نصوص أدبية

نصوص أدبية

لَمْ أتَنَشّقْ

في يومٍ ما عطراً يَعْبَقْ

وأنا نائمْ

لَكِنّكِ، حِينَ أتيتِ بِنَوْمِي

ليلةَ أمسِ

صِرْتُ أُحِسُّ بِنَفْسي

في بَحْرِ عطورِكِ أغرقْ

وأنا أُنْشِدُ شِعْراً

لا  يَعْرِفُهُ غَيْرُكِ

صِرْتُ أسائلُ طيفَكِ

في سرِّي

كَيْفَ تَبَاعَدَ سَيْرُكِ

عَنْ سَيْرِي

هَلْ نَبْقى يَغْمُرُنا الشّوقُ

ونَحْنُ كِلانا

لا يُبْصِرُ  وجهَ الآخرِ  إلاّ  في النّومِ؟

هَلْ مَحْضُ سرابٍ كانَ هوانا؟

كرّرْتُ سؤالي

وأنا مَحزُونُ الحالِ

لَكِنّي لَمْ أسمعْ شيئاً

لَمْ أسمعْ غيرَ صدى صَوتِي

يَأتِي

فأعدتُ الكرّةَ  ثانيةً ..

ثالثةً ..

رابعةً ..

لَكِنْ، و كما مرَّ  مِنَ المرّاتْ

لَمْ أسمعْ ثمّةَ أصوات

لَمْ أسمعْ غيرَ الأصداءْ

تتلاشى خائبةً في الأجواءْ

**

نومٌ عاطِرْ

ما زالَ يُرافِقُ أيّامي

في يقظةِ أحلامي

فمتى تأتينَ إليَّ بِنَوْمِي ثانيةً

كَيْ أُنْشِدَ شعراً

وأنا أتَنَشّقُ مِنْ وجهِكِ عِطْراً؟

***

شعر: خالد الحلّي – ملبورن / استراليا

 

لا داعي للكلامْ

الصمتُ مَدَّ حِصَانَهُ:

قُتِلَ النِظَامْ!

*

لا داعي للفشل

إن النجاح عاطلٌ

عن الأمل!

*

لا داعي للهيبةْ

سَقَطَتْ بأول غَمْزَةٍ

الدولة القحبةْ!

*

لا داعي للحِيَلْ

الخارج المُنْحَل

في الداخل حَلْ!

*

لا داعي للدواء

إن الذكاء

مات قهراً بالغباء!

*

لا داعي للغلاء

أسعارنا انخَفَضَتْ..لِمَنْ؟

يا أغبياء!

*

لا داعي للغِناء

أفراحنا أتراحنا

ولاعـــــزاء!

*

لا داعي للأنباء

أسماعنا

عربية الإبصارِ بالأمعاء!

*

لا داعي للعَنَاءْ

العدل محكومّ

بإعدامِ القضاء!

*

لا داعي للعمامةْ

يَؤُمّنا الدجال

باستقامةْ!

*

لا داعي للزعامة

أوطاننا

في قمة القمامة!

*

لا داعي للتباكي

أقصانا يَلْعَنكُمْ

مع (الشَّابَاكِ)!

*

لا داعي للترويعْ

ما هَمَّنا الحِصار

والتجويعْ!

*

لا داعي للتركيع

تكفل العقال

بالتطبيع!

*

لا داعي للعمالة

تَكَفَّلَ الإخوان

بالنذالة!

*

لا داعي للإطالة

فحوى الغموضِ

واضح الدلالةْ!

***

محمدثابت السميعي - اليمن

14/10/2024

 

شعر بخدر كبير في ساقه اليمنى. وحاور نفسه، قائلاً: لـِمَ لا تذهب خارج هذا القفص الذي ليس فيه إلا مخرج ضيق لا مجال لتغييره، هو هكذا منذ ان كنت طفلا تحبو.. اخرج الى المقهى خارج الزقاق وتنفس غير الذي تتنفسه كل يوم خليط من رائحة البصل والغبار ورائحة الحمام التي لن تتوقف.. اخرج وإلا سيدب الخدر الى قدمك الأخرى وربما يتسلق إلى رأسك.

ألا تسمع؟

نعم، سأخرج كما تريد..

لا كما تريد أنت..!!

حسناً كما نريد نحن الإثنين.. واضاف، ألم نكن واحداً؟

انتزع قدميه وتسلل خارج تلك الفتحة الضيقة من الجدار واصبح وجها لوجه أمام الزقاق.

توكأ على الجدار وأسند ظهره لكي ترتاح قدمه اليمنى، ثم عاود السير المتعرج.

كان يتمتم بصوت منخفض.. لقد ضاعت هكذا ضاعت، اختفت ولم يعد لها وجود، يا للخيبه.

سمعه بعض الشبان عابروا الطريق بإستغراب، وبفضول سأله احدهم..

يا عم، هل أضعت شيئاً؟

نظر في عينيه وقال نعم اضعتها..

وهل هي ابنتك زوجتك؟

اكثر من هذه وتلك؟

ماذا تعني، هل اضعت اموالك ياعم؟

ما فقدته اثمن من الأموال وكنوز الأرض؟

ارتسمت على وجوه الشباب اكثر من علامة استفهام واستغراب، وقال احدهم :

هل تريد ان نساعدك في العثور عليها؟

كلا، إنها ضاعت، لقد إنساحت من بين أيدينا وتلاشت ونحن نعرف ذلك وساعدنا في ضياعها.. نعم نحن شركاء في ضياعها..

ولكن، ما هي التي ضاعت ياعم؟ دعنا نعرف؟

نحن جمياً نعرف.. انا اعرف انها ضاعت وانتم تعرفون أنها ضاعت والجميع مرعوب من بقائها تنير بضوئها دهاليز العقل.. إنها الحقيقة.. الحقيقة التي فقدناها وشيعناها، ونخاف من ظلها لحد هذه اللحظة ولا نمتلك الجرأة على ذكر إسمها..

كفو عن أسئلتكم؟ انكم تعلمون ولكنكم خائفون.. تخافون الإفصاح حتى عن إسمها.. اتركوني اردد إنها ضاعت وأنتم شهود على ضياعها..!!

***

د. جودت صالح

15/10/2024

 

(الضابط)

إنها المهمة الأولى لي بعد أن تم نقلي لهذه المدينة. كان الوقت عصراً في فصل الصيف، حيث انتشلنا جثته من النهر. كنتُ مُشرفاً على عملية انتشالها برفقة بعض رجال الشرطة وموظفي الصحة فقط. لم أفهم  في حينها كيف تركني وهرب رجالي وموظفو الصحة، بعد أن تعرّفوا على هويّة الغريق. حتى أن بعض الصيادين الذين كانوا يراقبوننا من بعيد، شغّلوا محركاتهم، ورموا الأسماك التي اصطادوها في النهر، ولاذوا بالفرار!!. لبرهة تسمّرت في مكاني وأنا أطالع عبثهم وذعرهم وتقافزهم هنا وهناك كأنهم أرانب. وحين صرختُ بهم أن يعودوا أجابوني بأصوات متفرقة (من يبيع نفسه ويقترب من هذا المسوم؟.. لدينا عوائل.. أنت لا تعرفه كما نعرفه). ثم هرولوا جميعاً وهم يحذّرون الناسَ الاقتراب من النهر. وصرتُ أسمع من بعيد صياحهم (المسموم مات في النهر.. المسموم في النهر). الغريب أنني لاحظتُ الجميع يفرّون من حولي، إلا بعض الصبية الذين جاءوا يهرولون واجتمعوا حول الجثة، وكان يبدو عليهم الحزن والدهشة.

***

(الزميل)

لقد عشتُ مع المسموم سنوات الطفولة. في البدء لم نكن نخشاه كثيراً، حتى نبّهتني أمي بعد أن انتشر الخبر بين أهل الحي. قالوا أن أمّه التي لا تخالط نساء الحي مختلّةُ العقل. وأنها أرادت قتل نفسها وهي حبلى به، لأن زوجها أكتشف أن الجنين في بطنها من رجل آخر. وبعد عراك شديد مع زوجها غريب الأطوار، الذي كان أهل الحي يصفونه بالمُعقد والمجنون، شربتْ الزوجة سمّاً قاتلاً. لكنها لم تمت بذلك السم الذي جرعته. وقيل أن السم قد تسرّب إلى جنينها من خلال بدن أمه وهو في رحمها!. ومنذ ذلك الحين صرنا لا نقترب منه. وإذا لمسناه سهواً ذهبنا إلى المغاسل لكي نشطف أكفّنا. لم أر في يوم أحّد المعلمين لقد لمسه أو طبطب على كتفه كما يفعلون معنا عادة. لقد دخلنا إلى المدرسة وخرجنا منها والمسموم لم يجلس مع أحدنا على رحلة. بل لم يلعب معنا في الساحة ولم يشاركنا أي نشاط كنّا نقوم به. وحين كنّا نطرده لا يرفض بل يوافق من دون اعتراض ويمضي في طريقه. وحين يتغيب عن المدرسة كنّا نتنفس الصّعداء.

***

(الحجّي)

والله كلّفني المسموم الكثير من الفناجين والأقداح والأكواب. أنا أستحي منه أقسمُ بحِجَّتي، لهذا لم أستطع طرده من المقهى. لكنني كنتُ حين ينتهي من شرب الشاي ويمضي في سبيله، أمسك الكوب بمنديل من طرفه وأرميه في سطل النفايات. الزبائن كانوا يهربون من المقهى ولا يدخلون حين يلمحونه جالساً. ولأنني رجل أخاف الله كنت أراعي مشاعره. لهذا لم أطرده ولا مرّة أقسمُ بحِجَّتي، ولم يكن ينتبه إلى ضجري من حضوره وتواجده. كم حمدتُ الله وشكرته حين خرجتْ من غيري ولم تخرج مني. فقد أنفجر بعض الزبائن في وجهه غضباً وضيقاً من تواجده. لا أخفي فقط كنتُ مرتاحاً لهم حين ضايقوه وخرج من المقهى ولم يعد. والمريح في الأمر أنه لم يعارض أبداً، ولم يعتب عليهم أو عليّ حين سكتُّ عنهم لما تصرفوا معه بهذه الفظاظة. بل خرج من المقهى بهدوء وكان بادياً على وجهه الرضا.

***

(الطليقة)

لم أفرح في حياتي كما فرحت في اليوم الذي طلّقني فيه. ذنبي الذي لن أغفره حين تعرفتُ عليه وتم زواجنا ذات يوم مشؤوم. في الحقيقة أنا لستُ من أهل المدينة التي عاش فيها، بل أسكن في مدينة أخرى. ولم يكن أهلي يعرفون تاريخ هذا المسموم. لقد تعرفنا من خلال برنامج على الأنترنت. برنامج لتعارف العازبين والعازبات. ولأن قطار الزواج قد فاتني، صرتُ أتنازل وأقبل بأي عرض مناسب لعمري وحالتي. حين بعث لي صورته أعجبتني هيئته. ثم لم نتأخر طويلاً. تقدّم لي بمفرده من دون أهله ولا أقربائه. وحين سألني أبي عنه قلت له هو رجل مقطوع من شجرة. هذا أفضل لكي أعيش معه بمفردي من دون مشاكل وقيل وقال. وحين تم الزواج وسكنت في شقته، تناوبت عليّ نساء المحلّة باللوم والتحذير حين أغدو وأروح. وعرفتُ منهنَّ أنه "المسموم" الذي جرع سمَّ أمه وهو في بطنها!. في البداية لم أصدق وقلت ربما هذا بدافع الحسد. لكنني لن أحكي كثيراً عن المدة التي قضيتها لاحقاً بين الأطباء. بين مدة وأخرى أقع طريحة الفراش. الأطباء يؤكدون لي أنني سليمة البدن، لكنني لم أصدّق كلامهم. إنها اللامبالاة التي عادة يتكلم بها الطبيب، حين لا يتوصّل إلى معرفة سبب المرض. لكنني كنتُ أعرف السبب. هذا لأن سمّه صار يتسرب إلى جسدي بسبب ملامسته لي كالمفجوع كلّ ليلة. فهربتُ إلى أهلي، وحين شرحتُ لهم الحالة طالبوه بالطلاق. الغريب أنه لم يرفض ووافق مباشرة من دون اعتراض. وحين طلّقني عادت لي عافيتي منذ الليلة الأولى.

***

(الشيخ)

أستغفر الله من غضب الله. لم أكن أنوي التحدّث عن المسموم. أولاً لأنه عبد من عبيد الله. وثانياً أنا لم أر منه شيئاً مخالفاً. لكنني مرغم على الإنصات إلى المؤمنين المصلّين في المسجد. أذكر ذات ليلة بعد الصلاة جاءني رهط من المصلين المؤمنين جزاهم الله خيراً. قالوا لي أنهم لن يدخلوا المسجد مستقبلاً بسبب حضور المسموم إلى صلاة الجماعة. حتى بدأت أصدّق أن هذا الرجل ملعون أو فيه مسٌّ من شيطان. لهذا أشرتُ عليهم أن يقترحوا عليه ولا أستطيع أنا قول هذا الاقتراح له وجهاً لوجه. أن يقترحوا عليه أن يصلّي في آخر الصف. وأن يخصصوا له مكاناً منعزلاً يستطيع من خلاله الالتحاق بصلاة الجماعة. لكن الجمهور لم يوافق حتى على هذا المُقترح البسيط. بل قالوا لي بصوت غليظ (والوضوء أين يتوضأ؟.. ماذا لو تطاير بعض من ماء وضوئه علينا؟!.. الأفضل أن يصلّي في شقّته). ثمّ أنهم - أعني المصلّين- قد هددوني بقطع الصدقات عن المسجد إن لم أطرده. وبالفعل في إحدى الجمُع حين كان المؤذن يدعو الناس إلى الصلاة. اقفل الخادم باب الجامع في وجهه. وخاطبه من وراء الباب أنه غير مرغوب به. ومنذ ذلك اليوم لم نر المسموم غفر الله ذنبه وذنوبنا. لقد مضى ولم يعترض وهذه هداية من الله له اكرمنا بها حين وقانا شر الفتنة.

