نصوص أدبية

أمان السيد: دراجة أبي الهوائية

لم يتسن لأبي أن يمتلك سيارة، فاستبدلها بدراجة هوائية.. ليس لأن ثمنها لم يتوفر له، بل لأنها رغبة، بل سطوة أمي، وأنا أعذرها الآن، لا عندما كنت في ذلك العمر، فأبي كان يضع نظارة طبية سميكة الزجاج وراءها تتخايل عيناه بطيبتهما وناعسيتهما.. أمي التي عشقت أبي كما حين تعشق النساء عادة رفضت أن يسوق سيارة، ولعلها رأت أن الدراجة الهوائية أخف وطأ، هو رأي العاشقة المستبدة..

ولم يكن رأس أبي محميا بخوذة يستعملها العالم المتحضر الذي أراه حولي، فحكومتنا طغت مطامعها على سلامة أفرادها، وبالطبع لن يستحثها سحق رأس أحدهم أمام شاحنة أو سيارة بأربع عجلات، أو صاروخ روسي!

أبي في طقوسه اليومية وبعد عودته من عمله كمعلم، خاصة عندما يصادف دوامه بعد الظهر، يستقل تلك الهوائية، وبها يعدو إلى بيت أختيه اللتين كانت حالهما أبسط ما يمكن أن يوصف، فيمر بالكبيرة، ويقرع نافذة بيتها التي تشهد للطريق مباشرة بحضورها الوارف، ينقرها بإصبعيه ليطل وجه عمتي الناعم منها، تبتسم، وتهش لاستقباله سريعا، وعندما يطمئن إلى حالها يذهب إلى الصغرى، عمتي التي قدر لها أن تظل في وضع مادي أبسط من أختها التي أسعدها الدهر بعد سنوات، لم يتغير أبي معهما، وعندها يجلس بين أطفالها في مزاح وتسامر يشاركه إياه زوجها الطيب، وأبناؤها الذين ما تزال وجوههم تطل من نافذة روحي، وبين زوجي عمتيّ اللتين حظتا بحب زوجيهما، وحظ أبي باحترامهم وتقديرهم جميعا.

ليس شرطا هنا أن ينطبق المثل" خذ البنات من صدور العمات"..

فاتني أن أذكر أني كنت أرافق أبي فوق دراجته، وأتنشق معه هواء الوصال وصلة الرحم، وحرصا على جمع أفراد عائلتي بحب ما أزال به حتى اليوم أثرى.

أما في العيد، فيتبدل الأمر، إذ نستقل معه جميعنا سيارة أجرة تتصدرها أمي برضى وقناعة ألا سوءا سيصيبنا ما دام أبي ليس الذي يقودها..

لو خيرت، فلن أستبدل بدراجة أبي الهوائية أعظم سيارة، فلن يكون لها ظهرها الذي أتمسك به واثقة وأغمض عيني بعيدا عن هموم الدنيا وتقلباتها..

***

أمان السيد

أول أيام الفطر المبارك 2025-03-31

في نصوص اليوم