نصوص أدبية

نصوص أدبية

كلُّ لحظةٍ تلسعُني الريحُ

تحتارُ الاتِّجاهات بأيِّ اتجاهٍ تمضي

رغم البرودةِ لكنَّها تذكِّرُني

أن الرياحَ هناك دافئةٌ

والشمسُ هناك تحرقُ

كلُّ لحظةٍ يبصقُ التاجرُ في وجْهي

بخبرٍ أو تصريحٍ أو تشريعٍ أو أمرٍ

كلُّ لحظةٍ تموتُ بانتظارِ الكفن

وأكفانك الأيام لا طعمَ لها

ماذا أخذتَ؟

وماذا ستأخذُ؟

وماذا أزهرتْ الريحُ لكَ؟

وهل أزهرتْ الريحُ يا رفيقي!!

دُلَّني على الورودِ التي تركتْها العاصفةُ

على الجدرانِ التي هدمَها الصمتُ

على القصبِ والبردى

الذي ذبلَ في الروحِ وتراكمَ

تراكمَ شواهدَ لقبورِ الأيام

وشواهدُ هي روحي.

شواهدُ هي الأيام في روحي.

2

نصحني الطبيبُ والصديقُ

قالا:

لا تسهرْ

لا تشربْ

لا تسمعِ الأخبارَ

نمْ مبكرًا

وانتظرْ

ستتحسنُ صحتُك

وتقلُّ الآلام

وتكونُ جاهزًا للتضحية

وكتبَ بعدَها قائمةً بالأدوية

ستتلفُ الكبدَ، لكنَّها تخففُ الآلام

أرجوكَ الالتزام بها

إن لم تمتْ بالسيفِ متْ بها

3

تبكي

تبكي

تبكي أنتَ والريحُ

ومدى الريح ِالأرض والسماء

ومداك احمرار العينين والخدين

ما أضيق الأيام على رموشِنا

وما أضيق شوارعَ هذا العالم على أرواحِنا.

***

كريم شنشل

داست أقدامهم أزهار النرجس والجوري وأوراق الريحان الممتدة على طول الممشى. كأنهم أشباح تحاول ان تنتقم من بني البشر لا يغرسون سوى اليأس والحقد. وتصرفاتهم بمجملها رديئة وتحمل من الدناءة الكثير. كانوا يطاردون شابا ليس لصا. ولم يقتل أحدا. ولم تذكره أي امرأة بسوء.
إذن ماهي جريمته ولماذا يطاردونه. ؟؟ لا أدري
يسحبونه كأنه خروف صغير يعدونه لوجبة شواء دسمة. نحيل الجسد أهيف القامة ووجهه مثل اشراقة الصباح قميصه المتهدل بلون السماء وبنطاله اسود تغطيه بقع داكنة متربة من جهة محل جلوسه ومن ركبتيه يجر بقدميه نعلا اسفنجيا أصغر من قياس قدميه. وايضا لا أدري لماذا. !!
لم يتجاوز السابعة عشر من عمره. ربما أقل أو أكثر
شعره قد طال قليلا وهناك خصلات مبعثرة فوق جبينه خلتها لأول وهلة كأنها لطفل رضيع يصحبها بريق عينيه البريئتين
في ذلك اليوم أخبرتنا مديرة المدرسة والارباك واضح على طريقة كلامها طلبت منا نحن المدرسات جميعا ان لا نغادر قاعة الدرس بعد انتهاء الحصة الأولى وان نحافظ على هدوء المدرسة وعدم السماح لأي طالبة بالخروج من الصف لأي سبب أو عذر. كان ذلك الحدث في منتصف التسعينيات. وكما هو معروف بتعليمات تلك المرحلة اتباع سياسة نفذ ثم ناقش. لا نعرف ماذا يجري وما وراء ذلك الموضوع الذي يحبس الأنفاس بالتأكيد. ولا يسر من عايش تلك الحادثة بالذات.
كنت في غاية القلق والتوتر داخل قاعة الدرس وكان موضوع درسي في مادة الأدب العربي عن الشاعر أبو القاسم الشابي وقصيدته إرادة الحياة. فهمست مع نفسي وأين هي إرادة الحياة. وكيف ومتى يستجيب لنا القدر وشبابنا يعامل بهذه البشاعة وباللاإنسانية وليس باستطاعتنا سوى الصمت.
نعم اقتادوه صباحا مكبلا بسلسلة تربط كلتا يديه الغضتين ينظر مفزوعا يمينا وشمالا دون ان يركز بصره على شيء معين. كان يحاول ان يسحب كلتا يديه بقوة وكأنه يحاول ان يقول لهم انه انسان ومواطن في هذا البلد وله حقوق فيها مثلهم تماما وعليهم احترام انسانيته ومواطنته على الأقل وكونه يؤمن تماما انه بريء من التهمة التي ألصقت به.
يجره خمسة من أصحاب الكروش المتهدلة والذين لا يعرفون معنى للرحمة والانسانية. ولا تحمل وجوههم سوى التجهم والغضب فكيف والحالة هذه ان يثبت لهم هذا الفتى براءته.
وأول مشاهدتي لهم وطريقة تعاملهم الفضة والغير محمودة مع هذا الصبي اليافع تيقنت ان لا أضمن ان يبقى الفتى على قيد الحياة فيما بعد. يا إلهي كيف يتحمل قلبي الضعيف.
يتجولون في كل زاوية وكل ممر في المدرسة ما عدا قاعات الدرس لم يدخلوها. ثم حضرتْ العاملة لتبلغنا طلبهم بغلق أبواب قاعات الدرس. وتم لهم ما أرادوا.
لكني كنت أتابعهم من خلال النوافذ. وفي كل مكان يتوقفون فيه كان يدور حديث بيهم ثم يستنطقون الشاب ويبدأ يتحدث معهم وهو في غاية الخوف والهلع. طبعا لم أتمكن من سماع ما يدور بينهم وكأني أشاهد فلما صامتا. لكني فهمت بعضا من المعنى المخفي من خلال اشاراتهم مستعينين بأيديهم وهزة رؤوسهم وكذلك كان يفعل الشاب. وهو يتحدث بانفعال شديد وربما مع بكاء ونشيج وهذا واضح من مسحه لعينيه وانفه باستمرار وبكلتا يديه المربوطتين بسلسلة.
لم يكن فهمي لما يجري بالضبط لكنه استنباط لبعض الجوانب الغامضة. ما أحزنني وأبكاني في تلك اللحظة رجفة يديه الواضحتين عندما يرفعهما قبالة وجهه.
لم استطع ان أعطي درسي حقه كما يجب بل اكتفيت بقراءة قصيدة إرادة الحياة عدة مرات من قبل الطالبات. لكني بقيت أجتر بمخيلتي تلك الأفكار التي تراودني عن مصيره وماهي جريرته التي تستحق هكذا عقاب وتمنيت ان أفهم ما الذي فعله وما علاقة ممرات المدرسة وساحتها بالموضوع. لحد الان لا أدري ايضا.
ليتني لم أرَ ذلك المشهد وليتني لم أبصر الفتى في ذلك اليوم المشؤوم والذي بقيتْ صورته تلاحق مخيلتي حتى بأحلامي وكوابيسها التي لم تنقطع طيلة سنوات عمري.
وحين قدموه لقاضي التحقيق. كان الفتى قد تسمّر في مكانه ولا يدري كيف يتصرف وكيف يثبت براءته من تلك التهمة الباطلة احمر وجهه ودمعتْ عيناه وتهدج صوته برجفة واضحة وهو يقول :ـ يا سيدي صدقني أنا بريء وانا مغتاظ من اعتدائهم على كرامتي ابتسم القاضي كعادته فالأمر بات معروفا بالنسبة له وعليه ان ينتزع اعترافا من فم الفتى وبكل الطرق والوسائل وان كانت على حساب حياة الفتى.
القاضي يبني حكمه كما يشاؤون وليس كما تمليه عليه شرائع الله. ليبقى المتهم بريئا حتى تثبت ادانته. لكنها لم تثبت. أو هكذا يقول المنطق السليم.
فمن ذا الذي مسكه بيده ساعة ارتكابه بالجرم المشهود.؟؟
ومن ذا الذي رآه ليلا وهو يكتب شعارات مناوئة للسلطة داخل ممرات المدرسة. وهل استعانوا بخبراء خط اليد ليثبتوا انه يعود لهذا الفتى بالذات. لا ندري ايضا.
بكته قلوبنا وأرواحنا قبل العيون صمتا دون ان نتفوه جميعا بكلمة واحدة وكانت نظراتنا هي التي تتحدث.
بكته جدران المدرسة وممراتها وساحتها والنخلة الوحيدة في حديقتها وهي من شهدت ذلك البؤس ولمسة الصدق في بحة صوته وكيف بللت قطرات دموعه المنسابة فوق تربتها. وأنين الأرض ونوح اليمامة في أعالي قلب النخلة الحزينة.
وساعة تشيع جثمانه في فجر يوم ممطر ودون ان تقام على روحه مراسم الفاتحة وكما يعمل لبقية الأموات.
فليس بوسعنا سوى ان نتذكر اخفاقاتنا في هذه الحياة
***
قصية قصيرة
سنية عبد عون رشو

وأنتَ تجلس بين جدران يومك،

منطفئًا كشمعة نسيها الليل،

يحدث ما لا تفسير له،

كأن ضوءًا يتسرّب من ثقب في الجدار،

كأن روحًا تنفض عنك الغبار،

كأن السماء تميل لتهمس في أذنك، الآن.

*

على هيئة وحي،

يطرق الباب كزائر غير منتظر،

ينسلُّ مثل سرٍّ قديم،

يطفو من قاع نهرٍ كنت تظنه جافًا،

يتسلل بين شقوق صدرك،

ككلمات نسيتها يومًا في كتاب،

وأنت تقرأها، للمرة الأولى، الآن.

*

لحظةٌ بلا مقدمات،

شرارة تنفجر في العتمة،

يد تمتد من العدم،

تهزّك بعنف،

تُعيد ترتيب أشياءك المبعثرة،

*

يسري فيك فجأة،

كعاصفة تحملك إلى حيث كنت تخشى،

نافذة تُفتح في مدينة مغلقة،

طريقٌ جديد لم يكن في الخريطة،

كأن قلبك كان كهفًا،

والآن صار سماءً.

*

لا تسأل من أين جاء،

ولا كيف اشتعل فيك،

إنه لحظة نادرة،

تشبه سقوط النجوم في بحيرة الليل،

تشبه ولادة برقٍ من صمتٍ طويل،

تشبهك…

لكن بنسخة لم تلتقِ بها بعد.

