينِ كما تهدّمَ

سورُ منزِلِهِ العتيقْ

*

وخُرافةٌ حصدتْ غضارةَ آخِرِ

الأسماء والأشكال في وجدانهِ كحصادِ أوراقِ النهى وضمورِها

أقصى نهاياتِ الطريقْ

*

صمتت بذاكرةِ الوَقورِ عنادِلٌ

فكأنها ما غرّدتْ دهراً ولا

عزفت لنا لحْناً سماويّاً رقيق

*

رحلت بعيداً كلّ أطيارِ الحمى

عن لُبّهِ فتصيّرتْ

تلكَ الديارُ بلاقعاً

أو غابةً جرداءَ هَشّمها حريقْ

*

وبها شجيرات الحياة تجرّدتْ

بأواخرِ المشوار عن ورقِ الحِجا

ومياسمُ الفصلِ الأخير تيبّست

مذ غاض في أنساغِها ذاك الرحيقْ

*

وأخالها من غيهبِ الظلماتِ قد مُدّتْ يَدٌ

حذفتْ رسومَ العالمين ملامِحاً

وتناثرتْ ما بينَ أوراقِ الخريفِ كما الدقيقْ

*

وَبِلَمْسةٍ عَدَميّةٍ مَسَحَ الغروبُ

جبينَ حافظةِ العجوزِ فأصبحتْ

كالشاشةِ البيضاء لا أثَرٌ بها

لحوافرِ الأعوام والماضي العريقْ

*

هَرَمٌ هَوى وتهاوتِ الأحجارُ

هازئةً بِألواحِ التجاربِ والحِكَمْ

*

وتناثرتْ في يوْمِ ريحٍ عاصِفٍ

مابينَ أعتابِ الكُهولةِ والهَرَمْ

*

وَبياضُ ذاكرةِ المشيبِ وَشيْبهِ

كدفاترٍ أوراقها البيضاء لم يمْسسْ

بكارَتَها قلمْ

*

شَبَحٌ تسلّلَ ماحياً آثارَها

فإذا بِعالَمِهِ هباءٌ مطلقٌ

وإذا بماضيه وحاضره سديمٌ أو عدم

*

فبدايةُ النفقِ الرهيبِ حرائقٌ برمادها

رشقت مرايا الروحِ بعدَ الذاكرةْ

*

وتصدعت قارورة الأزمان وانفجرت

رذاذاً في غيومٍ عابرةْ

*

ومناجِمٌ حملت كنوزَ الذكرياتِ كما

جبالٌ من عُصاراتِ النُهى

نضبت دناناً او جراراً ضامرةْ

*

كمصيرِ أعلى الراسياتِ قُبيلَ صُورِ الآخرة

*

جلستْ حفيدتُهُ جوارَ شغافهِ

فتحتْ ذراعيها ترومُ عناقَهُ

فتجمّدتْ إذ لم تجدْ

خفّاقهُ الحاني الشفيقْ

*

بدموعها راحتْ تودّعُ راحلاً

ومهاجراً لكهوفِ واديهِ السحيقْ

*

غرقت بأنهارِ الدموعِ وأجهشتْ

بسؤالها عن ضاعنٍ غرقت قوافله

بكثبان الرمال

*

وبدا العبورُ الى ضفافِ غيابهِ

حُلُماً بعيداً بل مُحالْ

*

فزعت وفي أعماقها هتف السؤال

أنّى لَكَ الرُجعى معافى للديارْ؟

ومتى الرجوعُ إلى حمانا دُلّني؟

فأتى الصدى

هيهات يذكركِ الغريقْ

هيهاتَ يعرفكِ الغريقْ

فلقد مضى في لُجّةِ الصمتِ العميقْ

***

د. مصطفى علي

 

في نصوص اليوم