نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: بل شُبِّه لهم بي

رواية قصيرة

1- رصاصة وماء

أمّا عنّي أنا فأقول بكلّ جرأة ها إنّي أعود من دون خوف

نعم

بعد ربع قرنٍ عدت إلى مكاني الأوّل…

فقد تغيّر شكلي الآن

 تماما.. أصبحت شخصا آخر.

ظهري لم يتقوّس مثلما بدا على أبي مبكرا.. كانت أمي تقول أرفع رأسك دائما ولا تنحنِ. تضايقت في البدء، مع ذلك تجنّبت عيبا خلْقيا بفضل تلك النصيحة. أمّا وجهي فلم يعد كما هو، هناك تجاعيد، وبعض التشوه. من حسن حظّي أنّي كنت أميل برأسي بعيدا عن شلالِ ماء النار الذي أكل بعض خدّي الأيمن. فأضاف مع الزمن تغييرا على وجهي لا يستبينه أحد من الأحياء الذين عاصروني قبل هربي البعيد.

أمّا اسمي فلا يهم.. معي وثائق أخرى، واسم آخر اخترته عن قصد، لينس الناس اسم (جلال الحيّ) لأنّني سبقت الزمن، واسمي الماضي. كنت أعيش بطريقة ذكيّة: حي مع نفسي، وميت بنظر الآخرين. كان لابد من أن يتحوّل - إذا رجع الزمن ثانية - (ميلاد سلامة) إلى (جلال الحيّ) منذ أن فكرت بالعودة إلى البلد من جديد.

ومثلما تغيّرت بسرعة مذهلة، وجدت كل شيء تغير أمامي.

البلد هو وليس بهو.

حاضر وغائب

هناك بعض المعالم بدت مشوشة مثل صورة قديمة.

حسب مفهومي السابق كان المشهد يتداخل في عينيّ بشكل فظيع.. هناك جمال وقبح في الوقت نفسه

نخل اختفى وسدر حل مكانه.

بيوت متواضعة.. عمارات ارتفعت مكانها.

الأمور تسير بالتوازي والأهم عندي ألا أحد يعرفني على الأقل الآن.

اخترقت شوارع جديدة، مناطق ضيقة، مناطق أعرفها على الرّغم من تغيير رهيب لم آلفه من قبل. بضعة أيام مرّت حتّى تأكّدت ألّا أحد يعرفني.. فقد أطلقت لحيتي قبل العودة ببضعة أشهر. أغادر الفندق إلى الشارع، ألف الحارات، أطالع الآخرين بلمحات قصيرة.

المكان ذو القصب الذي قـتلت به، زرته..

وقد خُيِّلَ إليّ أن الكثير من المظاهر شاخت

ومن بينها النهر نفسه.

كنت يوم جرفني الماء جريحا في التاسعة عشرة من عمري، والآن شارفت على منتصف العقد الخامس. يالها من رحلة طويلة أجبرت عليها، ويثير دهشتي العشرات الذين أراهم يهرعون إلى زوارق

المهرّبين ليغادروا ولم يجبرهم أحد مثلي على الهرب...

على النقيض من هؤلاء الهاربين سجلت عودتي الجديدة.

حارتنا القديمة لم يطرأ عليها أيّ تغيير كثير، استوقفت طفلا واجهني عند المنعطف القريب من بيتنا:

- قل لي لو سمحت أتعرف بيت السيد (جليل الحيّ)

أشار الصبيّ إلى بيتنا القديم، وقال:

- ذاك هو البيت يسكنه ابنه (كنان)

أخذتني دهشة مفاجأة.. دهشة أشبه بالصفعة إذ لا أعرف لي أخا اسمه (كنان):

- أليس أخوه (توفيق) معه.

أجاب الصبي بعدم اهتمام:

- سيدلك عليه (كنان).

خطوت كمن راودته جرعة خمر. أظنّ أنني أترنّح. نحو بيتنا القديم. لا أرغب أن يشمت بي أحد، ولا أعرف حين تواريت أنّ لي أخا اسمه (كنان) وقد ظنوني مت وجرفني التيار إلى الخليج فلم تبق لي الكواسج والحيتان من أثر، وقتها كانت أمي في سنّ الخمسين، فكيف أصبح لي أخ....

الحقّ على أبي هو الذي تفرّد بأسمائنا ما عدا أختي زاهية التي اختارت اسمها أمّي موفق.. جلال. أنمار... توفيق سوى أني أكاد أترنح، وتنتشلني فكرة تقول أنّ عليّ أن أحسب حساب المفاجآت..

 وقفت أمام الباب مترددا، وضغطت على زرّ الجرس بيد مرتعشة، فانفرج مصراع الباب وأطلّ عليّ بعد لحظات صبيّ في السادسة عشرة من عمره، هو أخي الذي عرفته قبل قليل ولا يعرفني، فيه من أبي شبه كبير وبعض وسامة أخي (توفيق) وطول أخي الشبيه بي (أنمار الحي).

قتلوا منا واحدا

قتلنا اثنين، فقتلوا منا

ثم منهم ثالث ومنا رابع، وآخر فاستهدفوني في سلسلة الدم.

هناك شخص آخر يسير جنبي هو أخ لا أعرفه.

كنت أسير بجنب النهر، المد عال والتيار جارف، هزني صوت رصاصة وقعت في كتفي، فرميت نفسي في الماء.. لحظتها غطست وجرفني التيار.. اختفيت بين القصب الكثّ.. لم أشعر بالألم إلا بعد دقائق، بقيت أتشبّث بالقصب، وسمعت أحدهم يقول:

- هذه آثار دم على الجرف

ورد الآخر:

إن لم يظهر في أهله، سيكون التيار جرف جثته، وتناهشتها الكواسج.

كنت أنصت بين القصب إلى الذين قتلوني، وقد راودتني شجاعة ألا أعود، لم يبق من عائلتنا إلا أخي (توفيق) الأكبر مني بسنتين، شقيق آخر لي ظهر فجأة.، فمن أين جاء أخي هذا الذي لا يعرفني!

وصلنا إلى منزل فخم، تشرئب من سياجه نخلة وشجرة سدر وثمة تلقي ملكة الليل بأغصانها على قوس الباب، ضغط (كنان)على زر الجرس وحالما انفرج الباب عن صبي في السادسة من عمره، دلف أخي المفترض هو والصبي إلى الداخل وهو يقول لحظة من فضلك، ثم خرج وهو يخاطب أخي:

- ضيفك

 وتركنا وحدنا.

ربع قرن كاملة بيني وبينه...

سنوات تشير إليها شعرات شابت، وتجاعيد في الوجه. وربما بعض تقوّس في الظهر ورثه عن أبي: كيف أبدأ؟

- هل عرفتني؟

حصر ذاكرته إلى البعيد حاول العبور إلى الزمن بلحظات:

- الصوت ليس غريبا عنّي!

فقطعت عليه حيرته، فهمست:

- تماسك أنا أخوك. أنا (جلال)

معجزة ما فب عينية. ريبة.. بين مصدّق ومكذّب، فيستغرب من ميت حي وميت يعود للحياة بعد أن أصبح رميما.. عانقني بحرارة والدموع تكاد تقفز من عينيه:

- غير معقول

- فهمست ثانية وأنا أمسح على رأسه:

- معقول ولا تنس أن تحفظ السر أنا صديق قديم.

2 - أنمار أخي

كأنّما كان كل شيء يعيد نفسه بصيغة أخرى.

أما الذي كان، فلا أنكر على الأقل، مع نفسي أنّي كنت السبب فيه.

أعترف

أنها عبثيتي وحبي لنفسي الذي فطرت عليه.

عنادي

واعتدادي بنفسي

أم

بعض النرجسيّة؟

كان أخي (أنمار) الذي يصغرني بسنة، هو ضحيّة شبهه بي. شاب متزن قليل الكلام، يتعفف عن كثير من الأمور. في اليوم المشؤوم رصدوني، - أعني آلم الفارس، من حقّهم... رصدوني أنا من هتك عرضهم، كما خطر لهم، ونكث بهم، نصبوا لي كمينا ومن سوء حظّه أنّه كان يوم في المكان نفسه...

أنا هو

الناس أنفسهم أخذتهم الدّهشة...

أمي

أبي

إخوتي...

هذا (أنمار)صاحب المكارم الذي يقسم الناس برأسه.. يحلفون به.. يرتكب إثما... يقولون تحت السواهي دواهي، وقد سكتّ..

بلعت ريقي عدة مرات والتزمت الصمت.

أخي (توفيق) ران عليه الجزع والتأثر أكثر منا، واختمرت في رؤوس الجميع فكرة الثأر. قال أبي:

- لا عزاء إلا أن ندرك بثأرنا

واستشاط أخي الأكبر (رائد):

- لا أظنّ (أنمارا) يفعل ذلك أنا متأكّد من أنّها قضيّة مفبركة، ليغطّوا بها على خطيئة ابنتهم.

واندفع أخي (صافي):

- كان الأولى بهم أن يواجهوننا بالحقيقة لنحلّ المسألة من دون فضيحة!

بقيت ساكنا. الحق كنت متأثرا إلى أبعد حد. الذي شكّوا فيه هو الشبيه بي على المّرغم مني أننا نحن الإثنين لسنا بتوأم.. أمّي نفسها يختلط عليها وجهانا فتنادي كلّا منّا باسم الآخر. لم يتبيّنوا ملامحه... هو أنا. حينذاك أنقذني الظلام وشاحنة استدارت عند الفلكة القديمة. تشبّثت بها من الخلف وأنا ألهث. انتهاك... إثم.. جريمة.. شرف.. وكانت هناك لي لقاءات لكن لم يكن هناك اقتراف خطيئة وذنب.. كان أهل الضحيّة يشكّون بأخي، فصرخت بأبي وإخوتي:

- إنّه حقي... حقي أنا (أنمار) ولد بعدي وهو شبيهي أنا آخذ بثأره.

