نصوص أدبية

نصوص أدبية

تدورُ الطيورُ على نبأٍ غامضٍ

وتحاولُ أنْ تحملَهْ

لِتقولَ لأهلِ البلادِ بِصفقِ الجوانحِ: ما أجملَهْ

*

فالبلادْ

وهيَ ظمأى ومدحورةُ الرافدينْ

تحنُّ الى حسنِها في قوامٍ مهيبٍ وعينينِ ساحرتينْ

يضرمانِ الجوى في النخيلِ ولا يحرقانهْ

فيغري الجمالُ المُحَرَّمُ صبّاً يقاسي صنوفَ الغرامْ

فينهلُ عبّاً ولا يمنعانهْ

بينما النورُ يسري مع الماءِ في لمعانِهْ

*

هلْ تعودُ الطيورُ التي هاجرتْ بَعدَ حينْ

كأنَّ علائمَ دربَ الرجوعِ حنينٌ يقودُ حنينْ

فهي ظمأى، وأهلُ البلادْ

سروا نحوها كي تقولَ لهمْ ما تقولْ:

نبأٌ غامضٌ مِن ضياءٍ وماءٍ سيأفلُ فيهِ الأفولْ!!

***

شعر: كريم الأسدي - العراق

..................

ملاحظة: زمان و مكان كتابة هذه القصيدة في السابع عشر من تشرين الأول 2025 في العراق ، وقد أتت اثر ندوة فكرية وثقافية عُقدت يوم امس السادس عشر من تشرين الأول 2025 في الناصرية ـ العراق ، وتحدثت فيها في مداخلة عن دجلة والفرات وشحة تدفق المياه في الرافدين.

 

(بيانٌ عن هامشِ الضَّوْءِ وظلالِ مَنْ عَبروا)

هُنا،

في هَامِشٍ مُغبَّرٍ مِنْ خَارِطةِ الضَّوْءِ،

لا يَراني غَيْرُ رَجُلٍ تَخْنُقُهُ رُؤاهُ،

يَسيرُ بِأَثرِ نُجومٍ أُطْفِئتْ قَبْلَ أَنْ تُولَدْ،

يَتحسَّسُ مَسامَ الحُلْمِ كَمنْ يُفتِّشُ

في دفْترِ الرَّمادِ عَنْ وجْهِهِ

2

وحينَ يَبْلُغُ حَافَّةَ اللَّيْلِ يَسْقُطُ مِنْ ظِلِّهِ،

يَسْمعُ صَدى انْكِسارِ النُّورِ على مِرْآةِ نِسْيانِهِ؛

فَكَّرْتُ: زَهْرةٌ في قِدْرِ صَفْحٍ مِنْ صَفيحٍ قَديمْ،

يتغيَّرُ الشَّكْلَ كُلَّما بَعُدَتْ يَدايَ

عَنْ كُتيِّبِ النَّارِ القَديمْ

3

قَرأْتُ: فِئْرانُ فُنْدُقِ: الحُلُمِ، تَنامُ على قُطْنِ الدُّولارِ،

تُصفِّرُ لِلبشرِ الرَّخيصِ كيْ يُصفِّقوا؛

وخَنازِيرُ تَسْكُنُ الحرْفَ

تَدُوسُ القَصيدَةَ بِلِسانٍ مُهْشَّمٍ

4

رَأَيْتُ: كُلَّما وصلتْ خُطايَ إِلى جِهةٍ،

خَرجتْ لي: العَاصِمةُ الطِّينيَّةُ، مِنْ فُتْحةِ البَريدِ،

تُبلِّغُني: أَنْتَ الآنَ في مَعْرِضِ الطِّينِ المُعوْلمْ

رَأَيْتُ: كَأَنَّ الخَريطةَ فَرَسٌ يَجُرُّ سَوَاقيَ الذِّكْرى،

وكأَنَّ زَمانَنا كيسُ أَعْلافٍ مَشْقُوقٌ

يَسيلُ لِمقْبرةٍ بِلا عُنْوانْ

5

في كَرْكُوكَ تَتعرَّقُ مَعادِنُ النِّسْيانِ،

في الرِّياضِ أَدْهَنُ جَبْهةَ الذَّاكِرةِ

بِزَيْتِ الْإِغْفالِ والطُّلْسُمِ،

في عَمَّانَ أُقيمُ مَكْتبًا رَابِعًا لِإِحْصاءِ الْكوَابيسِ

6

ونُعِدُّ لِلْحرْبِ الجَديدةِ بِكُلِّ رَتابةٍ ورقْمٍ مُسْتقيمْ:

١ – في زَاويةٍ: مُوسيقَى مِنْ صَفيحْ،

٢ – في السَّطْحِ: شَاعِرٌ لا يَمْلِكُ إِلَّا رَمادهْ،

٣ – في التَّحْتِ: عُصْفورٌ يُدرِّبُ لَحْنهُ الأَخيرْ؛

*

وَنُعْلنُ بِاسْمِ اللَّائِحةِ الرَّابِعةِ:

١ – الْفَضاءُ صُنْدوقُ الخَوْفِ والخَشبْ،

٢ – الزَّمانُ يُقاسُ بِمِشْنقةٍ،

٣ – والْأَخُ يَذْبحُ أَخاهُ لِتنْجحَ خُطَّةُ الشِّعارْ،

٤ – الشَّمْسُ: وَجْهُ الحاكِمِ،

والقَمرُ: عُمْلةٌ في جَيْبِ خَليفتِنا الكبيرْ!

7

رَأَيْتُ أَسْماءً مِنْ قَمْحٍ تَتَوَهَّجُ في الغُرْبةِ،

لكِنَّها كَكوْكبٍ لا يَعْرِفُ نَسبَهْ؛

هُنا في الحافَّةِ البارِدةِ مِنْ كَوْكبِنا أَعْترِفُ:

أَحْببْتُ زَهْرةً أُسَمِّيهَا الحَياةَ فَقتلْتُها،

ثُمَّ سَمَّيْتُها: بِلادي

8

أُقَشِّرُ رِيحكِ كَيْ أَصْنعَ مِنْها رَايةً لَا تَرِفُّ،

أَصْفعُ كُلَّ مِرْآةٍ وأَقُولُ لها:

ضِدَّكِ يا بِلادي!

أَهْبِطُ نَارَكِ لِأُقَطِّرَ لَكِ سُمًّا

يَليقُ بِخُلودِكِ

9

وأَعْترِفُ: لكِ في بِلادي سريرٌ،

ولكِ كُرْسيٌّ يُلفُّ الرَّأْسَ بِاسْمِ الصَّداقةِ؛

كُلُّ شَيْءٍ مَعْروضٌ: نَهارٌ في مَزادِ الشَّرِكاتْ،

لَيْلٌ في خِزانةِ مَخْزنٍ قَابِضْ،

حَجرٌ منْ مَكَّةَ، وماءٌ مِنْ نَهْرٍ بِلا مَاءٍ

10

ومعَ ذلِكَ تَلْهثينَ كَأَنَّكِ القُدْسُ في دَمِنا،

وسَايِغونَ وأَنْفاسُ المَغارِبِ والشُّرُوقِ،

والغَرْبُ لا يَدْرِي اسْمهُ ويُقلِّبُ الأُفْقا

11

كُلُّ البَشرِ مُنْذُ المَعْمودِيَةِ الأُولَى

يَحْمِلُونَ رُؤُوسهُمْ في صَحْنِ مَذْبحِهِمْ،

ويُنادُونَ:

الوِلادةُ غَيْرُ آتيةٍ،

ونُرَاجي* الفُرْقا

*

الكودا

عُدْنا إِلى طِينٍ يُسمَّى وَطَنَنا،

وَظِلٍّ يُسمَّى مَجْدَنا وَهْنا،

وقَمرٍ مَهْشومِ الوَجْهِ يَدُورُ في سَماءِ اللَّاوَطَنِ،

في الجِهَةِ الأُخْرى مِنَ الكَوْكبِ تُزْهِرُ ذِكْرى وَحيدةٌ

كَنُقْطةِ مَاءٍ على زُجاجِ العَدمِ

***

د. سعد محمد مهدي غلام

 

كأنّ وشاح السّراب يُوَشِّي سديم المدى.

كأنّ مداه جراحُ الغياب ومَهْوَى الرّؤى.

كأنّ صهيلَ السّراب سحابٌ يَسُحُّ الصّدى.

وإنّي اُنَمِّي ضياء الكروم

بأغنيتي.

وأغرس في الرّملِ نَوْلِي

وأوْتارَ أجنحتي.

وإنّي أُعَتِّقُ ثوبَ النخيل

لِيَعْتِقَني.

وأَرْتق وجه المرايا بجفني

لِيَجمعني.

وأقطفُ من دَخَنِ الماء سقفا

يُدَثِّرُني.

*

وهذي المداخن حوْلي

تُهَجِّرُ أكوام أحذيتي

تُهَجِّنُ عطري وأرغفتي،

وخرائطَ لي.

وتوغل في نهش قوْسي

وإعطاب أمتعتي…

*

كأنّ وشاح السّراب يُوَشِّي سديم المدى

كأنّ مداه جراحُ الغياب ومَهْوَى الرُّؤى.

وما مِنْ ضمادٍ لِشَرْخِ شراعي

وأعمِدتي.

وما أوْقَدَتْ لي على الطّينِ أَيْدٍ

لِأَقتنِصَ البِشْرَ مِنْ وحشتي.

وما مِنْ يَدٍ أَسْرَجَتْ فَرَسي

لِأُعَمِّدَ صَرْحَ غدي.

وأبحث عنكم ،

عساني أُسَرُّ بمرأى المدى…

*

كأنّ صهيلَ السّراب سحابٌ يَسُحُّ الصّدى،

وهمْسُ التّراب شهيق شريد،

صَلاه الدُّجى  …

يقول:

" أَ يا مَنْ جَذَلْتُم بذاك الفحيح

وبسمةِ ذئبٍ عوى،

وقلتُمْ : " نراكَ غَوِيًّا،

وإنّكَ مِمَّنْ غوَى،

وإنّكَ رُغْتَ،

وما أيْقَظَتْكَ صُكوكُ الهدى… "

وقلتمْ : " أيا أرضُ!  طيبي،

حَبَتْكِ الحشودُ بِنُعْمَى،

وطوْقِ ندى،

ووجهُكِ بالوَجْدِ يَمَّمَهُ الباشقُ الْوَلِهُ،

وأنَّى تُصَدُّ له نَشَوَاتٌ وما قد نَوَى؟؟؟ "

*

وإنّي لَأَدْري

بِأنَّ النَّقِيقَ دعاه لِمَا قد هوَى …

وها قد رَضِيتُ بِمَا قد رَضِيتُمْ

مِنَ المنتدى…

وإنّي أَنَخْتُ نِيَاقي حِذاكُمْ

لِأَجْلِ السُّرى.

ولَسْتُ رَضِيتُ قُعُودًا،

ولَكِنْ نَضَيْتُ ثِقالَ الكُدَى…

***

بقلمي : هادية السالمي دجبي - تونس

 

هنا.. عليكَ أيضا أن تُصفّر

كما زوربا، حينَ داسَ على أوجاعهِ

ليماثلَ منطقها

يُعيدُ بالمصادفةِ لمسَ روحهِ بجسدهِ

عزلةً، اشتقَّ منها وحشةَ العالم

*

صفّ الضوءَ

وشيّدْ ظلّكَ جُملا

وتلالَ معنى

كأن الطيورَ باحةٌ لصوتكَ.

لا قطارَ سيصلُ

لا شجرةَ تثمرُ بالهدايا

ولا شتيمةَ تمحو كل هذا الدنسِ

انها الخلائق

والأشياءُ لتبطئَ

حتى تدخلَ في غرابتها اليك.

*

أنت الوتدُ

خيمةٌ تنتصبُ في أفق الأرضِ

أينما انبعث الترابُ

ليس هناك من ترابٍ حتى تصفَ السَّغبَ

فألقي بعصاكَ ساعةَ عُسرٍ

واهتدِ من حفيفِ الثوبِ لمحنتكَ

في قبضتها!

***

زياد كامل السامرائي

 

أيها العرّاف

اكشف لي

رؤياك كما هي

عارية من كل الاقنعة

لا تخجل من جرح خاطري

حدثني عن كل

الصباحات الممطرة

التي ماتزال رائحتها عابقة

إلى الآن

حدثني عن الخناجر الصدئة

التي ماتزال مغروسة في

جنب العراق

حدثني عن بغداد التي تبحث

عن جمالها في مرآة مكسورة

بعد أن هشمها التتار

لتختفي ضفائرها الذهبية

وعن قطاع الطرق

الانذال سرقوا حليها

وتركوا لها الامس

البارد في دياجير الليل

غريب هذا الزمن

يصافح الغرباء

احكي

لي

عن البصرة الفيحاء

عن الصمت المطبق

في ازقتها المهجورة

عن باعة الصحف

في دروب العشار المظلمة

عن الشعراء ندماء الشناشيل

والصيادون على شط العرب

يبحثون عن شيءٍ مفقود

قال العراف بعد

سكون يشبه

نهر أبي الخصيب

إسمع يا ولدي

أن الصدى بعيون قاتليك

كالقمر المحمر

ليلة الخسوف

فكن رومانسيًا

لتنجو ياولدي

من متاهات

وادي السلام

***

باقر طه الموسوي

 

إذا الشعبُ سَاَلَ وزاد النزيفْ

فلا بد للجُرح فَتْح المَـــمَرْ

*

ولا بد من ثـــــورةٍ للرصيفْ

تُسَجِّلُ حـــــاضِرها المُنْتَظَرْ

*

ومَن بعيونِ الظلام الكفيفْ

يَــرى..يَتَعَـــــــثَّرُ.. مهما عَبَرْ

*

ومَن بالنُفُـــــــوذِ يظلُّ يحيفْ

يَحُطَّهُ قَدْرًا كَـ(ضَفْعِ)* البَقَرْ !

