نصوص أدبية
ايمن الناصح: حين تزرعينَ هذه الجدران
ما زالت هذه الجدران
يا سيدة الغياب
جبلا بارداً
يَنطُّ بين عينيَّ
ويوصدُ كلَّ النوافذِ،
يأرجحُني في هاويةٍ رتيبةٍ،
يعلِّقُ أمنياتي جثثاً مصلوبةً،
ويَدُقُّ نواقيسَ عنيدةً وعتيدةً.
*
وها أنا
أتلو عليكِ آخرَ أحلامِ الليلةِ الماضية،
الليلةِ العبثية والوحيدةِ
كان فراشي فيها غيمةً سوداءَ
تائهةً تجوبُ أفقَ الجحيمِ،
تتعالى تصل إلي
أصواتُ المعذَّبينَ من الضياعِ،
يستشفعونَني أنْ أُمطرَ،
وأنا أعاند
وأذخرَ لكِ كل حصاد الرعود وكل الندى،
وأتلوعُ من صيحاتٍ تخربشُ ذاكرتي،
وأبحثُ عنكِ
في حروف مكتوبة على وجه الظلامِ،
كطفلٍ يفتشُ عن ضوءٍ يحتضنُه في كابوسٍ أجردَ.
*
وحلمتُ بأنكِ تجيئينَ،
ضفائرُكِ تشنقُ صمتي،
وأصابعُكِ تسرقني من حقولِ اليأسِ اليابسِ
وتدُسُّني
في حلمِكِ أنتِ.
أسقطُ قطرةً من خدك
وأذوبُ برائحةٍ سماويةٍ،
أنزلقُ حيثُ حجركِ،
أسمعُ أنفاساً منكِ تهدهدني،
وتمسحينَ
بلينِ القطنِ وترفِّ ريشِ الزاجلِ
هذا البُعدَ بيننا،
وتحضنيني وتطفئينَ لوعةً بذرتها مرةً،
وتسمعينني
حين أبكي فرحاً،
وتمشطينَ شعري
مثل طفلٍ ينتظرُ صباحَ العيدِ.
*
وننمو على جفني بجعٍ سحريٍّ،
ومضةٌ من ضوءٍ في سطحِ بحيرةٍ سحريةٍ،
ربيعٌ وشلالٌ من زهورٍ الجوري الجنوبي،
نورٌ في ليلةِ شوقٍ أو ليلةِ حبٍّ،
دفءٌ يجردُ لسعاتِ البردِ من جسدينا،
يجردُ فينا النأيَ والعنادَ،
يجمعُنا بلا عنوانٍ ويدُسُّنا في مقلتيكِ.
*
سيدتي، أنا في يومياتك مازلت منفيا
كأني ذاك السِّرُّ غريبا في مدنٍ منسيَّةٍ،
أعينيني
لنرشدَ كفَّينا كي يتلقَّيا،
ولنكتبَ قصَّتنا قصة سحرية
أو أغنية اسبانية
نغنيها للرَّاقصينَ بلا همٍّ ولا حلمٍ،
ولنكتبَ كأسَ محبتِنا حفلا سريا
أو ننحته تمثالاً من شمعٍ يضيءُ ليال سرية،
مازال غيابك سيدتي يقلقُ نومي،
تعالي كي أتنفس أخيرا
ولأصحو
وأشمَّ أريجَ جنانِ رضاكِ عليَّ،
شوقَكِ لي، حلمَكِ بي، قربَكِ منِّي.
دُسِّيني بين ضفائرِكِ وانسيني،
وقولي: كان غريباً هذا الحالمُ بي
***
ايمن الناصح