مع كلمتي تلك جرى شلال دم بين عائلتنا نحن آل (الحيّ) وعائلة آل (الفارس)، أخفيت سلاحي تحت ثيابي، وقصدت سوق العطارين الضيق القديم حيث العطور وليف الاستحمام وروائح الصابون المحليّ. هناك (نديم) ابن الحاج (عواد الفارس).. في غفلة مع زبون، ومن حسن حظّي أني بعد لحظات أبصرت أخاه يزيح ستارة الباب الخلفيّ فيقف عند الميزان. تراقص السرور في عيني، لابدّ من أن أمارس القتل.. عصفوران بحجر واحد هل أخذتهما العزّة بالإثم، فباشرا العمل، ولعل وجود أخيه حدث مصادفة. حثثت الخطى، وبسرعة البرق. مثل الذئب، انثنيت، وصرخت. أطلقت عليهما النار ثمّ انسللت بخفة الغزال..

لم ترتجف يدي

أحب الغناء

الطرب

الرقص

مع ذلك أثبت أنّ صدري مثل الحديد يمكن في لحظة ما أن يتخلى عن كلّ معالم النعومة ورهافة الحسّ.

اثنان بواحد

وحاول ضابط الشرطة أن يستنطق عدوّنا. استدعوا الرجال وبعض النساء، فأنكروا...

وفي الليلة ذاتها مشيت مرفوع الرأس، وذهبت شأني كلما أحسست بالنشوة إلى دارة (رودينا أبي لمعة) فعثرت على مطلبي. سكرت والتهمت الشاورما، وتمايلت مع رقصات بنات الريف، ثمّ ضاجعت بتحفّظٍ ابنة (رودينا أبي لمعة) (راجحة)ذات الأعوام الستة عشر.

كانت تثيرني أكثر من غيرها بنهديها المنتصبين وبطنها الضامر.

تكون بين يدي ولا أقرب عذريّتها. كانت تثيرني بشامتها الناصعة السواد على كتفها الأيمن، ووحمة بنية ترتسم أسفل سرّتها..

ويبدو أن الحيوية عادت إلي مرة أخرى، فغيّرت، ذهبت مع إحدى المحترفات ودفعت مبلغا مضاعفا، فغفوت في بيت (رودينا) ولم أستفق إلا قبيل الظهر.

هل أدوّن سيرة الدم الكبرى قبل حدوثها بل قبل أن أصبح في عداد الأموات!

3 - الهالة على وجهي

- الآن سأنادي على الطعام فلعلك جائع وبيتي بيتك أنت ضيف بالإسم فقط.

- أكلت في الفندق.. اسمي الجديد (ميلاد سالان) جواز سفر الدولة التي انتميت لها، قبل ثلاث ليالي نزلت في فندق (الأمل) وتجولت بوجهي الذي غطته السنين وتشويه في خدي اليمين.

هما جواز سفري الأصلي

تعويذة المرور.

لم يصبر أخي، وقاطع:

- لكن حقيقة ما الأمر.

- سأشرح لك فيما بعد قصة الهالة.. نزلت إلى الشارع فأيقنت أن لم يعرفني أحد، وهنا حين وصلت تعمدت أن أسأل طفلا عن بيتنا القديم تجنبا للمفاجأة، فاكتشفت أنّ لي أخا جديدا!

فقال مبتسما بمرارة:

تلك قصة النهاية للمأساة ولعلها أطرف قصّة.. بعد أن فقدنا اثنين من عائلتنا عزّ على أبي أن يفرِّط بي.. وأبوا أن يفرّطوا بمن بقي لهم فجرت الوساطة بيننا.. (خفض صوته، ثم سكت، فسمعنا طرقة على الباب، فنادى بصوت عال) أدخلي...

هزّني المشهد حقّا..

رشاقة

خفة

مشية باتزان...

هي

(فجر الفارس)، والسنين التي طبعت على وجهها مسحة حزن وكبرياء، كنت في طريقي إلى أن ألهو بها من دون أن أقترف إثماً ولا جُرما.. في الثامنة عشرة من عمرها، والآن تجاوزت العقد الرابع لكن جمالها مازال يتطاول على السّنبن. كنت أقول لها أنت حقا فجر... وأكثر من بدر.. كانت تظنني صافي النيّة. أحبّتني.. مع ذلك لهوت قليلا.. قبلتها وهصرت يدها.. جعلتها تضع رأسها على كتفي... قالت:

- هل تحبني؟

- نعم

أدرك أن في كلامي صدقا وكذبا.. لعلّ الكذب أكثر.. قد أكون أحببتها.. لكنّ طبيعتي جبلت على حبّ اللهو، لا أقبل أيّ قيد.. لا أنكر أنّ في علاقتي معها مسحة من الحبّ، وحين لمحني أحد أشقائها في الظلمة التبس عليهم الأمر.. فكان المطلوب شخصا آخر:

- زوجت (فجر الفارس)

لم يكذب نظري ولم تشطّ النظرة الأولى منّي نظرت إليها وخفضت بصري، لا أظنني زغت واستدرت قدر استطاعتي إليها بخدّي المشوّه:

- أهلا وسهلا. تشرفنا

- أهلا بك أخي العزيز.

يبدو أنّ ملامحي غابت في السنين، فخفيت عنها، وضعت صينية الشاي على المنضدة واستدارت من دون أن تنظر إليّ، فاستوقفها قبل أن تصل إلى الباب الذي يفضي إلى داخل البيت:

- أمّ (إياد) أيتها العزيزة، (ميلاد سالان) صديق قديم كان معي في الجندية، كان أحدنا يفدي روحه للآخر، وقد ترك بلدته ليعمل هنا أمرته نعم أمرته أن يترك الفندق لأن له بيتا هنا وسيبقى معنا إلى أن يعمل ويجد بيتا.

سبقتني:

- على العين والرأس

اعترضت، أحاول أن يكون كلامي معها قصيرا لئلا تستفزّها نبرة كلامي، فتعود إلى سنوات خلت:

- يا صديقي لا أريد أن أثقل عليك.

- والتفت إلى زوجته:

- أووه لا عليك منه.

فهمست في أذنه حالما اختفت:

- يبدو أنّك لا تعاملها كأنّها صفقة من الصفقات.

فابتسم عن انشراح:

العشرة تخلق الحبّ، أختنا عندهم حسب صفقة وهي مرتاحة مع زوجها ولها منه أولاد وبنات.

أحاول أن أقنع نفسي:

- لكن أريد أن أفهم إذا لمم يكن سؤالي يحرجك ذا، وكيف تزوّجت حبيبة أخيك المرحوم.

فقال بلهجة مرّة

- واقع لا بدّ منه. اشترطوا للصلح أن يتزوّجوا أختنا (نبيلة) وأتزوج أنا(فجر) ثمّ أصبحت العائلتان مثل السمن على العسل، وحين ماتت أمي بعد سنتين كمدا على أولادها، صاهرهم أبي فجاء أخونا الذي أوصلك إليّ ولنا أيضا أخت أصغر منه اسمها (سها).

فارتشفت بعض الشاي، وتأملت قليلا:

- يعني يسكنان مع أمهما في بيتنا.

- بالضبط.

فهززت رأسي كأني في غيبوبة:

سمعتك تناديها بكنيتها؟

فردّ كأنّ خجلا ما يراوده:

- (إياد) ابني الأكبر، يعمل ضابط شرطة على الحدود وقد ينتقل إلى محافظة ما، ولعلني أرتّب أمره بوساطات فيبقى في البلد قريبا منّا.

- كلّ عقدة تحلّ بالمال.. لا تحمل همّا.

- وعندي أيضا (درّية) أمّ الدرّ على اسم أمّنا تدرس الطبّ في العاصمة في سنتها الأخيرة.

- ماشاء الله ربّ زد وبارك. حديثك جعلني أشتاق لرؤيتهما.

ومدّ يده إلى كأس الشاي، فتردّد كأنّه يبحث عن شئ أو يتحرج في البوح عما يفكّر به، وكان عليّ أن أستدرجه لأعرف ما الذي يشغله فأُنْصتُ وأسْتمعُ أكثر مما أتكلّم فقد بدت المدينة والناس بشكل آخر لا يبعث فيّ الخوف. حين طال الصمت بضع ثوان:

- ماذا؟ هل من شيء؟ قل أنا أخوك الشقيق.

- الحقيقة لا أعرف. ظنّك الجميع ميتا. مقتولا.. فجرى تقسيم الميراث على وفق الحال الجديدة. (كنان) وأخته لهما البيت، ولي البستان الكبير، لست محتاجا، وأعطي من وارد البستان الأهل وأدعم سها وكنان، إنّما هي وصيّة أبي جاءت مع الشرع ولا بدّ من أن التزمها، (كنت شغوفا على ألّا أقاطعه، فالتقط أنفاسه وواصل) سآخذك غدا إلى محل الكهربائيات الذي أملكه، لكنّ ظهورك قلب الموازين!

- قل ماذا تفكر به بالضبط.

- قضية الميراث وحصتك فيه، لا أقدر أن أواجههم بظهورك، لكنّي لن أبخسك حقّك وسأتّحمل تعويضك وحدي....