*

بِغَفْلتِنا.. عُمْــــــــرنَا لن نَظيفْ

سوى عاش هذا الذي.. واحتَظَرْ!

*

تَعِبنا.. وأتعَبَنَــــــا كل (شِيفْ)

بمطبـــــخِ وَالٍ يُحِيـــكُ الخَبَرْ

*

فإن طال ليل الأسى يا رغيفْ

تَجيئُــــكَ ألف غَـــــدٍ بالسَّحَرْ

*

وإنْ سال بالغازِ دَمْعُ الضعيفْ

تَدَفَّـــقَ رِيفٌ.. وهــاج الحَضَرْ

*

فَتَبًّا لـِ(شَعْفَلَةٍ)*.. و(الوصيفْ)

وطــوبى لشــــعبٍ أَبِىٍّ كـَفَرْ!

***

محمد ثابت السميعي

......................

* ضَفْعِ: رَوَث البقر

* شعفلة:(رمز مبتكر) للسلطة والفاسدين

 

إلى متى أيها الأنامُ

يسوسُ أمرَكمُ الظلامُ

*

والشّمسُ من دونها نهارٌ

ملّ انتظارًا ولا يلامُ

*

إن عادَ أدراجَه فأضحىْ

بالبابِ من بعدهِ حِمامُ

*

لا يرقبُ الإذنَ بالدّخولِ

إذا ارتأى أنّه لزامُ

*

والنومُ إن طالَ يستحلْ مو

تًا ليس من بعده قيامُ

*

وما تعدّى النهار بابًا

مغلّقا أهلُه نيامُ

*

يا ساكني الليل لا تقولوا

لولاهُ ما بذّنا المنامُ

*

وإنْ ينُرْ قمرٌ أحطتمْ

به كأنكم الغمامُ

*

تخشون من سيفهِ وأنتمْ

في يدهِ الرّمحُ والحسامُ

*

فإن يثُرْ ثائرٌ فأنتمْ

له السّرابيلُ والسّهامُ

*

تعون إلحادَه وتمثا

لٌ كلّ يومٍ له يقامُ

*

فإن هوى زيلَ لا لشيءٍ

إلّا ليُبنى له مقامُ

*

تنسون آثامَه ورفعُ ال

قبورِ في نهجِكم حرامُ

*

و"حسبُنا الله" دونها في

كلّ فمٍ منكمُ لجامُ

*

تشكونهُ وإذا اختلفتمْ

أمسى له الحكمُ والكلامُ

*

فزال ما بينكمْ وعمّ ال

رّبوعَ في ظلّه سلامُ

*

والسّلمُ في ظلّه شقاقٌ

بين الأحبّةِ وانتقامُ

*

تشكونهُ وعلى المنصّا

تِ باسْمهِ البدءُ والختامُ

*

فإنْ مضيتمْ فمنه لا منـْ

كمُ التحيّاتُ والسّلامُ

*

وكلّ برٍّ لربّه حمـ

مادٌ ولو نالهُ القمامُ

*

والفضلُ عندكمُ لأفّا

قٍ باتَ في يدهِ الزّمامُ

*

ولا يلامُ سوى الأنامِ

إذا الظلامُ علا وناموا

*

وهل يلامُ على انفصامٍ

أصابَ أتباعَه إمامُ؟

***

أسامة محمد صالح زامل

 

إلى ياسر جرادي،

من أجل قابس

***

ليالي أشتية قابس القاتمة،

كان يتحدّاها فتات أضواء تنبعث بكلّ بطئ

من فوانيس "الكرنيش" المحتضرة،

وبعض وانعكاساتٍ خافتةٍ لمصابيح شبه بالية،

كانت تَنتثِرُ أمام نُزلي الشّاطئ الشّبه مهجور.

*

في الطّرف البعيد،

تتراءى أبراج الموت المتجبّرة،

مهيمنة بأدخنتها الشيطانيّة على شاطئ السّلام المخنوق.

*

مماشى الشّاطئ المحاصرة بالأشواك،

والملغّمة بزجاج قوارير السّخط،

وقمامات المتباكين على أوجاع المدينة المنكوبة.

*

"الكازينو" المليئ بذكريات طفولة مسلوبة،

آهات بحر مغدور،

قهقهات السّكارى،

صرخات نفوس مقهورة،

والغادر المارق يراقب بتكبّر من وراء الميناء المهترء.

*

في الألفين هَرَبتُ ياصاح،

أقصى "برشا" من ذلك البحر الذّي تلاقينا فيه،

وبقيت وحدك تغرّد عن أيكك

كالطّيور التّي كنت تعشقها،

وزدت عشقا بها في الكبر.

*

"ياسر" ربّما سأذاكرك من جديد

لسانا بكلّ براءة عشقناه.

"ياسر" ربّما سأساعدك من جديد

على تشفير مفردات " إيقاع الخنافس" و "ملوك الغجر".

"ياسر" ربّما سأسمعك من جديد

"حكمت الأقدار" و"إبيتاف" و"الضباب رماديّ"،

*

"ياسر" ربّما سأحدّثك من جديد

عن أب لم أكن قد رأيته بعد.

"ياسر" ربّما سنلعب كرة،

أحببناها فقرا في الصّغر،

وتنافسنا صخبا من أجل حومنا:

"الكنيسيّة" و "دشرة القاضي" مع باقي الحوم.

*

"ياسر" ربّما سنتقابل من جديد،

عندما نجهض على تلك السّموم الغَازِيَةِ

التّي أنبتها الأشرارفي مدينتك ووطنك وفلسطينك

التّي أحببتهم "ديما ديما"

رغم القهر وظلم البشر.

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

جامعة فيرجينيا

 

عُدتُّ يا غزّة،

وفي يدي مفاتيحي العتيقة،

وفي صدري أنينُ بيتٍ لم يبقَ له باب.

*

عُدتُ كما يعودُ الطّيفُ إلى ملامحِ المرايا،

فلم أجد سوى رُكامٍ يُحدّقُ بي،

كأرملةٍ فقدت وجهَ الحبيب.

*

أجلسُ على أطلالِ الذّاكرة،

أشمُّ ما تبقّى من خبزِ أمّي،

ومن عرقِ أبي،

ومن ضحكةِ إخوتي التي كانت تتقافزُ بينَ الجدرانِ كالعصافير.

*

كلُّ شيءٍ هادئٌ…

هادئٌ حدَّ الاختناق،

إلّا قلبي،

فهو ما يزالُ يتهجّى أسماءَهم في اللّيلِ كالأدعيةِ المنسيّة.

*

يا غزّةُ،

كنتِ في قلبي وطنًا بطعم قُبلة،

فصرتِ في العالمِ جرحًا بحجمِ صرخة.

*

كنتِ فراشةَ الحنينِ،

صرتِ رمادَها حين احترقَ الجناحانِ في لهيبِ البارود.

*

يا غزّةُ،

لو أنني كنتُ الجدارَ لاحتضنتُكِ حينَ مالَ عليكِ الحزن،

لو أنني كنتُ الشّمسَ،

لما تركتُكِ تُبردين في الظّلام،

لو أنني كنتُ المطرَ،

لسكبتُ نفسي على ترابكِ حتّى يزهرَ من جديد،

لو أنني كنتُ الرّيحَ،

لجمعتُ أنفاسَ أحبّتكِ من الأزقّةِ وأعدتُها إلى صدركِ.

*

لكنّي أنا…

أنا العائدُ ....

*

أجلسُ عندَ رُكامكِ

كمن يجلسُ عندَ أطرافِ قلبه،

أُحدّثُ الحجارةَ عن مواسمِ اللعب،

عن دفءِ المساءات،

عن رائحةِ البنّ التي كانت تغلي في المطبخ،

عن غناءِ أمّي وهي تُرتّبُ صباحاتِنا.

*

يا غزّةُ،

الآنَ فقط أدركتُ ،

أنّ الوطنَ لا يُفنى حينَ يُدمَّر،

بل حينَ لا يجدُ من يحلمُ به

كما نحلمُ بك...

*

عدتُ إليكِ،

عدتُ لأقبّلَ جبينَكِ المهدوم،

ولأقولَ ما زلتِ حيّةً،

فالقلبُ الذي يُحبّكِ

لم يزل ينبضُ تحتَ الرُّكام... فوق الركام...

***

مجيدة محمدي

(مرثيّةُ المدينةِ المُشتهى)

في البدءِ كانتِ المدينةُ نارًا،

تُقايضُ الريحَ بطفولةِ الظلالِ،

تسقي الأزقّةَ دمعَ النيونِ سَرًّا،

وتزرعُ تحتَ الجلدِ خارطةً شَرَرًا

*

كانَ علينا أن نُعيدَ ضياءَنا،

أن نبدأَ اللعناتِ من شررِ الضياءِ،

نسألُ الخرائطَ: مَن سرقَ المدى؟

فتجيءُ الشاشاتُ بإعلاءِ البُهتانِ

*

تعرجُ الريحُ من حناجرِ شرقِنا،

تُطيّرُ الخيامَ والأبراجَ والملحا،

جناحانِ من ورقٍ يخطّانِ المدى،

وأبجديةٌ تُسقطُ القِممَ نارًا

*

أُضرمُ نارًا من عودِ الحزنِ بَطَأً،

وأُسمّي ظلّي: وجهَ مَن لا يُنتمي،

أنقشُ اسمي في زجاجِ الفراغِ صَمَتًا،

وأصوغُ من خوفي قبيلةً مُفتَعَلَا

*

دُبيَ: تمثالٌ من قشٍّ محشوٌّ،

وسريرُها بينَ كثيبينِ يتمطّى،

والسقفُ سقفُ قصيدةٍ مُهجورةٍ

لم تُقرأْ، فاختفتْ في العمقِ كالصدى

*

كلُّ الحروفِ سقوطُ خطوةٍ فجّةٍ،

كلُّ الحراكِ جراحُ معنًى منطفِي،

يمينُها جسدٌ يُبدّلُ لذّتَهُ،

والبسرُ يسكبُ ذاكرةً في المقصفِ

*

ينفجرُ القفلُ، ينفجرُ الصمتُ المهذَّبُ،

الشعرُ والجنسُ والعطشُ إلى الرؤى،

يُفتّحُ كلُّ شيءٍ، ثم يُنفى القيدُ،

أقولُ: أُغري المؤتفكاتِ بصمتِي

*

لكنَّ الكلمةَ الميّتَةَ في الشفاهِ

ليستْ شِفرةً تُفكُّ إلا بفعلٍ

مُشتهى لا يُنتظرُ، لا يُرجى،

اكتبوا! لا تُقلّدوا الشكلَ المُبتذَلَ

*

ولا تنسخوا ضوءَ الحجرِ المُقفَّلَ،

من المحيطِ إلى الخليجِ لم أرَ

إلا صوتَ تصويتٍ يُقصُّ كالخبرِ،

الكلمةُ أخفُّ من جناحِ فراشةٍ،

*

وأثقلُ من قنبلةٍ تُنزَلُ في الليلِ،

الفعلُ لحظةٌ تمضي، تذروها الريحُ،

والكلمةُ زمنٌ من ملحِ الجرحِ إذا ما

جفا، وتركَ في الفمِ طعمَ البُعدِ المُريرِ

*

الكلمةُ يدٌ تُقبّلُ مفصلَ الرؤيا،

وأنا أكتشفُكِ، يا نارِ، يا عاصمتي،

يا من تُؤجَّلينَ في كلِّ صباحٍ،

أكتشفُكَ، يا شعرُ، يا شظفَ الغبارِ

*

يا سرَّ الندى، أُغري مدائنَ صالحٍ،

تلبسُني وألبسُها، نشرُدُ كالضوءِ،

نسألُ: مَن يقرأُ الآنَ؟ ومَن يرى؟

أثمّةَ مدينةٌ فوقَ الألمِ قد بَنَتْ؟

*

نعم، إنها مدينةُ المُشتهى المُؤجَّلُ،

في دُبيَ لا شيءُ يُرى كما هوَ،

كلُّ شيءٍ أقنِعةٌ، كلُّ شيءٍ بُهتانُ

*

الحديدُ ليسَ قوّةً، والحريةُ ليست نارًا،

والإلهُ ليسَ في المعبدِ المُقفَّلِ،

يتحوّلُ الجسدُ إلى سلعةٍ مُدجَّلةٍ،

*

والصوتُ إلى سهمٍ يُرسلُ في الظلامِ،

والظلُّ إلى طابورٍ يُساقُ للمحرابِ،

والزيتُ إلى مذبحٍ يُصلَّى بالدمِ

*

لا تُديني، بل أشهدُ اللغةَ على ما رأتْ:

أنَّ الحداثةَ ليستْ خلاصًا مُنتظرًا،

وأنَّ الجمالَ إن لم يكنْ حُرًّا،

يختنقْ في زجاجٍ مُغلقٍ كالقبرِ

***

د. سعد محمد مهدي غلام

 

بِلا جَسَدٍ أَتَيْتُ لِكَيْ تَرَانِي

شَفِيفًا تَعْكِسُ الرُّؤيَا افْتِتَانِي

كَتَمْتُ اللَّوْعَةَ الحَرَّى بِصَدْرِي

وَمِنْ فَرْطِ الصَّبَابَةِ كَمْ أُعَانِي

بَذَرْتُ الحُبَّ فِي الحُلْمِ حُقُولًا

مَتَى اخْضَرَّتْ سَتُدْرِكْ مَا اعْتَرَانِي

فَغَيْمَاتُ الهَوَى جَالَتْ بِقَلْبِي

فَهَلْ بِالغَيْثِ يُسْعِفُنِي التَّدَانِي؟

فَبَعْضُ الوَصْلِ يَكْفِينِي لِأَحْيَا

رَبِيعَ العُمْرِ فِي بَعْضِ الثَّوَانِي

فَطِينُ الأَرْضِ يَخْتَزِنُ الشَّظَايَا

وَمَاءُ الوَجْدِ يَشْهَقُ فِي كِيَانِي

كَأَنَّ الجَمْرَ مِنْ شَغَفِي مُعَنَّى

وَمِنْ وَجَعِي رَمَادُهُ كَمْ بَكَانِي

فَيَا مَنْ أَلْهَمَتْ أَبْيَاتَ شِعْرِي

وَكَانَتْ فَوْقَ إِدْرَاكِ المَعَانِي

جُبِلْنَا أَنْ نَكُونَ مَدَامَ عُمْرٍ

تُتَعْتِعُنَا المَوَائِدُ وَالأَغَانِي

يُجَمِّعُنَا الزَّمَانُ وَيَبْتَلِينَا

وَتُرْبِكُنَا المَوَانِئُ وَالأَمَانِي

فَهَلْ فِي الحُبِّ نَخْتَزِلُ الحَكَايَا

وَنَمْضِي فِي الهَوَى حَدَّ التَّفَانِي؟

نُذِيبُ اللَّيْلَ فِي وَلَهٍ وَنُصْغِي

لِمَا يُحْكِيهِ عَنَّا الخَافِقَانِ.