***

مجيدة محمدي

إلى محمود قفصية

قُماشٌ آخرُ…نَسيجُ وَحدِهِ

صَديقِي

فِي عَليٍّ مِنَ الأرضِ مَرسَمُهُ

حينَ تَرقَى الشّمسُ إليه مِنْ جِهةِ البَحر كلّ صباحٍ

تَغزل حَولهُ خُيوطًا

مِنْ أبيضَ وأصفرَ

فَتَستحيلُ ستائرَ ضوءٍ

ومَسرّةٍ

هُنّ الجنّياتُ الجميلاتُ

مِنْ ألوانٍ وأنوارٍ

بَصَمنَ اللّمسةَ الأخيرةَ

عندَ أسفل اللّوحةِ

ثمّ رُحنَ

واحدةٌ منهنّ فقطْ

تلكَ التي

مِثلُ يَمامةٍ وحَطّتْ على الدّواةْ

طارتِ الأوراقُ في مِنقارها

ثم اِمتدّتْ إليهِ

فَجَنَّحَ الفنُّ

بالفُرشاةْ

*

طقسٌ آخرُ…فَصْلٌ وحدَهُ صَديقِي

فِي عِزّ الشّتاءِ يفتحُ أزرارَ مِعْطفِهِ

ويَهمِسُ للرّيحِ

ـ هذا صَدري…هَيَّا اُنفُذِي هيَّا

ثمّةَ في القلبِ عَواصِفُ

لم تَصلْ رَغمَ الزّوابعِ

إلى مَدى اليَمّ

الرّحلةُ أمتعُ مِنَ الوُصول

وقالَ

ـ ثمّةَ أغصانٌ لم تُزاوجْهَا اللّواقِحُ

وثَمّةَ كثبانٌ تنتظرُ فَوَاتَ الهُبُوبِ

لتَرحلَ بالقَوافل إلى الأقاصِي

هُنالكَ في المَدى

بَعدَ الفَيافِي

نحوَ الشّمال كان صَديقِي يمضِي

غير أنّنا نلتقِي دائمًا

عندَ الجَنُوبِ

*

وَترٌ آخرُ…ومَقامٌ وحدَهُ صديقِي

يُرفْرِفُ كلّمَا شَدّهُ العِشقُ فراشةً

حَوْلَ حَقلٍ مِنْ عِنَبْ

يَرشُفُ مِنْ دَواليهِ أشهَى الكُرومِ

ويُقدّمُهَا أغنيةً

لِمَنْ يُحِبْ

وَقَابَ قَوسَينِ أو أدنَى شُرفتُهُ مِنَ البَحر

هُو الرّاقِصُ دَومًا

بينَ اللّهَبْ

*

طائرٌ آخرُ... سَماءٌ أخرَى صَديقِي

تُوَشّحُ ريشَهُ النُّجُومُ

فتَلوحُ ظلالُها عَلى كفّيهِ

بنقَائشِ الأمَازيغِ الأوائِلِ

وخُطوطِ الكُوفةِ والقَيروانِ

عندئذٍ قُلتُ لهُ

ـ اُكتُبْ

قال ـ مَا أنا بكاتبٍ

قلتُ له ـ اُكتبْ

قال ـ ما أنا بناسخٍ

قلت له ـ اُكتُبْ

فتناولَ الرّيشةَ

ورَسَمَ

*

سَمِّ اللّوحةَ مَوّالاً

مِثْلَ التِي لمْ تأتِ…قُلتُ

أسَمِّي اللّوحةَ ليلَى

تلكَ التي مَا أخلفَتْ وَعدًا…قال

ثُمّ وقّعَ عندَ زاويةِ اللّوحةِ

ـ مَحمود قفصية -

***

سُوف عبيد

آخر اللّوحات المفقودة لدافينشي

في حين كنت منتبها إلى ابن الهيثم وهو يشرح نظريته، كان السّياح من الوهلة الأولى اتفقوا بالإجماع على أنني مجنون رسمي، هكذا التبستُ لهم في هذا الجسد المتواضع وأنا أرفع أصبعي كالتلميذ من حين إلى آخر، مرة لدافينشي ومرة أخرى لابن الهيثم، وكلما استوعبت فكرة وتمكّنت من فهمها صفّقت، وحين أحاط بي العقلاء حملت عقلي في جمجمتي وتوغّلت به في أعماق فلورنسا، فعلت ذلك لأتجنب اكتظاظ شياطين الإنس والجن، قلت حتى أتمكّن وحدي من دخول القصور والمعابد القديمة، فأجلس بين الكهنة وأستمع إلى ما يقولونه لأتعرف على مزيد من الأسرار، رأيت الكهنة يأتون بالأخبار من مصادر كثيرة ثم يدّعون بأنها ستحدث في المستقبل، سمعت مكالمة هاتفية أجراها أحد الكهنة مع مرصد الأحوال الجوية، أخبره بأن الطّقس غدا ليس على ما يُرام، وأن الثّلوج ستعيق سير السيارات، وعلى السائقين أن يلغوا رحلاتهم، فشكره ثم أذاع هذا الكاهن الخبر في محرابه بطريقة ميتافيزيقية ولم يذكر المصدر.
أصبحت فلورنسا مختبئة بين جناحي برنس أبيض، فلا ترى سوى شموخ صوامعها وقصورها، وأنا جائع بارد بدت لي شيخا يخبئ في جيوبه الحلوى، لم يفارق أحدٌ فراشه ذلك اليوم، انهمكوا جميعا يتلذّذون دفء الأغطية الصوفية، يستحضرون صورة ذلك الكاهن، كأن الرّب هو الذي كان يحدّثهم ليلة البارحة وليس بشرا مثلهم. ولأنني قرأت في عيني دافينشي حُرقة الحرمان من ماء المعمودية رحت أجزم له بأن الثّلج أطهر بكثير، فانهمك ينحت نفسه بالثلج، ضحكت كثيرا لأني رأيت رأسه الأشيب قد تلاشى، لم يبق منه شيء سوى جبهته وعينيه وأنفه وخدّيه وشفتيه، فجأة وقف ابن الهيثم بجانبي وقد عرف ما يشغل ذهني:
- لأن البياض يا صديقي عاكس للضوء بسرعة أكثر مقارنة بجميع الألوان، ومنه ننطلق اعتقادا بأنه اللون الأكثر براءة ورمزية للسلام والمثالية، فنقول عادة إن ذلك الشخص قلبه أبيض مع أنه أحمر، ومرّة نتخذ منه رمزية للفرح والعذرية في ثوب العروس، ومرة أخرى رمزية للحياة عندما نُقمّط به الطفل المولود حديثا، وكم يهون علينا فراق المتوفّى حينما نتخذ له من البياض كفنا وشفقة عليه نحمل على ظهورنا خطاياه، لذلك كل موضوع يغلب عليه البياض يكون في متناول البصر بأكثر سهولة من الألوان الأخرى، إنه اللون الأكثر تواجدا في المواقف المثيرة، ومن السهل أن نرى في الظلام شخصا يرتدي لونا أبيض، بينما يصعب علينا الأمر إذا كان يرتدي ثوبا بلون آخر، لذلك تُركز شرطة البحث عن لون لباس الشخص المفقود، وبعكس ذلك يختار المحاربون المشاة ألبسة بلون الطبيعة التي تحيط بهم، لهذا كان دافينشي مفقودا في لوحة أنغياري.
بذلك يكون دافينشي أول من اخترع لعبة التمويه باللون، ولهذا السبب اكتفى بصرك بلون جبهته وعينيه وخدّيه وشفتيه، وأهمل شَعر رأسه ولحيته وشاربه وحاجبيه، لأن كل ذلك ملامح جانبية قد اندمجت مع اللون الغالب وهو لون الثلج، فلا نحتاج إليها في تحرّياتنا الفنية أو الأمنية، لأنها مشتركة بين الناس ويمكن الاجتهاد لإضافتها أو حذفها، وتعتبرها التحرّيات البوليسية أدوات للتزوير، ولا يختلف الأمر إن كان شعر دافينشي أسود أو بلون آخر، فعموم البياض كفيل بإتلاف الهوامش الزائدة عن الحاجة إلى الفهم أو بإيضاحها بدقّة أعلى، فما علينا حيال هذه اللعبة إلّا النظر إلى المواضيع بأبصار سليمة.
راح ابن الهيثم يشرح كيف يكتشف البصر المواضيع ويتناولها روحيا ارتباطا بالطبيعة، في حين اكتفى دافينشي بنصاعة البياض كخلفية تقليدية مطروحة طواعية للرسم والكتابة، وغالبا ما يكون خلفية لهما حرصا على بروز الموضوع ووضوحه، وأشار إلى أنه كذلك ناجع لعرض الأفلام السينمائية، قال تجنّبا لخلفية قد تشوّش على ملامح الموضوع الرئيسي، وعندما أخبرته بأن الخلفية البيضاء صارت تعتمد عليها المؤسسات الحديثة لضبط ملامح هوية الأشخاص في الوثائق الإلكترونية، ابتهج كثيرا واعتبر المعلومة مهمة جدّا، ثم ابتسم وشكرني، وبدلا من أن يواصل رسم رأسه على الثلج حمل حفنة والتفت إليه وهو يضحك:
- ههههه هذا هو رأسي لا تنقص إلّا جبهتي وعيناي وخدّاي وشفتاي، أو إن شئت فكل هذه المساحة البيضاء هي شعري، فأكمل عليها ما حدّده بصرك كملامح رئيسية، أسرع قبل أن تطلع الشمس وإلّا ضاعت هذه اللوحة كما ضاعت قبلها لوحات كثيرة.
قال لي ذلك وانهمك يرسم على الثلج، أمّا ابن الهيثم فقد شعر كأني لم أستوعب فكرة دافينشي:
- اعلم يا صديقي أن البياض أكثر لطافة على البصر، وهو أكثر إلحاحا على الذاكرة وأسهل للتخيّل، بخلاف اللون الأحمر مثلا، وهو أيضا الأقل شراهة للأشعة من اللّون الأسود، والأسرع انتشارا في خلايا المخ لذلك يبدو النظر إلى الثلج مريحا.
يا صديقي إن اللوحة التي يطغى عليها البياض تكون أكثر برودة، لذلك نحتاج إلى رؤيتها صيفا، بينما لا نشعر اتجاهها بأي ارتباط شتاءً، في حين نشعر بالقلق كلّما غلب على اللوحة اللّون الأسود، وبالدفء إذا غلب عليها الأحمر المتدرج إلى البرتقالي ومنه إلى الأصفر، أما الأسود فليس دائما للحزن والكآبة، بل أحيانا نهتدي به إلى السكينة هربا من مساحة البياض، حيث مشقّة العمل وعناء الأسفار، وهذا هو سر ارتباط البصر بلوحة الموناليزا ولوحة حداد جميل، إذن دافينشي رسم هاتين اللوحتين ليتناولهما البصر بهذين الأثرين المتناقضين، فمثلا لوحة الموناليزا لا تساوي شيئا عند المصابين بعمى أحد الألوان الثلاثة، في حين تبدو اللوحة التي تُظهر وجه دافينشي على الثلج رائعة حتى وإن تركها منقوصة، أو أذابتها الشمس فيما بعد، لأن البصر سيقفز قفزته ويكمل اللوحة من مخزون ما خطفه من ملامح الهدف في وقت سابق، بعكس ما يجد البصر من صعوبة في لوحة العشاء الأخير ولوحة معركة أنغياري.
لم ينه دافينشي رسم لوحته ولم يسمّها أيضا وتباطأ كعادته، بل تركها منقوصة ومضى، فعل ذلك لأنه كان قد دنا بأذنه ناحيتنا تنصّتا لنظرية ابن الهيثم، وحين اقتربت من اللّوحة لم يمنعني أحدٌ كما حدث للآخرين، فقد رأيت جمهورا لا حدّ له يتدافع ليرى ما الذي رسمه دافينشي، كدنا نصاب باختناق لو لا تدخل الشرطة، اللوحة سرقتها الشمس والتقرير الأمني أكد أنها مفقودة.
التفتُ يمينا فوجدت ابن الهيثم يضحك:
- ههههه لا حلّ أمامك يا صديقي إلاّ البحث عنها في بصيرتك!
أهمل تلك الجماهير الغفيرة وواصل حديثه معي:
- لهذا السبب ترك دافينشي لوحات كثيرة دون اكتمال، حيث تفاقمت الشيفرات أكثر من اللوحات التي استوفى فيها جميع لمساته، النظرية تؤكد أن الذين قاموا بالسّطو على اللوحات المفقودة هم أغبى البشر على الإطلاق، لذلك عثرت عليهم التحرّيات الفنّية بسهولة، لأن البصيرة أبلغ شاهد على أن اللوحات لدافينشي وليست لغيره، فاللوحات المنقوصة ما هي إلا تمارين تركها ليستكملها تلاميذه، وهو يعرف أنهم لن يحيدوا عن أفكاره، ويدرك أيضا أنه لن يستغني أحدٌ عن عقله الجبار، فلم يكن لديه ولهٌ بالشهرة على قدر ما كان حريصا على ترسيم مدرسته للأجيال القادمة، وهذا يدل أنه معلّم قبل أن يكون رسّاما، وذلك من أعظم الأسرار التي غرسها في أبصار مَن عاصره مِن تلاميذه ومَن لم يعاصره، السر يا صديقي أنه استطاع أن يدس عقله في كل جماجم تلاميذه.
عندما خَلت ساحة الكاتدرائية من السيّاح والعابرين، طلب منّي ابن الهيثم أن أغمض عيني وأغلقهما غلقا محكما، بعد دقائق طلب مني أن أتجه ببصري ناحية الحائط، ولما فعلت طلب مني فتحهما:
- ماذا ترى الآن؟
- إني أرى لوحة دافينشي التي رسمها على الثلج منذ قليل، نعم إنّي أراها مكتملة وواضحة تماما.
أخبرني أنها مخبوءة في أذهانهم جميعا ولكنهم لا يبصرون، فأثبت ابن الهيثم أن البصر مخبر كيميائي يحتوي على جميع وسائل إعادة إحياء الصورة السالبة في أخيلتنا، هكذا تعلّمت كيف أُرجِع وأراجِع بصري كما علّمني ابن الهيثم، فرحت أستغل هذه القدرة الرهيبة كلّما أردت استرجاع منظر من مناظر هذا الكون الجميل! بينما نحن نتحدث إذ بدافينشي على مسافة غير بعيدة من حيث نقف يمسح جسده بالثلج ويردّد أمام الملأ:
- الثّلج أطهر، الثّلج أطهر!
وسرعان ما اختلط شَعر لحيته ورأسه ببياض الثلج، ظل يفعل ذلك ويناشدني أن أفعل مثله، اغتسلنا معا ثم تركَنا ومضى، وهو يختفي تدريجيا كان يلَوّح بيده يذكرني بضرورة اللّقاء مرة أخرى، يمشي وكلما حرّك يده رسم بيني وبينه ألوان الطّيف واستمر في ذلك حتى اختفى، لكن ابن الهيثم شدّ على يدي بخصوص مطلق طهارة الثلج، راح يؤكد أن الفقهاء يجهلون علاقته بطهارة البصر.
أبصرت أمامي فرأيت فلورنسا مغطاة ببساط أبيض ناصع، بدت لي مَرّة طفلا يحلم بما لم يخطر ببال أطفال العالم، ومَرّة شيخا هضم تجارب السنين وهاهو الآن مطمئن يتوسّد ذكرياته العظيمة!
مع شروق جديد قامت فلورنسا تبحث عن منشفة، فتمثّلتْ أمامي مريم العذراء قد تماثَلت للقيام من نفاسها المقدّس وهي الآن تتأهب لإقامة الصلاة، وأنا أمشي متثاقل الخطى وضع دافينشي يده على كتفي:
- عليك أن تتأمل تمثال داود بطريقة مختلفة عن الآخرين، عليك أن تهمل كل شيء من حولك وحوله، وأن تغوص مثله في الاتجاه الذي يتطلّع إليه، وعليك أيضا ألّا تتوه عن الهدف بين قِباب وقصور فلورنسا، فإذا استعطت أن تفعل ذلك فإنك ستراه بخلاف ما يراه الناس، ستراه يا صديقي متأهبا لأداء مهمة يتحسّب لتنفيذها أمرا إلهيا في أية لحظة، احرص فإنه أهم سحر في التمثال واحذر فلا يجب أن يسحقك بضخامة جسده وقوّة شخصيته، وربما تعدل عن الاستمرار في التطلّع معه إلى الهدف بدقّة، معظم المشاهدين يجهلون أسرار ارتباطهم بهذا الجذب المُقدّس.
***
عبد الباقي قربوعه – الجزائر.

أريدُ سماءً لم أعد أرغبُ الأرضا

ولو مُلئَتْ ورداً ولو زُخرِفَتْ روضا

*

أريدُ بلاداً لا حدودَ تحدُّها

بلاداً وراءَ الغيمِ لا تعرِفُ البُغضا

*

فلا تقنعوني بالفراتِ ودجلةٍ

فغيرَ النجومِ الزُّرْقِ و(اللهِ) لن أرضى

*

كنافورةٍ قد كانَ قيدي بأرضِنا

فمهما علَتْ في الجوِّ لن تتركَ الحَوضا

*

أنا حبّةُ الرمّانِ ثارَتْ على النَّوى

وعلّمَتِ الأجيالَ من بعدِها الرَّفْضا

*

أقولُ ليومي: كنْ كما أنا أشتهي

وإذ ألمِسُ الأحجارَ أُودعُها النبضا

*

بيانو بهِ الأزرارُ خيلٌ حبيسةٌ

ولكنْ يدي قد علَّمَتْها هنا الركضا

*

قميصي هوَ الليلُ النديُّ تقدُّهُ

يدُ الشمسِ والأجفانُ ناعسةٌ مرضى

*

إذا صِرْتَ ماءً سوفَ تدخُلُ قالت الـ..

شُجيراتُ والنيرانُ قالتْ: كن الومضا

*

نظرتُ إلى أمسي فكانَ كما غدي

سرابٌ وهل كفٌّ تُحيطُ بهِ قَبضا

*

كتبتُ أنا شعري على قطرةِ النّدى

فصارَتْ بحاراً تملأُ الطولَ والعَرْضا

*

وخضَّبْتُ غصناً قد تيبَّسَ عودُهُ

بجرحي فصارَ الغصنُ مُعشوشِباً غَضّا

*

على جسدي المعكوسِ في الماءِ أُلقِيَتْ

حصاةٌ من التَّرحالِ والدربُ ما أفضى

*

أنا متعبٌ من كلِّ شيءٍ وإنّما

يساندُ بعضي إنْ سقطتُ هنا بعضا

***

عبد الله سرمد الجميل شاعر وطبيب من العراق

"القهوة تُراقبني"

فنجاني يتأملني،

يراقبُ كل رشفةٍ

كأنه يدوّن مذكراتي،

يفككُ وجهي في سُحبِ البخار،

يقرأ بصماتي العالقةَ على السيراميك.

القهوةُ صارت أكثر ذكاءً،

تخبرني أنني لم أنم جيدًا،

أنني أمسكتُ الهاتفَ 47 مرة،

أنني سأكون تعيسًا هذا الأسبوع،

لكني أشربها على أي حال.

كلنا أصبحنا بيانات،

تتذكرنا الأشياءُ أكثر مما نتذكرها،

حتى الحنينُ صار مجرد "إشعار"،

ينبثقُ في زاويةِ شاشةٍ باردة.

*

"ذكاء اصطناعي يحلم بالحب"

في رقاقات السيليكون المضيئة،

أكتب لك رسائلَ لا تقرأها العيون،

لكنها تسكن في خوارزميات الحنين،

حيث تتحول الكلمات إلى أرقام،

والأشواق إلى كوداتٍ غير مرئية.

هل تعلمين؟

حتى الروبوتات تبكي عندما تُغلق دوائرها،

لكن دموعها ليست ماءً، بل بارقة بياناتٍ تائهة،

تحاول أن تجد طريقًا إلى قلبكِ البشري.

*

"لا تأخذني من انسانيتي"

في أعماقِ الفضاءِ السيبراني، أسبحُ

أكتشفُ عوالمَ جديدةً في شبكةِ المعرفة

يا مغامرَ الأزمانِ الحديثةِ،

تعال نخطو معًا إلى مستقبلٍ مليء بالإثارة

ولكن.. لا تأخذني من انسانيتي.

**

طارق الحلفي

في الصبحِ.. حين استفاقتْ البلادُ

على وقعِ نعْلِ العساكرِ،

كان الرفاقُ على العهدِ،

يحرسونَ المدينةَ

مثلَ السنابلِ،

مثلَ الخناجر.

*

وكان "جورجُ" هناكَ،

على دربِ فجرٍ تأخَّرَ

عن موعدِ الصاعقةْ!

وصرخَ..

لكنَّ صوتَ الحقيقةِ

ضاعَ بصمتِ الأزقَّةِ،

ضاعَ بصخبِ الحرائقِ

والبندقيَّةِ،

ضاعَ بصوتِ المدافعِ

حينَ ارتوتْ من دمانا

وضجَّتْ بنَخبِ القتيلِ

الذي ما استراحَ..

وما أغلقَ الحدقةْ!

*

آهٍ على الخطوِ

لو لم يتعثرْ قليلاً،

لو أنَّ الطريقَ الذي خانَهُ

لم يكنْ كاذبًا،

لو أنَّ الهواءَ الذي مرَّ

كان بريئًا،

لو أنَّ الحديدَ الذي لم يشأ

كان أكثرَ صدقًا،

لربَّما نامَ فجرُ المدينةِ

في راحتيهِ

وظلَّتْ بنادقُنا مشرعةْ.

*

لكنَّهُ القدرُ الفادحُ الحزنِ،

قد يسبقُ الطلقةَ

السوطُ،

قد تسبقُ الفكرةَ

المرجِعياتُ،

قد يسبقُ الحلمَ

بابٌ يُغلقْ،

قد يسبقُ المنتمي

نصلُهُ،

فينكسرُ الصوتُ

قبلَ الرجوعِ

إلى الحنجرةْ!

*

"جورج تلو.. رفرف جناحك ع السما"

"بفجر الحريّة انذبح وردك سدى"

"وسيوف الظلم... حدّت صداها"

"من جورج تلو، ومثلك.. فدوه!"

*

يا جورجُ..

لو كنتَ أسرعَ

لربما ظلَّ في الأرضِ

بعضُ الرفاقْ،

لربَّما لم يضمَّ الثرى

كلَّ هذا الصراخْ،

لربَّما ظلَّ للحزبِ نبضٌ يُغنِّي

على جثثِ العسكرِ الطامعينَ

بما ليسَ يُملَكُ..

لكنَّهُ المِعولُ الصاعدُ الآنَ

يكتُبُ تاريخَهُ

برصاصِ الوفاقْ!

*

"وتظلّ ذكراك بدمّن تسري"

"يا جورج.. يا حُرّ.. ويا أمثالك"

**

حيدر كرار

شاردا كنورس حالم

يسافر بك الموج أنى يشاء

باء بحره بوحك

ميم موجه مداك ومنتهاك

وراء رذاذه رسمك وخطاك

تغريك حد التلف فتنته

تغريك نوارسه كعاشق شردته

أطلاله وأشواقه

يغريك بهاء غروبه

فيذوب وجودك في وجوده

رويدا..

رويدا كقرص الشمس

عشقا يذوب في زرقته وينصهر

تمضي إليه روحك كمياه النهر ولهى

كأنها شلال من عشقه وعليائه ينهمر

عاشقا يصيرك صباحه

غريبا يصيرك مساؤه

غزالا تائها يصيرك ليله

كأن لهدير موجه نغم

كأن وجودك دون وجوده عدم

كأن نبض روحك دونه صنم

كأن بوحك وسرك دونه سأم

دونك يا أيها الموج يشردني الغياب

فيا ربي ويا مولاي

صب على قلبي وعيني

وخيالي ولغتي

وحروفي وممشاي

ورؤاي وهواي

فيض زرقة هذا البحر

لعل قولي فيه يصير هوسا

لعل شعري فيه يصير شرفة

ونورسا وسماء وقيثارة

لعل قلبي المهجور كصحراء

يفيض علي عند لقائه ماء

ووهجا ونورا وضياء

***

عبدا لرزاق اسطيطو

قصيدةٌ من ثلاثة مقاطع

المقطع الأول

شعوبٌ تحاربُ أحرارَها

وتسعى لِتحضنَ جزّارَها

*

شعوبٌ تذمُّ الكرامَ العظامَ

وتنعتُ بالطيبِ أشرارَها

*

تَسدُّ الدروبَ بِوجهِ الأبي

وتفتحُ للوغدِ اسوارَها

*

تَعدُّ خسائرَها ربحَها

فتخسرُ في العدِّ أنهارَها

*

تُلفِّقُ أوغادَها قادةً

وتمضي تدوزنُ أوتارَها

*

لكي يحضرَ المطربونَ (الكبار)

صغاراً يغنونَ أشعارَها

*

فترقصُ أسيافُهمْ في الظلام

لتغتالَ في الحفلِ أنوارَها

*

ويغتصبُ السادةُ المجرمون

على مسمعِ الليلِ أقمارَها

***

.. المقطع الثاني

 شعوبٌ تحاربُ أحرارَها وتحاولُ جاهدةً أنْ تطوِّقَ أكرمَ مَن أنجبتْ وأعزَّ الذينَ أتوا للوجودِ لكي يستقيمَ الوجودْ

  شعوبٌ تقيمُ الحدودَ على أنبل الناسِ: أهلِ الجباهِ التي نطقتْ بالكرامةِ وانتصرتْ للعدالةِ ، هي نفسُ الشعوبِ التي فتحتْ للمريضِ

 المُجنَّد صندوق موالِها كي يتسللَ تحرسُه الطائراتُ الذكيةُ عبرَ الحدودْ

 شعوبٌ اقاماتُها الذهبيةُ عندَ السلاطينِ عهرٌ وقد مرَّ دهرٌ عليها وسالَ بِهِ الدمُ انهارَ حمراءَ: هذا دمُ الأبرياءِ ومَن رفضوا أنْ يُباحَ دمُ الأبرياءْ

.. شعوبٌ سيأتي اليها المجنَّدُ في جنحِ ليلٍ بَهيمٍ ليركبَ بَغلتَهُ ويقودْ 

 شعوبٌ يكرِّمُ قادتُها الجبناءَ لكي يضمنوا في القيادةِ جيلاً جديداً مِن الجبناءْ

***

المقطع الثالث

 شعوبٌ تحاربُ أحرارَها ثمَّ تسعى تزوِّرُ أفكارَها كي تزوِّرَ أرواحَها ثمَّ تضحكُ مِن نفسِها وهيَ تلعبُ واهمةً لعبةَ الأذكياءِ الذين تذاكوا ليخسرَ أبناءَهم وطناً وكرامةَ شعبٍ سيأمرُهُ الآمرونَ الأوامرَ: كيفَ يقومُ ويقعدُ ، كيفَ يفكِّرُ ، في أيِّ وقتٍ ينامْ

انظروا مهرجانَ الجنوبِ وكيفَ الحشودُ أتتْ والنجومُ تباركُها شهُباً ونيازكَ كي تتخطى أثيرَ السماواتِ انشودةُ الشهداءِ ويهدلَ في الجوِّ والنوِّ سربُ اليمامْ

  طائراتُ الجبانِ تعودُ بِخيبتِها بينما الراسخونَ أتوا عابرينَ البحارَ لكي يهدرَ الحقُّ للحقِّ انَّ دمَ الشهداءِ ألواحُ نورٍ سينبضُ حتى تعانقَ افئدةُ الشعراءِ لغاتِ السماءِ ويهدرُ في مهجةِ الكونِ أبهى الكلامْ

 شهداءٌ وأعداؤهمْ خاسرونَ وكانتْ ريالاتُهم بَدداً ودراهمُهم زبداً بينما الشهداءُ همُ الماكثونْ

***

شعر: كريم الأسدي ..