***

(الأم)

حين فتحتُ عينيّ في المشفى. كان زوجي واقفاً قربي مع طبيب وممرضتين. لم أزل أذكر الصداع في رأسي والألم في أطرافي والغثيان في معدتي. الطبيب أجرى لي عملية غسيل للمعدة وبعض الأدوية التي أرجعت لي وعيي ونشاطي. من قال أنني شربتُ سماً؟!. وأن السم قد تسرب إلى بدن جنيني حتى صاروا يطلقون عليه لقب المسموم؟!. ثم من قال أنه ليس ابن أبيه؟!!. هذه الإشاعات التي روّجتها بعض النسوة في الحي!!. كانت تلك النسوة الجاهلات ينظرن إليّ على أنني مختلّة العقل. هذا بسبب مقاطعتي لهنَّ بعد تلك النصائح البليدة أثناء مدّة حملي. (لا تنظري إلى شخص ميت وإلا سيكون أبنك حسوداً.. لا تنظري إلى أرنب لأنه سيكون مشروخ الشّفة.. لا تأكلي الجبن لأنه سيكون غبياً.. ادفني سرّته في مدرسة لكي يكون ذكياً.. احرقي الحرمل وارميه على عتبة الباب ليلة الجمعة). ومن هذه الترّهات التي صرن يحقدن عليّ بسبب سخريتي منهن حين سمعتُ بها. امرأة مثلي درست علم النفس وكانت مغرمة بالفلسفة، كيف تعيش في جوّ من التفاهة والضحالة كما يعشن؟!. وزوجي الذي أشاعوا عنه أنه رجل غريب الأطوار ومخبول. كان مثقفاً وكاتباً. لكنه لم يكن يتواجد كثيراً مع الآخرين. كان يعيش مثلي حالة من الاغتراب والعزلة. وبعد خلاف جرى بيني وبينه ساءت حالتي الصحية، ونقلوني على أثرها للمشفى. فلم أجد لاحقاً سوى الإشاعات. الإشاعات والترهات والأقاويل أفضل ما تتقنه هذه المدينة!!. تركت فيها ابني الشاب وحيداً. ابني الذي عاش حياته معنا لم يعترض ولم يبدُ عليه سوى الصمت والرّضا.

***

(المسموم)

في الحقيقة أنا لا أعرف السباحة. لم أدخل مسبحاً في حياتي. من كان يرضى بدخولي؟. يظنون أنني سألوّث ماء المسبح!!. ولم أنزل في يوم إلى النهر. كنتُ كلما اقتربت من جرف النهر، صرخ صيادو الأسماك والشرطة النهرية والناس الجالسون بي أن أتراجع عن النهر لكي لا أسقط فيه ويتلوّث ماؤه. كنتُ أرغب بالنزول إلى النهر لكي أغتسل. لكي أشعر أنني أكثر طهارة وسلامة. لكنني كنتُ أخشى هذا حفاظاً على مشاعر الآخرين. يظنُ الناس أنني رميتُ بنفسي إلى النهر لكي أقتلها وأستريح. وليس هذا ما حدث بالتأكيد. قتل النفس لا يستهويني وأكره التفكير به وسماع القصص المؤلمة عنه. الأمر وما فيه أنني لاحظت خلسة بعض الصبية يسبحون. يقفزون من الجرف إلى النهر فرحين مع تطاير أجزاء الماء. لا أعرف كيف داهمني ذلك الإحساس في أن أخلع ملابسي وأنزل إلى النهر. وبالفعل خلعتُ ملابسي ووضعتها على الجرف، وتقدمتُ بخطوات حذرة وأنا أجسُّ بطرف قدمي الماء. نزلتُ رويداً رويداً، فغطى الماء نصفي السفلي حتى بطني. وماهي إلا ثوان وإذا بالصبية يرمون الماء بأكفّهم صوب وجهي ويضحكون. لقد كنت أسمع أن النزول في مياه الأنهار تطهير من كل شيء. لقد لاحظت هذا وشعرت به. ضحكتُ عالياً ضحكات والماء يبلل وجهي. ولولا مجيء قارب صيد لمحته من بعيد، لكنتُ الآن في شقّتي سالماً. لقد أرعبني القارب ومن عليه من الصيّادين الذين يعرفونني بلا شك. ولو كان الأمر متوقفاً على قارب الصيد لابأس به. بل ما زاد في الأمر سوءاً أنني رأيتُ عدداً من الناس يقفون على الجسر وهم يتفرجون. وقارب شرطة نهرية جاء مسرعاً لكي يطرد الصبية من النهر خوفاً عليهم من الغرق. كان القارب يحمل العلم الوطني الذي يرفرف على ساريته، ورجال الشرطة بدت عليهم الشدّة. أصابتني رعدة خوف ولم تعد ساقاي تحملان جسمي، فأنزلتُ كامل بدني في الماء وأنا أحاول تجنّبهم كي لا يروني برفقة أولئك الصبية. الصبية الذين كنتُ أخطط للمجيء تارة أخرى للنهر والسباحة برفقتهم. ولستُ أدري هل خفتُ أن يعلم أصدقائي الجُدد بلقبي وما يحمله الناس اتجاهي؟. أم أنني خفتُ من الناس الذين أحدقوا بي من كل مكان؟!. مرَّ الوقت طويلاً وأنا في تلك الحالة. صرتُ أشربُ من الماء حتى امتلأت معدتي. اغلقتُ عينيّ وصرتُ أنصتُ لأصوات الصبية الذين فرّوا حين عرفوا بلا شك باقتراب دورية الشرطة. في حينها وأنا غائص في الماء، داهمني نعاس شديد وخدر صار يغزو أطرافي مع ثقل على كتفيّ. شعرتُ أن يداً تسحبني إلى اعماق النهر بخفّة. لقد كانت الحالة أشبه بسباحة روّاد الفضاء حين تنعدم الجاذبية.. لم أقاوم.. لم أعترض..

***

أنمار رحمة الله – قاص عراقي

 

الاولی: (حاذوقة بيغ بانغ)

ضاعت ساعتك

صدر فواق من بيغ بانغ

عند 12 ليلا

لم تستيقظ

ليس الوقت وقتك

و أنت تبحث عن ساعتك

في الازقة المهجورة

و حدقات عيون صفر المشردين..

أواه

خارج الوقت

سيصبح الانسان طيرا شريدا طليقا

أو ايقاع صدی مفقود

في ليل حالك..

وأنت تنزل من المترو الخاطف

تلتفت للوراء حائرا

كأنك نسيت شيئا ما

لم تكن تعرف ماذا؟

حسب توقيتك

مازال المترو لم يصل

مع ان في كل محطة

يودع مجموعة

ظنا منهم بالوصول..

هنالك أماكن

تقع خارج الوقت

لا حراك فيها

خالية کهذه القصيدة من البشر

والكائنات برمتها هارب منه

وهكذا تلازمك شعور

بشقوق في الجدران

وفراغ داخل أبطال القصص

اذ اننا نبحث بلهفة

عن أشياء فقدناها

ولانعرف ما هي؟

***

الثانية: (لوحة سحلية)

أردت أن تطلع خارجا

سحبت الباب بقوة

لكنه لم يفتح

شاهدت الاسانسير في التلفاز

تفتح تلقائيا وتسد

دون ان يدخلها احد،

نظرت الی السقف

رأيت سحلية

أصبحت لوحة

تنظر اليك

سمعت صوت کسر الاستکانة

ريح هائج هاجم من الشباك

التفت للوراء مسرعا

فاذا بجثة ضخمة

راقدة علی ارضية الغرفة

قبل ان تكتمل لفتتك

اختف الشبح

قلت: ربما تشويش الرٶية!

ومازال مقبض الباب في يدك

حينها

تقطر آخر قطرة ماء من الحنفية

علی لوح الدماغ

مهتزا،

نظرت الی الخارج

رأيت أشجار التين ذابلة

لم تكن تعرف الترابط

بين الماء والروح!

***

سوران محمد - شاعر ومترجم

 

تَوَقّع أن تقع أشياء كثيرة خلال الأيام القادمة تُغيّر مسار حياته ومسار محيطه، بل مسار العالم، لكن " الأيام القادمة " جاءت دون أن يقع أيُّ تغيير، بل ظل كل شيء على حاله، وربما زاد سوءً.

لقد ظل حبيس هذا الإحساس منذ أزمنة بعيدة، دون أن ينتبه إلى أنّ التغيير الوحيد الذي يحدث كان يمس مُورفولوجيا جسده فقط، فوزنه  يزاد، وشعره يشتعل شيبا، ووجهه تمسه الغضون والتجاعيد، وحركاته تُصبحُ أقل نشاطا.

حتى زوجته التي كان يَجد عندها السُّلْوَة والمودة الزائدة ودفق المشاعر الذي يُسرّي عنه، أصابها برود رهِيب مُذْ داهمها المرض وصار كل هَمّها أن تَسْتفتيه في موضوع العلاج، وطريقة استعمال الدواء، ومواقيت التحاليل والأشّعة، أما زملائه في العمل فأحاديثهم كانت مَلاحم شجنٍ، وبكائيات لا تنتهي وسردا بئيسا لأحداث بعضها مَحلّيُّ، وبعضها يهم ربوع الوطن، أو أرض الله الواسعة، كانت هذه الأحداث تبدو له بَالِغة الفَظَاظِة تَبثُّهُ بالطاقة السلبية، وتُلقي به نَحو دَوّامة الهواجسِ وبواعثِ القلق. وَلَعَلّ هذا ما كان يدفعه في كثير من الأحيان إلى تجنّب تجمعاتهم، وإن قُدّر عليه التواجد بَينهم فإنه يلتزم الصّمتَ ويتسلح بالانطواء. مِمّا جعلهم يلقبونه بالغراب "الأعصم"، لِفرادته في السلوك والمعاملة.

سأل زوجته ذات مرة: " ما بك يا امرأة؟ وماذا أصابك حتى صِرت على هذا الحال من البرود وضيق الخاطر؟"

نظرت إليه مستغربة، وقالت :" لستُ مسؤولة عمَّا تراه أنت تَغيُّراً، وأراه أنا تَطوّرا طبيعيّا ، وجزءً من قواعد اللعبة المفروضة علينا قَصْراً ودون رضانا، والتي تنتهي بحتمية لا نستطيع الوُقوف في وجهها"

كان جوابها مُفحما، تَطَلّبَ منه وقتاً طويلا لِيدرك مغزاه، أَحَسّ أنها تتجاوزه في فهم الحياة وتقدير مدى لُؤمها وخِيانتها لمن يُسَلّمُها قِياده، ويَنتظر وِدّهَا وكَرمها، ولكن هذا لم يؤثر على ما تُحسه جوارحه ويُصدقه عقله، فالتغيير بالنسبة له قادم لا محالة في يوم ما، ويكفيه الأن أن يتكيف مع الوضعيات السائدة والاِستمرار في عيش لعبة التوقعات وممارسة نمط خاص من اليقظة يضع كل "المسلمات واليقينيات" موضوع تساؤل.

لكن السؤال الذي يحاصره ويطارده في الحِلِّ والترحال هو: " إلى متى تستمر هذه اللعبة المقيتة، التي تأخذ من تَفكيره وجهده الكثير؟؟"

في لحظة سهوٍ أبلغوه أنه حصل على وسَام رفيع باعتباره من خدام الدولة الأوفياء، وقد ورد اسمه ضمن الموظفين المُنعم عليهم بالسفر إلى الديار المقدسة، اِنتبه إلى أن هذا الخبر –وإن كان مضمونه يحمل طيّه فَائدة ونفعا قد يُغبط عَليْهِما-  هو إشارة لِقرب التَّشْطِيب عليه من أسْلاك الوظيفة العمومية بسبب بلوغه سِنَّ التَّقاعد، وبداية لمرحلة مُوالية تدخل في صَيرورة التغيير، عندما أفضى لزوجته بالخبر، تهللت أسارير وجهها وهتفت به :" لن تَذهب دُوني إلى بيتِ الله الحَرام" اِكتفى بابتسامة شاحبة دون أن يعلّق على كلامها، لم تعبأ بلا مُبالاته وتابعت كلامها مُتَحَمسة:

- وأخير تَبتسمُ الحياة في وجهك، وسام رفيع، وحَجّ مجاني، وتقاعد يريحك من متاعب وسائل النقل، والتّبكير في الاستيقاظ.

أحسّ أن حديثها ليس على هواه، لذلك اختار الصّمت،  لأن للصَّمتِ أحيانا فتنة غريبة وسحر لا يقاوم فهو يتيح للمرء الخلود إلى بنات أفكاره والاِمعان  في الانصات لسكنات نفسه، هي كانت ولازالت نصفه الأخر الذي يُضفي على حياته شآبيب الهدوء والسكينة، لأنها تُصيخ السّمع لنبض قلبه وتَشْمله بحنانها في السّراء والضرّاء، في أول حياتهما الزوجية كانت تَشتغل مُدرّسَة للفلسفة، جَمعتهما الصُّدفة في ندوة ثقافية فتعلقا ببعضهما، وتَبادلا الحُبّ ثم قررا الاِرتباط وبدء مسيرة الحياة، رُزقا بولدين، كانا قُرّة عين لهما، اِنشغلا بِتربيتهما ثم دراستهما، واختارت هي بشكل مفاجئ طلب الإحالة على التقاعد النسبي بعد خمس وعشرين سنة من العمل، سافرَ الوَلَدَان إلى خَارج البِلاد وبقيا وحدهُما يُقارعان صمتَ الليالي، وصَخب الأيّامِ، ويعيشان الرَّتابة بِسيّاقاتها المُتتالية دون طعم أو لذاذة. وكان الشيء الوحيد الذي يُسَرّي عليهما هو الإدمان المشترك على مشاهدة المسلسلات والأفلام القديمة المرتبطة بذكريات طفولتهما وشبابهما عبر  القنوات المتعددة التي تُوفّرها لهما الشبكة العنكبوتية، ولكن مقابل هذا كان لكل منهما اهتمامات أخرى فهو يُدمن

على القراءة وهي تنشغل بتتبع فيديوهات الطبخ والحمية والطب البديل.

اليومَ عليه أن يدير ظهره لمرحلة توشك أن تصبح جزء من الماضي، ويتعامل مع المرحلة الجديدة على أنها بمثابة قطيعة إبستمولوجية مع سنوات العمل وما تَفرّع عَنها من علاقات متشابكة ومتداخلة أثمرت صداقات وعدوات، وأفرزت تجاذبات وصراعات، وكان لها الأثر القويّ على نفسيته، ولعل في الاِنعام عليه بالسفر إلى الديار المقدسة رمزية جَلِيّة لهذه القطيعة فهو سيعود من تلك البقاع الطاهرة كمن ولدته أمه ليبدأ حياة بطعم أخر وأنساق جديدةٍ.

