نصوص أدبية

نصوص أدبية

مثل بَطلٍ نحو حُقولِ المَوتِ

تَعبُرُ وتَمضي

وبِالخُذلانِ

وحيداً كسيراً تَعودُ

مُنَكَّسَ الرَّأسِ

تَجُرُّ أذيالَ الخَيبةِ

أورفيوس

ليتكَ أسكَتَّ جُوعَ الشَّوقِ

بكِسرةٍ من خُبزِ الصَّبرِ

أو بِكلمةٍ

أو حتَّى بهَمسَةٍ

وما تَرَكتَ النَّفسَ

تَنقادُ إلى تِلكَ الهَفوةِ

أَغوَتكَ نَشوةُ المَعرفةِ

وما عَلِمتَ

أنَّ بَعضَ الجَّهلِ حِكمَةٌ

أورفيوس قَتلَتْهُ الَّلهفَةُ

أما عَلِمتَ أيُّها العَجُولُ

أنَّ: (أُجرةَ الخطيئةِ هي المَوتُ)

يا بن أبولو صَبراً

لِمَ التَّسرُّعْ؟

خَدَعتْكَ يوريديس

أم بآمالٍ خادعةٍ قد َعشَّمْتَها؟

أم إلى الهَاوية

سِحرُها الفَتَّانُ قد أَغواكَ؟

فَهَلَكْتَ وأهلَكْتَها

قيثارتُكَ يَتيمةٌ

لغيرِ أصابِعِكَ

تلك الأوتارُ لا تَنقادُ

ومن سِواك سَوفَ يَبعثُ

ترانيمَ الرُّوحِ في الأرجاءِ؟

لمَن أكتبُ مَرثيتي

وأنَا ذاكَ الذَّبيحُ

والألحانُ في التِّيهِ

شُرودٌ وضِياعٌ؟

آلِهةُ الشِّعرِ

تَنتَحِبُ

والثَّلجُ يلبِسُ رِداءَ السُخَامِ

وخِنزيرٌ يَقتُلُ أدونيسَ

فتصيرُ عشتار المِسكينةُ

أرملةً

إذا مَلِكُ المَوتِ أفتَى

فكُلُّ الأنامِ لأوامرِه تُطيعُ

هيديس يَذرِفُ دُموعَ التَّماسيحِ

رُبَّما لِلمرةِ الأُولى

أو حتَّى الأخيرةِ

حاكِمُ الجَحيمِ

حتَّى وإن يَعفُ

فالشُّروطُ عَصيبَةٌ

وأبداً جانِبُه لا يُؤتَمَنُ

"يا قليلَ الإِيمانِ، لِماذا شَكَكْتَ؟"

أما عَلِمتَ أنَّ:

﴿بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾؟

***

بقلمي: جورج عازار

........................

مفردات

اورفيوس: ابن ابولو إله الشعر والموسيقا..

يوريديس: زوجة اورفيوس التي ماتت واستطاع أن ينقذها من الموت لكنه خالف شرط ملك الموت هيديس: بعدم النطر للخلف وهو يخرج من عالم الموت، ولكن الشك ساوره حينما لم يعد يسمع وقع خطواتها، فاستدار للخلف فاستعادها ملك الموت مرة أخرى إلى الأبد.

أدونيس: معشوق الإلهة عشتار، إلهة الحب والخصب.

(تخطبُ الصحراء بالعربية،

وتقدّم الرمال قهوةً عربية)

***

زهرةٌ تسكنُ القلبَ ولها القلب

للدروبِ، أنتِ نبراس، وللقصائد أنتٍ مداد

وفيكِ أجمل الهروب وفيكِ أجمل الدروب

وأجمل الألسن تنطقُ بك

يا عربيتي.

الحكمةُ، لها نصيبٌ في حروفكِ، وكأن شعوب من الألسن تنطقُ حروفكَ.

لنا معك:

العم الحسن، والجبال الشاهقة والمياه الجارية والعصور الناطقة

الأعالي،

حكمةٌ فيكِ،

والنهرُ، حرفٌ منكِ،

والجبال، لا تقف هكذا، إلّا بفضلك.

ولا ينتهي الأمر هنا، بل، ستجري نحوك الكتب

ويبشّر بكِ الشعراء:

أناشيداً لامعةً، وأطفالاً مستقبلهم كلاماً

لا نسيان من دون ندوب،

ولا لغات من دونكِ، و الجُملُ هي

مرايا

مرايا،

للغات.

يا لغة القرآن وسيرة النبي،

وفؤاد الصحراء،

وقول البحر.

يرنو إليك تاريخٌ من الأمم

وتاريخ من الصعود نحو الذهب، بينما الشمس ذهبية في لونكِ

والنسيم منثورٌ هكذا عليكٍ

من ألفك الذي أبهر بورخيس إلى

***

نوال الوزاني

 

من المعتمد بن عبّاد إلى فلسطين

في أبيات الحنين البعيدة،

في أشعار الوطن المسلوب،

أجلس مُذَلاّ في سجن أغمات الرّتيب.

ذكرى مَلك كُسر تاجُه ،

ذكرى شاعر قُبِر ديوانُه،

ذكرى فلسطينيّ أطرد من داره.

*

في قصري المبارك المهيب،

أُطْرِبْتُ  بالمدح و كُسيتُ الحرير،

رشفت رضاب العشق،

وَرشقت بما حوت الأقداح من الشّعر الرّطيب.

*

في جنان  إشبيلية وبساتينها،

مالت لي أغصان البرتقال،

وانحنت  لي أزهار الياسمين،

على ضفّتي وادها الكبير،

وعلى سطح برجها الذّهبيّ،

تدانت لي قدود الأندلس الجنيّة،

و شفيت غلائلي، بألف لقاء ولقاء.

*

ذات قصيدة،

حلمت بالعودة إلى إشبيليّتي.

حلمت باسترداد أندلسيَ المفقود.

لكنّ الحُلم اندثر،

في قوافي الحنين المتصنّع.

واليوم، يا فلسطين!

ها أنا، طيف يرسُم خريطتك الممحوّة،

ظلما، على  جدران معتقلات العالم الماكر.

فأنا،  يا فلسطين

أعرف طعم الحريّة المسلوبة،

وحكايات  النّكبات،

ودواوين  العجز،

وليالي المنفيّين.

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

أستاذ دراسات الشّرق الأوسط وجنوب آسيا

جامعة فيرجينيا

 

تعرفني

هذي الأرض الخافتة

تيها بتيه

ورصيفا برصيف

وأعرف أنها لا تذكرني

إلا كحجر أو لافتة

*

خلسة

أطل من أيامها الباهتة

فلا أراني

إلا هزائم

وموتى

وأحلاما عن الخبز باحثة

*

كم تشبهين الليل

صراخي يقتفي

أثرك في الصدى

ولا شيء يرتد

أركض تعبي

ولا أعود منك

إلا أحزانا لاهثة

*

وأنضج حول عينيك

بقايا خريف،

عاطلا وقت الظهيرة،

جنازة في حفل تنكري،

كأني لست ابنك

هي أرض

لا تبارك إلا الحناجر الميتة

***

فؤاد ناجيمي

لم تفقد عشتار نسائمها

لم تنس عشتار حمائمها

فوق الأيكِ

تناغي توءمها النائم

في أحضانِ الليلْ..

رغم الموج

وهول السيلْ..

لم تفقدْ عشتار بكارتها

لم أنس عبارتها:

"إني طوع يديكَ فخذني

حيثُ سليل الماء ووجه الله

فقلبي تاه

بعيداً

يحملُ صلبان المدن المنسية"..!!

**

ثم تراءت عشتار

بين شجيراتِ التينِ

تمرح في الغبش العابث

بين طلوع الفجر

وعندَ تخوم المدن الهمجية..!!

**

عشتار تبكي

عشتار تضحك

عشتار تشكو

والناسك لم ينسَ

صلاة العشق الأبدية..

لم يعشق يوماً خلف المحراب..

لم يرشف من آنية الوجد طقوساً

لم يخلع عنه الجلباب..

يمشي فوق العشب

يصلي فوق رمال الشاطئ

يرقب أمواج البحر تناغي عشتار

لكي تأتي

يتعجل مشيتها

والناسك يصغي لهفيف الريح

القادمة عبر الأزمان..

ومن بين أصابعه

تتساقط غيمات

حبلى بدموع الأوطان..!!

عشتار تمرح

تتلألأ في أضواء الليل

لا يبرح وهج براءتها

يهتف للحب بأن يصغي

وللبحر لكي يرغي

كي يمضي يصرخ

أن الحب له وجهان..

**

عشتار تبكي

في جنح الليل تعاني

ودموع الحزن تحاور قافيتي

أستنهض راحلتي

كي أمسح عنها الهمْ..

أنقذها من قعر اليمْ..

أسامرُ وحدتها

أمشي معها حيثُ فراديس القدر العلوية..

أترقبُ مشيتها نغماً كونياً

ينساحُ ليملأ قلبي

عطراً ربانياً

يملأ مدن العالم والقاراتْ..

يضيء شموعاً تحت صليبٍ لنهارٍ ماتْ..!!

عشتار، هي زهو العالم في كلِ الأزمانْ..

لا أحدَ يسطيعُ نكران فراديس الرحمن..

هي والناسك سيان..

هو في المحراب يصلي

للفجر لكي تأتي..

هي تعزف للحب لكي يأتي ..

**

آه ... يا عشتار

هي تستعطف "إ نا نا"

من عمق التاريخ

ليحمي " أور"

من وجع الموت على الطرقاتْ..

عشتار

تستنهضُ "إ نا نا" أن يمنعَ عنها

الجوع وخبث النزواتْ..

عشتار

تصرخ في "إ نا نا"

أن لا يسكت

والموتُ يتاجرُ في شَرفِ الحاراتْ..

عشتار

غضباً يعلوها

حيثُ أتون الحب وصخب الآهاتْ..!!

***

د.جودت صالح

12/ايلول/2024

 