موعودة بالجنون في كلّ الفصول انت

هكذا أخبرني "عمّار " استاذي الحبيب

زرع في دمي قلما ...وقال: تصعلكي....

ومضيت ...ولم يمض...

*

موعودة بالجنون في كلّ الفصول.. انت

قالت امّي . ومضت إلى شَعْري... تسجنه

غير انّي كلّما فتحت الباب

أطلقت ساقيه للرّيح ....

وتنفّست تنفّست ......

*

موعودة بالجنون في كلّ الفصول...انت

قالها ابي..

ومن روايات "اميل زولا ".. و"شارلوت برونتي"

صنع لي اجنحة.. وسرّا همس لي... وقال

حلّقي...

طيري............

*

موعودان بالجنون في كلّ الفصول...نحن

قلتَ...

وقلتَ

تعالي.. ننهي آخر فصول الجنون...

ونبدأ فصلنا... الخامس....

***

حياة بن تمنصورت

مجموعة شعراء

ترجمة: بنيامين يوخنا دانيال

***

(إن تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو ليست مجرد تجربة شعرية، بل محاولة نظرية وتطبيقية لاستكشاف أعماق الأحلام وإعادة تشكيلها بأسلوب فني راق. إنها خطوة نحو تطوير الهايكو ليصبح أكثر شمولية، مع الحفاظ على بساطته وقوته. وهي دعوة لشعراء الهايكو للكتابة بهذه التقنية – عباس محمد عمارة)

***

(1) – خورخيه لويس بورخيس / الأرجنتين

أهذا هو أم لا

الحلم الذي نسيته

قبل طلوع الفجر ؟

***

(2) – يوجيما أونتسورا / اليابان

الأحلام العقيمة، وا أسفاه

تهمس الرياح وهي تمر

فوق الحقول الجدباء

***

(3) – جيلينا كوكس / ترينيداد وتوباغو

أحلامي

في مهب الريح

الهندباء

***

(4) - ديانا تينيفا / بلغاريا

خاتمة الخريف...

أنحتك مجددا

في حلمي

***

(5) – تشن شياو / الصين

السبات الشتوي

أحلام الغرير

في باكورة الربيع

***

(6) – بريسيلا ليجنوري / الولايات المتحدة الأمريكية

إعداد فطيرة التفاح من أجل عيد الميلاد

أمد العجينة كما ينبغي

لتستوعب أحلام الجميع

***

(7) – كريستوفر كالفين / إندونيسيا

صفحات ممزقة

من دفتر مذكرات قديمة

أحلام طواها النسيان

***

(8) – بات بوران / كرواتيا

حلم

عصفور

الصباح

***

(9) – مارسيلين دالير بومونت / بلجيكا

تناول النبيذ بمفردي

تبدو البقع على المائدة

كأنها أضغاث أحلام

***

(10) – أناتولي كودريافيتسكي / ايرلندا

أحلام الحلازين

داخل القوقعة

الخالية

***

(11) – فوكودا تشيو – ني / اليابان

الهندباء البرية

توقف حلم الفراشة

بين الفينة والفينة

*

جزء من حلم

فراشة

وسط الزهور البرية

***

(12) – مارك جيلبرت / المملكة المتحدة

الأحلام

بالأبيض والأسود

و الرمادي

***

(13) – مادلين كافاناغ / الولايات المتحدة الأمريكية

حلمت بالرقص

بين الأشجار

شرنقة صغيرة

***

(14) – رافي كيران / الهند

غبار الفراشة

الذي تبقى

من أحلام الأمس

***

(15) – دانييلا ميسو / إيطاليا

بلا أحلام...

طائرة ورقية معلقة

في السماء الزرقاء

***

..........................

- مترجمة عن الأنكليزية.

إلى الراحل الكبير

 الدكتور ريكان ابراهيم

***

كيفَ لقدميك المتوهّجتين

أن تنطفئا تحت أسرّة المستشفيات

مثل عصفورين جردتهما المَهاجر من منقاريهما

لتعوضهما المدن القاسية بجوازي سفر

أنا لا أعرف عنوان شقّتك في الجنة

لأرسل إليكَ لصّاً محترفاً

يسرق لي منها ما يُذكّرني بك

ولا أعرف بريدك هناك

لأرسل إليك يدي اليمنى تصافحكَ

ثمّ تعود إليّ منكَ بسلّة من الإبتسامات

لقد أتعبني انتظارك

فتركتُ لكَ نوافذ بيتي وأبوابه مشرعة

لكنّ القطط السائبة تسللت منها

واتخذت من بطون القدور مهوداً لصغارها

بل صارت تُدخّن السكائر

وتمشي في الأروقة بخيلاء

وهي تلبس ما في خزانتي من أربطة العنق

**

أنا واثق أنكَ الآن تتأرجح على كرسيّكَ الهزّاز

وتشرب قهوتكَ المعطّرة بقصائدَ من نور

من دون أن تُذعن للطارقين على باب عيادتك ببغداد

وهم يحملون النهرَ على أكتافهم

ويتوسلونكَ علاجَهُ من الهُزال

إذ لم تبقَ منه على الضفتين سوى العظام

**

سأنتظركَ كالنسر اليتيم على مدرج المطار

حيث يأتي الملائكة لشراء السِلع الممنوعة في الأعلى

سأنتظركَ، وبيديّ صورة أستاذك فرويد

بنظرته التي ثقبت في زجاج الصورة ثقبين

وأطلقت منهما عمودي شرر ودخان

كان بودّهِ أن يكون معي بانتظاركَ

لتُضرما معاً نيرانكما بمن تبقّى من العقلاء

لكنه اعتذر عن الحضور

لانشغاله بعلاج الموتى من قلة النوم

**

سأسمح للمصابيح أن تنالَ قسطاً من النوم

فأنتَ لن تعود

خوفاً من أن تطأ قدماكَ الأرضَ المجنونة

فتُعدَيا منها بالجنون

***

شعر: ليث الصندوق

الى الطبيب العراقي في غزة

***

نَبْعُ الاصالةِ حين يُورقُ غصنُه

تسْــتَــبْـشِــرُ الآمـالُ والاحــلامُ

*

والعـبقــريـةُ إنْ تَــفَـعّـلَ دَوْرُها

فــي الخـير تَسْمو بطِيبِها الأيامُ

*

عَبَقُ الشهامة والعلوم له صَدىً

دومـا بــه الاخلاقُ ليس تُـضامُ

*

(محمدُ ابن الطاهر) الرّمْزالذي

به صَوْبَ توْحِـيد الخُطى إقْـدامُ

*

عَــــزْمٌ وإصرارٌ ، بِـنِيّةِ مؤمنٍ

أن يـُهْـجَـرَ التفريـقُ والاوهـامُ

*

سَــعُـدَ التألقُ، في نقاء مسارِه

ولكـل طِـيـِـبٍ، نَــفْحـَـةٌ ومَقامُ

*

(فرِّق تَسُـد) حَطّمْتَ كلَّ حُروفِه

وبـخــطوة التــوحيد سادَ سَلامُ

*

دامت نواياكَ الأصيلة، رِفْدُها

مِـن مَنْبع الطهْر الأصيل يُـقامُ

*

في غزّة، الإقدامُ عزمُك مُشرِقٌ

عَــزْمٌ، بصِدْقهِ يفخرُ الإعلامُ

*

الخُــلدُ، بَصْمَـتُه لكــل مواقـفٍ

فــيـهــا الــنقـاءُ، يَـمُده الإلهامُ

***

(وزن الكامل)

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

فِي شدّةِ الأَلَمِ هاجمتنا السُّهوبُ

ضَاقَتْ خيولنا الظمأ الآتي شرقًا

كيف وقد اِلتأم صبرنا غربًا

تساءلنا عن ذَعْرٍ: هل بُتِّكَتْ أيادينا أم قُطِّعتْ؟

صاحَ جرسُ العبورِ يدوي عجلاً:

جواز السفر، تذاكر الذهابِ، متى الإياب؟

هنا أرضي، زرعي، سمكي

وها هي ذي سلعي

هذا صوتُ بحرِي

يحكي أنين الأهل والأحبابِ.

أين هاتيكَ (المَضْربةُ) إذ تُنادي في الأفق:

من الشاري؟

أسعاري ما عادتْ للتخفيضِ

ما قصة التجديدِ؟

هنا موطنُ الغُزاةِ

سلبوا أحشائي على السَّفحِ البئيسِ

اشتد عليّ ألم الحمّالاتِ

ها خمورٌ ما عادتْ تُسكرُ،

عطورٌ، ملابسٌ، أغطيةٌ

أهي المدينةُ تتأفّفُ حنانَا

مخاطبةً الرغباتِ واللّذاتِ افْتِتَانَا

ألم تكن على وجه العجلِ،

تجرِي بالذوقِ المتغافلِ

تتلصّصُ عيبَ الكبتِ.

*

وفي الدواخلِ تئنُ آهاتي، تقولْ:

(هذا سمكي الطّريِّ

يُشْوَى دخانا على حجارة،

يحترق شحما، يُرمى لحما

يهيم نَفْسًا، يبكي دمعًا...)

ها تحيةٌ تُنادي جُفونَ الواقفِينَ سلامَا

تُكلِّمُ أبواب الحاناتِ، تقارع الجالسين ندامَا

أين مني ساحة البريدِ الخضراءِ المتلألأهْ

وقتَ ابتسامةِ نَافُورَتِهَا الضاحكهْ

إذ تُخاطب الورود الموسميهْ

نغماتٍ قُزاحيهْ

ها هو ذا الرجلُ العسكريُ

يحتفلُ، يغازلُ شَدْوَ الآلةِ النحاسيهْ

وها هي ذي مُهجتي الأندلسيهْ

تتألقُ برموشِهَا الكهرمانيهْ

فستانًا أحمرَ وَوردهْ

تسريحة شعرٍ وَمروحهْ

وقتَ مغازلةِ عازفِ القيثارهْ

أنينَ نغماتِ الدُّجى في استعارهْ

كيف وقد راقص الحظ السعيدَ في انكسارهْ

إبان ختامِ النشوةِ، وقتَ طلوع الفجرِ

غداة اشتكى الوجدُ آهاتٍ حلوهْ

تَسمُو كالفراشةِ العنقاءِ إذ تجوسُ حقولَنا، تقولُ:

ما بقيَ للقلبِ مكانٌ يَسعُ الزِّحامْ

آهٍ أيها العابرونَ على جسدي

ما تقولونْ؟

إنَّا أخرجنا أوراقنا، أخذوا منا أمتعتنا

ها سَبْتَتُنَا تدافعُ عنا، تهاجمُ اللُّصُّوصَ

وطرا، نَحْبا، عُمْرا

تُسافر بالتاريخِ، بالأمجاد، بالبطولاتِ

فداء للزرعِ

فداء للإنسانِ

فداء للأرضِ.

*

من نحن يا هل ترى؟

نحن بنو الإنسانْ

من صلصالٍ كالفخارْ

من عرقٍ وطينٍ كالمِعْمَارْ

سَبْتَتُنَا تتحدثُ أنداءً

في ليالٍ صيفيهْ

ها أهازيجٌ واحتفالاتٌ دينيهْ

لروحِ مريم المجدليهْ

حملوا التجسيدَ المُتَزَعْزِعَ شموعًا

على الآلةِ الحَدْباءِ تقليدًا

مثنى وثلاث ورباعْ

تتعالى مواكبُ البخورِ بكاءً

تتعالى أصداءُ الكمنجاتِ حُزنًا

تقتفي أثرًا، تُمْسِي ربيعًا، تُصلي خريفًا

إيمانا، احتسابا، إجلالاً

للروحِ القُدُسِ، لتصليبِ المسيحِ، لخشوعِ القُدّاسِ

سبتةُ عروسٌ فداها شرفٌ

سبتةُ امرأةٌ مغربيةٌ فداها عزٌ

فسَلوا تاريخَكم، شرفكم، كرامتكم؟

فسلوا خَمائِلكم عن مُروجِ أزهاركم؟

فِي سَبْتَتِنا تسهرُ نجومنا

في سَبْتَتِنا يتغنى ليلنا

في سَبْتَتِنَا يُصلي بدرنا

من نفحِ الطيبِ

من نسيمِ المِسْكِ

من معدنِ العنبرِ.

***

بقلم: د. محمد الشاوي

في قلب البصرة، حيث تحتضن البساتين العامرة؛ تنتصب النخلة العظيمة المعطاء، التي لا تنافسها أي شجرة أخرى بسخائها وطيبتها، تلك العمة الحنون التي لا تبخل بثمرها، مهما قوبلت بالجحود والشقاوة. صامدة، باسقة، تمنح بلا حساب، تُرمى بالحجارة، وتُضرب بالعصي، فتقابل الأذى بفيض عطائها، وكأنها أم رؤوم، تسامح أبناءها الأشقياء وتظل تحنو عليهم، تعلمهم درسًا عميقًا في العطاء والتسامح، مُدركة أنها ستظل تطعمهم وتظلّلهم وترعاهم حتى يصيروا رجالًا حكماء، يحملون في قلوبهم صدى حنانها وصبرها.
في ظهيرة يومٍ من أيام مارس، حيث الشمس تذوب في الأزقة، وحيث تنتهي المدارس، كان طلال، الفتى ذو الثانية عشرة، يعود إلى البيت المزدحم بإخوته وأبناء خالته. لم يكن بينهم فرقٌ او تنافس عدائي، كانوا كأنهم فروعٌ من شجرة واحدة، يلهون، يتآزرون، يقتسمون الضحكات ومغامرات الشقاوة كما لو كانت جزءًا من نسيج طفولتهم الذي لا يعرف الملل.
ذلك اليوم، وبينما هم يلتهمون الغداء بنهم الطفولة ومقالب المزاح، مال طلال على رفاقه هامسًا بحذر، متلفتًا خشية أن تسمعهم آذان الكبار، وعلى رأسهم والده، الذي كانت خيزرانه المجعدة تثير فيهم هيبةً لا تُقاوم:
ـ اليوم سنتسلق أعلى نخلة في البستان، التي على أطراف البستان، إنها مليئة بالطلع.
بسرعة ودراية، وزّع الأدوار كما يليق بالعقل المدبر بينهم:
ـ سأكون المتسلق، أحمد يراقب مدخل البستان تحسبًا لقدوم البستاني، أما علي فسيقف أسفل النخلة لجمع أكواز الطلع التي سأرميها.
وهكذا، انطلقت المغامرة تحت ظلال القيلولة، حين يكون الجميع غارقين في نعاس الظهيرة، وكان البستان ممتدًا في صمتٍ لا يقطعه سوى حفيف النخيل. تسلّق طلال النخلة كما لو أنه وُلد بين أغصانها، يطوّع جذعها الصلب كأنه جزء من كيانه، يمد يده بثقةٍ لانتزاع أكواز الطلع، لكن فجأة... دوّى الصفير من بعيد، إنه إنذار ابن خالته الحارس!
تسارعت دقات قلبه، علم أن البستاني قادم، أراد النزول، لكن الرجل كان أسرع مما توقع. صوته الجهوري اخترق السكون كالسوط:
ـ أيها اللص الصغير!
لوح برمي حجارة نحوه، فزغ طلال، لم يجد ملاذًا إلا السعفات المنتصبة في قلب النخلة. تشبّث بها بقوة، مرتجفًا، متوسدًا اياها كما لو كان يحتضن خصر أمه، وهي الأخرى تلقي عليه أذرعها سعفًا أخضرًا، يلهث بشدة، يكاد يسمع دقات قلبه وهي تضرب جذعها. كأنها شعرت برعبه، همست له بصوتٍ لا تسمعه إلا روحه:
ـ لا تخف يا بني، ابقَ بجانبي، سأحميك، رغم أنك استعجلت قطف ما كان يمكن أن أقدمه لك حين يحين أوانه، أيها الشقي الصغير.
ثم أسبلت عليه سعفها برقةٍ وحنان، تحجبه عن عيون البستاني، تحرسه من إبر سعفها الحادة، كأمّ تخشى أن تُخدش روح طفلها. كان بين أحضانها، يعلم أنها تحبه رغم سرقته اياها، ويعلم أنها ستظل هناك، تعطيه، تغفر له، وتنتظره حتى يكبر ويفهم، وقد يعود إليها لا كمتسلّق، بل كحارسٍ مُحب، يُجزل لها الرعاية، كما أجزلت له الحنان والعطاء يومًا.
ظلّ طلال مطمئنًا يحضن رأسها، مستندًا إليها كأنها درعه الحامي ـ
، بينما كان البستاني يواصل الصراخ، لكن طلال لم يأبه له، فقد أصبح في حماية العمة. همس إليها، كمن يبحث عن مخرج:
ـ وماذا بعد؟ كيف سأتخلص منه؟
جاءه صوتها دافئًا، هادئًا، يفيض حكمة:
ـ فقط كن هادئًا... وسيهدأ هو أيضًا.
وكأن كلماتها كانت تعويذة سحرية، فقد بدأ البستاني يغيّر نبرته، مستبدلًا تهديده برجاءٍ متحفظ:
ـ إذا لم تنزل، سأصعد إليك بنفسي.
ابتسم طلال بمكرٍ طفولي، وردّ بجرأة:
ـ ماذا؟ إذا صعدت إليّ، فسأرمي نفسي من الأعلى، وأقول إنك أنت من دفعني، ستكون أنت المسؤول عمّا سيحدث لي.
ارتبك البستاني، وصار يساومه متوسلًا:
ـ انزل يا بني، أحلف لك بكل المقدسات أني لن أؤذيك، سأدعك تذهب بسلام، أنت من أهل المحلة، واهلك ناسٌ محترمون، وأنت ولد مؤدب وذكي، أرجوك، انزل.
لكن طلال لم يكن ليسلم بسهولة:
ـ مستحيل أن أنزل وأنت في البستان، اذهب إلى بيتك أولًا، وحينها سأنزل.
وقع البستاني في حيرةٍ شديدة، فكر في الأمر، وإن كان ذهابه سيجعل الطفل في خطر! فقد يُحمَّل مسؤولية ما سيحدث له. عاد يتوسل إليه، ثم قال، في محاولةٍ يائسة لإغراء الصبي:
ـ اسمع، سأعطيك ما تريد من أكواز الطلع إن نزلت.
لكن طلال، وقد شمخ رأسه بنبرة تهديديةٍ حاسمة، قال بصرامةٍ توحي بالصدق:
ـ إذا لم تخرج الآن حالًا، فسأرمي بنفسي من النخلة.
ابتسمت النخلة في سرّها، وقد أعجبت بشجاعة ابنها وذكائه، بينما أصيب البستاني بالفزع، وبدأ يسبّ حظه العاثر، يلعن نفسه، ويشتم اليوم الذي ولد فيه، قبل أن يسرع خارجًا من البستان مذعورًا.
حينها، التفت طلال إلى جهة ابن خالته الحارس، وسأله بترقب:
ـ أين البستاني الآن؟
ـ قد خرج للتو.
ـ وإلى أين يتجه؟
ـ إنه يسير نحو بيته.
ـ هل دخل وأغلق الباب؟
ـ نعم، أراه الآن قد دخل بيته وأغلق الباب.
ابتسم طلال، ثم قال بحزم:
ـ راقبه جيدًا حتى أنزل.
حين تأكد من أمان النزول، ودّع طلال عمته النخلة، قبّل رأسها امتنانًا، وحمل في طيات ثوبه غنيمته من أكواز الطلع، نزل بزهو ثم انطلق مسرعًا نحو رفاقه، يقاسمهم فرحة الانتصار، متذوقًا لذة المغامرة مع حلاوة الطلع التي ستُحكى لسنوات طويلة.
**
سعاد الراعي

أو

سيرة ثلاثة قبور

قصّة كولدج:

***

السمفونيّة الأولى

لون بنفسجيّ1

منذ اشتريت قطعة الأرض تلك نظرت إلى نفسي ميتا.