عِندما أسَرّ لزوجته بما يجول في خَلَدِه من خَوَاطر واِنفعالات، اِرتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وقالت بصوت تشوبه نبرة تأكيد:

- اسقاطك لمفهوم القطيعة الإبستمولوجية على وضْعيّة  الإحالة على التقاعد، ذكرني بأستاذنا الفاضل المرحوم محمد وقيدي الذي درّسني بكلية الآداب بالرباط، فقد كان يقول وهو يشرح لنا هذا المفهوم الذي وضعه غاستون باشلار: " القطيعة الإبستمولوجية تعني الانتقال نحو فكر علمي أشمل وأكثر انفتاحا يعمل بأكثر من نسق واحد، مع بقاء الأنساق السابقة مُحتواة ضمن فكر علمي جديد".

قاطعها مستغربا:

- وهل رحل عن عالمنا محمد وقيدي ؟

- يبدو أنك تعيش في كوكب أخر، ولكن لا ضير عليك فالحكماء يرحلون في صمت بهذا البلد دون ان ينتبه إليهم أحد.

انفجر ضاحكا وقال بصوت ساخر:

- إدمانك على فيديوهات الطبخ، واِهْتِمَامُك الزائد بموضوع الحمية والطب البديل، أنساني أنك كنت أستاذة لمادة الفلسفة ومنتسبة لجمعية أساتذتها.

- لكل مقام مقال يا فيلسوف عصره، وديكارت يقول:" إنّ أعدلَ شيءٍ قسمةً بين الناس هو العقلُ" وكان عليك أن تستعمله وأنت تخاطبني.

أحس بسعادة غريبة تنتابه وهو يحرك المياه الراكدة في حياته المشتركة مع زوجته، فمنذ زمن بعيد غاب عن حواراتهما العمق المعرفي والاستشهاد بأقوال المفكرين والعلماء، وحضرتْ لغَةٌ عادية تنحصر في أحاديث ترتبط بالروتين اليومي، و مشاغل الحياة، ومن حقه الأن أن يرسم خريطة طريق للمرحلة الجديدة من حياته ويتغلب على ذلك التّهيب الذي داهمه لمّا أُخْبِرَ بقرب مغادرته الوظيفة العمومية التي عاش في كنفها سنوات طويلة، ولن يكون التغيير القادم إلا ايجابيا عليه وعلى رفيقةِ دَربه.

***

قصة قصيرة

بقلم محمد محضار

14أكتوبر 2024

 

لم أحملْ أبي، حينَ تمرّدَتْ ساقاه، لم يَرغبْ، تَمَرّغتْ عينايَ بالبُكاء، الى داخلي، كانهدامِ بئر.

**

2

سأجمعُ الوقتْ، ذلكَ الذي بَعْثَرَتهُ رعونةُ السِنين، سأنسجُ منهُ خيمةً، تأوي جميعَ الحَسَرات.

**

3

قطراتُ المَطرِ التي سقَطَت عليّ، جاءت من بلَدٍ آخر، الشيء الوحيدُ الذي لا يسرقونهُ، في وَطَني.

**

4

مولاي، فلتنظرْ الى الأرض، لا الى السَماء، الجياعُ من حَولك، بلا أجنحة.

**

5

على مائدتهِ، قواريرُ خمرٍ أنيقة، على زجاجِها، ظلُّ أثداءِ امرأةٍ رخيصة، في الغد، سيَقرأُ الفاتحة، بسَوادِ الكلمات، على أرواحِ قتلاه.

**

6

أنشَأتُ مملكةَ الله، لي،  طَرَدتُ جميعَ الآتينَ لأخذِ الأجر، بابي لن يدخلَهُ، أبَداً، سوى عشّاقِ الدنيا.

**

7

اذهبْ الى الجنّة، الى النار، في النهاية، لمّا تصل الى هناك، لن يُبالي أحَدٌ، بماضيك.

**

8

أخفيتَ أعذَبَ خَمر، في أحقر دِنّ، لن تَحبسَ تقيتُكَ الحَمقاء، التماعَ عَينيك، ولا أنصافَ الحُروفِ، في فمك.

**

9

قُبلاتُهُ المُقزّزة، لم تكن ضمنَ الإتّفاق، دفعَ مالاً، ليغنمَ أشياءَها الثمينة، بلا أنفاسٍ كريهة، منهُ، أو شهَقات.

**

10

لم أحملْ كلّ التاريخِ معي، الى المَنفى، أودَعتُ أكثرَهُ في بلَدي، لكن بلَدي يَموت، هو والتاريخ.

**

11

مُستلقٍ على الرصيف، كخِرقةٍ بالية، أبعدَ مايرى، أقدامَ من يدعَسونَ مملكتَهُ الصغيرة، الملأى بفُتاتِ الخُبز، ووحَلِ الحَظّ.

**

12

أسيرٌ أنا لديكِ، الطريقُ الى تحريرِ نفسي، يمرُّ مِن فمِك، فدعيني الآنَ أُصلّي، بدعاءِ النَصر.

**

13

تَسترخي على السَرير، في بطنِها بضعَةٌ من لحم، في شهرها السادس، لن تُبالي، تنتظرُ السخاءَ، ولا يأتي، من سارقِ الشرف.

**

14

حينَ رَغِبَتْ أن ترفَعَ الحُجُبْ، بَينَنا، لم أُطفِئ الضِياء، أردتُ أن أرى الضلالةَ، و الهُدىٰ، كباحثٍ لدود، عن موعظةٍ خرساء.

**

15

أنتَ، كالقمَرِ في النهار، أذِنَتْ لك الشَمسُ أن تبزغ، تحتَ إبطِها، لن يُبالي أحدٌ بك، حينَ تغيب.

**

عادل الحنظل

 

القضية.. امرأة عاقر.. تستدرج صغار الحلم نحو الزوايا

تعلمهم: كيف نخون التراب.. نراوغ الماء.. وبأوراق التاريخ.. نصنع قوارب الموت.. تهرب الاجيال نحو حتف لا يترك أثرا ينعش جريدة أو كتاب.

القضية.. عجوز تضرب الودع.. من تحت الموائد تطلع بيانات.. لنخبها ترفع الكؤوس.. محوا

لقرارات.. استدرجها الوعي ذات يقظة

نحو شمس الظهيرة..

تقلب العجوز الرمل.. فتصير الحيتان حوريات

يغدقن الذهب والفضة حفنات.. في أحضان الجهل يخبئنه.. تحت إبط الفقر يربينه.. حتى يغادر الصحو المضاجع.. وكتاب القراءة يمعن في التلقين=

الثري لا يعرف النوم.. طوافا حول المزارع.. والحقول والمنابع.. لا يغمض له جفن.. من العد والتعداد.

الفقير في هناء نائم .. على خد صخرة حالم.. بالسفر في رحلة.. يجوب انهار السندباد ومغاورعلي بابا.. كلما اعياه السعي.. وقف عند باب العرافة.. فتنصحه بالمزيد من النوم.. حفاظا على التوازن.

بل القضية عذراء عانس.. لا تفرق بين الشيب والشباب..

قضاضة للمضاجع.. سفاحة للدماء.. ملتهمة للأحلام..

تجيد الرقص والغناء.. على كل الحبال.. والأنغام..

لا تلهيها لا هية.. لا تمنعها لا غية.. همها تجفيف المنابع.. إيقاف الأنهار عن الجريان.. حتى إذا عم الجفاف.. اختارت عرسانها من زينة الشباب.. من دن الذل ترويهم.. وعند آخر نقطة انتماء تضاجعهم.. لتنجب لقطاء.. عند الفطام تلفظهم.. والفصول عجاف.. قنوط بكاء.. ومن سنن القنوط أن يبلغ الوجع الحلقوم.. يسري السم في الخياط

سريالية الرؤية جعلتني أبحث عن قضية تكون مربطا للفرس.. عثرت على القضية.. وضاع الفرس.. حين عثرت على الفرس.. كان الفارس قد رحل إلى الثلث الخالي..

بحثت عن الثلث الخالي.. لم يكن سوى حضن أمي..

فبأي آلاء العجز تستكبرون..

وانا صغيرة.. حسبت القضية سيفا يفجر صخر الزمن نهر عسل.. يلعقه الصغار حتى تتفتح حدائق الارواح..

من جدوع الشجر.. ينبثق الامل.. في حضن الشمس يكبر.. ليلقي عصاه في عين الرماد.. من رمال النسيان يخرج المدن.. ويقتلع الاصنام

حسبت الكثير فاذا القضية.. قوقعة منفية فينا.. دمع اعشوشب تحت الاقدام.. استسلام يتمطى في كف القسوة.. الريح غذاءه.. حشرجة الخوف لبانة تحت لسانه.. كلما اعتلاه الضجر لاكها.. انتظارا لامرأة تعجن الحسرة بالموال.. توزعه رغيفا على الافراح العابرة.. وتطعم الفتات.. للاجساد المستحمة في زيف الحكاية.. !!!

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

أو طيف بوعبديل المشؤوم

في ليالي غرناطة الآرقة،

تُرفرف مطالعُ قصائد الفقد،

بلا تصريع،

بلا رويّ ولا قافية،

قبل أن تنثر في أبياتها،

درر معاني الفراديس  الضّائعة.

*

في ليالي غرناطة الآرقة،

يحتضن البدر المهووس،

بذِكْرَى زيري و ذِكْرِ نَصرَ،

تلّ السّبيكة،

قبل أن يسترق النّظر

إلى حيّ البيازينَ،

بكلّ عطف وكلّ حسرة.

*

في ليالي غرناطة الآرقة،

يحوم طيف بوعبديل المغلوب

حول دواوين القرون الخالية،

حبرا أندلسيّا،

قبل أن يحتضر على مخطوطات النّكبات المتواصلة.

*

في ليالي غرناطة الآرقة،

يلتفت طيف بوعبديل المشؤوم،

ليلقي نظرته اللّيليّة الأخيرة على ملكه المسلوب،

بينما تتردّد في قصر الحمراء،

أصداء صرخات أمّه اليوميّة،

دموعا على غزّة،

رثاءا لفلسطين.

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

أستاذ دراسات الشّرق الأوسط وجنوب آسيا

جامعة فيرجينيا

كلما ازداد شراهة

طأطأ الرأس

وتثاقلت خطوته

يتوسل

وقد اعتاد التسول

ليزداد اتساعا

سقف أمنياته

*

لا أرغب بشيء

سأمنح ما أسعى لنيله

لهم

شعار

يرفعه راية بالية

مسخ مهين

*

رائحة تزكم الأنوف

وما دامت

فثمّة مسخ

دنّس

طهر المكان

*

له من النوافذ أوسعها

لكنه

يظل يشكو حلكته

مدى

أوصد بإحكام

لئلا تطاله

نتانة أنفاس لوثّتها

خطوات لا تحسن التمييز

بين طهر الأنفاس

ونجاستها

*

فضفاضة أحيانا

ومزركشة مرات

ويقبع خلفها

وجه

أجاد لعبة الأقنعة

*

مختال

يطلق الكركرات

بفمه البهلواني

يحصي مناقب من سراب

ليتوهم بعدها

أنه فلتة

جاد بها الزمان على من لا يستحقون

***

إبتسام الحاج زكي

في قديم الزمان، كانت هناك قرية تدعى "الطيبة"، تميز أهلها بالطيبة والكرم، حيث عاشوا بسلام ومحبة، محاطين بالطبيعة الخلابة من جبال خضراء ووديان خصبة. كانت القرية ملاذًا للود والتعاون، واشتهر أهلها بحسن ضيافتهم وترحيبهم بالجميع.

في أحد الأيام، تعرضت القرية المجاورة، "قرية الحشاشين"، لكارثة طبيعية مروعة. اندلعت الحرائق، واجتاحت النيران حقولهم، مما تسبب في دمار هائل. لم يتردد أهل قرية "الطيبة" في مد يد العون لإخوتهم، ففتحوا قلوبهم وبيوتهم لاستقبال أهل "قرية الحشاشين" الهاربين من الدمار.

استقبل أهل "الطيبة" جيرانهم بكل حب وترحاب، واعتبروهم أفرادًا من عائلاتهم. قدموا لهم المأوى والطعام، وعملوا معًا لإعادة بناء ما دمرته الكارثة. بفضل جهودهم المشتركة، استعادت "قرية الحشاشين" عافيتها، وبدأ أهلها في العودة إلى ديارهم شيئًا فشيئًا.

لكن مع مرور الوقت، ظهر أبو رغال، ذلك الرجل الشرير والطامع، في قرية "الطيبة". بدأ في بث الرعب والفوضى، وهدد حياة أهل القرية المسالمين، وأساء معاملة أبنائهم. لم يعد أمام أهل "الطيبة" خيار سوى مواجهته وطرده من قريتهم.

في لحظة حرجة ، لجأ أبو رغال إلى حيلته الخبيثة، واستنجد بأتباعه من "قرية الحشاشين". كانوا يتبعون كاهنًا قويًا يجلس في صومعته البعيدة، ويتحكم بالمنطقة بأكملها. استجاب هؤلاء الضيوف، الذين كانوا ممتنين لكرم أهل "الطيبة" في السابق، لدعوة أبو رغال، وانقلبوا ضد أهل القرية المسالمين.

تسببت خيانتهم في قلب الموازين، وهاجم أتباع أبو رغال وداعميه من الحشاشين أهل قرية "الطيبة" بلا رحمة. قتلوا منهم الكثير، وشردوا الباقين، ولم يتركوا لهم أي خيار سوى الفرار والبحث عن ملاذ آمن.

لجأ أهل "الطيبة" إلى القرى المجاورة، لكنهم واجهوا أسوأ معاملة في "قرية الحشاشين". لقد نسي أهلها كرم أهل "الطيبة" معهم، واتهموهم ظلماً بأنهم سبب مصائبهم. انتشرت الكراهية والحقد في قلوبهم، وتناسوا فضل أهل "الطيبة" عليهم.

انتشرت الإشاعات والأكاذيب، وبدأ شعراء "قرية الحشاشين" ووسائل إعلامهم في تشويه صورة أهل "الطيبة" المساكين. اتهموهم بالجبن والخيانة، وتجاهلوا حقيقة أنهم كانوا ضحايا .

صدق بعض المغفلين من أهل "الطيبة" هذه الادعاءات الكاذبة،

وبدأوا في لوم أبناء قريتهم المساكين.

شاءت الأقدار أن تدور الدائرة على "قرية الحشاشين" مرة أخرى، حيث ضربها زلزال مدمر.

هرب أهلها من قريتهم المدمرة، وتوجهوا إلى قرية "الطيبة" طلبًا للمساعدة. لكنهم وجدوها خاوية على عروشها، وأهلها مهجرون. غضبوا من أهل "الطيبة" واتهموهم بالشماتة وعدم تقديم الدعم لهم لانهم حاقدون

. لقد تحولت الحقيقة إلى سراب، وظهرت قسوة المنافقين والكذابين. لقد تعلم أبناء قرية الطيبة الدرس القاسي بأن الطيبة والود يمكن أن يستغلها البعض، وأن الحقيقة قد تُطمس خلف الأكاذيب.