أَيَــا حَــادِيَ اَلْعِيسِ أَبْلِغْ سـَــلَامِي

وَ عَــجِّـــلْ رَحِـيلا بِـــدُونِ مَــلَامِ

*

وَ وَدِّعْ ! فَـــقَدْ لَاحَ لَـفْــحُ اَلْفَيَافِـي

وَأَمْــسِكْ بِعَــزْمٍ عِـنـَانَ اَللِّجَـام

*

قُبَــيْلَ اَلْهَـوَاجِـرِ حـُثَّ اَلْمَـطَـايـَا

إِلَـــي اَلشَّــرْقِ يَمِّمْ وَلَا مِنْ مَقَامِ

*

وَ حَــدِّثْ رُبُـوعَ اَلْحِجَازِ حَنِـيـنِــي

وَ سِــرْبَ اَلطُّيُورِ لِتَـشْـدُو هُـيَامِي

*

عَلَــى كُلِّ وَادِي، إِلَي كُلِّ شِعْــبٍ

وفـِـي كـُـلِّ فَـجٍّ عَمِيقِ اَلْمَرَامِـي

*

مَعَ اَلرّيحِ، رِيحِ اَلصّبَا وَاَلصّبَابَـاتِ

يـَـنْـسَابُ عِطْـرًا بِـزَهْرِ اَلْخُـزَامِي

*

بِــنَـفْـحٍ مِــنَ اَلْيَاسَمِـيـنِ وَ فُـلِّ

كَمِثْلِ اَلشَّذَى ذَاكَ رَفْرِفْ غَرَامِـي

*

إِلَى نَخْلِ طِيبَةَ أَوْصِلْ شُــجُونِـي

وَأَنْـــزِلْ دُمُوعِـي كَـمُزْنِ اَلْغَمَامِ

*

عَلَــى رَوْضَةٍ مِـنْ رِيَاضِ اَلْجِنَانِ

تَـرَاهَا تَـــحَلَّـتْ بِخَـيْــــــرِ اَلْأَنـَامِ

ـــــــــــــ* ـــــــــــ

هُنـَاكَ عَلَى بَابِهِ اَلْمُصْطَفَى قِـفْ

وَصَــلِّ وَ سَلِّـمْ كَسَجْعِ اَلْــحَمَـامِ

*

وَ قُــلْ : يَا نَبِيَّ اَلْهُدَى! قَدْ تَنَاءَتْ

ثَنَــايَا عَلَــى اَلْبُعْـدِ كُثْـرُ اَلزِّحَــامِ

*

فَــقَرِّبْ وَ يَــسِّرْ إِلَـيَّ اَلسَّـبِيلَ

فُـؤَادِي مَشُوقٌ وَشَبَّ اِضْطِــرَامِي

*

أَهِــيمُ مَـعَ اَلْلَّيْـلِ غَـارَتْ نُجُومِي

وَأَنْــتَ اَلضِّيـَــاءُ تُجَلِّي ظَـلَامـي

*

وَ أَنْــتَ اَلصَّبَــاحُ، وَأَنْــتَ اَلْفَلَاحُ

رَمَـتْـنِي اَلرِّمَاحُ وَ لاَ مَنْ يُحَامِــي

*

وَ لا مِـنْ نَصِيرٍ لِإِسْنَادِ ظَـهْـرِي

وَ لَا مِـنْ رَفِيـــقٍ يَـشُـدُّ حُسَـامِـي

***

أَيَـا سَيِّدِي أَنْتَ رِفْدِي…أَغِـثْني

فَـأَنْــــتَ اَلْمَلَاذُ مَـلَاذُ اَلْمُــــضَـامِ

*

وَ كُـلُّ اَلْجِـهَاتِ تَـنَـادَتْ عَلَــيَّ

تَـهَـاوَتْ رُكَامًـا وَ فَـوْقَ اَلــــرُّكَـامِ

*

فَــسُـدٌّ أَمَـامِي وَ سُدٌّ وَرَائِــي

أَجُــرُّ خـُـطَــايَ كَـــسِيـــرًا وَ دَامِ

*

فَوَيْـحِي ! أَلَا بِـئـْسَهَا اَلْأُمْنِيَاتُ

إِذَا مَـا تَـدَاعَتْ كَمِثْـلِ اَلْــحُـطَـــامِ

*

لَكَمْ لِي تَرَاءَتْ كِسِرْبِ اَلـظِّبَاءِ

وَكَــمْ قَدْ رَمَيْتُ فَطَاشَتْ سِهَـامِي

*

وَوَلَّــــتْ عَلَـيَّ نِــصَالًا نِصَــالًا

وَ فـِـي اَلْفَـــلَوَاتِ تَلَاشتْ خِيَــمِي

*

أَلَا لَـيْـتَـنِي فِي فِجَاجِ اَلْـبرَارِي

مَـكَثْتُ جَــرِيحًا كَــمِـثْلِ اَلسّــوَام

*

وَ بَــيْنِ اَلذِّئَـابِ بَـقِيتُ طَرِيـحًا

بَـعِـيدًا عَـنِ اَلنَّـاسِ نَـاسِ اَلْـلِّئـَامِ

*

لَـئِــنْ مُــتُّ يَوْمًا فَطُوبَى لِمَثْوَى

بِـــأَرْضِ اَلْخَــلَاءِ يُرِيـحُ عِظَامِي

*

كَفَى !قَدْ رَشَفْتُ اَلْحَيَاةَ كُؤُوسًـا

غَوَتْنِي بِسِـحْرٍ تـنَـاسَتْ فِطَـامِي

***

لِخَـمْسِينَ عَامًا رَضَعْتُ هَوَاهَــا

أُمَـنِّي خَلَاصِي وَ فِـي كُـلِّ عَـــامِ

*

لَكَمْ هَدْهَـدَتْــنِي بِأَيْدِي اَلْحَرِيـرِ

وَأَغْرَتْ بِـجَـامٍ عَلَى إِثْــرِ جَــــامِ

*

أَقُـولُ لِــنَـفْسي :وَدَاعًــا لِدُنْيـَا

وَلَكِـنْ تَجِـيءُ بِأَشْــهَــى مُــــدَامِ

*

وَتُــغْرِي بِشَهْــدٍ وَ وَرْدٍ وَ وَعْــدٍ

أَرُدُّ أَصُـــدُّ تَــزِيـــدُ خِـــصَــامِـي

*

تَـغِـيـبُ رُوَيْـدًا رُوَيْدًا وَ تَـمْضِي

بِـخَدِّ اَلــدُّمُـــوع وَ تُبْدِي اِتِّــهَامِي

*

إِذَا هَـادَنَــتْـنِـي نَـهَارَا تَـهَــادَتْ

بِلَيْـلٍ وَ تَــغْزُو بِـخَيْـلٍ مَـــنَــامِـي

*

فَوَيْـلِي لِجَيـْشٍ يَمُوجُ وَعَــصْـفٍ

يـَهُـوجُ وَ زَحْفٍ مُخِـيـفِ اَلْلِّطَـامِ

*

فَـإِمَّـــا أَمُـوتُ بِقَصْـفٍ وَ إِمَّـــا

بِحَـتْـفٍ وَ إِمَّا بِسَيْـفِ اِبْـــتِـسَــامِ

***

هِيَ اَلْحُسْنُ فِي كُلِّ وَصْفٍ وَفَاقَتْ

بِلُطْفٍ وَ عُـنْفٍ وَهَـيْفِ اَلْقَوَامِ

*

فَـسُـبْحَانَـهُ اَلـلَّـهُ لَمَّـــا بَـرَاهَـــا

فَمَــاءٌ وَ نَــارٌ هُمَا فِـي اِنْسِـجَامِ

*

تَــجَـلَّتْ تَـحَـلَّتْ تَـدَنَّـتْ وَ رَنَّــت

إِلَــيَّ وَ هَـيَّــا ! أَمَــاطَتْ لِثـامِـي

*

وَهَمَّتْ ! هَمَمْتُ إِلَاهِي أَجِرْنِـي

حِمَاكَ ! وَ إِلَّا اِنْـفِرَاطُ اِعْـتِـصَامِـي

*

فَـــطَـوْرًا أَشُـدُّ قِـلَاعِـي بِـصَـبْــرٍ

وَطَـوْرًا أَلِينُ وَ أُرْخِــي زِمَـامِـي

*

فَوِزْرِي ثَـقِيلٌ / حِسَابِـي طَوِيـــلٌ

وَأَرْجـُو رَحِيمًا وَ أَنْـدَى اَلْـكِــرَام

*

عَلى اَلْلَّهِ حَسْبِي وَ إِنِّي أُصَلِّـي

عَلَى اَلْمُصْطَفَى وَهْوَ مِسْكُ اَلْخِتَـام

***

سُوف عبيد - تونس

 

بَيْنَ أحْلامِ الطُّفولةْ

وَ اِنْكِساراتِ الكُهولةْ

كانتِ الأيُامُ تمشي

وَهْوَ يمشي مَعَها

دونَ أنْ يَعْرِفَ

هَلْ كانَ يَسِيرْ

قَبْلَها أمْ بَعْدَها

جَنْبَها أمْ خَلْفَها

كُلُّ مَا يَعْرِفُ عَنْهَا أَنَّهَا

بِئرُ  ألغازٍ  لها أسْرارُها

**

2

مِنْ مَتاهٍ لِمَتاهْ

بَيْنً أرضٍ وفضاءٍ ومِيَاهْ

كانَ بَحّارٌ  يُغَنِّي

فَوْقَ زَوْرَقْ

دونَ صوتٍ وَ شِفاهْ

اِخْتَزَلَ الوقتُ رؤاهْ

فغدا يذرفُ دمعًا

في المَنَامْ

دَمْعُهُ أصبحَ ضوءًا

صارَ  يمتدُّ عميقًا في الظّلامْ

ثُمَّ يَرْتدُّ سريعًا للأمامْ

هَرِمَ الزّورقُ، و الأدمعُ صارَتْ

جُزُرًا تمتدُّ في كُلِّ اِتجاهْ

أصبحَ الزّورقُ بَحْرًا

يتدفّقْ

والمياهْ

أصبحت تفرزُ  عِطْرًا

ظلّ يَعْبَقْ

**

3

لِمَنْ..؟ وَ مَنْ...؟

لِمَنْ..؟

وَ مَنْ...؟

كُلُّ جوابٍ

كانَ يأتي معهُ سؤالْ

أو أسْئِلَةْ

لِمَنْ..؟ وَ مَنْ...؟

كُلُّ سؤالٍ

صارَ  يُهْمِلُ الجوابْ

وَيَتْرُكُ السّائِلَ في اِرتِيابْ

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

كَيْفَ؟ لِماذا؟ ومتى؟ وأينْ؟

أسئلةٌ ترنُّ في الأُذْنَيْنْ

أسئلةٌ لا تنتهي

تُصارعُ الحياةَ و الإنسانَ والزّمَنْ

لِمَنْ..؟ وَ مَنْ...؟

لِمَنْ..؟

وَ مَنْ...؟

***

شعر: خالد الحلّي

(قصيدة في حب الرسول..)

- وُرْقٌ أَبَتْ أَلاَّ تُعَاقِرَ مَنْدَلِي

ضَوْعاً يَطِيبُ لِمُسْتَجَارٍ مُرْسَلِ

- 2 -

- شَدَّتْ إِلى طَيْبَةَ رَحْلَ مَدِيحِهَا

تَصْبُو إلى نُدَفِ الْحَبِيبِ لِتَنْهَلِ

- 3 -

- آ طَهَ إِنِّي أَعْصُرُ الرُّوحَ الَّتِي

فَاضَتْ وَمَا فَاضَتْ وَذِي هِيَ تَبْتَلِي

- 4 -

- مُلْتَاعَةٌ، وَجَوارِحِي أَمَّارَةٌ

بِالْغَفْوَةِ ثَمَّ وَمَن ذَا يَجْفُلِ

- 5 -

- وَحَلَفْتُ أَلاَّ أَتَخَلَّفَ عَنْ يَمَـــا

مٍ صَادَنِي حُبّاً وَلَمَّا أُقْتَلِ

- 6 -

- مِنْ أَيْنَ لِي أَنْ أَلْثِمَ الْقَبْرَ الَّذِي

عَنْهُ تَنَاءَيْتُ لِدَاءٍ مُعْضِلِ

- 7 -

- هَلْ أَحْلُبُ الصَّبْرَ الَّذِي أَرْشُفُهُ

كَأْساً فَكَأْساً، أَمْ سَأَبْكِي مُرْجَلِي؟!

- 8 -

- أَرْنُو إِلَى زَيْنِ الرِّجَالِ الْبَاسِلِ

وَلَوَاعِجُ الشَّوْقِ تَبُثُّ رَسَائِلِي

- 9 -

- أَرْفُو مَنَادِيلَ الْحَنِينِ بِقَارِبِي

وَأَمُدُّ مِجْدَافَ الْهَوى ذَا الْمَائِلِ

- 10 -

- صِلْنِي إِلَيْكَ عَلَى جَنَاحِ فَرَاشَةٍ

تَجْثُو عَلَى قَبَسٍ مِنَ النُّورِ الْجَلِيّ

- 11 -

- آثَرْتَ في أَوْجِ الدُّجَى لَكَ خَلْوَةً

بِحِرَاء وَالْقَوْمُ سَكَارَى الْـ«هُبَلِ»

- 12 -

- بَاتُوا عَلَى دِينِ الْفَرَاغِ تَقُودُهُمْ

رَغَبَاتُهُمْ تِلْكَ الَّتِي لاَ تَنْطَلِي

- 13 -

- تَبْكِي طُيُورُ الرُّوحِ مِنْ حَرِّ الْجَوَى

وَالدَّمْعُ حَطَّابُ الشَّجَا الْمُشْتَعِلِ

- 14 -

- اَلشَّوْقُ ذَبَّاحٌ إِلَى كَأْسِ الْمَجَــا

زِ بِجُرْعَةٍ لَتَلَذُّ مِثْلَ الْعَسَلِ

- 15 -

- مِنْ صُرَّةٍ نَبَوِيَّةٍ تَتَصَبَّبُ

عِبَراً قَلِيلٌ لَثْمُهَا بِالْقُبَلِ

- 16 -

- كَلِمٌ يَخِيطُ وَرَبِّ جِلْبَابَ الْهَوَى

يَهْفُو إِلَى أَنْفَاسِ ثَغْرِي الْأَمْيَلِ

- 17 -

- أَفْحَمَنِي وَأَعَارَنِي قِيثَارَةً

فَصَدَحْتُ مَدْحاً بِفُؤَادِي الثَّمِلِ

- 18 -

- اَلنَّبْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطَّ طَرِيقَهُ

وَالْجِذْعُ أَنَّ تَرَقُّباً لِمُفَضَّلِ

- 19 -

- وَالْعَيْن أَبْرَأَهَا، وَأَمَّا الْقَمَرُ، انْــ

ـــشَقَّ وَرَقَّ وَانْحَنَى بِتَذَلُّلِ

- 20 -

- وَمَوائِدُ الرَّحْمانِ ذِي تَتَمَدَّدُ

بَيْنَ يَدَيْهِ تَسدُّ جُوعَ الْمُقْبِلِ

- 21 -

- اُنْظُرْ لِـ«أُحْد» الْجَبَلِ يَرْتَجِفُ

بِخُشُوعِهِ لِصَلاةِ طَهَ الْأَنْبَلِ

- 22 -

- وَمَلائِك الرَّحْمانِ حَالَتْ بَيْنَهُ

وَبَيْنَ عَيْثِ أَبِي الْجَهَالَةِ يَسْفُلِ

- 23 -

- ومِظَلَّةُ الْغَيْمِ تَراهَا انْتَصَبَتْ

تَحْنُو عَلَيْهِ وَتَسْتَجِيبُ مِنْ عَلِ

- 24 -

- يَتَحَسَّسُ وَجَعَ الْقُبُورِ وَتَحْتَهُ الْـ

أَنَّاتُ تَغْلِي غَلَيانَ الْمِرْجَلِ

- 25 -

- مَا بَيْنَ إِسْرَاء وَمِعْراج لِـ«طَـــ

ـــهَ» بَلْسَمٌ بِمَهِيبِ ذَاكَ الْمَحْفَلِ

- 26 -

- دَاوَى لَهِيبَ الْحُزْنِ لَمَّا أَضْرَمَتْـــ

ــــهُ مَشَاعِرُ الْفَقْدِ الَّذِي أَكَلَ الْخَلِيـــ

- 27 -

- ـــــلَيْنِ أَبَا الطَّالِبِ وَالطَّاهِرَةَ الـــــــرْ

رَيَّا ضِيا صَبْرٍ وطِيبَ قَرَنْفُلِ

- 28 -

- وَرْدٌ عَلَى كَفِّي تَهَادَى عِطْرُهُ،

يَتْلُو لِقَلْبِي سِيرَةً وَيُجَمِّلِ

- 29 -

- يَنْضُو نَدَى شَفَتَيْنِ آثَرَتَا مَعاً

أَنْ يَتَدَلَّى حَرْفُهُ وَيُرَتَّلِ

- 30 –

- يَا عِطْرُ ضُعْ، يَا وَرْدُ فُحْ بِالْأَجْمَلِ،

إِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْحاً لِطَهَ فَاذْبُلِ

***

د. سعاد درير

 

لَا  تَــعْــجَبِي  يَـــا أَجْــمَلَ الــمَلِكَاتِ

مِــنْ سِــرِّ هَــذَا الــسِّحْرِ  فِي كَلِمَاتِـي

*

فَــالــسِّرُّ يَــكْــمُنُ أَنَّ حُــبَّــكِ قَــاتِلِي

وَبِـــهِ  طَــرِيــقُ سَــعَادَتِـي وَنَــجَـاتِـي

*

عَــيْنَاكِ  كَــالسَّيَّافِ قَــدْ سَفَكَتْ دَمِي

وَجَــرَى  كَــمَا الأَنْــهَارِفِي الفَلَوَاتِ

*

فَــتَخَضَّبَتْ فِــيهِ الــحُـقُـولُ وَأَزْهَـرَتْ

وَرْدًا  يُــحَـــاكِي حُــمْــرَةَ الــوَجْـنَـاتِ

*

صُلِبَتْ عَلَى نَخْلِ الرُّمُوشِ حُشَاشَتِي

وَالــشُّــفْرُ  يَــذْبَــحُنِي كَــذَبْحِ الــشَّاةِ

*

فَــنَحَـتُّ  مِــنْ بَعْضِ الضُّلُـوعِ يَرَاعَـةً

وَمِــنَ الــدِّمَــاءِ مَــلَأْتُ حِــبْرَ دَوَاتِـي

*

وَبِـــهِ كَــتَــبْـتُ قَــصَــائِـدًا عُـــذْرِيَّـــةً

حَــتَّــى  تَــلِــيقَ بِــمُسْتَوَى مَــوْلَاتِي

*

وَرَحَــلْتُ فِــي دُنْــيَا العُيُونِ مُسَافِرًا

بَــيْــنَ الــضِّيَاءِ وَحَــنْدَسِ الــظُّلُمَاتِ

*

وَإِلَــى  حُــدُودِ الــغَيْمِ طِــرْتُ مُحَلِّقًا

حَــتَّى تُــطِلَّ الــشَّمْسُ مِــنْ شُرُفَاتِي

*

وَهَــمَسْتُ فِــي أُذُنِ الــصَّبَاحِ أُحِبُّـهَا

حُــبّــاً يُــرَافِــقُنِي لِــحِــيـنِ مَــمَــاتِـي

*

مَــهْمَا فَــعَلْتُ فَــلَـنْ تَــزُولَ صَبَابَتِي

سَــتَـظَلُّ نَــارًا تَــصْـطَلِي فِــي ذَاتِــي

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

في غرفتها المتواضعة جلستُ قبالة أمي وهي غارقة بصمتها دون ان اتحدث معها حتى بكلمة واحدة فهي تعتبر الصمت نوعا من أنواع العبادة لديها.. تمتلك فلسفة خاصة بها.. انها أنجزت شوطا من حياتها فعليها ان تندمج مع روح الله بصمتها وتسمع تسابيح الكون وحفيف الشجر وزقزقة العصافير وحتى فحيح الأفاعي انها الحياة وفيها يتصارع الخير مع الشر دائما وأبدا.

شعرتُ بوخزة في قلبي وسرعة خفقانه.. لحالة أمي وتقدمها بالعمر وكيف أثرت فيها السنون وتربية الأبناء ومشاغل بيتها وتحملها لطبيعة أبي ونرجسيته الزائدة عن المعتاد.. حتى رسمت على وجهها خطوطا وتجاعيدا أثارت في نفسي شفقة كبيرة عليها وعلى صبرها وصمتها العجيب وكيف تحملت نعوت أبي لها بكل فضاضة وجحود بكونها لا تمتلك نباهة تؤهلها لفهم مزاحه الذي تأنفه روحها على الأمور الصغيرة والكبيرة من الأحداث المتكررة تشاطره الضحكة طفلتهما وهي آخر العنقود بالنسبة لبقية اخوانها..

أحيانا يحتاج الانسان لصبر أيوب.. كي تسير القافلة.. وأمي من هذا النوع.. انها الآن صامتة لكنها تضع عينها بعيني.. لا أدري لماذا

ما زلتُ أتفرس هذا الوجه المتعب وما زال حواري الداخلي مشتعلا بحسرة ووجع وعدة أسئلة تتقاذف على مخيلتي ولسان حالي يقول.. مسكينة تلك المرأة..

أبي الذي لم أره يوما يصحبها في سفره أو خلال نزهة أو زيارة لأحد الأقارب أو حتى لمراجعتها لأي طبيب مثلا.. انما تكتفي ان تذهب بصحبة أحد أبنائها دون ان تظهر انزعاجها ولو بكلمة واحدة..

يا الهي لم انتبه لشعرها وخصلاته السود المموجة بكسرات خفيفة.. وكيف احتلته عنوة هذه الخصل البيض المموجة بخصلات سود خجلة بين أكداس أخواتها البيض..