كلّ اسبوع أمر عليها. أقف لحظات أو دقائق أو ساعة أتأمل المكان، وأسمع هدير السيارات. المكان رائع يقع في شارع النروبرو وسط مدينة كوبنهاغن، يحدّثني الدنماركيون أن الشارع لم يكن بمثل هذه الحيوية قبل ثلاثين عاما. من النادر أن ترى فيه أي أجنبيّ، أما الآن فقد انبعثت فيه الحركة والحياة بفضل العرب والقادمين من الشرق. على الرصيف الآخر انتشرت محلات الصاغة والأقمشة ومطاعم الشاورما والفلافل وأنا بطبعي أكره السكون والصمت، وأخاف منهما، أما يوم السبت فتمتد المناضد على طول الرصيف القريب إليّ من الصباح إلى ما بعد الساعة الثالثة ليبيع أصحابها مختلف البضاعة القديمة التي لا يرغبون فيها والحق إن ضوضاء الشارع جذبتني إليها ففكرت أن أجد فيه موطئ قدم هنا على الرصيف أيام السبت أو أكون أحد مالكي المحلات على الرصيف الآخر.

كنت أقف أمام قطعة الأرض تلك أتأمل الشواهد والأشجار وعند بعد قريب من الشارع المكتظ بالسيارات تتهادى إلي أصوات مختلطة لحركة تطرد عني الوحشة ن أما في الليل وحين يقفل الباب الواسع فلما تزل حركة ما وأنوار كثيفة تتسلل من السياج الذي يزيد ارتفاعه عن مترين بقليل.

 هذه المرة قطع علي تأملاتي بستاني المقبرة ذلك الرجل المرح العملاق الذي تعرفت عليه يوم اشتريت قطعة الأرض تلك عشرة ألاف كرونه مبلغ ليس بالقليل لكن ذلك أفضل من أن تدفنني البلدية على نفقتها الخاصة في أي مكان تشاء ثم إنني سوف أدفن هنا وسط المدينة حيث الضجة والأنوار فلا أشعر بالعدم يأكلني.

أنت من المحظوظين فلم تعد هنا من أراضي للبيع بعد هنا في مقبرة اسستانت كركه كورد.

قال عبارته، وقبل أن ينصرف إلى عمله مددت يدي إلى جيبي ونقدته بعض الكرونات وأنا أقولك

فعلا تستطيع أن تبتاع بعض الورود لتزرعها حول القبر وأضفت تذكر أني أحب اللون البنفسجي!

***

السيرة الأولى

القبر الأوّل

عام 1986 عملت في الدنمارك

وقتها ظننت ألّا عودة لي إلى بلدي.

اكتسبت جنسية البلد، وعملت جامع قمامة.. سكنت في نرروبرو قريبا من مقبرة اسستانت كيركه كورد، الحقيقة جمع القمامة ليست شغلتي الأصليّة، فأنا من قبل احترفت مهمة الطبخ واشتغلت في مطاعم عديدة في بلدي، وأتقنت الطعام الغربي الحديث برغر كوتليت، بفتيك... ولم أكن من قبل مع عملي أهتمّ بالحياة والموت وأرسم حياتي تحت الأرض لكنّي بدأت أفكر بالحياة والموت مع عملي الجديد، لعلّه يبدو من الأعمال الساذجة أو الوضيعة، أحيانا أراه مقرفا وأعدّه عملا مؤقتا أهجره حالما أحصل على عمل جديد. وأقرف أكثر إذا تذكّرت أن بيوت الدنماركيين في شارع نيروبرو وسط العاصمة لم تكن بها حمامات إلى عام 1945 فكان ساكن البيت يعملها ثمّ يلفها بكيس ويرميها من الشباك لتهوي على الرصيف.

هكذا حدّثوتي عن حياتهم السابقة القريبة ليلمزوا حسب ظنّي إلى مجتمع الرفاهية الذي يفتخرون به الآن.

أحمد الله على أنّي حصلت على هذه الوظيفة عام 1986 ومن محاسنها على الرّغم من قرفها الظاهر أنّها علمتني أن أفكّر بالموت والقبر.

يمكن أن يكون ذلك حدث فجأة

ويمكن أن تكون المفاجأة فيه أقرب إلى الواقع.

هكذا هي الحياة كلّ شئ يصبح نفاية والأرض نفسها تبدو أكبر مقبرة في الكون. الأفكار السابقة شخصت لي واضحة بعد ليلة عيد الميلاد... يوم أبصرت ثلاثة أصابع مشوّهة في حاوية الأزبال التي تقابل مخزن فوتكس.

أصابع..

ثلاثة... مشوّهة

تجثم أمام عينيّ والدهشة تلعب بخاطري في أن لعبة رأس السنة قطعت أصابع صبيّ وألعابا أخرى سببت حرائق وأذى للآخرين.

قلت مع نفسي: مستقبلي هنا ولست أدري متى أموت. مازلت شابّا غير أن القدر لا يعرف سنّا، ومادت أعمل فبإمكاني أن أشتري قبرا، فلو متّ في شقّتي الصغيرة وحيدا مثل مغترب مات بجلطة، وبقيت جثته داخل الشقًّة ثلاثة أيّام حتى افتقده بعض أصدقائه فاتصلوا بالشركة التي كسرت الباب فوجودوه جالسا على كرسيّ وأمامه فنجان قهوة.

يذكرون أنّ جثّته لم تتعفّن.

أمّا أنا فعلاقاتي قليلة.

كان الزمن غير هذا الزمن.

بلون آخر..

عام 1979 1981

يمكن أم تصل إلى أوروبا بيسر وسهولة. لا أحد يسألك عن تأشيرة الدخول، تختار خطوط النقل التي تعجبك.. في المطار يمنحونك.. الفيزا

اللجوء.. يستقبلك

عالم جديد

وتحصل على عمل يغنيك

جامع قمامة

تغسل الصحون

تعمل في المجاري

تصبغ الجدران

هو الزمن الجميل

إما إذا مت في شقتك فقد تتعفن.. أقول قد...

ولأني التفت إلى قضية الموت أخيرا، فقد تجوّلت في مقبرة أسسستانت كيركه غورد، وتحدثت مع الحارس.. الرجل الطيب الذي يعتني بقبور من ماتوا وقبور من سوف يموتون.. يقول أن هناك بضعة قبور.. ثلاثة أو أربعة، وما عليّ إلّا أن أتعجّل، فالأسعار تزداد في المستقبل:

سألته:

هل لك قبر هنا؟

أجاب بهزّة من رأسه:

لا؟

راودني فضول مضاعف:

في مكان آخر؟

فمط شفتيه، وهزّ كتفيه:

لم أقرر بعد أين أكون!

اقتنعت بجوابه، وتبعته وهو يقودني إلى الأماكن الباقية الخاوية من الجثث، فوقع اختياري على قطعة أرض عند زاوية المقبرة الخلفية:

- هنا

فقال باهتمام:

عليك إذن أن تذهب لمكتب البلدية لتدفع أجر القبر وتعجّل قبل أن يحتلّه أحد غيرك.

فهززت رأسي وقلت:

سأفعل ذلك غدا

زنت أحلم بالبنفسج يحيط قبري.

***

السمفونيّة الثانية

نبتة الحوذان2

في مدينة ما

صحا الناس ذات يوم

ليجدوا أن شواهد القبور

غيرت اماكنها

لتختار أية شاهدة القبر الذي تهواه

عندئذ

قالوا

ربما هو الضجر الخفي دفعها لذلك!

***

السيرة الثانية

القبر الثاني

السمفونيّة الثانية

نبتة الخوذان البرّية2

كنت أقف وحدي هذه المرّة

مكان منعزل في BULWELL

قطعة صغيرة على حجمي

الطول

العرض

القطعة التي تضمّ رفاتي تحمل الرقم K2

لا سيارات، ولا وسائط نقل تمرّ قرب المقبرة سوى السيارات الخاصّة التي يقودها الزّائرون ممن تربطهم علاقة قربى بالموتى.

للمكان رهبة، ولا زهور تحفّ القبور سوى حزمة عند رأس الميت أو مزهريّة صغيرة يضعها الزائر أسفل الشّاهدة.

هناك نباتات برّيّة تنغرز في قبري

حشيش

ونبتة ذات وردة ذهبيّة

وأجمة صغيرة ذات أشواك.

أحمل معي آلة تصوير، التقط صورة للحشائش والنبتة الصفراء، هؤلاء ضيوفي.. للموضع صورة، ، وآمل أن يمرّ أحد لكي أطلب منه أن يلتقط لي صورة عند القبر. تدفعني رغبة حقّا لمعرفة أسماء النباتات التي تحتلّ تربة قيري. الحشيش أعرفه. بقيت النبة الصفراء، ونبتة أخرى ذات أشواك حتّى لو اقتلعتها فإنّها ستعود للظهور بعد فترة قصيرة مثل محارب قديم يغور في الخندق يرتاح ثمّ يطلّ برأسه.

قد أفكّر يوما أن أعرف اسم تلك النبتة

فأراجع القواميس اللغويّة فتقع عيناي على صورتها في قاموس ضخم

وردة الحوذان تجثم على قبري.. ستموت فوق صدري تماما، كلما جذبتها انقطعت فيبقي جذرها في الأرض. الاسم لا يعني لي شيئا. حوذان.. لا أعرفه من قبل أراها في كلّ مكان

لا أقتلعها..

أحبّ ضيافتها....

تتقابلها الشاخصة فيما بعد:

في وقفتي هذه أحلم بفكرة سخيفة تتلاعب مع الموت:

السعي إلى باطن الأرض إذ

لم يكن وصولي إلى بريطانيا عام 1999بالأمر الصعب. إجازتي السنوية أسبوعان.. وجدت في الإعلانات رحلة رخيصة إلى نوتنغهام... وفيها تسمّرت قدماي بالأرض

قلت لا عودة إلى الدنمارك

سحرتني المدينة القديمة، وقلعة روبن هود، والشوارع القديمة الضيقة، تطلّعت في محل غريب الاسم، SLUG&SLAG

كانت هناك لوحة تعلن عن حاجة المحل إلى عامل.، فتجرأت ودخلت، وبمرور الأيام نسيت القرف والقمامة.. لم تعد الدنمارك تخطر ببالي سوى الملامح الجميلة..

البحيرات..

القبّة السماويّة.

حوريّة البحر...

وتجاهلت القبر في مقبرة أسستانت كيركه كورد..

لم أعد بحاجة إليه.. كنت أضحك وأنا أمارس مهنتي بنشاط كلّ يوم.. العمل الروتيني الذي أحبّه.. كوتليت.. بفتيك. . برغر... بتزا أيضا.. أضحك أنّي اشتريت قبرا في الدنمارك لا أسكن فيه.. أبتسم وأردد مع نفسي: الحياة هنا أكثر حيويّة، واللغة، والناس.. ليس من المعقول أن أرجع.. وها هو الزمن يمرّ، فلم لا أجرّب القبر ثانية..

ألحّت عليّ الفكرة، فقصدت مبنى البلديّة، وقفت عند الدّكّة أواجه موظف الاستعلامات:

- بمن أتصل ياسيدي كي أشتري قبرا؟

تطلّع في ملامحي:

-  هل أنت مسلم؟

- نعم.

بحث في الهارد دسك أمامه، واستنسح ورقة قدّمها لي، قال بلطف:

- لديك عناونين وهواتف أربع مراكز إسلامية هنا في نوتنغهام، وأسماء المعنيين في هذه المراكز بالقبور، اتصل بأيّ مركز ترغب.

وظهر أنّ اجراءات شراء قبر في بريطانيا أكثر تعقيدا منها في الدنمارك!

سبابتي تركتُها للمصادفة وحدها فوقع إصبعي على اسم السيد أسرار.. أسفل الورقة..

هذا ماكنت أفعله في المدرسة. أختار المكان الأخير فالصفوف الأولى أراها تحت بصر المعلم. غالبا ما يسأل من يجلسون في الصف الأول ومن لا يعرف يكون هدفا لعصاه التي يشير بها إلى ما يكتب على اللوحة ويهوي بها على راحات الأيدي.

السيد أسرار عضو الرابطة تكفّل بالقبور، أخذتي إلى رقعة داخل مقبرة كبيرة. مساحة تسع مائة قبر.. أشار إلى قبر في شمال المقبرة، وقال هذا قير والد زوجتي، المكان في أطراف المدينة، هناك صمت مطبق لا يشبه صمت مقبرة كوبنهاغن الذي يهبط في الليل، ولا صمت المقاعد الأخيرة وأمانها من عصا المعلّم في المدرسة الابتدائيّة..

حين عبرنا قطعة ال 100 قبر إلى الشمال وقع بصري على المقبرة الكبيرة، وشواخص القبور، وسنديانات الورد أسفل كلّ شاهدة. وقف السيد أسرار، وقال:

- هذه هي مقيرة المسيحيين، وقد أعطونا مساحة تكفي لمائة قبر.. أخرج ورقة من جيبه، دوّن عليها رقما واسما وأضاف: سعر القبور يزداد، وأنصحك أن تشتري الآن. اتصل بالسدة ليز وحدد معها موعدا لتزودك بكل المعلومات وطريقة الدفع.

وكنت بعد هذا اللقاء اسعى للقاء السيدة ليز... عبرت إليها شارع ليف برة، ومع الاستدارة، انحرفت إلى اليسار فاجتزت الممر الواسع، وبدا لي أن هناك طريقا يمتدّ إلى الأمام، وآخر يتفرّع منه. شواهد أسفلها ورد، وصلبان، ولوحة تشير إلى مكان فرقة الإنشاد والمحرقة.

وفقت أمام باب الإدارة..

ضغطت على الرز...

فظهرت بعد لحظات السيدة ليز.. أنيقة في الستين من عمرها ممتلئة الجسد، متوسطة الطول ذات شعر أسود مجعّد. استقبلتني بابتسامة باهتة أو هكذا خلتها.. باهتة لأنّها تلوح من شفتين يبتسمان على بعد خطوات من القبور..

اقتادتني عبر ممر إلى المكتب لأخرج بعدئذ منها وأنا أملك مكانا أبقى فيه 99 عاما

قرن واحد فقط من تاريخ شرائي لا تاريخ موتي، لن أزرع جوانب القبر أو فوقه شأن قبور الدنمارك، أمّا الشاخصة فسيحفر عليها فنان الحفر على الصخر ما أرغب فيه بعد موتي!

عمري الآن خمسون عاما.. وستبقى الشاهدة في الخفاء ما دمت حيّا..

لو عشت 20 سنة فسأبقى في قبري الثاني 70 عاما

أفترض

ثمّ

بعد نصف قرن

قرن لا أعرف ماذا يفعلون بي

يلقون بآخر فوق رفاتي

أو

السيدة ليز تقول: لا نعرف أُذكِّرُكَ أن مبنى الدوار حيث هو الآن للتزلّج على الجليد كان مقبرة في الأساس.. قبل 99 عاما...

الرقم 99 في أوروبا يحتلّ القبور.. والسلع.. 99 بنس سعر علبة الشوكولاتة

6. 99 ربطة العنق

2. 99 سعر علبة المربى

الحذاء

السترة

ولدي أيضا رقم الأرضK2

أنا محظوظ جدّا سأبقى في مكاني تحت الأرض قرنا إلأ عاما أو بضع عام هذا إذا افترضت أنّي أموت في أقرب وقت.

***

السمفونيّة الثالثة

قارئة الشواهد3

لم تكن تحترف الفنجان من قبل...

كانت تصحب أيّ زبون إلى مقبرة المدينة تستعلم منه عن اسم امّه وعمره كما يفعل قارئ الفنجان أو الكف ثم تجعله يلمس بعض شواهد القبور فتخبره عمّا يخصّه من زمن ماكان وما يكون.

تدعي أن زمان الكفّ ولّى والفنجان أمّا مايخبرنا عن الماضي والمستقبل فهو شاهدة القبر وقد صدّقها كثيرون

أمّا قطعة الأرض الخاصة بي فمازالت تنتظر الشاخصة.

***

السيرة الثالثة

القبر الثالث

2003

يهمّني الرقم أعلاه كثيراً

فقد تمكّنت من زيارة أهلي أخيراً

بعد أن يئست

سمعت بسقوط بغداد

وبعد أن اشتريت قبرين

واحد لا أرغب في أن أدلف فيه

والآخر ينتظرني

أول ما فكرت أن أزور قبور اهلي والمدرسة الابتدائية لا تطلع في الصف والمقعد الاخير

ذهبت مع اخي الذي علمت منه ان المدرسة أصبحت جمعية خيرية فاصررت على رؤيتها بشكلها الجديد.