***

بقلم: سليمان بن تملّيست - جربة

 

لقد إكتشفت سرا صغيراً هذا الصباح وأنا أفتح نافذة غرفتي...

إن السر الذي أضاء في مخيلتي الصباحية كأنه ضوء إفترش نوره حتى وصل إلى أخمص سطور الورق ليصلك، وهو إنني لا أريد أن أسير بسرعة البرق في هذه الحياة وأنهك قواي الكتابية كباقي الناس حتى لو لم أصبح كاتبة في يوم ما... وإنما أريد أن أعيش اللحظة التي أنا فيها حتى تلك الأحداث الصغيرة التي لا يتوقف الناس عندها...

أريد أن أتنفس اللحظات، وأن أستنشق الثواني الحبلى بها...كما أريد أن أقفز من حواجز الماضي، وأن لا أفكر في سرب المستقبل...

إن العالم لا يعيش وإنما يركض بكل سرعته في هذه الحياة، ولا أريد أن أركض معه فقد تعبت حتى الرمق الأخير...

لا أريد أن ألتقط السراب في نهاية المطاف بقدر ما أريد أن أستريح لألتقط أنفاسي بشيء من أحرفي عند ذاك المقعد الأمامي تحت شجرة برتقالة التي أتوسد ظلها....

إن العالم يسير بذاك الاستعجال الحرفي الذي يشبه نوعاً ما لوحة مفاتيح التحكم في الأجهزة.. كأننا في حلقة مفرغة تدور حول نفسها ونكرر الأشياء نفسها في كل مكان...

إنني قررت أن أسير على مهل وأقطف المتع الكتابية والحياتية التي تبقيني خارج الضغط النفسي والحرفي...

كما قررت أن أكتب لك غزارة حديثي على طول فصل الحنين ونحن نقترب من فصلك الممطر..

***

مريم الشكيلية / سلطنة عمان....

 

أنا البائعُ في سُوق الأرواح، أفترشُ شظايا المدى، وأنصبُ خيمةً من دخانِ الأمل، وأنادي بصوتٍ لا يسمعه إلا الجائعون للضوء: من يشتري أحلامي؟

*

لي حلمٌ قديم، نامَ في عُشبةِ الوقت، يرتدي عباءةَ النيازك، ويحملُ في جيبه شمسًا صغيرة، كلما فتحها... احترقتُ أكثر.

*

ولي حلمٌ آخر، يجرُّ قدميه في المدى كأرملة، يبحث عن وطنٍ لا ينهشهُ الجوع، ولا يُقيم حدَّ الموتِ على الهواء.

*

أحلامي ليست للبيع، لكنني أبيعها، لأنّ قلبي لم يعد يتّسع لارتجافها، لأنّ الليلَ ضاقَ عن شهقتها، لأنّ الجفنَ ملّ زغاريدَ الفقد.

*

من يشتري حلمًا كان ذات يومٍ طفلةً تضحكُ في مرآة المطر؟ من يشتري حلمًا يكتب رسائلَ حبٍّ على زجاجِ قطارٍ لا يتوقّف؟ من يشتري حلمًا ظلّ يحرسه جنديٌّ ميتٌ على حدودِ الغياب؟

*

يا أيها العابرون في سوقِ اللهاث، يا تجّارَ الفجر المزيف، يا عشّاقَ الغد الذي لا يجيء، تعالوا… هاتوا لي وزنَ الحنين، هاتوا أكياسَ الشوق المفقود، هاتوا لي أعينًا لا تنام، أريدُ أن أزن بها أحلامي! هل تساوي حلمًا واحدًا قبلةً صادقة؟ هل يساوي آخرُ بيتًا من ترابٍ لا يُخيفهُ المطر؟ هل تكفي دمعةٌ واحدة لشراءِ الحلمِ الذي ماتَ في حضنِ السماء؟

*

أنا لا أبيعُ وهمًا، ولا أبيعُ دخانَ العدم، أنا أبيعُ ما تبقّى من إنسانيّتي في دُكاكينِ الحنين. أحلامي جرحى، لكنّها جميلة، كأطيافِ عاشقٍ ينتظرُ حبيبتَهُ من الحرب، كأنينِ أمٍّ تحفظُ أسماءَ أولادها في علبة دواء.

*

أحلامي… ليست زجاجًا، لكنها تتكسر، ليست ذهبًا، لكنها تُضيء، ليست سماءً، لكنها تحتضنُ العصافيرَ التائهة. فمن يشتري؟ من يشتري حلمًا يُنبتُ زهرةً في صدرِ الحجر؟ من يشتري حُلمًا يحلُم بي… أن أظلّ إنسانًا؟ من يشتري، قبل أن تُغلقَ السماءُ بابَها، ونبقى عُراةً من الحُلم... ومن الحياة؟

*

من يشتري؟ أنا آخرُ الحالمينَ في زمنٍ يتاجرُ بالكوابيس. أنا آخرُ النّداء.

***

بقلم : كريم عبد الله

بغداد - العراق

 

ونازعتُ الشُّجونَ بكلِّ وادٍ

أجاهدُ مكرَ أقوامٍ لئامِ

*

وجرَّبَني الزَّمانُ بكلِّ خَطْبٍ

فلَمْ تَوْهَنْ لشِدَّتِهِ عِظامي

*

ألستَ تَرَى بأنَّ اللهَ مُمْلٍ

لكلٍّ ما يُبادِرُ باعتزامِ

*

وأنَّ النَّاسَ أكثَرُهم لئامٌ

وما يُغْني اللِّئامُ عنِ الكرامِ

*

وأنَّكَ لا تَرَى إلا عدوًّا

يُداهِنُ أو صديقًا لا يُحامِي

*

وإنْ تَسألْ عنِ الدُّنيا تَجِدْها

كخَيطِ العنكبوتِ منَ الذِّمامِ

*

سئمتُ سِجالَها وضَربتُ عنها

بِصَفحٍ لا يَقُودُ إلى وئامِ

*

وجُلْتُ مَجالَها قَبْلًا فَهَبَّتْ

بكلِّ مهنَّدٍ عَضْبٍ حُسامِ

*

فتَرفعُ كلَّ ذي خبثٍ ولؤمٍ

وتَخفِضُ كلَّ وهَّاجٍ هُمامِ

*

وتُعْلِي مِن أسافِلِها رُؤوسًا

هُمُ الأذنابُ مِن تحتِ اللِّثامِ

*

بذلكَ سُمِّيَتْ للنَّاسِ دُنْيَا

وكم في النَّاسِ مِن خِبٍّ وَسامِ

*

فصَبرًا إنْ أردتَ بها بَقاءً

وأكثِرْ مِن جُنُوحِكَ للسَّلامِ

*

ورَبِّ النَّاسِ لن تَرضَى أُناسٌ

بِغَيرِ السُّوءِ يَضرِبُ كلَّ هامِ

***

حسن الحضري

شاعر وكاتب مصري

ما زالَ للشَّمسِ مهدٌ في رُوحِي

سَأستَرجِعُ ذاتِي

كَي يُعرِّشَ الآس

دَالياتُ الحبِ في قَلبِي

النَّدى يَقطرُ مِنْها

لا ترحَليْ أيَّتُها العَصافير

لنُكمل ترنيمةَ الصَّباحِ

الحُلمُ يُؤَرِّقني

رُويداً شَقائِقَ النُّعمان..

مَهلاً ياسمينَ الشَّام

مازال للحبِّ بقيَّــة

ما زال للأملِ بريقه

للفرحِ أُنشودتةُ

للبحرِ نوارسُهُ

سيبرق السُنونو رسائلَه

وينتفضُ السَّوسَن

ما زِلتُ على نافذَةِ الليْلَكِ

أَنتَظِرُ..

ولادة اليَمامَة

أتطرَّزُ جَناحَ حُلمٍ

فتتبعني الفراشات

***

سلوى فرح - كندا

 

حارَ المرءُ وجزّأَ في ساعةِ حُزنٍ ألواحاً سودا

إطفاءً لضميرِ الغيضِ المُندّسِ بأعراقِ السوسِ

خلاصاً من سُمِّ الروعِ وسلطانِ الإغواءِ

يا حسرةَ مَن أوفى الكيلَ وخانَ شروطَ الميزانِ

كَنّا جئنا دُنيانا لبلوغِ الجُبِّ الأزرقِ جريا

هل كافأَنا وحشُ الغابِ وباركَ مسعانا

لا أملُ في خَبِّ رِكابِ الخيلِ ولا وعدٌ يأتي عَجلانا

ما أنتَ ضميرُ ضمورِ الودِّ وتهريجِ الصوتِ العالي

لا خيرَ وقد بانَ الوهمُ الفاقدُ ألوانا

سأظلُّ أُلِحُّ على فقدِ البيتِ أصولَ الأهلِ

باعوني في سوقِ وداعِ الهِجرةِ بَخْسا

ما ضرَّ إذا ما أغضوا حلّوا أَضيافا

كنتَ الرافعَ تابوتَ البينِ الشامخَ رأسا ..

دارتْ طاحونةُ عُمرِ البلوى تلقائيا

طارتْ جابتْ أصقاعَ الدُنيا فَلَكاً دوّارا

يبحثُ عن معنىً في لغوِ المقهى والحانِ

الشمسُ الحمراءُ تُراقبُ قوّةَ دفعِ الريحِ العمياءِ

والقمرُ الطارقُ رجمُ خفايا النيرانِ

كرَّ وكرّرَ مرّاتِ الدوراتِ

أفقدني مِنظارَ العينِ وُغطّي أجفاني

راحوا فلماذا أبقى

ولماذا يمضي في مركبِ أضلاعِ الفِقدانِ

حتفاً ينسى أنَّ اللُقيا شأنٌ ثانِ !

الحاصلُ جَرْدٌ من كُلٍّ أبقاني

أتمرّدُ خلفَ حرارةِ دمعِ شرودِ الأوتارِ

أنسجُ للغائبِ في محرابي بيتا

وأُنقّحُ دربَ المُقلةِ في أدراجِ النسيانِ

لا وقتَ لمحرومٍ ضاقَ فكسّرَ في اللهفةِ أطواقا

يستصرخُ عُمقَ الحسرةِ في عينٍ دمعى

ويُجيبُ على تسآلِ الشاخصِ في دقِّ الطَرْقِ على البابِ

أحلمُ أنْ أنطُقَ من سالفِ عُرْفٍ حرفا

يُنهي حِقبةَ قلبِ الأوزانِ

يُدنيني من مَلكوتٍ غابَ يطوِّرُ في طينٍ جَذْرا

صدّقهُ مغرورٌ مقروحُ العينِ

يبكي الأوّلَ والآخرَ حتى قانونِ طلوعِ الفجرِ

الدمعةُ في المُقلةِ سلوى

مأوى شَفْةٍ تتلّوى ظمأى

ويُنادي وا .. وا .. يا ويلَ المتُسربلِ جِلبابَ الليلِ

سأُحِلّقُ فوقَ ممراتِ عقودِ الزيتونِ

لأَشمَّ خلائطَ عصرِ النكبةِ بالكافورِ

يضوّعُ كأساً رأسا

مضروباً بخروجِ مسارِ الخطِّ المرسومِ إيابا

ما آبتْ إلاّ بالكَفنِ الرافعِ تابوتاَ كفّا

تتكسّرُ ضِلْعاً أنفا

قالتْ لا رؤيا بعدَ اليومِ، بكتْ

صفَّ القلبً مساميرَ مجئِ الآجالِ

واستكثرَ أنَّ الرؤيا جاءتْ دمعاً رمليّا

أسعى لمحطّةِ أيواءِ الموتى مشيا

أستحضرُ ما كُنّا في الماضي ... أبكي

وألمَّ الرملَ دموعا

أشهدُ أنَّ القبرَ ضريحُ الحاضرِ والماضي والآتي

والداخلُ عيسى يُحيي أنفاسَ الموتى.

***

عدنان الظاهر

أُكتوبر 2025

نبحثُ

عمّن يشبهنا

لا لرغبةٍ

إلّا مواساةً

لأرواحِنا التي أجهدَها البحثُ

عمّن يشبهها

*

أحياناً

نَحظى

لكن عنادها

أرواحنا

الباحثة عمّن يُشبهها

يذرُ خلفَ خطوتها

مَن أهدتنا إيّاه

رحلةً محفوفةً بالفقدان

*

قالوا: "شبيهُ الشيءِ ..."

وحرصاً

أطلقتْ للرياحِ شهيقها

أنفاسنا

الباحثةُ عمّن يشبهها

*

لا أشبه أحداً

وما دمتُ

فلا أحدَ

يشبهني

***

إبتسام الحاج زكي

في قدحي دالية هجرها الحسّون

مُذْ بعثرها الصّدى

وغابة تنبتها ألوية الخريف

في المدى

لا فيْءَ في قدحي يرتوي به وجهي

ولا عنب أرتجي

يمتشق التّفّاح من كأسي

حساسين، ووجها يهَبُ النّدى

كأنّ "دانتي" في سراديب "جحيمه"

ألاقيه فأكتوي...