بلا مبالاة:

- هذه قضيّة لا تعنيني فلدي المال الكثير وأنوي إقامة مشاريع في المدينة. فهل هناك من شئ آخر؟

- أخشى أن تظهر باسمك الحقيقي، فيهتزّ الماضي كلّه.. فتثور صدور الآباء... الأبناء.. الجيل الجديد.. سريع الانفعال... يتصوروننا خدعناهم وأخفيناك. الجميع يظنك ميتا فيدخل (آل الفارس) و(ىل الحي) في دم جديد...

فقاطعته متفائلا:

- وهذا أيضا لك ولن أسقطه من حسابي بل سأعمل به سترى وتسمع في الأيام القادمة عن الوجيه المعروف (ميلاد سالان)

فزوى ما بين حاجبيه:

من أنت؟

- (ميلاد سالان) لا تعجب يا عزيزي والدنا لم يرتّب أسماءنا حسب الحروف الأبجدية ولا على أي أساس.. أسماء عشوائيّة لا ترابط بينها، أمّا (ميلاد سالان) فاسمٌ يناسب التجارة ورجال الأعمال الكبار.. ثمّ تسهل كتابته باللغة اللاتينيّة فهل اقتنعت؟

4 - يُنسى ولا يُنسى

.. أوصلني أخي بسيارته إلى الفندق قبيل منتصف الليل، وظنّ أنّه يجدني في الصباح قد حزمت حقائبي حسي اتفاقي معه، وانتظرته.

لكني أجريت بعض التعديلات..

أثبت وغيّرت

محوت.

كتبت قدرا جديدا لي.

كنت مضطجعا على السرير في الغرفة، أراهن أثر السنين.. الربع قرن والتشوّه الذي طرأ على خدي. في إحدى معاركي.

هل تكتشف(فجر) شخصيتي حين أعيش عندها في البيت؟

كان أخي متسرعا في عرضه..

إنّي الآن أحمد الساعة التي عانق فيها ماء النار خدّي..

قبل أن أجمع ثروتي الهائلة.. اشتغلت في عدة أعمال.. قد يراها مجتمعنا وضيعة.. كناس.. حمال.. عملت علاقات مشبوهة ومارست التهافت على اللهو. هوايتي المفضّلة.. تجارة الممنوعات.. الحشيش، تزوير العملات.. فتحت بارا وصالة قمار.. إنّه اللهو الذي مارسته في بلدي من قبل…

 هوايتي

لا أدافع عن نفسي

منذ صغري أحبّ الفرفشة والعبث والغناء

هواية

مثلما هناك هواية الشعر والملاكمة والنحت

أصبحت ثريّا من واردات المرقص وتجارة الممنوعات، وكذلك الجنس. لست سخيفا لأعترف أنّ التشويه في وجهي الذي أخفى شخصيتي حدث بسبب شجار. قد لا ألوم نفسي، فما نجده في بلد عيبا يكون عملا غير مشين في بلد آخر.

 عندئذ أدركت وبكل رجاحة عقل أنّ عليّ أن أقف عند حدودي، فهذا البلد الغريب منحني كيانا: جنسية... اوراقا ثبوتية، ولغة أخرى، يمكن أن تعزز رغبتي في الانتقام.

لم يوقف رغبتي في الانتقام أنّي وجدت الأعداء أصبحوا إخوة..

بل

ازددت تصميما

لقد قتلوا أخي الشبيه بي

نصفي الآخر الذي يراه أبي وأخوتي وأمي النصف الحلو

الدعة..

البساطة

الهدوء

التدين

العفاف

فهل أسكت عن ثأري

ذلك زادني إصرارا على أن أمارس طريقتي الخاصّة...

في الساعة العاشرة صباحا زارني أخي، ارتسمت الدهشة على وجهه:

- أين حقيبتك؟ هيا لا تتكاسل.

- إسمع يا أبا (إياد) لقد غيّرت خطتي.

- معقول؟

- عليّ أن أحسب ألف حساب للأمر بقائي عندك فترة طويلة يكشف سري لزوجتك من زلّة لسان أحدنا أو تنصت على حديث..

قال بارتياح:

- إذا كان الأمر كذلك فلك ما تشاء.

- أظنّك أنت أيضا مهتم في الحفاظ على السرّ.

- طبعا. هل تذهب معي الآن إلى المعرض؟

وفي الطريق طلبت من أخي أن يعرج على مكان آخر في ذهني، فمالت بنا السيارة إلى حيث أقصد. وبدت لعينيّ المشاهد غائبة حاضرة في الوقت نفسه، تغيير فظيع كأنّ المدينة تنمو وترتفع إلى السماء أكثر.. طلبت منه أن يوقف السيارة، فترجلنا ونظرت إلى الجرف.

المكان نفسه..

بعض الملامح تغيرت

وأخرى لا أظنّ الزمن مهما تسارع لا يطالها

نظرت من الجرف، وحزمة البردي الكثيفة التي انحسر عنها الماء، لمست من حيث لا أدري كتفي:

- الآن جزر

- ليس الجزر وحده هناك جفاف وأصبح المجرى حتّى في أقوى مدّ لا يصل الجرف.

فقهقهت منتقما:

- هنا اغتالوني ومن حسن حظّي أنّ المدّ ليلتها كان يعانق الساحل. كنت عائدا من مجلس لهو في بيت (راجحة)، فجأة أصابتني رصاصة في كتفي، فقفزت في الماء والرصاص يتلاحق وقطرات من دمي على الجرف.

فوضع يده على كتفي:

- انس الماضي

فقلت له كأنّي أخرج من كابوس:

- هناك أشياء تنسى وقضايا لا تنسى

 عدنا إلى السيارة ثانية، وسط صمت مطبق ثمّ وصلنا بعد دقائق إلى معرضه. كان يدلّ على أبهة، والعاملون فيه مثل خلية نحل، ولفت نظري زبائن يخرجون أو يدخلون. كان المعرض الفخم صورة لمدينة صغيرة.. فتح باب المكتب وقال:

نجلس هنا بعيدا عن الضجّة، لقد قدمت الساعة التاسعة فتحت المعرض، ثمّ قصدت الفندق، وطلب من عامل فتجاني قهوة:

- دعنا ننعم بالقهوة ونفكر ماذا تقترح علي من عذر لعدم حضورك اتعلّل به أمام(فجر)؟

- اختلق أيّ سبب قل لها جاءتني مكالمة ضرورية فسافرت على أمل أن أعود بعد بضعة أيام.

فابتسم وهو يرتشف القهوة:

- عذر مقبول حقّا.

تابعت بخار فنجاني، فسألته قبل أن أرفعه إلى شفتيّ.

- قل لي هل تحبها؟

فصمت لحظة، وقال:

- إنّها طيبة القلب. البارحة سألتني قالت يمكن يكون صديقك بحاجة إلى مال!

فاستفزّني قوله:

- لم أسألك عن طيبة قلبها أمنا كانت طيبة القلب، الطيبة موجودة في طبيعة البشر لكني أسألك عن الحب؟

علا وجهه بعض القتام:

- لا تنس أنّها كانت ضمن صفقة... صفقة سلام أنهت الحرب.. أمّا الحب فقد خلقته العشرة، ولا أبالغ أن أقول إنها تعبدني!

فصمت، وصمت، وانتبه إلى السكون، قبل أن ينطق، دخل عامل وزبون يسألانه عن سلعة ما، فغادر وعاد بعد دقائق، أغلق الباب خلفه، وقال:

- معذرة قد تكون في شكّ ما أوحاه إليك الماضي، وهذا من حقّك، وحقّ أخينا المغدور، لكني تساءلت بعد زواجي، لأفترض أنّها تزوجت رجلا أحبته قبل الزواج ثمّ مات، ألا يحقّ لها أن تخوض تجربة زواج أخرى.. الأحياء يا أخي أولى.

فهززت رأسي بين مقتنع وشاك شأني في نظرتي للحياة:

- معك حقّ هناك ماض يمكن أن ننساه. إلّا بعض الماضي مثلي أنا هناك أشياء لا أقدر على أن أهجرها.

- أعرف.. الفرفشة!

استدرجته:

- يا أخي أين هي الفرفشة. منذ أن دخلت البلد لم أجد إلا لحى، وعمائم، ونساء يغطين شعورهن، أين أيام زمان، أين الغناء والطرب و (رودينا أبي لمعة) صحيح قل لي هل مازالت حيّة.

فضحك ونقر بقلم على ورقة مقوى بين يديه على المنضدة

- الله لا يعيد أيامها الفاجرة. ماتت وشبعت موتا، ومع قدوم الجماعة أصحاب اللحى كما تقول، هجرت ابنتها (راجحة أبي لمعة) المهنة، وفتحت معمل خياطة لملابس النساء، في مركز المدينة، مركز (الستارة)، وهناك همس في أنّه أكثر من ذلك.

5 - خال ووحمة

العالم يتغير

وهناك أشياء تظلّ في النفس، وخارجنا لا تتبدّل وتلك قضيّة لا تتعلّق بالنسيان.

معالم اللهو لا تشيب

الغناء يظل كما هو على مر العصور لا أحد يهجره

والخمرة هي هي.

وقد وقعت على بغيتي أخيرا.. (راجحة أبي لمعة) بغيتي، يا ترى هل تغيّرت.. كانت تمارس الجنس معي ومع آخرين، وهي عذراء. مع ذلك أحسّ أنّها تمنحني مالا تمنح الآخرين أو إذا جزّأت اللذة أظنّني أكسب حصّة أكبر مما تمنحه للآخرين.. وأجدها تنزعج حين أمارس مع غيرها. هناك أسماء في ذهني.. أسماء عاهرات جميلات بعضهن جئن من بلدان بعيدة..