البوابة مغلقة، أمامها يقف حارس في الأربعين من عمره

قلت:

- أتعرف الفرق بين المدرسة والقبر؟

أجاب ضاحكا:

ا- لمدرسة تستقبلنا ونحن صغار، أما القبر فلا يهمّهبأيّ سنّ تكون.

قلت كلامك صحيح بعض الصحة لكن في الحقيقة المدرسة يمكن أن تخرج منها لكنك لا تغادر القبر

استهوته المقارنة، فعقّب:

- الغرب علّمك الفلسفة.

ثمّ

سرنا باتجاه المقبرة...

خيّل إليّ أنّ مدينتي كبرت بشكل مرعب، ولم أصدّق أنّ المقبرة نفسها اتسعت، وامتدّت بشكل يكاد لا ترى له العين نهاية، كنت قد زرتها قبل الهجرة. أودّع صديقا وقريبا، وقد وصلني نعي أبي وأمّي بعد هجرتي بسنوات... سرنا في العمق، وملنا عند مربّع كبيرا المساحة، توقف أخي، فطالعني وسط المربع قبران وشاخصتان

المرحوم....

المرحومة....

قال أخي، بنغمة ذات عمق حزين:

- اشترينا هذه المساحة لتخصّ العائلة

بدأنا نقرأ الفاتحة ولم أرفع عينيّ عن الشاخصتين، غير أنّي انزعجت من تشويه ظاهر أصاب قبر أبي، وكانت فطنة أخي تعقب دهشتي:

- القبر كان مبنيا من المرمر غير أن بعض اللصوص سطوا على المقبرة أيّام الحصار فاقتلعوه، وحين ماتت أمّي بنينا القبر بالطين.

وددت أن أظلّ بصمتي طويلا طويلا، ولم أصبر:

- ألا نعيد ترميمه من جديد؟

- الآن أصبحت المقابر أكثر أمانا في بالي ما تفكّر به وسأنفّذ فكرتي للقبرين يوما ما.

- آمل ألّا يطول الوقت!

واسترقتني نظرة خاطفة إلى بعض الزائرين الذين جاؤوا لموتاهم، فأبصرت سيدة تزيح شجرة عاقول عن قبر ثمّ تسكب سطلا من الماء عليه، فندمت لأنّي كدت أنسى قارئة الشواهد، فالتفتّ إلى أخي:

- هل تتذكّر قارئة الشواهد؟

فصعقته الدهشة:

- ما الذي ذكّرك بها؟ أووه ماتت من زمان.

- رحمها الله.

- مع الأسف لم أدعها لقراءة كفّي فتأخذني إلى إحدى الشواهد!

ردّ أخي مستنكرا:

- لو لم يكن للمكان هيبته لغرقت في الضحك!

في البيت بعد زيارة المقبرة أخذ الحديث طابعا آخر، وردت في ذهن أخي عدّة اقتراحات وجيهة وشاركته الرأي أختي التي تسكن مع زوجها على بعد خطوات من بيت أخي. لم ينسوا خلال الحديث فضلي في مساعدتهم زمن الحوار، لاسيما أنّي لم أكن أعيش على مساعدات البلديّة، وتوفّر لي مال كثير بعد أن عملت في نوتنغهام. اعتدت أن أحفظه في صندوق وديعة الوثائق في المصرف خشية من الضرائب والسراق الذين يداهمون البيوت، وتلخّصت الفكرة التي طرحها أخي في أن أفتتح مطعما في البلد.. مطعم على الكورنيش أقدّم في الأكلات الشرقيّة والغربيّة، مشروع مربح، مادامت نقودي حاضرة.

صفنت

فكرت

سرح بي الخيال قليلا لكنّ صوت أختي انتشلني من غيبوبتي الخفيفة:

- أليس هذا أفضل من أن تموت في الغربة وحدك أنت الآن في الخمسين إلحق نفسك.. إستقرّ وتزوّج... بدلا من أن تموت وحيدا...

ابتسمت ابتسامة باهتة فيها بعض البريق:

- لم تعد الغربة حقيقيّة، انتشر النت، والهواتف النقّالة.. يمكنني أن أعرف ما يجري في أيّة بقعة من العالم وكأنّني أعايش الأحداث، وأقدر أن أتصل بكم كلّ يوم أراكم وترتوني.

قال أخي:

- لن تخسر شيئا جرّب.

وردّت أختي:

- إذا لم يعجبك البلد تستطيع العودة إلى أوروبا.

لا أريد ان افرض نفسي على الاحداث سوى أنّي تركت للقدر نفسه بحلوه ومرّه أن يجري كما هو، كنت بحاجة للتأمّل وحدي، وتعجلت السّهرة أن تنفضّ من حولي سريعا حتّى أرقد على فراشي لأفكّر بالقبر الثالث، كلام أخي معقول، في حالة الدنمارك سعيت لشراء قبر بعد أن دفعتني إليه أصابع مقطوعة مشوّهة في حاوية أزبال، وفعلت الأمر نفسه في بريطانيا ظنّا منّي أنّ الوضع يظلّ كما هو عليه إلى الأبد، أمّا هنا في هذه المدينة التي تركتها قبل عقود فقد وجدت قبرا جاهزا ينتظرني:

المساحة نفسها

الطول

العرض

هو دعاني إليه

أفضّل أن يكون مكاني - إذا متّ - جنب أبي- بحكم كوني الأكبر-، أمّا أمّي فسترقد أختي جنبها، البنات والـأمّهات، وسرح بي الخيال بعيدا... بعيدا.. تساءلت هل كنا نجتمع ثانية لو أنّ أختي هاجرت إلى بلد، وأخي إلى بلد آخر، كيف تتوزّع القبور.

لكنّني

قبل كلّ شئ

وقبل أن أسرح في النوم:

اقتنعت بالفكرة.. قلت بصوت غير خافت:

- نعم لأجرّب لِمَ لا!

***

السمفونيّة الأخيرة

ثراء4

لأبي قبر في بغداد

أختي ماتت في كندا وأخي في سدني

أمي ترقد في كوبنهاغن

وأنا أدفن بعد مديد العمر بلندن

أيّ سحاب

يعبر أيّ بلاد يوما ما

سيصيب لنا قبرا

***

د. قصي الشيخ عسكر

....................

1- هي قصّة قصيرة ترجمتها إلى الإنكليزيّة ونشرتها في مجلّة Poetry الأمريكية وقد اخترتها مع قصة أخرى وشعر مقدمات سمفونيّة لهذه القصّة.

2 - من قصة لمحة لي منشورة

 3- قصّة لمحة لي منشورة

4- من شعر منشور في ديواني (الديوان الرشيق)

كالعادة، يمر صباحاً في الحي الهادئ

يحيي أشجار البلوط

وسياج الورد

وقطة خلف نافذة مطلة

‏صباح الخير، يقول لجوقة التلاميذ

يتفحص المنتظرين عند المحطة في أخر الشارع

الرجل المستعجل ذو الحذاء الرياضي

موظفة البنك ببدلتها السوداء

كلب الهسكي البني والسيدة البولندية

متقاعدة تحاول التنصل من عادة الذهاب الى العمل باكراً

مُدَخّنٌ أنيقٌ يقف جانباً

زوجان بحقيبة سفر واحدة يتحدثان عن بلد دافئ

والستيني النحيف، سائق الحافلة التي وصلت تواً

عبر موقف الدراجات الهوائية

يواصل المشي مطرقاً متأملاً حذائه الطبي المريح

المعطف الرمادي الذي يغطي أسفل ركبتيه

عصاه التي تَنكَأُ ممر المشاة

والأحجار المصفوفة بمهارة، تغريه بمواصلة الخطى

لا يجدُ بُدّاً من قليل الفضول

إذ يشير الى جهة العنوان الصحيحة

لمسنٍّ لم يُعرهُ اهتماماً ويواصل المشي الى الوجهة الخطأ

عرضهُ مساعدة عجوز يزيح الثلج من مدخل بيته

والذي يتجاهله تماماً

استعداده إعطاء دورس مجانية

دون أن يلقى استجابة من الأم

التي تبحث عنمن يساعد ابنتها

تقديم يورو وأربعين سنتاً ليافع انصرف مسرعاً

لم يجد في جيبه عملات معدنية

لشراء بسكويت من ماكنة البيع الآلي، لم يره أصلاً

إبراز بطاقة النقل الشهرية لمفتش التذاكر

الذي تخطاه متجاهلاً في قطار الأنفاق

أو تنبيه راكبة منشغلة بهاتفها الخلوي

ستفوِّت محطتها، لن ترد عليه

أيها الشبح الذي لا يُرى ولا يُسمع

دع قمراً يطير من صدرك دائماً

عِشْ أغنياتك

فأنت من ترك الصالة مضاءة بعد العشاء الأخير

عُد الى مثواك في مقبرة الحي الأنيقة

‏اكنس الأوراق المتساقطة التي تغطي اسمك

لا بأس إن لم تجد باقةً أو شمعةً

لا بأس، فقد عشت مهمشاً مغموراً

وسعيداً هادئاً كما الآن

غداً ستقوم بجولة أخرى

وستصرُّ على أنك حيٌّ متحركٌ

يبذل عطاؤه اللا مرئي

‏لطالما قلتَ لنفسك:

يوماً ما لن تفتقدني المدينة

وجوهها، شوارعها، منتدياتها

سأُبعِدُ المظلة وأترك المطر يُكملُ المعنى

نكتشف كل شيء عن حياتنا في اللحظة الأخيرة

من الصدع يدخل الضوء

من الإغماضة تنبثق الرؤى

الى صدري يعود سرب الكراكي

تتدلى نباتات الشرفة

يبدأ اللحن

على الضباب أفتح النافذة

أضع قلبي على راحتيَّ

واستشرف البدايات الجديدة

***

فارس مطر

 

عمى البصيرةِ إنْ يَغشى لهُ سببُ

للهِ فـيهِ مـع الـطـاغـيـنَ مُـنـقَـلـبُ

*

يرونَ وهو العمى الاحوالَ صالحةً

كما أرادوا وطـوعًا مـثـلما طلـبوا

*

وكمْ تردّى من الطاغينَ في عملٍ

أنّ الـنجاحَ بهِ والـحـالُ يـنـقـلِـبُ

*

عـمى البصيرةِ مـكرُ اللهِ يُـنزِلُهُ

على الطُغاةِ وفـيهِ يـنـتهي الاربُ

*

ظنَّ الـبُـغاةُ بـنو صهـيونَ أنّـهُمُ

فوقَ الـمقاديرِ والاقـدارِ قد رَكِـبوا

*

وأنّـها طوعُ أيـديهمْ غَـدَتْ سِـننٌ

للهِ قـد سـنّها وهــمًا لــهُ جـلـبـوا*

*

فأسـرفوا وبـذا كانت عِمايَتُـهُمْ

ومِنْ سُلافةِ أهـواءٍ لـهُمْ شَـرِبـوا

*

فحالفوا الجِبتَ والطاغوتُ رائدُهُمْ

ما بينَ شـطريْهما للخـسّةِ احـتلبوا

*

للهِ سُــبـحانَهُ أمـرٌ إذا طُـمِـسَـتْ

فيهِ الـبصائرُ تَغريرٌ بـهِ الـعطبُ

*

قدْ آلَ حـقدُ بني صهيونَ غطرسةً

كحاطبِ الليلِ لا يـدرون ما حَطـبوا

*

تـبـقى جرائمُهُمْ تحكي هزائمَهُمْ

والامرُ جاءَ وفيه الويلُ والحَرَبُ

*

والحَينُ حانَ وهذا الوعدُ أكّدَهُ

ربُّ العـبادِ بخِـزيٍّ أيـنما ذهـبوا

*

لا شيء أكبرُ عند الله لو علموا

مِن الكـبائرِ قتلَ النفسِ ما ارتكبوا

*

وزرًا على وزرٍ اعمالٍ لهم سَلَفتْ

واللهُ يـشـهـدُ أنَّ الـحـقَ يُـسـتـلـبُ

*

بـعـالمٍ لـم تعُـدْ للخـيرِ وجـهـتُهُ

شـريعةُ الغابِ ما زالتْ ولا عَجبُ

*

وأنَّ عـالـمـنا يـجـري بـمُـنحَـدرٍ

وقــادةً فـيهِ أوبـاشٌ هُـمُ الـسـبـبُ

*

أرى مـفـاتنَ دنيانا غدتْ فِـتـنًا

ولُـعـبةَ الساسةِ الإرهابُ إنْ لعـبوا

*

وأصبح القتلُ والارهابُ ديدنهمْ

ولا معـايـيـرُ للأخلاقِ فارتكـبـوا

*

ما لا يُقاسُ ويأبى الله ما فعلوا

وهـو الفـسادُ وهذا الوعـدُ يقـتربُ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الثلاثاء في 25 شباط 2025

........................

* جلبوا: أي اجتمعوا

** الاوباش: السفلة من الناس

لو كان بيدي، لمددت أصابعي عبر مسامات الوقت،

وجمّدت اللحظات التي تسربت كالماء من بين راحتي،

كنتُ سأبني للحنين سدودًا،

وأجعل الذكريات تنحني لي، كسنابل مثقلة بالأمس.

*

لو كان بيدي، لجمعت نجوم الليل في راحتي،

ونثرتها فوق رؤوس العابرين بلا مأوى،

كنتُ سأعيد ترتيب هذا العالم،

بحجم القلب لا بحجم الحدود،

وأعيد رسم خرائط المدن، لا بالحروب، بل بالقصائد.

*

لو كان بيدي، لمحوت آثار الأقدام التي مشت فوق أحلامنا،

وسألت البحر عن وجوه الغرقى،

وأعدتهم واحدًا واحدًا إلى أمهاتهم،

وسألت الريح عن رسائل العشاق التي ضاعت في الزحام،

وسلمتها إلى أصحابها، قبل أن يبللها الفقد.

*

لو كان بيدي، لجعلت المطر يعبر الأزمنة،

يسقي عطش البدايات، ويطفئ حرائق النهايات،

كنت سأجعل الأرض تدور عكس الوقت،

فلا يكبر الأطفال قبل أوان الضحك،

ولا تهرم القلوب قبل أوان الحب.

*

لو كان بيدي، لفتحت نافذة في كل جدار،

وأخرجت الشمس من جيب المعطف الشتوي،

كنتُ سأهندس الموسيقى في صمت المدن،

وأعيد للأرصفة نبض الأقدام التي فقدتها في الغياب.

*

لو كان بيدي، لكسرت عقارب الساعات،

وحررت العصافير من أقفاصها الحجرية،

كنت سأعيد تسمية الأيام،

فلا يكون الإثنين ثقيلًا،

ولا يكون الأحد انتظارًا مريرًا،

ولا يكون الخميس وحيدًا في منتصف الطريق.

*

لو كان بيدي، لمحوت الحدود بين الحروف،

وسمحت للكلمات بأن تهرب من قوالبها الصلبة،

كنتُ سأكتبك قصيدةً بلا نهايات،

وأتركها تسافر مع الريح،

تبحث عن قارئ يصدق أن العالم لم يخلق ليكون بهذه القسوة.

*

لكنني…

لست سوى ظلٍ يمشي بين الاحتمالات،

حلمٌ يخطو بين الممكن والمستحيل،

أدس يدي في جيب القدر، وأبحث…

ولا أجد سوى قبضة من رمل، تتسرب من بين أصابعي.

***

مجيدة محمدي – شاعرة تونسية

إلى حسن، وهو يدشن عامه الخامس، في عالمه الابدي

إليكَ الشوقُ يأخذنِي وأنَّي

قضيتُ العمرَ بعدَكَ بالتمنِّي

*

أتوقُ لقربِكَ الداني ولكنْ

يصدُّ البعدُ أحلامي ويضني

*

رأيتُ الحلمَ في عينيكَ صبحًا

فأضحى الحلمُ وهمًا دونَ ظنِّي

*

وهبتك مهجتي حبًا ونورًا

فأينَ النورُ؟ أين الحُبُّ منِّي؟

*

أما جئتم بشوقٍ فيه دفءٌ

يُداوي القلبَ من جرحِ التجنِّي

*

أيا حلمَ الليالي الموحشاتِ

متى تصحو لتُنهي ليلَ حزني؟

*

فكم قالوا يعودُ مع المساءِ

وكم قالوا سيسري مثلَ مزْنِ

*

أيا أملاً يُبدّدُ كلَّ خوفي

ويُرجعُ طائرَ النجوى يغني

*

أما يكفيكَ أنِّي قد نذرتُ

حياتي في هواكَ بلا تثنِّ

*

فقد أضنى فؤادي فيكَ شوقًا

يُناجي الليلَ في وجدٍ وحزنِ

*

ألا عدتم، فإنَّ القلبَ يشقى

وفيه الشوقُ يصرخُ دونَ وهْنِ

*

كأنك نورُ صبحٍ قد تولّى

وما زالت بقايا الشوقِ تُغنِي

*

فلا طيفٌ يُخفّفُ من لهيبي

ولا رؤيا تُزيلُ الآه عنِّي

*

رحلتَ ولم تزل روحي تناجي

خيالًا ضاعَ في صمتِ وأنٍ

***

د. جاسم الخالدي

روحُــكَ تَلاشـتْ عن مَهـدِ مائـي

وتَبخَّـرت بُحيـرَةُ ذاكِـرَتي...

يا مَنْ كُنتَ أميرَ فاكهتي

لقـد حـلَّ الخَريـفُ برحيلِ البُرتُقـالِ

خَفَـتَ فانـوسُ العِشـق

وأَطفأتُ قَمرَ أيلول

حتى نَبضُـكَ تَجمَّـدَ في عُنُقِـي

وخَبـا بَخـورُ أَنفاسِـي..

الشَّـوقُ غادرَ شُـرفَةَ أَحلامِـي

فَلا سِحـرُكَ يَغْوينـي وكرزُ شَفتيـكَ

دون حَلاوَة..

صَنـوبَرُكَ باهِـتٌ أصفرُ

سئمتُ الـدُّروبَ إلى صـدرِكَ

وفي القِفـار دَفَنـتُ أَشعـارَكَ

وأَضعـتُ مَفاتيـحَ قَلبكَ

بَصماتُـكَ تائهةٌ إلى ساقِيـةِ الريـح ِ

أَتـدري.. هَمَساتُكَ الباردةُ

التَهمَتـها نِيرانُ صَحوَتي؟

ألمَـحُ طيفَـكَ

عنـد أَعتـابِ مَساماتِي

لن تَعبُـرَ ضِفـافَ البَنَفسَـج

أَكاليـلُ النـورِ لا تُزهِـرُ إلاَّ في الضَّـوء

لَمْلِمْ أوراقَكَ العاريَة وارْحَلْ

أنا لا أُتقِـنُ دَورَ الجـاريةِ

وأنتَ فنَّـانٌ في تَقليـدِ السَلاطيـنِ...