وكيف لم انتبه لأسنانها التي أخذت تتساقط يوما بعد آخر.. لكنها لا تبدي اعتراضها ومقتنعة تماما انها سنة الحياة لبني البشر.. اما أبي فقد بقي صارما في تعامله معها دون ان يعرض تكفله لمراجعة طبيب الأسنان ليعوضها ما خسرته منها.. وهي مازالت صامتة مثل أبي الهول في صمته.. ربما مات أبي بداخلها..

تذكرتُ حينها ليلة شتائية قارسة البرودة.. شعر أبي حينها بارتفاع درجة حرارة جسده وأخذ يشكو من ألم في رأسه.. ثم نهض مسرعا باتجاه الحمام وتقيأ لمرات عديدة.. كانت أمي تغط بنوم عميق.. لكنها استيقظت بسبب ارتفاع أصواتنا نحن الأبناء فهرعت اليه مسرعة وحاولت ان تمسك رأسه بكلتا يديها.. لكنه زجرها بشدة قائلا : أبعدي عني أيتها المرأة وسأكون بخير..

حينها رأيتها تنسحب بهدوء دون ان تتفوه بكلمة واحدة لكني سمعت نشيجها وهي تتلفع ببطانيتها.. ثم تقبلت وضعها على مضض واسلوب الصمت يرافقها أيضا..

بالنسبة لي لم أتقبل فكرة صمتها وتم النقاش بينني وبينها لكني خسرت ثقتها لقادم الأيام ولم تعد تخبرني بشيء.. لكني منحتها العذر

لحد الآن لم أفهمها ان كانت تحبه أو لا.. ربما كانت تكن له حبا كبيرا داخل روحها وهذا هو المصدر الذي يغذي طاقة تحملها.. فعذرتها مقتنعة بهذه الفكرة التي فاجأت مخيلتي.. على عكس فكرتي السابقة..

ولكن حين مات أبي لم أسمع أمي تبكيه يوما قط بل وحافظت على صمتها وهدوئها أيضا.. بدأت أستغرب ما تخفيه.. عجيبة هذه المرأة.... عاشت حياة جافة ينقصها اهتمام الزوج بها.. واظهار حبه لها في عدة مناسبات على الأقل.. لكنه يتصرف على عكس تلك النظرية..

كانت تتعرض لمواقف صعبة أو كلمات جارحة من قبل أهله وكان هو يتغاضى ولا يتعب نفسه حتى بعتاب بسيط من أجلها.. أذن رأيي الأول هو الصحيح انه مات بداخلها قبل موته الأبدي..

انها الآن ترمقني بنظراتها الحادة.. ربما قرأت أفكاري وهي لا تحب الخوض بهذه المواضيع تمتلك كبرياء يليق بروحها المتواضعة وايمانها بما كتبه الله لها رغم مسحة الحزن التي ترافقها دائما.. لكنها تبقى عزيزة النفس.. يشدها الحنين لترمي ما برأسها مما تعانيه لأحد المقربين اليها لكنها تغالب مرادها دائما..

فكانت بحاجة الى انتهاز الفرصة لتكتب الشعر والخاطرة.. وهنا بدأت مشروعها في الكتابة لتعبر من خلاله عن ذاتها وربما شعرت بالارتياح لهذه الفكرة.. أنا أفكر اذن أنا موجود ( مقولة ديكارت )

أخبرتني يوما انها تشعر كأن يد أحدهم تمتد الى عنقها لتخنقها حين تتذكر ماضيها.. انها تحاول جاهدة ان تنساه.. ونجحت أكيد.. !!!

لأني أعرف طبعها تماما.. لا تبيح سرها لأقرب الناس ولا تهز ارادتها المحن.. سألتها ذات يوم عن أحلامها في الحياة.. نظراتها الحزينة عاتبتني وجعلتني أتراجع عن سؤالي..

جعلتني أشعر انها لا تمتلك أحلاما قط..

ان روح المشاعر والأحاسيس لا تعنيها.. كأنها وضعتْ هذا القلب النابض بالحياة داخل زجاجة وأغلقتها بإحكام للأبد.. وأنا أعذرها أيضا..

شعرتُ بالضيق وهي ما زالت ترمقني بنظراتها الحادة لكنها حنونة بالنسبة لي لأني أفهمها مهما حاولت ان تتصنع القوة.. عيونها حدثتني عن أمور كثيرة وباحت لي بكل أسرارها وهي صامتة..

ولكن مهلا.. أرجوكم ان تعذروني.. لم أعد أتبين الأمر ربما اختلطت الامور داخل رأسي المضطرب دائما

بومضة خاطفة اكتشفت ان هذه المرأة هي ليست أمي

تباطأت الأفكار في رأسي.. يا الهي هلا أرشدتني

من هي هذه المرأة التي تجلس قبالتي ؟؟؟

.. عيونها تشبه عيوني.. وجهها وسمرتها.. تشبهني ايضا

كذلك تسريحة شعرها ولونه الطبيعي دون صبغة تغطي شعيراته البيض

وحتى الفستان الذي ارتديه.. يا الهي ما هذه المصادفة الغريبة رفعتُ يدي بإشارة لتحيتها.. هنا عرفت المأزق الذي وقعت فيه.

نعم انها ليست أمي.. انها صورتي في المرآة التي تنتصب قبالتي.

***

قصة من صنع الخيال وليس لها علاقة بكاتبة النص

سنية عبد عون رشو

20 / 1 / 2024

بَيْنَ الْعُيونِ

بَنَوْا

أَبْياتَهُمْ

في واحِدٍ عِشْنا بِغُرْفَتِهِ الطّويلَةِ مِثْلَ حافِلَةٍ مِنَ الطّينِ الْنّقِيّ

كانَتْ مفتّحَةً

نَوافِذُها مِنَ الظِّلِّ الْكَثيفِ وَتَحْتَها موسيقى ساقِيَةٍ تَمُرّ عَلى جُذورِ الْباسِقاتْ

جَوْزٌ

وَتَغْزازٌ* تُشارِكُنا الطّيورُ المستريحةُ نَقْرَ حَبِّهِ مِنْ شَبابيكِ

الظّليلَةِ

وَقتُها لهوٌ حَبيبٌ وَاصْطِحابْ

لا غُرْفَةً أَحْلى وأَعْذَبُ

قَلبُها يَسَعُ الجميعَ وها هُنا شَيْخٌ يَدُسُّ شَخيرَه بحديثِنا قَدْ كانَ مارّا فَاصْطَفى إغْفاءَةً بَيْنَ الشّبابْ

تَلْهو

بِنا السَّنَواتُ

نَخْرُجُ مِنْ رَبيعِ زَمانِها

نَجْري

وَ

نَجْري

ثُمَّ

حينَ نَمُرُّ نَنْشُدُ جغْمَةً**

يَلْقاك

صُنْبورٌ ضَنينٌ

تَكْتَوي بِنَشيجِهِ وَشَخيرِهِ

مِنْ دون

طَيْرٍ أَوْ شَجَرْ

مِنْ دونِ

موسيقى

وَأَصْواتِ الَّذينَ نَأَوْا

***

البشير النحلي

.............................

* التغزاز: الْمَيْس.

** جغْمَةً: جرعة ورشفة.

 

كانت عيناه تُتابع تحرّكات شفاه الإمام وهو يتلو الصلاة وشفاه الأئمة الأربعة الذين يقفون خلفه. ثم شفاه المتكلمين الواحد بعد الآخر.

وانتبه بعد لحظات الصمت التي عمّت المكان لعدد من الشباب الذين يتقدّمون من التّابوت الموضوع وسط القاعة، وبسواعد قويّة، وبعضها مُتردّدة، يرفعونه ويضعونه في سيارة تنتظر عند المَدْخَل.

لفّته سحابة بيضاء خفيفة أخذته بعيدا.

انقطع عن كلّ ما حوله، لا يرى أحدا ولا يسمع غيرَ صوت مكتوم يأتيه من بعيد، وبكاء يتفجّر في داخله. انتفض وهو يفتح عينيه بكل قوّته وسأل: أين أنا!

 لم يسمع جوابا.

 كانت العيون الشّاخصة إليه تدمُع بصمت، وزفرات وأنّاتّ مكتومة تُطوّقه من كلّ الجهات.

زادت المساحاتُ البيضاء التي تُغلّف حياته، فقَدَ الاحساسَ بالفَرح، وتقلّصت أمنياتُه لتنحصر في لحظة طالما تمنّاها أن تكون التي فيها يُغادر الحياة.

منذ طفولته رافقته السحابة البيضاء. صغيرة كانت بحجم جسَده النّحيل، لازمته وهو لا يدري، لحظة رُفع جسدُ أمّه ووُضِع في تابوت دفنوه في مقبرة البلدة.

لاحظ الكثيرون انحراف الصغير وإيثاره الجلوس وحيدا، لا يُشارك أولاد الحارة، وحتى أولاد العائلة في ألعابهم، يُفضّل الانزواء مع كتاب يقرأ فيه أو قلم وورقة يكتب بعض الخواطر أو الاقتباسات. وكانت بعض الكلمات والتّعابير مرفوضة عنده، يتحاشاها في كلامه وكتابته وحتى سَماعها. ويعتبر النُّطق بها أمامه نوعا من التّحدي، فيتماسك ويتظاهر بعكس ما يُخفي ويبتعد ليكون وحدَه.

كانت الأعياد أكثر المناسبات التي يكرهها، وخاصّة أعياد الميلاد، كان ينزوي مع نفسه في زاوية ضيّقة من بيته مُتحاشيا متابعة الأخوات ومراقبتهنّ، رافضا دعوتهنّ لتناول الطعام أو زيارة أحد الأقارب أو السّفر في رحلة للاحتفال بيوم العيد.

 ساعاتُ الليل المُتأخّرة هي الأحبّ إليه، فيها يجد راحته وهدوءَه ويشعر بحريّته. يقرأ بعض صفحات في كتاب أحبّه، أو قصيدة سرقته من هدوئه بسحر إيقاعات مفرداتها وانسياب حروفها، وتشابك وتداخل البيوت المتلاصقة والناس المقيمين فيها. وإذا ما وصله الصوتُ الشجيُّ المُثير والكلمات المُفتّحة له جراحه وموقظة آلامه يُسارع ليُسجل الكلمات في صفحة دفتر يوميّاته وهو يتمنى لو يكون بإمكانه سكبَ الدّموع وتفريغ شحنات الحزن المُتملّكة منه.

عُدتَ يا يوم مولدي عدتَ يا أيّها الشّقي

ليت يا يوم مولدي كنتَ يوما بلا غد

وتُفْزَع شقيقته عندما تستيقظ وتجده نائما وهو يسند رأسه بظهر الكرسي ويمدّ ساقيه في الفضاء، لا غطاء يُدفئه، ولا وسادة تسند رأسه، فتُجهد نفسَها لتنقله إلى حيث ينام، وكثيرا ما كانت تستعين بشقيقتها لتساعدَها.

شقيقتُه الكبيرة هي التي يرتاح إليها، ويُفضّل الجلوسَ معها، فهي التي تهتمُّ به وتوفّر له كلّ ما يطلب، منذ كان في الثالثة من عمره، كانت التي تُدير البيتَ وتعتني بجميع أفراد الأسرة، وخاصّة بوالدها الذي تغيّرت حياتُه منذ موت رفيقة عُمْره وأمّ أولاده وهي لا تزال في الثالثة والأربعين من عمرها. وبدا الحزن الصّامت يكسو وجهَه. يُكثر من الصّمت، ولكنّه لا يغفل عن أيّة صغيرة أو كبيرة تخصُّ أولاده، يهتم بدراستهم ومتابعة تفاصيل حياتهم وسلوكهم، لا يحرمهم من أيّ شيء، لكن ما كان يحزّ في نفسه اضطراره إخراج ابنته الكبرى التي لم تتجاوز الرابعة عشر من المدرسة لتعتني بإخوتها وأخواتها.

عَرَضوا عليه الزواج، فهو لا يزال صغيرا وسيجد الزّوجة الملائمة التي تحضن أولادَه وتعتني بهم، لكنّه كان يرفض أيَّ كلام بهذا الموضوع ويكرّر جوابه في كلّ مرّة:

-لن أفكّر في الزواج قبل زواج آخر بنت من بناتي. لا أريد أن أجلب لأولادي مَن تقوم بالتّحكّم بهم وظلمهم.

كانت فرحة الوالد ساعات صباح كل يوم بعد أنْ يغلي القهوة ويوقظ الجميع ليتحلّقوا حول الموقد الواسع، يصبّ لهم القهوة ويقدّم لكلّ منهم فنجانه، وأحيانا يوزّع عليهم أقراص البسكوت الطيّبة. ولا يترك البيت إلّا وقد اطمأنّ على الجميع فيتوجّه نحو حقول الزيتون وكروم العنب والتين ليعمل فيها.

وتمرّ الأشهر والسنون وتتزوّج الأخوات الواحدة بعد الأخرى، ويتزوّج الوالد، وينهي سمير دراسته الثانوية ويتابع دراسته الجامعية ويبدأ بالعمل ويتزوّج ويُرزق بالأولاد والبنات ويكوّن أسرة سعيدة، ولكنه ظلّ حينما يختلي مع نفسه يشعر أنّه مقيّد بسحابة بيضاء تضيق عليه كلّ يوم.

الأشهر الأخيرة كانت الأقسى والأصعب.. كان يشعر أن عالمه ينهار عليه، كان عندما يزور شقيقته الكبرى ويقف أمام سريرها يشعر بتمزّق داخليّ، لا يعرف كيف يفسّره حتى لنفسه. كان يخاف عليها أن تذهب وتتركه ولا تعود كما فعلت أمّه قبل سنوات بعيدة، وجودُها كان التّعزية له، ورؤيتُها تُغنيه عن التي تركته وغابت، حتى أنّه مع الأيام نسي أمّه وحتى اسمها، وعندما أضاف صورتها التي أعطته إيّاها شقيقته الصغرى إلى جانب صور أفراد الأسرة لم يرتح لها وبعد أيّام قام بنزعها من مكانها.

وها هو الآن يرى شقيقته تلوب أمامه وتتوجّع ولا يستطيع فعلَ شيء. حتى الأطباء نفضوا أيديهم وقالوا:

-لا أمل، ساعات أو أيام فقط.

وكما في كل ليلة يدخل غرفته ليجلس وحيدا ويضيع في بياض السّحابة المحيطة به، ويتساءل بألم:

-أيمكن أن يحدث وترحل؟!

حتى كان الأمس، لم يستطع مُقاومة النُّعاس بعد يوم صعب وطويل، ولكنه ما كاد يستسلم للنوم حتى رنّ جوّاله وإذا بالمُمرّضة من المستشفى تطلب منه الحضور بسرعة لأن وضع شقيقته في تدهور. وسارع مع زوجته وشقيقته الصُّغرى، ولكنهم عندما وصلوا وجدوها قد فارقت الحياة.

ومرّ الأسبوع الأول والثاني والرابع وهو، كما في كلّ ليلة بعد أن ينام الجميع، يجلس على كرسيه في غرفته، ينظر إلى صورتها، يحاول استنطاقها ولو بكلمة، تبتسم له، يفرح، تصطدم عيناه بالفراغ الذي تركته الصورة التي نزعها من الحائط، يرتبك، يعود لينظر إلى صورتها وبسمتها، لا يرى شيئا، السحابة البيضاء غلّفته من جديد، وفقط كلمات الإمام الواضحة يسمع:

"إنْ كانت مُحسنة فزدْ من حسناتها وإن كانت مُسيئة فتجاوز عن سيئاتها".

وساد الصّمت.

فتح عينيه، كانت تنظر إليه وتبتسم.

لم يكلّمها، ظلّ يتأمّلها طويلا ودموعه تنسكبُ هادئة..

فقد أدرك أنّ أمّه قد ماتت بالفعل.

تابع النَّظر إليها، أراد أن يهمس لها ببعض الكلمات، أن يسألها إذا كانت ستعود، لكنه شعر بضعف كبير وتراخ في كلّ جسمه فهمس بصوت مخنوق:

أخيرا ماتت أمّي

أخيرا ماتت.. أمّـ.. مي.