وإذْ يُطوِّق يديّ وجهُ " بلوتوس" بالدّجى،

يجرفني الأسى...

وأسأل البلّوط عمّن أجدب الوقواق

أغصانا تُظِلّهم

وأستفيض في السّؤال

عن سماء

كنت أقتات غراسها ...

**

أوّاه... يا من ترقصون فوق جرحي،

لِمَ تلقون قلادتي؟

ولِمَ تقبعون في ملهى الخريف،

تتلهّون بوحدتي؟

وتقفون زمنا على ضفاف الحلم

والموج وشاحكم.

لذت بكم، وما إليّ رجفت خيولكم

أو أظفاركم .

وليس أجدر من الظفر بحكّ الجلد

أو وسْم الأجنح .

يا من تهيمون بوجه اللّيل والغسق

حتّام شتاؤكم؟!!؟

و لِمَ في مجامر الموج تشدّون

رباطات جيادكم!؟

**

ها أقف اليوم، هنا، وحدي على ناصية الحلم

وأحلم...

وحدي أدُعُّ العالقين في جرابي

وأنادي في وحدتي:

يا أيّها العالق في كفّي!

أ ما تدري بأنّك

ستر حل؟!؟

يا أيّها العالق في كفّي!

أ ما تدري بأنني

سأشرق!!!!

***

بقلمي: هادية السالمي دجبي - تونس

 

إلى لؤلؤة العاصي الشهيدة

(حَماة)

***

وَمَدينةٍ

أرْختْ ضفائرَها

على الضَفَتيْنِ من نَهرِ الوداعةِ والتَبَتُّلِ والسلامْ

*

هَوَ نهرُها

عاصٍ يُسمّى دونَ مَعْصيَةٍ سِوى

عِشْقِ الصبايا في النهارِ براءةً

لا في دهاليز الظلام

*

وَتَؤمُّهُ عندَ المساءِ نوارسٌ

وَلَهُ مَواعيدٌ على ضَفَةِ الصباحِ بَهيّةٌ

كبياضِ ريشاتِ الحَمامْ

*

هو نهرها

عَشِقَ الكرامةَ فطرةً والكبرياءْ

*

لكنّ طاغيةَ العشيرةِ قلبهُ جرثومةٌ

تسطو كما العدوى وجائحةُ الوباءْ

*

هو نهرها

عاصٍ على ضبعٍ تسلّقَ سُلّماً في ليلةٍ مشبوهةٍ

حَمَلَ الضغائنَ كلّها متوعّداً أهلَ الكرامةِ

والتقى بالموتِ صبراً

حَدَّ أعتابِ الفَناءْ

*

هُوَ نهرُها

وَتَلوحُ مَعْصيةٌ به

لِسليقةِ الأنهارِ في دُنيا الأنامْ

*

فَمِنَ الجَنوبِ إلى الشِمالِ مُعاصِياً

بِمَسيرِهِ

لِسَجيّةِ الأنهارِ في أرضِ الشآمْ

*

لِيَشُقَّ (سَهْلَ الغابِ) مُرْتَجياً

عِناقَ الأبيضَ الروميَّ ذوباً

في أباريقِ المُدامْ

*

وَيَطُرَّ قلبَ مَدينةٍ سِحْريّةٍ

نصفينِ قد شَرِبا معاً

أمواجَهُ السكرى كؤوساً من غرامْ

*

غربيُّها يمتدُّ بحرُ الرومِ أزرقَ كالسماءْ

مُتوسّطاً في قلبِ عالمنا القديمْ

*

وسلاسلٌ جبليّةٌ حجبتْ

مدينَتَهُ عن اليَمِّ العظيمْ

*

وَصَدى الأوابِدِ في المدينةِ مثلُ

لحنِ كَمنْجَةٍ

تسري بها روحُ الوفاءْ

*

زُرْ (دَهْشَةَ) الدُنيا تَجدْ

أرقى أفاريزِ الرُؤى في بَهْوِها

وقبابِها تفدي بأزرقِها البديعِ

(أبا الفِداءْ)

*

وأكادُ أسمعهُ ينادي من بعيدْ

ياقلعةَ الدنيا (وَميْمَنةَ الجيوشِ) مهابةً

من زارَ قُبّتها وساقيةَ (الدهيشةِ) إنما

بلغَ المرامْ

*

فحماةُ مملكةُ البواسلِ والكرامْ

(وَأبو الفِداءِ) مَليكُها مُتَوَجّعاً

يُصغي الى وَجَعِ النواعيرِ الجريحةِ

يَوْمَ دارتْ مثْلما دارَ الزمانْ

*

أَبَكى عِمادُ الدينِ والدنيا كما بَكتْ

كُلُّ النواعيرِ الذبيحةُ بعدهُ

دمعاً بلونِ الأرْجوانْ؟

*

أمْ لَمْ يَزَلْ مُتَأبِّطاً قِرْطاسَهُ وَيَراعَةً

بظلالِ قلعتِهِ الأبيّةِ والنقيّةِ

من خطايا أو أثامْ؟

*

مُتوضّئاً تحتَ ظلالِ سيوفها وَمُدوّناً

(تقويمَ بُلْدانِ) الورى حتى بدا

جَبَلاً على وجه القمرْ

كوشاحِ عِزٍّ أو وِسامْ

*

هل كانَ قلبُكَ مثلُ قلبي شاهداً

شَهِدتْ بصيرتُهُ الفجيعةَ والخرابْ

وَرَأى مصيباتِ (الدَهيشَةِ) يَوْمَ

داهَمَها الضباعْ؟

*

وَيَقودُهمْ ضبعٌ خَسيسٌ إنّما

زوراً وَبُهتاناً يُسمّى

في قواميسِ التفاهةِ (قَسْورة)

ما أقذرهْ !

بشهيّةٍ حمراءَ يمتصُّ الدِماءْ

*

وَيَتيهُ منتشيا بأشلاء الجياعْ

وَيَلوكُ أفئدةَ الرجالِ ثمَّ أدمغةّ البنات

شَبَحاً كَغزّةَ يومها كانت حَماةْ

*

قَسَماً كَغزّةَ إنما غطّى ضحاياها الجُناةْ

أكبادُ صبيتها ونسوتها تقاذفها الرياحُ

عواصفاً شتى الجهات

*

والأجربُ المسعورُ ما بَرِحتْ لهُ

دنيا الفنادقِ والمصارفِ

في الولاياتِ هِباتْ

*

العارُ كلُّ العارُ لو فَلَتَ العُتاةْ

من قبضةِ الموتورِ أو حُكمِ القضاةْ

*

أَوَ لَمْ يَقُلْ من فوقِ سَبْعٍ

في القصاصِ لكم حَياةْ

*

لا شيءَ ألعنُ من طواغيتِ الزمانِ نذالةً

واسألْ قواميسَ اللغاتْ

***

د. مصطفى علي

 

ظلي الذي لا يشبهني

 يخترق ظله جسدي، فيصبح ظلي الأبدي، يرافقني حيث أكون، كأنه لم يرحل، بل سُجن في زوايا الروح المظلمة..

أما ظلي الذي لا يشبهني.. صار مثقلًا بالحنين.. أحيانًا تسبقني خطواته، وكأنه يعرف الطريق إلى الغياب أكثر مني.

حاولت أن أستعيد ملامحي القديمة، ولم أجد سوى ملامح لا تشبهني

أما خطواته، فكأنها صدى أيامٍ لن تعود ابدا.. حتى الضوء صار يخترقني بخفة، كأنه يخشى أن يوقظ ظلي من حزنه، أو يذكّرني بأنني ما زلت هنا…

وهو هناك.... حبريات جافة..

**

 وجع علاجه نشيد الوطن...

وجعٌ لا يرضى بالدواء..

وجعُ الرأسِ هذا…

عنيدٌ، مُترفٌ، لا يُشبه اي وجع، كأنّه لا يريد أن يزول، إلا إذا عُزفت له موسيقى تشبه نشيد الوطن.

موسيقى لا تُعزف إلا بأصابع أمي…

تلك التي كانت تهمس للحرارة أن تنخفض، وللقلق أن ينام، هو لا يريد حبة دواء،

ولا ضوء غرفةٍ معتمة، ولا كوب نعناع فاتر.

يريد أن تمسح يدها على جبيني، أن تهمس لي بكلمات لا أفهمها… لكن جسدي يفهمها.

يريد عطر يديها، دفء كفّيها، وصوتها وهي تقول:

"دلّلو.. "

بصوتها الذي كان وحده كافياً ليُطفئ كل نار.

لكنها بعيدة

والألم قريب...

***

د. نسرين ابراهيم الشمري

الكلُّ يضحَكُ في رقاعَهْ

دربي وأيّامي المُضاعَهْ

*

حتّى طُموحي الدَيْدُبانُ

أراهُ في كنزِ القناعَهْ*

*

ويطلُّ ماضيِّ الكئيبُ

يقولُ ما هذي الشناعَهْ

*

أنَسيتَ أنّكَ قد صبأتَ

وقد خرجتَ على الجماعَهْ

*

لَمّا سمحتَ لنفسِكَ العطشى

بحُلمٍ ما لهُ يومًا شفاعَهْ**

*

هَلّا حلِمتَ بأن تكون مُتاجرًا

أو تابعًا أو كالبضاعَهْ***

*

لتعيشَ عُمرَكَ هانئًا

في حانةٍ تُدعى الوضاعَهْ

*

فبها ترى الرهط الذينَ

بقربهمْ تَجدُ المناعَهْ

*

وتنالُ صفو العيشِ ما

دُمتَ المداومَ في الخناعَهْ

*

فبها سترقى منصبًا

وتحوزُ أوسِمةَ الشجاعَهْ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

في 10 تشرين أول 2025

.........................

* الديدبان: الرقيب

** البيت مدوّر

*** البيت مدور

 

حين تنسدل ضرائر العثرات سريالية متاعب، تتشابك أقنعة الظروف بأوجه القلق، يتسلق لبلاب الحزن مقصورات هفيف القلب، اجتياح مبرم، أحتضن نارجيل* العقل بأثير تفاهم، تتهافت بتلات الحواس على تشذيب الموقف، بلا أنصاف عقور، يتوقد رفيف الفؤاد أوبرا تفكر، أعتصر رئة التجارب لاستنشاق رحيق حل ظليل، يتأرجح كيد التخطيط لسد ثغرات غمامة الفكرة، تراودني أحجية كيف الحيرة، تقد قميص التساؤل زئير لكن ، لذا تركن بصيرة ترددي لتسونامي الذكريات، يتعالى صوت موسوعة أسلافي!!:لا ترمي كأس الموعظة بحجر التغاضي!!، أِشربْ نبيذ النصح بمقارعة وجوه الحكمة، لذا أمسك عقدة التدبر حتى يفلت من عنق التأزم شبه استواء ضنوني، ويتهاوى فتيل الشكوك لصفيف نصيحة، كي لا يرشقني سنان التخبط بنصل بسوس!!، وقبل أن توخز مدارات صمتي سبات خيبة، تلتهمني قشعريرة يقظة مترعة بمخيلة نباهة، طالما تُلهمني سماحة قناعة من أوركسترا الروح ، حينها تتهادى سرا زرافات الحلول على منصة الحسم، ولهاث نفسي أرخميدس** شعور، يلهمني نفير انفعال بذهن اصغاء التحدي، أُحيل ضجيج التلكؤ لحتمية ازاحة، تعلن بشارات التصدي سمفونية مشاعر، تدحض لسان المنطق تبر دليل ينطق: "وجدتها.. وجدتها*"، وحالما تطفئ لوعة القلق المتضور اللهفة، باستنارة تُفند لغز غوص يطفو صفوة نتائج، لذا أحلق على أتون المواجهة بدهشة سهولة.

***

إنعام كمونة

.................

نارجيل = شجرة جوز الهند

أرخميدس = عالم فيزياء يوناني مشهور بمقولة "وجدتها وجدتها"

 

يُروى أن قبل مئات السنين، في زمن لم تُسجَّل أحداثه في الكتب، كانت هناك قرية صغيرة يلفّها الضباب، كان الناس يتناقلون فيما بينهم همسًا عن غرباء جاؤوا في ليلة عاصفة. لم يعرف أحد من أين أتوا ولا إلى أين يقصدون، كانوا ثلاثة رجال بملابس بالية وعيون لا تنظر مباشرة في وجوه الناس.

 لم يتحدثوا مع أحد، واكتفوا بالمبيت قرب أطلال طاحونة قديمة مهجورة.

في الصباح التالي، وجدهم الأطفال مرميين بلا حراك، كأنهم سقطوا في نوم لا نهاية له، لم يكن على أجسادهم أثر دم أو جرح، فقط وجوه جامدة تشبه الأقنعة.

اجتمع أهل القرية حولهم مرتبكين:

من قتلهم؟

لماذا ماتوا جميعًا دفعة واحدة؟

هل جلبوا لعنة معهم؟

دفنوهم في طرف المقبرة، لكن الحديث عن هؤلاء الغرباء لم يتوقف، في كل ليلة، كان يُسمع وقع خطوات قرب الطاحونة القديمة، وأصوات خافتة تشبه الأنين، بعض الرجال أقسموا أنهم رأوا الغرباء الثلاثة يمشون بين الحقول، وجوههم بلا ملامح، يبحثون عن شيء ما لم يجدوه.  

مرت السنوات، وبقيت القرية تحمل اللغز، لم يُعرف سر موتهم، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من الطاحونة القديمة بعد الغروب، صار يُقال: إذا مررت بتلك الأرض، لا تلتفت خلفك… لأن القتلى الغرباء ما زالوا يسيرون هناك، يبحثون عن حقيقة موتهم.

وبعد سنوات من تداول الحكاية، كبر جيل جديد من أبناء القرية، وكان بينهم شاب اسمه حسن، جريء أكثر مما ينبغي، لم يكن يصدق قصص الجدات، وكان يسخر قائلًا: إنها مجرد خرافات لتخويف الأطفال من السهر.