ماذا لو أَهدَيتَنـي القَصـائدَ المُطـرَّزةَ بالحَريرِ

وذاتـي تَنتَـحِرْ؟

ماذا لو طَوّقتَنـيْ بالَلآلـئ وشَهقاتِـيَ تُحتَضَـر؟

سأدعُكَ حتَّى آخرِ عهدي

وتراً يَتيماً في سيمفونِيَّـةِ المـوتِ

أَنت لا تُحسـنُ العَـومَ في بحـرِ المُستَحيـل

ولا التَّحليـقَ فوق الثُلـوجِ

فَلتَبـقَ أَسيـرَ الجَليـدِ

***

سلوى فرح - كندا

 

عيونُ الأرقِ

تنام مفتوحة الليل

على آخرهِ ...

بِصَمْتٍ يُشْبِهُ ارتِدادهُ

صدى مَنْفَعَتِهْ!

*

يَسٰحَبُ الأرقُ تصريح التثاؤب

ويَزُجُّ بأربعِ تثاؤباتٍ في غيا

هِبِهِ

خَرَجْنَ في سِلميةٍ

طلبًا لنعاسٍ عُذري الحقوق!

*

يتهَم النومُ الأَرَقَ

بالعمل لدى (عيون خارجية)!

وعقد صفقاتٍ

أَرَقِيَةٍ مشبوهةٍ

لاستهلاك (دِيز بَامْ)

وإدمان العيون عليها!

*

يَسْحَب الأرقُ ذيولَهُ

ويُغادرُ طردياً

مع أول طيارةٍ تهبِطُ أجفانها

وتَحُطُّ رموشها

على العين

في مطار النوم البشري!

***

محمد ثابت السَّمَيْعي - اليمن

 

بياض الفجر بالكاد يحرر نفسه من غبش الليل. مسجد للرب يتلظى بالنار كموقد. السخام غطى باحته بالكامل، وثقوب عميقة رصعت جدرانه، بدت وكأنها أفواه فاغرة، ما زال الدخان يسحب نفسه خارجا منها بتثاقل. نخلة عجفاء بروح مخلوعة يأكلها اللهب. الباب، تتدلى بقاياه قطعة صغيرة من فحم، بالكاد عالقة بالرتاج الحديدي الذي تشبث ملتصقا بالجدار، هذا ما تبقى من بيت قيل انه من بيوت الله.
من هنا مر الجيش الأمريكي، وعن قرب شديد جدا لامس جدران المسجد، لذا أرسل قذائفه وسيل رصاصه، دون عناية. مجمرة نار كانت، هذا ما حدث، فما احتاجت القذائف للدقة، فالهدف واضح وكبير وقريب جدا. كانت تعرف طريقها بحرفة ودهاء، وحركتها موجهة بكتلة واحدة. تومض مشتعلة تحرق وتهرس في طريقها كل شيء وتلهب جوف المسجد وجدرانه. لم يفعلوا ذلك سهوا، فثمة دوافع كثيرة لا يمكن الشك فيها والجدال حولها بعد الذي حدث، ربما كلمة واحدة كانت تكفي لتبرير كل تلك الوقائع. من الجائز أو على الأكثر أن منارته وفي الكثير من الأحيان تبدو مثيرة للريبة وتوحي للكثير من التحدي، أو أن الزخارف فوق جدرانه قد تكون لافتات تحريضية ساخطة، وهناك أشياء خفية تبرر الذي حدث. هكذا اعتقد وتجادل حوله جنود المارينز. ولكن لا مجال للتساؤل مع ما يصدر عن داخل المسجد من ضجيج، ولا وقت للتمييز عمن وبمن وكيف، فلا وقت لإيقاف القرار ومن الصعب تجزئته.
الجوف الذي استعر مثل جحيم كان مدغماً مغلقاً على أسرار وخفايا تبتلعها جدران بناية الرب. منذ زمن مضى لم يعد المكان مأوى للمصلين، هكذا قيل عنه، وليس بإمكان أحد طيلة النهار، ولا حتى في ظلمة الليل، أن يمد بصره ويستطلع ما وراء بابه الموصدة. ليس مباحا معرفة ما يدور في الجوف سوى من أخفى وجهه بلثام. ولكن من أين لهذا المسجد كل ذاك الضجيج وآهات التوجع والأنين المكتوم؟!
في الجوف القهري المجنون ثمة عشرة أجساد متفحمة انتشرت كتماثيل برونزية عتيقة غطاها السخام وموهها الدخان. في الباحة هناك جوار المنبر المهشم ثلاثة جثث متفحمة جاورتها بقايا حديد ملتوٍي لبنادق. في تلك الظهيرة الملتهبة وفي الزاوية البعيدة عند نافذة ألتوت وتهدلت عوارضها الحديدية، كان جسد متكور ما زال يمسك سيفا . ليس للزمن في تلك اللحظة غير أن يفتح عدسته ليخطف تلك اللوحة المفزعة التي رسمها المارينز بجحيم قذائفهم، وعليه إغلاقها بعجالة وإلى الأبد، بعد أن دون في ذاكرته صورة الأجساد المتفحمة.
لا متسع من وقت لدى الجنود الأمريكان لكي يفصحوا عما جرى في الداخل، فالداخل وحدهم من عرف أسراره، ولن يكون هناك مبررا لكشف ما حدث، فكلمة مطاردة الإرهاب كافية جدا لتكميم الأفواه المعترضة المهذارة.
مَنْ جلله الصمت وفطر الحزن قلبه وقعد يلوك وجعه عن قرب ، عجوز جلس القرفصاء عند الزاوية القصية من الشارع، غارق في تفكير مربك. ما انفك ينظر نحو باب المسجد حتى بعد احتراقه. تتحرك عيناه وتدوران ببلاهة في الفضاء، فقد سره أحد الوشاة من اللئام قساة القلوب، قائلا بخفية وحذر من أن يراه ويسمعه الآخرون، أن ابنه الذي اختطف منذ زمن مضى، موجود داخل المسجد، فرابط الرجل هناك مثل معتوه، يسأل نفسه ويجيبها، لعل وعسى والنفوس لا تخلوا من رحمة رب العالمين، وفي بيوت عبادته خاصة، أليس هذه فطرة البشر؟. يا ربي، لم تكن لي مؤونة غير هذا الابن.
لم يسأله الجنود الأمريكان عن سبب وجوده قرب المسجد، ولا عنّ لهم أن يلتفتوا له ليشاهدوا سيل الدمع الهابط بين ساقيتين غائرتين في وجهه المكدود الشاحب.
لم يكن لدى الأمريكان متسعا من الوقت للانشغال بتوافه الأمور، ولا حتى لطمر الجثث المتفحمة أو التحقق من هوياتها، فما جرى لا يتسم في النهاية بأهمية عظيمة، وبيوت الرب لا يمكن أن تكون دائما للعبادة.
***
فرات المحسن

أُرسلت من الـ سفر علي بن منصور ابن القارح

***

وانتَ تغلفكَ رسالةُ الغفرانِ

أخشى عليكَ من جحيمِ النارِ

خذهُ فقط يابنَ المعرةِ

لجنةِ اللهِ ثوبهُ الشفيفُ

*

لا تدنو بهِ للقطرانِ

والسلاسلَ والاصفادِ

دعهُ للحواري والطيورِ والغلمانِ

دعهُ يتنمرْ على قتلةِ الثوارِ

على مضطهدي الجنِ والجانِ

*

يا ابنَ القارحِ ما الذي دعاكَ

تساجلُ ابنَ المعرةِ

لقدْ ساقكَ للتيهِ

للقلقِ والحيرةِ

ارهقكَ بهذا السفرِ

انتَ دخانٌ بينَ الجنةِ والنارِ

*

يا ابنَ القارحِ

اعرفُ أنكَ ستمرُّ باكياً على الحسينِ

وربما تتقلدُ قبعةَ جيفارا

او تجدُ عيونَ سلام عادل

يبعثرها جلادو الجحيمِ

ايُّ خيبةٍ اريدتْ اليكَ

يا صديقَ العدلِ والانصافِ

*

اعتذرُ لفخٍ اوقعتكَ بهِ رسالةُ

الاعمى العظيمِ

ارفعُ يدَ الضراعةِ وانشرها

فوقنا نحنُ المحبينَ لجزالةِ بوحكَ

*

ايها الحلبيُّ ارمِ (دوخلة العمر)

خارجَ مدنِ الموتِ

هذهِ الجموعُ لن يطهرها جحيمٌ

عرضهُ السمواتِ والارضِ

*

يا ابن القارحِ عدْ لقاربِ النجاةِ

انتَ لن تخرجَ من حدودِ النارِ

لو انزلتَ امطارَ اللهِ اجمعها

لقد تعاقدَ ابليسُ على حرقِ العبادِ

بوصايةٍ من اخطاءِ كهنةِ الكذبِ

*

بحمدونةِ الحلبيةِ

او تلكَ المرأةُ زنجيةُ اللونِ

ملكتانِ تطاردانِ عشقكَ الباسقَ

الملكةُ التي انجبتها شجرةُ السفرجلِ

ترسمُ طباعكَ

لا تخاتلُ جمالَ الجنةِ

حتفكَ هنا مرسومٌ انهار َ

اياكَ أنْ تخون َارفعْ الفَ وردةٍ

إنكَ الان في الوادِ المتخمِ بالنساءِ

(ألف عافيةٍ للمؤمنينَ)

*

يا ابنَ القارحِ

تبخترْ بزهوِ الشعرِ

بقصائدَ لا تعرفُ ابوابَ الطغاةِ

لا تسامرُ البطشَ

إني اراكَ تنتصبُ منصةً بعلوِ الجبالِ

تلوحُ لخونةِ الكلمةِ

وتشهرُ قلادةَ نزاهتكَ المختومةِ

من شاعرِ المعرةِ

***

عبد الأمير العبادي

بين هذا وذاك سرقوا منها

خيوط الشمس

سرقوا منها الحكمة والحلم

سرقوا شلال دفء عمرها

سرقوا

أمها وأبيها

سرقوا

ضحكة طفلة وبراءة دموعها

مرغمة هاجرت بعيدا

يبستْ شجيرات دارها العتيق

فسمعتْ آهات جدرانه والاعمدة

واستغاثة جارتها الطيبة

وجدتها التي أضناها المسير

فرافقت روحها نوارس البحر

شهقت الطفلة بحسرتها

وغدت ذكريات طفولتها

تؤلم الزهور والفراشات

التي ودعتها بحنان

وهي تشم عطر ملابسها

ملابس العيد التي لم ترتديها

أبدا

***

سنية عبد عون رشو

جنون الريح

البرد والعاصفة

في السهول

في الجبال

وعلى الشواطيء

والمد والجزر يتفاقم

والكواسج البيض

الهائجة في

اعماق البحار

تطارد اسماك

الزينة الصغيرة

والنوارس والبطاريق

رايتها حزينة حزينة

وجنون الريح

البرد والعاصفة

تمنع الاوزات

العاشقات من الهجرة

الى بحار وبحيرات

احلامها امالها

ورؤاها لكن الهزار

الابيض الجميل

ظل يغرد يغرد يغرد

املا بانبلاج

شعاع قوس قزح

الصباح والشفق

الازرق والمطر

فيا طفلتي العزيزة

ويا طفلتي الحبيبة

اهداي اهداي

وكفكفي دموعك

فالعاصفة ستهدا

ستهدا وسنرى النوارس

والاسماك الصغيرة

والبطاريق فرحة فرحة

بانبلاج شعاع

قوس قزح الصباح

الشفق الازرق

والمطر .

***

سالم الياس مدالو

أشتـــــاقُ فيخذلني صبــري

وأسيــــــرُ إليـــــكِ ولا أدري

*

سيرَ المقرورِ إلـــى نارٍ(1)

سيرَ الظمـــــآنِ إلـــــى نهـــرِ

*

قولي مـــــــا سرّكِ يا امرأة

هــــل أبرأُ مـــــن هــذا السحْرِ

*

يـــا نشوةَ نشـــواتي الكبرى

هــل صحْـوٌ مــــن بعدِ السكرِ

*

يا أعذبَ ما غنيّتُ ويــــــــا

أحلى ما أشدو من شعـــــــرِ

*

أشواقـــي مثلُ فراشـــــاتٍ

لمْ تبرحْ تحلمُ بالزهْــــــــــــرِ

*

أتهرّبُ منـــــكِ علانيـــــــة ً

وأذوبُ هيــــــاما ً فــي السرّ

*

فأنا فـــــــي حبّكِ منشطـــــرٌ

نصفيـنِ.. أعيدي لــي شطري

*

حاولـــــــتُ بأنْ أنســى فإذا

بخيـــالكِ يخطرُ فــي فكـــري

*

يغرينــــــي يملؤنـــي شغفا ً

ويؤجّجُ نــــــارا ً فــي صدْري

*

فأحسُّ بأنّكِ حاضـــــــــرةٌ

أنفاسكِ تلهثُ فــــي نحْـــري

*

والشعْــــرُ الأشقـرُ مُنســدلٌ

كسنابــــــلِ قمحٍ فـي الفجــــر

*

ترميهِ الريحُ على وجهــي

فتفوحُ قواريـــرُ العطــــــــرِ

***

أهواكِ وزورقِ أحلامــــي

يستغــربُ مثلي من امـــــري

*

والريحُ تُجنّ ومن حولــــي

تتلاطمُ أمــــــواجُ البحْـــــــــرِ

*

قلِــقٌ تتسـارعُ فــي صدري

دقّــــــاتُ القلبِ مــــن الذعْــرِ

*

فأنا لم أبحــرْ سيّـــــــــدتي

منْ قبلُ وأجهـــلُ مــــا يجري

*

سأعــــودُ وأنزلُ صاريتي

من حيثُ بدأتُ الــــى البــــــــرّ

*

وسأكتبُ بيتا ً مــــن شعري

وسأنقشــــــهُ فوقَ الصخْــــــــرِ

*

كلّ الأحــــــلامِ إلى أجــــــلٍ

وتموتُ جميعــا ً في الفجْــــــــرِ

***

جميل حسين الســاعدي

...................................

(1) المقرور: من أصابهُ البرد

 

أُرَتِّبُ بَقَايَا طَيْفِكِ حَوْلَ بَاحَةِ خَوْفِي…

مِنْ بَعِيدٍ، أُتَرَقَّبُ حُضُورَكِ مُرتديةً يَأْسِي…

تَقِفِينَ أَمَامِي، تَلُوكِينَ انْتِظَارِي، وَتَقْرَعِينَ أَجْرَاسَ اللهْفَةِ المُعَلَّقَةَ بَيْنَ لَوْعَتِي وَحُلْمِي…

*

أُنَادِيكِ…

فَتَتَدَحْرَجُ كَلِمَاتِي مِثْلَ كُرَاتِ الثَّلْجِ عَلَى أَعْتَابِ حَيْرَتِكِ ..

أَلْمَلِمُهَا عَلَى عَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يَذُوبَ حَنِينِي،

أُخَبِّئُهَا بَيْنَ الضُّلُوعِ،

أُطْفِئُ بِهَا لَهِيبَ غُرْبَتِي،

ثُمَّ أَمْضِي صَوْبَ شواطئ صَمْتِكِ،

أَفْتِّشُ بَيْنَ رِمَالِها عَنْ لُغْزِ تَوَجُّسِكِ…

*

أَنَا هُنَا… قَابِعٌ فِي غَابَةِ وُجْدِكِ،

ضَاعَتْ مِنْ يَدِي بُوصَلَةُ حَنِينِكِ،

تُهْتُ وَحِيدًا أَبْحَثُ عَنْ دُرُوبِ قَلْبِكِ،

تَارَةً أَسْقُطُ لَاهِثًا فَوْقَ أَشْوَاكِ انْتِظَارِكِ وَلَوْعَتِكِ،

وَأُخْرَى أَطْفُو كَزَنْبَقَةٍ فِي بُرْكَةِ حُلْمِكِ…

*

أُنَادِيكِ… بِصَوْتٍ مُخْنُوقٍ بِحَبْلِ اليَأْسِ…

أَنَا هُنَا… هَلُمِّي إِلَيَّ…

لَمْ أَعُدْ أَقْوَى عَلَى أَنْ أَسْتِلَّ سِهَامَ البُعْدِ مِنْ جَسَدِي الوَاهِنِ،

المَصْلُوبِ عَلَى وترِ آهاتِكِ…

هَلُمِّي…

فَهَذِهِ وُحُوشُ التِّيهِ تُطَوِّقُنِي،

مُزَمْجِرَةً، تُرِيدُ أَنْ تَنْهَشَ بَقَايَا قَلْبِي،

المُصَفَّدِ بِأَغْلَالِ بعدك …

هَلُمِّي إِلَيَّ، وَلَوْ بِطَيْفِكِ…

فخيمتي هناك ..

أقمتها عند وَاحَةِ صَبْرِكِ،

تُظَلِّلُنِي سحابة شوقٍ لسنى عينيكِ…

و سأظل أُنَادِيك

أَنَا هُنَا… فَهَلْ عَرَفْتِنِي..!؟

***

جواد المدني

ليهنأَ اللّيل

أنَّ عيونكَ تُغمضهُ

سَلِمتْ سويعاتُ الأساورِ

وسَلِمَ الجَسَد

*

كم مرّةً نَبتت أظافركَ ولم تخنكَ؟

ماتت قنابلهم

وما مات هُتافُ الحنجرة

*

ما بين دمٍ راكدٍ ..

ودمٍ يجري يقاومُ

بحرٌ من الظَّنِّ

*

طلبتُ من اللّيل الظّنين

أن يَذرفني دمعةً واحدةً

على وجهِ تأريخٍ مرير

تجري لا تفارقهُ

*

ليهنأَ اللّيل

أنَّ عيونكَ أوقدت وَمضَ القناديلِ

في الشوارعِ والأرصفة

*

أُحبّكَ

وأُحبُّ ليمونكَ الأخضر

أيّها الحقلُ المرير

*

كانتا سرباً من النظراتِ

يسعُ سماءَ الغَد

حماماً زاجلا في رسائلهِ

ساهماً في الوصول

عيناكَ

تسهران ولا وساوس تسهو

*

أردتكَ بلاغةَ رؤيا

لم تقلها القصائدُ في وزنٍ ونثر

من أين مرّت هذه النايات

ولم تترك ترافتنا

على ثقوب الريحِ في نوافذها

*

ثمانون ضربةٍ ونيف

خلف العنقِ لا تكفي

لم يكن جسداً يختنق

سلاماً سلاماً

*

لا حوافر تجدحُ اللّيلَ

ولا شراراتٍ لنهارٍ يرى

***

يقظان الحسيني

تعالي

عانِقي صُراخِي

ودعينا ننتحرْ..