***

قصّة: نبيه القاسم

......................

* من قصص المجموعة القصصية "لماذا فعلت ذلك يا صديقي" التي ستصدر قريبا

 

لم يعد محتملا البقاء

الأرض ترفض النزلاء

*

عدوى الغرائز تنفست الصعداء

بذور الخرائب لبت النداء

*

من صميم اليأس ضاجعت الحياة

قبل أن تواري عن نفسها عاهرة الفناء

*

أعوام الأسى ولت بقرار

كتمته حتى صار قضبان العراء

*

تنتشر العدوى بالمال والنفوذ

تزحف الشكوك حول الملوك

*

وعيد بثورة مقبلة لأجل البقاء

تنهي ما تبقى من سياسة البغاء

*

أما أنا مع جميلتي نمارس القيم

تحت الغطاء نناقش سياسة العطاء

***

حسام عبد الحسين

ولــقد أَطَــلَّ عَــلَى المَلَا (عِيْوَاظُ)

تَيْــسٌ تَــجَـمَّعَ حَـوْلَهُ الأَوْشَــاظُ

*

يَــحْمُونَهُ  مِــنْ كُلِّ خَصْمٍ غَاضِبٍ

وَكَـأَنَّــهُـمْ  لِــنَـصَــالِهِ  أَرْعَـــاظُ

*

خَـرِقٌ غَــبِيٌّ أَحْــمَقٌ لا يَــرْعَوِي

عَــيَّـتْ بِــوَصْفِ غَـبَائِهِ الأَلْــفَاظُ

*

فَـإِذَا  تَــفَلْسَفَ  مُــطْلِقًا لِــنَبِيبِهِ

مُــتَــفَــاخِرًا وَكَـــأَنَّــهُ لَــظَـلَّاظُ

*

وَلَــطَـالَمَا نَــطَــقَ الـكَلامَ مُــثَأْثِئًا

لِــيُـصَفِّقَ  الــجُـهَّالُ وَالأَفْــظَــاظُ

*

وَإِذَا تَــنَـحْنَحَ لِــلْقَطِيعِ مُــضَأْضِئًا

تُـحْنَى الـرِّقَابُ وَتَغْمُضُ الأَلْحَاظُ

*

وَبِــهِ  تَــغَنَّى كُـلُّ جَـدِيٍّ شَــاعِرٍ

وَتَــحَـذْلَقَ  الــخِـرْفَانُ وَالــوُعَّاظُ

*

قَـالُوا أَتَـتْهُ مِـنَ الــسَّمَاءِ رِسَــالَةٌ

فَـلِـمِثْلِ هَـذَا يَــحْــفَظُ الــحُــفَّاظُ

*

حَـتَّى ظَــنَنَّا جَــازِمِــينَ بِــأَنَّــهُ

فِــي  الــمَوْسِمِ الآتِـي يُـقَامُ عُكَاظُ

*

كَـالْعِيرِ أَتْـعَبَهَا الْـمَسِيرُ يَـقُودُهَا

حَــادٍ  عَـلَـتْهُ غُــبْــرَةٌ وَغِــنَــاظٌ

*

فَـإِذَا تَـأَفَّفَتِ الـمَعِيزُ أَوْ اشْــتَكَتْ

حَـامِي الـحِمَى مِـنْ فِعْلِهِمْ يَغْتَاظُ

*

يَــبْـدُو كَـقِـرْدٍ قَــدْ تَـحَرَّقَ ذَيْـلُهُ

حَـوَلٌ  أَصَـابَ عُــيُونَهُ وَجِــحَاظُ

*

وَيُــبَرِّزُ الــقَرْنَيْنِ مِـثْلَ عَـرَنْـدَسٍ

وَيَـــــؤُزُّهُ   مُــتَــمَــلِّقٌ  لِـعْـمَـاظُ

*

يُـزْجِي الجَحَافِلَ وَالجُّيُوشَ لِقَتْلِهِمْ

فــيَقُودُهَا  صُـفْرُ الــوُجُوهِ غِــلَاظُ

*

وَكَـأَنَّ هُــولَاكُــو يَــعُودُ مُــجَدَّدًا

وَبِـهِ  تَــفَـاخَرَ سُــوقَـةٌ وَجِــعَاظُ

*

فَـيَقُولُ  لا تَـرْحَمْ قَـطِيعًا سَــيِّدِي

فِــيــهِ عَــمِـيلٌ خَـائِــنٌ جَـــوَّاظُ

*

فَـإِذَا  بِــهِ جَـمْعُ الــنِّيَامِ تَــأَثَّرُوا

سَــيَحِلُّ مِـنْ بَـعْدِ الـكَرَى إِيـقَاظُ

*

هَـرْجٌ  ومَـرْجٌ قَـدْ يُــشَتِّتُ شَمْلَنَا

هَـلَــعٌ يُــصِـيبُ ذُيُـولَنَا وَكِــظَاظُ

*

أَنْــزِلْ عَــذَابَ الـهُوْنِ فَوْقَ إِهَابِهِ

جَـمْــرٌ  يُـحَـرِّقُ جِــلْدَهُ وَشَــوْاظُ

*

لِــيَكُونَ لِــلْـبَاقِينَ أَفْــضَلَ عِــبْرَةٍ

فَـهُـوَ الـمُجَرِّبُ قَـدْ أَتَــاهُ لَــمَاظُ

*

رَدَّ المُحَرِّضُ يَا رِفَـاقَ ألا اصبروا

وتَـحَمَّلُوا  وَتَـذَكَّرُوا مَــنْ فَــاظُوا

*

يَـا  قَوْمُ إِنْ ظَفِرَ التُّيُوسُ بِإِرْضِكُمْ

شَــتُّوا عَــلَى أَحْـلامِكُمْ وَاقْــتَاظُوا

*

أَخْـشَى  عَلَيْكُمْ مِنْ نَصِيحَةِ حَاقِدٍ

أَوْ أَنْ يُــفَـرِّقَ جَـمْـعَكُمْ تِــلْــمَاظُ

*

لا  تَـضْعُفُوا أَبَــدًا وَلا تَـسْتَسْلِمُوا

مَــا خَــابَ مَــنْ نَيْلِ المُنَى مِلْظَاظُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

.............................

1-عيواظ: دمية مشهورة في مسرح خيال الظل

2- الوَشِيظُ: .الجمع : أَوْشاظٌ و وشائظُ، وهم السِّفْلةُ من الناس التابعين أو لفيفٌ من الناس ليس أَصلُهم واحداً

3- رُعظ: الجمع أَرعاظٌ : مدخَلُ أَصلِ النَصلِ، أَو الثَّقب في السهم الذي يَدْخُلُ فيه أصل النصل

4- النبيب صوت التيس

5-اللَّظْلاظُ: الفصيحُ

6-الغِناظُ: الهمُّ الشديدُ والمشقَّة

7- اللِّعْمَاظُ: الذي يعطيك من الكلام ما لا أَصلَ له

8-الجَعْظُ: العظيم المستكبر في نفسه وفي الحديث: حديث شريف أَلا أُنبئكم بأَهل النَّار؟ كُلُّ جَظٍّ جَعْظٍ /الجمع جعاظ

9-الجَوَّاظُ المتكبِّر الجافي محرض للناس على الفوضى

10-الكِظَاظُ: الشِّدَّة والتعب

11-لَماظٌ: شيءٌ يذوقُه

12-التلماظ من لا يثبت على مودة أحد ولا يخلص لأحد ولاءه

13- المِلْظَاظُ: المِلْحَاحُ

جميل حسين الساعدي: اعترافات عاشق

الإعتراف الأول:

لا أنــــــا أنــتِ ولا أنـــــتِ أنــــا

نحــــنُ أصبحنــا غريبيــنِ هنــــا

*

مــــا الذي أبعـــــدنا عنْ بعضنــا

مــا الذي في لحظـــــــةٍ غيّــــرنا

*

أمــسِ قــــدْ كـــانَ لنا فردوسنــا

كلّ شــــــيئ ٍ كانَ يزهـو حولنــا

*

سامــرتْ أرواحنـا كأسُ المنــى

فانتشينـــا ونسينــــــا الزمنــــــا

*

ما الذي أغرقنــــا فــي نشــــوة ٍ

أهـــوَ الحــبُّ الـذي أسكـــــرنـا

*

فكتبنـــا رائـــعَ الشــعرِ فهـــــلْ

يـــا تُرى يُصبـحُ أحلى بعــدنــا

*

فلمـــاذا عثــــرتْ أقـــــــدامُنا

فجــــــأةً والدربُ قـــدْ أنكـرنا

*

حيــــرةٌ كالظلِّ تخطو معنــــا

قــدْ أضعنــا الحُبَّ مــا أضيعنا

*

أنـــــا من أجلكِ أبحــرتُ ومنْ

أجــــلِ عينيـكِ هجـرتُ السفنا

*

لــمْ يَعُـــدْ لــي وطــنٌ إلّا الذي

فيـه أحيـــــا بشـــرا ً لا وثنـــا

*

وطنــي أنســـامُ حُــبٍّ لا أرى

حيــنَ لا أنشقُهـا لـــي وطنــــا

*

نحنُ في الحُـبِّ نسينا ما(الأنا)

فبـِهِ في (أنـتِ) قـدْ ذابتْ (أنـا)

***

الإعتراف الثاني:

 أنا ما نسيتــــــك ِ أو مللتُــك ِ كــلُّ مـا

                               نقلــــوهُ عنّــــي كـانَ محــضَ إشــاعهْ

    صعْــب ٌ علـــيَّ بانْ أغــــادرَ عالمــي

                                واكـــــونَ شخصـا ً آخــر ا ً في ساعهْ

     انا لنْ أكــــــونَ سوى انــا ، فبداخلي

                                 ضدَّ التقلّـــــبِ مُذْ ولدتُ مَنَـــــــــــاعهْ

     سأكــــــــونُ أوّلَ مَنْ يغيّـــــرُ طبعـهُ

                                 لوْ غيّــــــــرَ الورْدُ الجميـــلُ طِبــاعَـهْ

     مَنْ لِــيْ ســوى عينيــك ِ ألمـحُ فيهما

                                  سِـــــــرَّ الجمــالِ وسِحْــــرَهُ وشعاعـهْ

     الحـبُّ مُنْــذُ البدْءِ زورقنــــــــا الذي

                                 كُنّــــــا نسجنــــــا بالوفــــاءِ شِـــراعهْ

بالأمـسِ عِشتُ مــع َ الأماني حالما ً

                                 حتّــــى تلاشتْ فجـــــأة ً كفُقـــــــــاعهْ

    واليوم َ إذْ أيقظتِنـــي مِـــنْ غفوتـــي

                                 أرجعـــت ِ ما لمْ أسْتطـــعْ إرجـــاعَــهْ

     وأضأت ِ فــــي قلبـي قناديل الهوى

                                  وجعلــــتِ نبْـــــع َ مســرّةٍ أوجــــاعَهْ

     حرّرتِنــــي مِنْ عـــــالم ٍ مُتحجّــرٍ

                                 اللـــــهُ والإنســـانُ فيــــه ِ بضــــاعــهْ

     مـنْ يربــحُ الدنيــا ويخســــرُ حُبّـهُ

                               ضحّـــــــى بعمْـــــرٍ كامــل ٍ وأضـــاعـهْ       

                                ***

الاعتراف الثالث:

الصبـــــرُ ليسَ بمُستطـــاعِ               فهجــــرتهُ بعـــد َ اقتنــــــاعِ ِ

مــــا عـــــادَ غيرُ الشكّ ينـ                ـــهشُ في يقينـي كالضبـــاع ِ

قلــــــقٌ يمزّقنــــــني ويهــ                ــزأُ ُ بي، بأحلامي الوســـاع ِ

لمّــــا تألّقَ في سمــــاءِ الفــــــــــنّ نجمـــــك ِ فــــــي ارتفـــــــــــاع ِ

وفتنـــــتِ جمهــــورا ً يتـو                قُ إلــــــى لقــائكِ كالجيـــاع ِ

أنكــرتِ أني كنتُ يــــــــو               مـــا ً فــي سمائك ِ كالشــعاع ِ

فسخـــــرت ِ مـــن كتبـــي وممّـــا خطَّ منْ شعـــــــر ٍ يراعـــــــــي

ونفثـــتِ في وجهـــي دخا               نـــك ِ وانصـــــرفتِ بلا وداع ِ

فكأننــــــــــي ثوبٌ عتيـــ                  ـــقٌ , بعضُ شئ ٍ مِنْ مَتــاع ِ

قدْ عفتِنــــي فـي دهشــــة ٍ               ثمِلا ً بحزنـــــي والتيــــاعـــي

وحــــــدي كأعقـابِ السجا              ئرِ فوق َ أرصــــــفةِ الضيـــاع ِ

هـــلْ تذكـرينَ الأمسَ حيـ               ـن َ جريت ِ نحوي في ارتيــاعِ

وأملت ِ رأســــــك ِ ثمّ سـا               لـتْ دمعتــــــانِ علــى ذراعـي

أنفاســـــــك ِ الحرّى بوجـ                ــــهي في هبــــــوط ٍ وارتفاع ِ

عينــاك ِ فـي عينـــــيّ تلـ                ـتمســــان ِ أمْنــا ً فــي قلاعــي

لكنّ غيــــــــمَ الحزْنِ أمــ                 ــطــــر َ فجأة ً دون َ انقطـاع ِ

لمْ أدْرِ أنّ البحْــــــــرَ يغـ                 ـــدرُ بـــيْ ويخذلنــي شراعي

لمْ أدْر ِ يومـــــــا َ أنّ رو                 ض َ الحبِّ تسكنـــهُ الأفاعــي 

كالطفـــل ِ كنتُ أحسُّ في                 شـــــوقي إليك ِ وفي اندفــاعي

فاجأتِنـــــي مـــــا كانَ يو                مــــا ً هكذا عنـــك ِ انطباعــي 

لم تظهـــري لي مثلمـــــا                 قدْ كنتِ في الزمـن ِالمُضــــاع ِ

أصبحــتِ شيئـــــا  ً آخرا ً                وجــها ً تخفّــى فـي قنـــــــا ع ِ

يكفيــــــك ِأنّك ِنجمــــــة ٌ                 بيـــن َ الأكــابر ِ والرعـــــاع ِ

قلقـــي عليكِ برغم ِ مــــا                قاسيــتُ دومــا ً فــي اتّســـــاع ِ

أخشــى ضياعـك ِ بعدَ أنْ                ألقيت ِ بِــيْ  وســــط َ الضيا عِ

أخشــــــى بأن تغتالَ فيــ               ــك ِ النور َ أضـــــواءُ الخـــداع ِ

***

جميل حسين الساعدي

  

وعدتُ طيفاً بلا جسد

هائماً في متاهاتي

لعلي استنشق بعضها

ريحاً

من الهوى الجذابْ

*

وتحيا هي بلا سأم ٍ يخامرها

تُضمّخ الخدين في غرورٍ

تكحل العينين

وإن ضاقت مقاصدها

تغدو إلى الصلاة

في رسوم المستجابْ

*

كل شيء فيها من تفاصيل

منزهةً

ينابيع شوقٍ

لا غارت ولا بُليت

في مائها صوتٌ

طافحٌ بالعتابْ

*

وانفجرت بالقول صمتاً

كنت أظن به

آمالاً معقبةً

وقاصر الرد مثلي

لا يحضره الجوابْ

*

ويسأل القلب

حين بدت لي

كلها غاياتٌ

بلون الفصول مزركشةً

يا بؤس قلباً

أنت صاحبه

أوينفع العذر في شريعة الغابْ!