في نهاية المطاف، أدرك أهل "قرية الحشاشين" خطأهم، لكن بعد فوات الأوان. لقد فقدوا كل شيء، وأصبحوا ضحايا لكراهيتهم وأفعالهم.

أما أهل "الطيبة"، فقد وجدوا الملاذ في قرى أخرى، حيث استقبلهم أهلها بترحاب وكرم،

وهكذا، تحولت قصة "القرية الطيبة" عبرة للأجيال، تذكّرهم بأن الطيبة والكرم قد يُستغلان، وأن الحقيقة قد تُخفيها الأقنعة الزائفة.

فلا يجب أن يُسمح للكراهية بأن تطغى على الطيبة،

وأن لايُنسى فضل الآخرين.

***

قصة قصيرة

بقلم عبدالناصر عليوي العبيدي

الطريق إلى الله ملآى بذئاب العدو

بالمسيرات ذات النظر الحاد

بالقمل والوحل والأسلاك الشائكة

بسخرية فخمة تتساقط من عيون الطيار..

*

السماء تقاتلنا أيضا

تقصف صلواتنا في منتصف الطريق

الطريق إلى الله مفخخة جدا

المقاتلات قريبة من سدرة المنتهى

الغيوم كثيفة في سماء أعيننا

لم نرغب في مناداة أحد لإنقاذنا

من زئير الساعات الحرجة..

*

يرمون التوابيت من شباك الطائرة

كنا نقاتل الفراغ بالموسيقى

نخفي كما هائلا من الندم

في جيوبنا المثقوبة

نحاول أن ننقذ طائر المستقبل

من خرادق القناصة

من تأويل العميان لماهية الضوء

كنا نحفر قبورا عميقة في قلوبنا المنكسرة

لإخفاء جثث من نحب

لم نستسلم

لم نزل نحفر الأنفاق بأسناننا

ونخبىء ذهب المستقبل

أسلحة رهيبة من الكلمات

ألبومات المقاتلين القدامى

مسيرات لقنص بؤسنا اليومي

*

رشقة نوستالجيا

تطلقها الروح  على سكان الجسد

حرائق تلتهم مرتفعات القلب

ليس ثمة إطفائي واحد

لإنقاذ ما تبقى من العمر الأحدب

المخيلة مقوسة الظهر

بيدها الطويلة مصابيح مهشمة

أذكر أن الدموع تحاول إخماد النار

والكلمات تركل مؤخرة الموت

ترمم تقاطيع الضوء.

*

جبل شاهق من الجثث

والكلمات النافقة

جيراننا عميان ومقرفون

يلتهمون شطائر  البطاطس  والهمبرغر

- بماذا نكفن المساء؟

- بإيقاع موريسكي حزين

- لعل ملاكا طيبا يمر من هنا

- يحمل بريد القتلى إلى الله

- بسرد متقطع

سنواصل مقاومة الفقد

سنقاتلهم في عقر هواجسهم

نعقد صفقة آمنة

مع جمهور الكلمات

وليذهب الموسيقيون

إلى ذروة الجبل

لمناداة المستقبل

والمتطيرون إلى أسفل البئر

وليكن ثمة ضوء ومحبة وسلام.

***

فتحي مهذب - تونس

 

ليتَ الذي سيكونُ بعد الآنا

ألا يكونُ مصائباً وهوانا!

*

ألاَّ تَظَلّ على وجوهِنا غُمَّةً

لنرى بوعي قلوبِنا الإنسانا

*

تَحْيا على شفتيهِ بعد تَجَهُّمٍ

مُدُنٌ تَنَفَّسَها الضياءُ وَزَاَنَا

*

تَجْلوهُ عن أدرانِهِ لغةٌ سَمَتْ

بِسُموِّهِ طُهْرَاً على ما كانا

*

فتفيقُ بين يديهِ بعد سكونِها

أيامهُ خُضْرُ الزمانِ حِسَانا

*

فيَطِيبُ عيْشاً يَطْمَئِنُّ جوانِباً

وينامُ مِلء حياتِهِ سلوانا

*

لاطَفْرَةٌ تُدْمي جيوبهُ ذلَّةً

تُصْليهِ فوق جحيمها حِرْمانا

*

أو طائفٌ يأتي على أيامِهِ

فيُحِيلها جُرُزَاً تَحلُّ مكانا

*

تَمْتَدُّ في أُفقِ الجمالِ خِصَالَهُ

لِتُعَانِقَ الوطن الحبيب عَيَانا

*

وتَزُفَّنا بُشْرَاهُ أنَّ رِهَاننا

كسِبَ...وخابَ خابَ سِوانا

*

وضميرنا يقظٌ وحَيٌّ لَمْ يَزَلْ

فينا يَرانا ويَرْقُبُ الإنسانا!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

وتخيلت بأنكم ستعودون

وبالذهن حقول خضرا

وبالعين سرب حمائم بيضاء تجري فوق الغيم

وتخيلت بأني أعود صبيا

أعبث بالطين وبقلائد اختي وأجراس الجيران

وتوهمت

أن جناحي في حلمي الليلة

حقيقيان مثل الهم المعتق في دماء الجنوب

مثل مسبحة الصلاة المنزلقة

بين أنامل جدي

يسرقني فرحي المتوهم خبلا

ويزرعني في لافتة الدرب

وهربت نزلت

فرسمت الدرب

وتخيلت

أن الخطو عناق

ومازال طريق العودة ضائع

يرسم فوق جبين الغيب غياب

ويعد رمال البيد

منتظرا

وهو يعرف أن الدرب سراب

تهيم الذكرى تسكن شاخص قبر منسي

وتركل عجز الحرف أن يتقهقر

ان يرجع يغتال الساعة

يستهتر بالزمن الغائر جرحا فينا

تصطف خيالات الليل على خدي

وتنعق غربان الصد

تأذن بالعجز الخانق في الرئتين

تأذن بالصدأ الفاغر فاه

أن يلتهم الضوء ويسلخ منه ظلاما أبديا

***

ايمن الناصح

 

قصيدة من أكثر من نصف قرن نظمتها تتكلم عن الواقع اليوم في فلسطين

***

لا يُورقُ الزيتون

لا يـورقُ الـزيـتونُ إلاّ إذا

قامـتْ يـدُ الاحرارِ تـسقـيهِ

*

ولا أرى أعـراقَهُ تـرتـوي

لـو جـاءت الامـواهُ تــرويـهِ

*

إلا إذا سـالتْ دماءٌ على

أديـمـهِ الصادي فـتُحـيـيـهِ

*

يا أيُها الزيتونُ هـذا أنا

ولي حـديثٌ كنتُ أخـفـيهِ

*

كنتُ إذا حدثتُ عن حالتي

[كـنـاطـــقٍ والـمــاءُ في فـيهِ]

*

حتى إذا عُدتُ ولي قوتي

أصبحتُ ما أخـشاهُ أحكـيهِ

*

أنا فلـسطينُ ولي مـقدسٌ

يـبـقى إبـائي شـامـخًا فـيهِ

*

أنا فلـسطيـنُ بلادُ الـنـدى

والـخيرِ كلِّ الـخـيرِ أحويـهِ

*

أنا فلـسطيـنُ مـلاذُ الـذي

خافَ زمـانَ الـبؤسِ يرمـيـهِ

*

غالتْ يـدُ الاطماعِ في غفلةٍ

مـن أمّـةٍ هـانـت وتـمـويــهِ**

*

أرضي وعِرضي كان في خِطةٍ

قـد خَطّها الـباغي لِـتَحْمـيـهِ

*

فأرسـلتْ في خافـقي طعـنةً

وطـعـنةُ الـمَـسـعـورِ تُـغـريـهِ

*

فأصبحَ الابناءُ أيدي سـبا

وشُــرّدوا في الارضِ والـتـيـهِ

*

فهمْ جياعٌ تحتَ ظلِّ الأسى

وصار مَـغـنى الخيرِ يـجنـيهِ

*

شُـذّاذُ آفـاقٍ وأهلُ الـخنى

في عـالمٍ لا الـحـق يـعـنـيـهِ

*

قـد هيمن الـمالُ فسادوا به

ومُـغريـاتُ الـمال تُـعـمـيـهِ

*

فاليومَ ثوبُ الوهنِ عني انطوى

وبـيـرقي بالـنـصــرِ أُعلـيــهِ

*

بـفـتـيـةٍ ما خابَ ظني بهمْ

وهُـمْ ثـمـارُ الصـبـرِ أحـويـهِ

*

إنّي وأبنائي على عهدنا

نـحيا ولـيلُ الـبغي نُـفـنـيهِ

*

غدًا يرى العالمُ أنّي بهم

أنـالُ حـقًا راحَ يُـقــصـيـهِ

*

بهمْ وهمْ فخري أطولُ العُلى

وأردعُ الـــبـــاغي وأرديـهِ

*

أنا وأبـنائي على عهدنا

مَـهـري دمُ الاحـرارِ يُـغلـيهِ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

العراق / الكوت

في 5 تشرين ثاني 1973

علاءُ الدّين… مصباحُه… ما أضاءَ

وما لاحَ الصّباحُ

علاء الدّين على بساط الرّيح

يشُقّ السّماءَ السّابعةَ قُرفُصاءَ

ويُسبّح بالياقوتْ

*

صلاحُ الدّين…

ما أوقفَ حملاتِ الإفرنج

ها هي جحافل

فوجًا بعد فوج

تتفسّحُ من ـ الدّار البيضاء ـ

إلى ـ الدّار الخضراء ـ

ومن سِيناء … إلى بيروتْ

*

زرقاءُ اليمامة…

عينُها الزّرقاء

غَضّت طرفًا عن الأعداء

وبِطَرفٍ غمزَتْ

هيَ تلكَ التي تتمشّى على حافة المَسبح

بشُورتِ الجِينِزْ

والنظارة السوداء

تتمتّعُ بالصّيف قبل أن يفوتْ

*

الحلاّجُ

جُبّتُه خاويةٌ ما اِحترقتْ

معروضةٌ في الواجهات

مُطرّزةٌ بالخّز والقَزّ

مُوضةُ هذا العام

تتزيّنُ بها السّائحاتُ في السّهراتِ

*

ثورةُ الزّنج .. هل وقعتْ !

كذِبَ المُؤرّخونَ …وإن صَدقُوا

ألمْ تر العبيدَ والعمّال والفلاّحةَ

يزدحمُون في الطّرقاتِ… في القطاراتِ

ليلحقُوا بالقوتْ

بعضُهم يقتاتُ

بعضهم يمُوتْ!

*

طارقُ بنُ زياد …هل فتحَ الأندلسَ !

ها هُو في التّلفزيون

مَزهُوّ بالنّياشين اللمّاعةِ

أمامَهُ الجنودُ في سَلامٍ

يمينٌ شِمال

واحدٌ إثنان / واحدٌ إثنان

كلّ حَربٍ بخُسران

كلّ حاكم بطغيان

السّجنُ أمامكم والرّصاصُ وراءكم

ويَقرأ : فبأيّ آلاءِ ربّكُما تُكذّبان

*

إخوانُ الصّفاءِ … رسائلُهم…. مَا وصلتْ

الطّرُقُ اِنقطعتْ

المدائنُ سَقطتْ

كالبُنيان المَشقُوق…

بعضُه يُسقِط بعضَه

زمنَ المِلل والنّحل

زمنَ الطوائف والعشائِر

والجواري والدّولار…

فالعنكبوتُ في كل البُيوتْ

مِن غرناطةَ…إلى بيروتْ !

***

سوف عبيد – تونس

1983

 

فوق الرصيف

ترتفع تنانير الفتيات وتنخفض/

الريح تقلب الأوراق.

**

تساقط الأوراق

صبغة الشمس ذابلة/

فوضى رقصاتِ الرياح.

**

ضوء الشمس خافت

ينساب بين الأغصان/

العصافير تنام توًّا.

**

يأتي الليل متبخترًا

قلب الأشجار ينعس/

وشاح من ضباب.

**

ينصت الخريف لخطوات عجولة

تحت قمر مكتمل/

على حافة الرصيف.

**

قطرات الندى

تلمع كدمعة/

في صباح خريفي.

**

اوراق الاشجار الذابلة

في مهب الرياح/

ثوب الأرض برتقالي.

**

يأتي الخريف حزينًا

كأوراق تسقط متأرجحة/

متدثرًا بضباب كثيف.

**

رائحة الأرض

بين أشجار الرمان/

تودع الصيف.

**

تتنهد من شجن

في ليلة خريفها طويل/

غابة السرو.

**

يزهر الاقحوان من جديد

رغم البرودة /

شغف بولادة مشرقة.

**

مظلة من السحاب

تراقصها نسائم باردة/

على حافة الشمس

**

الأحزان

كأوراق الخريف/

تسقط صفراء.

**

تروي حكايات الفصول

في ليالي الخريف/

رياح باردة.

**

يتلاشى في الأفق

كأحلامنا القديمة/

الضباب.

**

يملأ فضاء الغرفة بوقار

في خريف العمر/

عطر النرجس.

**

يهمس بالأسرار

عن ذكريات الأشجار/

حفيف الأوراق.

**

تحت سماء رمادية

خريف مبكر/

ارصفة خالية.

**

رائحة الأرض

تحت المطر المتساقط/

تجديد الروح

**

عصافير صامتة،

تتأمل الغيم الرمادي/

في انتظار الضياء.

**

ريح عاصفة،

تختطف أوراق الخريف/

وترقص معها في الفضاء.

**

قطرات المطر،

على كل ورقة وغصن/

تكتب قصة جديدة.

**

بلون مرتجل،

ترسم الأرض لوحة جديدة،

مع كل سقوط ورقة.

**

ريح تحاول بشغف،

في ساحة العرائش/

جرَّ ورقة القيقب لمرقصها.

***

طارق الحلفي

وَقَفَ الْمُدَوِّنُ

شاكِراً

بِالْقُرْبِ مِنْ سَطْرَيْهِ

يَرْجو

أَنْ يُكافَأَ بِالْهُتافِ

عَلى

الْمِنَصَّةِ

لا يُريدُ تَكَسُّباً شَأنَ الّذينَ مَضَوْا مِنَ المُتَنَبّئينَ!

