نصوص أدبية

كفاح الزهاوي: نبض على حافة الغياب

استغرق وقتًا طويلًا حتى شعر بنبضات قلبه تتدفق، كمن يعود من غيبوبة حلمٍ قديم. كان يتكئ على حافة الزمن، كغريبٍ تاه في زحمة الفوضى، يرى الأفق ضبابًا يعانق السماء، فيواري صفاء النهار، ويبث في نفسه دائرة من الشك، كمن يسير على خيطٍ رفيع فوق هاويةٍ لا قرار لها.

صدى صوتٍ يخترق حدود الصبر، كأنه تلميحٌ بشؤمٍ يسكن قاع المكنون، صراخٌ مكتوم ينطلق بصمتٍ عبر الأثير، لا يثير ضجيجًا في الفضاء المترامي، بل يتلاشى كفقاعاتٍ بلا أثر.

إنها لحظة الانكسار الحقيقي، حين تتكشّف هشاشة الروح في مجتمعٍ تتنازعه الخيبات والانتهازية، ويترك أبناءه معلّقين بين الرجاء والخذلان.

تتنازع الأفكار فوق طاولةٍ من الجهل والكراهية والتنافر، كأنها خلطةٌ من عناصر متنافرة، تفتقر إلى النوعية والاتساق.

وفي أروقة الخيال، حين يطرق الجحيم أبواب الرزق وأعماق الضمير، تتكشّف الحقيقة: لا سند في زمن التشتت، ولا دفء حين يتفكك نسيج الألفة، ويتهاوى جسر التضامن كسرابٍ يعبر سواد الليل بصمتٍ مريب.

إنها مأساةٌ في بحر الظلمات، تتضاعف فيها المعاناة كلما غاب الانتماء، وتحوّل الجمع إلى جزرٍ متباعدة. هناك من يوزّع الصكوك على أراضٍ معلّقة خارج الكون، ويحفّز الأرواح على القبول بموتٍ مجاني، لا لشيء سوى أن يبقى الفكر حبيس القهر والتشظي، كأن الخبث صار سياسة، والوهم عقيدة.

ومع كل انكسار، يظلّ في الأفق نبضٌ خافت، كأن الحياة تهمس: ما زال في القلب متّسعٌ للدفء، إن عاد الجمعُ من غربتهم، وإن خيطت الألفة من جديد بخيوط الصدق.

وربما، في لحظة صدقٍ نادرة، حين يعود الجمع من غربتهم، نعمر ما تهدّم، لا بالحجارة، بل بالصدق، وبنبضٍ لا يخاف الغياب.

***

كفاح الزهاوي

في نصوص اليوم