*

ماذا لو يغفو هارباً من سجنٍ

غالبه الكرى شوقاً

بين ذراعيها

وهو موثق قبيل العقابْ

*

وما أن نظرتُ في وجهها

تسمرت قدماي

وتحوّلت من حولي

الجبال هضابْ

*

وكان لي عقل استضيء به

وصرحٌ، وعزيمةٌ، وهمةٌ، وصوابْ

ذابت كلها بنفحةٍ منها

وبقيت كخيال طيفٍ في ثيابْ

*

وأموراً ليس يُخفى كنت أحسبها

صوت العصافير توقظني

اشتياقاً وعهداً واقترابْ

*

ماذا أنت لو أنت قارنتها

كل النساء في الدنيا

سماء صافية وسحابْ

*

روح المكان زمان كنت به

لا تجزع اليوم من عجائبٍ

إن رأت فيك

نجماً آفلاً بعد غيابْ

*

وأنتَ ...

أنت حقلاً أفنى عمره

تحت الشمس محترقاً

وعاد بائساً على عجلٍ

يزيح بيديه صور الضبابْ

*

كعش حمامٍ على شجرٍ

يقاوم الريح اجتلاباً لمرضاة

والأغصان

تدفعه ضجراً

كآخر لذةٍ

والباقيات عذابْ

*

والروح أين الروح معلقة

في ذاريات الهوى..؟

أمجاداً مشوشةً

طارت كأثواب سرابْ

***

بقلم: د.علي الباشا

كاتب سوري مقيم في السويد

الزمان: ساعات اول النهار.

المكان: شارع ما زال يتنفس أنسام الهزيع الاخير مِن الليلة المولّية.

الشارعُ خالٍ إلا من بعض السيارات المنطلقة مسرعة وكأنما هي هاربة.. فزعة.. من سياط الكورونا اللاسعة، وما تجرّه من حجر فظيع على مَن حلّت ضيفة ثقيلة في حلوقهم واجسادهم، ولولا عدد قليل من المارّة لخلا الشارع تمام الخلو. ولخيّل إلى القلة من العابرين والناظرين مِن وراء ستائر شبابيكهم المطلّة على الشارع الممتد، أن يوم الحشر قد حلّ أو أن الكورونا اللعينة أوشكت على وضع حدٍّ لهذه الحياة الفظّة الغليظة القلب القاسية.

بعد لحظات مِن الهدوء الحذر الصامت صمت أحياء أرادوا أن يعيشوا الحياة بكلّ ما زخرت به من حركة موّارة، تتوقّف سيارة جيب ليلية اللون.. ينزل منها رجل في أواسط العمر. يتوجّه نحو المقصف القريب من السيارة واضعًا يده على جَيب بنطاله الفضفاض.. خاكي اللون.. كمن يريد أن يشتري شيئًا طلبته النفس وتاقت إليه في ذلك الصباح الهادئ.. هدوء عاصفة توشك على الهبوب. ما إن يقترب الرجل من شباك المقصف، حتى يقفز كلب صغير ذو لونين أبيض واسود. يقترب الكلب من الرجل الواقف هناك، وما إن يصل إليه.. حتى يغيّر اتجاهه، فينطلق جاريًا في الشارع. عندها يُعيد الرجل جزدانه الشخصي الصغر إلى جيبه وسط صوت رجل مسنّ، يبدو أنه أبوه، وقد فتح باب السيارة المحاذي لمقعد سائق السيارة، ويهتف بالكلب:

-بيرو.. بيرو تعال.. تعال إلي.. تعال.

يترك الرجل موقعه قُبالة شباك المقصف، ويجري وراء بيرو، يجري وهو يتابع الانطلاقة المجنونة لبيرو في الشارع شبه الصامت،" الشكر لله.. أن الشارع يكاد يكون خاليًا من السيارات.. وإلا كنّا فقدنا بوري"، يقول لنفسه.

يتجمّد المنظر.. كأنما هو مشهد سينمائي.. توقف عن العرض. تتخذ الصورة أبعادًا متوتّرة قلقة: الرجل صاحب الكلب وأبوه يتوقّفان مذهولين على رصيف الشارع، في حين أن بيرويّ.. هما.. ينطلق في حالة شبه هستيرية، متقافزًا ما بين السيارات القليلة العابرة من الشارع.

الاب لابنه: لقد غافلني وقفز من شباك السيارة.

الابن: لا تهتم هو يحبنا.. سيعود إلينا.

الاب: ما كان علينا أن نعاقبه فنحجر عليه.. ماذا سنفعل الآن.. الله يستر.

الابن يُدني فمه من أذن والده، يهمس فيها ببعض الكلمات. يجري الابن في واحدة من ناحيتي الشارع، في حين يجري الاب في الناحية المقابلة. لقد بات بيرو الآن بينهما شبه محاصر، غير أن بيرو، ينطلق غير عابئ. عندما يُحكم الاثنان الحصار على بيرو الصغير، يركض هذا باتجاه صاحبه الرجل مرتدي البنطلون الخاكي، يركض باتجاهه.. يهتف الرجل:

-بيرو تعال .. تعال إليّ هنا. لن احجر عليك مرة أخرى.. تعال إلي.. وسوف أمنحك الحرية كاملة..

بيرو يقترب من صاحبه وسط تصفيق الاب واقترابه من ابنه، غير أن بيرو يغير اتجاهه هذه المرة بذكاء ويعود إلى انطلاقته في الشارع متقافزًا بين السيارات وكأنما هو وجد حريته المفقودة.

في الجانب الآخر الآمن من الشارع، تمضي اللحظات متنقلةً بين قلق حذر وتوتّر مترقّب. يبدو أن قلبيّ الرجلين، الاب وابنه، يخفقان على إيقاع أقدام بيرو الفزعة الراكضة. تطلّ حَيرةٌ شبهُ دامعة من عينيّ الاب:

-والان ماذا بإمكاننا أن نفعل؟

تنطلق من عينيّ الرجل، صاحب الكلب، نظرة غامضة.. تُشبه نظرة مَن وجد فكرةً طالما راوغته وتهرّبت منه فأتعبته. يجري الرجل باتجاه سيّارته سوداء اللون.. يفتح بابها بثقة، يتّخذ مجلسه وراء مِقود قيادتها، يحتضن المقود بثقة مَن وجد الحلّ المناسب لمُعضلة مصيرية، وينطلق باتجاه بيرو. بيرو يقفز جانبًا. يُخرج صاحبُه رأسه من نافذة سيارته يرسل نظرة واثقة إلى بيرو.. يتبادل الاثنان نظراتٍ حافلةً بالأمل.

-بيرو.. تعال.. سآخذك مشورًا رائعًا.. لن أحجر عليك مرةً اخرى.. سنشمّ الهواء معّا.

يقترب بيرو من السيارة و.. ما إن يفتح سائقُها بابها مطمئنًا إلى أن كلبه المحبوب الصغير عاد إلى رُشده، حتى يعود هذا إلى فقدان الرشد مرة أخرى، وينطلق في الشارع المُمتدّ، غير عابئ بالكورونا ومخاطرها القتّالة و.. رافضًا الانصياع لهُتافات صاحبه القلق وأبيه الحائر.. إنه يجري شاقًّا فضاء الشارع.. غير ملتفت إلى الوراء.. كأنما هو يُريد أن يُلقّن ملاحقيه درسًا حقيقيًا في الحُرّية.

***

قصة ناجي ظاهر

ملء مرتفعاته الجبلية

بغيوم كثيفة من اللامبالاة

باغتيال حراسه السريين بدم بارد

نهب كنوزه

والهروب من مقاطعته النائية

على دراجة من القش

لأباطن أنوات مغايرة

وأكتشف حركات الأشياء

في المحيط الواسع من العالم.

*****

وداعا أيها الصيف القاتل

أيتها النهود الثرثارة

المليئة بالدموع والنوستالجيا

أيها القارب المتوحش

حامل الأميرة إلى غابة السماء

أيها البحر

أيها الماهر في إخفاء القتلى

يا دموع الأسماك المتلألئة

وداعا أيها الصيف

أيها اللصوص المختفون

تحت جلد العجوز

أيتها الساعات العمياء

التي ترتمي تحت جذعي

تدفع عربة الشيخوخة

إلى الإسطبل

تجيء وتمضي محملة بالأكفان

وداعا أيها الصيف القاتل

لم تترك غير حيتان نافقة

على ساحل القلق

موتاك كثر

ينبحون في الحديقة المجاورة

بيننا الفراغ الأشيب يلوح للمارة

من بعيد.

**

أنا أحب الويسكي كثيرا

الهمبرقر وشطائر البطاطس

أحب أمطار الموسيقى العابرة

وأنا أصطحب جثة متعفنة

داخل المصعد لعشاء الأطباء

أحب رائحة  المستشفيات

أدوات الجراحة الدقيقة

عيون المنتحرين الصافية جدا

إيقاع الخطوات الضائعة في قاع الدماغ

أحب رقصة السالس

وأدعي أني مقاتل جيد لنهديك المتآمرين

أنا الفارس الشركسي

أعبر القارات المنسية

أحشو مسدسي بالرصاص الحي

لا أحب أن يتبعني أحد

لا السحرة ولا العميان

سأحرس المستقبل

من عضة الكوبرا

من سارقي شواهد القبور

من المحرفين الجدد لسيرة الهدهد

أنا أحب فاكهة المتناقضات

الأبله الذي يسقط في المرآة

قبل أن يغمض صوته الضرير

النساء اللواتي يحملن من الأشباح

يختفين في النصوص الحزينة

أنا لا أحب الخريف

الرياح التي تعول مع المشردين

الأشجار التي تتكلم خلسة

لا تفكر في سلسلة الجرائم

سرقات الحطابين المكرورة

في بؤس موتها القدري

أنا أحب المشارح جدا

الجثث التي حملتها بيدي

وعضتني في عز النوم

الممرضات وهن يحملن جبلا

من العذاب اليومي

أحب الملائكة واللعب معها

في أرجوحة السماء

أحب الله كذلك

رغم غموضه الفلسفي

وعدم تدخله في شؤون العالم

رغم مناداتي له

ألف مليون مرة

في المبغى مع الجنيات والأبالسة

في دار الأوبرا

بجوار المقابر الجماعية

تحت شباك جارتي المسنة

في الباص المنذور إلى موت مفاجىء.

أحب معاشرة المستحيل

وطرد الأنا من البيت مثل طفل شرير.

***

فتحي مهذب تونس

أتسألُ عن صمتي ..؟

أم عن وجعي

وأدري انك تدري

وتومئ للسحاب ان يهطل

في عز القيظ وفي صحراء مهجورة

تناشد روحا سحقتها حوافر

موغلة في القدم .

تناثر رمادها في أعالي الهزيمة

خيوط حزن تبوأت فنجان قهوتي

هكذا أخبرتني العرافة

لست أنا

ان تجرعت صدى حكاياتي

أنا المرأة التي تكبدت رخص الحياة

وخسائر الحكاية الملونة بخداع الحقيقة

والمرأة التي تحذر أنياب البسمات

وتحذر رقص الأفاعي

تقيأتْ روحها عطر الذكريات

ممجوج طعم لبانها المر

تقرع أجراس ماضيها

بعيدا عن أوهامه  الحمقى

معلقة  أمانيها بجناح يمامة جريح

لا تحلم الا بكابوس تلك الوحشة

وبلعبة زخارف الكلمات

فتبكي مسامير نواياه

وصدى هباء قصائده القديمة

بكلمات مسروقة من اضغاث حلم

مزقته الريح مع طائرتي الورقية

منذ زمن قطعت القابلة حبلي السري

وترميم ملحي  فوق جروح الماضي

لا تصدق هذيان العاشقين

وحلو الكلام من (كثير عزة)

انتفضتُ  مثل طائر الفينيق

وحيث تنتظر نوارسي

نقاء غربتي بعد الرحيل

وخداع الكلمات لا تشفع حيث

ملكوت الله

***

سنية عبد عون رشو

من يضمد، بعد الصيد،

جرح الغزال؟(*)

من يشتري الصدق

فوق راحلة المحال؟

هو ذا القليل من الخيال..

حيث السهول

وصمتها المزري الحزين..

من يسمع الشكوى وحشرجة الأنين..؟

**

من ينزع السهم الملطخ بالنجيع..

والصرخة الحمقاء تهتف للقطيع..؟

من يرتجي موت الرضيعة والرضيع؟

هذا هو القدر الشنيع،

يقتات من وجع الضحايا

ويرقص فوق اكداس المنايا..

تحت يافطة سوداء يأكلها الجذام

هو ذا الغمام أراه يطفح

في عيون جمهرة النيام

فمتى تشفى جموع الحزن

من رجع الخطايا..

القابعات الحاشدات

على النفير السائرات

منذ عهود غابرات..

**

لا ذنب يسري في الزمان دهوره

لا ذنب يبقى في الدهور يلامً

قهر وهم ولا شيء غير

مهزلة النحيب..

لم تكن في العصر مأثرة

تقتات من وجع المغيب..

الكل في الدنيا، سواء

من يحمل الذنب الخرافي العتيق

من يرفض القلب السليم..؟

هذا هو الوجع الوخيم

**

هم يتبعون غلاة القوم

في الزمن اللعين..

هذا هو المأثور

في زمن الأنين.!!

***

د. جودت صالح

9 / 9 / 2024

..............................

(*) كاهلو 1907- 1954 فنانة مكسيكية اسلوبها يدمج بين الفلكلور المكسيكي ونوع من الفن يعرف بالفن الساذج (جينرا آرت).

 

إلى الشيخ أحمد

أمرُّ عليّ

متخفيا

عن مدن تتبعني

كي تعبئ آمالي باليأس،

وأشلاء الذكريات،

*

أمرُّ علَيّ

من مسافة صفر

واللاشيء يحددني،

بينما الأمهات

تحتل صمتي

المثقل بالصرخات،

*

كنتُ هناك،

نعم قلبي هناك،

أذكر عكاز امرأة عجوز

فصَل التاريخ عن الحب،

ولعبة طفل دامية،

ربما عبرتها المجزرة،

من ماي لاي

إلى توتسي،

ومن توتسي إلى الأغواط،

ومن الأغواط

إلى نانجينغ،

ومن نانجينغ إلى حماة،

ومن حماة

إلى قلبي،

وقلبي نبضه غارات،

*

لا مأوى لحزني،

أفر منه إليّ

وأختبئ خلفي

إلى أن يكف الموتى

عن الصحو داخلي

بينما خوفي

يقيس الحرب بالنايات،

*

مَن يُخفي النبأ عني؟

والخبر العاجل

يجتاح مسائي جوا،

ويشتد بالطائرات،

المحرقة شمالا

الرماد جنوبا

شرقا،

غربا،

الطائرات جهات،

*

أكلما آنَسْتُ غيمة

يباغتني،

كم من قصف

يحاصر حلما

ولا يبالي،

يشي بالقُرى للموت

ويُصرح بالتالي/

تتسلل الهاجاناه الآن.. برا،

إلى ظل مقدسي،

وتصرخ،

لا صياح للديكة

بعدما.. نلغي الفجر،

لا حاضر لهم،

قد أُلقي الخوف

في غد السيدات،

والطين لنا،

كم أعدمنا من نخلة

وزرعنا المشاة

*

الهاجاناة في بيتنا،

بيننا.. سيدي،

رصاصها يطل من غرفتي

على دم إخوتي،

ترتل أمسها

رغما عن أمسي،

تضاجع الليل

فوق جثتي،

ترقص، تغني، تتناسل،

وتأكل خبزنا

حول بقيتي،

سيدي.. سيدي.. سيدي،

بني!..