هربا أم رحلة.. لا يهمّني معرفة السبب. سأختار حشدا منهنّ.. أكون حلقة الوصل بين الوحشة والفرح..، وانتشلني أخي الي عاد من إطلالته على محله الواسع:

- قل لي هل تحبّ أن نتغدى هنا في مكتبي اليوم؟ سأطلب كبابا الأكلة التي تفضَلها.

- لا... أرغب في أن أرى المدينة.. والأفضل أن تتغدّى مع زوجتك.

- نحن إخوة لا تشعر بالإحراج يمكن أن نذهب إلى المسجد القريب نصلي الظهر ثمّ نعود إلى هنا نطلب طعاما أو نتغدّى في أيّ مطعم.

فابتسمت مذهولا:

- عهدتك لا تصلي منذ متى بدأت؟

- بعد مصرعكم وبقائي وحدي لقد وجدت الحياة لا تساوي شيئا، حفنة تراب وحفرة وأسأل الله لك الهداية.

فنهضت ومازالت الابتسامة ترتسم على وجعي:

- سأذهب إلى المدينة

- هل أقلك إلى هناك؟

- لا حاجة إبق في عملك سأستقلّ سيّارة أجرة.

كان هدفي معرض (الستارة)، النافذة الجديدة التي انفتحت لي بصورة أخرى، ودفعتني إلى أن أتشبّث بفكرتي القديمة أكثر وأكثر. كم كنت أتعب في الجث عن وسيلة أخرى لو لم أجد (راجحة أبي لمعة) وقفت السيارة أمام المحل، فترجلت:

لحظات

بصري يلاحق العنوان: خياطة الستارة: لوحة أعلى المدخل عريضة، ونماذج لملابس نسائيّة محتشمة في العارضتين الزجاجيتين اللتين تحيطان بمدخل يفضي إلى باب محكم الإغلاق.

ثمّ

ضغطت على زرّ الحرس فانفرج الباب بعد دقائق، فأطلت عاملة في الثلاثين من عمرها ف، يغطي شال شفاف بعض شعرها:

- إنّي أسأل عن السيدة راجحة أبي لمعة صاحبة المعمل.

- ستأتي بعد ساعة.

- حسنا سأرجع من الضروري أن أجدها من أجل صفقة. قولي لها معرفة قديمة رجل الأعمال (ميلاد سالان).

كان عليّ أن أدع ذهنها يفكّر... من هو (ميلاد سالان)، أروم أن أستنزف خواطرها قبل أن أقابلها، الحظ يدعوني مرة أخرى.. سينشغل ذهنها بالماضي تبحث في صفحاته ولا تجدني، فالذين مرّوا بها كثر.. وجميع الأسماء متشابهة.. الواقع والخيال، أمّا أنا فما عليّ إلا أن أثبت لها. أنّي صاحب مشروع يعيد الماضي بصيغة أخرى... لا أظنّها تنكرني أو ترفض فلدي منها شارتان من الماضي البعيد أفاجئها بهما فتطمئن إليّ.

أقلتني سيارة أجرة إلى فندق الأمل السياحي، منحت موظف الاستقبال بعض النقود، وسحبت من الودائع حقيبة السمسنايت:

- قد تزورني خبيرة بالمساج المساء..

فهزّ رأسه مسرورا.. صعدت لجناحي، وأخرجت عقدا ثمينا، من الحقيبة، أعدت إغلاقها بالرقم السرّي، وضعت العقد الذّهبي في جيبي، وجلست أتأمّل.

أمارس الوقت

لم تبدأ عملية اللي بعد

ابتسمت ساخرا

رفعت سماعة الهاتف.. طلبت سيارة أجرة، وهبطت إلى صالة الاستقبال، أودعت الحقيبة، ودخلت السيارة..

كيف فاتني الأمر.. تفكيري في حفظ هويتي جعلني أهمل الأرقام كأنّها تفضحني، نسيت أن أصحب معي رقم هاتف أخي في العمل، والبيت، ومعمل (راجحة أبي لمعة).. التفتّ إلى أنّ خطتي المحكمة أوحت لي أن أستعيد الأرقام إذ تأكّدت الآن أنّي استفقت من زمن الفراغ الذي امتدّ إلى ربع قرن ودفعتني فيه الهواجس إلى أن أحذر الناس والحيوان وكلّ شيء.

خرجت من سيارة الأجرة، هذه المرّة وجدت الباب مفتوحا. وقفت في الممر، وسمعت أصوات مكائن الخياطة تأتي من الأعلى.. واجهتني عاملة بملابس زرقاء، وشال بنيّ يغلّف شعرها فسبقتها:

- السيدة راجحة موجودة؟

فدلفت في غرفة على جانب الممرّ الأيمن ثمّ خرجت، تصعد الدرج، وهي تقول:

- تفضّل

حالما دخلت، التقط بصري من ظلال الممرّ ضوء المصباح، فتراءت لي سيدة في الأربعين من عمرها، يغطي شعرها حجاب كثيف،

كدت لا أعرفها

وأكاد أعرفها

ربع قرن

مازالت تحتفظ بمسحة من الجمال، عدد الأيام والسنين لم يمحوا كلّ جمالها، وفي أيّة لحظة كانت تتأوّه بين يدي كأنّها عذراء

تتأوّه

تصرخ

تشدّ بيديها ورجليها

مع ذلك فقد كانت ساخنة دافئة، فهل أجادت التمثيل إلى حدّ غير معقول

مددت يدي مصافحا:

صباح الخير ست راجحة أنا (ميلاد سنان) هل تذكرينني؟

فتغيرت سحنة وجهها:

- (ميلاد سنان)؟ صوتك ليس غريبا عليّ

- دعك من صوتي. أنا من رواد مجلس والدتك.. لا أعاتبك يكفيك ربع قرن لتنسيني..

فازدادت دهشتها:

- أووه إنّه عهد بعيد.

- لا أبالغ أنّي كنت أفكر بك أكثر من الأخريات.. رحم الله والدتك.. ولكي تطمئنّي. (مددت يدي إلى جيبي، ورفعت العقد إليها) هذه هديتي المتواضعة.

فانبهرت، وقالت: هذا كثير..

- أبدا أبدا شيء يسير وسترين المزيد منه.

قالت ومازلت الدهشة مرتسمة على وجهها:

حقّا أولاد الأصول لا ينسون الزاد والملح.

فتحت درج مكتبها، ووضعت العقد بخفة، وضغطت على زرر اسفل المصباح، فدخلت الفتاة التي قابلتها أوّل مرّة:

- ماذا تحب أن تشرب.

- أي شيء فطلبت قدحي شاي، ولكي أزيدها ثقة وأتعجلها في أن تطمئن لي:

- تعرفين أنّي كنت معجبا بشيئين لم أرهما عند غيرك: الخال في أعلى كتفك اليمين، والوحمة الدائرة وسط أسفل سرّتك.

فأطرقت تداري خجلها:

- كان ذلك أيّام زمان. لقد كبرت ووجدنا عملا آخر...

- لكنك مازلت حلوة.

- أشكرك

طرقت العاملة الباب، وضعت قدحي الشاي، وأغلقت الباب خلفها:

- اسمعي راجحة، لديّ مشروع مهمّ.. مشروع تجاري كبير، هل تتعاونين معي، هل لديك الوقت.

فضحكت ضحكة مليئة بالثقة، وقالت:

- أنا وقتي ملكي...

- حسنا.. يمكن أن تأتي إلى فندق الأمل.. حاولي أن تجدي جناحا في الطايق الثالث، أسكن في الجناح السابع وأظنّ الثامن والسادس غير مشغولين بأيّ نزيل يمكن أن تحجزي أيّا منهما أو أي جناح آخر.

- أيّ وقت؟ الساعة الخامسة؟

- حسنا ليكن ذلك، ولا تنسي سيكون مشروعا ضخما في البلد ولك الحق في أن تجرِّبي ولن تخسري شيئا.

نهضت أشدّ على يدها.. طبعت قبلة على هامتها.. لابدّ لي من أن أعيد الماضي بصيغته الأولى حسب نمط جديد.. حين جاء هؤلاء من باب المصادفة سادوا البلد وتحكّموا بشؤونه.. جعلوا الدنيا بقالب واحد.. الحياة لا تسير بالحزن وحده ولا بالشرف من دون خيانة أو الخير من دون شرّ أريد أن أبعث النقيض من جديد:

أعترف:

الانتقام يحرّكني

لكن

هناك مشروع يضيف إلى الحياة التي يعيشها الناس بلون واحد نمطا آخر...

يدفعها إلى أن تكون حلوة أكثر.

أخي توفيق يئست منه منذ أن رأيته ارتبط بوشائج قربى مع آل الفارس. أعرضت أن أبثّه ما في نفسي. أصبح لعدوه أخا وصديقا وصهرا. برأيه الصراع انتهى، وأنا أبحث عن شبيهي بين القتلى.، ولا يعلم أخي توفيق أنّه دلّني على (راجحة) بحسن نيّة.

خرجت من محل الستارة وذهبت ماشيا إلى معرض أخي، فأخبرني العمال أنّه في البيت، التقطت بطاقة تحمل عنوان المحلّ، والهاتف، ورجعت بسيارة أجرة إلى الفندق، كنت أشعر براحة، وخدر...