في ليلة مقمرة، قرر حسن أن يثبت للجميع أن الطاحونة ليست سوى أطلال حجارة، حمل مصباحًا زيتيًا وتوجه إلى هناك وحده، كان الهواء ساكنًا بشكل غريب، والضباب يزداد كلما اقترب، عند الباب المتآكل، لمح ثلاث ظلال طويلة واقفة كأنها تنتظره.

ظنّها وهمًا من الضوء، لكنه حين خطا خطوة للداخل، سمع همسًا بلغة لم يعرفها، فجأة تحركت الظلال، وتجمّعت أمامه، ثم تلاشت تاركة وراءها حجرًا دائريًا في وسط الأرضية، محفورًا عليه نقش غريب يشبه دوامة.

حين لمس النقش، ارتجّت الأرض، وانبعث ضوء أزرق من الدوامة، فرأى حسن مشاهد غريبة: مدنًا لم يعرفها، أنهارًا من نار، وأصواتًا تناديه باسمه، عندها أدرك الحقيقة: الطاحونة لم تكن مكانًا عاديًا، بل بوابة بين عالم الأحياء وعالم الأرواح.

الغرباء الثلاثة لم يكونوا مسافرين ضائعين، إنهم حرّاس البوابة، الذين خانوا عهدهم وحاولوا العبور.

موتهم لم يكن موتًا، بل عقابًا: أرواحهم حُبست بين العوالم، تبحث عن بديل يفكّ قيدها.

أسرع حسن بالهرب، لكن منذ تلك الليلة تغيّر، كان كلما نظر في المرآة، يرى خلفه ثلاثة وجوه باهتة تحدق به.

 لم يبح لأحد بما رآه، خوفًا من أن يُتهم بالجنون، غير أن الشيوخ لاحظوا أن الطاحونة القديمة عادت تُصدر صوتًا خافتًا يشبه التنفس… وكأنها تستيقظ من سباتها الطويل.

***

الكاتب: شادي مجلي سكر

دخلت استوديو التصوير سيدة فارعة الطول ناعسة العينين تقترب من الخمسين عاما رشيقة القوام شديدة الاناقة. رفعت عباءتها وعلقتها خلف الباب الخشبي داخل غرفة مخصصة لتصوير زبائن المحل

متشحة بملابسها السود من رأسها حتى أخمص قدميها. نظرت في المرآة التي عكست صورة كاملة لجسدها. انتابها احساسان أولهما انها مازالت شابة ومتمسكة بأذيال الحياة تحب الموسيقى والرسم والتنزه في المروج الخضر أما روحها الثانية فهي مهمومة ومنكسرة بداخلها فقط. دون ان تبدي ذلك للناس وحتى لزوجها الذي هو بحاجة لمن يسنده ايضا

لكنها أدركت فجأة ان عليها أن تجهز نفسها ولا تظهرها اضحوكة للآخرين

الحياة تناديها والقمر ما انفك يغازل جفنيها.. واليأس يسحبها وأجنحتها المتكسرة تؤلم روحها... لديها حلم طويل تنتظره الى الأبد. تتناثر أمانيها مع أحلامها كل يوم ثم تبدأ في اليوم الثاني لترسم أحلاما جديدة

كان الجو يبدو ربيعيا وقد منح روحها شيئا من انتعاشه وعليها ان لا تبدو قلقة رغم شعورها ان قلبها منقبض. العواصف لا تهدأ داخل روحها رغم محاولاتها كي تتأقلم مع وضعها الذي أجبرت ان تتعايش معه

انفتح الباب الخشبي وظهرت عاملة الاستوديو. هل جهزت نفسها سيدتي أو تحتاج لمساعدة ما..؟

بأدب شديد اللهجة طلبت منها السيدة ان تقوم بمساعدتها في ترتيب وأناقة شالها الحريري. بذلت العاملة مجهودا لإقناعها بوضع حجابها مرتفعا قليلا عن عينيها الواسعتين الجميلتين كي تظهران بشكل أجمل في

إلا انها قطبت ما بين حاجبيها وأظهرت انزعاجها. مع شعورها ان العاملة ليست مخطئة لكنها لا تعرفها ولا تعرف شيئا عن مصدر حزنها ولكن. عليها ان تتحاشى من شفقة أي انسان

فتذكرت وجهه الأسمر وهو يبتسم لها وكأنه يقول لها. حذاري من الضعف... لاح لها وجهه في المرآة...فلوحت له وهي مبتسمة ثم أغمضت عينيها

احترمت العاملة صمتها وشرود أفكارها وكان عليها ان تنزوي جانبا واكتفت بالنظر اليها من طرف عينيها وهي مندهشة لتصرفها الغريب

أخرجت المرأة الخمسينية من حقيبتها اليدوية خوذة عسكرية مرقطة ووضعتها فوق شالها الأسود وهي تنظر للمرآة ثم طلبت النصيحة من العاملة ان كان وضعها مائلا لجهة اليمين أو ان تتوسط رأسها. فإيهما هو الوضع الأفضل. ازدادت دهشة العاملة لهذه المرأة ولغرابة تصرفاتها التي لا تليق بعمرها فحاولت ان تخبرها ان الخوذة المرقطة ستجعل الصورة غير لائقة ومنظرها غير مناسب للصورة البتة

الا ان المرأة أصرت ان تظهر الخوذة فوق شالها. مما أثار في نفس العاملة طرافة حكايتها. وربما شككت بعدم اتزان عقلها

حاولت العاملة ان تخنق نوبة ضحكتها بصوتها المسموع فهربت خارجة من غرفة التصوير الى واجهة المحل وطلبت من صاحبتها التي حضرت توا ان تحل محلها. كي لا تسبب للمرأة احراجا أو ربما تثير غضبها ثانية

دخلت صاحبتها وقد أصيبت بالدهشة عند رؤيتها للمرأة. نعم اتضح انها تعرفها وتعرف حكايتها فهي احدى قريبات أمها فأخبرت السيدة ان القبعة المرقطة منحت الصورة اشراقة وجمالا فما كان من السيدة الا ان تطبع قبلة على خدها. ومضت بعد استلامها وصل المراجعة في يوم آخر لاستلام صورتها

غادرت السيدة محل التصوير وما زالت تردد هامسة مع نفسها لن أنساك أبدا من الغسق وحتى آخر نهار في عمري ستبقى حبيبي الى الأبد ولن يفرقنا سوى الرمس

انزوت العاملة مع صاحبتها وأخبرتها على الفور حكاية هذه السيدة. ان هذه الخوذة المرقطة طالما ارتدتها في مناسبات عديدة وحتى في دارها أحيانا. وانها تعود لأبنها الوحيد الشاب الذي اختفى قبل عدة أشهر ولم يحصلوا حتى على جثته في معسكر (سبايكر). كما يسمونه

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

2/ 10 / 2014

كل شــــيءٍ في بلادي

تَصطفيــــــهِ أحـــرُفي

*

تكشف المستـــور فيهِ

تُخْـــــرِج الحق الخفي

*

تَملـــؤ الأزهار عِطـــرًا

بربيـــــــــعٍ تَحتـــــفي

*

كل شــيءٍ في حُروفي

في اتِصــــــالٍ بيْ يَفي

*

كــل إبــــــداعٍ أتــــاكمْ

سَطَّــــــــــرَتْهُ أحـــرُفى

*

غير أَنَّي في اعْتِــــرافٍ

أنَّ حــــــــــــقي مُنتفي

*

بين كَبْتٍ فى الصحافةِ

وحِصــــــــاري المعرفي!

*

كيف غاب الوعي عنكمْ

مَنّ تُرَى لــي مُنصفي؟!

*

بين عَقْــــــلٍ للصحيفةِ

واعتِقــــــال الصحفي

*

أيهــــا الســـادة عفــــوًا:

لا.. لِـــــحَبْس الصحفي!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي

٢٠٠٧م

 

تتبدّلُ الأشياءُ كما لو أنَّها تجرِّبُ وجوهَها على مهلٍ،

تستبدلُ ألوانَها كما تستبدلُ الغيومُ رغبتَها في المطر.

كأنَّها لا تثقُ بالثباتِ،

ولا بالإنسانِ الذي يُراودُها عن أسرارِها.

*

الأكوابُ التي شربتَ فيها نسيانَك،

صارتْ تنظرُ إليكَ بشكٍّ،

كأنّها تشكُّ في صدقِ عطشِكَ،

وجهُكَ الذي تعرّفُه في الصباحِ

يُصبحُ غريبًا مع المساءِ،

عينُكَ تكذّبُ مقلتها،

والمرآةُ تصيرُ نصًّا آخرَ عنك،

نصًّا كتبهُ الغيابُ بالحبرِ المعكوس.

*

كم مرّةً خُلِقتَ من رمادٍ لم يكنْ رمادَك؟

كم مرّةً انقلبتَ على ذاتِك كما ينقلبُ البحرُ

على نبوءةِ الريح؟

كم مرّةً أعدتَ ترتيبَ خرائطِ قلبِك

لتكتشفَ أنَّ الجهاتَ استقالتْ من مجالها ؟

*

الأشياءُ لا تموتُ...

إنّها فقط تُبدّلُ عاداتِها في الحياة.

الكرسيُّ الذي شهدَ انهيارَك الأوّل،

يُصافحُ الآنَ ضحكتَكَ ببرودٍ،

والبابُ الذي صدّكَ عن الدّاخلِ،

يستضيفُ اليومَ حضورك الباهت.

*

كلُّ شيءٍ يختبرُك.

حتى الريحُ التي مرّتْ على كتفِك،

كانتْ تُجرّبُ معنى اللمس.

كلُّ شعورٍ يشيخُ حينَ يُسمّى،

وكلُّ رغبةٍ تُصبحُ حذرةً حينَ تُقال.

*

في دورةِ الأهواءِ،

تتبدّلُ المسافاتُ بينَ الحنينِ والعزوف،

بينَ الاحتراقِ والبرود،

كأنَّك صرتَ مقيمًا في منفى الأضداد،

لا أنتَ فيك،

ولا ما حولكَ حولَكَ.

***

مجيدة محمدي

أتى زمنٌ فيه المقابرُ أصبحتْ

جنانًا يُباري كي يطاها الغِنى الفقْرا

*

فإمّا بموتٍ فيه راحٌ لأنفسٍ

تغالبُ في قبرٍ يُنغّصُها القهْرا

*

وإمّا بعيشٍ للطّريد الذي غدا

يرى كلّ قبرٍ مُبتنى في العرا قصْرا

*

ألا إنّها الدُّنيا تناديْ الهوى بنا

فيُتبعُها رغْبًا بما عِندها العُمْرا

*

يقومُ لها بل للذي عندها الضُّحى

ومن بعدهِ الظهرَ الذي يسحبُ العَصْرا

*

ويحرِمُ محرومًا هو الرّاحُ ما لَهُ

لِتملكَهُ دُنيا يُمَلِّكُها الفِكْرا

*

وما أنْ يُنادي الفجرُ حتّى يهبَّ كي

يُصّلي لربّ الكونِ من أجلِها الفجْرا

*

وما بين إصباحٍ وآخرَ ينزعُ الـ

الحيا علّها تُعطي فتَسْتَحْضِرُ الصّبرا

*

يبيعُ لِترضَى عنْه أهلًا وصُحبةً

ويزدادُ كبرًا لو نما ظلُّهُ شِبرا

*

وتُسكِرُهُ بالأُمنياتِ كؤُوسها

وعودٌ إذا ما اسْتُحْسِنَتْ أورثتْ حَقْرا

*

وخمْرُ الأمانيْ في كؤوس الوعودِ في

رهانِ الكؤوسِ لا مثيلَ لهُ خَمْرا

*

يمرُّ الصّبا سكرى لياليهِ بالهوى

الذي أسْكَرتْهُ أمنياتٌ روَتْ كِبْرا

*

وما أكذبَ الدُّنيا وما أسذجَ الهوى

إذا وعَدَتْهُ واحتفى بالهُرا صَدْرا

*

كحالِ شروقٍ يحتفيْ الغربَ كلّما

افترىْ قائلًا أنْ في غدٍ يُطلِقُ الفجْرا

*

فلا الغربُ يُوفي بالوعودِ ولا الأخُ الـ

غريرُ اهْتدى والعُذرُ يَسْتَخلِفُ العُذرا

*

مُضيَّ الصِّبا يمضيْ الشّبابُ وكاسُه

هوىً كاسُه المُثلى فِرىً تُفترى جَهرا

*

كحالِ بلادٍ أنكَرَتْها دِماؤُها

ولمّا تزلْ مِنْ ذي الدِّما ترقُبُ النّهْرا!

*

فلا النّهرُ جارٍ في سبيلِ خلاصِها

ولا دَمُهَا فيهِ دمٌ يبْلُغُ البَحْرا

*

يُشيبُ الهوى عمرُ الأماني وكاسُه

تصيرُ كما لو أنّها قُدِّمتْ صُفْرا

*

ونجهلُ لو يومًا عزونا مشيبَه

لشيبِ سنينٍ لا تشُدُّ له أَزْرا

*

ونصْحو ولا يصْحو هوىً راحَ عهدُهُ

فنحفرُ في بَرِّ الصّدورِ له حفْرا

*

وحين تبيتُ الأمنياتُ بلا هوىً

تخيرُ الدِّما فينا لتحْيا بِها جمْرا

*

ونمضيْ وتبقىْ الأمنياتُ وجمرُها

بهِ يكتويْ من بعدِنا ذكرُنا دهْرا

*

أكانَ سَيُرْضيْ ما انطوى من هوىً لها

بِنا أنْ تظلَّ الأمنياتُ به سِرّا؟

*

أكانَ علينا قهرُهُ قبل وأدِنا الـ

أمانيْ وحفرِ المسْتحيلِ لها قبْرا؟

*

أكانَ عليْنا أنْ نصلّيْ وندعوَ الـ

سماءَ فلا تُبقيْ لنا بعدَنا ذِكْرا؟

*

دروسٌ أمانينا لآتينَ خلْفنا

ولولا الهوىْ ما كانَ للدّرسِ أنْ يَطْرا

*

ومن يُبتلى من قلّةٍ قرأَتْ بما

اقْتراهُ فلا تثريبَ إنْ حصَّل الصِّفْرا

*

فإنّ هوىْ دُنياهُ مُنسيهِ ما رآ

هُ إلّا إذا بذَّ الهوى مُسْتنصِرًا صَبرا

*

ألا إنّها الدُّنيا وهذي فِعالُها

و نظلِمُ إذْ نعزو لأزمانِنا الشَّرّا

*

ألا إنّها أهْواؤُنا وفعالُها

ونظلِمُ إذْ نعزو لغيرِ الهوى الخُسْرا

*

ألا إنّها الصُّغرى وهذا لهيبُها

وجهلًا نُساويهِ بما أخْفَتِ الكُبْرى

***

أسامة محمد صالح زامل

اطمئني، يا نجمةً فارهةً بحمرةِ الشفق،

ما عاد الهدهدُ بأحاديثِ الرسل

ليُخضّب يدَ القدرِ بحناءِ أوزاركِ

وانشقي عن مزاجِ العشيرة

وأنتِ تؤدين صلاة العودةِ بتأويلِ الخاتمة

*

مرحى!