تَفانِياً

يَزَعُ الْكلامَ

وَيَرْتئي شَوبَ التّصَوّفِ بالْحَداثَةِ

كَيْ

يُجَمِّعَ ما أَضاعَ النّاسُ مِنْ شُعَبِ الْيَقينِ الصِّرْفِ في كُتُبِ التّهافُتِ

يَنْحَني

وَيَجُرُّ

دَيْليْ

ذِلّةٍ وَتَزَلُّفٍ

كَالْطَّفْلَةِ الْمِغْناجِ تَرْنو لِلسّفِيهِ تُبَصْبِصُ

وَتُرَجْرِجُ الْكَفَلَ الثّقيلَ

لِلِانْتِهازْ

فَأَنا

يَقولُ

مُداوِراً

وَلّيْتُ وَجْهي شَطْرَ

كَنْزي

بالْحجازْ

أُفْشي السّلامَ

وَأَحْرِصُ..

إِنْ أَجْتَبيني

أَجْتَبي لُغَةَ

الْحَقيقَةِ وَالمَجازْ

وَالْفاصِلَ الْمَوْروثَ بَيْنَهُما

الْمُطَرَّزَ

بِالشُّروحِ

أَنا هُنا

سَيْفٌ "يُقَتِّلُ مَنْ أرادَ"

بِنَثْرِهِ وَقَصيدهِ

"رَفَعَتْ بِـيَ الْعرَبُ الْعِمادَ وَصَيّرَتْ قِمَمَ الْمُلوكِ مَواقِدَ النّيرانِ"!

هَلْ تُدْرِكونَ إِذا انْتَفَتْ غُرَرُ الْوَصايا

حَصْحَصَتْ لُغَةُ الشّكوكِ

تَكَوْثرَ الْمَعْنى

تَفَلَّتتِ

الظّواهِرُ والطّبائعُ

ما يَكونْ

هَلْ تُدْرِكونْ!

***

البشير النحلي

1- ظل ممدود

عندما يحل الليل

في صمته

يمتلئ القلب الايقاع

انظر خلف النافذة:

هنالك ظل

يبدد الوحدة

ولا ينام:

ولو بعد استسلام اليقظة

*

اشراقة الصباح

تبتسم  بين التلال

تجعل ظلك يمتد طويلا

على السبل

يزحف ورائك

لكنه...

عندما تظل الطريق

يتلاشی فجأة

*

قبل المرور بكمين العناكب

تصبح الشمس خلفك

و ظلك أطول

يمتد أمامك

*

عند الوصول إلى الحشد

يختفي تارة أخرى

لا تعرف

ربما هناك

من زاوية بعيدة

ينظر إليك خلسة.

*

حينما

تتعثر قدمك،

فتقع أرضا

لكنه لا يزال واقفا دون السقوط

*

وهكذا

يجعل الليل الفرسان

ينامون اثر التعب

لكن الظل وحده يبقی يقظانا

*

نم..

تلك اللحظات التي

يوجد خلف النافذة ظل

يبدد الوحدة

***

....................

-سێبەری درێژ-

کاتێ شەو

لەناو بێدەنگی خۆیا

کپ دەنوێنێ

ناخ پڕ سەدا دەبێ

تەماشای پشت پەنجەرە کە،

تارماییەك دەبینرێ

تەنیایی دەڕەوێنێ

پاش دەستبەرداری بێدارییش

ئەو ناخەوێ...

بەیانیی گزنگ

لەنێو گردەکانەوە سەر دەردێنێ

سێبەرێکی درێژ

بەسەر تولە ڕێگەکانا

بە دواتدا دێ

بەڵام ساتی ڕێ هەڵەبوون

بزر دەبێ

لە پێش کەمینی جاڵجاڵۆکەکانەوە

خۆر دەکەوێتە پشتەوە

سێبەرەکەش

درێژتر دەبێت لە پێشتەوە

پێش گەیشتنە قەرەباڵغیی

جارێکی تر بزر دەبێ

تۆ نازانی ڕەنگە لەوێش

لە گۆشەیەکی دوورەوە

بە تیلەی چاو لێت بڕوانێ...

ئەو ساتانەی لەتر دەدەی

پێت لە بەردێ گیر دەبێت و دەکەوی

کەچی ئەو هەر ڕاوەستاوە و ناکەوێ

جارێکی تر شەو

سوارچاکەکان دەخەوێنێ

لێ خۆی نانوێ

بنوو ئەو ساتانەی

تارماییەك لە پشت پەنجەرەکەوە بێدار

تەنیاییەکان دەڕەوێنێ.

***

......................

Enlongated Shade

when night falls

in his silence

The heart is filled with rhythm

Look behind the window:

There is a shadow

dissipates loneliness

does not sleep

Even after the vigil is surrendered

**

Morning glow

Smiling between the hills

Makes your shadow long

on the narrow paths

following you

but

when you lose the way

disappears

**

Before reaching the ambush of spiders

The sun will be behind

And the shadow is longer

extending in front of you

before reaching the crowd

again it disappears

you do not know

Maybe

from a far angle

it looks at you furtively.

**

when

your feet tremble,

you fall

But the shadow

does not fall

**

night will makes the warriors

fall asleep again

But the shadow alone does not sleep

**

Sleep in those moments that

are behind the window

dissipates loneliness

***

........................

2- مذهب الماء

في زمن الانحياز والأوبئة

و الانتماءات

قالوا: كيف أن الماء

عديم اللون-

لا منتميٌ؟

لكنه يسقي

و يزين الأوراق والأزهار

بل الحياة برمتها

بأجمل الـحُـلي

*

قلت: ان الماء حر!

لكنه عندما يحبس

يركد و يتعفن

وان ترك طليقا

لا يتوقف عن الجري

في المسيرات

*

يغسل أوساخ متراكمة

عن وجوه سنين عجاف

و ينجرف أشواك

و حشائش جفاة

نحو  محيط  النسيان

*

و هكذا..

كلما يقول لي

الأبيض و الأسود:

انك لست على شاكلتنا

و لا تنتمي لنا

: أقول لهم

هل نسيتم حقيقة الماء

هنالك

على مذهبه

تجدونە انتمائي

***

.......................

- مەزهەبی ئاو-

لە زەمەنی لایەنگیری و پەتا و بەڵا

 وتیان:

بۆچی ئاو بێ ڕەنگە؟

کەچی ئەو هەموو ڕەنگانە

بە گەڵا و گوڵان و ژیان

دەبەخشێ

وتم: ئەگەر ئاو بەند نەکەن

بۆگەن نابێ .

لێی بگەڕێن،

خۆی ڕووگەی خۆی

پێ دەزانێ .

لەگەڵ خۆدا

دڕك و پووش و چڵکنیەکان

بەرەو زەریای بیرچوونەوە

ڕادەماڵێ

*

جارانێکیش

 سپی و ڕەش پێیان دەگوتم

من بێ ڕەنگم،

بۆیە لێیان بەجێماوم !

وتم: ڕەنگە

هۆکەی بە تەنیا ئەوە بێ

من لەسەر مەزهەبی ئاوم

***

.....................

Water's Doctrine

In the time of bias and epidemics

wars and  affiliations

They said: Why is water colourless?

Not belonging?

but it drives the leaves and flowers colourfully

even the whole of  life

With the most beautiful  garments

*

I said: water is free!

But when is  trapped

it stagnates and rots

but when it is freed

It never stops running

*

It washes away accumulated  dirt

on the faces of lean years

And  it drift  thorns

and dry weeds

To the ocean of oblivion

*

And so on

whenever you say to me

Neither black nor white

I tell  them:

Have you forgotten water is colourless

There you will find

In its nature

my true affiliation

***

لابد لي أن اعبر هذا الزحام فالشوارع فارغة إلا من تلك الجثث التي ملئت بأجساد الموتى أما الأحياء فقد سلبت منهم هوية البقاء كونهم بعنوان فائض عن الحاجة.

يا إلهي!! ما الذي يحدث أتراني في كابوس أما أنه عالم القبور الذي سمعت عنه، فالأموات فيه يتمثلون بالصمت المطبق كما أعرف، غير أن الجثث التي اتخطاها بصعوبة اجدها تئن وتتأوه... اغلبها يشكو الظلم، كيف يكون ونحن فينا أمه إسلامية كبيرة عريضة؟ أم ترى اسلامنا مجرد تشدق في فتوحات اسلامية كما يسميها البعض فتوحات لأفخاذ رغبة دنيوية عاهرة، لعلي أرى نفسي قاريء جيد للتأريخ والاحداث وحتى السير الاسلامية فما وجدت اني استطيع ان افهم هذا الاسلام المتبرثن بديدان وهم وشكوك فكل شيء له اكثر من وجه، العدالة عمياء، الميزان كفتيه تميل للاقوى، المطرقة بيد بشر يخطيء اغلب الاحيان ولا يصيب الا بدس رغوة صابونية في جيوب منخورة، الحق متسول على اعتاب مساجد، القانون حمار مركون في حظيرة الحيوانات، السائس لهذه الحظيرة عبارة عن فزاعة بخبرة صعلوك... ما لنا كيف نزن الامور!!  يا لحالي الهلع ييصكصك أوصالي... دعني اثير غبار هروبي وانا اعبر هذه الجثث فلست ممن يشترون إلا انفسهم فأن اطبق المثل القائل انا ومن بعدي الطوفان.. ولكن اي طوفان اكبر مما انا أراه فقد طغى سيل الجثث كل مكان حتى البيوت التي تهاوت لم تعد تصلح ألا بيوت لسكنة الخراب للبوم و الغربان تشهد بذلك فنعيقها يخبر البعيد انه مقبل الى عالم من الموتى في زمن الدين لله والوطن للخبثاء والعملاء،

ماذا ارى؟!!

هناك من يتسول على ناصية بقايا رصيف!! مما زاد استغرابي!!! فضولي دفع بي فاتجهت إليه كي اسئله ممن يتسول؟! من جثث المارة!! ام من تلك الدماء الراكدة والتي وصلت حتى قدمية؟ ام يطلب الحياة للطفل الذي يضعه على رجليه؟ ما ان اقتربت حتى صدمت فالطفل لم يكن سوى بقايا جثة الاطراف غائبة عن الجسد الرجل يكسوه التراب يحتضن ذلك الجسد الصغير وجميع اطرافه متيبسة لا حراك فيها لم أعي انه جثة هامدة كالتي يحملها... اما يده الممدودة فقد كانت تمسك بقطعة رغيف يابس لم يتسنى لإبنه ان يتذوقه، ياللجريمة؟؟؟!

ماذا اقول جريمة و اي جريمة اكبر من اني اهرب وسط هذا الكم من الجثث، ترى من سيواريها؟ ستشبع الكلاب و الجرذان ودود الارض سيصيبها التخمة، لكن ليس كتخمة تلك التي تسمى السلطة فقد كشفت وجوه من يمسكون بدفتها كما السعادين حمراء ليس خجلا بل من كثر الضرب على القفا، لا عجب فكل الساسة العرب هم وجوه عمالة ودياثة اقولها بملئ الفم فما عاد هناك شيء لم يذكره التأريخ فهو اسود بأسلام مزيف يعتمد الثرثرة لكن ليس فوق النيل فحسب بل فوق كل انقاض الارض التي تحمل شعارات الاسلام... لا أدري كيف نقيم الانسانية بأي معيار او خانة نضعها؟؟ في عالم الإباحيات والمثلية والسحاقية ام بتلك الكتب الدينية التي خطتها ايدي عصاة بشر... فحتى كتاب الله لم يسلم من ألسنة حرفته بعناوين وكتبت غيرها دعاة تدين كدستور ينفث بخاره كأن يذري العيون حتى لا ترى الحقيقة... لم اعد افهم ما الذي يجري ولم انا بين هذه الجثث؟ لِمَ لم اكن بيها !!؟ أين كنت حتى قصفت هذه المدينة وبأي شارع او ركن كنت اختبئ؟ ام تراني شبح ميت يرتاد عالم الموتى الجدد لأعدها واكتب سيرها في سجل لم يعد فيه فراغ ليس كما الشوارع، فصفحاته قد ملئت بعناوين واسماء، لا فرق بين طفل وشاب رجل او امرأة او فتاة.. أو إمرأة طاعنة وشيخ كبير في السن فالموت يحصد من عناقيد الاحياء ليعصرها نبيذ لتلكم الذين يتطلعون للعشاء الاخير مع نبيهم الجديد ذي العين الواحدة الى جانب سفيرهم العربي السفياني في ارض العرب.

***

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

مع ترجمة إلى الفرنسية

بقلم: الأديب السوداني صلاح القيوايدي.

***

بسرد متقطع

أصعد إلى ربوة كتفيك ..

دقات قلبي مطر خفيف..

يساقط على قرميد الجسد..

لأن حمامة روحي عالقة بعمودك الفقري..

لأن الهدية الثمينة التي حظيت بها

كانت رصاصة طائشة في القلب..

الحرب ملأت بيوت الجيران

بالدموع والتوابيت..

والجنود الذين ماتوا مساء

خلفوا نصوصا عميقة في مخيال المعزين..

كنت أصغي إلى أوركسترا البنادق.

رقصة القناصة على حبل الهواجس..

كنا نشيع قتلانا مثل نيازك مذعورة.

ندع بريدنا في صندوق الأبدية..

نخاتل وعول الموت في الممرات الضيقة..

كل يذهب إلى سماء حبيبته

على براق المخيلة ..

ليخفف من وطأة المنفى

والغبار العائلي.

***

***

فتحي مهذب - تونس

...................

Narration Intermittente.

En narration intermittente,

Je monterai jusqu'au sommet de tes épaules ...

Mon cœur bat un peu de la pluie..

Il tombe sur la brique du corps ...

Parce que la colombe de mon âme,

Est collée à ta colonne vertébrale.

Parce que le précieux cadeau,

Que tu as reçu,

Ce n'était qu'une balle perdue, dans le cœur.

*

La guerre a rempli les maisons,

De voisins avec des larmes,

Et des cercueils...

Et les soldats morts le soir,

Ont laissé des textes profonds,

Dans l’imaginaire des personnes en deuil.

*

J'écoutais l'orchestre de fusiliers,

La danse des tireurs d'élite, sur la corde des obsessions ...

*

Nous répandons nos morts,

Comme des météores terrifiés,

Nous laissons notre courrier dans la boîte de l'éternité...

Nous nous battons et hurlons la mort,

Dans les couloirs étroits.

*

Tout le monde va au ciel de sa bien-aimée,

Sur l'éclat de l'imagination...

Pour alléger le fardeau de l’exil,

Et la poussière de la famille.

***

Fathi Mohadhab - Tunisie

 

هُناكَ على المقعَدِ الأسْمَر

ما زالَ ثَوبِي يَقطرُ دَماً

وأُمنياتي جاثِيَةً لتُقبِّلَ المطر

*

كُلَّما أُمَشِّطُ الشمسَ ..

يَقُطعّونَ أَصابعِي !!