هي البداية

إلى هذه اللحظة الأمور تسير على ما يرام

ارتميت على السرير، وسرعان ما غبت في نوم عميق.. كأنّ الراحة التامة دفعتني إلى أن أغيب عن الوعي.. فأثق بالنوم أكثر من ثقتي باليقظة نفسها. شخصت أمامي أوّل فتاة التقيتها بعد هربي.. أيّام الفقر والستة الأشهر الأولى.. السكن القديم البارد.. والمطعم الدافئ حيث المطبخ وغسل الصحون؛ وإذ مشى الزمن يسبقني تارة وأسبقه تكدست النقود أمامي في صالة القمار، وحين اشتعلت الحرب وسط أوروبا وتفتت بعض الدول آويت كثيرا من الهاربات. اشتغلن عندي راقصات وبائعات هوى، لست بخيلا أحيانا أتبرع لكنيسة ما.. أو مسجدا ما بمبلغ يلفت النظر.. قد أنسى الذكريات الحلوة أما المرة فتبقى عالقة في الذهن. تشاجرت. أقسى ما حدث لي أنّ أحد الخاسرين في القمار ظلّ يصرخ بوجهي... يتهمني أنني سبب إفلاسه.. فقد بثروته وبيته.. كانت قطرات ماء النار ترتسم على خدي..

فصرخت

هجت

كاد وجهي يضيع لولا أن انقض من خلفه بعض الحراس فشلّوا حركته، ولم يخرجني من عنف الحلم إلا صرير الهاتف جنب رأسي، فرفعت السماعة ليأتيني صوت أخي:

- أخبروني في المكتب أنك أخذت رقم الهاتف. ألله كم أذهلتني المفاجأة فنسيته..!

- كانوا رائعين كتبوا لي أيضا رقم البيت.

- أنا أخبرتهم. أنك أكثر من أخ وعليهم أن ينفذوا أي أمر..

- شكرا لك.

- لكن قل ما لصوتك؟

- كنت نائما وربما حلمت حلما مزعجا..

- آسف لإزعاجك.. أريد أن أخبرك أن (إياد) سيأتي الجمعة، وتكون معنا (دريّة) ألا تحب أن تراهما؟

بكل سرور.

جلست على حافة السرير، تكاسلت أن أنهض إلى الحمام.. ولم تدم جلستي طويلا.. صوت الهاتف من جديد، وموظّف الاستعلامات يقول إنها الغرفة السادسة..، فهرعت إلى الحمام. أغسل عن وجهي آثار النوم.. وبعد دقائق نقرت الباب ودلفت..

تبدو بصورة أخرى

كأنها استلفت أو سرقت.. بضعة أيّام من الماضي البعيد... بدت كما رأيتها من قبل

من دون غطاء رأس

ولا شيب يلوح على رأسها

- عيني باردة عليك. إنك في العشرين.

- إنّك تبالغ؟

- ليتني أعرف المبالغة!

كانت في السادسة عشرة من عمرها، رغبت فيها فقالت لي أمّها، إنّي أثق بك.. تصرف في كلّ شيء ماعدا بكارتها، تصورّت الأمر مذهلا، رهيبا، ومضحكا حتّى في الماخور يضعون في الحسبان البكارة، فلا أحد يعير أهمية لحبوب الحمل، وعمليات الترقيع، أما حين تزوجت راجحة من ثري فقد انتهى الأمر وانتهى حديث البكارة بعد وفاته... الزيجة الأولى.. سبقتها مداعباتي... ولمساتي. قرأت الخال على الكتف الأيمن والوحمة عند الفخذ. سواد ناصع، ولون بنّي فاتح. ولساني يترقرق عليهما.

جلست على الأريكة القريبة من البالكون، قالت بشوق:

- ماذا عندك؟

- الحديث عن الشغل في المشروع الجديد اتركيه على مائدة العشاء. أمّا الآن فلي معك حديث آخر..

تقدمت منها، وجلست على حافة الأريكة، تسللت يدي إلى كتفها الأيمن، وبخفة انتقلت إلى فخذها، علامتان أزالتا الشكّ منها، ومسكت يديها. نهضنا معا:

كيف تروّض امرأة اتخذت الحبّ حرفة؟

قالت: ظننتك ترغب في إحدى العاملات عندي!

بدأت تتعرى.. وخلعت ملابسي.. مازال في جسدها رونق.. هناك ترهّل أربعون عاما تكفي.. شفاه وأيد كثيرة مرّت ولم تترك عليه من أثر إلا القليل..

أصبحنا عاريين

نظرت بوجهي وتمعنت في الرقعة المحروقة

العلامة التي تخفيني

- صوتك ليس غريبا عني.

لا تحاولي أن تتذكري

- مهما كثر الرجال في حياة المرأة فهناك رجل يجب ألا تنساه

- يكفي أن صوتي يلامس إحساسك!

احتضن أحدنا الآخر...

ورحنا في عالم ثان

لا أدري إن كانت تمثل أم أنها تتأوّه عن يقين...

لحظات ساخنة

أو

كما خيل إليّ

والحق إنّها تأوّهت،

نسيت نفسي كأنّي ألمس امرأة للمرة الأولى، ولم أنس الخال ولا الوحمة...

- هل أعجبتك

ماذا أقول: جربت كثيرا، في الغربة أوّل صديقة لي.. لم أرتح معها.. هناك الحب والصداقة، ولم أرتح قطّ إلا مع هذا الصنف.. جميع من عاشرت لهنّ طعم آخر فكدت أنسى هدفي فأخرج بعض المال ألقيه على سرّتها فتذكّرت أنّي يجب أن أجعلها مديرة مشروع. موظفة عندي.. المسؤولة الأولى عندي.. يمكن أن تقبل الهدايا.. لا أجرا عن لذّة جسد عابرة...

لتكن صديقتي.

أمينة السرّ

العقل المنفّذ

- هل يضايقك أحد في عملك؟

فضحكت عن شماتة بالمجهول:

- في البدء ظننتك جامع ضرائب أو من هؤلاء أصحاب اللحى أو مبعوثا من جماعة ما تبتزّني.... فحسبت حسابي، لاتؤاخذني لكنني ازددت ثقة بك، فلم تكن ملتحيا ولا صاحب رقعة في الجبهة، وقدمت لي ذهبا ثمّ ازددت يقينا حين ذكرت لي خال الكتف ووحمة الفخذ.

- أيعرفون بعض الخصوصيات؟

فأطلقت زفرة خافتة:

- يعرفون أن المحلّ لا يعتمد على الخياطة فحسب.. بعض العاملات.. أنت تعرف الماضي.. يغضون النظر مقابل أن أدفع لهم نصف الإيراد.. لا يهمهم سوى المال.

- قصدك أجواء محافظة في الظاهر.. في الملبس وشكل الوجوه والجباه..

- هذا الواقع

انفتح لي رواق آخر

كوة واسعة أستطيع النفاذ منها. أصبحت أملك من هذه اللحظة أحد شرايين البلد.. مشاريع سياحة.. مولات.. فنادق.. صالات قمار.. ومدن ترفيهية تديرها نساء...

- هنا الأجواء حميمية ليكن حديثنا في المطعم.. معظم الصفقات تعقد بين الكبار على مائدة العشاء..

وقد فهمت قصدي، فلملمت ثيابها، ونهضت إلى الحمام، وعادت بأناقتها، فطبعت قبلة على خدها:

سأنزل قبلك أحجز لنا مائدة في زاوية بعيدة..

- كما ترى.

هبطت فقادني موظف الاستعلامات، إلى زاوية هادئة، شفافة اللون، يطلّ على عمقها حوض واسع لأسماك حمراء وصفراء وبيضاء تتراقص بخفة، شغلت بالنظر إليها تارة والتلصص على الموائد الأخرى المتباعدة التي احتلتها عوائل، ورواد منهمكون بالحديث ومضغ الطعام. وما بين انشغالي بالتطلع في السمك الراقص والموائد الأخرى أبصرتها تهبط الدرجات إلى الصالة، فنهضت أحييها كأنّي أقابلها للمرّة الأولى، كانت تلبس فستانا أزرق فاتح الزرقة، وترخي على رأسها شالا عنّابي اللون، فمددت إليها يدي:

- لا أريد أن أضيع وقتك، لقد عدت إلى البلد بعد ربع قرن من الغربة.. لا أخفي عنك لديّ مال كثير سأحوّل بعضا منه إلى المصارف هنا.. أبني مشاريع، مولات.. ملاهي.... مؤسسات استيراد وتصدير.

فقالت بحماس مفرط:

- حسنا تفعل المشاريع الاستثماريّة هي الناجحة فماذا في ذهنك.

- مشروع تجاري سوق وسينما، وصالات للهو وأنت تعرفين ما يعني اللهو، كلمة مطاطة تعني الكثير ولا أنسى أن أبني جنب المجمع مسجدا للصلاة مادام الجوّ يميل إلى الدين.

- هذا عمل مذهل.

- أفكّر في مدينة سياحيّة، أمّا عن معملك فسأوسعه وأستورد مكائن حديثة. لا تقلقي.. اعتبري كلّ شيء هديّة لك.

فساورها بعض الشكّ:

- لماذا هل كنت تحبني قبل أن تسافر.

فهززت كتفي:

- يمكن..

اعترضت شبه مطمئنة:

- هل نسقت مع إحدى المجموعات؟ لا بدّ من أن تدفع لهم، أنا أعطي مجموعة متنفذة لها سطوة في الدولة عشرة بالمائة من أرباح المعمل مقابل سكوتهم عمّا يدور في السرّ وحمايتهم!

- لا بأس لكلّ حادث حديث.