ما بك تصرخ!؟

لعله جاثوم!؟

نعم أمي،

جاثوم

لا يغادر صرختي

*

الهاجاناه لم تنته بعد

بقية مَن خانوا

عبور البحر،

تلمودي يمشي

محدودب السبي

مِن أقصى خرافة،

ولا يرى

يسِّل من دم الأنبياء صلاة

ويجترني أسرى،

*

عن يساره وعد،

وما يمينه إلا نبوءة

نَزلت لتوها

من جبل "صهيو.ن"

تقتفي قفائر النحل

بالحديد،

وتضرم به ذكرى

الهاجاناه لم تنته

وصبرا مرة أخرى

ص ب ر ا

مرة

أخرى

***

فؤاد ناجيمي

من ديوان: تعرفني هذي الأرض الخافتة

 

مِن أيِّ الأكوانِ جِئتِ

تَعبثينَ بِما تَبقَّى مِن عُمري؟

وعلى مَذبحِ سِحرِكِ

بأنفاسِي تُضَحّين

هو حُلُمٌ يَجيءُ

وطَيفٌ يَفِرُّ

فكيفَ بالأوهامِ

سوفَ تقتنعُ الرُّوحُ

كأنِّي مُعَلَّقٌ في أُرجوحةٍ

بينَ عينَيكِ ونَجمةِ الصُّبحِ

كلَّما حلَّقتُ بعيداً

تُبدِّدُ النَّشوةُ

كُلَّ ألوانِ الفَزعِ

مَهما أنهلْ مِن الطَّيِّباتِ

تَصرخْ رُوحِي جوعاً

وتتوجَّعْ

مثلَ حُلمٍ فيه تَتراءى

ولِمرَّةٍ يتيمةٍ

كُلَّما صَحوتُ مِنهُ

أحبِسُ الكَرى مُجدَّداً

في زنازينِ الجُّفونِ

عَلَّني مِن ذاكَ الحُلُمِ

لا استفيقُ أبداً

مثلَ أيقونةٍ

على صَدرِ امرأةٍ غَجريَّةٍ

كُلَّما تَعدو

خفقاتُ القلبِ

إمَّا على الرَّقصِ تُرغِمُها

فتضطَربُ

أو عنوةً بينَ المفارقِ

تنزلقُ

لِمَ جئتِ الآنَ

بعدَ أنْ أطفأتُ كُلَّ شُموعي

وأسدلتُ ستائرَ النِّسيانِ

فوقَ رُفاتِ أحلامي؟

لمَ جئتِ الآنَ

بعدَ أنْ وضعتُ النِّهاياتِ

ورسمتُ الخاتمةَ

في كُلِّ حكاياتي؟

عَسْفاً كانَ ذاكَ الحضورُ

وهل تنفعُ أنهارُ العِطرِ

حينَ يحينُ الاحتضارُ؟

سَرابُ الواحاتِ

لِلظَّامئِ، يا مَعشوقتِي

حينَ في الأفقِ يتبدَّى

هو التَعذيبُ والتنكيلُ

فدَعيْ المُنازِعَ يَمضي

في زُقاقِ العَتمةِ

فرَسْمُ الوَلائِمِ

في الدَّفاترِ والكُتُبِ

﴿لَّايُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾

ولكن مَن يقرأ

ومَن ذا الَّذي يَسمعُ

***

بقلمي: جورج عازار - ستوكهولم / السويد

1 ــ من هذين المشهدين

اجلس وحدي باحثاً عن فسحة الفراغ

يدي أشدها اقولُ واجماً

يا ويلتي من الآهات

يا ويلتي من الجراح

يا ويلتي من القديم

وصرختي من الجديد في الوريد

اصفنُ مأخوذاً بلهفتي

لعالم الألوان في سلالم الحدود

أرى السديم بلسماً يحملني لغيمة الرياح*

في مشهد من الوضوح

في مشهدٍ من مسرح التأويل والبعاد

يا ويلتي هذا المباح

بحجة التاريخ والعفن الجديد

كي يدفنوا بغداد

بغداد يا مدينة الحضارة في افول

كنت اراها في الصباح

بالقرب من حديقة الاتراح

غنيمة تقاد للذباح

وقرب مخبز الشواء

من مشهدين يظهران في وضوح

يخبز خبزاً من لحوم الفقراء

القابعين في الفناء كالخراف

لأجل فكرة الذبيحة

اقول قولا صادقاً

مصاب بالتشوش والرثاء

هذا الوباء الخالد اللعين

يضرب في اوردة السعير

والرأسمال اللص يسرق العباد

يسرق في رياء

في مشهدين

بغداد يا ذبيحة الاهواء والفخاخ

**

2 ــ أراها خصلتين

كنت اراها في المساء ِقبتين

تفلي راسها في مشهدٍ مثير

تنزع ثوبها الصغير

وترتدي دشداشة الحرير

في منظرٍ يثير

وكل من يرغب في التبصير

يا ويلتي بغداد في النذير

وحنظلة السفير

في قالب التسفير

ولهبة السعير

يشتد بين زفرتين

مهاجر في غرف التحريف

أو اغتيال فوق قامة الرصيف

***

3 ــ من كرمتين

كنت اراها منظرين

تفاحتين

كمْثرتين

كنت اراها قدحاً من الشراب

من كرمتين

في الكأس كانت مسرحين

وعيني كانت كالبراق

تراها حباً وعناق

سمراء كالدقيق

حمراء كالعقيق

كنت اراها حبة الضياء

تشع مقلتين

تغني بانشراح

" على الجبين اللجين

ان كنت تقصد قتلي"**

فأنا القتيل مرتينْ

فكلما اراك قادماً

أصاب من صبري عليك

وكلما اراك غائماً

يا سالب العقد الثمين

أقول ضوء قادم من ظلمة الوجه الحزين

يضيء ظلمة البغداد

ويطرد الاوغاد

في منظرين

***

مصطفى محمد غريب

20 / 8 / 2022

...................

* السديم: غيمة سوداء تتكون من غازات شديدة الحرارة، تدور حول نفسها كأنها سحابة شفافة

**  الشاعر اللبناني بشارة الخوري (الاخطل الصغير)

 

بين القصائد تعبر

حاملا حلمي القتيل

تضرب رقاب القوافي ...

فتسقط الوعود قتلى

وتنتشي أنت.. بسلافة الندم

خلفك الرماد

يؤرخ أزمنة العشق

الدمع على شاشة الريح

ينقش تاريخ الخيانة

ميلاد ثدي ...

تحته خبأت الكلمات

المطرزة بالاحتراق

*

بكامل اجهاضاتي

أقف أمامك اليوم

مغلوبة....ولا أستسلم

فابحث عن الخلاص

من القبل الموشومة

بالحديد المحمى

قرب موقد

يشتعل فيه البخور

في حجر الشب

يتفجر النبض

عينا ...تسفك الدمع

على يباس الخريف

*

أنا الراقصة المقدسة

المرجومة بتهمة العشق

ارتكاب الانتظار

خارج دوران الفصول

أرقص رقص غزالة منحورة

وأنت المجيد لمهنة الغربان

فانقر الحروف المعفرة بالنجيع

قد نغادر الهاوية

بقفزة مفاجئة

تفك قيد الحلم المأسور

بين شرخ السماء

وجرح الماء

*

كم الحرف رخيص

يتكون على مهل كالدغدغة

في الحنايا يتكور

ليشعل شهية امتداد

*

لا تتظارف....رفقا

ارم علبة السجائر الخاوية

فك حزام الوقت

واتركني عارية

ثمة جزء مني

لا يشعر بسوء الحال

سأرويه بنسغ الخصب

شد جيدا حبال التأرجح

عل العودة المأمولة ترقى

إلى مصاف الأسطورة

تحت سقف يروي

بلبلات الشعر

وهمهمات الوعد المكنون

*

لا أريد قراءة جهرية

تكشف مآزق الوضوح

لن أحمل راية الجنون

ولن ألتقيك

حيث يفلت المارق من القوانين

***

مالكة حبرشيد - المغرب

الإوزةُ التي تسبح في اتجاهات مختلفة

قد تبدو حائرةً، لكنها في البحيرة

الشجرةُ التي تبدو أغصانُها مسافرةً مع الريح ثابتةٌ..

وأجلسُ في ظلها

الأحجارُ سعيدةٌ في الضفةِ المتلألئة

والقهوةُ المعتدَّةُ بالرغوةِ والنكهةِ

أنيقةٌ في فنجانها

رغم مضي العمر،

يثبُتُ المُسِنُّ والمُسِنَّة على المقعدِ الخشبي بانتظار غودو

نسبياً تبدو الأشياءُ ساكنةً مؤمنةً بوجودها

عدا ظهوري المريبِ في المشهد

لا بأس،

لا بأسَ أن تفشلَ اليوم أيضاً يا فارس مطر

ربما غداً.. لم العجلة؟

مازلتَ في منتصفِ عقدكَ الخامس

عليك أن تكابرَ وترممَ أكتافَك المنهدمة

عليك فقط أن تَثبُتَ في مكان

وألّا تُشَعِّرَ هذا النصَّ كخِفَّةِ ريشةٍ

كلما حَطَّت تَشُكُّ في مكانها

***

فارس مطر

أرقدُ كيمامةٍ في حُضنِ الغُروبْ

أرتجفُ مِن سيلِ الشَّقائِقْ

اِغْتالوا فضائِيَ عَشيةَ أمسْ

قمري يَنتَحبْ

السَّماءُ غَدَتْ قريبةً جداً

لا لونَ لي ... لاظلَّ لي

تساقَطتْ عَناقِيدي

وجَفَّ نَبيذِي

يا قمري الدَّامعْ

الياسَمينُ يبكي الياسَمينْ

يعتَصِرُني الحنينُ إلى تلكَ الليمونة

الغافيةِ على كتفِ أمّي

إلى خصلاتِ الأكِدينا

تغازلُ العصافيرَ

وهزَّاتِ الزِّنابقِ

في حقولِ الغيومِ الثَّائرةْ

أين أنتَ أيُّها الحُلمْ ...

سأجسِّدك رغماً عنكْ

أريدُ عرشاً في زوايا عَينيكْ

كَناسِكٍ أتعبَّدُ فيها

لا تتسِعُ الأرضُ لي

سأتحوَّلُ إلى نَسرٍ شُعاعيّ

نصفي ملائكة ٌ

ونصفي الآخرُ امرأةْ

شيءٌ ما يَسحبُني نحوَ السَّماء والخلود

أين أنتِ أيَّتُها الملائكةْ؟

سأنتزعُ خِنجر الغُربةِ من خاصِرَتي صارخة

هِبيْنِي أجنحَتكِ لأعيدَ لوطني اليَقينْ

***

سلوى فرح - كندا

 

هكذا أَنا:

رجلٌ تتساقطُ النساءُ

من جيوبهِ

وعاشقٌ يتنفسُ الأنوثةَ

في كلِّ الاوقاتِ والأمكنةِ

حيثُ منِ المستحيلِ

أَنْ أَكونَ وحيداً

وبلا امرأةٍ رائعةٍ

تعشقُ خضرةَ عينيَّ

قامتي الفارعةَ كما الشجر الرافديني

وقصائدي المُكتظةَ بعسلِ الكلامِ

والشغفِ والأَحلامِ والمرايا والأسرارْ .

*

هذا هو ما يُشَيعَهُ عني

أصدقائي العشاقُ والشعراءُ والمجانينَ

الذينَ أُحبُّهم جداً جداً

لأَنَّهم يغمرونني بينابيعِ المحبّةِ

هالاتِ الصداقةِ البيضاءِ

جوهرِ الأُخوّةِ الخالص

وكذلكَ يبتكرونَ من أَجلي

أَقصى التفاصيلِ المُضحكةِ

المواقفَ اليوميةِ الطريفة

التآويلَ والأَوهامَ والتهاويلْ

الحكاياتِ المكتظةَ بالسحرِ والذكرياتِ

أَبهى الأَغاني والمواويلْ

وأَساطيرَ الحُبِّ والجنونْ .

*

أَتذكَّرُ خضير ميري مثلاً:

إنَّهُ كانَ وبكلِّ قدراتهِ الهائلة

على الإقناعِ والمراوغةٍ

كانَ قادراً على جعلِ أيِّةِ امرأةٍ

مُستعدةٍ للوقوعِ في غرامي

أَو الهروبِ مني

وحتى شتمي والحقدِ عليَّ

لا لشيء إلّا لمجردِ وشايةٍ

من نسجِ خيالِ واحدٍ مجنونٍ

واسمَهُ: خضير بن عباس بن ميري

حَسْبَ سجلاتِ (مدينة الثورة) العتيقةِ

والمُتطايرةِ في (عاصفةِ الصحراء) الاولى والثانية

والثالثة والعاشرة وييييييييييييييي ...

وأَعني: في العواصفِ التي لاتنتهي أَبداً.

*

وكذلكَ اتذكّرُ الشيخَ الشاعرَ ابنَ (آل ياسين)

حيثُ كانَ أَخي وصديقي الجليل والجميل هذا

دائماً يفضحُني بكلِّ صراحةٍ ومتعةٍ وبسالةٍ

أَمامَ صديقاتي الطيّباتِ وحبيباتي الجديداتِ

وفي ايِّ مكانٍ ومناسبةٍ

نكونُ فيهِ معاً،

وخاصةً في الاصبوحاتِ الشاعريةْ

أَو في الجلساتِ الليليةِ

التي تُقامُ لي بإعتباري شاعراً مغترباً

ومعارضاً للطغاةِ والمافياتِ

وذوي " المحابسِ " والخرافات

وكذلكَ معارضاً (مال سيارات  هاهاهاي) .

*

ثمَّتَ مايدعو للدهشةِ والذهولِ والغرابةِ

حيثُ أَنَّ تلكَ المواقف والأَشخاص والاحوال

تُصبحُ على الأَغلبِ وفي العادةِ

كما هو مزاجُ شيخِنا الشعري (آل ياسين)،

وعليهِ العُهْدَةُ والفكرةُ والرؤيةُ

ولهُ عطرُ الوردة،

وغوايةُ الفتنةِ

التي هي أَشَدُّ من العقلِ،

حيثُ أَنَّ وشاياتِهُ العجيبةَ

تُربكُ أَصابعي وتُلعثمُ لساني

وتُغْشي رؤيايَ المُلوّنة،

وتورّدُ خدودَ حبيباتي وصديقاتي الجميلات،

فأراهنَّ يتوعدنني سرّاً

وعلانيةً بالعضِّ والخنقِ والحرقِ والقتلِ أيضاً .

وهذا ما يجعلُني اصرخُ في بعضِ الأحيان

وعلى طريقة أَخينا الفنان (عادل امام ):

انا بعرضكَ يا شـــــــيـيـيـيخ ...

والبقيةُ في النصِّ القادم .

***

سعد جاسم

كان عليّ أن أتسلّح بعزيمة أكبر

عزيمة تجعلني قادرة على أن أتخلّى عمّا يرهق فكري

فكري الذي بدأ يُصاب بالتحجر وأنا أروّض هذا الفراغ

وألملم أوراقي

المبعثرة هنا وهناك

سألتقط نثارات الضوء من فمّ الأفق

وأرعى فراشاتٍ هدّها الشتاء

فلم تقْو على تصميم أشكال خاصة بالربيع القادم

*

أنا قرية يغشاها الظلّ

يتفسخ الظلام على صوتي

يمدّ ساقيْه على صمتي المتنامي

تسعل أبوابُ الطريقُ الممتدةُ في المدى

تسعلُ الجدرانُ التي تُسند ظهري

وكلّما تداعى حجرٌ منها

فتحتْ فَمها تروّض الحاضرَ

على النظر إلى الماضي بعينٍ ودودةٍ

لن أفسحَ المجال لك

كي تتمدّدين في اتجاهٍ معاكسٍ

ولن أُعِيرَ بعضَ الفرح لسيلفيا بلاث

هي لم تنجحْ في رأبِ صدعِ قلبِها الصغير

واختارتْ أن تجتازٓ عتبة الممكن

إلى المطلق من فجوة ضيقة

لم تُكفّر عن سيّئاتِها

ولم تستطعْ أن تخضعَ للروتين المتواتر

وعندما سكبتْ الصباح في مِشكاتها

ذبلتْ كلّ الورود على شفتيْها

لم  تصَلِّ من أجلِ عودة الشمس..

ولم تتزينْ وهي تستقبل نهايتها

ولم تخبئ العطشَ في كُم قصيدتِها الأخيرة

ولا على وُجوه العشاق

ولا في آثار المارة..

لم تخبئها على الأرصفة

ولا على المقاعد في محطات القطار

وبين دَفتي دفاتري

حيث يستحيلُ الحبرُ

أوديةً عظيمةً

على ورقةٍ صغيرة.