كلَّما أُغازلُ  شَفةَ القمر ..

يَئِدُونَ أُنوثَتِي !!

وفي كلِّ مَرَّةٍ أتحَدَّى الريحَ ..

يطعنونني برُمحٍ وثَنيّ !!

مِن أهْدابِ النَّرجِسِ سُرقَت أَحْلامِي

من طَوق ِ البَنفسَجِ اغْتيلَتْ لهَفاتي

ارتَعَشَت عَصافيرُ حُنجرتِي

إنما الليلَ طَليقُ الآهاتِ

الحُلم مُباحٌ والصباح بلوريٌ

تَبتَسِمُ الجراحُ

تَحُطّ الغادرينيا على شُرُفاتي

وتَتَساءَلُ روحي

أَمَا للفرحِ من شَهقَةٍ أَخيرَةْ؟

وللمَلائكةِ عرسٌ في السماءِ

هل سَتَحتَفِلُ الأَرضُ ٍبيوم للسلامِ؟

*

عُذراً لأَنني أَحلَمُ...

عُذراً لأنَني قَبَّلتُ الشمسَ

أنا زهرَةُ هَواءِ, أنْفاسُ ماء

ونَبْضُ حُريَّة وبَقاء...

سأبْقى أَحْلَمُ..

رَغمَ أَنْفِ الأَعَاصيرِ

وأعْشَقُ قَوسَ قُزَح

بُعثْتُ زرقاءَ اليَمامَةِ

عَمّدْنِي  يا مطرُ ...

عَمّدْنِي يا مطرُ ...

***

سلوى فرح - كندا

 

أهـــــــوى الغنـــــــاءَ وإنّـــي مــن محبيهِ

مستثنيــــــــا ً منــهُ ما انحطـّتْ معانيـــــهِ

*

ولعت ُ بالشعــرِ والألحـــانِ مِـــــن صغري

والفنّ أنفقتُ وقتـــــــي فــــي نواديــــــــهِ

*

ميّـــــــــادةٌ هــــــي للأجيـــالِ مفخــــــرةٌ

وكوكـــبٌ لا يُجــــــــارى فـــي أعاليـــــهِ

*

لهــــــا الصــــدارةُ والأسمـــاعُ شــاهدةٌ

إذ الغنـــــــاءُ تبــــــارى فيـــهِ شـــــاديـهِ

*

فــنٌ أصيــــــــلٌ وإبــــــداعٌ ممّـــــــيزةٌ

سمـــــــــاتُهُ غيرُ محتـــــــــاجٍ لتشبيـــهٍ

*

لهــــــا أداءٌ جميـــــــلٌ لا نظيــــــرَ لــهُ

وصوتــــها لمْ أجـــــــدْ صوتا ً يضـــاهيهِ

*

لــهُ علــى النفسِ سحْـــــرٌ حــينَ تخفضهُ

ويمــلأُ ُ القلــبَ شوقا ً حيـــنَ تُعليــــــــــهِ

*

فاللحنُ يصبحُ أحلـــــــى حيـــنَ تنشـــــدهُ

والشعرُ أعذبَ وَقْعـــــــا ً إذْ تغنّيــــــــــــهِ

*

قـــد أسكــــــرَ القلبَ مـن ميّــــــادةٍ نغــــمٌ

أنســـــــــاهُ عالمــــــهُ القاســي ومـا فيـــهِ

*

فقلـتُ لمّا انتشــى الوجدانُ مــن طــربٍ

هـــــــذا الغنــــــاءُ الذي يسمــــو بأهليــهِ

*

هــــــذا الجمـــــالُ الذي قدْ كانَ يلهمني

وقدْ بـــــــدا الآن فـــي سامي تجلّيـــــــــهِ

*

فاصــــــدحْ لمطـــــربةِ الأجيـالِ نجمتنا

ولْتتْركِ الشعــــــرَ يُهـــــديها قوافيــــــهِ

*

ستسمــــــعُ البلبــلَ الشــــادي يكرّمـــها

والروضُ ينفحُهـــــا زاكــــــــي أقاحيـهِ

*

والبحرُ ســـوفَ يناغيـــــها بأغنيــــــــةٍ

حتّـــــى تعــــودَ إلـــــى سكرٍ شواطيـــهِ

***

جميل حسين الساعدي

 

ألولب رتابة اليومي،

وأُلمع أحذية الزمن المتهالك،

كيلا تُلقي بي الأيام على قارعة التاريخ..!!

أنا القادم من جوف الألم،

المثقل بأحمال الأمس،

و هموم اليوم..

أنُــوءُ بأحلام الغد الهروب..

أنا المدرج بأسقام الوطن

و جراحات الناس..

أنا الواصل والموصول،

أنا الفاعل والمفعول..

لم يُبقِ لِـيَ التاريخ

سوى قُصاصات من حروب

و متاهات من دروب..

أرتق بها حدودَ البلاد الممتدة مِنّـي

إلى منتهى الحلم العنـيد..!

لعل الوطن يتشكل من جديد،

أو لعل ريح الشرق تَهُبّ من بعيــد.

وأنا القاعـد تحت لهيب الهجيـر الآتي من مرابض داحس والغبراء،

وشجون عنترة و قيظ تهامة والرمداء..

أتوسد بَعضا من قُصاصات المجد التليـد،

كما روته الجَدّات..

و تناثرَ كالغبار من ثنايا الأسفار.

أو انثال كالأطياف من حوافر الخيل المسرجة بالأحلام.

لا حبر لي كي أطرد الليل عن الحَواري و العتمةَ عن دروب الحي القديم..

لكني سأستعير حروف القول السديد،

لأرسم أصفادا لأسرى الماضي المجيد.

و أُعَمِّـد مواليد الكواكب البعيدة..

و أُوقِدُ النجوم المعتمة

كي أبشر بفجر جديد..!!

***

محمد المهدي - المغرب

تاوريرت – 07/10/2024

 

ما بين الفجر

وغياب الشمس

تحتضر الأرض

وما فيها..

**

البعضُ يتيبسْ

والبعضُ يموتْ

والآخرُ يأكله الهمْ..

والآخرُ ينخره الغمْ..

**

في هذا الكون الملكوت،

اعمى يتوجس مشيته

فوق رصيف الشارع

لا يدري اين يسير..

واعمى الفكر، لا يدري

في أي طريق يمضي

قد يمضي ولا يمضي..

والجاهل اعمى ،

قد يعرف لآشيء

والعارف لا يرهن نفسه

حول جواد خاسر..

**

والكل

على منهل الإحتضار..

قد يشعر البعض بالتكرار

ولكن ،

ما جدوى التكرار..؟

الصبح الليل

الليل الصبح

يتعمد هذا التكرار

موت وحياة

وحياة والموت

**

وتطل الحتمية

في جنح الليل

وضوء الشمس

وفي معناها عبث (*)

والعبث التكرار

بتغذى عدما

يلغي ندما

ينفي نغما

يطفو فوق

مساحات التكرار..

**

الرقص والحب والإنجاب..

والتكرار والهوس الجارف

في ماخور الأنخاب..

واليقظة والنوم هما التكرار

وما بعد التكرار

دوران في أفق اللامعنى

حيث الصخب الأدمي

والصمت الأبدي

يمثل معنى التكرار

**

في دوامة صخب الحب

او صخب الموت

في السلم او الحرب

تلك هي اللاجدوى

في المعنى

حين يدب العبث الشيطاني

يتسلل عبر مسامات الكون

ويسكن في الطرقات

ويعبث في الشهقات

ويرسم للكون علامات

اللامعنى..

***

د. جودت العاني

8 / 10 / 2024

..........................

(*) من وحي فلسفة العبث للفيلسوف والكاتب الفرنسي (البير كامو)

 

هذا الركضُ الطويل

أليس لهُ نهاية؟

ألم يشعُر الراكضون

بالتعب؟

لِما يركضونُ  وهم

يعلمونُ بأن كل شيءٍ

قد شارف على الإنتهاء؟

*

كُل الأرواح المُعذبه

أفنت حياتُها ركضاً

على الأرصفة المتهالكة

المُعبده بالألام الكبيرة

التي تسبب بها

العابثون

الفارون من الجحيم

الذين تركوا في كل

رصيفٍ بصمةً

لأياديهم

جاءت على هيأة

شُقوقٍ شاسعة

مُريبة

تبتلع مدينةً بأسرها

*

يا إلهي!

يا إلهي العظيم

أنقذ ما تبقى

من تلك الوجوه

التي تعتزمُ الركض

دون جدوى

طوقها بالنجاه

فإنها أوشكت أن

تُعلن الهرب!

***

أريج الزوي

 

يالها من ستين  دقيقة عشتها وكأنها الحلم، هل تصدق لم أتمكن من النوم ليلة البارحة؟! كنت أعيد في مخيلتي شريط تلك الدقائق بكل تفاصيلها التي عشتها، وأنا أسير تحت دفء شمس الخريف في شارع المتنبي، أو بالأحرى أن اسميه شارع الورق الأبيض المتوسط، أو شارع العطور والعصور، او أي اسم ترغب في تسميته، وأعذرني لست بارعة في تسمية الأشياء كما تفعل أنت عندما تطلق الأسماء كأنك تولد فيها الحياة.

صدقا لم يغف لي جفن حتى الساعات الأولى من الفجر ... كنت منفعلة، ومندهشة، وفرحة جداً...كنت مراراً وتكراراً أستحضر  تلك الساعة من ذاكرتي، وكأنني أكتبها في ورقي كنت أمسك بها خشية أن يفلت مني تفصيل واحد منها. أردت أن أبقيها في ذاكرتي لثمانين سنة القادمة!

أعتقد إنني إذا ما غفوت قبل أن أعيد تلك الدقائق وكأنني أعيشها ألف مرة فإنني أخشى حقا أن تكون بمثابة حلم، وليست حقيقة ... أعلم إنك حين تقرأ هذه السطور سوف يدهشك ما أكتب، وكيف لي أن أسهب في وصف ساعة أعتدت عليها أنت آلاف المرات، وسوف تقول لي أنت امرأة الأحلام والضوء.

سيدي، عليك أن تخلد إلى النوم؛ حتى تتماثل للشفاء تماماً بعد تلك الوعكة الصحية التي رافقتك، وأطاحت بقلمك حتى ما إذا وصلتك هذه السطور أن تكون الترياق الذي يعيدك إلى أول السطر، ويعيد إليك الحياة برائحة حبر.

عندما اختطفك المرض في تلك الأيام الماضية كنت كمن أطفأ قنديل ضوء ومحبرة عن هذا العالم.

هل تصدق كنت أكتب لك طوال تلك الفترة بغزارة قلم، ولكن ليس على الورق، وإنما على سراب ورق ،ومخيلة، وعلى تلك السحب الفارغة من المطر.

أعلم أن هذا الفصل بنكهة الخريف الممتلئ بجيش من الفيروسات التي تتسلق أجسادنا، ورغم هذا كنت قد قلقت عليك كثيراً.

إننا جميعاً ننتظر فصل الشتاء حين يأتي تبكي السماء، وتغسل غبار هذه الطفيليات الصغيرة من على مساماتنا وكذا سطورنا.

***

مريم الشكيلية / سلطنة عمان....

يَتحلى الصبرُ بنفسهِ

سارداً روايتهُ

بِنَفَسٍ طويل...

حِكْمَتهُ الصبر!

*

فأصعب المواقف

أن تقف!

وأصعب سؤالٍ

السؤال!

وأصعب شيءٍ

اللاشيء!

*

تشحذُ العَجَلةُ

خنجرها السياسي

بخطاباتٍ

عيَارها أربعةوعشرون فالصو!

مُوَجِّهَةً للصبرِ

ضربةً في الخاصرة

بذريعةِأنهُ

يُحَرّضُ السلامةَ

بالتأنِّي!

*

تهمسُ الندامةُ

في أنْفِ العَجَلَةِ :

أُذْنكِ يوماً

لمْ تقرأ: (صبراً آل غزة)!

وعينكِ

لمْ تسمعْ أبداً

رائحةً تحت الأنقاض

تمشي بقدَمَينِ مبتورتينِ

حافية العَرَبْ!

*

تَنْفِضُ اللحظاتُ أيامها

بما تَكَدَّسَ عليها

مِنْ زمنْ!

تنفي رغبتها بالبقاء

وتشحن طاقتها

للتقدم الأخيرْ

هي ستخوضُ...

رغم لدَغَاتِ فتاوى المِثْليينْ

ومُحَرِّكات التثبيط الخامس

بعُبُوَّاتِهُمْ الخسيسة

إرجافاً

ووضاعةً فَتَّاكةْ!

*

الآن..لاتَلْفِتْ!

قيامةالصبر

امتَشَقَتْ إباءها

عزيمتها تسلَّحَتْ...

إصرارها بِعِزًةٍ: لاتَرَاجُعْ

النصرُ يبتسِمْ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

6/10/2024

هذا الميعادُ أزَفْ..

اِنهَضْ وسدِّد سِجّيلَكَ نَحو الهَدف

يا طَيرَ الأبَابِيلِ الذي طَال غِيَابُه

إنّا هُنا في انتظارِكَ..

حَيثُ تَركتَنَا مُذ نصفِ قَرنٍ

نَحنُ مازِلنَا نَقِف..

دَوِّ مَدى الآفاقِ بالحقِّ المُبِينِ

أنّ أرضَ  الانبياءِ والشّعراءِ

و البُرتُقالِ والتّينِ

مُحَالاً تكونُ لغَيرِنَا

"من الفاءِ إلى النّونِ"

حتّى لو أخرسَ البَاطِلُ صَوتَنَا

و إسمُهَا في الحَلقِ جَف..

*

هذا الميعادُ أزَف..

إنّه ضَميرُ الطّينِ يَعلُو مِن جَديدٍ

فَجَّرَ طُوفانَه هَدّارا بنّصرٍ

عِزُّه خَفْقُ البُنُودِ

يَغسِلُ شَرَفَ العُروبةِ

مِن عَباءاتِ التّأمرُكِ والتّصَهيُنِ

و عُروشٍ خَاوِياتٍ تَوّجَتْ هَامَ العَبيدِ..

أشجَعُ مَن سادَ فِيهم

لم يُحرّكْ ساكِنًا  ولا حتّى لِسَانَا

إنّما حَرّكَ قَلبًا وَجِيفًا

من الجُبنِ  يَرتجف..

لا تَنتظِرْ مِن أدعِيَاءِ العُرُوبَةِ نُصرَةً

منذ مَتى كانت للمُتمسِّحين

على أعتَابِ "كَامبٍ وأوسلُو "

نَخوَةٌ او بعضُ نَعرةٍ

أعرَاسُهم مِن وطيسِ الطّبلِ والزّمرِ

و ما قامَ لَهُم مِن وَطيسِ الخَيلِ

عُرسٌ تُحَيِّيهِ الأكُف..