صمتنا حين قدم النادل، وضع طبقي السمك، والسلطة، أمامنا، وجاء نادل آخر بالعصير، فرفعت عينيها عن بركة الأسماك الملونة، حالما انصرفا:

- الآن أصبحت الصورة واضحة: أنت تحتاج إلى أرض تقيم عليها المدينة السياحيّة، وأرض تقيم عليها المسجد، وأخرى للمول، المجموعة التي تبيع الأرض غيرها التي توفر الحماية للمدينة والمول.

تأمّلت في كلامها، كانت تمضغ الطعام بتأن كأنّها تفكّر مثلي فيما يمكن أن يكون.. عالم مثاليّ يمكن أن يتحقّق في الواقع.. قلت مطمئنا:

- متى ترتأين أبدأ؟

- من غد إذا أحببت.

- ليكن عزيزتي، وغدا أبدأ اتصالاتي في الخارج لأحول مبالغ للداخل!

6 - حضور وغياب

 ثلاثة أيّام لم أمرّ على مكتب أخي، كنت أنسق مع المصارف، حسبت حساب ذوي النفوذ فصحبت راجحة معي في كلّ خطوة كأنّي أوحي لها أنّ مصيرها ارتبط بي. خبرت أخي ألّا يقلق، أكّدت أنّي في زيارة للعاصمة، ولقاء مسؤولين ثقال الوزن، وفي اليوم الثالث تعمدت أن أهاتف البيت. بعد التاسعة بقليل، أعرف أنّه موعد انصراف (توفيق) إلى شغله.:

- آلو...

- أنا ميلاد سالان..

- مرحبا بك سيد (ميلاد) (توفيق)في الشغل يمكنك أن تتصل هناك.

وضعت السماعة، لأدخل في نشوة لا أدرك مغزاها، ترى لم تعمدتُ الوقت ولم اتصلتُ بها؟ هل هو مجرد الحنين إلى الماضي الذي أحاول أن أعيده بأشكال وصيغ أخرى، أبرئ نفس من الخيانة هذه المرّة، كنت أبحث عن الراحة، يا ترى لو مرّت علاقتنا بسلام... لو ساومونا أهلها بدل العنف فتزوّجتها، هل أستطيع أن أحبّها؟ شيء ما يشدّني لشخصين فقط أخي (توفيق) و(فجر)أنسى أنّ لي أخا وأختا. أشعر أني أعير العالم اهتماما إلّا لتوفيق وزوجته.. إحساس يجعبني أشعر بالراحة ولا يخفف من غضبي، وقد ازددت حماسا لأنفّذ ما في ذهني حين وجدت (راجحة) تقف معي... ربما أحببتها فوجدت في (فجر) صورتها الأخرى.. رفعت سماعة الهاتف وطلبت المحل:

- ألو أنا (ميلاد)عدت إلى الفندق قبل دقائق.

- حسنا سأمرّ عليك لك عندي خبر.

- طيب أنا في الصالة بانتظارك!

خمنت شيئا ما يروم قوله.. تطلعت في فنجان القهوة طويلا. كنت على بعد هذه المرة عن حوض الأسماك أقرب إلى الباب الخارجي، وربما أوهمت نفسي أنّي أسمع لحنا حتّى رأيته يطلّ، فتوجّهنا إلى سيارته:

- كدتَ برفضك السكن عندنا تسبب في عتاب (فجر) لي.. قالت عنك هو صديقك الذي أنقذ حياتك خلال الحرب فكيف تتركه يسكن في فندق؟

- مهما يكن فالتحفّظ أولى.

- لك ما تشاء

- أهذا هو الخبر الذي وددت أن تفاجأني به؟

- ما رأيك لو دعوتُ الجمعة أخانا وأختنا لتعرفهما عن قرب هما من لحمنا ودمنا.

لم يفاجئني طلبه، فاعترضت:

- بصراحة لحد هذه اللحظة لا أشعر نحوهما بعاطفة.. حاولت... حاولت كثيرا.. أرجوك دع الزمن بسرعته وجبروته ومفاجآته.. هو كفيل ليجعلنا نلتقي أو نفترق.. نحب.. أليس كذلك.

- وماذا عن نبيلة؟

سؤال أشبه بمفاجأة أتوقّعها:

نبيلة نعم آمل أن ألتقيها يوما ما.

- مثلما تحبّ.

فجأة غيّرت الحديث:

- قل لي أتدفع شيئا ما لمجموعة عن محلك وشغلك.

- أراك تعرف كلّ السرائر.

- محل استيراد وتصدير لأدوات كهربائيّة وألكترونية.. خمسة بالمائة.

فضحكت ساخرا:

خمسة بالمائة؟

- نعم وإن لم أفعل يحرقون المحل.. يخطفون.. أو...

وواصلت سخريتي:

- إذن كم عليّ أن أدفع؟

- لم أفهمك؟

- سأشتري أرضا لبناء جامع. وأخرى لسوق تجاري. وثالثة أبني عليها مدينة سياحية.

كل ما كان من عمل في مدن الاغتراب أنسخه هنا.. صورة طبق الأصل.. التسميات مختلفة..، ولعلّه أحسّ ببعض التناقض:

- أعهدك صاحب هوى تحب الغناء والطرب والسكر فما علاقتك بالجامع هل تفكّر بالصلاة؟

فقلت بشيء من الضيق:

- ما المانع أن نجمع الآخرة والدنيا.

- آسف على تطفلي.

ونهضت وأنا أمدّ إليه يدي مودعا:

- عليّ أن أذهب... إنّ هناك أراضي تنتظرني.

 قصدت معمل (الستارة). كانت (راجحة) قد رتبت الوضع تماما، حين وصلت وجدت في مكتبها رجلا في الثلاثين من عمره، طويل القامة، نحيف الوجه يرتدي بدلة رصاصية، وقميصا أبيض من دون ربطة عنق. يحاول أن يبدو أنيقا ومتواضعا في الوقت نفسه، لكن وجهه لا يخلو من حدّة أو يتأرجح بين الصرامة والحدّة، وحالما صافحته، راحت راجحة تقول:

- ألم أقل لك يا سيد نصير، هؤلاء الذين يعيشون في الخارج مواعيدهم مضبوطة لا تنقص أو تزيد.

- (ميلاد سالان) من رجال الأعمال.

- (نصير الفاضل)

- أهلا بك.

لزمت راجحة الصمت، فسألني:

- سمعت أنك ترغب في شراء أراضي هنا في البلد.

وجدتها (راجحة) فرصة للتدخّل:

- أرض تُبنى عليها مدينة سياحيّة، وأرض لبناء مول، وأخرى يُقام عليها مسجد.

فتمعن لحظة في كلامي، وأشكّ في أنّه سمع التفاصيل من (راجحة) غير أنّه اعتاد أن يمارس أسلوبه البطئ في ترويض الآخرين:

- ستأتي معي لترى أيّة أرض تناسبك، وترافقني في نقل الملك باسمك سيكون الأمر سهلا مادمت تحمل جواز سفر أجنبيا، أما التفصيلات الأخرى فستخبرك بها السيدة راجحة!

لقد اختصر لقائي به مسافة طويلة، وأزاح لي عن أسرار، فبانت لي أراض كثيرة، اخترت ثلاثة منها، كان يعبّر عن صوت جماعة متنفّذة وضعت يدها على الأرض، فما إن يشأ أحد أن يبتاع قطعة إلا وعرف من يقصد. ولم أكن لأبالي إذا دفعت على الورق مبلغا للحكومة، ومثله لممثل الجماعة

أنا الذي أعرف كلّ شيء

ومعي الصديقة القديمة (راجحة) التي لا تخفى عليها خافية...

ستعود إليّ نقودي بطريقة آخرى، سيجد الفقير ملجأ عندي والعاطل عملا... فهل لا أغفر لنفسي أنّي جئت لأحقق انتقاما أو ثأرا صبرت عليه ربع قرن ولا أراه يخلو أيضا من نزعة خير.

7 - لقاء

يوم الجمعة قد يكون يوما استثنائيا.

لو خيّرت لتحاشيت اللقاء، وهناك الفضول يدفعني... أخشى حقا أن تكشف سري (فجر) من صوتي وبقايا وجهي القديم. بعض تأنيب الضمير يراودني حين أتساءل هل من المعقول أن يؤدي عبثي القديم إلى نتائج رهيبة. مذبحة، نساء يدخلن في صفقة مثل الجواري. وتزوير في وقائع تمس أخي شبيهي الذي كان بريئا من كلّ ماجرى.

(فجر) زوجة أخي التي اشتهيتها ذات يوم، لو طالت العلاقة بيننا، لجرى بيني وبينها ماجرى لي مع (راجحة) يوم كانت عذراء... كنت أضحك بصوت إذ ذكّرتها بالوحمة والخال ونحن عاريان في الفراش ليلة الفندق، فقالت إن أمّها كانت تراقبنا من ثقب سريّ لتقتحم الغرفة حالما ترى خطورة على بكارتها.

راقبت الجميع

إذن أنا لست استثناء

طز في التعري والجنس، فالسكر تلك الأيام يجعلك لا تبالي حين تكون مع امرأة، بنت قحبة عذراء، ولأكن صريحا مع نفسي ومع الآخرين الشغلة التي اشتغلتها أمّها مارستها في الخارج حتّى أصبحت ثريّا.

- النقيب (إياد) ابني (والتفت إليّ) صديقي العزيز (ميلاد)...

- أهلا (والتفتُّ إليه) ما شاء الله يشبهك.

في ذهني هل يعرف إياد نقيب الشرطة أنّ أمّة صفقة؟

- أما (درّيّة) فتشبه أمّها.

قال أخي، فعقبت مبتسما:

- سنّة الخلق الأبناء على آبائهم والبنات على أمهاتهم.