اشتعلتِ الظلاماتُ في نهاراتِ الأزهار،

وللمؤجل من شرابكِ

ترنّحت الكؤوسُ سهوًا،

وإن أفرطتْ،

ستعبرُ البيولوجيا،

وإن توقفتْ،

ستعدو النجومُ فرادى وهي تحمل

أوزارَها بنكهةِ الكون

*

مرحى!

سرق الغصنُ ما تبقى من البحر،

والزورقُ هناك، في أسى الكناري،

يَتهنى بالشبق

فعلامَ تُخضّبين الأيدي بتأويلِ الخاتمة؟

كي توغلي في الضياعِ بثمنٍ بخس،

أم لتفوحِي بالتراجيديا انتظارًا للوحي؟

*

أعذريني، يا السابحةَ في شبابيكِ البلاغة،

البنفسجُ في شفاهكِ

شاطئٌ تاه منه نهرُه،

وثلوجُ قلبكِ

بحرٌ وأفقٌ للنوارسِ المغتسلةِ بالشعر.

المطاراتُ ما زالتْ

تمارسُ آثارَ الثمالةِ بتروٍّ،

فهل ستسمحين لعصافيري بالهبوطِ عندكِ؟

*

بوسعنا الآن

أن نمزق القميصَ الزيتونيَّ للحزن،

ونحظى بعُريه وهو يتأوه،

ونُمارس بالمُكحلِ من اللحظات... سَفرَنا،

ونحن نُهلل بالصافراتِ

للساقطين عشقًا،

وإن صاح الإمامُ "يا للهول... يا للهول!"

*

وبوسعِ المحظوظين

استساغةُ اللحظةِ،

سيقولون: إنها خمرٌ مُجترَح،

وربما صلصالٌ احترق في يدِ الرب

ثانيةً وسنةً ضوئية

ومن لم تُؤاتهِ الفرصة

سيقول: كويكبٌ عنابيٌ

أفرطَ في الشرب!

*

اهديني هذه المجراتِ الساهبة،

بمقدورِ النارِ التشيعُ

في الكؤوسِ المُترنحة،

وأنا مسافرٌ في كُحلكِ الأسود... للمؤجَّل،

أتأملُ الفائتَ مُزدانًا بعُرسِ النجوم،

أتأملُ انشطارَ النارِ

احتفالًا بالمَولدِ الشبقي

أقسم إنها التفاتةٌ أخيرة،

ومن بعدها، إنِ التفتُ

سأقطعُ رقبتي!

***

حسين محمد خاطر - كاتب روائي وشاعر من السودان

 

مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهَا

تَدْرِي بِمَا يَصْبُو لَهُ

أَوْ أَنَّهَا

اِنْكَشَفَتْ لَهَا

أَسْرَارَهُ

مُنْذُ اِلْتَقَاهَا صُدْفَةً

فِي مَسْرَحٍ يَرْتَادُهُ

مَشَيَا مَعًا

وَمَضَتْ سَرِيعًا رِحْلَةُ اَلْأَيَّامِ،

وَهْوَ  يُمَوِّهُ

وَيَظُنُّ دَوْمًا أَنَّهُ

لَا تَكْشِفُ اَلْأَيَّامُ يَوْمًا سِرَّهُ

حَتَّى أَتَى وَقْتٌ غَدَتْ أَيَّامُهُ

غَرْقَى بِحُزْنٍ يَسْتَبِيحُ كِيَانَهُ

جَاءَتْ إِلَيْهِ تَحُثُّهُ

أَنْ يَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا

أَنْ لَا تُفَارِقَ ظِلَّهُ

**

كَشَفَتْ لَهُ أَوْرَاقَهَا، لَكِنَّهُ

مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ

قَدْ خَبَّأَتْ أَيَّامُهُ

لُغْزًا لَهُ

وَبِأَنَّ وَسْوَاسًا لَحُوحًا

صَارَ يَحْكُمُ خَطْوَهُ

فَتَخَاصَمَا

وَتَلَاسَنَا وَتَبَرَّمَا

كُلٌّ يُعَيِّرُ خِلَّهُ

فَمَضَى وَحِيدًا دُوُنَهَا

وَمَضَتْ بَعِيدًا دُوُنَهُ

وَاَللُّغْز ضَاعَ وَضَيَّعَا

مَاذَا اِحْتَوَتْ أَسْرَارَهُ

**

شعر: خالد الحلّي

 

نزلتُ ساحتَها،

أبغي الرِّهانَ إذا

غابَ الحُداةُ،

وناءتْ بالهوى الإبلُ

*

يا حاديَ العشق،

مَنْ يُغنيكَ هائمُهُ

عنْ هائمٍ غابَ؟

فاشتدَّتْ بنا العِلَلُ

*

إنَّ الغرامَ الَّذي

قد ضَلَّ مُغرَمُهُ

طريقَهُ

تاهَ،

والهُيَّامُ قد أفلوا

*

فأرَّقتْني

بناتُ النَّعْشِ

قافلةً

مرَّتْ عليَّ،

ونارُ الشَّوقِ

يشتعلُ

*

أمستْ حروفيَ

نُدمانيْ؛

ليُسكرَني

طيفُ الخيالِ،

أساقيهِ،

وأنتهلُ

***

عبد الستار نورعلي

لثقل ما أحملُ من الطموحات

كنتُ أسيرُ واقفاً

فهي أثقلُ من قدرة ظهري على التحمّل

ومخافة أن تنخسفَ الأرضُ تحتَ قدميّ

كنتُ أوزّعها بالمجان على هواة جمع الطموحات

شعاري: (طموحاتي في خدمتكم)

أينما كنتم تنزلْ بالمظلة على رؤوسكم

لا حذرَ من حَملها في الجيوب

او على الظهر

فهيَ غيرُ معرّضة للكسر

وما دامتْ لا تؤكل

فهي لا تتسببُ بزيادة الوزن

طموحاتٌ بمختلف القياسات والألوان

تصلحُ لكلّ الحالات

من دون أعراضٍ جانبية

**

وعلى الرغم مما استهلكتُ من طموحاتي

فالباقياتُ منها فاضتْ عن حاجتي

ولم تعد تستوعبُها أقفاصي

فقد كانتْ لا تكفّ عن التكاثر

لذلك فتحتُ لها الأبواب

وأطلقتُ فراخَها

تتعلمُ الطيرانَ خارجَ الأقفاص

**

أليومَ صارتْ أوهى نسمةٍ تحملني للبعيد

فلم أعد مُثقلاً بطموحاتي

لقد أفزعتها نيرانُ الحروب

فطارتْ بعيداً

وكمن استيقظ فجأة من النوم في قطار مُسرع

فتذكّرَ أنه نسيَ نفسه داخلَ حقيبته في المحطة

رحتُ أبحث في صندوق العاديات

عن ما أبقته ليَ العثّة من الطموحات

لأعيد ترميمها

على أمل أن أمكّنها من الطيران

ولكن عبثاً

فترميمُ الأجنحة الكسيرة

لا يضمنُ للطيور الميتةِ الطيران

***

شعر: ليث الصندوق

.........................

اللوحة برشية الشاعر

حُـــثّوا خطاكم وعيشوا وحدةَ الوطنِ

فــفي التـآلفِ، تـكـبو شِــدةُ المِـحَــنِ

*

صَـفّــوا الـنّـوايـا، فللـتاريــخ قـولـتُـه

في صفحة الدُّرِ أو في صفحة الدَّرَنِ

*

لا للتـطـرُّفِ والـتهـريـج، فـي خَـوَر

فَـساعـةُ الحَـسْم تـدعـوكم الى الفِطنِ

*

تأبـى الأصالــةُ إلاّ أن يــكـون لـهـا

كفٌّ تصولُ بها في المَركِب الخَشِن

*

(فرّقْ تسُدْ) فعّـلوها فـي صفـوفِـكم

حتى سَـقوْكـم بها كأسـا من الوَهَـن

*

إلامَ  يـبقى الخلافُ المُـرُّ مُنـتجَعـا

تـسقـيـه سِرّا افاعي الغَـدْر بالفِـتن

*

لو لم يرَ الطرفُ الغازي تَـفـرّقَكم

مـا كان فكّـرَ فـي غَـزْوٍ، ولم يكُنِ

*

تَـعْـدو الذئـابُ اذا الأسوارُ غائـبة

والعينُ في غفلة تشكو من الوَسَن

*

إنّ التخلفَ في التسْـييس مَنقصَةٌ

تُجَرِّئ النّذلَ في سِـرٍّ وفي عَـلن

**

(على وزن البسيط)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

كتبت في 2015

(عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ خافِقٌ)

نَبكي عَلى الدُنيا ،

وَما مِن مَعشَرٍ

جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم

يَتَفَرَّقوا

"المتنبي"

1.

كَأَنَّنِي فِي مَجَازِ الكَوْنِ: أُغْنِيَةٌ تُرَقِّصُ اللَّيْلَ، تَسْرِي فِي كُلِّ مُنْفَلَقِ

مَا زِلْتُ أَزْرَعُ فِي أَحْلَامِنَا؛ وَطَنًا يَزْهُو بِالحُبِّ، يُرْوَى بِرِيْقِ الحَبَقِ

تَعْبَثُ الرِّيَاحُ بِآمَالِنَا؛ سُدَفًا تُغَطِّي المَدَى خَشْيَةً مِن زَحْفِ مُنْزَلَقِ

نَحْنُ: الَّذِينَ نَسِيرُ فِي سُهُولِهِ عَلَى الرِّيَاحِ: الَّتِي تَحْتَقِنُ بِالوَسَقِ

2.

نَبْغِي السَّلَامَ، وَلَكِنَّ الخُطَى وَهَنَتْ كَأَنَّهَا فِي دُجَى الأيَّامِ لَمْ تَثِقِ

كَأَنَّ فِي كُلِّ أَلَمٍ: ظِلَّ أُغْنِيَةٍ تُعِيدُ لِلْعُمْرِ: حُلْمَ الوَصْلِ وَالرَّوْنَقِ

3.

تُنَاجِي النُّجُومُ إِلَى لَيْلِ الهَوَى: أَرَقًا كَأَنَّهَا تَتَهَاوَى فَوْقَ مُنْطَلَقِ

وَالذِّكْرَى بَيْنَ أَحْضَانِي: تُنَادِينِي كَأَنَّهَا نَايُ شَوْقٍ يَسْبِي المُحْتَرِقِ

4.

مَا زِلْتُ أَمْضِي عَلَى دَرْبٍ: أَرَاهُ ضِيَاءً يَرْوِي حُكَايَاتِنَا فِي صَفْحَةِ الخَرِقِ

"لَارَا"! كَأَنَّكِ نَبْضٌ فِي مَرَافِئِنَا يَلْمَعُ كَضَوْءٍ بَعِيدٍ، دُونَ مُرْتَفَقِ

أَرَاكِ نَجْمًا تَهَاوَى فِي مَدَارَاتِهِ يُرْوِي الرَّوَايَا، لِبَحْرٍ ضَاقَ بِالغَرَقِ

يَا مَن كَتَبْتُكِ عِطْرًا فَوْقَ أَوْرِدَتِي كَأَنَّكِ النَّدَى: فِي نَهْرٍ مِنَ العَبَقِ

نَقَشْتُكِ ضَوْءًا فَوْقَ مَفْرِقِي كَأَنَّكِ الشَّمْسُ: فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّرَقِ

نَقَشْتُكِ حُلْمًا فَوْقَ أَضْلُعِي كَأَنَّكِ الشَّوْقُ: فِي أَنْفَاسِ مُحْتَرِقِ

5.

كَيْفَ الفِرَاقُ، إِذَا طَافَتْ بِنَا صُوَرٌ تُعِيدُ العِنَاقَ: بِدَمْعٍ لَاذَ بِالقَلَقِ

"لَارَا"! قَدْ تَرَكَنَا الوَقْتُ: مُنْهَزِمًا وَالذِّكْرَيَاتُ تُرَاوِدُ المَيْنَ: بِالشَّفَقِ

لَهْفِي عَلَيْكِ، إِذَا بِقِيتِ تَسْأَلِينَنِي وَالنَّاسُ بَيْنَ فِرَاقٍ زَاحِفٍ، وَرَقِ

يَا "لَارَا"! قَدْ تَرَكَنِي الدَّهْرُ غَارِقًا فِي ظِلِّ نَايٍ يُعِيدُ النَّوْحَ بِالطَّرَقِ

"لَارَا"، أَنْتِ مَسْكُ القَصَائِدِ الَّتِي سَكَنَتْ فِي قَلْبِ شَاعِرِهَا، كَالتَّوْقِ فِي الحُرَقِ

يَا "لَارَا"، إِنَّ قَلْبِي فِي وِدَاعِكِ مُتْعَبٌ كَأَنَّهُ لَيْلُ الهَوَى يَشْكُو مِنَ الأَرَقِ

وَأَنْتِ نَبْضٌ عَلَى أَوْتَارِ قَافِيَتِي كَأَنَّكِ النُّورُ فِي ظُلْمَاتِ مُنْسَلَقِ

كَأَنَّ كُلَّ جِدَارٍ كُنْتُ أَلْمَسُهُ يُعِيدُ صَدًى مِنْ رُؤَاكِ فِي الأَبْرَقِ

هَلْ لَكِ أَنْ تُعِيدِي الوَصْلَ، يَا نَغَمِي، يَا مَنْ عَلَى جَفْنِ رَوْقِي زَهْرُكِ الشَّبِقِ

أُعِيدُ نَسْجَ أَيَّامِي، لِأَسْكُنَهَا كَأَنَّنِي طَيْفُ وَجْدٍ: نَازِفِ النَّزَقِ

6. 