*

هذا الميعادُ أزَف

رَتّلَ انشودَةَ الفَجرِ النّديِّ

عندَ أطرافِ النّهَارِ

تُهدِي التّاريخَ إلَينا والحرب

و السّلامَ والأرض..

تُهدي إلَينا كَرامَةً مِن الحِجارةِ والنّارِ..

لكأنّ أصواتَ الأزِيزِ مَعَازِفُ

لَها في المَسامِع نَشوَةُ اللّحنِ الشّنِف

هذا الميعادُ أزِف..

هو مِيعادُ الحَياةِ معَ دِماءِ الشّهيدِ

يُنصِفُ ثُكلَ النّخيلِ

يَرتُقُ جُرحَ الوُرودِ..

ينقُشُ إسمَ الفِداءِ على ألواحِ الخُلودِ

يَهوِي بإصرار الرّجالِ

على جدرانِ الحدودِ

يَفتَحُ للنّصرِ بابًا بِمَصاريعِ الشّرَفْ..

هَذا المِيعادُ أزَفْ......

***

كوثر بلعابي

تونس فجر يوم: 7 أكتوبر 2023

(بمناسبة  اِندلاع الطّوفان المقدّس)

 

تنبعث رائحة الماضي السحيق من بين دفتي أضلاع خاوية.. كأنها كانت بالأمس القريب تخلع قيود ضجرها وبؤسها لتلهو مثل صبية تغازل أديم الارض بطبع اصابع قدميها فوق كومة تراب بلله المطر..

لكن الشرطي الذي يقف ممسكا ببندقيته مازال يوجه تحذيراته.. قائلا:

إياكم.. ان الحشائش الندية قد دُست بين نتوءاتها قنابل وحشية..

لكن لا أحد يسمع.. المكان والزمان في حالة فوضى الحاضر

والماضي وما بينهما سراب في سراب.. لتلك الأرواح البريئة التي كانت تتمنى حياة كريمة.. !!!!

 ارتفعت حرارة آذار لتقذف الارض بطريقة متباطئة خيوطا دافئة لتؤنس أرواح المشردين في أصقاع المدينة المترنحة.. الا ان عاصفا ترابيا حال دون ذلك.. هناك اندلعت حمرة قانية في الافق تثير الخوف والموت.. فغدت المدينة حزينة وكئيبة..

عندها.. اقتنعت بداخلي ان السنين تتشابه.. ففي يوم نحس يشبه هذا اليوم كنا قد التقينا للمرة الاخيرة أنا وصديقتي أيام الصبا.. تذكرتها اليوم بحنين طاغ.. وروحي تبعث على وميض خيط يتوجع لتلك الذكريات.. صديقتي التي لم أرها منذ تلك السنين.. !!!

 كنت أغار منها فهي تتقدم بدرجاتها أكثر مني تفوقت بكتابة الشعر يتصدر اسمها قائمة المجدات حازت إعجاب مدرسات اللغة العربية.. تتميز بلباقة محببة فتكسب رضا الاخرين.. تخطف أنظار المارة بأناقتها.. أتذكر خفة جريانها في التخفي في لعبتنا المفضلة (الختيلان) في درس الرياضة.. اكتشفت بعد حين انها صديقة طيبة وتستحق ان أعتز بصداقتها....

 فاجأتنا ذات يوم بوجوم مخيف قد ارتسم على محياها وسيطر على روحها المحبة للطرفة.. ضربت عزلة على نفسها.. لعدة أيام دون ان تبوح بسبب واحد يدعوها لذلك..

 على الرغم من إعجابي الشديد بها.. فقد كنت أحسدها وأتمنى ان أمتلك مثل جرأتها وهي تلعب دورا مميزا في مسرحية داخل المدرسة.. حزنت وتألمت لحالها إلا ان خيطا من الشعور بالرضا كان يجتاح داخلي للحظة مباغتة فتأبى روحي ذلك وترفضه فيما بعد....

 بادرتها بسؤالي.. هل. لديك قصيدة جديدة تودين قراءتها في يوم الخميس أو نشرة أدبية ترغبين مشاركتنا فيها.. ؟؟

.. قاطعتني بنبرات مرتبكة وهي تقول: أتمنى ان يطول حديثنا وسأحدثك بإسهاب مطول فلدي الكثير مما أتمنى ان أبوح به لك دون الاخريات.. دعتني لزيارتها في بيتها.. شعرت حينها انه يتحتم عليّ ذلك.. هناك عدة بيوت بين دارنا ودارهم..

قصدتها ذات مساء ولا أدري ما الذي جعلني أتذكر أخاها وزوجه الأجنبية.. فطالما أثار اعجابنا بأفكاره وآرائه بخصوص.. المرأة.. والمجتمع والاهتمام بدراستنا.. كان آنذاك شابا جامعيا لدراسة الماجستير في الهندسة..

كان يحثنا على قراءة الكتب الادبية والروايات ويسدي لنا نصائحه بشأن مؤلف هذا الكتاب أو ذاك.. كان يجاملنا بطريقة في غاية التهذيب والوقار ولعباراته تأثيرها البالغ في نفوسنا..

 وحين وجهت دعوتها لي بإلحاح شديد ازداد فضولي لمعرفة أخبارهم.. وان استمع لكلمات زوجه الاجنبية ولكنتها المحببة

وحين وضعت يدي على جرس الباب لا أعرف لماذا شعرت بإحراج شديد وارباك.. لكني أعدت الطرق.. فطالعني وجه أبيها وهو في حال أسوء من حالها.. كان مكفهر الوجه وقد رد تحيتي بنبرة باردة وصوت خفيض.. دلفت داخل المنزل فوجدت صديقتي مستاءة قلقة مصفرة الملامح.. ذابلة العينين.. متعبة.. لا تمكث في مكان واحد.. ولم تنتبه لمسألة ضيافتي ولو بكأس ماء بارد....

 كان ارتباكها وسلوكها غير مريح بالنسبة لي.. شعرت ان روحها ليست معي.. تعيد جملها بتكرار ممل.. ثم تسألني بطريقة تصطنع فيها الابتسامة بأمور عادية مما يضطرني ان أومئ لها برأسي فليس هناك من جديد كما تصورت....

لم أشأ ان أنتزع منها الحديث عما تعانيه.. كان الجو مليئا بالأتربة والعواصف الحارة فبادرت هي مسرعة لتغلق النوافذ والأبواب.. ثم حل بيننا وجوم وكآبة وصمت....

وقفت ساحبة حقيبتي من الاريكة ومستعدة للخروج من بيتهم الذي بدا بائسا ومثيرا للتساؤل..

أمها كانت منزوية بجلستها على أرضية الغرفة في الهول الداخلي كانت تجلس القرفصاء شابكة يديها حول ركبتيها وهي ساكنة كأنها لوحة جامدة.. حاولت ان أخرج دون ان أشعرها باني لمحت أمها من خلال النافذة..

 فاجأتني بحركة سريعة فخطفت حقيبتي ودلفت بها الى الغرفة الداخلية المقابلة لحجرة الضيوف.. وقفتُ مندهشة..

 سمعتها وهي تبكي بحرقة..

حينها شعرت بخفقان قلبي وقلة حيلتي في كيفية التصرف إزاء الحدث.. بصعوبة شديدة استجمعت عزيمتي وإرادتي ثم دخلت الى الهول الداخلي وألقيت التحية على أمها التي كانت تعتز بصداقتي لابنتها.. لكنها الان لا ترد على تحيتي وكأنها لا تراني ولا تسمعني فدلفت مستعجلة الى صديقتي في غرفتها.. فوجدتها ساهمة تغسل الدموع وجنتيها.. عانقتها وبكينا معا دون ان أعرف السبب الذي أبكاها..

. وحين سألتها عن أخيها وزوجه أجابتني ببرود تام.. دعيه في راحته الابدية حيث اختفى منذ سنة كاملة ولا نعرف مصيره وعادت زوجه الى بلدها.. اكتفت بالتحديق الى وجهي كأنها تراني لأول مرة.. قالت.. ما أبكاني هو الحاضر.. وليس الماضي.. همست مع نفسي..

.. !!!.. يا للعجب.. وهل تعتبرين أخاك ماضيا

لم أشأ التدخل في ظروفها العائلية ولم أطلب منها تفسيرا لذلك.. اذن قد يكون السبب هو والدها الحاد المزاج الذي كانت تحدثني عنه.. وأخيرا قبلتها ثم سحبت حقيبتي وخرجت مسرعة عند استدارتي رأيت أباها وهو يحدق فيها بغضب وكأنه هو من الجمها عن الكلام..

.. شعرت حينها بحزن شديد ودوار وألم في رأسي جعلاني أغلق الموضوع دون ان أتحدث عنه لأحد لعدة أيام مضت..

.. لكني لم أستطع نسيان ما رأيت وسمعت..

فحاولت وبدقة متناهية وصف حال صاحبتي وأسرتها لأمي ذاكرة لها حزني وألمي تجاه صديقتي.. فرمقتني بنظرة متفحصة كأنها تحاول ان تسبر أغوار روحي لتفهم حقيقة عدم معرفتي بأخبار صديقتي وحين تيقنت من ذلك.. أطرقت رأسها وتنهدت بمرارة وحزن وهي تقول..

يؤسفني يا ابنتي ان أخبرك انه قد تمّ ترحيلهم قبل أيام مع عوائل أخرى لدولة مجاورة قبيل صلاة الفجر بشاحنات نقل كبيرة..

فتساءلت بنبرة غاضبة.. وما هي جريرتهم.. ؟؟

.. !!! وبطريقة غريبة وسريعة وضعت يدها فوق فمي..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

إلى محمد سعدون السباهي

بمناسبة وجوده في البحر

***

بحرانِ أنتما

بحرٌ آدميٌّ

شاسعُ المدى

وقلبٌ جنوبيٌّ

باذخُ الرؤى

ومكتظٌ بالحكاياتِ

والمواويلِ والاسرار

هو أَنتَ  …

بكلِّ نبلِكَ وشهامتِكَ

وإشراقات روحك الجنوبية الناصعة .

وهوَ السيدُ البحرُ

الذي لهُ زرقتُهُ الشاسعةْ

وفضاؤهُ الفذُّ المدى

ولهُ مزاجُهُ الغامضُ والغاضبُ

حينَ تُرهقُهُ السفائنُ والمراكبُ

وحماقاتُ الحيتانِ وفوضى الصيّادين

ولصوصُ اللؤلؤِ القمري والمرجانْ

وجشعُ الانسانْ ،

آهٍ من الإنسانْ

الذي يأكلُ كلَّ شيءٍ

حتى لو كانَ لحمَ أخيهِ

أو ثديَ أُمِّهِ

وأحياناً لايترددُ في أنْ يلتهمَ

لحمَ أصابعهِ جوعاً

وربَّما ندماً

على حماقاتِهِ وجرائمهِ

منذُ واقعةِ وفاجعةِ

(قابيلَ وهابيلَ)

وتاريخٍ من الدمِ

والدموعِ التي هيَ

كلُّ هذا البحرِ

المُحتشدِ بحضوركَ

ومرحكَ الطفولي اللذيذ

وضحكاتِكَ البحريةِ المتناثرةِ والمتطايرة مع سمفونياتِ الأمواجِ

و صراخِ النوارسِ وفوضاها المرحة

وخفقِ أَجنحتِها الناصعةِ البياضِ مثل قلوبِ امهاتِنا

الجنوبياتِ الحنوناتِ ،

وأرواحِ آبائنا السندباديين الأنقياءِ أَبداً .

*

سلاماً لكَ،

يا طفلَ الأهوارِ والأهوالِ

والمراعي المفتوحةِ

والأسماكِ الطيّبَة

والذكرياتِ والخساراتِ

وينابيعِ المحبَّة والحنينْ

*

سلامٌ لكَ … وسلامٌ عليكْ

يا أبا السلامِ والحُبِّ

والطيبةِ الجنوبية التي

لها عمقُ البحرِ وكنوزُهُ

وحكمتُهُ التي تشبهُ

حكاياتِكَ ورواياتِكَ

وأَغانيكَ الجريحةَ ونحيبَكَ

على اخوتِكَ وأصدقائكَ

الذينَ رماهُم الطغاةْ

والجنرالاتُ القُساةْ

في جحيماتِ الحروبِ

والمقابرِ الجماعية

وفي متاهةِ الغيابْ

***

سعد جاسم

كندا في ١٥ - ٨ - ٢٠٢٤

 

مَــلَكْتِ الــقَلْبَ رِفْــقًا (كونْدَلِيزَا)

دَخَــلْتِ  إِلَــى الفُؤَادِ بِغَيْرِ (فِيزَا)

*

وَ  بَــاتَ الصَّدْرُ مِثْلَ القِدْرِ يَغْلِي

فَــهَــلَّا. تَــسْــمَعِينَ لَــهُ أَزِيــزَا؟

*

وَمَــا شَــأْنُ الْعَوَاذِلِ حَيْثُ قَالُوا؟

عَــجُوزٌ طَــاعِنٌ يَــهْوَى عَجُوزَةْ

*

وَقَــالُــوا  (....) أَغْـــوَتْ (....)

فَــهَلْ بِــتْنَا بِــشِرْعَتِهِمْ مَــعِيزَا؟!