لم يستفز إلى هذه اللحظة وجهي نظرات النقيب، لست قبيحا، لكن التشوّه نفسه يمكن أن يثير الدهشة والخوف في نفوس الآخرين، والفضول عند رجل الأمن:

- لقد حدّثني أبي عن علاقتكم الحميمة وكيف أنقذت حياته.

قاطعت:

- نعم نعم عندما كنا في خدمة الاحتياط (التفتُّ إلى أخي) لا داعي لأن تذكر ذلك.

فتصنع التمثيل مقاطعا:

- الحادث جعلنا أكثر من أخوة.

أظنّ أن روح الفضول استفزت الضابط:

- يبدو أن الحادث ترك جروحا في جسدك. وارتفع صوت الأذان من جامع قريب، فقال أخي:

- البيت بيتك سأذهب للصلاة في الغرفة المجاورة معك (إياد) أو تحب أن تصلي.

- لا يا عم أتركني مع ضابط الشرطة أفضل.

فخرج وعاود الضابط فضوله:

- أعتقد أن ما فعلته من عمل فذّ دفعك للرحيل بعد أن وجدت أن الدولة لم تعطك حقّك.

قد أسوّغ لنفسي الكذب:

- كانت فكرة الرحيل تراودني قبل إصابتي بسنوات.

سمعت وقع خطوات خفيفة اهتزت لها أذناي، ولم يكن القادم سوى (درّيّة). كيف تجرفني المبالغة إذا تخيلت أن بها شبها كبيرا من أمّها.. الطول ذاته، المشية....

.... ودخلت

لم يكن خيالي خائبا، استدارة الوجه، الأنف، الحنك، البسمة البريئة سوى أنّها أكثر امتلاء من أمّها، ابتسمت فبان بياض أسنانها من دون أن يثير وجهي المشوّه علامة دهشة على وجهها فانتبهت أنّها تدرس الطب، وقد عاصرت تلك الظواهر.. مدّت يدها تصافحني:

- أهلا بك عمّي.

وقال أخوها:

- هذا هو عمّنا صديق أبي الذي ضحى من أجله بنفسه، وتعرّض للنار.

جلست على أريكة تقابلني، وقالت بنغمة رزينة:

- الوفاء قليل في هذا الزمن.

يخفق قلبي. أشعر بوحشة بخلو الصالة من (فجر) وحدي حيث لا شبيه لي، وشبيهتا تقابلني:

- الحمد لله الذي رأيتكم والدكم أخي..

وقالت:

- نعم الصداقة شيء عظيم.

- وقال (إياد) المثل يقول ربّ أخ لك لم تلده أمّك. (عاد إلى طبيعة الاستنطاق التي يتحلى بها رجال البوليس):

- هل تنوي أن تقيم معنا أم تعود لبلاد الاغتراب؟.

- نعم جئت لأستقرّ وأنا بصدد بناء مشاريع.

فقالت بكل براءة:

- مادام الأمر كذلك. أنت صديق أبي الروح بالروح. ولك فضل عليه فلم لا تسكن معنا؟.

- طيبة رقيقة القلب، يأتي كلامها عفويا، جريئة بحدود:

- أنا حلفت ألّا أضايق أيّ صديق في السكن ثمّ إنّي لا أرتاح إلّا إذا سكنت وحدي.

فابتسمت، وعاد الضابط للحديث:

مادمت تنوي الإقامة هنا... هل تروم العمل في التجارة تؤسس لمشروع... ؟

- لديّ عدّة مشاريع بدأت خطوتي الأولى.. مدينة سياحية.. مول ومسجد جنبه.. وقد أفكّر...

- بماذا تفكّر؟

أطلّ الأب، وهو يبتسم:

- بالمشاريع الجديدة قبّل الله!

- منّا ومنكم.

نهضت(درّيّة):

- عن إذنكم أساعد أمّي

وقبل أن تغادر قلت بثقة وصدق:

إسمعي وليكن عليّ شاهدا أبوك وأخوك سأبني لك مشفى حالما تتخرجين من الكلية!

- أشكر كرمك.

توفيق:

- شكرا لك لكن عملك يبقى ناقصا بغير صلاة وصوم؟

- بالتأكيد حين أبلغ الستين أتوب والله غفور رحيم..

ضحك أخي:

- من يضمن عمره!

وضحك الضابط قائلا:

- المهم سلامة النيّة!

ورجع الضابط إلى الحديث الذي كاد يضيع منه بدخول الأبّ:

- المهم أن تحذر وأن تجد من يسندك من جماعات النفوذ، ولا تخضع للتزوير، والنصب، وإذا احتجت لشيء استشرني فلديّ الخبرة في التعامل مع هؤلاء.

أبدى الأب انزعاجه بشكل خفيّ:

- لا تخش على عمك (ميلاد) فقد سافر إلى العاصمة ورتّب الأوضاع هناك.

فقهقهتُ ضاحكا:

- كل شيء تمام سيكون على الورق يماثله في التداول غير المعلن.

ودخلت من الباب الجانبي (درّيّة) تعلن عن اكتمال المائدة، فوقع بصري على التي خفق قلبي لها ذات يوم. قبل أن يقع على أصناف الطعام، كانت تقف عند طرف المائدة، توسعنا بابتسامتها الواسعة، ولا أظنّها تعرفني. لا أشكّ، وأقدّر أنّ أخي لم يسرّها.. سنوات من الغربة والدم تفصلني عنها، قالت:

- بالهناء والشفاء هنيئا مريئا

ومن دون إرادة اندفعت:

- ألا تتغدين معنا!

- عذرا أنا صائمة

وأردفت بديلتها أو شبيهتها بصوت هادئ:

أمي تصوم كلّ اثنين وأربعاء وجمعة، وشهر شعبان!

- يابختها

قلت عبارتي مجاملا، وتشاغلت عن أفكاري القديمة أو لهوت بالطعام، وودت لو حلّت فكرة المشفى في ذهني قبل أن أقابل (درّيّة) التي رأيتها أصبحت طبيبة قبل الأوان.!

8 - اعتراض

بدأ المسجد يرتفع بقبته الخضراء

هو الأول وقبل كلّ عمل..

مسجد الحاج (ميلاد سالان)

وشخصت مدينة اللهو، ووُضِعَ الأساس للمركز التجاري... رحت أتعاقد مع راقصات ومغنيات من أوروبا ودول عربية. كانت هناك ظواهر كثيرة وتعاملات يحظر على أبناء البلد ممارستها فاستفدت من امتيازاتي الأجنبية.

كنت ملكا

في الوقت نفسه، كلّ يوم أُعلِنُ في الصحف عن طلب عمالة.. راجحة أخذت تدير أعمالي، كنت مزهوا بعملي والثروة التي جعلتني أقيم علاقات مع كبار السياسيين..

راقصات أجنبيات

ملعب لسباق الخيل

كنت أستفيد من خبرة راجحة

وكان هناك القانون الذي يمنح امتيازات للأجانب ويحرم منها أهل البلد

وبدأت أحقق بعض ثأري....

الجانب الآخر من الوجه الخفي

يسمونه الوجه المظلم

معظم آل (الفارس) اشتغلوا في مشاريعي السياحيّة، مارسوا عملهم برضى وقناعة لا يشوبها أيّ شكّ... أما من وقف في طريقي وجعلني أخرج عن طريقتي الناعمة التي تحقّق ثأري من دون أن أسفكَ قطرة دم واحدة فهو أخي...

كلّ شيء وضعت له أكثر من خطّة إلا اندفاعه الغريب..

خلال الخطوة الأولى لنجاح مشاريعي، زارني في جناحي الخاص بالفندق. كان ممتعضا، وقاسيا، فاجأني بأسلوب جاف إلى حدّ ما:

- ما الذي يجري إنّه فعل مقزز.

- أهدأ.. أجلس وكلمني بهدوء. انقلب غضبه إلى كآبة وحزن:

- الجامع عمل خير، الأسواق، لكن راقصات أجنبيات، وفندق سياحي تمارس فيه الدعارة، خمور، وصالات قمار..

- ما لمانع؟ ولم أنت متذمّر وهائج، أنا حرّ (حاولت أن أحرف الحديث) هل تشرب شيئا.

مازالت نبرة حادة وسحابة غضب تتراوح على قسماته:

- لست طفلا أمامك حتّى تميّع الموضوع.

- يا أخي. يا عزيزي، وجدت البلد يعيش نمطا واحدا، حياة جادة كئيبة، لا انفعال فيها غير الحزن والبكاء.. كنّا وأنت جنبمي في مناسبات البكاء ونضخك طول العام.. فهل من العدل أن نبكي ونحزن طويلا؟

فهزّ رأسه بمرارة:

- هذا أيضا لا يعنيني

كاد صبري ينفد:

- ما الذي يعنيك إذن؟

- أنت تعرف جيدا قصدي.. كلّ أبناء آل (الفارس) وبناتهم تقريبا تقدموا لوظائف عندك.

- هل أنت زعلان لهذا السبب؟ أليسوا يتقاضون حسب العقود الموثقة أعلى الرواتب.

فضحك ساخرا، وعاد إلى نبرته الجادة:

- نعم في مدينة الملاهي، وصالات القمار.. قوادون وقحاب. قلها بصراحة.. هل هذه طريقة انتقامك؟

هززت كتفي وأجبت ببرود:

- تذكّرْ أم نسيت... ألم يقتلوا أخي وأخيك أم تراه شبيهي ولا يشبهك؟ أنت أخذت ثأرك لأخيك بطريقتك الخاصة وبقيت على جمر أطلبهم بثأري حين ظنوا أنهم قتلوني وبثأر شبيهي.