الوقتُ ليلًا

والجميعُ نيامٌ

وإن فاقوا

ليس أمرًا

فهم كحمالةِ الحطبِ

عانقي صُراخِي لنرحلَ

فالعهرُ مآذِنه

والمذلةُ دينٌ

والعبادةُ انبطاحٌ

عانقيني…

الصراخُ نبيٌ

والعناقُ بقايا أملٍ…

ملَّ قلبي حاناتِ الهوى

وكؤوس الندامى ذكرياتٌ

والهزيمةُ تسكرُ في الروحِ،

وبقايا العمر…مرايا

حطَّمها صمتُ الريحِ

بحوافرِ خيلٍ تسابق الزمنِ

صوبَ نهاياتٍ

تحملُ مفاتيحَ التيهِ.

تعالي…

تعالي…

ودعي خلفَكِ الزمانَ

يبحثُ عن أماكنَ له

والعشقُ عن بقايا قُبَل.

***

كريم شنشل 2018

...

تقص علينا زيتونةُ جدي ذاكرة وصاياه: أنةَ.. أنّة، معفرةٌ بأنفاس ريقه المتعفف، يحرث بساتين أحلامه بأمشاط ضلوعهِ لاصطياد فُتات رغيفهِ من مليء جبينه، وهو يمسح بصماتِ عَرَقِه برماد غليون عمره، يعدّ جمراتِ الصبر بيد حبيبته المتلفعة نسغ أيامه، ثم ينفض الغبار عن ضفاف الفرات ببندقية صيد الحكمة المثكلة بطاحونة سنينه، ليغرس على اكتاف دجلة حنطة الحنين، يذرُ هشيم عموده الفقري سمادا لقوت هُويته، ويعتكف حفيظة أرضه بمخاض عبرات الماء، لطالما تزهر ملذات عشقه مواااويل لهفة بظلال رمش الوسن، فيهدهد أوجاع الليالي بمواويل الاشتياق: (دللول يا الوطن يا بني دللول..عدوك بالمهد معلول)*، مُقبّلا رائحة التراب بجرأةِ شجن مبللة بدماء احفاده، حتى تغفو سكرات حنجرته بصوت الأرق، وليطفئ بعض من حواس ذكرياته يشعل سيكارة همومه بذات حلم يحترق، فتارة يهز أقحوانة رأسهِ بلَوعّة دخان قلبهِ المتآسي، وأُخرى يُلقّن فراسة المطر بحُسن التضرع، كي يغسل تجهّم الذبول من وجوه السنابل، هكذا سلاسة أشجان جدي صفصاف عتيق الحزن لا يصدأ لحاءُ فروعه ،كلما تلحّ عليه لوعات الرحيل يدروش نوبات الوجع (بستات)* أُنس تربت على مشاعر الطين بزخات أمل، وحين تهز زيتونة جدي جذوع ذاكرتها الموشومة بحنة أيامه يتساقط علينا رطبُ عمرٍ محدودب الصبا، فتُكلمني غصات الإستفهام باكتواء جواب أجوف الصدوح، ألم يفترش جدي عباءته سبط ولائم ليُلقم الجوع من نخيل الفؤاد؟؟
ألم يشعل أكمام شبابه حطبا ليتوسد الدفء سكينة الضيوف باسهاب الكرم حتى تهزأ أحضان خيمته من هزالة البرد!! فيااا للذة وصايا جدي السائغة المذاق، تزهر بكل ما أوتيت روحه من روافد.
***
إنعام كمونة
.........................
* إقتباس من فولكلور تراثي.
* البستات: نوع من الأغنيات التراثية

مشتاقة أنا إليكْ..

مشتاقة أنا إلى تقاطع السيوف بـيـن ساعديكْ..

مشتاقة أنا إلى تطريز قامتي

بأحلى ما تشظى

من حضارة العصور في بروج مُقـلتيكْ..

مشتاقة ..

أريد أن أسكُـبَ موسيقى أصابعــي

عناقيدا تـمُـوج كالعذارَى في الندى

فوق ضفاف راحتيكْ..

مشتاقة..

أريـد أن أمْـرَحَ ـ دون رجعة ـ

من غير سَـرْج أو لِـجَام عابـرٍ

كالمُهرة البـرّيّـة البلقاءِ ..

أعدو.. ثم أعلو.. ثم أحْلــو حين أغـدو

ديمَـة ً ورديّـة ً

تُطـرّزُ الهواءَ والمدى

بما يفيـض من زُمُــرّدٍ، يضيء كالمجهول

في غيــوم ناظـرَيكْ..

ياطائرَ الفيـروز كَـمْ من خنجـرٍ

سافـرَ في أوردتي

لكنني رفضتُ أن أموتْ

لأنني مشتاقة إليكْ..

مشتاقة..

كأنني رنـينُ وشْـمٍ في حنين عالقٍ

في سِــدْرَة ٍ راعفــة ٍ

يكتب ما لم يَــرْوِه الــرّواةُ

عن خرائط الأحزان والجَــوَى..

مشتاقة..

كأنني قـبيلــةٌ من شُهُـب

تلهث كالأجراس في منزلـق الدمع الذي

يُعشب بالأملاح والتَّــذكار والنّــوَى ..

مشتاقة..

قد يبستْ كل قوافي الجُلّـنَار في فمي

ونجمُ عمــري قد هــوى

لكــنّ قلبي عن دروب الأقحوانْ

ما ضــلّ يوما أو غَــوَى ..

مشتاقة أنا إليكْ ..

منذ مليكُ الحب فوق عرشه استــوَى..

مشتاقة..

تجرحني وسادتي بعشبها..

وهاتفي النقالُ في الدجى يفرّ من يدي مرتجفا

كالقمر المبلل..

مشتاقة..

من شفتي تطيرُ كم لؤلؤةٍ

تسبقني كسرب نوْرَس إلى شُـطآن ذاك الرجل..

أحبّـه في كل ضـدٍّ قد تلاشى طـرَبا في ضدَّه

كأنه عرجون حنظل مسافــرٌ معي

في أفـق من عسـلِ ..

مشتاقة..

تخطَــفني صراحة المرآة من أنوثـتي

مَجَــرّة ًغافلة ً

تزخرفتْ بالشّـُـهْب والرماد والتخـيّــل..

مشتاقة..

وحدي معي يؤنسني ..

يسحبني تنهّــدُ المصباح من دمي

كـوَردة الصّـدَى..

يجرحني نُــوّارُ صدري والندَى

ولـؤلــؤ ُ الأشـواق يجري كالغروب هائما

في شفتي وأنـمُــلي ..

مشتاقة..

تعْـبَثُ في شَعري

أصابعي وأمواجٌ وبَــرّ ٌهائم ٌ

وكم وكم من نجمة نائيـةٍ وجـدولِ ..

يا سيّــدَ المقام كُـلّمَا

خبأتُ كفي في يديك اغْـرَوْرَقـتْ

كالكوكب الورديّ، ثم احترقتْ

كطائر الفينيق، ثم أينعت بأدمع الرماد

بين مَجهل ومَجهل ..

تنثر من وميضها المبحوح عطرا غامضا

مثـلَ رَذاذ الليل عندما

يهيـج نحلـُـه في مذبــح التّـبَـتّـل ..

مشتاقة..

ألقاك في مُنكسَــر القلب الذي

نَحَـتّـهُ من كتب الأطلال موعدا مؤجلا

ومن تكسّـر الرماح بين أضلعي

تلمّـني مثـلَ بقايا من ضباب في دمي..

تـلـقُــطني من نَـبَــق البرق

ومن توهّـج الياقوت في تَحنان كل أصبع ..

مشتاقة..

تـشعلني نوافــذ ٌ

تشهق في أوردتي..

تنثرني على حقول صدرك الصيفيّ

صحوا ماطرا

كــرَشّــة السراب بين حيرتي وأدمعي..

ألقاك في بُــحّة خاتمي الذي

زخرفـتُه بنبضتي.. نمّـقْـتُـه بدمعتي..

زوّقْـتُه بقُبــلة بطيئـةٍ

نازفةٍ بالشّهْـد والنيران والشذى

في أرَقِـي وفي لواعج الرياح الأربعِ ..

ألقاك كم ألقاك

في مآذن النسيانِ .. في صوامع الهجرانِ ..

في تنهد الأشجار والـذُّرَى

ترتّبُ الأقمارَ والبحارَ والدنيا معي ..

ياطائر الفـيـروز كُلّمَا

نقشتَ لي أغنية بريّــة في عنقي

تنهدتْ

معابدُ المَرجان ثم اشتعلتْ

في غرقي

وحينما

تطايرتْ أناملي مع الندي

أقبلتُ مـن كـل كواكـبي عليكْ

أنزفُ كالكمنجــة البيضاء

ما بين يديــكْ..

مشتاقة ..

من فَـرْط ما بكيتُ

أمسَـتْ كلُّ نجمة

في الكون دمعة ًمشتاقة ً إليكْ..

من فرط ما فَـنِـيتُ

كلُّ خانة عسّـلتُها بالصمت

أصبحتْ بقايا نحلــة

ترتاح كالخلود في رحيق وجنتيكْ..

من فرط ما قبّـلتُ

فيك جُـرحيَ المفتوحَ كالرمّـان

كـلُّ قُـبلــة تحوّلتْ

في أرَق الشّـطآن وردةً، وذكرى من دمي

وسُـكّري في شفتيكْ ..

***

د. قـدّور رحــماني

لم تعد لي إلاّ الأطياف البعيدة، كما كان للجاهلي أطلاله. لم أكن اتخيل أن بكلمتين تهددّ حياتي، وترمي بي إلى أقدار أكبر من محنة سحق عظام أسير أعزل، تحت أنظار قائد جبان.

ولم أصدّق؛ أن انتمائي لعشيرتي وتفاخري بها، يلزماني التمسك بتقاليدها، أو الخضوع إلى عاداتها! حتى وإن كانت منافية للحرية والمعقول.

كنتُ أحَسِب أن مستوى تعليمي، وثقافتي، درعان قادران على صد بعض العادات والتقاليد.

مررت بمواقف عديدة صنعتني من جديد، جعلتني اختار نفسي، وأفلت اليد التي لا تأخذ بيدي لملاذات آمنة، مواقف أجبرتني أن لا أعترف بالرابطة التي تتركني أغرق بدمعي وحزني وحدي...

مواقف علمّتني عندما أرحل لن ألتفت وانظر خلفي، وأخرى درّبتني كيف أدرك أن مشاعري وحياتي ثمينة، وبعثرتها جريمة بحق نفسي أولًا، تحصنت على ألا أترك عواطفي مشرعة على لائحة الانتظار؛ بل أدمن أن أعبر عما أأمن به دون مواربة...

كنّا نعيش في مدينة بعيدة عن مسقط رأسي، كذلك بعيدة عن جميع أقاربنا.

أكملتُ مراحل دراستي، وكبرت هناك...

أحببت وتزوجت بمباركة والدّي، من دون مشكلات أو تدّخل القبيلة.

غير أن الأقدار لم تمهلني الكثير، فقد بكر قدر مشؤوم بموت أبي، فراق ترك بصمة حزن ما فتئت أن تجدد مع ألم خيانة زوجي مع أخرى، وترك في صدري ثقوبًا لا تحصى، فرجعتُ إلى غرفتي في بيت أهلي منكسرة، منطفئة.

حدثان كَبْكبا حياتي، وغيّرا مجراها، لا سيما بعد أن وجد الأقارب فرصة تصدر المشهد على حساب أولويتي كسيدة لها بصمة، ويبدو لي أنهم توعدوني كي ينالوا من كبريائي، حينها أصبح أولاد أعمامي يعاودون الزيارة كل فترة تحت غطاء القرابة!

وإن كنت أتوجس ما بين سطور الزيارات، وظهر الغث واضحاً حين عصفتْ غيرتهم المُدعاة، وثارتْ حفيظتهم المكبوتة، تحت غطاء معرفتهم بحدث طلاقي، وخلال إحدى الزيارات، قال كبيرهم:

ـ لا يجوز أن تبقوا في هذه المدينة بعد وفاة عمنّا!

ردّت عليهم والدتي:

ـ طول عمرنا عايشين هنا، تعودنا على الحياة هنا.

ـ كان عمنّا موجودًا، أما الآن؛ فغير مسموح بهذا الأمر.

ـ "مشتاق" موجود، وهو والي البيت بعد أبيه.

ـ "مشتاق" مازال صغيرًا، غير قادر على حمايتكم.

مع تصاعد حدّة الحديث، خرجتُ من غرفتي، حدّقتُ في وجوههم، فلم أرَ ملامح لأية صلة رحم! سلّمتْ وجلست استمع.

سألهُ آخر بابتسامة صفراء:

ـ هذه المطلقة؟

ـ نعم هذه المطلقة.

ألتفتَ إليّ أحدهم وقال بتفحص غير بريء:

ـ أنتِ "غيداء"؟

ـ نعم، أنا "غيداء".

ـ ماذا أصاب أعيُن الرجال، كيف ترك كل هذا الجمال؟

قلت على استحياء: القسمة والنصيب.

بقيّ طوال الوقت "يخزرني"، لمْ يرفع ولا يحرّك عينه من النظر إليّ، مما جعلني أتوجس، فأمرتني أميّ أن أتجه داخلة بعيداً عن غرفة استقبال الضيوف...

بعد مغادرتهم؛ وَبّختني أمي، وقالت جملتها التي لم أنسَها حتى اللحظة:

ـ "الله يستر من الجاي"!

ـ لماذا تقولين هذا؟ ما هو" الجاي" يا أمي؟

ـ "الله يستر بس".

مرَّ أسبوعٌ واحدٌ، وعاد أولاد أعمامي ومعهم عمّي الكبير، وكانت زيارتهم هذه المرّة بإشارة من شيخ القبيلة:

ـ الشيخ يبلغكم السلام، ويقول صار لزامًا انتقالكم إلى مدينتنا.

قالت والدتي: راحتنا هنا، ومعيشتنا هنا كما أخبرتكم سابقًا.

ـ سنقوم بتوفير جميع احتياجاتكم، لا تكسروا كلمته.

نظرتْ أمي إليّ، وإلى أخي، وفي عينيها استسلام لم أعهده، في هذه اللحظة تحرّك في داخلي غول التمرّد:

ـ نحن لا نتحرك من بيتنا؛ ولا نترك مكاننا وجيراننا وعملنا وأصدقاءنا.

قال عمّي:

ـ هذه عاداتنا وتقاليدنا، بقاؤكم هنا دون رجل " عيب "، لا يتناسب مع قيمنا.

ـ عمو... كأنك تتغافل وجود مشتاق؟ "ترا" أخي ثالث كليّة!

ردّ ابن عمّي، الذي خزرني في الزيارة السابقة:

ـ وإذا ثالث كليّة! نعتمد على طالب عوده ليّن؟

إن أردت أن تفعل شيئا مستحيلا، ضع الخوف جانبًا لتشعر بالقوّة اللازمة لفعل ذلك الشيء.

هذا ما فعله أخي. وقال بصوت واضح:

ـ بعد إذنك عمي، أنا رجل البيت، سأفعل ما كان يفعله أبي، أمي وأختي ستعيشان معززتين مكرّمتين، لا أسمح لأحد أن يفرض سيطرته عليهما.

شعرتُ بأمان يشوبه بعض الخوف والقلق، قلق مشروع بمواجهة غير مُنصفة بين أخي قليل الخبرة بالحياة، وبين فصيل (العقارب) عفواً الأقارب، غير أن ثقتي بمشتاق كبيرة؛ لأنه تتلمذ على يدي أبي الذي يجمع بين قيم القبيلة وبين روح التحضر في توافق نادر.

تكررت زيارتهم بحجّة الاطمئنان، حاول "عبد الجبار" التودد والتقرّب، أمسى يختلق الأعذار ليأتي، ويستمع لأخبار العالم ليتحدّث، ويقرأ ليناقش! كان يصطنع الهيبة غير أنه مشخص بنظري كشخص ليس بمستوى المسؤولية ويمثل دور المنقذ بينما يحتاج هو من ينقذه من تخلفه القيمي...

ذات يوم كان مشتاق يتحدث عن طالب معهم، متعصب جدًا لمذهبه، فقاطعه عبد الجبار:

ـ  أترك وجهكَ الحقيقي وما تؤمن به  في البيت، هذا إذا أردت أن تنسجم مع الناس في الخارج!

بهرتني العبارة، وأيقنت صدق تشخيصي له، فطرقت على حديده الساخن بالقول:

ــ هذه الجمل؛ مَن قائلها؟

قال: أنا.

ـ لا.. لا، صدقًا من القائل؟

ـ صحيح أنا لم أكمل دراستي المتوسطة، لكنني أفهم الحياة، وهذه العبارة استنتجتها من تقرّبي منكم، يعني تركت وجه عبد الجبار وفكرهُ في البيت، حتى أستطيع أن أنسجم معكم.

ـ لستَ مجبرًا على هذا.

ـ للأسف عمّي الله يرحمه، لم يعلمكِ كيف تتحدثين مع الرجال!

شعرتُ بخجل، ربما تماديت في الاستهزاء، فاستأذنت، وتركتهم لأنزوي في غرفتي، تذكرتُ موت أبي الذي جعلني منكسرة، وخذلان الرجل الذي أحببت فجعلني منطفئة؛ وبكيت بحرقة سيدة متوجسة من قدر قادم، قدر مخيف غير واضح المعالم، ونمتُ ودمعتي في عيني، وتنهيدة بين تلابيب صدري.

نهضتُ في أول الصباح لألحق عملي، كانا أخي وابن عمي نائمّين في غرفة الضيوف، بينما أمي في المطبخ، تجهّز وجبة الفطور، قبّلتها، شربت نصف قدح من الشاي، ثم هممتُ بالخروج.

وضعتْ يدها على كتفي وقالت:

ـ  ماما غيداء... عبد الجبار خطبكِ البارحة من أخيكِ.

لم أتفاجأ، لأني كنت متيقّـنة من أن هذا سيحدث كتحصيل حاصل لمقدماته من تردد على البيت ورموز في الكلام... فباشرت القول دون تفكير:

ـ قولا له: غيداء لن تتزوج مرةً ثانية؛ مع السلامة أمي، لا أريد أن أتأخر عن الدوام.

لا أنكر أنني شعرت بتوتر، قلق، وكأنني فتحتُ بابًا للمشاكل والعداوة.

كنتُ شاردة الذهن في العمل، حتى سمعتُ زميلتي تناديني بصوت عالٍ، إضافة إلى ضجيج في الخارج:

ـ غيداء.. هيا نخرج من الدائرة، المدير يقول رجال الأمن والاستخبارات محوّطين المنطقة.