***

العامرية سعد الله

 

قصص قصيرة جدا

1 - زهرة

زهرة الوقت اضرموا النار فيها وحينما

اشرقت الشمس فروا فروا صوب كهوف

عريهم وخزيهم يجرون اذيال الخيبة والخذلان

**

2 - شموع

الشموع التي اوقدتها الوعول في طرقات العنادل

اطفاتها العناكب ومرايا الشمس التي هشمتها

الذئاب رممتها العصافير وجعلت اليمامات من

هديلها شموعا في طريق القطا والعصافير

**

3 - نعاج

حينما سمعت النعاج عواء ذئب تفرقت خائفة

عبر المنحدرات والسهول وحينما سمعت نباح

كلاب القطيع اتقدت شموع الهداة والالفة في

قلوبها وشرعت ترعى العشب الاخضر

بكل طمانينة وامان

***

قصص قصيرة جدا

سالم الياس مدالو

قصتان قصيرتان

(1) الاقفاص والفناء الخلفي..

كان ذلك الوقت من نيسان حين عاد من رحلة طويلة مرهقة توقف عند حانوت تتقدمه اقفاص مصنوعة من سعف النخيل، وفي داخل الحانوت اقفاص اخرى مملوءة بالطيور والببغاوات الملونة التي لا تكف عن الصراخ، فيما ترفرف بعض البلابل باجنحتها العارية إلا من الزغب الأصفر تتوسل شيئاً من الطعام أو الماء.

اشترى اثنين منها وقال في نفسه ربما سيموتان في الطريق قبل الوصول الى البيت .. وكانا ملتصقين في عش صغير مملؤ بالمخلفات، فوضع تحتهما قطعة من ورق نشاف ليخفف عنهما خشونة عيدان القش البائسة .. وكان بين الحين والآخر ينظر اليهما خلال الطريق، فيجد احدهما يحرك رأسه والآخر نائم وكان يحسبه ميتا .. وصل المنزل عند الظهر واسرع بنقلهما الى الحديقة الداخلية، التي تضم مجموعة من النباتات والمتسلقات وأصص اخرى .. تأكد ان أياً منهما لم يمت واسرع في مزج قطعة صغيرة من البسكويت مع بضع قطرات من الحليب في حقنة طبية وقطر في منقاريهما بعد أن فتحهما بصعوبة، وحين تذوقا تلك القطرات راحا يرتشفان المزيج بشهية واضحة، ثم جاءت بعد ذلك قطرات الماء عندها أخلدا للنوم في القفص .

في صباح اليوم التالي لاحظ ان احدهما لا يتحرك وأدرك أنه ربما فارق الحياة، وكان ولده الصغير بالقرب منه يحب العصافير وحين اخرجه ميتا من القفص رأى عينيه مغرورقتين بالدموع .. قال له لا تبك انه صعد الى السماء، دعنا نذهب لندفنه في حديقة الدار الخلفية وتحت شجرة السدر حفر حفرة صغيرة بعد ان احاط البلبل الميت بقطعة من ورق ابيض ثم واره التراب، ثم ركض الصغير وجاء بوردة حمراء قانية وأنبتها فوق جثمان البلبل، مسك يده وادخله الى البيت. وعادا الى البلبل الآخر وقال لصغيره إنه سيعيش وسنطعمه سوية، ابتسم واستعاد فرحته.

تعاونا على إطعام البلبل الأزغب مرات عديدة خلال النهار.. وعندما لاحظ  نمو الريش في الجناحين والجسم والرأس وبدأ يرفرف على اصبعه ويد الصغير، بدء بإطعامه التمر وبات يحبه كثيراً .. عندها اخرجاه من قفص سعف النخيل الى فناء الحديقة الداخلية المكتضة بالنباتات والمتسلقات وهي بيئة صالحة لمثل هذا الطائر.

بات يعرفه حين يدخل عليه ليطعمه ويعرف مكانه جاثماً على غصن مطاطة قريبة من شباك المكتبة في المنزل، ولما لم يستطع الطيران يبدأ برفرفة جناحيه ثم يعوف الغصن ويقفز بفرح على يده ليأكل شيئا .. .. فكر بأن لا يبقى هذا البلبل وحيداً، وعزم على شراء أنثى له ليتعايشا معا في هذه البيئة .. وبعد بضعة اسابيع لموسم التكاثر اشترى له انثى واطلقها في الحديقة الداخلية، ومن تلك اللحظة بدأت مطاردات عدائية مذهلة سقط من الطائرين ريش كثيف على الأرض. ثم حل السلام بعد حين ولكن، حول الطعام تنشب معارك من نوع أخر.. ولكن الطائر الذي تربى على يده وهو أزغب يبدو اكثر ألفة من الآخر، أما الثاني فهو اكثر حذرا، فيما يلاحقه الأول أينما ذهب داخل البيت، وحين اخرجه مرة الى الحديق الامامية واطلق سراحه، ابى إلا ان يعود ويحط إلى كتفه .

الذي كان مزغباً وما يزال يتلقى طعامه إلى الآن بعد مضي ثلاث سنوات، لا يعرف العالم الخارجي، أما الثاني فهو يعيش عالمين أحدهما مضطراً عليه والآخر يراه طبيعياً .. يدخل اليهما في الحديقة الداخلية الكبيرة فيأتي يزقزق ويتمتم ويتلفت وينظر في وجهه ويتمعن ثم يطير ليحط على شعره ويعبث فيه وينزل الى رقبته وكتفه ويده ليأكل قطعة صغيرة من التمر او التين ويطير إلى الأغصان العليا، أما الثاني فيأكل على عجل ويطير بسرعة الى حيث يجثم الذكر، ثم يبدأ الغزل .

كانا يتفحصان اغصان الاشجار صعوداً ونزولا وقد اختارا مكانا منزوياً لا يرصده أحد وبدءا يجمعان العيدان الصغيرة ويلفانها على بعض وعاونهما ببعض العيدان النحيفة جداً وبعض الخيوط وسرعانما كان العش جاهزا تدخله الأنثى دائماً مع الذكر ليريا نجاحهما في بنائه الذي استغرق قرابة اكثر من اسبوعين ، وكل الظن أن هناك بضع بيضات ستكون في العش  تفقس بضع صغار تحتاج الى تغذية خاصة ، فزاد اهتمامه بهما في تنوع الأكل وزيادة في النظافة وتغيير المياه .. ومضى الاسبوع الاول والثاني واوشك الثالث على الانتهاء ولم ير البيض ولا الفراخ، والغريب في الأمر انهما هجرا العش وبدءا ببناء عش آخر في مكان أخر على غصن الشجرة الباسقة في الحديقة الداخلية المغلقة ذات القبة الزجاجية المكتضة بالاغصان.

كانا يتقابلان احيانا ويتنافران، فهي ذي سلوك شرس في تصرفاتها، وهو هادئ ولا يستعجل التصرف ويأكل بهدوء فيما هي تنهش بسرعة قطعة من الأكل وتطير ثم يأتي بعدها ليأخذ ما يريد ويتحاشى تصرفاتها النزقة في ذلك الحيز من حديقة البيت الداخلية.

***

(2) الجمال والأخلاق وملح الطعام..

قال إنه يحبها كثيراً ويتمنا لو يراها في كل يوم وإن شغفه بها وصل حد الهوس وكان يريد الزواج منها وهي تموت فيه اشتياقاً .. وكان جمالها طاغياً لا احد يستطيع ان يصمد أمام وجهها ثانية واحدة .. وجه برنزي دائري وأنف صغير وعينان واسعتان عسليتان وشعر كستنائي ناعم وطويل وشفتان ممتلئتان شهيتان وبشرة تكاد ان تكون كالعسل وقوامها رائع بشيء من البدانة المحببة .

وكان لا يعرف شيئاً عن طبيعتها، تفكيرها، تعاملها، مزاجها، انفعالاتها وقدرتها على ضبط النفس .. هذه كلها كانت مخفية أو مجهولة تماماً إلا من الإنطباع العام، الذي عكس الاخلاق الحميدة والاستقامة والطيبة وهي معايير تعد الركن الأساس في حياة أي إنسان .. مبنية على قاعدة، ما فائدة الجمال بدون الأخلاق وتتبعها الاستقامة والطيبة؟

لم يظهر سلوكها العصبي الذي يعكس شخصيتها الإنفعالية إلا بعد الزواج منها.. ورغم أنه سلوك معكر للمزاج وللحياة، إلا أنه يمكن ترويضه مع الزمن ليخف تدريجيا ويروض مع الحياة بفعل الأخلاق الحميدة التي تتمتع بها ومعايير القيم وموروث التقاليد.

والترويض اسلوب سوسيولوجي ذو أبعاد عميقة مؤثرة في الروح الانسانية .. ومثل هذا الاسلوب الذي يمتزج فيه التهذيب والعقلانية يبث روح المثل العليا في التعامل ويسقط التعامل بالمثل، ومن هذه الزاوية يتم إحراز خطوات مهمة على مسار تغيير السلوك الانفعالي المقابل، ورفض اسلوب التعامل بالمثل - الصراخ بالصراخ والتهديد بالتهديد - وأحياناً يكون إيقاع الصمت مهماً ومؤثراً يرغم الاخر على إعادة حساباته بطريقة يكتسب من خلالها شيئاً من الهدوء والتبصر وتقبل الآخر.

فالجمال والاخلاق هما اللذين كانا حاظرين عند الاختيار، أما الشخصية الانفعالية فقد كانت غائبة تماماً أو مختبئة تحت غطاء الخجل او غطاء العرف والتقاليد، ومع ذلك وكما قال الفيلسف الهولندي باروخ سيبنوزا (الجوهر يكشف عن نفسه دائماً)، خلال التعايش ومواجهة طبيعة الحياة اليومية، وعلى مدار السنين تشذبت وتأقلمت وتروضت الشخصية الانفعالية وباتت أشبه بملح الطعام، لأن الأخلاق حاضرة دائماً .!!

***

د. جودت صالح

21 / 08 / 2024

في عينيكِ، انعكاسٌ سريالي،

يرسم لوحةً من خيالٍ لا يُدركه الناظرون،

ألوانٌ تتشابك،

تُولد من رحمِ العتمة،

وأبعادٌ تتداخلُ كأمواجٍ تصطدمُ بسواحلِ الفكر.

أغوصُ في أعماقِ نظرةٍ،

كأنها رحلةٌ عبرَ أزمانٍ منسية،

إلى عالمٍ يطفو فيه الغموضُ كضبابٍ كثيف،

حيثُ تُولدُ الأحلامُ والأوهامُ معًا،

في فضاءٍ لا يعرفُ الحدود.

تُبحرني نظراتُكِ في محيطٍ من غبش،

أمواجهُ أفكارٌ تتلاطمُ،

وسفينتي قلبٌ تائه،

تتقاذفُها رياحُ الشوقِ العاتية.

أرى في عينيكِ مدنًا غريبة،

وشوارعَ من ضياءٍ وظلالٍ متشابكة،

أجوبُها باحثًا عن معنى،

عن سرٍ يُفسرُ هذا الجمالِ العصي.

تُلاحقني نظراتُكِ،

كأشباحٍ من لهيبٍ ونار،

تُشعلُني، تُحرقُني،

في لهفةٍ لا تُطفئها بحارُ النسيان.

أجنحُ نحوكِ،

كطائرٍ يُحلقُ في سماء العشقِ البعيدة،

أرسمُ في الفضاءِ لوحةً،

بألوانِ الشوقِ والاشتياق.

في كلِ ركنٍ من نظراتكِ،

كهفٌ يخبئُ ألفَ حكايةٍ وحكاية،

وأنا الساري في دروبِ الضياع،

أبحثُ عن مفتاحِ هذا اللغز الأبدي.

يا شمسًا تشرقُ في عتمةِ الليل،

يا قمرًا يُنيرُ دربي المُعتم،

خلفَ شرفاتِ عينيكِ،

أنتظرُ لقاءً يُزهرُ كربيعٍ في عزِّ الشتاء.

في عالمِ اللاوعي،

أضيعُ، أغرقُ، وأتحررُ في الوقتِ ذاته،

فأنا والليلُ والنجوم، شهودٌ

على سحرِ هذا الوجود.

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

 

أشكر الله كثيرا

أشكر الذين نقضوا ديكور الجنازة

واختفوا أسفل البئر

أشكر الكلمات التي تحرسني من القناصة

وصراخ المنتحرين

الصلوات التي جمعتها في سلة قلبي

أشكر الطائر الذي لا ينام في حديقة رأسي

أشكر صديقتي ونهديها اللذين يموآن طوال الليل

الفلاسفة الذين يقفزون من شباك الطائرة

لمعرفة ماهية العدم

أشكر المصادفة العمياء

التي رمتني في بئر يوسف

لتنتشلني ذئبة البراري

وترضعني حليب الكلمات المتوحشة

أشكر الفراشة التي ارتمت على ياقة قميصي

ثم أرخت أنفاسها واستسلمت للموت

أشكر حارس المقبرة

الذي منحني مصباحه الليلي

لاكتشاف أسرار الموتى الأحياء

أشكر صوتك الذي له ملمس شال الأم

صوتك الذي يطير

مثل فراشة ناعمة

أشكر الله كثيرا

لأني لم أمت بعد

رغم هجوم الكثير من الحتميات البائسة

رغم الطلقات المكرورة من فوهة اللاشيء

رغم تساقط أغصان الجسد

وأفاعي الأصدقاء المرقطة.

***

فتحي مهذب - تونس

 

قَصَفَتْ حقائبهمْ بغاراتٍ عديدةٔ

قَصفتْ بعنفٍ بربريٍ

كي تَموتَ

ولاتَظَلٌ حقيبةٌ تسعى

إلى المسعى

بمحبرةٍ

وأقلامٍ سعيدةْ

وتؤدي فروضها في البيتِ

آمنةٌ

وواثقةٌ

بصبحٍ ...وجريدةْ!

ووصولٍ يَسبِقُ الوقتَ

إلى الأقصى

برايتهِ الوحيدةْ

وحَمَامٍ يَنشرُ اللهَ

بآياتٍ مجيدةْ!

*

قَصفتْ حقائبهم...

لِتَأْمَنَ (وعْيَهُمْ)

قصفتها دون هَوادةٍ

خوفاً من الآتي...

إذْ الآتي بِقَبْضتِهِ الحديدة!

ووعيدٌ

ما احتوتهُ جهنمّ

مِن فٕرْطِ زَلزلة القصيدةْ!

أبداً

وما احْتَملَتْ رؤاهُ بِعِزّٕةٍ

أبداً

ومااسْطَاعَتْ إبادتهُ

وبادتْ

تحت خيبتها وئيدةْ!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

3/9/2024

 

أيتها الأرض الخطيئة

يا سيدة الشمس

والحَجَرْ

لا تزوريني ليلا،

إني أخاف العري،

لم أنته بعد

من عهر الرصيف

والمؤخرات شوارع

تستفز براءتي

وتقصي القَمَرْ

*

تملؤني المسافات

كأني سَفَرْ

لم أمش إلي،

كنت بعيدا عني

وكانت الوجوه بيننا

بقايا أثَرْ

*

لي ما ترك

الأجداد من دهشةٍ

حين حاصرهم البحر

لي أمس،

وحاضري هناك

لا يطيعني

ولي مساء كما

ينبغي للحزن

أن يكون لي

أشارك تعبي تعبه

وأمارس عادات القوافي،

كأن أمسح

عن وجه الليلِ

هواجسي

وأعبر إلى عزلتي واضحًا

كما تعبر السماءُ الغَجَرْ

*

هنا سقطت عن حلمي

وعن نهاري المؤجل،

وكان بوسعي أن أعود

إلى غيمتي

أنى شئتُ،

لولا هذا الغموض الودِيُّ،

أحدد ملامح اسمي

انفض عنه غبار البدو

وأحفظه عن ظهر نسيانٍ،

كم علي أن أنسى

وصدى الخرافة

يركض خلفي،

يعبئ خطاي بتفاصيل

الحروب الغريبة

ويسبقني

إلى مرآتي ضَجَرْ

*

ربما كنت قريبا من حتفي

حين أخبرت الصحراء

عن مصير أيامنا حولها،

كنا نحملها

وكانت تدس الجفاف

بيننا وبين من نحب،

فنحن أهل الخيام

والليالي القاحلة

لنا حظ في الرحيل،

نعرفه مثلما نعرف

أسماء النجوم

على الطريقِ المؤدي

إلى غيابنا،

لكننا لا نفهم

حوار حبٍ

بين وردة و مَطَرْ

***

فؤاد ناجيمي

من ديوان: كأني أحمل الصحراء

 

كلما إزداد أعوان الخطأ كلما ضعفت حجة الصحيح.