وَفِي دَمِي مِنْ عَبِيرِ الفَقْدِ: قَافِيَةٌ تَشُدُّ أَوْتَارَ شَوْطِي، فَنَحُو مُنْطَلَقٍ

وَفِي دَمِي قِصَصٌ مِنْ زَمْنِنَا ارْتَسَمَتْ تُدِيلُ حُلْمَ اللِّقَا، وَصَوْتًا لِمُخْتَنِقٍ

وَفِي فَمِي غُصَصٌ مِنْ زَمْنِنَا انْحَسَمَتْ تُعِيدُ حُلْمَ اللِّقَا، فَنَبْغًا مِنَ الخَرِقِ

وَفِي دَمِي حُلُمٌ نَازَفْتُ مَطْلَعَهُ يُشْعِلُ الأَحْرُفَ، فَأَطْيَارًا مِنَ الخُرُقِ

7.

وَ"العِرَاقُ"! الَّذِي فِي القَلْبِ أُغْنِيَتِي، عَلَى الجِرَاحِ يُنَادِي، فَصَوْتَ مُعْتَنِقٍ

وَ"العِرَاقُ" فِي قَلْبِي، مَا سَامِعُهُ تَشْكُو جِرَاحًا بِصَمْتٍ، يَنْبَعُ الشَّرْقِ

وَ"العِرَاقُ"! ذَاكَ الَّذِي أَرْبَى بِجُرْحِهِ، يُغَالِبُ القَهْرَ، فَالنَّاسُ فَتَشَقُّقٍ

وَ"العِرَاقُ" يَبْكِي؛ دَمَ العُمْرِ مُنْهَمِرًا عَلَى جِرَاحٍ، فَطَيْفَ مُفْتَرَقٍ

8.

مَا زِلْتُ أَمْضِي إِلَى دَرْبٍ: يُكَلِّلُنِي بِالحُلْمِ تَحْتَ نَجْمٍ، فَطَارِقٍ أَلِقٍ

9.

وَفِي "الأَنْدَلُسِ" قِصَصٌ تَحْكِي مَآسَاتَنَا وَ"المُعْتَمَدُ"! يُعَانِي النَّفْيَ، إِلَى زَنَقٍ

وَفِي دُرُوبِ الأَنَاةِ: "الأَنْدَلُسِ" مَضَتْ أَيَّامُ مَعْمُورَةٍ، فَتَشْكُو لِمُنْفَرِقٍ

10. 

تَحْكِي يَدِي فِي دُرُوبِ النَّوْءِ؛ قِصَّتَهَا كَأَنَّهَا الرُّوحُ فِي بَحْرٍ مِنَ الفَرَقِ

11.

وَ"غَزَّةُ"! تَبْكِي فِي جِرَاحِ مَرَائِيهَا وَالدَّمْعُ شَلَّالٌ، وَالأَحْزَانُ فِي الْمَزَقِ

12.

أَنَا الرَّفِيقُ؛ الَّذِي يُصْغِي لِأُمْنِيَةٍ مِنَ الغِيَابِ، تُرَدِّدُ البَوْحَ لِلشَّفَقِ

13.

وَفِي دَمِي مِنْ نَسِيمِ "الأندَلُسِ" ارْتَحَلَتْ أَحْلَامُ عِشْقٍ تَوَارَتْ، فَعِنْدَ مَفَارِقِ

14.كودا

( إيقاع حرّ / نثري مموسق)

هَا قَدْ تَشَظَّى هَوَايَ فِي غَمَامِهِ، وَالقَلْبُ يَسْكُنُ: أَحْدَاقًا مِنَ الزَّرَقِ

هَا قَدْ تَنَاهَى جَوَابُ العُمْرِ، يَنْظُرُنَا، وَالرُّوحُ تَسْبَحُ فِي عَالٍ مِنَ الأُفُقِ...

***

د. سعد محمد مهدي غلام

في عمق الصمت يولد المعنى وحيث يولد المعنى يُكتب الوجود ذاته

لَمْ أَكْتُبْكَ كما يَكْتُبُ العاشقونَ اعترافاً

بَلْ كما يَكْتُبُ النبيُّ دهشتَهُ الأولى

حينَ يكتشفُ أنّ النورَ امرأةٌ تُنصتُ للصلاةِ بعينينِ من طينٍ وماءٍ

لم تكن سريراً

كنتَ مئذنةً من شهقةٍ وجَسَدٍ

كنتَ الوردَ الذي تَعلّمتُ على نصلِهِ

أنَّ الجمالَ ليسَ رِقَّةً بل امتحاناً للدمِ

لم أكن شاعرةً تتكسّبُ بالقصيدةِ

كنتُ مجنونةً تُرمِّمُ جراحَها بالحبرِ

وتؤمنُ أنّ القصيدةَ أُنثى تُقيمُ في دمِها

تأكلُ من صمتِها وتشربُ من حنينِها

ولا تموتُ إلّا إذا نَسِيَت اسمَها

كتبتُكَ لا لأمتلككَ

بل لأخلُصَ من نفسي إليكَ

كنتَ خلاصي من اللغةِ

ومأوايَ من الرمادِ

ومعنى النورِ حينَ يضيعُ في الظلالِ

كلُّ ما فيكَ كانَ ميتافيزيقيا للحُبِّ

يدٌ تُنقِذُني من اليقينِ

وصوتٌ يُعيدُ صياغةَ الكونِ في أُذُني

كلُّ حرفٍ منك كانَ كوناً مُصغَّراً

وكلُّ لحظةٍ قربَكَ كانتْ خلقاً جديداً للعالمِ

الرِّجالُ يَكتُبونَني

وأنتَ وحدَكَ كنتَ مَن تُملِي علَيَّ نفسي

أنتَ الجملةُ التي لم تُكتَبْ في التوراةِ

والآيةُ التي نزلتْ على قلبي دونَ نبيٍّ

وفيكَ اكتملتُ

امرأةً تُؤمنُ أنَّ الخَلقَ يبدأُ من قلبٍ يُحبُّ

وأنَّ اللهَ حينَ يبتسمُ

يكتُبُها

***

مرشدة جاويش

 

مُتَعلّقاً بِعُرى الطُغاةِ وَيَدّعي

شَرَفَ المسيرِ مع الأُباةِ طَريقا

*

لَبِسَ القِناعَ تَنَكُّراً لكنّما

نَسَجَ الرِباطَ مع الفلولِ وَثيقا

*

وَيُبشّرُ الطاغوتَ جَنّةَ رَبِّهِ

إذ رامَ للبلدِ السعيدِ حَريقا

*

أَفَهَلْ يرى الطاغوتُ غيرَ جهنّمٍ

كم جائرٍ طلبَ الجِنانَ فَعيقا

*

عَجَباً لِمَنْ مَنَحَ الخؤونَ ولاءَهُ

أيَصيرُ للجبَلِ العنيدِ صديقا

*

مُتَناسِياً أنَّ المُسَمّى سادِرٌ

لَمْ يَتّخِذْ غيرَ اللعينِ رَفيقا

*

بِهُتافِ إمّعَةٍ وراءَ مُخادِعٍ

غَرِقَ الهَبَنّقُ في الخِداعِ عَميقا

*

كَمُهَرْوِلٍ جَهلاً وراءَ رُوَيْبِضةْ

شَدّتْ على عُنُقِ الهَبَنّقِ زيقا

*

حتى تهافتَ غفلةً وسذاجةً

عَبَثاً أعاتُبُ ساذجاً وغريقا

*

وبها غدا كالببّغاءِ مُحاكياً

وَيَهُزُّ ذيْلَ التابعينَ رَشيقا

*

يَجْتَرُّ من دَجَلِ الحَداثَةِ زيْفَها

وَيُعيدُ دوراً في الرياءِ عَريقا

*

لَعَنَ الخيولَ الصاهلاتِ مُفضّلاً

نَزَقَ الضفادِعِ قَفْزَةً ونَقيقا

*

ماذا أحدّثُ يابلقيسُ عن سَبَأٍ

قد أسكرَ القاتُ الرخيصُ صفيقا

*

لَيَشُمَّ من رِئةِ الكَذوبِ زفيرها

ويهابُ من رِئةِ الصدوقِ شَهيقا

*

يَرِثُ الضغينةَ للكرامِ قساوةً

ويدورُ في فَلَكِ القُساةِ رَقيقا

*

كَرِهَ الأُلى رَفضوا الهَوانَ لِأنّهم

عَشقوا الفِداءَ حقيقةً وَحقيقا

*

زَعَمَ الخلائقَ بالسجونِ خَليقةً

وَنَزيلَها بالمُهْلِكاتِ خَليقا

*

وَكَذا زنازينُ الأسى قَدَرُ الورى

لِجَحيمِها زُجَّ الأنامُ وَسيقا

*

وَرأى طَواغيتَ العُروشِ على هُدىً

وَ دَمَ الرَعيّةِ ساءَها فَأُريقا

*

أفتى : خنوعُ الجائعينَ فَريضةٌ

وَلَإِن بِها طحنوا التُرابَ دقيقا

*

وكذا السكوتُ عن المظالمِ حِكْمةٌ

فَحَذارِ أنْ يَعِيَ الورى وَ يَفيقا

*

قد صار من خَدَمِ الطغاةِ مُردّداً

نَغَمِ البِطانةِ جوْقةً وَ فَريقا

*

مُذْ ضيّقوا حولَ الجياعِ منافذاً

متوسّلينَ مع المجاعةِ ضيقا

*

هَدَموا على خيرِ الطيورِ منازلاً

فَلَكمْ تُواري ياغُرابُ خَنيقا

*

نشقَ الغبارَ مع الرَمادِ على الطِوى

وَزَعيمُهُ حَلَبَ الزُهورَ رَحيقا

*

أَيَظُنُّ مَنْ تحتَ الرُكامِ صغارُهُ

سَيَعيشُ حُرّاً طائراً وَ طَليقا

*

أَتَغُضُّ سمعَكَ عن هديرِ دمائهم

لِتَزيدَ من هَذَرِ الدَعيِّ زعيقا

*

وتعضُّ شاهِدِةَ الشهيدِ ولَحْمَهُ

وتخافُ من دَمِهِ الزَكيِّ بَريقا

*

مُسْتجْدِياً عندَ الأنامِ مَدائحاً

لِتَبُلَّ في دَبَقِ المدائحِ ريقا

***

د. مصطفى علي

 