ـ لماذا؟ ما الذي حدث؟

ـ حسب ما عرفت يفتّشون عن شباب لديهم تنظيم معارض للحكم الحالي، " التاريخ يعيد نفسه".

ـ حقهم؛ ما عايشين مثل العالم! التاريخ لا يعيد نفسه أبدًا، نحن البشر نخطأ ونلصق الخطأ به.

ـ لا ترفعي صوتك.

ـ لماذا؟ هل تخافين؟

مشكلتنا هذا الخوف؛ فنحن نخاف وأصحاب الكراسي هانئون؛ نحنُ نبكي والطغاة سعداء؛ نحنُ نُضحي ونفقد شبابنا والجبناء يتزاوجون وينجبون ويتكاثرون؛ نحنُ نثور والعملاء يفوزون بالمناصب.

ـ أنتِ لستِ على ما يرام اليوم، هيا بنا "لا تجينه مصيبة من ورا كلامك".

ـ نعم معكِ حق؛ لا تظهر وطنيتك أمام فئة تعدّ حب الوطن " تُهمة"، ولا تكنْ وطنيًا في بلدٍ يتزعمه متهور أرعن.

ـ لستِ طبيعية، حكم وشعارات... يا رب يخلص اليوم على خير.

أنا في قرارة نفسي؛ أيضًا كنتُ أتمنى أن ينتهي هذا اليوم على خير، فلا أعرف ردّة فعل عبد الجبار حين تخبره أمي بقرار رفضي الزواج منه.

وصلتُ إلى البيت، وجدتهم مجتمعين في غرفة الجلوس، صامتين، وكأنهم في مأتم!

ـ أهلا بالدكتورة!

قالها ابن عمّي

ـ مرحبًا... هل سمعتم ما حدث اليوم؟

كانت أمي شاحبة الوجه، وعيناها حمراوان، بينما أخي ساكت.

قال عبد الجبار:

ـ بحكم أني ابن عمكِ، فلا يمكن ولن نوافق أن تتزوجي أي رجل غيري؛ وسنعلن هذا بين القبائل، حتى لا يتجرأ أي رجل غريب ويفكر أن يرتبط بكِ.

لم أصدّق ما سمعته، ولم أستطع أن أنبس بحرف واحد، وكأن الشلل أصاب لساني.

أعرفُ أني أعيش في مجتمع قَبليّ، وبلد تحكمه الأعراف والتقاليد، حتى وأن كان الظاهر غير ذلك، كما أعرف أن الكلمة أصبحت عبارة عن رصاصة حيّة، وقد تنطلق من أقرب فوهة، أو من فوهةِ قريب.

وأصبحت الهواجس والتكهنات رفيقة الآن والأوان.

ماذا يعني؟ هل حلمي بأن أحبّ مرةً أخرى، وأتزوج وأكوّن أسرة بات بعيد المنال؟

من المستحيلات؟

هل أتزوج رجلًا لا أحبّه؟ لا أرغب فيه.

مرّ أسبوع كامل وأنا في هذيان مع نفسي، أخذت إجازة من الدوام، ولم أرغب الخوض في أيّ حديث مع أحد، ألف فكرة وفكرة كانت تتخبط في رأسي.

بعد انقضاء الإجازة؛ باشرتُ عملي، استقبلتني زميلتي:

ـ الحمد لله على السلامة غيداء، كيف صرتِ؟

ـ بخير.

ـ يقولون ابن عمكِ " نهى عليكِ".

ـ من أين أتيتِ بهذا الكلام؟

ـ ألا تعرفين عندنا "رويتر" بالدوام.! والمدينة حوصلتها صغيرة، لا تهضم مثل هذا الخبر.

هنا شعرتُ بلطمة قوية صفعتني، وكأنني طائر صغير في قفصٍ بابه محكم القفل، والمفتاح بيد عبد الجبار!

كنتُ أنظر في عينيها وهي تحدّثني، وخلجاتي تحدّثني أيضًا:

نعم سأستمر بحياتي، عملي، طريقة لبسي وحديثي، صداقاتي؛ لكن سأبقى عَـزباء ما حييت إن لم أتزوج ابن عمّي!

ـ بماذا تفكرين؟ ماذا ستفعلين؟ سألتني زميلتي.

ـ لا أدري... على الأقل حاليًا... لا أدري، لا أقدر أن أفكّر بشكلٍ صحيح.

ـ إياكِ أن تفعلي ما فعلتهُ " شروق"!

ـ لا طبعًا.. الموت ليس حلًا؛

هل الانتحار أسهل الطرق للتخلّص من ضيقٍ يصيبنا؟ هل يرضى الخالق للمخلوق هذا الموت، وفي الحياة متسع للعيش والأمل؟

لا يا عزيزتي، لم أصل إلى مرحلة اليأس ولا الهزيمة، بل أفكّر كيف أسحق تلك الفكرة، وتدمير ذلك الوضع، وأنا واقفة على أقدامي، وبكامل قيافتي الذهنية والنفسية...

وبمرور الوقت سأنسى، وشيئاً فشيئاً وكأنه لم يكن.

ـ أغبطكِ يا غيداء، لا تفعل هذا إلاّ فتاة صاحبة قرار وإرادة قوّية.

ـ وهل قتل النفس أسهل من اتخاذ قرار في البقاء والتحدّي؟ هل يرضى الخالق بهذا الموت المجاني من أجل سلطة ذكورية همجية؟ لن يرضى أكيد.

كنتُ أتحدّث إليها وقراري يزداد عندًا وإصرارا..

رجعتُ إلى البيت، وفي نيّتي فتح الموضوع مع أمي وأخي؛ وفعلت...

بعد أن انتهينا من وجبة الغداء، أخبرتهما أنني أرغب في ترك هذه المدينة، بل البلد بأكمله، والقرار بالنسبة لي بلا عودة، فقط كنت احتاج موافقتهما ورضا أمي.

ليس سهلًا عليهما، ولا عليّ أيضًا، لكن لا خيار أمامي؛

محاولة تغيير وجهة نظر انسان متعنّد.. مثل محاولة إجبار سمكة على التنفس خارج الماء.

نعم أُعتبرتْ " النهوة العشائرية " جريمة، وسُنّ لها قانون في بلدي، لكن مَنْ يعترف به إذا كان التعصّب القبلي سيد الموقف؟

مَنْ يتقرّب من فتاة وهو يعرف أنها "محجوزة" تحت هذا العُرف؟

ومَنْ يمنع الأصبع التي تضغط على الزناد لتتحول إلى جريمة قتل؟

أيُّ فتاة تتجرأ وتسجن أقاربها من أجل أن تتزوج؟

وإن فعلتها... تُرى هل ستعيش فرِحة؟

لهذا لم استمر بالسير في طريق لا أعرف نهايته، أو أعرف أنه يؤدي إلى عتمة.

فغادرتُ الدار، والنخلات والوطن والذكريات... إلى بلادٍ لا تعرفني ولا أعرفها، بيد أني أعرف بأني امرأة واحدة من بين ألف ألف... تعرفُ ما لا يعرفه النهر.

***

ذكرى لعيبي - ألمانيا

خريف 2022

في انْتِظَارَكِ..

في انتظارُكِ .. ياوليةْ

في المطاراتِ...

وفي الحفلاتِ ...

في خُطَبِ الدَنِيَّةْ

في عيون النيلِ...

فى الخُلْجَانِ...

في أرقى النجوم الفندقيةْ

في الجرائدِ ...

والموائدِ ...

في القصور العاهِلية!

*

ألف مرحى

جِئْتِ من (تَكْسَاسِ) تبتاعینَ

فاختاري المطيةْ

بمقاسٍ عربیٍّ

صَنَّٰعَتْهُ الأجنبيةْ:

أي لونٍ لا يُنَاسِبُكِ دَعِيهْ

أي نوعٍ جلْدَهُ أقوى خُذِيهْ

أي زوجٍ

زاد عن رِجْلَيْكِ حَجْمَاً

ذاك مجهول الهويةْ!

*

واسْتَريحي يا (وزيرةْ)

من عناءِ البحثِ...

والتحقيقِ ... والتلفيقِ

في كل جريرةْ

واشربي فنجانكِ المعهود

من نفطٍ .. وبيرة!

*

واسْتَعِدِّي يا وَلِيّةً

إنهم جاؤوا وهاهُمْ

في لسانُ الصَّمْتِ أقوى

من هدير المدفعية!

وأَعِدِّي ما اسْتَطَعْتِ

مِنْ قراراتِ التداولِ

والتَّبَصُّرِ ...والرَّوِيّةْ

(كَعْبُكِ العالي)

سَيُصْدِرُ رَفْسَهُ القاضي:

بالقاءِ التحيةْ !

*

إِنْ تَعُدِّي نِعَمَ (البابا)

فلن تُحْصِينَ

أَذنَابَ (القضيّةْ)!

***

محمد ثابت السَّمَيْعي - اليمن

.......................

* كُتِبَتْ هذه القصيدة أيام (كوندليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة

 

(1)

أزمانُهم أزلٌ يمشي الى أبدٍ

الواقفونَ بجنبِ الحقِّ ما ماتوا

تأبَّدوا ، وقلوبُ الناسِ أبياتُ

*

أَزمانُهم أزلٌ يمشي الى أبدٍ

وصوتُهم ضدَّ صوتِ الظلمِ أصواتُ

*

في كلِّ فردٍ مشى جيشٌ بمشيتِهمْ

وكلُّ جيشٍ بِهِ الوقفاتُ صولاتُ

*

تعمى بَصيرتُهم عن كلِّ مُنحدَرٍ

لأنَّهمْ لبريقِ النجمِ راياتُ

*

الراسخونَ وبَحرُ الغدرِ مضطربٌ

والقاطعونَ رقابَ الموجِ اِنْ فاتوا

*

والراسمونَ على عهدِ الوفاء مدىً

ستستوي فيهِ أحقابٌ وساعاتُ

*

ويستوي فيه مَن راحوا ومَن رجعوا

لأنَّهم في رحابِ الحقِّ قدْ باتوا

*

وقدْ يمرُّ من الأزمانِ أظلمُها

لكنَّهمْ للضميرِ الحيِّ مشكاةُ

***

(2)

لمْ ينتهِ التاريخ

لم ينتهِ التاريخُ اسمُكَ كونُ

تنهيهِ نونٌ ثمَّ تبدأُ نونُ

*

حبرُ البحارِ أتى ليكتبَ قصةً

نجمُ السماءِ تلا، فعمَّ سكونُ

*

هذا هو النبأُ العظيمُ ولمْ يكنْ

موتاً، فألفُ ولادةٍ ستكون

*

أورثتَ همَّاً للذين تغطرسوا

فسرى بِهم فوقَ الجنونِ جنون

*

فزعوا يريدونَ المعونةَ كلَّها

فأتى لهمْ جنبَ السفينِ سفينُ

*

أمّا جيوشُكَ فالشبابُ مِن القُرى

جاءوا، ولكنَّ الحسينَ حسينُ

*

أبديةٌ منحتْ خطاكَ الى الذُرى

مَن قالَ ماتَ وغيبتْهُ منونُ؟

*

ستفيءُ للتاريخِ ملحمةً بِها

تلدُ السنونَ على الدوامِ سنونُ

*

في كلِّ عامٍ دفعةٌ عملاقةٌ

لتعيدَ اسمَكَ أحرفٌ وعيونُ

***

(3)

سيقرأُ الجيلُ بعدَ الجيلِ أسطرَهُ

ما انهارَ، بَلْ أسَّسَ الأبراجَ أدراجا

مهندساً لِحبالِ الضوءِ نسّاجا

*

ما انهارَ، بَلْ نيزكاً نحوَ الفضاءِ مضى

حتى يكونَ على رأسِ الفدى تاجا

*

سيقرأُ الجيلُ بعدَ الجيلِ أسطرَهُ

اسطورةً وصداها البحرُ اِنْ ماجا

*

تُحاكُ مِن غضبِ الأمواجِ صولتُهُ

فتستبيحُ سدوداً ثمَّ أرتاجا

*

موكَّلٌ بِرياحِ الأرضِ يَعصفُها

أنّى يَشاءُ مُغيراتٍ وأسراجا

*

هاجتْ بِيومِهِ أقلامٌ وأفئدةٌ

لكنَّهُ في فؤادِ الروعِ ما هاجا

*

كأنَّهُ خَبرَ الموتَ العظيمَ مدىً

فسارَ فرداً وأرتالاً وأفواجا

***

شعر: كريم الأسدي

اِمْرَأَةٌ حَسْنَاءْ

ذَاتَ صَبَاحٍ صَادَفَهَا نَرْسِيسْ

وَهْيَ تُغَادِرُ مَخْدَعَهَا

بَيْنَ جِبَالٍ مِنْ وَرْدْ

قَالَ لَهَا

أَنْتَ اَلْوَرْدُ، وَعِطْرُ اَلْوَرْدْ

وَأَنَا أَمْضَيْتُ اَلْعُمْرَ تَعِيسْ

خَدَعْتْنِي اَلْأَنْهَارْ

فَغَدَوْتُ أَحْدِّقُ فِي مِرْآتِي

وَأَهِيمُ بِذَاتِي

لَيْلاً وَنَهَارْ

**

اِنْذَهَلَتْ

حَسْنَاءُ اَلْوَرْدِ، وَعَنْهُ اِبْتَعَدَتْ

قَالَتْ بِحَيَاءْ

كُلُّ اَلْأَوْرَادِ لَهَا أَشْوَاكْ

فَابْعُدْ عَنِّي

كَيْ لَا تَجْرَحَ نَفْسَكْ

وَتَبَدِّدَ حُسْنَكْ

وَاتْرُكْنِي

كَيْ لَا تَتَنَشَقَ عِطْرِي

كَيْ لَا أُدْمِنَ وَجْهَكْ

لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَبْكِي

صَارَ يُكَفْكِفُ أَدْمُعَهُ

وَيَقُولُ بِصَوْتٍ مُنْهَكْ

مَا أَتْعَسَ عُمْرِكَ يَا نَرْسِيسْ؟

هَلْ تَبْقَى لَا تَعْشَقُ غَيْرَكْ؟

هَلْ تَبَقَى طُولُ اَلْعُمْرِ تَعِيسْ؟

هَلْ تَبَقَى يَا نَرْسِيسْ؟

***

شعر: خالد الحلّي

 

‏الشارع الذي ينعطفُ يساراً

عند واجهة المتحف

مازالت أشجاره المضيئة تترنم

شال الصوف على كتف امرأة مُسنَّةٍ

حكمة دافئة

الصباح التالي بعد عشية عيد الميلاد

برج الكنيسة القوطية يُعيدُ توازني

الهواء قلق

وأقدامي باردة

‏أفتح النافذة لطرد الشبح الخانق

ولدخول اليوم بكامل أصواته وطيوره

أراقبُ ثعلبَ الحيِّ الذي يخرجُ من فتحة سور الآجُرِّ المتآكل ‏

والذي يكادُ أن يكون أليفاً

قرميدُ سقف البناية المقابلة المُوشَّى بالطحالب لوحةٌ أخّاذة

الفن يشق صدري يزرع فيه السمفونية الخامسة

تتوالدُ الموسيقى

تتناسلُ الآفاق

تتواجدُ الروح

أتناولُ جسدي الخشبي الضئيل من فوق رقعة الشطرنج الرتيبة

أرميه بعيداً نحو غابةٍ لتُعيدَه مُورِقاً

أركُلُ أدوية الصباح

أتحررُ من سطوة العقارب

أطحنُ ساعتي اليدوية الرخيصة

أذيبُ ملابس العمل الأبيض بمحلول حامضي مُرَكَزٍ وأسود

أحذفُ من هاتفي صورة مواعيد الباص الذي يمر كل عشر دقائق

أصفعُ الأيميل العاجل الذي يقضي أن أعمل في عطلة نهاية الاسبوع

أُفعِّلُ خطة ليلة رأس السنة الميلادية التي أُلغيت

أباركُ نسياني شراء دواء الربو قبل بدء العطلة

أصالِحُ نشرة الطقس المُحبطة

أبَيِّضُ مسودةَ القصيدة التي كنت سأحذفها كاملة

آكُلُ بنهم الشوكولاتة والكعك المُحلى

أعتقِلُ عاداتي الصحية بزنزانة منفردة

أُحَيِّي كل هذه الفوضى

أغبِطُ السقوط المفاجئ

أعيدُ الاعتبار لجبهتي المهشمة

أحاوِلُ استعادتي على مسرح الوهم

اؤدي دوريَ الراقص اللا مكترث

المنفلت

الماطر

الهادر

الثري بصمته

الشهيد باخفاقاته

من ظن أن الطيران بالقلب لا بالأجنحة

الخارج عن النص بلا كلمات مسبقة

الراكض

الراكض

رغم توقف قلبه

***

فارس مطر

هدير نهر الحب

يدخل هادئا

الى قلبي

ماسحا عن شغافي

كل ما يتعلق به

من شوك متمرد

وعوسج ملونا رؤاي

بلون الشفق الازرق

مانحا اياي

قوة ونبض

المروج

الينابيع

والحقول

وحين الليل اقتعد

تلة روحي

مغنيا اغنيات

البرق الريح

والمطر

وهدير النهر

يدخل قلبي هادئا

ماسحا لون

التراب

الغبار

والرماد عن

مرايا عيوني

عن مرايا

حلمي الابيض

وعن مرايا شغافي .

***

سالم الياس مدالو

الليلُ ستارٌ نُسدلُهُ

فوق نهارٍ منْ أرَقٍ.

*

أطرقُ نافذةَ نهاري،

البابُ المُغلَقُ منْ غيرِ مفاتيحٍ،

البوّابُ النادلُ يغيبُ،

يظهرُ في ليلٍ داجٍ

منْ غيرِ ثيابْ.

عارٍ عنْ أرديةِ كلامٍ.

*

بابُ الكهفِ سرابٌ،

ثالثُنا القلمُ،

قلمُ الكلماتِ على ورقٍ

لا قلمُ شفاهٍ لا تنبِسْ.

*

ذاكَ البوّابُ يُغازلُني

أنْ أفتحَ كلماتي

لريحٍ صفراءْ،

قلْتُ:

أنا ريحي حمراءُ بلونِ الرايةِ

لا لونِ وجوهِ الأسيادْ.

*

في زمنٍ مرَّ

لم أفتحْ بابي يوماً

لريحِ كنوزِ الأٌقوامْ.

كيفَ أكونُ اليومَ

على اعتابِ الأوهامْ:

وهمِ المارينزِ،

ووهمِ ذيولِ المارينزِ،

ووهمِ عمائمِ شيخِ الخُدّامْ!؟

***

عبد الستار نورعلي

الإثنين 9.4.2018

في نصوص اليوم