*

أَنَــا الــضَّلِيلُ دَوَّخْــتُ الــعَذَارَى

وَتِــلْــكَ طَــبِــيعَةٌ بِــدَمِي نَــحِيزَةْ

*

أَنَــا مِــنْ قَــبْلُ قَدْ أَحْبَبْتُ (لِفْنِي)

وَجَــاءَ  الــيَوْمُ دَوْرُكِ يَــا جَهِيزَةْ

*

فَــعَــيْنَاكِ الــجَــمِيلَةُ كَــهْــرَبَتْنِي

كَــأَنِّي قَــدْ وُضِــعْتُ عَلَى بَرِيزَةْ

*

يَــطِيرُ الــنَّوْمُ فَــوْرًا عَنْ عُيُونِي

إِذَا مَا الرَّأْسُ صَارَ عَلَى الوَشِيزَةْ

*

وَدِدْتُ لَــوْ أَنِّــني أَغْدُو (دَفِنْشِي)

لِأَرْسُــمَ  مِــنْكِ لَــوْحَةَ (مُونَلِيزَا)

*

وقــد  ذَكَــرُوا لَــهَا عِشْرِينَ عَيْبًا

وَأَيْــمُ الــلَّهِ مَــا بِــكِ مِــنْ غَمِيزَةْ

*

وَإِنْ  سَــاءَتْــهُمُ بَــعْضُ الــسِّجَايَا

فَــفِيكِ مِــنَ الــمَحَاسِنِ أَلْفُ مِيزَةْ

*

وَرُغْــمَ الــصَّدِّ وَالأَعْرَاضِ عَنِّي

سَــتَــبْــقَيْنَ الــمُــقَرَّبَةَ الــعَــزِيزَةْ

*

أَنَـــا  الــخَرْفَانُ تَــأْكُلُنِي سِــنِينِي

وَدَرْبِــي  فِي الهَوَى يَحْتَاجُ جِيزَةْ

*

أَبِــيعُ الــقُدْسَ وَالأَعْــرَابَ طُــرًّا

إِذَا  مَــا كُــنْتِ لِــي أَنْتِ الرَّكِيزَةْ

*

شَــرَحْتُ  لَــكِ الغَرَامَ فَسَامِحِينِي

إِذَا كَــانَــتْ عِــبَــارَاتِي وَجِــيزَةْ

*

أَلا عَــبَّاسُ هَــلْ تُــصْغِي لِنَصْحٍ

يَــظَلُّ الــلُّؤْمُ فِــي الأَفْعَى غَرِيزَةْ

***

بقلم: عبد الناصر عليوي العبيدي

.......................

معاني المفردات

نَحِيزَةُ الإِنْسَانِ : طَبِيعَتُهُ

الجِيزة: مقدارُ الماء الذي يَجُوز به المسافرُ من مَنْهل إِلى منهل

الغَمِيزَةُ: الغميز.

يقال: ما فيه عيب

 

Do not throw your obsessions through the window of the plane.

مع: ترجمة الدكتور  يوسف حنا - فلسطين.

***

لا ترم هواجسك من شباك الطائرة.

خشية أن يخطفها طائر العقعق.

ثمة ضباب مسلح يتربص بك

خارج البيت.

دادائيون فروا من كلاب المجرة.

يصوبون بنادقهم حول ثعلب نثرك اليومي.

لا يبصرون في النهار.

لا يجيدون الصلاة فوق جسر الوضوح.

سيقتلون حمامتك العائلية

لتصيرا واحدا منهم.

استعن بالشجرة

لقراءة أسرار الغد

وفهم طبيعة الأشياء بالإشارة.

استعن بكلب سلوقي لحراسة المخيلة.

طرد الجنون من شرفة رأسك

الجنون الذي خلف ضحايا كثرا

في نصوصك.

استعن بقطاع الطرق

لإضاءة براهين المسكوت عنه.

استعن بضحكة جارك الحبشي

لتدجين الساعات الحرجة

لا تسق الأموات حليب المخيلة.

ابتعد قليلا

أيقظ شمعتك من كثافة التفكير.

ذر حواسك ترع في الملكوت.

لا ترم شبابتك في البئر

الموسيقيون قادمون من أدغال نصك الجريح .

ابتعد قليلا

افتح النار على قافلة العميان.

واستعن بصليبك في الحرب

الرهائن كثر والطريق احتضار.

***

بقلم فتحي مهذب تونس.

..........................

Do not throw your obsessions through the window of the plane

By Fathi Muhadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

Do not throw your obsessions through the window of the plane

Lest the magpie snatch her.

There is an armed fog lurking in you

Outside the house.

Dadaists fled from the dogs of galaxy.

They point their guns around the fox of your daily prose.

They do not enlighten during the day.

They are not conversant with praying over the bridge of clarity.

They'll kill your family pigeon

To become one of them.

Draw on the tree

To read the secrets of tomorrow

And understand the nature of things by sign language.

Draw on a greyhound to guard the imagination,

To drive out the madness from your balcony

And madness that left many victims

In your texts.

Draw on bandits

To illuminate the evidences of the unspeakable.

Use the laughter of your Ethiopian neighbor

To domesticate critical hours.

Don’t sate dead with the milk of imagination.

Back off a bit

Awaken your candle from intense reflection.

Throw your senses pasturing in the heavenly kingdom.

Do not throw your flute into the well

Musicians are coming from the jungles of your wounded text.

Back off a bit

Open fire on the blind convoy

And draw on your cross in war

Hostages are many and the road is dying.

***

 

تَتَّسعُ مواقدُ الألمِ!

ويموءُ على عَتَباتِ الرحمةِ

كل الكلامْ

فلا يكفي ما تبقّى

من حروفٍ

لتردّدَ بعضَ السلامْ

الحروبُ ..

تفترشُ البلادَ

خيامْ

لينامَ العبادُ

تحتَ سلالمِ الوقتِ

يحلمونَ بالوئامْ

كثرتِ الحَرائقُ

ومِن رمادنا

رمادٌ

يغرقُ الأوطانَ

ويعفِّرُ وجهَ الرَّغيفِ

بكلِّ أشكالِ الحرمانْ

رحماكَ …

لا تسقِ الزَّرعَ بدمعنا

جَفَّتِ الأعينُ

وضاقتْ علينا

كلُّ احتمالاتِ العيشِ

وكلُّ انتهاكاتِ الطِّينِ

تتلاشى أشلاؤنا

نثاراً

ويُعيدُنا للغيمِ … الدُّخان

***

سلام البهية السماوي

 

الانحدار صوب وديان

من الشوك والعوسج والحنظل

يجعل مرايا النفس والروح

رديئة رديئة ومتسخة متسخة

وازاهيرهما شاحبة شاحبة

تعزف عن رؤية

اسديتها ومياسمها

النحلات والفراشات

العاشقات والانحدار

صوب ينابيع

الحب المطلق

والامل المضيء

يجعل ازاهير

النفس والروح

زاهية زاهية

و فراشات

الروض المستباح

تعانق فرحة

مدارات قوس قزح الصباح

الشفق الازرق والمطر .

***

سالم الياس مدالو

 

العقل والمزمار

والجهل المعمد بالتعاسة والخوار..

في وهجه يشكو ألاعيب المحال مع الدوار

هل يبدأ العملاق يخطو

بين اجنحة الوعود السود في وضح النهار

هذا هو العقل الملبد بالغباء وبالغبار..!!

**

هل ينتهي الجهل،

ويصفو العقل في محرابه يسمو

فلا غدر ولا قتل ولا عذر لمن

لا يعرف الدنيا وما فيها ـ

مآسيها ـ

وإرهاصات ماضيها..؟

**

سلاماً أيها العقل ،

تعقل في مراميها..

ولا تبخس معانيها..

تنفس من رحيق الشمس

طاقات الهوى العذري

قبلْ كل ما فيها..

ولا تمضي  مع الاعمى

بليدا قد يقاضيها

كما الثالوث في المنفى

هي الصيحات

لا تجدي ولا تنفع

جموع في نهارات القذى تقمع..

شراعات مع الامواج لا تقلع..

وناقوس مع المحراب لا يقرع..

وأفواه وأثداء بدت

في محنة الامصار لا تشبع..

فأين العقل و(الرمح والسيف)

والشمس

المضيئة في النهار..؟

**

من يرتضي

القيح والقبح في داره

من يقتفي صمت القرود

من يحتفي برق الرعود

الفارغات على المدى

الشاردات مع النوارس

والرياح

بلا صدى..؟

***

د. جودت صالح

4 / 10 /2024

في يومٍ  ماطِرْ

جاءَ لَكُمْ روبوتٌ،

قالَ: أنا شاعرْ

أنْطُقُ شعراً لا يعرفهُ

روبوتٌ غيري، أو إنسانْ

وملاكُ الشّعرِ  يباغِتُنِي،

لا أدري كيفَ،

ولا أدري أينَ هو الآنْ؟

هَلْ أدركهُ النّسيانْ؟

أمْ أغْوَتْهُ غَوانٍ يَكْرَهْنَ الشّعْرَ فخانْ

قالَ سأصْعَدُ مِنبَرَ  شِعْرِي

حاولَ أنْ يَصْعَدْ

فتدحْرَجْ

وبِصوتٍ يتَحَشْرِجْ

قالَ سَأُوجِدُ بحراً شعرياً

باِسمِ "المُتَدَحْرِجْ"

**

بَعْدَ قليلٍ جاءَ لكُمْ شعراءٌ مَهْمُومُونْ

قالوا إنّا كنّا نَتَدَحْرَجْ

منذُ زمانٍ وزمانْ

فَدَعُونَا نَسْتَكْمِلُ

أشواطَ تَدَحْرُجِنا الآنْ

و دَعُونَا لا نُحْرِجُ

أو نُحْرَجْ

ضَحِكَ الروبوتْ

قالَ الشّعرُ سيبقى حيًّا

وأنا سوفَ أموتْ

لكنِّي

لا أطلبُ مِنْكُمْ قَبْرًا أو تابوتْ

***

شعر: خالد الحلّي

(رسالةٌ إلى عرقوبٍ من أبيه)

قُـلْتُ: اتَّـخِــذْنِـي والِــدًا!

صِحْتَ: اتخذتُكَ: «لا أَبا لَكْ!»

*

فصَحَـوْتُ أَضْحَكُ، يا بُـكا

ئِـي، إِذْ بَكَيْتَ، فما رَثَـى لَـكْ!

**

يَـا قَـلْبُ ، مَالَـكَ هـكَـذا؟

يا كَلْبُ ، مالَكَ؟ مَنْ أمالَكْ؟

*

أَ وَمـا  أَتـــاكَ  بِـأَنَّ  حـــا

لكَ لِـ(ابْنِ آوَى) قد أَحـالَكْ؟

*

أَمْ هَـلْ بَـدَا وَجْـهُ (السَّـمَـوْ

أَلِ) مِثْـلَ(عُرْقُوْبٍ) حِيالَكْ؟

*

فرَسَـفْتَ في أَغْـلالِ ما اجْــ

ـتَـرَحَ الجُذُوْرُ فـما أَقـالَـكْ؟

*

أرَضِـيْـتَ بِـالأَطْــلالِ ذِكْــ

ـرَى مِنْ حَبِيْبٍ؟ بِئْسَ ذا لَكْ!

*

فلْـتَسـتَّـفِقْ مِنْ أَمْسِ، واخْـ

ــلَعْ مِنْ غَـدٍ أَبـَـدًا خَيالَكْ!

**

إِنَّ  الأُبـُـــوَّةَ  كـالــبُـــنُــوَّ

ةِ : آيَـتـانِ ؛ بَـرَتْ مِــثـالَـكْ

*

اقْـرَأْ أَبـَـاكَ ، تَـجِـدْ بِـعَــيْــ

ـنَـيْـهِ- وإِنْ تَكْمَـهْ- عِيالَـكْ

*

واكْــتُـبْ بَـنِــيْـكَ قَـصــائـدًا

مِنْ لَـذَّةٍ ،  واسْـكُـبْ جَـمالَـكْ

*

اِغْـرِسْ بِـهِـمْ مـا تَـشْــتَـهِـي

أَنْ تَـجْـتَـنِـي ، وامْلَأْ سِلالَكْ!

**

هَـيْـهـاتَ تَـرْفَـعُ حـاجِـبًـا،

والعَـيْنُ شَكْرَى، عُبَّ آلَـكْ!

*

اِمْـهَـدْ لِـجَـنْـبِـكَ كَوكَـبًـا،

وانْقُشْ على الشِّعْرَى سُؤَالَكْ:

*

أتَـرَى صَواعِـقَ نَصْلِكَ الثَّـ

ــاوِيْ مُـجَـدِّدَةً نِـصالَـكْ؟

*

وتَـرَى وِصالَ عَشِيْقَةِ الـشِّـ

ـعْرِ الشَّذِيِّ شَرَى وِصالَكْ؟

*

لِتَقُـولَ ، إِذْ أَزِفَ القُـفُـوْلُ ،

وشِمْتَ في الأَقْـصَى هِلالَكْ:

*

ما كالجَـمـالِ جَـمـالُـكَ الْـ

أَرْقَـى، ولا يَرْقَـى جِـبالَكْ!

***

شِعر: أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيفي

 

الصبيُّ مازالَ يرتلُ للوطنِ

الصبيُّ يلوحُ لرؤوسِ الحرابي

او يحلمُ بعلوِ العلمِ

بلادُ العربِ اوطاني

كبرَ الصبيُّ صارَ شبلاً

احتواهُ الطريقُ الذي سيمضي اليهِ

او الوطنُ الحرُ السعيدُ

الصبيُّ حينَ يمرُّ بعمالِ المساطرِ

عمالِ البذلاتِ الزرقاءِ

يرسمُ على الطرقاتِ ياعمالَ العالمِ اتحدوا

الصبيُّ يتعلمُ رسمَ الاكواخِ والشمسِ والحمامِ

يرسمُ هدأةَ الشطآنِ

يرسمُ المناجلَ والمطارقَ

يرسمُ القصورَ خزينَ الاملِ

يرسمُ الدروبَ الضيقةَ

يحتفظُ بأشعارِ لوركا وناظم حكمت

أشعارِ سميح القاسم وتوفيق زياد

يدندنُ لاحمدَ فؤاد نجم

والشيخ إمام

او يغني مكبعةً لطارقِ الشبلي

لا تسألني عن عنواني

لصاحبِ الخصلةِ البيضاءِ جعفر حسن

يختارُ الجريدةَ الحمراءَ عنواناً للحريةِ

الصبيُّ

تناديهِ المطاراتُ تكبرُ احلامهُ

يظلُّ النخيلُ والزيتونُ دفئاً لهُ

تنتهي العناوينُ ، تتطايرُ الرسائلُ

تخفتُ ترانيمُ الحريةِ

يضيعُ خبزُ امهِ

تنهارُ تجاعيدُ ابيهِ

تتساقطُ صورَ الثوارِ

الصبيُّ

يحملُ سيفَ الغضبِ

لقد قتلتنا الخيانةُ

***

عبد الامير العبادي

ميناء لامبيدوزا،

بعض قوارب الموت  المتهالكة،

نجحت في عبور البحر المدجّج

بالملح و الغدر.

*

وصل العشرات،

راح المئات.

أرواح منهكة،

قذفتها الأوطان،

تقاذفتها الأحلام والأوهام.

*

تحرق الأرواح،

مثقلة بعبئ دعاء الأمّهات المقهورة.

الحومة مخنوقة في "سنترو" لامبيدوزا.

قريبا ، ستنهار أغلب الأحلام،

مثل البيوت المهترئة

التّي دفعتهم إلى "الحرقان".

***

نزار فاروق هِرْمَاسْ

أستاذ دراسات الشّرق الأوسط وجنوب آسيا

جامعة فيرجينيا

 

في نصوص اليوم