1 ـ يَلُفُّ الصَّمْتُ أَبْعادي ظَلامَا

  وَيَزْرَعُ فِي مَسافاتي سِهامَا

*

2 ـ وَتَحْمِلُني هُبُوبُ الرِّيحِ ذِكْرَى

  وَتَسْكُبُ فِي مَآقِيَّ الْهُلامَا

*

3 ـ تُواجِهُني الْمَرايا بِانكِساري

  فَأَفْتَقِدُ الْأمَاكِنَ وَالْمَقَامَا

*

4 ـ وَأُطْرِقُ صامِتًا، وَالصَّمْتُ جُرْحٌ

  كَسَابِقِ عَهْدِهِ كَانَ الخِتَامَا

*

5 ـ أَأَهْرُبُ مِنْ يَدَيَّ لِكَيْ أراها

  تُشَيِّدُ حَوْلَ خُطْواتي الْخِيامَا؟

*

6 ـ وَأَرْجِعُ لِلْبِداياتِ اضْطِرارًا

  كَمَنْ فَرَضُوا عَلَى الرَّفْضِ الْتِزامَا

*

7 ـ أَنَا الْوَجَعُ الَّذِي يَمْتَدُّ سِرًّا

  كَجَذْرٍ يَشْتَهِي الْمَوْتَ الزُّؤامَا

*

8 ـ أَنَا الطِّفْلُ الَّذِي ضَلَّتْ خُطاهُ

  فَأَلْفَى الْعُمْرَ مَنْفًى وَاصْطِدامَا

*

9 ـ يُصادِقُ ظِلَّهُ فِي كُلِّ دَرْبٍ

  وَيَحْسَبُ صَمْتَهُ الْعالي اهْتِمَامَا

*

10 ـ أَنَا الصَّوْتُ الَّذِي قَدْ جَفَّ لَحْنًا

  كَصَخْرٍ بَاتَ يَنْشَقُّ انْقِسَامَا

*

11 ـ تَكَسَّرَ فِي حَناجِرَ مُغْلَقاتٍ

  فَمَا أَفْضَى إِلَى الدُّنْيا كَلامَا

*

12 ـ أَنَا النَّهْرُ الَّذِي تَاهَتْ خُطاهُ

  فَأَهْدَى لِلصَّحَارَى الاغْتِرامَا

*

13 ـ أُخَبِّئُ فِي التَّجاعِيدِ انْهِزامِي

  كَمَنْ قَدْ دَسَّ فِي ثَلْجٍ ضِرَامَا

*

14 ـ وَأَكْتُبُ فَوْقَ جُدْرانِ التَّجَلِّي

  حُرُوفًا لا ترى فيها انْسِجَامَا

*

15 ـ فَإِنْ ضَحِكَتْ شِفَاهِي دُونَ قَصْدٍ

  يَسِحُّ الدَّمْعُ شَلَّالًا مُدَامَا

*

16 ـ فَتُبْصِرُني الْعُيُونُ وَلَا تَراني

  سِوَى طَيْفٍ يَزِيدُ بِهَا الْقَتَامَا

*

17 ـ أَنَا الْمَنْفِيُّ سِرْتُ إِلَى بِلادٍ

  أُقاسِمُ شَعْبَها خُبْزًا حَرَامَا

*

18 ـ شَوَارِعُها تُراقِبُني اشْتِباهًا

  وَتَرْمُقُني بِعَيْنَيْها اتِّهَامَا

*

19 ـ أَنَا الْجُرْحُ الْمُقَيَّدُ فِي كِياني

  حِصَانٌ قَدْ أَعَدُّوا لَهُ لِجَامَا

*

20 ـ إِذَا حَرَّكْتُ أَطْرافي قَلِيلًا

  أَحُسُّ الْقَيْدَ يَزْدادُ اضْطِرَامَا

*

21 ـ أَنَا الشَّوْقُ الَّذِي أَضْحَى رَمَادًا

  وَكُلُّ مَلامِحي أَضْحَتْ رُكَامَا

*

22 ـ أَرَى فِي الْيَقَظَةِ الْأَحْلامَ وَهْمًا

  وَكُلُّ مَطامِحِي أَمْسَتْ مَنَامَا

*

23 ـ وأَهْرُبُ مِنْ مَنَامِي نَحْوَ صَحْوٍ

  فَأَلْقَى الصَّحْوَ أَغْلَالًا عِظَامَا

*

24 ـ أُسافِرُ فِي الْخَرابِ كَأَنَّ ظِلِّي

  تَجَسَّدَ مِنْ رَمادٍ لَا عِظَامَا

*

25 ـ وَأَسْأَلُ كُلَّ بَابٍ عَنْ مَفَازٍ

  فَيُغْلِقُ دُونَ تَنْهِيدِي اعْتِصَامَا

*

26 ـ أَنَا النَّايُ الَّذِي قَدْ شَاخَ يَوْمًا

  فَأَخْفَى عَنْ كَواهِلِهِ السَّقَامَا

*

27 ـ تَهاوَى فِي ثُقُوبِ الصَّمْتِ لَحْنًا

  وَصَارَ أَنِينُهُ الْعالي اتِّهَامَا

*

28 ـ أَنَا الْمِفْتاحُ ضَاعَ بِغَيْرِ بابٍ

  أَنَا الْمَهْدُ الَّذِي أَمْسَى حُطَامَا

*

29 ـ أَنَا الْمَشْنُوقُ مِنْ حَبْلِ التَّمَنِّي

  يَرَى فِي كُلِّ تَنْهِيدٍ حِمَامَا

*

30 ـ أَنَا الْعِطْرُ الْمُسَافِرُ فِي رِياحٍ

  يُفَتِّشُ عَنْ دَوَارِقهِ هُيامَا

*

31 ـ فَلَا قَلْبٌ يَضُمُّ شَذَاهُ يَوْمًا

  وَلَا أُفُقٌ يُحَدِدُهُ خِتَامَا

*

32 ـ أَنَا الْعَطْشانُ فِي صَحْراءِ رُوحِي

  أُقايِضُ ماءَ أَيَّامِي سَلامَا

*

33 ـ وَمَا نِلْتُ السَّلامَ أَوِ ارْتِواءً

  فَزِدْتُ بِهِ عَلَى ظَمَئِيَ أُوامَا

*

34 ـ أَنَا الصَّوْتُ الْغَرِيبُ بِأَرْضِ تِيهٍ

  يُنَادِي: مَنْ لِهذَا النَّبْضِ رَامَا؟

*

35 ـ فَلَا يَأْتِيهِ غَيْرُ صَدًى شَحِيبٍ

  عَلَى أَشْلَاءِ ذاتِ الصَّوْتِ حَامَا

*

36 ـ سَكَنْتُ الصَّمْتَ حَتَّى صَارَ بَيْتِي

  فَأَوْرَثَنِي عَلَى صَمْتِي وِسَامَا

*

37 ـ أَنَا الْجُرْحُ الْعَمِيقُ بِلَا ضِمَادٍ

  تَعَايَشَ لَمْ يَعُدْ يَرْجُو الْتِئَامَا

*

38 ـ أَنَا الْمَطَرُ الْخَجُولُ أَتَى لِأَرْضٍ

  يُوَاسِي الْجُرْحَ شُحًّا مُسْتَدَامًا

*

39 ـ يُبَلِّلُ وَجْهَها الدَّامِي وَيَمْضِي

فيُوقِظُ مَنْ بِهَذَا الْكَوْنِ نَاما

*

40-عسى يأتي الربيع بُعَيد لأي

  فتزهر كُلُّ أَزْهَارِ الْخُزامَى

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

 

يا حلوة َالقدِّ والعينينِ وا عجبا

أرى الصدود ولا أدري لهُ سببا

*

يا حلوةَ القَدِّ والعينين ذا ولهي

هو الدليلُ أعيشُ الوجدَ والنَصَبا

*

كفى ظنونًا فما قد قيلَ أرهقني

وزادني فوق ما عانيتُهُ وصَبا*

*

أما تذكرتِ ما قد قالَ عاذلنا

وما تَقولَهُ مِن خُبثهِ حطبا

*

فبانَ عندكِ أنَّ القولَ مُختلقٌ

لكاشحٍ قد بغى مِن خَلفهِ أربا

*

أما تذكرتِ ما قد قاله زمنًا

فجاءَ بالقول مبتورًا ومُنقَلِبا

*

أرادَ أنْ يَدَّري حُبًّا صفا وسما

ليزرعَ الشكَّ والاوهامَ والريبا**

*

لو انطلى بعضُهُ أو كاد ساعتها

لَكان حقّقَ ما يبغي بما حَلبا

*

لكنْ وَعَيتُ وإنّ الله ألهمني

ما كان يرمي له في قولهِ فكبا

*

فعاودي البسمةَ الزهراءَ تمنحني

روحًا جديدًا وقلبًا مُفعمًا صَخَبا

*

ولا تكوني كطفلٍ غرّهُ لهبٌ

وغايةُ الطفلِ أنْ يلهو به لَعِبا

*

حتّى إذا ما رمى في كفّهِ حُرقًا

بكى وسبَّ لِما قد نالَهُ اللهبا

*

وعاهديني جزاكِ الله صالحةً

لا تسمعي الافكَ كَمْ مُصغٍ لهُ نُكِبا

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

العراق/ الكوت - شتاء 1967

.........................

* صبا يصبو أي تشوّقَ بلهفة

** يَدّري: أي يغتال

 

أجلسُ على مقعدٍ من غيمٍ متشظٍّ،

أمامي غابةُ قصائدِ ناعسةٌ،

تغفو تحتَ ضوءٍ مُترفٍ،

كأنّها لا تسمعُ أنينَ الأرضِ،

ولا تلمحُ القهرَ يتدلّى من جفونِ الفقراءِ،

ولا تشمُّ دخانَ الجوعِ

حين يتصاعدُ من قدورٍ فارغةٍ.

*

الشعراءُ هناك،

يطرّزون أكمامَهم بألوانِ الطيفِ،

يُغنّون لعصافيرَ من زجاجٍ،

يُعلّقون أوتارَ القيثارةِ

على جدرانٍ لا تعرفُ صرخةَ السجينِ،

ولا زفرةَ المنفيِّ،

ولا عرقَ الأيّامِ على جباهِ العمالِ.

*

أمدُّ يدي إلى دفاتري،

أجدُها مثلَ عشٍّ مهجورٍ،

بيضُ المعاني فيه قد تعفّنَ

لأنّ الأجنحةَ تأبّت عن الحضانة.

أسألُ نفسي،

ما قيمة بيتٍ شعريٍّ

إن لم يضمدْ جرحًا،

أو يزرعْ قمحًا في حقلٍ يتيمٍ،

أو يُضيءَ نافذةً صغيرةً

في بيتٍ مبلّلٍ بالقهر؟

*

أيّها الشعراء،

تجرّدتم من دموعكم كأنّها أثقالٌ،

وركضتم وراءَ مرايا تلمعُ بالوهم،

لكنّكم نسيتم أنّ القصيدةَ بلا جرحٍ

إنّما هي غصنٌ مزيّفٌ،

لا ظلَّ له،

ولا عصفورَ يأتيه ليبني حياةً.

*

الكلماتُ.....

إن لم تتلوّنْ بماء الحقيقةِ،

فهي طير بلا ريش،

وتر بلا موسيقى،

وسطرٌ يتيهُ

في فراغٍ من زينةٍ باردةٍ.

***

مجيدة محمدي

في الليلِ

لمَّا خلِيَتِ الدَّارُ،

منَ اللفِّ والدَّوَرانِ

حولَ مركز ثِقَلِ الأحلامِ

ومصباحِ علاءِ الدِّين السِّحريّ،

وقفَ الشَّبَحُ بعيداً...

- بعينينِ مفتوحتين..

على الآخِر-

يترصَّدُ....

الظلَّ الَّذي..

خرجَ عنْ طورِهِ،

والألفَ ألفِ حراميٍّ..

وقاتلْ،

فأغلقُوا بابَ الهواءِ..

بمغاليقَ

مِنْ صُنعِ الحدَّاد الَّذي

أفسدَهُ الدَّهرُ؛

ليمنعَ المزاميرَ..

منَ الخروجِ

مِنْ خُرْمِ الإبرةِ

في مضاربِ الخارجينَ

عنْ خطِّ الاستواءِ

في وادي الاستقواءِ

بالأئِمةِ السَّاهينَ..

عنْ صَلاتِهِمْ،

وصِلاتِهِمْ،

الَّذينَ في بالي..

وفي بالِك؟

النَّائمين في حُضْنِ:

"إيَّاكِ أعني واسمعي يا...؟"

إنَّ الإبَرَ تشَّابهُ علينا،

فعلى أشكالِها تقعُ

بينَ الخيوطِ الَّتي

توصلُ بينَ الصُّدوعِ

في جُدارِ صُداعِ الرَّأسِ،

ونزيفِ الذَّاكرةِ،

والفكرةِ،

الفكرةِ الَّتي أوصلَتْ..

عَبيدَها

إلى مستنقع المُنقَلِبِ..

على عقبيهِ

بعد خرابِ البصرةِ،

بصرةِ (نعوذُ باللهِ..

منْ شرِّ الشَّياطينِ..

والحيتانِ)،

لا بصرةِ الحسنِ البصريِّ،

والفراهيديِّ،

وكاظم الحجّاج...

***

عبد الستار نورعلي

تشرين الأول/أُكتوبر 2025

(تأمُّلاتُ الكائِنِ فِي ضَوْءِ العَدَمِ)

لَمْ أَكُنْ أَسْكُنُ الرِّيحَ،

لَكِنَّ خُطَايَ تُقَيِّدُها حَصَاةٌ لَمْ تُولَدْ

هَلْ أُقِيمُ فِي مَدًى أَخْفَاهُ ظِلٌّ،

أَمْ أُسَافِرُ في هَواءٍ؟

كَيْفَ يَلْمَسُ جَسَدٌ: مَا لَا يُرَى؟

وَكَيْفَ أَعْرِفُني إِذَا نَامَ وَجْهِي في يَدِ الْمَاءِ؟

II

هُنَاكَ عِنْدَ غُصونٍ تُجيدُ النِّسْيانَ،

جَلَسَ الزَّمَنُ عَلَى كُرْسيٍّ مِنْ غُبارٍ

وجْهُهُ يَبْكي، وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُني

في هُدْنةِ الوَجْعِ وتَمْرينِ الرُّؤْيا

أُقَنِّعُ نَفْسي أَنَّ الحَجرَ يُقْنِعُ الزَّهْرَةَ أَنْ تَكُونَ حُلْمًا،

وَأَنَّ الْأَثيرَ يَتَسلَّلُ مِنْ شَقِّ الكَلِماتِ

III

أَيَّتُهَا السَّمَاءُ، مَاذَا تُرِيدينَ؟

كَيْفَ تَتْرُكينَ جَسَدي يَنْهارُ فِي نَعْنَعِ الرِّيحِ؟

أَنَا خُطُوطٌ مَمْحُوَّةٌ فِي أَسَافِلِ الْخَرَائِطِ،

أُجَرِّبُ الْأَجْنِحَةَ، ولَا أَصِلُ

IV

هَلْ أَنَا الْأَوَّلُ، أَمْ صَدًى لِمَا لَا يَبْدَأُ؟

كَيْفَ يُقَبِّلُ الْمَوْتُ العِطْرَ في شَعْرِ الْأَصَابِعِ؟

كَيْفَ تَلْبَسُ نَبْتَةُ البُنِّ جَسَدًا يَفُورُ بِالخَفَقَانِ

ولَا تَبْلُغُ البُرْعُمَ؟

كودا: مِرْآةُ الغِيَابِ

أَبْحَثُ عَنْ وَجْهِكِ فِي وَقْتٍ لَا يُجِيدُ السُّؤَالَ،

أُغَنِّي لِأَسْرِقَ نَبْضَ اللُّغَةِ،

أَتَوَغَّلُ في أَرْضٍ لَا تَتَنَفَّسُ.

في خَريفِ المَاءِ تَنْبُتُ عَيْنَايَ كَسَرَابٍ،

وكُلَّمَا اقْتَرَبْتُ، سَقَطْتُ كَنَجْمَةٍ في طِفْلِ الغَيابِ،

وأَسْتَيْقِظُ فِي مِرْآةٍ تَتَشَقَّقُ فِي الرِّيحِ،

لِأَرَى وجْهِي يَخْرُجُ مِنِّي كَضَوْءٍ يَبْكي على نَفْسِهِ

تَوْقيع

كُلُّ مِرْآةٍ تَكْسِرُني تُريني نِصْفَ نَجْمَةٍ يَحْتَرِقُ فِيّ

***

سعد محمد مهدي غلام

في نصوص اليوم