ولدت أنهر في دولة عربية؛ من أسرة مسلمة ومحافظة جداً. تربت على التقاليد والأعراف المنقولة لها أباً عن جد بالتوارث. لبست الحجاب قبل فترة بلوغها بقليل دون فهمها. هي اليوم في الثامنة عشر من عمرها. جميلة كالزهرة تتهيأ لامتحانات سنتها المنتهية في الإعدادية القسم العلمي. لها صديقة وزميلة اسمها طيبة في ذات الصف ودارهم يلاصقهم كتف بكتف. أنهر تحبها كثيراً كونها متفتحة ولها بُعد نظر في المسائل الاجتماعية وأحياناً حجتها تبهر بها أنهر وتكاد الأخيرة تنساق معها ولأفكارها، وعندما تتذكر أهلها ترتد رعباً مما تفكر فيه أو ما تأثرت به من قبل صديقها طيبة.

في الأفق كانت كرة حمراء متوهجة، تهرب ببطء؛ تأملتها أنهر بانبهار أسر لبها وهي ترى منظر غروب الشمس بوقفتها عند سطح بيتهم في تلك العصرية وهي تطالع امتحاناتها لنيل شهادة البكلوريا وإذا بصوت بكاء ونحيب يكسر صمت تأملها ويرجعها لواقع تعودت عليه في الآونة الأخيرة صادر من بيت جيرانهم وبالتحديد صوت صديقتها طيبة وهي ترفض الانصياع لطلب أخوها الذي يصغرها بثلاث سنوات طالباً منها لبس الحجاب. حججها لا يستطيع إجحاضها أو الرد عليها بذات القوة التي تمتلك سبلها ومفاتيحها بكل مرونة أخته طيبة..

صعقت أنهر في مكانها وهي ترى أعز صديقة لها تهان وتضرب بهذه الطريقة القاسية غير الآدمية ومن أقرب الناس لها، أخوها الذي يصغرها.. كانت طيبة منهارة تماماً وهي تتلقى الضربات واللكمات من كل جهة والدماء تسيل من فمها وأنفها متمرغة في التراب تزحف سائبة وكلماتها القاطعة، الحادة كحافة المقصلة تخرج مسموعة دون ارتجاف:

- العفة يا أخي ليست بغطاء الرأس، ولا علاقة للحجاب بالأخلاق، ثم تواصل بنبرة تجعله يفقد أعصابه أكثر لينهال عليها بالسب والشتم والركل:

- مهما ستحاول وتفعل لن أتراجع عن أفكاري التي أومن بها. أنا لست آثمة، ولم أتنكر للرب إطلاقاً. وما دمت لم أمارس الخطيئة وأعمل بالوصايا العشرة لا يحق لك أن تفرض على شيء لا يعني لي أكثر من قطعة قماش لا تنفع ولا تضر. الرب خلقني مثلك. إنسان حر. بعقل. أفكر وأعمل. أكون نافعة في المجتمع. يقاطعها،.. يكتم صوتها، يضع يده على فمها بغية إسكاتها ولا يتردد في خنقها للتخلص منها!..

هو لا يقدر على سماع صوت الفكر الحر. الصوت الذي لم يعتد سماعه. يرى من حوله يفعلون ذلك فيقلدهم، هكذا على علاته. لم يعرف لماذا؟ ولم يسألها أو يحاول أن يتفهم موقفها. هو الرجل في ذاته. الفحل الذي يمتلك كل مقومات الحياة دون الأنثى. ماذا تعني الأخيرة له؟ لا شيء. قطعة أثاث ينقلها من مكان إلى آخر، ويمكنه استبدالها أو رميها وقتما يشاء. وعندما يقول لها ألبسي هذا عليها أن تفعل دون نقاش. الذكر في دولتهم هو الذي يحكم، وهو الذي يعظ، وهو الذي يقطع الرأس!.. في بلده الرجل كل شيء.. فكيف تستطيع طيبة بطيبها وثقافتها وقوة شخصيتها أن ترفض الانصياع؟!

تنهار أنهر في مكانها مصعوقة لمنظر صديقتها.. ترفع يدها، تجد الغطاء يلف رأسها. تشعر بقشعريرة، ترتجف أوصالها. تنظر إلى طيبة وتُعجب بها. كيف كانت تدافع عن منطقها، عن جسمها، عن استقلاليتها كإنسان كامل له مطلق الحرية في اتخاذ ما يناسبه مادام لا يأت بخطيئة، أو إثم، أو أن يتعدى على حقوق الآخرين. طيبة لم تفعل كل هذا. كانت صافية كماء النبع. شديدة الذكاء ومنسجمة مع نفسها، لا تغشها ولا تناقضها. ما يتردد في داخلها يصاغ في فعلها. واضحة لا تحب اللف، مباشرة كالسهم عندما ينطلق نحو هدفه. أنهر كانت تعرف صفات زميلتها جيداً، تقول عنها، طيبة ذهب خالص.. ألتفتت دون قصد نحو قرص الشمس الغارب. وجدته أكثر احمراراً من قبل لحظات، أحست بأن شعرها يحترق تحت غطاء رأسها..

وهي تسترق النظر لطيبة كانت أصابعها تفتح عقدة غطاء رأسها، نزعته غير آسفة عليه، مررت أناملها على شعرها، لم تجد عائقاً كما من قبل، حركت رأسها، تناثر شعرها كسنابل الحنطة الناضجة، فجأة تشعر بأنها أصبحت أقل وزناً، غمرتها فرحة غير متوقعة في لحظات كهذه، هي لم تحسب لذلك حسابا، كانت مترددة لأشهر مضت من فك شبكة غطاء رأسها، ثوانٍ قليلة تمر لتجد نفسها حرة، أكثر جمالاً ونقاء، تشعر بالصداقة مع نفسها، رددت في سرها وهي تقفز بمرح غير مقصود، طبيعي كقرص الشمس:

- أخيراً تصالحت مع نفسي مثل طيبة. 

***

قصة قصيرة من وحي عصر التنوير بعنوان

بقلم/ هيثم نافل والي

على شجرة قريبة نعب غراب

فدعت بالنجاة لابنها الذي لا تعرف أنّه هارب من الحرب في بلد آمن!

2

كان يتأمل في السماء

حين سقطت ذبابة في كأسه

3

هجمت على اللوحة تقتلعها من على الجدار وتهرول بها لترميها في حاوية أزبال في الشارع بعيدة عن البيت. كانت مغرمة بها،فقد كان رسام المدينة الشهير يرسم لوحاته باللون الأحمر اللامع.

الأرض حمراء

الشفق

الغابة البيوت

الهواء

السماء

والورود

هذه الساعة فقط، مع تناولها الفطور رأت من خلال نشرة الأخبار  الفنان الشهير الذي جعل المدينة كلها مغرمة بلوحات ذات لون واحد، يقف أمام المحقق  فيعترف أنّه يرسم لوحاته بالدم.

***

قصي الشيخ عسكر

في رحاب الزمان(*)

ثلاثة، لا غير

في فلك هلامي

لا يُعَدُ هو الزمان

هذا الفضاء الهلامي

يحتضن (الثالثة)

من شروق الشمس

حتى الغروب

زمن عجيب..

لا حد في شكله

لا عقل يدركه

ويظل يسبح

في فضاء الكون

لا يغرب

ولا يشرق

في متاهاته

يمضي مع التكرار

في الزمن  المديد..

ترائت فيه أشياء

وقد تحجب

ولا تكتب

لا يملك البشري غير ثلاثة

أولاهما الماضي السحيق:

يراه الكائن البشري بعضاً

من تلاحين النهار..

تلاشت كالغبار..

ليس فيها غير احداث

تماهت في متاهات القفار..

لم تعد تجدي له نفعاً

وباتت في مطاوي

الذكريات الراحلات

الى الكهوف المظلمات..

ليس فيها قدراً يجدي

سوى قدر النثار..

وثانيهما مستقبل لم يعد ظاهراً

ولا حتى حضورا غائما

يسبح في غيم ولا يُلْمَسْ

فراغ هائم

في مستقبل الكون فراغ

فراغ لا يجاريه فضاء

والثالث حاضر، كالبرق

يومض كالشهب

قد يجعل الكائن يصغي لهفيف الريح

والأغصان في الفجر المعفر بالندى

والشمس تضفي الدفؤ في الزمهرير

ورحلة الصيف الرحيم

إنه الثالث محسوس وملموس

كضوء الفجر

وحسٌ في الظلام،

ثم يمسي سحباً تمضي

وتمضي صوب مأذنة الفنار..

وكما يراه،

نهاره برقاً يزول

الى الوراء الى الغبار..

يبقى الزمان هلامي الرؤى

لا شيء يبقى عند ناصية النهار..!!

***

د. جودت صالح

2 / 9 / 2024

....................

(*) من وحي فلسفة الزمان .

(*) الثالوث هو الماضي و (الحاضر) والمستقبل. 

 

حين يهجر العالم

ويكتفى

بنافذة مشرعة

تطوَّف أحلام المهاجرين

فتلك هي الحياة

*

لهم بواباتهم

ولي نافذتي

قد تبدو صغيرة

وقد يزدرى بها

لكن

حين يُتَكأ عليها

فهي المدى بجهاته الأربع

*

اعتني بتفاصيلها

أمسح ما علق بها من غبار

وأُزينها بنبتة

تكافح

لتحظى

بفرصة

تمنحها حياة

تلاصق النافذة

*

تتعاقب عليها الفصول

خريف يعقبه شتاء

وربيع يمهّد لصيف

يُعوَّل على لفح حرارته

لعلّه يمحو

آثام خطيئة

سوّغت لها الظنون

أن العبث بالنوافذ يلوّث الطهر

*

ترفرف محلّقة في فضاءات رحبة

أحلامي الغضّة

وقد تسربت من بين نافذة

كانت لها

مفتاح سعادة

*

تزداد جمالا

وأزداد تمسّكا بها

نافذة

تنأى بحلمها

عمّن سويعاتها متصرّمة

وموصوفة بالغرور

آه يا نافذة

تختزل الهنا والهنالك

وترفرف شوقا

لآت

آتٍ لا محالة

***

ابتسام الحاج زكي

قبل كل فجر بساعة تقريبا، لا يرتاح سلام إلا عندما يجد نفسه مسجى على سريره المقابل لنافذة غرفة نومه. يحملق في نجوم السماء ومصابيحها. يستمر في تفكيره منتظرا حلول العتمة من بين خيوط الظلام الحالكة. إنه الفضاء المفضل لديه لتعميق تفكيره في منطق ممارسة السلطة على أرض إمارة وطنه المسماة "ألغاز". يسترجع أحداث ساعات يوم كامل من حياته. يراكم الأحداث بتأمل مضني محاولا الاقتناع قبل أن ينام مجددا بنجاحه في حل خبايا بنية ونسق قيادة رعايا موطن وجوده.

هذه الليلة ليست عادية بتاتا. لقد بزغ أمامه نجم من نوع غريب. ركز على موضعه وحركيته ووظائفه. لاحظ أن له سلطة مركزية عظمى. أصابه الرعب عندما لاحظ كيف تتزاحم من حوله بعنف نجوم محورية بأعداد كبيرة تتكاثر كل ليلة. اعتقد بعد تأمل شديد أنه ربما استوعب درس صراعاتها تارة، واقتتالها الدامي تارة أخرى، من أجل الاقتراب من النجم المركزي. لاحظ كيف يتوهم هذا الأخير ابتهاج نوره وازدياده لمعانا كلما اشتد الصراع من حوله. العملة السائدة هي التفنن في إبداع المكائد والدسائس لوأد وإزاحة الآخر.

البحث عن التميز والريادة في التبرك بنور النجم المقدس وطاقته أصبح هاجسا خانقا للوظائف الطبيعية وتكاملها. لقد اكتشف سلام كيف يتم اغتيال نجوم براقة ظلما وعدوانا وبدون رحمة. استخلص في ليلته الأخيرة، أن هناك تداخل فظيع بين النجوم الطبيعية وشياطين عالمها الموازي. تعجب لوجود نجوم شيطانية معادية للطبيعة وخزائنها.

ربما اكتملت دورة تفكير سلام وتحليله. اعتقد أخيرا أنه استوعب درس تأملاته. اعتقد أنه ربما كشف أسرار منطق وجود النجوم وصراعاتها. لم يصدق الخلل الذي أصاب نسق وجودها الطبيعي. الوفية منها تغتال أو تنتحر. تابع كيف يخفت نور موطنه كل ليلة. انتابته فكرة اقتراب تسلط الظلام قريبا.

حل النهار. استيقظ في منتصفه. خرج إلى الشارع العام، فلم ير إلا وجوها عبوسة تتطاير من عيونها شرور لا توصف شدة هولها. هرع عائدا إلى منزله مفزعا من شدة التشنج الذي انتشر في كل فضاءات الحياة العامة : أسلحة بيضاء تتطاير في السماء، وشجارات دموية هنا وهناك، واعتداءات على الأبرياء في واضحة النهار، واحتلال للفضاء العمومي بالقوة، وإخراج وطرد الأسر الضعيفة من منازلها،

عاد إلى سريره نهارا مسرعا بعدما أحكم إغلاق باب منزله. تعب من شدة سهاده في التفكير. نام إلى أن حلت الليلة الموالية. استيقظ فوجد النجم المركزي حزينا وعلامة الندم بادية على طبيعة نوره. تسمر في مكانه عندما سمع صوت النجم الأكثر مكرا يصيح في الفضاء موجها كلامه للنجوم المتصارعة قائلا: أنا النجم المركزي الجديد، فخروا له ساجدين.

***

الحسين بوخرطة

من قصص المعركة (3)

أشقاؤنا العرب، يشاركونا في الملمـات  دائماً، جاؤا بأقدامهم الى الموت، انهم يعشقونه من أجل (العقيدة)، والحدود الشرقية.

أجيال من الشباب المصري كانت تبحث عن العيش وان كان عبر سواتر المعركة، كان للتطوع أنواع وأشكال في أغلب الأحيان، كيف نتصور تطوع الفرد ليموت في أرض ليست وطنه برضاه؟

كانت الحرب حرب العرب جميعاً من المحيط الى الخليج، أفواج من المصريين العاملين في العراق، او من القادمين من الصعيد ومن بلدان أخرى، لملء الفراغ الذي تركه الأخوة والأبناء العراقيون ، اذ لا مفرّ لهم إلا أن يموتوا ميتة معجّلة كما أراد صانع الموت.

كان مغول الحرب يستدرجون أولئك بالمال، والامتيازات، وتحويل الدولار، فيندفعون بحماس الى القتال، يشكلون منهم بسرعة أفواجاً غير مدربة، منهم من لا يجيد استخدام السلاح، وبما ان المعركة (قومية)، والطريق الى تحرير القدس يبدأ من عبادان. فليس عدلاً ان لا ينالوا شرف الشهادة؟

دفعوا بهؤلاء المساكين إلى الحجابات الأولى المواجهة للعدو. ما أن أصبحت ساحة المعركة حاسرة الأرض، بلا حجاب، وانكسرت الشمس إذ نالها الرصاص، والسماء كالجحيم، كانت أجسادهم تتناثر مثل الطيور الذبيحة.

واحد من المقاتلين المصريين نجا بنفسه، استردً بقاياه، وهو بلا مغيث! من يغيث من؟ يصرخ : أوومّال فين خط النار؟؟

***

د. جمال العتابي

في نصوص اليوم