فازداد حدّة أقرب إلى الصراخ:

- بهذه الوساخة؟ تجعل من أخوال أولادنا وخالاتهم.. قوادين وقوادات وقحابا وتنسى أن لك أخا غير شقيق جذوره من آل (الفارس) وأختا تزوّجت منهم. سيصبح صهرك مدمن قمار وأبناء أختك وضيعين ستجعلنا كلّنا منغمسين في القذارة.

- عليك أن تدرك أن العالم يتغيّر ربع قرن مرّ وقد تغيّرت مع الزمن قواعد كانت تحكمنا قبل ربع قرن. حين تفهم ذلك ستعذرني.

رأيته ينقلب إلى وحش كاسر. ذئب طعين.. قوّة هائلة جبارة تجمعت في لحظة واحدة، رأيته يصكّ على أسنانه، وينفجر صارخا:

- إن لم توقف المهزلة فسأكشف السرّ.. سأعلن من أنت، ستكون واضحا للجميع.

أجبت بكل برود:

- عندئذ ستعود الحرب من جديد حين يعرف أعداؤنا القدامى أنّي مازلت حيا وقد أخذوا بنصف ثارهم قد يقتلونك أو يذهب ابنك ضحية.

وقد عاد إلى بعض هدوئه:

- ليكن الدم.. هذا أفضل من أن يفقد الجميع شرفهم.

وخرج

خرج مطأطأ الرأس ينظر إلى الأرض بين الحزن واليأس.. راودني بعض الخوف.. حتّى إنّي خشيت أن يسابق الوقت فيكشف سرّي ليفسد كلّ شيء.. معه حقّ ومعي أيضا..

لا ألومه ولا ألوم نفسي

هو ضحية انتقم لنفسه

ليس هدفي الثأر لجريمة قتل غير أن أعدائي قتلوني ولم يقتلوني. جعلوني معذبا. أعيش باسم آخر.. ووجه آخر...

انتظرت دقائق ثمّ رفعت سماعة الهاتف، وطلبت نمرة أخي:

تغيّرت لهجتي تماما:

- مازلت غاضبا منّي؟

بنغمة حزينة غير منكسرة:

- كنت مجبرا على مواجهتك.

اضطررت للتهدئة:

- معك حق لقد فكّرت بالموضوع جيدا.. لابدّ من أن أراك حتّى نسعى للأفضل

على الرغم من الحزن والجفاف لمست مسحة فرح خفيٍّ في صوته:

- أنا بانتظارك أيَّة وقت تشاء.

- سأتصل بك خلال بضعةِ أيّام.

حالما انتهت المكالمة، طلبت سيارة أجرة، وقصدت معمل (الستارة) وفي بالي فكرة ما لا أقدر على أن أرجع عنها قطّ.

9 - انتقام

- أريد فيلا شبه منعزلة لا تلفت النظر

- هل نويت أن تترك الفندق.

- ليس الآن..

دخلت رئيسة العمال تطلب بعض التجهيزات من المخزن، فصمت حتّى ناولتها المفتاح، وخرجت، فتساءلت:

- ما بك يخيل إليّ أنّ موضوعا يكدّر مزاجك.

- أريد فلا باسم شخص آخر.. هل ممكن؟

فضحكت وقالت:

- شخص له ألف اسم وألف وثيقة تجده البوم هنا وغدا في بلد آخر، سأدبّر طلبك خلال يوم وسندفع للشبح مبلغا يرضيه.

بعد يومين، وجدت مفتاح فلا ضخمة في أطراف المدينة، يمكن أن أقول عنها منعزلة لا تلفت الانتباه. وقد التقيت أخي خلال هذه الأيام في مكتبه كلّ صباح. طمأنته إلى أني تغيرت، تغيرت تماما إذ أدركت أنّه لا يتزحزح قيد شعرة عن المضي في إعلان حقيقتي. لا يهمه أن تدخل الأجيال الجديدة في حرب أكثر عنفا بدلا عن أن يصبحوا قوادين وعاهرات.

خلال الأيام الثلاثة السالفة، عزمت بعد أن وصلت إلى حدّ من اليأس، أنا والسرّ، الحبّ والجنون اللذيذ أم الحرب المسعورة التي ستحرق كلّ شيء.

هل أدعه ينبش الماضي؟

قلت له:

- أترغب أن ترى الفيلا التي أجرتها؟ أعجبتني ولعلني أجد واحدة تشبهها أشتريها.

- هل هجرت الفندق؟

- الليلة أخر ليلة لي فيه. هل تأتي معي؟

- سترى.

رحت أشير إليه، فأدلّه على الطريق. إلى الأمام...

خذ يمين الطريق

الاستدارة القادمة

هناك عند النقاط على اليسار

أشرت إليه أن يقف، ركن السيارة أمام البوابة، وقال:

- مكان هادئ وكل المكان يسكنها ذوو المكانة العالية.

اجتزنا البوّابة، وعبرنا الممر الذي تحيطه من الجانبين أشجار النخل والسدر وبنات ورد ذهبية تنتشر عند حافتيه ثمّ صعدنا الدرجات إلى الباب، فأدرت المفتاح...

أدرت المفتاح وبسطت يدي

- بيت فخم ممتاز

لا أدع الوقت يدركني.

هي رحلة طويلة عمرها ربع قرن.

وسامها وشارتها نقود هائلة لا تحصى وعلامة قبيحة مقزّزة على خدّي الايسر

دلف، فتبعته، سبّابتي تضغط على الزر، فيشع نور ساطع من ثريا دائريّة تتدلى من السقف وسط الصالة، ومع لفحة النور الساطعة، قبل أن يلتفت امتدت يدي إلى جيبي الداخلي، وهوت مثل البرق بخنجر على عنقه.

طعنة

ثانية

وأكثر

فتلوى

وكتم صرخة

خلت أنها على خفوتها جعلت الجدران تترنح والضوء يرتجف..

ثمّ تهاوي على الأرض المفروشة بسجادة رمانية اللون والدم يسيح من رقبته

- قتلتني.. قتل.. ق...

تحاشيت الفزع

ما رسمته في ذهني لن يضيع... قد أفقد توازني في لحظات... المشروع الذي في ذهني.. الانتقام الناعم... تحولت عن الجثّة إلى المطبخ.. شطفت الخنجر.. طردت الدم عنه بصنبور الماء، غسلت يدي تماما..

ومسحت الأثر

وقتها لم أشعر بالحزن وتأنيب الضمير التمست توازني بكلّ الصبر.. عدم المبالاة.. الحلم بالسلم واللعب واللهو. واجتناب حرب ثانية مهولة. والثمن رقبة..

لم أخرج من البوابة.. خرجت من المطبخ، عبرت المستطيل الضيق الذي تزينه شجرة عنق الدنيا، فتسللت من الباب الخلفي

لم ألتفت

سرت باتجاه طريق ضيق بقود في النهاية إلى نهر راكد تتكدّس على جوانبه نباتات القصب. كنت قد استطلعت المكان قبل يوم.. قضيت ساعة أو أكثر، وحين ارتسمت الفسحة بين القصب أمامي، التفت

التفت ثانية

وهبطت الجرف

انسلت لحركتي المفاجأة ضفدعة إلى عمق الماء الساكن، وكشف عصفور عن مكانه غير أنّه بقي يرفرف بجناحيه ولم يطر، انحيت على الماء.. أرمي الخنجر، وتراجعت ثانية إلى الطريق.

سرت إلى نهاية النهر حيث الطريق العام...

عندئذ

زاغ بصري بين السيارات

ربما غامت الدنيا بعينيّ

ربما رأيت غيوما

ألم يكن أمامي سوى هذا الحلّ؟

لكنّي

فجأة

وجدت نفسي أمام راجحة

في مكتبها

أغلقت الباب مذعورا وارتميت بين يديها

رحت أبكي

- ما بك يا (جلال)

إنها تنطق اسمي

تعرفني

شلتني المفاجأة

شلت دموعي ولساني:

- كيف؟ ماذا قلت؟

- لا تخف. اهدأ

- كنت مجبرا مثل شخص اضطر ليقطع يده لسلامة جسده.

التقطت أنفاسي، فتهاويت على الكرسي أمامها:

- دنيا عجيبة ظننته وحده يعرف السرّ فأنا وحدي بحت له به.

لا أخفي عنك أنّي شككت منذ أول لقاء لنا إذ لمحت لي عن شامة الكتف والوحمة أسفل سرّتي. كنت الوحيد من الذين لقيتهم يمسح وجهه وشفتيه بهما.. وعندما التقينا بغرفتك في الفندق رجعت إلى عادتك، فأيقنت أنّك هو ولا أحد سواك.

- ماذا تظنين سيحدث.

- لا شيء.. لا شيء.. اطمئن.. الذي أجر المنزل مجرد اسم.. مجهول المكان... سجلوه على الورق بصورة وهو في الحقيقة بصورة أخرى. لا مكان له...

- لكنّ ي اقترفت ذنبا.

- فعلت ذلك لتمنع حربا. أنت رسول السلام قتلت أخاك لتنقذ الآخرين من حرب لا نهاية لها.

فتحت ذراعيها، وضمّتني إلى صدرها رحت أنشج مثل طفل صغير كسر لعبته التي يحبها فراح ينشج..

ينشج..

وهي تشدّني إليها...

***

قصي الشيخ عسكر

انتهيت من كتابة هذه الرواية القصيرة في

17\2\2025

نوتنغهام المملكة المتّحدة

في نصوص اليوم